الفصل الثامن والثلاثون 🍒🎶

Start from the beginning
                                    

***

وعلى بُعد عدة أمتار كان يقف كل منهما يواجها بعضهما بشيء من السخط.. الغضب.. وصوت السفير يكرر آمرا بشيء من الحدة.. 
" فلتنهي كل شيء وها هي تزوجت غيره "
ليقترب بيتر بوجهه وتعلوه إمارات الغضب شاعرا أن البساط يُسحب من تحت قدميه بكل سهولة فالسفير يبيعه كاسبا الصهر الجديد..
" ماذا تعني؟!  .. وانتقامي؟!  "
يعلو ملامح السفير علامات التحذير موازاة مع نبراته الخافتة وعينيه اللتان تدوران يمنة ويسارا في إشارة منه للمكان واحتمالية أن يسمعهما احد.. 
" اخفض صوتك يا بيتر ولا تتغابى "
ثم تابع مُستهزئا مُدركا أن قيمة الواقف لا يتعدى حفنة أموال وهذا ما قصد تمريره بين حروفه..
" سأدفع لكَ ثمنه يا بيتر لا تقلق "
ثم أشار بسبابته قاصدا التحذير..  والتحذير القوي الذي لا يُخالف.. 
" لهنا وانتهى.. فلو علِمت ما خططنا له سأخسرها للأبد "
والمقصودة غبية..  حمقاء وقعت في فخ مدروس بكل حذافيره..  فخ نصبه اثنين لا يقل أحد منهما حقارة عن الآخر وهذا ما أثبته كلاهما.. 
" أنت بكل الأحوال ستخسرها سيادة السفير "
والاستهزاء ختم به حروفه فكلا الطرفين وغد بطريقته وهذا ما غاب للحظات عن السفير أثناء تحديه للآخر.. 
" ماذا تقصد..  وإلى ماذا تُلمح "
شدّ بيتر جذعه ناظراً للآخر بقوة.. ثبات.. مجابهة من على الخطأ بقادر.. 
" أعني أن بالتأكيد هناك جولة أخرى وطريقة أخرى لانتقامي وسأجدها 
بنفسي "
ثم غادر تاركاً الآخر ينظر في إثره بشيء من الذعر اللحظي سرعان ما سيطر عليه فهو في النهاية سيادة السفير بِشير الجمّال.. 

أما من غادر.. فوصل بخطواته للواقفة ترتجف.. تكاد تتخيل ما ينتظرها في الساعات القادمة.. 
انتفضت حين شعرت بقبضة سجّانها يمسك مرفقها قابضا عليه بقسوة قائلا من بين أسنانه متوعدا..  مُهددا.. 
" هيا..  فلدينا حساب لم ينته بعد  "
وسقط قلبها مرتعبا حين يقينها أن الساعات القادمة ليست الأسوأ.. 
بل هي النهاية.. 

****

" هذه غرفتك "
قالها مشيرا لغرفة في آخر الرواق الخاص ببيته..  بيته الذي لم يجدد به شيء احتفالا بعروس قادمة كما يجري العُرف.. 
ولكنها ليست أنوس كما العُرف ولا هو عريس كما المتوقع.. 
" شكرا شاهر "
نشلته من حربه الداخلية بهمسها الخافت الممتن.. 
" أعلم أنك تحملت الكثير خلال الأيام الماضية وتحديداً اليوم "
لوح بيده.. خطى خطوة في عكس اتجاه وقفتها.. 
" لا عليكِ چود.. الاختيار كان اختيارنا "
صمت ظللهما للحظات أقرب لدقيقة قاصمة لعقل كل منهما قطعتها چود متسائلة بتوجس.. 
" هل قررت ماذا ستفعل "
" لم أفكر بعد "
تقترب قائلة برجاء تخلل حروفها.. 
" عليكَ التفكير واتخاذ القرار سريعاً ليس هناك وقت "
رفع عيناه المعذبتين إليها فتابعت مؤكدة..  تشعل نيرانه أكثر.. 
" مجرد وجودها هناك ليس بمأمن لها "
تحرك تجاهها خطوة وعيناه لا تنفصلان عن عينيها بنظرات ثاقبة..  مصممة.. 
" چود أخبريني..  ما حدود أذيتهم لها.. أخبريني بكل التفاصيل "
وإن كان لديه كل الخطوط العريضة ولكنه يرغب في تفصيل التفاصيل عنها.. لا يعلم هل رغبة في المعرفة ام اشتياقا لكل ما يخصها حتى وإن كان ما يخصها يوجعه.. 
" أخبرتك لا أستطيع "
تهدل كتفاه بضعف يملأه تجاه الغائبة..  وذنب تلبسه دون أن يشعر.. 
" شاهر "
ندائها جعله يرفع نظراته إليها فتابعت.. 
" عليكَ اتخاذ القرار حتى أستطيع ترتيب سفري "
" وما دخل ترتيب سفرك بأي كان قراري "
وسؤاله دقيق.. محدد رغم تشتته الشخصي.. 
" هل نسيت أني سأترك البلد وأسافر ولكن إن كنت لن تسافر لها سأسافر أنا إليها قبلا وأخبرها بما اتفقنا عليه "
لاحظت اشتعال عيناه..  اشتعال وازى سؤاله.. 
" أي اتفاق تقصدين الأول أم الثاني "
أغمضت عيناها للحظات ثم فتحتهما تقول بخفوت تشعر بالذنب..
" بالطبع الثاني يا شاهر ..  صفا لابد وأن تعلم أننا لم اا.. "
بلعت باقي التفاصيل.. تعض على شفتها السفلى متذكرة ما حدث.. 
شردت بالذكرى والذكرى لم يفت عليها ساعات.. 
" ماذا بكِ "
سألها حين لاحظ ارتعاشها بشكل واضح .. 
" لماذا ترتعشين بهذا الشكل "
رفعت نظراتها إليه بشكل جعله يضيق ما بين حاجبيه بتعجب.. 
فأمرها مرة أخرى حازما بشكل قاطع. 
" جود تحدثي ماذا هناك "
" أنا.. لا.. أنا لا "
وتقطع حروفها أذهله كما زاد تعجبه بسبب دمعتين خائنتين بشكل مباغت جعلها تبتلع حروفها.. 
نظر حوله يمينا ويساراً وحين لاحظ أن لا أحد يتابعهما أمسك مرفقها يجبرها على مسايرة خطواته ثم وقف بها في مكان بعيد عن الناس.. 
وقف قبالتها يناظرها بتدقيق متسائلا.. 
" ماذا حدث؟!  "
رفعت نظراتها إليه برجاء أن يتفهمها.. 
" أنا.. لا أستطيع الزواج بكَ .. حتى وإن كان صورياً "
يتجمد للحظات..  حابسا أنفاسه ورُغماً عنه يشعر براحة طفيفة.. 
" ما الذي جد "
وسؤاله كان عميقاً.. مُستفسراً حتى وإن كان قرارها أسعده.. 
" أنا.. كذبت.. عليك "
وتضيق ما بين حاجبيه أنبأها عن رغبته في الاستفسار..  فتابعت تتمسك بجزء من الحقيقة.. 
" أنا.. أُحب.. شخصاً.. آخر "
أخفضت عيناها عن عينيه الثاقبتين..  وتابعت متمسكة بالشق الآخر في هيئة كذبة انتهجتها.. 
" ووالدي رفضه ويريد تزويجي بآخر "
والاستفسار منه كان متوقع.. 
" ولماذا لم تلجأي له "
" سافر "
وإجابتها خافتة..  كاذبة..  مذنبة ومُدانة.. 
" وهل كنتِ ستسافرين له بعد إنهاء زواجنا؟!  "
السؤال كان غائرا لأعمق أعماقها.. أكدت حتى وإن كانت كاذبة.. 
" نعم.. نعم بالتأكيد "
ناظرها مدركا لعشقها الذي صرحت به.. متفهما وإن كان متحفظا لبعض الأشياء ولكن من هو حتى يعترض يكفيها أن تُحِب فيكون الممنوع مُباحاً في شريعة العاشقين..
ومن غيره يستطيع الإحساس بكل عشق نُحر.. 
" حسنا ماذا سنفعل الآن..؟! "
سألته تنتشله من حوار نفسه فينظر لها مُقرا..
" الجميع بالخارج ينتظرون "
أومأت دون كلام فيصمت مفكرا..  مفكرا في كثير من الأمور وأولهم نظرة الذنب التي تظلل عينيها.. 
فأراد أن يطمئنها.. 
" چود أنا أيضا زواجي منكِ كان خطأً "
ناظرته بلهفة وكأنها تنتظر ما يقوله لتخفف عن نفسها وطأة الذنب..
" كنت سأدفع ثمنه جزءً من روحي "
والتعبير مؤلم كألم ملامحه.. 
" أنا شخص لا أصلح لزواج حتى وان كان صورياً "
واقتربت والاقتراب جعلها تدرك حجم الخطأ الذي كانت تضعه فيه.. 
" ولماذا وافقت "
سؤال خافت خرج بدمعتين كسيرتين.. 
" خطأ "
اعترف بها ثم أوضح .. 
" خطأ مني.. وبه ظننت أني أهرب من شيء ما ولن يضرني شيء بالنهاية هو زواج على ورق "
لوح بيده معبرا..  معترفا بذنبه هو الآخر.. 
" انتقم من شيء لأُفاجئ بكوني أنتقم من نفسي..  ومن قلبي "
وآخر اعترافه خرج خافتا..  مكسورا حزينا.. وملوماً.. 
" هل.. تريد.. قول شيء "
سألته بعد أن أدركت أن حالته تشبه حالتها..  وأدركت كم خسارتهما ستكون فادحة حتى وإن أعلن شهامته معها بموافقة غريبة على عرض أغرب.. 
" لا "
قاطعة.. مبتورة كبتر روحه في حُب أخرى تمناها.. 
" سأذهب لأرى ما أستطيع فعله "
قالها ثم تحرك بالفعل لتوقفه..  تسأله بأمل وليد.. 
" هل هناك ما يمكنك فعله حقاً "
ابتسم وابتسامته اتشحت بألمه الداخلي ولكنه لم يظهره.. 
" لي صديق هنا سأحدثه وأرى ما نستطيع فعله "
عادت من ذكراها مغمضة العينين.. جبينها متغضن.. 
تلعن نفسها وتسرعها فلولا ما حدث لكانت زوجة الحكيم الآن حتى وإن كان بالإسم..  مجرد مسرحية تم اتقانها بالاتفاق مع صديقه لتكون النهاية مجرد عرض مسرحي هم أبطاله.. 
" أعتذر أني لم ألاحظ حبها لكَ شاهر "
قالتها صادقة ليلتفت لها متمعنا..  متابعا اعترافاتها المذنبة.. 
" أنا صديقة سيئة "
ابتسامة هازئة..  ساخرة متوجعة بألم الغباء منه. واللعن يصب فوق رأسه وقلبه ليوازي الوجع داخلهما.. 
" حبها لي؟!..
تفترضينه لمجرد سماعك كلمتين من مجد؟!  "
أشار بذراعه في اللامكان متابعا بحدة وكأنه يُخرج صخب عقله في التفكير.. 
" كانت معي أثناء السفر وتغنت بحبها له وتعلقها به.. 
ورغبتها السريعة في الزواج منه "
هجومه تعجبته فاقتربت سنتميترات لم تكمل الخطوة.. تفكيره تسرده أمامه وشهادة في حق غائبة.. 
" أعتقد أن صفا لم تحب مجد "
ووجودها في جملة واحدة مع آخر جعلت عيناه تشتعلان بغيرة محمومة انطلقت من عقالها بعد مواجهة المذكور له.. 
غيرته عليها من البداية موجودة لكنه كان أحمق متخاذل.. 
" ما الذي جعلك تقولين هذا "
والسؤال خافت..  متوجس رغم اشتياقه لجواب يتغلغل قلبه بسَكِينة.. 
" ما عرفته منها أنه طلبها للزواج قبل سفرك.. 
وبعد فترة تفاجئنا أنها وافقت ومع ذلك لم تتم أي خطوة طوال سنة تقريبا "
وتقطيب حاجبيه بتساؤل مفكر جعلها تتابع.. 
" وكان مجد خلال تلك السنة يحاول التقرب منها ومحاوطتها براعيته واهتمامه ولكن علاقتهما اا..  "
فحثها على المتابعة.. 
" علاقتهما ماذا "
فأجابت تفكر.. تشرح وتستنتج.. 
" علاقتهما لم تكن كما تخبرني.. حب وهكذا "
اقترب والحوار راقه.. بل أنعش القلب بشكل مباغت لم يتخيله..
" علاقتهما كانت أقرب للصداقة وهذا ما أخبرتها به في إحدى المرات ووقتها أجابتني بكل هدوء أن هذا ما تحتاجه.. "
ازدرد لعابه بصعوبة وطعنة تغزو القلب لإدراكه أن أحداً غيره أعطاها ما تحتاجه ويجهله .. وعينيه المتسائلتين جعلاها تتابع..
" قالت أنها تحتاج من يفهمها لا من يكسرها "
وهذا ما فعله مرارا للأسف بل هذا ما أبدع به..  وهذا ما سمعه منها وقت سفرهم حين تباهت بحبها لآخر وتفهمه لها.. 
يتذكر جيدا ما قالته.. 
( مجد كان سنداً لي وقت غياب الجميع وأولهم أنت..
كان الصديق الذي احتجت.. كان الرجل الذي أعطاني كل مشاعره ولم يبخل بها عني) 
وهو لم يبخل فقط..  هو أساء فطعن.. غار فغدر.. 
والنتيجة كانت تركه وحيداً ..  النتيجة كان غيابها عن مرمى عينه كبعدها عن مرمى قلبه..  قلبه الذي يطالب بضمة.. لمسة.. همسة.. 
يطالب بتطيب جرح غائر.. نافر لدمائه.. 
" لا تتركها يا شاهر أرجوك "
كان أمر في هيئة رجاء.. ثم تسرد سطر آخر في وجه ثانِ لحكاية لا يعلم عنه شيء.. 
" صفا تعتبر وحيدة.. ليس لها أحد "
والسرد يزيد فالراوي هنا أنثى تدقق في التفاصيل فتزيد تيهه ووجعه دون أن تعلم.. 
" أنا فقط من لها.. ومع ذلك لم يصادف أنها أخبرتني بحقيقة مشاعرها تجاهك..  قد يكون تقصير مني ولكني متأكدة أنها أجادت تخبئة تلك المشاعر خوفا من كونه تعلق من طرف واحد "
والصمت أصبح الملاذ لكلٍ منهما للحظات قطعه هو مفكرا بصوت عال.. 
" بداية عملها بالشركة سمعتها تتحدث بالهاتف وتسأل من تحدثه عن زوجها..  "
هز رأسه يعيد ترتيب أفكاره..
" وقتها ظننت أنها متزوجة وحاربت تعلقي بها فقط لهذا السبب ولكوني أحمل نفسي ذنب وفاة زوجتي الأولى فاستكثرت على نفسي أن أحب وأتعلق بامرأة وهناك أخرى دفنتها بنفسي بعد انتحارها وتمرغت يداي بدمها "
وغرقه في ماضي مؤلم ارتسم على ملامحه فنادت اسمه ترغب بانتشاله من جَلّده لذاته.. 
" شاهر "
ولكن شاهر لم يسمع بل ظل محبوسا في ماض وذكرى .. طريدا غريبا عن جنة تمناها.. 
" كنت أخاف ذنبي يطالها فابتعدت وابتعدت أكثر حين سمعتها "
يرفع نظراته إليها يسألها ولا يملك حق السؤال.. 
" من أين لي أن أعلم ما تقصده "
اقتربت تواسيه والمواساة في حالتهما منحة.. 
" صفا مطلقة يا شاهر فإلغي هذا السبب عن تفكيرك.. "
والاهتزاز الطفيف لحدقتيه جعلاها تكمل مشققة.. 
" أما عن ذنبك..  فلا أحد.. أتسمعني.. لا أحد يختار الموت وعلى آخر أن يتحمل نتيجة اختياره "
ولمست شغاف ذنب يتمنى التخلص منه فتتابع.. 
" كل انسان مسؤول عن اختياراته "

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل Where stories live. Discover now