الجزء الثالث: (54)

213 29 2
                                    


(54)




كانت درجاتي في الاختبارات التجريبيّة مُتوسّطةً على الدَّوام؛ فكانت الرِّياضيَّات أقوى مادّة لديّ، وتتبعها العلوم والدراسات الاجتماعيّة؛ إذ كان لا بأس بمستواي فيهما. لكنّ المُشكلة كانت تكمن في اللغة الكوريّة؛ فقد كانت هُناك دائمًا معانٍ مُتوارية وتعبيرات مجازيّة أعجز عن إدراكها.. لمَ يا تُرى تستتر دوافع الكاتب بهذا الإتقان؟ كانت تخميناتي دائمًا ما تخيب.

لَعلَّ فِهم اللُّغةِ أشبَهُ بفهم تعبيرات ومشاعر الآخرين، ولهذا يقولون أنّ ضآلة حجم اللوزة الدّماغيّة عادةً ما تعني أنّ مستوى ذكائك سيقلّ، فلِأنّك لا تستطيع إدراك السِّياق تغدو مهارات الاستدلال لديك ضعيفة وينخفض مستوى ذكائك. كان من الصعب عليّ تقبُّل درجاتي في اللغة الكوريّة، فقد كانت أكثر مادّةٍ أردتُ أن أتميّز فيها، إلّا أنّها كانت الأسوأ لديّ.

استغرقني إخلاء متجر الكُتب بعض الوقت، كُلُّ ما كان عليَّ هو أن أتخلّص من الكُتب، إلّا أنّها لم تكُن مُهِمَّةً سَهلة. كنتُ أُخرِجُ الكُتب وأصوّرها كُلًّا على حدى، كما تعيَّن أن أتفقّد حالتها ليتسنّى لي نشرها على موقع مُقايَضة، ولم أكن أعلم أنّا كُنّا نملك هذا الكَمّ من الكُتب في المتجر. أفكارٌ وحكايات ودراسات تفوق الحَصر تراكمت فوق كُلّ رَفٍّ. أخذتني أفكاري إلى الكُتّاب الذين لَم تسنَح لي الفرصة بلِقائهم قطّ، وفجأةً خُيِّل لي أنّهم بعيدون عنّي كُلَّ البُعد، وهي فِكرةٌ لَم تطرق ذِهني من قبل؛ إذ كنتُ أراهم قريبين منّي قُربَ الصابون أو المناشِف، على مرمى يدي يسهُل الوصول إليهم. إلّا أنّهم حقيقةً كانوا يسكنون عالمًا مُختلفًا كُلَّ الاختلاف، ولعلّه سيظلُّ بعيدًا عن مرمى يدي للأبد.

- "مرحبًا!"

تناهى إلى مسامعي صوتٌ صادرٌ من خلف كتفي، وتجمّد قلبي إثر سماع تلك الكلمة كأنَّ أحدًا قد رشَّني بالماءِ البارِد توًّا. كان صاحبةُ الصوتِ هي (دو-را).

- "فكَّرتُ أن أُعَرِّجَ عليك، لا بأس بذلك، صحيح؟"

- "أجل، على الأرجح..." إلّا أنّي استدركتُ "بل في الواقع، مُرحَّبٌ بكِ دائمًا. من النادر أن أسمع زبونًا يستأذن للزيارة، إلّا إن كان يزور مطعمًا شهيرًا يتطلّب حجزًا مُسبقًا على ما أظنّ... وهذا المكانُ -كما هو واضح- ليس بمطعمٍ شهير".

أدركتُ حينها أنّي قد انتهيتُ إلى نعت متجري بعدم الشُّهرة، وانفجرت (دو-را) ضاحكةً لسببٍ أجهله. كان وَقع ضحكتها على المسامِع كوقعِ وابلٍ من البلّورات الثلجيّة اللا معدودة يُمطِر الأرض. تصفّحت (دو-را) الكُتب وابتسامةٌ لا زالت تتراقص على شفتيها.

아몬드 (Almond) | لَوْزKde žijí příběhy. Začni objevovat