السادس (العناق الأخير)

523 49 47
                                    

الفصل السادس من رواية تائه في عيون عوراء.
كان توتر ملامحها جليّ، تصنعت أنني قد أقتنعت مما قالته لي، وأنها تشعر بالمرض لذلك لم يظهر عليها الحماس.
أمسكت بيدها عصير مُغلف، كانت ترتعش وتنظر إليّ بقلق.
ظننت للحظة أنها ستعيده مرة ثانية، ولن تعطيني إياه.
وأخيرًا حسمت أمرها، فأخذته منها بابتسامة هادئة. قاطع ذلك رنين هاتفي، وكان خالد كعادته تلك الأيام يريد مصالحتي.
تصنعت أنني سأجيب على الهاتف، وخرجت من السيارة. اتجهت سريعًا لأشتري عصير مماثل لما أعطته لي. فكرت أنه ربما سيكون به منوم، فتصنعت النوم لأتأكد بعد ما قد شربت العصير.
خرج منها صوت مرتعش، وهي تربت على وجنتي، ثم سريعًا قامت بالخروج من السيارة.
فتحت عيني بحرص، وعلمت حينها أن ربما قام عمر بتهديدها، لتعطيلي عن المهمة.
لم أتوقع قط أنها ستذهب إليه، قمت بقيادة السيارة وجمعت رجالي، وأنا أشرح لهم ما سوف نقوم به حينما يحل موعد التنقيب، لكي نقبض عليهم أثناء قيامهم بذلك الفعل الاجرامي.
مر بعض الوقت، وقررت تحرك القوات، وبالفعل اتجهنا إلى المنطقة التي حددتها إليّ آية من قبل.
وصلنا، وقمنا بمراقبة المكان جيدًا.
تسللنا سريعًا إلى الداخل، ونحن في أتم الاستعداد.
لكن المكان فارغ تمامًا.
ظللت أسير بغضب، واستوقفني أثر الحفر، وفغرت فاهي حينما وجدت سلسلة كانت آية دائمًا ترتديها، وقد رأيتها أثناء مقابلاتنا القليلة.
نظرت إلى الحفرة الموضوع بها الرمال بشكل مهمل، وغير مكتمل، وسرت بعيني تجاه السلسلة مرة أخرى، وقلبي دق بشيء قد أرعبه.
أمسكت أداة الحفر سريعًا، وبكل قوة أزحت الرمال وساعدني جميع الرجال.
صُدمت حينما وجدتها، ووجدت ثعبان صغير إلى حدٍ ما يحيط عنقها.
تملكني الفزع، وأنا أصرخ باسمها، أمسكت الثعبان ونثرته بعيدًا.
حملتها وأنا مازالت أصرخ باسمها، لكنها كانت قد استسلمت.
وضعت أذني بجانب قلبها، فسمعت دقات خافتة للغاية.
ركضت بها إلى الخارج وأنا ادعي الله أن ينجيها مما هي به الآن.
& بقلمي شيماء عثمان
★ صلّ على الحبيب ★

كنت قد أفرغت جزء مما بداخلي إلى ذلك الرجل الذي من المؤسف أنه أبي.
نثرت يد رجاله، وخانتني قدمي، فسقطت أرضًا وأنا أبكي بكل جزء حزين يتملكني.
ظللت هكذا لبرهة من الوقت، لا أعلم ما هي الخطوة القادمة، ولا أعلم كيف أعيد الترياق لصاحبة النظارة السوداء التي كانت تبكي في الطرف الآخر.
كنت قد رفعت رأسي، ومازال صوت بكائي يحيط المكان. أدعي إلى الله وأشكو له مما يعتمل صدري، حتى قاطع تلك المناجاة صوت رصاص دوى في المكان، وإزدادت معها صرخات صاحبة النظارة السوداء.
شحت بنظري تجاه الصوت فوجدته قد صوب الرصاص على رأسه، وأنهى حياته بيده.
لا أعلم هل عليّ الصراخ وأقول أن أبي قد مات!
هل عليّ أن أدخل دوامة جديدة، وصفحات أخرى تضاف إلى ذكرياتي البائسة؟ وهل من الأساس كل ما مرّ كان ذكريات خاصة بي؟
عقلي توقف عن العمل، ومازالت دموعي تصرخ بالهبوط!
صعدت روحه إلى السماء، وحدقة عيناه قد أتسعت على آخريهما، وكأنه ينظر لي!
تجمدت مكاني، مشاعري متاهة كبيرة ليس لها مخرج، وصوتها يخترق أذني، وهي تردد اسم والدتها.
وقفت أخيرًا، وتحاملت على قدمي.
اتجهت إليها، وسحبتها من بين أيديهم، خارت قوتها بين يدي.
تألمت وهي تنظر إلى الأسفل فوجدت زجاج الترياق المفتت قد جرح قدمها
جلست أرضًا وهي تبكي بقلة حيلة، لكنها استمعت إلى نحيب يأتي من الغرفة المغلقة.
وقفت بفزع وهي تردد اسم" مريم" تلفتت حولها ولم تجد أي من الرجال الذين كانوا قد رحلوا بعد موت قائدهم، فثقيلة عليّ أن أقول أبي!
وقفت خلف الباب تصرخ، وتردد اسم الفتاة مرة أخرى، لم تجبها الفتاة. لكنها مازالت تبكي.
وقفت وأنا أسير كآلة خالية من المشاعر، وقمت بتحطيم الباب بكل قوتي.
دخلت سريعًا إلى الفتاة الصغيرة، وحينما رأت هيئتها ظلت تصرخ.
فكانت ممزقة الملابس ومعذبة، احتضنتها محاولة تهدئتها وحاولت أن تفك وثقها ولم تستطع.
فاقتربت وقمت بفكها، وخلعت عني قميصي، أعطيته لها بهدوء فوضعته على جسد الفتاة بأيدي مرتعشة، ونحيب متقطع.
تركتها معها، وخرجت من الغرفة، ووقفت أمام جثمانه، وقعت على ركبتيّ، ودموعي تتساقط، تذكرت حينما كان يشجعني لأدخل مجال الآثار، وكيف ساعدني في الحصول على ذلك العمل، وتذكرت العديد من الأشياء التي كان يفعلها معي حتى ينتقم مني في هدوء!
وتذكرت أيضًا تنبيهه لي بألا أقرأ مذكرات من كان المفترض أن يكون أبي؛ بحجة ألا تتفتح الذكريات في قلبي من جديد.
لكن السحر قد إنقلب على الساحر، فله من الله ما يستحق.
نظرت إليها من جديد، وأنا أتألم لأجلها فهي لم تستحق ما فعله بها.
أمسكت بالفتاة، واقتربت مني وهي تقول بصوت قد خرج هاشًا:
- كل شيء راح!
وقفت وقد ضاعت مني الكلمات، ونسيت أحرف الهجاء. لا أعلم كيف أخفف ما يقتحم قلبها من ألم.
وكم الحرب النفسية التي تداهم روحها، وألم الضمير!
خرجت مني الكلمات بهدوء و أنا أقول:
- مافيش حاجة ضاعت.
هزت رأسها وهي تنظر أرضًا، ودماءها كانت قد غطت الأرض، فتألمت ملامحها.
هبطت بجسدي ووجدت قطعة قماشية في الأرض، فأخذتها، وبجزء أزحت عن قدمها الدماء، وبالآخرى أحكمت ربطها على قدمها.
أتى رنين من هاتفها الذي كان داخل حقيبتها التي قد سقطت أرضًا من قبل، أخذته سريعًا ،وبأيدي مرتعشة ضغطت على زر الرد، فأجابت وحينما استمعت إلى الطرف الآخر، سقط منها الهاتف، وفقدت، وعيها وأثناء ذلك سقطت عنها النظارة السوداء!

تائه في عيون عوراء(مكتملة)Where stories live. Discover now