الفصل الخامس.

90 11 6
                                    


َوصلا لما يبدو سور طويل عجزَت شفَق عن رؤية آخره، وتوقفَا أمام بوابة متوسطة الحجم. نظَر لَيث حولهما ليتأكد من خلُو المكان من الناس ثم همَّ في صعود الدرجات المؤدية للبوابة.

أوقَفته شفَق في لهفةٍ وقلق قائلة، "لَيث، إلى أين أنت ذاهب؟!" كانت ممسكة بذراعه بإحكام خوفاً من تركه لها، خوفاً من تركه.

"سأذهَب لأتحدث مع شخص ما بالداخل، لا تقلقي، لن اتأخر." قال لها وهو ينظر ليدها الممسكة بذراعه ثم لوجهها القَلِق.

"إ- إنتبه لنفسك.." قاطعَت نفسها ولم تكمل ما كانت ترغب في قوله له.

نزل الدرجتين اللتين كان قد صعدهما ووقف أمامها، رفع كفيه لكتفيها وابتسم لها ابتسامة عذبة، جعلت ركبتيها رخوة كالمياه.

"لا تقلقي، فقط دقيقتين وسأعودُ لكِ." ثمّ اقتربَ في حركةٍ مفاجئة لها ووضع قبلة عميقة على غرّتها.

تركها وصعد قبلَ أن يرى الحُمرة العميقة التي اعتلَت بشرتها السمراء. هي لن تستطيع نكران الأمر بعد ذلك، فهي تملك مشاعر عميقة تجاه لَيث ولو أنّها لا تدري متى بدأت ومتى تطورَت تلك المشاعر. ربما بسبب حكمته ورجوليته، سُمرته وجاذبيته الكبيرة، أو بسبب عنايته بها وطبيعته الحنونة. هي لا تعلَم، ولكن هل نعلَم حقاً كيف ومتى تبدأ مشاعرنا بالنمو؟

..

"آزاد! ظننتكَ لن تأتي، لما تأخرت هكذا؟" بادَره شابٌ يرتدي زي ملكِي وهو ينظر حوله خوفاً من وجودِ شخصٍ يسمعهم.

"ها قَد أتيت، إسمَع زَيد، أريدك أن تمر على كافةِ صفوفنا وتأكد للمرة العاشرة بعد الألف من عدم وجود خائن بها." قالَ لَيث.. أو لنقُل 'آزاد'.. بجديةٍ وحزم.

"عُلم ويُنفَذ يا ابن العَم." قالَ زَيد بمزاح ليضربه لَيث بخفة على رأسه ويضحكا كلاهما.

"ششش! هيا، يجب أن ترحل الآن قبل أن تلفت الانتباه بغيابك وسنلتقي الليلة بإذن الله." قالَ لَيث بصوت منخفض وهو يدفع زَيد.

"سنلتقي وحينها سيكون الحال غير الحال." قالَ زَيد وهو يسير مبتعداً.

تنهّد لَيث في شيءٍ من الاضطراب والقلق..

..

عادَ لَيث ولكنه لم يجد شفَق في المكان الذي تركها فيه..

شعرَ بيدٍ تربت على كتفه برِفق فنظَر خلفه.

"ها!.. شفَق، ماذا تفعلين؟!" تعجّب لَيث بينما بالكاد تفصل أي مسافة بينهما.

"آ- رأيتُ حارساً قادم نحوي فاختبأت." همسَت له وهي تنظر نحوه للأعلى.

كانت تختبئ خلف عامودٍ في الظلام ولكِن مَسحَةَ ضَوء وصلت لوجهها ولمعَت عيونها السوداء، شعَر لَيث أن وجودهما بهكذا وضع خطر، خطر من نوعٍ خاص، فهو لم يعد واثقاً من التحكم بمشاعره لأكثر من هذا.

أخرجَ رأسَه من خلف العامود وألقى نظرة على طول السور، "لا يوجد أحد في الجوار، هيا بنا."

أمسكَ يدها وانطلقا سريعاً.

..

سلكَا طريقاً وجدَته شفَق غريب، لم يكن نفس الطريق الذي سلكاه من السوقِ حتى ذلك القصر.

"إلى أين نحن ذاهبان؟" تسائلَت وهي تنظر حولها نحو الطريق الرملي، تناثرت هنا وهناك أشجار النخيل وعلى مرمى بصرهم كان يوجد بعض المنازل الصغيرة.

انعطفا يميناً وكانت الشمس قد شارفَت على المغيب. توقّف لَيث أمام منزل بسيط حاوطته حديقة صغيرة امتلأت بالتراب وقد اصفرّ زرعها القصير.

"هل هذا.." توقّفت عن الحديث عندما أخرجَ لَيث مفتاحاً وقامَ بفتح الباب الذي أصدرَ صريراً عالياً.

"أرغَب في طلب شيءٍ منكِ، ولكن قبلها أريد إخباركِ شيءٍ ما." وقفَ على باب المنزل والتفَت لها، ولكنه وجَد نظرةَ عدم التأكد تعتلي وجهها.

"هل تثقين بي شفَق؟" سألَها بصوتٍ منخفض ناظراً لعينيها.

تذكرت كل تلكَ المرات التي انفرَد بها وكان في منتهى النُبل، وتذكرت أيضاً مشاعرها نحوه التي لا يمكن نكرانها، ثم تمتمَت بـ 'نعم' وهي تنظر لعينيه.

أطلقَ نفساً عميقاً كانَ قد حبسَه وكأنّ حملاً ثقيلاً قد سقطَ عن كتفيه. أشارَ بيده نحو الداخل لتدخل قبله ثم أغلقَ الباب الخشبي.

خلعَ عنه عبائته وتناولَ عبائتها وقامَ بتعليقهما خلف الباب. كان المنزل بسيطاً من الداخل كما كانَ من الخارج. أجلسها على صوفا من الفرو تقع تحت نافذةٍ مفتوحة.

جلسَ قبالتها وتنهّدَ ثم باشَرَ حديثه، "إسمي ليسَ لَيث، إسمي آزاد كما سَمعتِ رفيقي وزوجته ينادوني. أنا لستُ بتاجرٍ، حسناً لقد عملتُ في التجارة لفترة ولكنّها ليست مهنتي ولم أتوارثها، وإنما شغلٌ مؤقت حتى أصِل لغايتي،" توقّف عن الكلام مؤقتاً حتى يرى وقعَ كلامه عليها.

"آزاد،" تذوقت الإسم على لسانها ورأت كم يليقَ به، وكَم يبدو وكأنه اسماً ملوكي، "وما هي غايتك؟" تسائلَت بصوتٍ ناعم.

"أتذكرين حينما أخبرتكِ عن حاكم هذه المدينة العادل؟ وعن ابنه الذي كان من المفترض أن يوَرّث الحكم ولكن لم يفعل؟"

أومأت برأسها له في تشوشٍ وتوجس.

"ذلك الابن هو أنا."

... نهاية الفصل الخامس.

الفصل القادم هو الأخير 💛

| شفَق: الأمير المفقود |Where stories live. Discover now