الفصل العاشر

176 10 1
                                    

أتعلمون قطرات الماء التي احتضنها البحر بعد أن تخلت عن أحضان السحاب في يوم شتوي عاصف؟
للأسف كانت غبية.. غبية جدًا!
أغراها دفء الشمس فتركت البحر وغادرت!
لكنها لم تكن تعلم أن مصيرها العودة إلى بحرها ثانيةً!
حائرة.. مشتتة.. لا تدري من الظالم ومن المظلوم؟
أهو دفء الشمس، أم أحضان البحر؟
غير واعية أن الشمس تكمن في جوفها الجحيم.. والبحر يحمل في أعماقه الغدر!
التوتر كان سيد الموقف على طاولة الغداء، تجلس مقابل أخيها في حين جلس ريان على رأس الطاولة على يمينها وجيريكو على الطرف الآخر، بين الحين والآخر عيناه ترمق تران بقوة.
حاولت مقاومة كل غريزة في جسدها تخبرها أن تهاجم هذا التنين على الفور، تعض خدها من الداخل وتقبض على شوكتها تتلاعب بالطعام.. عقلها يسترجع حديثها مع تران منذ قليل عندما تركها ريان معه لفترة، كانت دمائها تفور مع كل كلمة تخرج من فمه وهو يخبرها ما حدث معه بعد ذلك اليوم الذي حررته فيه من فيكتوريا، لكنه لم يستطع أن يستمتع بها عندما وجد نفسه تحت سيطرة تنين آخر، لكن هذه المرة.. الملك الثاني!
طوال الأسبوع كان يمارس عليه شتى أنواع العذاب المهين والذي ظهر جليًا من الكدمات الزرقاء على وجهه خاصةً بعدما وسمه بعلامته كخادم له.. تتذكر ضحكته الساخرة عندما شكر الإله أنه رجل!
فتلك العلامة عندما توضع على الرجال من طرف رجل آخر فهذا يعني أنه خادم له، لكن إن كانت أنثى فهذا يعني أنها.. رفيقته!!
وقع نظرها على السوار المحيط برسغها تتذكر اليوم الذي وضعه ريان لها، قائلًا أنه مجرد هدية منه.. فابتسمت بسخرية وهي الآن تعلم سره، لكنها لم ولن تتقبله!
في تلك الأثناء، شعر ريان بتوتر حركاتها في كل مرة كانت تنظر لأخيه على مقربة من الانفجار، مال إلى الأمام يضع إصبعه حول خنصرها كما كان يفعل عندما كانا أطفالًا يلعبان في ذلك الكهف الحجري على التل في محاولة لمواساتها والتقليل من توترها.
لم تمر لمسته دون أن يلاحظها الرجلان الجالسان على الطاولة، فتلقت ابتسامة ساخرة من جيريكو ونصف مشوشة وغاضبة من تران الذي بدا وكأنه يريد أن يخبر ريان بأن يغرب عن وجههما لكنه فكر بشكل أفضل وتراجع!
-"وهذا هو السبب في أننا سنغادر في غضون أيام قليلة."
أنهى جيريكو حديثه وهو يقضم قطعة من طعامه، انتشل عقلها من التفكير من لمسة ريان لتنتبه له بعدم فهم:
-"ماذا؟"
ناظرها ريان بابتسامة جانبية رافعًا حاجبه بعبث، يشرب كحول كريه الرائحة لا يُسكر سوى الوحوش:
-"شخص ما يبدو مشتتًا.. هل تحتاجين مساعدة في الانتباه أيتها النمرة الصغيرة؟"
صوته العميق الهادئ تدفق من خلال رأسها، فاستدارت له بغضب لترى الشيطان الملعون نصف مبتسم راضيًا عن نفسه وما فعله، قلبت عينيها متنهدة بيأس ثم نظرت لأخيه بحاجب مرتفع منتظرة إجابة سؤالها المعلق، فأجلى حلقه يبدو غير مرتاح بعض الشيء مشيرًا لها ولتران:
-"عندما نتجه إلى الحشد الشرقي ستأتيان معنا،
بالإضافة إلى عشرات من التنانين المحاربة الأخرى.. الحدث كله عبارة عن تعريف أكثر من أي شيء آخر فكل أسياد الوحوش سيتنافسون فيما بينهم، ليروا أيهم سيكون جديرًا"
رمشت عدة مرات تهز رأسها بعدم استيعاب، تائهة فيما يقوله:
-"أنا آسفة، إلى أين نحن ذاهبون بالضبط؟"
أجاب ريان عن أخيه وهو يضع كأس شرابه على الطاولة:
-"جنازة الملك الأعظم لوك؛ فكل الملوك أُمِروا بالحضور"
لوك.. كان الرجل الذي تحدثوا عنه هذا الصباح،
لا بد أنه مات بعد محادثة ريان والرجل الآخر، عقدت جبينها بتساؤل تدير نظرها نحو ريان:
-"الملك الأعظم؟!"
ففسر لها ما يقصده:
-"أنا وجيريكو أسياد وقادة عشيرتنا، ولكن جميعنا تحت سلطان واحد على وجه الخصوص.. الملك الأعظم"
-"إنه مثل سيدنا السامي"
قالها جيريكو بابتسامة ساطعة، كانت ستراه ساحرًا لو لم يغضبها وجوده وتكرهه.
-"بمجرد اختياره فإنه يحصل على لقب الحياة، وكذلك نوع من الحصانة من جميع التنانين الأخرى، بما في ذلك نحن"
أضاف ريان بإمعان مكملًا:
-"اللورد السامي لم يكّون حشد مثل بقيتنا، وظيفته هي أن يراقبهم جميعًا؛ فهو يسهل التجارة، يمنع النزاعات، ويدير القوانين"
ألقت نظرة على تران الذي لم يتكلّم طوال فترة الغداء، وهو يقول:
-"والآن هذا الملك قد مات"
ألقى جيريكو نظرة جامدة عليه:
-"أحسنت صنعًا يا صاح أعتقد أنه يمكنك أن تفعل أكثر من الجلوس على ذلك الكرسي"
رماه تران بنظرة من جانب عينيه ملقيًا ذراعيه بحيث بدا كتفاه أوسع وأقوى على الرغم من مظهره المهزوم البالي، أثارت غضب الآخر وجعلته يميل للأمام وترك عينيه تدهسه في سخرية ممزوجة بحدة:
-"كنت أعتقد أن الأسبوع الماضي قد علمك شيئًا.. أنني أنا الملك وما أنت سوى خادم لي"
-"جيريكو"
هتف بها ريان بزمجرة حتى يتراجع أخيه، فرأت عيني الآخر تلمع لتطابق نظرات أخيه الغائمة.. لم تتحدث هي وتران بينما كانا الاثنان يتبادلان النظرات في صمت، نظرت إلى تران بتوسل أن يتراجع قبل أن يفعل هذا الأخرق شيئًا غبيًا له.
لم تكن حمقاء!
تعرف أنها لا تملك أي سلطة على جيريكو إذا قرر إيذاء أخيها أو قتله حتى.. ستكون عاجزة عن إيقافه!
أرادت أن يعتني تران بنفسه حتى موعد القمر الدموي؛ حتى يمكنهما أن يغادرا مع الأطفال من قريتهما ويبدآ حياة جديدة في مكان آخر.
نظرت إلى ريان بصمت، الفكرة في تركه فجأة بدت شديدة الألم خاصةً وهي تفكر في المعاناة الأبدية التي ستأتي مع التخلي عنه مرة ثانية.
هزت رأسها تنفض الأفكار منها تحاول تغيير الموضوع كي لا ينشب نزاع:
-"كيف يتم اختياره؟"
أجابها ريان بنوع خاص من البريق في عينيه:
-"عن طريق سلسلة من الاختبارات"
استند بمرفقيه على الطاولة مقربًا جسده منها:
-"لقب الملك الأعظم يمكن أن يُعطى لمن هم أسياد الحشود، فرصة أن تصبح في هذا المنصب تأتي مرة كل ألف سنة لهذا هو شيء لا يؤخذ باستخفاف"
زمت شفتيها بتفكير سائلة:
-"ما هي تلك الاختبارات؟"
أجاب جيريكو سؤالها:
-"تستند على خمسة أشياء: القوة الجسدية، السرعة، الذكاء، وقوتك الخاصة."
صمت قليلًا يحيل نظره بينها وبين أخيه بابتسامة جانبية:
-"وبالطبع.. الرفقاء."
كزت على أسنانها بغضب عندما شعرت بنظرة ريان لها كعلامة تجارية مثيرة، كل عظمة في جسدها تقاوم الرغبة في النظر إليه واقتلاع عينيه كي لا يرمقها هكذا!
-"كيف تتحكون في حياة البشر بهذه اللعنة؟"
صاح تران فجأة فبدا غضبه كالجحيم عندما فهم إلى ماذا يرمي حديثه، وبسرعة كالسهم كان جيريكو أمامه ممسكًا بذقنه هاتفًا بوحشية:
-"لا تلعن يا صاح ولا تتحدث"
حاول أخوها التملص لكن قبضة الآخر كانت تشتد أكثر بلا رحمة، قوته تتسرب من جلده في موجات وهو يهز تران بشراسة:
-"صبري بدأ ينفذ معك تران.. فمن الأفضل أن تبدأ بتعلم كيفية إظهار بعض الاحترام قبل أن أعلمك كيف مرة أخرى"
اشتعلت عيناها بانفعال كبير حتى استحال اللون الأبيض فيهما إلى الأحمر، الغضب بدأ يغلي بداخلها ولم تشعر بنفسها سوى أنها انتفضت واقفة من مكانها تنوي صب كافة غضبها عليه، فكيف يتجرأ ويتعامل مع أخيها بهذا الشكل؟
كادت أن تصل إليه قبل أن يسحبها ريان من ذراعها لتسقط بصراخ جالسة في أحضانه، حاولت النهوض لكنه أحاط خصرها بذراعيه الفولاذيين يجذبها إلى صدره أكثر يبقيها في مكانها، اهتزت بشكل لا إرادي من الغضب وصرخت في وجه جيريكو:
-"أبعد يدك القذرة عن أخي قبل أن أسلمها لك في يدك الأخرى"
شعرت باهتزاز جسد ريان بسبب ضحكته الخافتة مما أشعل فتيلها فالتفتت له برأسها:
-"وأنت.. اتركني في الحال"
-"انسِ ذلك"
همس أمام وجهها بمكر فأحتقن وجهها بغيظ قبل أن تلتفت إلى صوت أخيها الذي بصق في وجهه وهو يمسك ذراعه التي كانت لا تزال تحتجزه في مكانه:
-"اذهب أنت وأوامرك لأقرب سلة قمامة"
تيبس جسدها برعب، العالم كله بدا وكأنه توقف في تلك اللحظة؛ ثم وبدون أي مقدمات على الإطلاق، قال جيريكو كلمة واحدة فقط بهدوء مخيف:
-"ريــان"
في لحظة كانت محشورة بين ذراعيه الدافئين القويين، لم يقل كلمة بينما حملها خارج الغرفة.. كانت مصدومة وخائفة على أخيها لدرجة أنها لم تدرك ما حدث حتى خرجا من الغرفة وعادا إلى الردهة.
الصوت القوي المدوي الذي انبعث من خلف الباب المغلق حطم غلاف الصدمة الذي أحاطها وحطم الباقي من هدوئها، فاهتزت بقوة بين ذراعيه هاتفة بشراسة:
-"ريان، انزلني.. سيقتل أخي"
لم يلتفت لها ولم يترك مجالًا للمقاومة، فقط شدد من إمساكه بها بشدة متوجهًا نحو الدرج المؤدي إلى غرفتها، كانت تبكي وتصرخ كي يتركها، تتوسل إليه ليفعل شيئًا.. أي شيء لإنقلذ أخيها من غضب جيريكو!
فتح باب غرفتها وسار إلى الداخل يضعها على السرير الضخم، وبمجرد أن تحررت منه هرعت لتخرج من الفراش مثل حيوان بري، لكن قبل أن تصل إلى الباب أمسكها مجددًا يعيدها إلى الفراش يثبتها بجسده حتى انتقلت حرارته لها.
حاولت النهوض عبثًا ويداه ملفوفة حول معصميها، ساقاه تثبت ساقيها، عيناه كانتا فارغتين بينما كان يحدق بها بلا عاطفة، وهذا أسوأ مما لو كان غاضبًا، هتفت بقوة وصوتها يمتزج ببكائها:
-"اتركني ريان، اتركني.. سيقتل أخي"
أصبح جسدها جامدًا عندما وضع جبهته أمام جبهتها يتنفس رائحتها، ثم بدأ يلمس عنقها بأنفه برفق ثم همس في أذنها بصوت عميق ومغري:
-"استرخي جيانا"
ثم دفن في عنقها حتى بدا صوته مكتومًا:
-"جيريكو لن يقتل أخيكِ"
عصرت عينيها بقوة، محاولة إيجاد الإرادة اللعينة للتركيز، فقد كانت تعرف أنه يحاول أن يصرف انتباهها عن أخيها، فابتعدت بوجهها عنه هاتفة:
-"كيف عرفت ذلك؟
ألم تسمع الضجة...."
-"رجاءً توقفي"
قاطعها بخفوت وشفتيه تهبط على حنجرتها هامسًا أمام جلدها:
-"هذه هي طريقة تعامل التنانين مع خدمهم، فكل ما يفعله جيريكو هو تعليمه"
هتفت بغضب من بين أسنانها تحاول ألا تتأثر بشفتيه ولا بأنفاسه الحارة:
-"هذا يسمى تعذيب.. سادية"
صرخت عندما شعرت بأسنانه تضغط على عنقها تبعها ضحكته الخافتة، حاولت أن تتجاهله لكن لا فائدة من إنكار الرابطة بينهما، تشعر أنه يجذبها أكثر إليه.. وصلها همسه في أذنها:
-"أعلم أنكِ تشعرين بالرابطة بيننا"
هزت رأسها برفض وهي تتنفس بصعوبة فضحك مرة أخرى يرفع ذراعيها حول عنقه وانحنى قليلًا للوراء حتى تمكنت من رؤية وجهه وعينيه، اتكأ أكثر بحيث كانت شفتاه تحوم على مقربة منها بجهد شديد:
-"أريدك أن تقوليها"
ارتجف كامل جسدها، تهز رأسها مرة أخرى بعناد، فدفن نظراته في عينيها بقوة حتى استطاعت رؤية البريق الذي لاح فيهما:
-"قوليها جيانا"
أغلقت عينيها مرة أخرى، هناك ألف فكرة وشعور مختلف يمر بداخلها، تشعر كما لو أنها مجبرة من قبل قوة خارقة، ففتحت فمها وتنفست:
"لن تكون أبدًا......"
قاطعها بصرامة هادئة وبسمة غامضة تحمل الاثبات النافي لرفضها واعتراضها:
-"رفيقك"
ابتسم ريان عندما شعر بتوقف حركتها وتحجر جسدها أسفله، راضيًا تمامًا عما فعلته الكلمة بها، صمت كل شيء من حولهما إلا أنفاسها التي تتسارع تلفح وجهه بقوة، عيناها جاحظتان بانفعال على وشك الانفجار ما إن تستوعب الكلمة.
جسده يغطيها لدرجة أنها لم تستطع رؤية أي شيء خلفه لأن أكتافه أخذت كل رؤيتها، الدفء الذي كان يتسلل منه كان أكثر من اللازم، فقد تغلغل في مسامها و أشعل كل عصب بها لكن ليس من المتعة بل الغضب، رفعت رأسها قليلًا تهتف من بين أسنانها حتى برزت عروق عنقها:
-"أفضل الحرق حية على أن تتخذني عشيقة تغذي بها غرائزك اللعينة"
-"زوجة"
صحح لها بصوت خشن عميق جعل قلبها ينفجر في صدرها ورأسها تسقط على الوسادة مرة أخرى، فلم تستطع منع نفسها من السؤال بدهشة:
-"ماذا؟"
استلقى بجانبها يستند برأسه على كفه ولم يتردد في لف ذراعه القوية حولها وجذبها نحوه بنصف ابتسامة زينت شفتيه وهو يجذب قطعة من شعرها:
-"رفيقة في عالمنا تعني زوجة في عالمك البشري أيتها النمرة الصغيرة"
نظرت في الفراغ لبعض الوقت تفكر في حديثه، تحاول استيعابه.. هي بشرية وهو جريفن!
زواج ورفقاء!
ما الذي يحدث لها؟
شيء ما لمع في عقلها جعلها تسأله فجأة دون النظر إليه:
-"من متى تعرف أنني رفيقتك؟"
-"منذ فترة"
عقدت حاجبيها بغموض ثم استدارت له برأسها بوجه جامد ونبرة باردة، عقلها يسترجع كافة مواقفه معها والتي لم تنسها للحظة:
-"لقد سمعت عن الوحوش وروابط الروح، الأمر أشبه بشيء ملموس... هنا، لكنني لا أشعر بهذا"
وضعت أصابعها فوق صدرها حيث كان يجب أن تشعر بالرابطة أو حيث أخبرها الآخرون أن الرابطة موجودة، فابتسم ريان عليها واضعًا أصابعه فوق يدها:
-"لن تشعري بها قبل أن ننهي طقوس الزواج"
اتسعت عيناها بصدمة وعقلها ينسج عشرات المعاني التي من الممكن أن تعنيها هذه الكلمة، فأسرعت بالجلوس تنفض يده عندها حتى يطلق سراحها، ثم أولته ظهرها تقبض على الفراش بقوة وهي تتنفس بصعوبة، وكل ما يعتمر قلبها في هذه اللحظة الرفض والذعر!
نظرت في الفراغ بأعين يملأها الشراسة وهزت رأسها بحدة:
"لن يحدث.. لن أقبل بهذا الشيء"
-"لكن هذه حقيقة علاقتك بي جيانا"
تشعر بانخفاض الفراش كلما اقترب منها، وعوضًا عن جذبها إليه وضع يديه على ذراعيها بخفة هامسًا لها:
-"أتخافين مني؟"
نظرت له من فوق كتفها بجمود:
-"لا، بل رافضة لذلك النوع من الهيمنة التي تحاول ممارستها عليّ والتحكم في حياتي"
في غمضة عين وجدته راكعًا أمامها، كلتا يديه على جانبي فخذيها، عيناه لم تتركا عينيها بينما كان يتحدث بهدوء:
-"لما لا تقولين أنه قدرك المرتبط بي، فكلما حاولتِ الابتعاد أكثر تجدين نفسك تقتربين مني"
قرع قلبها بشدة، لقد كان على حق.
تلك الجملة تحمل في طياتها الحقيقة المرعبة، فشعرت بالضعف وهو يحدق بها بطريقة عكست نظراته القوية فقالت بيأس:
-"كان لدي أنا وأخي خطط يا ريان، أحلام و......"
قاطع حديثها بمسك يدها ووضعها على صدره حيث كان قلبه ينبض بقوة، وقبضت عيناه على عينيها:
-"أتعرفين ما هذا؟"
ضيقت عينيها على كفه القابض على يدها ثم نظرت له بحاجب مرفوع:
-"هل تحاول أن تفعل شيئًا؟
لأنه إذا كانت هذه هي الطريقة التي تغازل بها الوحوش........"
-"يا نمرتي الصغيرة"
نظر لها وهو على حافة الضحك مرة أخرى، لكنه أجبر نفسه على ضبط وجهه المحايد، مبقيًا يدها على صدره جعلها تشعر بكل نبضة تخرج منه:
-"هذا وعدي جيانا.
قلت لكِ إذا كنتِ ما زلتِ ترغبين في المغادرة عندما يأتي القمر الدموي سأتركك تذهبين.
أنا أحافظ على وعودي أتفهمين؟"
حدقت في عينيه لترى بريق فضي يلمع في مقلتيه الأرجوانيتين، فأومأت برأسها في صمت لكنه استمر في الحديث:
-"أنت لستِ محبوسة، ولستِ سجينة.. أنتِ رفيقتي وحرة كما كنتِ دائمًا"
سحبت يدها من كفه وابتعدت للخلف متفادية نظراته ولمسه، تفكر هل إذا قررت البقاء فستتغير الأمور؟
لم تدري أنها كانت تفكر بصوت عالِ، فوقف ريان في حركة واحدة سلسة قائلًا بلطف:
-"نعم.. ستختلف الأمور"
ازدهرت آلام شديدة داخل صدرها عندما فكرت في كل الاحتمالات لكيفية تحول علاقتهما؛ أصدقاء والآن رفقاء... ماذا بعد؟
عقدت ساقيها أسفلها ترفع رأسها له في برود:
-"وما هي تلك الطقوس التي أخبرتني بها؟"
هز رأسه بملامح متوترة رافضًا الإجابة فكررت:
-"قل لي"
نبرتها هذه المرة أقسى، فضاقت عيناه عندما نهضت من مقعدها تشير لنفسها بقوة:
-"لدي الحق في أن أعرف"
بدا عالمها كله كأنها دخلت في دوامة عندما دُفعت إلى الوراء تسقط على بطانيات السرير في شكل مثير للشفقة ترمي يديها لموازنة سقوطها، لم يتسنَّ لها الوقت لتتكيف مع الوضع حتى ثبتها ريان بطريقة لعوب وساخرة سمح فيها لعينيه بأن ترمقها بها، هامسًا بصوت مغري:
-"ماذا كنتِ تقولين أيتها النمرة الصغيرة؟"
حاولت أن تحافظ على ملامحها الجامدة كي تظهر غير متأثرة بحركاته وصوته على الرغم من أنها كانت في اضطراب تام في الداخل، فقالت بسخرية تهز رأسها ببطء:
-"لا تبدأ بحركاتك تلك ريان لن تجدي نفعًا"
وضع يده على شفتيها يهزّ رأسه في وجهها بطريقة متعالية، لقد نظر إليها بالطريقة التي ينظر بها المرء لطفل يسيء التصرف:
-"أوه جيانا"
قبل خدها وابتسم ابتسامة عريضة عندما تحول إلى اللون القرمزي:
-"أنتِ رائعة للغاية."
-"ريــان"
زمجرت بغيظ لكنه لم يكترث ووضع قبلة أخرى على خدها المقابل، لكن هذه المرة قام بالقضم على جلدها جعلتها تصيح مفاجئة، لتتسع ابتسامته:
-"لا نتحدث بهذه الطريقة الى رفقائنا.
أتريدين معرفة القواعد؟
هذه الأولى"
وضعت كفيها فوق صدره تدفعه للخلف قليلًا حتى أصبح وجهه يقابل وجهها، فرفعت حاجبها بسخرية تهز رأسها بأسف:
-"أظن أننا سنواجه مشكلة مع هذه القاعدة"
رفع حاجبه بالمقابل وقال متذمرًا:
"التهجم غير مسموح به أيضًا.
أنتِ ملكة الحشد الآن"
ثم ابتسم بطريقة وحشية هامسًا لها:
-"مولاتي"
ضحكت بصوت عال، لكنها توقفت عندما رأت التشويش الحقيقي في نظرته فرفعت نفسها قليلًا من تحته شبه جالسة:
-"أنت لست جادًا، أليس كذلك؟"
مالت رأسه بشكل خطير:
-"هل أبدو وكأنني أمزح؟"
-"لا بد أنك تمزح معي"
هزت رأسها غير مصدقة ثم أكملت ساخرة تقرب رأسها منه في مجابهة غير متكافئة تثير غضبه:
-"وما التالي؟
ممنوع الشراب بعد منتصف الليل؟
حظر التجول عند غروب الشمس؟"
اقترب بشكل خطير منها حتى ضرب جبهته بخاصتها وهو يتابع حديثه:
-"لنعتبرهما القاعدة الثانية والثالثة، هذا سيمنعك من افتعال الأشياء الغبية وأنتِ مخمورة"
سخرت مما قاله وبذلت قصارى جهدها لتبتعد عنه:
-"أوه، فهمتك.. أنتم أيها الذكور حمقى، خائفون من أن رفاقكم سيذهبون مع وحش آخر، أليس كذلك؟"
عضت على شفتها السفلى بمكر وهمهمت من بين أنفاسها:
-"ما مدى ضعفك ريان؟"
كانت هناك لحظة كان فيها كل شيء هادئ، وبدا العالم متجمدًا حين ظهرت الشقوق في عينيه لتعلم أن وحشه بدأ في السيطرة عليه، لم تكن هناك كلمات للطريقة التي كان يحدق بها، الجزء الذي لم يكن يغلي من الغضب امتلأ بالخوف بدلًا من ذلك.
رغم كل مظهره المحب كان مرعبًا عندما أراد ذلك، منحنيًا بطريقة جعلتها مقتنعة بأن خطوة واحدة خاطئة ستجعله يمزق رقبتها.. ومع إنها كانت تعرف أنه لن يؤذيها عمدًا، كان لا يزال هنالك شيء يُقال عن غضبه عندما يُثار.. أنه الجحيم في حد ذاته!
ببطء شديد، انحنى للأسفل بحيث كانت شفتاه مستويتين مع أذنها، وكانت الحرارة من أنفاسه التي كانت تمطر على عنقها كافية لتركض رعشة على عمودي الفقري، تحدث بصوت لحني مميت:
-"من الأفضل أن تشكري الآلهة أن طقوس الزاوج منعتني من أخذك هنا.. والآن"
كلماته جعلت عينيها تتسعان بشدة وجسدها كله يرتعد من الوعد الخفي في صوته:
-"عندما تتم لن تتحديني أبدًا مرة أخرى.. سواء أتى القمر الدموي أو لا، ستتوسلين لي للبقاء كي أسعدك مرارًا وتكرارًا"
ثم وبدون كلمة أخرى استقام واقفًا بجانب السرير وكأنه لم يفعل أو يقل شيئًا، يصلح ملابسه قائلًا:
-"أنا أعرفك جيانا، ثمان سنوات لم تغير روحك.. أنتِ بارعة أفضل من الجميع، لديكِ رغبة قوية أوصلتك بعيدًا وسوف تأخذك للأبعد"
لم تتحدث ولم ترد، فقط تستمع له في صمت مبهم غامض، بل لم تتحرك إنشًا عندما انحنى نحوها لكن لم يلمسها:
-"لكن لا تفكري لوهلة أنني سأكون أي شيء أقل من الأفضل منك، أنتِ رفيقتي وسأكون أفضل شريك يمكنك الحصول عليه، وكل ما أطلبه في المقابل هو العقل المتفتح"
ضحكت بسخرية مكتفة ذراعيها أمام صدرها، تميل برأسها للجانب قليلًا:
-"تقصد الطاعة!"
تجاهل الرد عليها ومشى نحو الباب أكتافه العريضة تتحرك مع كل خطوة، توقف واستدار في منتصف الطريق لينظر إليها من جديد:
-"جيانا!"
مالت برأسها تنظر له من أسفل أهدابها ببرود تنتظر ما سيقوله:
-"القاعدة الرابعة: لا تناديني بالضعيف مرة أخرى"
ثم ابتسم بخبث قبل أن يخرج:
-"سوف تغضبيني وحسب"





على قدر الاتكاء يأتي السقوط
وهي لم تتكئ فقط؛ بل أخذته ملجأً ودرعًا حاميًا من بحر الوحدة الذي كانت غارقة فيه بعد وفاة أختها.
حاولت تشتيت أفكارها بعيدًا عنه وتصب تركيزها على الطبيب الذي يتحدث على المنصة، لكن عقلها كان له رأي آخر؛ فلم تسمع كلمة منه وكل ما يشغلها ذلك الكائن الذي وقعت في حبه!
انتهى المؤتمر وهي تجزم أنها لم تستمع لما قيل فيه سوى القليل، تحدثت مع أحد الأطباء لبعض الوقت قبل أن تتجه للخارج.
وقفت فجأة على بُعد درجتين عندما رأته متكئًا على سيارته التي تجلس فيها لونا بالخلف، تنهدت بعمق تهز رأسها بيأس وهبطت باقي الدرج غير عابئة بوجوده متجهة نحو السيارة المخصصة لها لتعود إلى الفندق.
شعرت بكفه يمسك مرفقها يوقفها فأخذت عدة أنفاس بطيئة قبل أن تستدير له بكامل جسدها مكتفة ذراعيها أمام صدرها، وقبل أن تتفوه بأي كلمة رفع سبابته أمام وجهها قائلًا بحزم:
-"لقد تحدثتِ بما فيه الكفاية آريا، تركتكِ تفعلين ما تريدينه وأعطيك الحق في الغضب، والآن جاء دوري في أخذ حقي"
عقدت حاجبيها بحيرة تهز رأسها بتساؤل:
-"عن أي حق تتحدث؟"
أمسكها من ذراعيها يضغط عليه بقوة لم يقصدها حتى ظهر الألم على وجهها يهمس بحدة من بين أسنانه، وبريق عينيه يشتعل بقوة:
-"حقي في أخذ فرصة في توضيح الأمور لكِ وبعدها لكِ حرية الاختيار"
خفف من قبضته على ذراعيها لكنه لم يتركها بل قربها منه أكثر:
-"إن كنت أريد خداعك آريا لم أكن سأعترف لكِ بما فعلته ولا كشفت عن هويتي"
لامس فكها بأرنبة أنفه مغمضًا عينيه يستنشق عبقها الذي اشتاق له صعودًا إلى وجنتيها يرسم دوائر متداخلة، يلامسها بشفتيه دون أن يقبلها، فشعر بكفيها يقبضان على عضديه وأنفاسها تتثاقل من تأثيره عليها، فاقترب من أذنها هامسًا بصوتٍ ثقيلٍ منفعل:
-"أنا أحبك آريا"
لم تشعر بنفسها إلا وهي جالسة بجانبه في السيارة في طريقهم إلى المنزل، بعد أن أخبر لونا بإحضار حقيبتها معها، وكأنه كان متأكدًا أنها ستوافق!
نظر لها بنظرات اعتذار كبيرة:
-"أنا آسف لم يكن يجب أن تغيبي عن نظري وأنا أعرف أن غابرييل في الأرجاء"
هزت رأسها بلا شيء:
-"أنت لست ملزمًا بحمايتي إيريك، حتى لو كنت تريد لكن هذا ليس عملك"
ضغط على عجلة القيادة بقوة حتى كاد يكسرها هاتفًا:
-"إنه أخي آريا.. كان يجب أن أتوقع أنه سيأتي خلفك"
التمعت في عقلها كلمات غابرييل أنها تتلقى اهتمامًا كبيرًا منه منذ آخر إنسانة كان إيريك على علاقة بها!
شعرت أنه لم يقصد بحديثه كلير أختها ولا حتى جيسيكا بل هناك فتاة أخرى، فنظرت له عاقدة حاجبيها بغرابة تسأله بحذر:
-"لقد قال أنه فعل هذا من قبل، لاحق امرأة كنت تهتم لأمرها"
رأته يشد من قبضته أكثر ناظرًا من النافذة وشرارات الغضب تنبعث من جسده، ظلت صامتة محافظة على جمود ملامحها في انتظار إجابته:
-"اسمها سارة، زوجتي"
استدارت لها وعيناها تطلق شرارات الغضب والغيرة، يفوقها احساس بالصدمة:
-"أنت.. متزوج؟"
-"كنت!
أنا وسارة كنا صديقين عندما كنت أعيش في نيفادا عام 1890..
بعد أن ترملت، تزوجتها لأحميها هي والطفلة التي تحمل بها"
طالعته بصمت ضاغطة على شفتيها تتنفس بصعوبة وتكتم ألم غيرتها الذي نشب بداخلها، حتى لا تكون مثيرة للشفقة، تنظر له من أسفل أهدابها مستمعة بإنصات:
-"لقد كان اتفاقًا جيدًا.. هي وابنتها تملكان مسكن لهما، وأنا أحصل على مصدر للغذاء"
استحال وجهه للشراسة، واحتقن بدماء الغضب حيث عاثت في عينيه نظرات الشزر، يضغط على أسنانه بشدة:
-"وغابرييل قتلها"
اضطربت في جلستها تبتلع ريقها بتوتر، فوضعت يدها على ذراعه تضغط عليه بمؤازرة تنظر له بأسف هامسة بخفوت:
-"أنا آسفة إيريك"
ضغط على شفتيه يومئ برأسه عدة مرات ناظرًا للخارج:
-"وأنا أيضًا"
تهدل كتفاه بضعف فبدا في نظرها وعقلها البشري كعمره الحقيقي الذي يصل لمئات السنوات:
-"بعد ذلك، فقدت كل الإيمان بأن غابرييل يمكن أن يصبح أي شيء آخر غير ما هو عليه"
ابتلعت آريا ريقها ببطء وفركت كفيها على قدميها، تبلل شفتيها وهي تقول:
-"وماذا حدث للطفلة؟"
-"تبنتها عائلة جيدة"
ثم اشتعلت عيناه بشراسة ينظر للطريق أمامه:
-"ولأنه محرم على جنسنا قتل بعضنا البعض، فعلت الشيء الوحيد الذي يمكن أن أفكر به"
عقدت حاجبيها بعدم فهم في البداية قبل أن تتسع عيناها عندما لمع شيء ما في عقلها، واستدارت له في مجلسها هاتفة بذهول:
-"هل تقصد أنك سجنته في ذلك الكهف؟"
أومأ رأسه بتأكيد:
-"نعم، الغابة والكهف.. لقد كنت هناك هذا اليوم من أجل غابرييل"
ثم نظر لها بنظرات مليئة بالأسف:
-"وذلك الحلم الذي رأيتيه والرجل الناري، كنت السبب فيه لأنني كنت أريد الطاقة كي أعالج نفسي لنخرج من هنا"
هزت رأسها عدة مرات بعدم تصديق:
-"أنت حركت كل هذه الأنقاض بنفسك؟!"
أمسك كفها بقوة يرفعه إلى شفتيه يقبله بحنان هامسًا:
-"نعم، كان لابد من إنقاذك لهذا كنت مضطر لذلك"
استند بذقنه على قبضتيهما يدقق النظر في عينيها بعشق:
-"أنتِ فتاة مميزة للغاية بالنسبة لي دكتورة آريا"
وصلا إلى منزل آريا بعد أن نزلت لونا أمام منزلها، لم ترَ سيارة جيسيكا أمام المنزل فخمنت أنها برفقة صديقها.. غيرت ملابسها بأسرع ما يمكن وجلست على فراشها ترفع البطانية إلى صدرها تنظر للجالس على الأريكة المقابلة للفراش بدهشة:
-"ألست مرهقًا؟"
هز رأسه مبتسمًا:
-"عمليًا لا..
أنا أستطيع دخول الأحلام لكنني لا أنام آريا"
عقدت حاجبيها بغرابة ترمش عدة مرات بعدم فهم:
-"إذا كنت لا تنام، ماذا ستفعل بينما أنا نائمة؟"
رفع حاجبه بخبث يرسم ابتسامة جانبية، تلمع عيناه بقوة:
-"أراقبك مثلًا"
مددت جسدها على السرير تتملل مكانها كالهرة حتى تجد مكانًا مريحًا، وقالت بصوت ناعس خرج مثيرًا:
-"هل أخبرتك من قبل أنك لطيف"
ضحك بقوة قبل أن يستند بظهره للخلف على ظهر الأريكة:
-"نامي آريا"
غطت في النوم بسلاسة وبدون أحلام هذه المرة، نوم هادئ غير مرهق، لكنها استيقظت على صوت إيريك، فقلقت وتوترت بشدة تسأل نفسها السبب في إيقاظه لها؟
استندت على كفها ترفع جسدها قليلًا عن الفراش تحك مقدمة رأسها تجبر نفسها على التركيز، نظرت له عاقدة حاجبيها بدهشة وهي تسمعه.. يعتذر من سارة!!
لكن الصدمة الأكبر.. أنه كان نائمًا!

يحدث ليلًا "فانتازيا مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن