الفصل الرابع والعشرون 🍒🎶

Start from the beginning
                                    

****

خطى إلى داخل الغرفة ليجدها جالسة على فراشهما مستندة بظهرها لمسنده من خلفها.. تمسك بين يديها كتابا ما.. مرتدية تلك المنامة الصفراء الحريرية الملمس ذات الحواف الزرقاء و المطعمة بورود أطاحت بتعقله في ليلة ما من فترة زواجهما الأولى.. 
ظل ينظر لها قليلا و كم تمنى استطاعته النظر لداخلها كما خارجها..
يعلم أنها تغيرت.. لقد لمس هذا بنفسه.. و لكن التغير مخيف..
يرى قوتها بأم عينيه.. و لكن ليس هذا ما يريده..
كل ما يرغبه أن تكون هي.. و كفى..
هي كما هي.. كما عرفها.. و كما عشقها و جُن بها..
لا يعلم هل تداري ضعفها و حاجتها وراء تلك الثقة المزيفة أم بالفعل سلمت أمرها لله..
يخشي الانفجار في أي لحظة قادمة.. و لكنه لا يستطيع لمس بواطن منبع ثورانها المرتقب..
و لا يستطيع توقع ميعاده..
كل ما عليه أن يكون جوارها..

رفعت عينيها إليه لتهديه أهدأ ابتسامة رآها بحياته..
" حمداً لله على سلامتك "
أهدته كلماتها لتمحي عذاب يومه.. خبأ ما يمسكه بيده تحت طرف عباءته السمراء فيبادلها ابتسامتها بأخرى..
" سلمك الله من كل شر.. "
جلس بجوارها على الفراش ناظرا لها..
" ماذا تفعلين ؟"
ضاقت ابتسامتها قليلا ثم لوحت بالكتاب الساكن بين يديها..
" كنت أقرأ قليلا.. "
رفع يده التي تجاورها مملسا على جانب وجهها متسائلاً بحذر..
" ماذا فعلتِ اليوم ؟"
نظرت له مطولا دون الإتيان بأي تعبير يُذكر.. فلن تنسى حوم زينب حولها من وقت رجوعها للبيت و لكنها نحت كل هذا جانبا ملتمسة له العذر و لو قليلا.. تثق أنه لا يريد سوى سلامتها..
" لم أفعل شيئا مُهماً .. جلست بحديقة البيت.. ثم ذهبت للإسطبل و بعدها عدت  .. "
داعب جانب شفتيها بإبهامه قائلاً بصوت أجش..
" اشتقتُ لك "
ابتسامة صغيرة علت شفتيها وهي تجيبه..
" و أنا أيضاً.. اشتقت إليك "
ساد الصمت للحظات و داخل كل منهما حرب ذهنية و نفسية كفيلة بالإطاحة بكل منهما.. و لكنهما يتجاهلانها ببراعة يُحسدان عليها..
" جلبتُ لكِ هدية.. أتمنى أن تُعجبك "
ابتهجت ملامحها بسعادة أنعشت روحه و هي تنتفض في جلستها تقترب منه..
" حقا؟!.. ما هي ؟"
ابتسم هو الآخر و كأنه يستمد كل حيويته من ابتسامتها الجذابة هذه..
رفع يده الممسكة بالكيس الذهبي من جانبه يمده لها فأمسكته بلهفة مترقبة فتحها.. و كأنه شعر..
" افتحيها "
و كأنها هي الأخرى كانت في انتظار أمره لتمد يدها داخل الكيس المخصص للهدايا.. تخرج علبة ملفوفة بعناية و بشكل جذاب.. خطف أنفاسها و عيناها تحللان ما تريانه فكانت العلبة ملفوفة بورق بني اللون حاوطها من كل جانب خيط خيش بنفس لون الورق و في منتصف سطح العلبة ختم بسائل شفاف و داخله ورق من الورد المجفف و يتدلى من طرفه ورقة معلقة بخيط رفيع ذهبي اللون.. 
أمسكت الورقة بين أصابعها تطالع الكلمات المكتوبة ثم تنظر له و قلبها يدق بعنف بين جنباتها.. و لسانها يردد.. 
" لنا حق التمنّي.. و لله سر الإجابة "
أدمعت عيناها تأثرا و خانتها دمعاتها لتترقرق دمعتين مد يده يمسحهما سريعا و هو يأمرها..
" تابعي فتحها "
فتابعت أصابعها فتح العلبة لتطالعها علبة كرتون مخصصة للهدايا فتحت غطاءها ليطالعها ورقة..
ورقة!!..
رفعت عيناها إليه و كأنها تستنجد به فأومأ مُشجعا.. لتضع العلبة ثم تخرج الورقة تفتحها ناظرة لها و عيناها تتابعان الكلام المكتوب مما جعلهما تجحظان و هي ترى اسمها كاملا مكتوبا أعلى الورقة المخصصة لـ..
" لا أفهم.. أقصد لماذا ؟"
أمسك ذقنها بأطراف أصابعه ليجعلها تنظر له و هو يقول..
" هذا سهم تبرعات باسمك وضعته لك كصدقة بإحدى المستشفيات المخصصة لعلاج الأطفال "
تحشرجت أنفاسها بينما تابع هو مبسطا الأمر..
" تعلمين أن الله يحب الصدقات.. فهي من أفضل القربات التي ترضي الله و تمنع غضبه و تزيد فضله.. و هذا ما فعلته "
تنظر له بتأثر فلا يعلم ما فعلته كلماته سواء المكتوبة على الورقة .. أو كلماته التي قالها.. أو نظرات عينيه الحنونة العطوفة.. أو لمساته التي تَشعرها نعيما بحد ذاته.. بينما صوته يتابع منهيا ما قضى على ثباتها..
" صدقة هي بنية نيل رضى الله و تحقيق لما تتمنينه"
أنهى حروفه لتشهق ببكاء منفعل.. متأثر.. موجوع..
فلم يتردد في جذبها لأحضانه دافنا لها بين ذراعيه يهدهدها كالأطفال..
ماسحا على ظهرها بطمأنينة و كأنه يقول لها
أنا هنا
و كأنه يخبرها دون كلام..
أنا أشعر بكِ
و هي الأخرى أرادت أن تخبره كم تحبه دون كلام..
فلفت ذراعيها حول جذعه تطوقانه بلهفة..
بحب وصل له جيدا..
تخبره دون كلام أنها آسفة..
آسفة على كل وجع سببته له..
آسفة على كل موقف شعر فيه بخسارتها فتألم..
آسفة على كل ما بدر منها في سبيل رغبة ليست بيده و لا بيدها..
بل هي بيد رب العباد فإن شاء أعطى و إن شاء منع وامتحن..
آسفة هي لتقصيرها في حقه و حق نفسها و قبلهما حق ربها..
آسفة هي على كل مرة غلبتها لهفتها لينتصر تذمرها و عدم رضاها..
آسفة لأنها لم تحبه كما يستحق..
كما يستحق الحفاظ عليه ليس لتحديه..
" أحبك "
همستها من بين شهقاتها مع خاطرها الأخير فشعرت بذراعيه تشتدان حولها و لسانه يقول بصوت أجش مدركاً سر قولها هذا..
" أعلم هذا "
و هي الأخرى تعلم أنه فهم فشدت ذراعيها حوله وهمسها الأخير يخرج مفعما بالرضى.. والامتنان.. بالحب كما أخبرته..
" شكرا لك.. شكرا على كل شيء "
لم يتحدث بل ملس على ظهرها بمودة يجيب شكرها بالفعل لا بالكلام..

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل Where stories live. Discover now