المحاولة التاسعة

19 0 0
                                    


 كان سعيد يجمعُ الخضراوات عندما سمعَ بقدوم القراصنة. كانَوا كثيرًا ما يعرجون على جزيرة سعيد. نظرًا لغناها وثروتها الزراعية. وكانَ أهلْ القرية يكنون لهم عظيمَ لاحترام لأنهم كانوا يقايضونهم بأنفس ما قاموا بسلبه خلال رحلاتهم المختلفة.

وكان سعيد قد ملّ قريته. ولم يعد يطيق المكوث بها من بعد. وكلما أخبرَ والديه عن رغبته. ذكروه بصغر سنه، وأنه ما زال محتاجًا للمزيد من الخبرات الحياتية. وكان سعيد يشعر دائمًا بأنه لا أحدَ منهم يفهمُ ما في نفسه. وودَّ سعيد لو تمكّنَ من الخروج ولكنّ الحصول على قارب يكفي للسفر البعيد كانت من المسائل التي لا ينالها الا علية قومه. ولم وضع القرية الاجتماعي يمكن أهلَ سعيد من الوصول الى ذلك. فكانَ الأمل الوحيد عندَ سعيدَ هوَ ان يجد في يومٍ ما كنزًا مخبوءً أو ان يموت أحدُ الأثرياء ونظرًا لتفاني سعيد في عمله فيرث سعيد من بعده. ولكنّ سعيد في نفس الوقت يدركُ انّ مثل هذه الرغبات ليست من الممكنات. وأنّ حلمه في السفر عبر المحيطات على هذا المعدّل لن يتحقق أبدًا. وفي يومٍ من الأيام برقت في ذهنه فكرة!

لماذا لا أتسلل خلسة على ظهر سفينة القراصنة. وعندما يحين وقتٍ اكتشافهم لوجودي قد يشفقوا عليَّ ويضموني الى طاقمهم. وبذلك يصبحُ حلمي حقيقة, قالها سعيد في نفسه.

وبطبيعة الحال فقد علمت القرية بخطته(نظرًا لوجود بعض الوشاة بين أصحابه). وحذروه منها. وذكروا لهُ أنّ أحدَ أفراد الجزيرة فكّرَ في ذلك قبلًا. ولم يجدوا على الشاطئ الا بقايَا من جسدهِ, لأنه قد صادف حصول القروش على وجبتها بالفعل قبل أن يجدوه. وتعمّد كل من في القرية أن يحافظ على اقتضاب القصة حتى يكملها بالسامع من خياله(ظنًّا منهُم ان هذا من شأنه ان يردعَ سعيد عن رغبته).

وكان سعيد عن سماعه بقدومِ القراصنة في هذا اليوم المشؤوم. قد بلغ الثامنة عشر. فظنّ أن هذا هوَ الوقت الأنسب لتنفيذ خطته. خصوصًا وأنّ القرية قد نسيت رغبته بالفعل زورًا انه قد أصبح كبيرًا كفاية حتى لا يفكر في ذلك( ولكن من الجليُّ انه لم يكن). وكان سعيد بدوره يدركُ فعلًا ما أخبروه بهِ جيّدًا. خصوصًا انه قام بعمل تحرياته الخاصة واكتشف قصَصًا أخرى مشابهة. ولكنّ ذلك لم يثني عزمه. وكان أحدْ أصدقائه المقربين قد علمَ بذلك(ولكنّه تعفف عن فضحه بحكم المودة والاخاء الذي بينهم). ولكنه في الليلة التي سبقت مغادرة القراصنة. ذهب الى سعيد في مخدعه وهمَّ اليه ناصحًا:

لا تذهب رجاءً لا تذهب، قال صديقه.

تأخرت يا صديقي. وحتى لو أبكرت أن تعرفُ انه ما من شيء في الدنيا قد يثني عزمي، ردّ سعيد.

أعلمُ ذلك يا صديقي. وأعلمُ انّ استيعاب حاجتكِ ورغبتك ليس لهم من سبيل. ولكني كلما تخيلت ما قد تخيلت ما أظنّه حادثًا لكَ. لا أجدُ في نفسي بدًّا من مناصحتك.

هل ستصدقني ان اخبرتكِ بأنني أعلمُ بظنك منكْ. وأني أعلمُ بتبعات فعلي أكثر من أيِّ شخصٍ آخر في هذه الجزيرة، ردّ سعيد.

ولكنّ ان كما تدعي فما الذي يدفعكَ للاقدام على ذلك، قال صديقه.

لا أعلم! هل كنتَ مصدقِّي ان اخبرتكَ بذلك!، ردّ سعيد في انفعال.

حينها غادرَ صديقهُ بعد أن يئسَ من حديثه. والأكثر إيلامًا من ذلكْ هوَ استيعاب سعيد لهذا اليأس.

جاء اليوم الموعود. وبينما يقوم القراصنة بتحميل البضائع والأطعمة تسلّل سعيد خفيةً وقامَ بالاختباء في أحدِ هذه الصناديق. وكان قد جهّزَ نفسه بالمؤونة اللازمة. ولحسن حظه لم يكن القراصنة يشكون في أهم الجزيرة مطلقًا ولم يقوموا حتى بالتحقق من محتويات الصناديق.

وبعد ان اطلقت السفينة وشعرَ سعيد بنشوة انتصاره على واقعه. غطَّ سعيد في نومٍ عميق. ورؤى في منامه أنه يتسلل الى مخبأ قبطان السفينة والذي سرعان ما سيتعرف عليه. ويعجبُ جدًّا بشجاعته واقدامه منقطعتا النظير. ويقرّر أن يجعلَه ليمناه ذراعًا. وفي أحد الأيام يحدث وأن أصيب القبطان بطلقة أثناء احدى استلابهِ لإحدى السفن وبينما هوَ على سرير الموت يطلب من سعيد ان يقترب منه. ويهمسَ في اذنه هذه الكلمات: ما الذي أتى بكَ على سفينتي!

حينها فقط يستيقظ من نومه ويجد نفسُه محاطًا بأفراد الطاقم. وكلهم ينظرون اليه بشزر. وقال أحدهم: ألم تسألني من قبل عن قصّةَ هذا الشخص من قريتكم والذي طمعَ في صحبتنا فطمعت فيه القروش! وألم أجبكَ بأنّ القروش لم تطمع فيهِ وحدها بل شاركتها نسورٌ قشاعم!

حينها شعر سعيد ابتهج سعيد في نفسه حيث ظنَّ انّ القبطان عندما يدركَ تصرّف سعيد مع معرفته بهذه الحقيقة سيثني على شجاعته. وأنّ حلمه ما زال بالإمكان تحققه. حينها طلب القبطان من الطاقم بأن يربطوا كلا يديه وقدميه. وقاموا بتثبيت اللوح الذي سيقفز سعيد من فوقه الى أصحابه من القروش. وبينما سعيد يمشي الى حتفهِ. ظلّ يساءل نفسه عن حماقته وعن قيامهِ بمثل هذا التصرف الذي كانَ مدركًا أكثر من غيره بعاقبته. لم يكن سعيد قادرًا على حسم هذه المسألة. وبينما هوَ واقف على حافة اللوح. وقد نظرَ الى السماء فوجدَ النسور تدور في حلقات فوقه. والقروش أمامه فاتحة فاهَا، فجأة خطرَ الحلم في ذهنه, وحينها صرخَ قائلًا: الآن فهمت! فانتابهم الفضول فأجابوه: فهمت ماذا!

فردّ سعيد: كان هناكَ إحساس في مكانٍ ما في نفسي أنّ الأحداث قد لا تؤول الى ذلك(يقصد هذه النهاية). وبطبيعة الحال لم يفهم أيٌّ المغزى الفلسفي العميق لعبارته. فقرروا الاستغناء عن اللوح الخشبي ايضًا مع سعيد، النهاية. 

محاولات بائس في الكتابة القصصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن