أعتذرُ إليك سيدي عن أنني لم أحظَ بشرف رؤيتك ، ولم يُقدّر لي التنعمَ بصحبتك ، ولم أقف يوماً ببابك أنتظرُ شروقَ نورك ليستضئَ به محياي ، وتكتحلُ به عيناي .
عذراً رسول الله ﷺعن أنني لم ائتم بك مرةً في صلاتك ، ولَم أؤمن ذات يومٍ على دعواتك .
عذراً رسول الله ﷺ عن أنني لم أنتظم مرةً تحت لوائك ، أو أجاهد معك أعداءك ، ولو كنتُ موجوداً بحضرتك لأفتديتك بنفسي ومالي وأهلي والناس أجمعين .وما ذاك إلا لأنني لم أرتقِ لدرجة الاصطفاء الإلهي عندما نظر الله – كما قال عبد الله بن مسعود – إلى قلوب العباد فوجد قلبَ محمدٍ ﷺ خيرَ قلوبِ العباد ، فاصطفاه وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوبِ العبادِ بعدَ قلبِ محمدٍ ﷺ فوجدَ قلوبَ أصحابه خيرَ قلوبِ العبادِ فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه . فأصحابك يا رسولَ الله كانوا أفضلَ هذه الأمة ، أبرها قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ،فاختارهم اللهُ لصحبتك بأبي أنت وأمي يا رسولَ الله .
عذراً رسول الله ﷺ عن أنني ما شاهدتك وجبينك يتفصدُ عرقاً في اليومِ الشديدِ البرد ؛ لنزول الوحي عليك ، واتصالِ السماءِ بالأرض بين يديك ، ولم أقف موقفَ المتأدبِ الموقنِ بكل شهدٍ تقاطر من شفتيك .
عذراً رسول الله ﷺ عن أنني آمنتُ بك ، وأحببتك حتى كنتَ أحبَّ إليَّ من نفسي بيدَ أنني خالفتك ولم أتبعك حقَ الاتباع ، وقد جعلَ ربك وربي متابعتك دليلَ محبته ، فقال تعالى : { قل إن كنتم تحبون اللهَ فاتبعوني يحببكم اللهُ ويغفرُ لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيمٌ }سورة آل عمران آية /31
ولكن والله أن ذلك ليس رغبةً عنك ، أو نفوراً منك ، ولكن لغلبةِ شقوتي عليَّ ، وعجلٍ خُلقتُ منه ، وضعفٍ جُبلت عليه .
عذراً رسول الله ﷺ عن أننا ابتدعنا في ديننا بعد أن أكمله الله على يديك ، ووضعنا من الأحاديث ما لا يصحُّ نسبته إليك ، وقلنا : قال ، ولم تقل ، وفعل ، ولم تفعل ، ولم ندرِ أننا بابتداعنا اتهمناك - وحاشاك - بعدم تبيلغِ الرسالة كاملة ،
والتقصير في جنب الله ، ولكنني أشهدُ بأنك يا سيدي قد بلغت الرسالةَ ، وأديت الأمانةَ ، ونصحت الأمةَ ، وجاهدت في الله حقَ جهاده حتّى أتاك اليقينُ من ربك ، فصلواتُ ربي وسلامه عليك سيدي يا رسولَ الله .
