☘الفصل العاشر☘

4.8K 241 44
                                    


الفصل العاشر
(على صفيح ساخن)
=========

_هل تراني جيداً؟!
قالها الطبيب في ذاك المشفى الذي نقلوا إليه همام فاقد الوعي بعد نجدته ...ففتح عينيه وهو يدور بهما حوله ...
المرئيات مشوشة لكنها تتضح شيئاً فشيئاً لهذا تمتم بخفوت:
_نوعاً ما!!
صوت بكائها المنهار جواره نبهه إليها فالتفت نحوها ببطء ليقول متماسكاً:
_أنا بخير يا وسن...لا تقلقي!
نظر الطبيب في تقاريره متفحصاً ثم قال بهدوء:
_يبدو أن الضربة كانت من خبير...تعمد إفقادك الوعي لكن دون أن يصيبك الكثير من الأذى...
_وهذا ما لاحظته أيضاً!!
قالها يزن الواقف على الباب بنبرة ميتة...
فالتفتت نحوه العيون بمزيج من رهبة وترقب وإشفاق...
قبل أن يتنحنح الطبيب الذي قال مخاطباً يزن :
_حالته مستقرة الآن يا سيدي...يمكنه الخروج في أي وقت!
لم يبدُ على يزن أنه قد سمع شيئاً...
عيناه كانتا متسعتين بجحوظ وجسده متيبس مكانه ...
ولولا سرعة صعود وهبوط صدره بتنفسه لتصورته تمثالاً من حجر !!
لكن ما كاد الطبيب يغادر حتى عادت إليه بعض الحياة وهو يتقدم من سرير همام ونظراته معلقة به ...
ثم جلس على طرف الفراش ليقول له بنفس النبرة الميتة:
_أين هي؟!
لم تظهر الصدمة على وجه همام وكأنه كان يتوقع هذا الاتهام ...
المرأة اختفت وهي معه وهو الوحيد الذي لم يطلقوا عليه النار...
كذلك هو يعلم عن أمر سيارة الحراسة التي كانت تتبعهما بما يجعل الشكوك تتمركز حوله...
لهذا صمت محاولاً استعادة صفاء ذهنه قبل الرد...
لكن وسن هتفت مدافعة وسط دموعها المنهمرة:
_هل تظنه يعرف يا سيدي؟! ألا ترى ماذا أصابه؟! إنه ...
انقطعت عبارتها بشهقة عنيفة وهي ترى قبضتي يزن تطوقان رقبة همام فجأة ...تهزان جسده كله مكانه مع صراخه الهائج الذي لم تسمعه منه قبلاً:
_أين هي؟! أنت المسئول أمامي...سأقتلك ...لا...روحك ليست ثمناً كافياً أمام ما حدث ...سأسلخك حياً...انطق...أين ذهبتم بها؟!!
ارتجف جسد وسن برعب وهي ترى هذا الوجه من يزن الأمير لأول مرة...
عروق وجهه كانت نافرة وكأن الدم سينفجر منها في أي لحظة...
عيناه كانتا دامعتين بعجز رغم خطورة تهديداته التي صرح بها لتوه...
شفتاه ترتجفان بقوة لم يستطع تجاوزها بعد صمته ...
الرجل سيفقد عقله حقاً لو لم تعد امرأته ...
ورجلٌ كهذا لا تؤمن غضبته...سيسحقها وهمام دون رحمة!!!!!
لكن همام هتف بسرعة وأصابع يزن المعتصرة لرقبته تكاد تزهق أنفاسه:
_لم يقتلوني كي أوصل الرسالة!
هنا تجمدت أصابع يزن كما جسده كله...قبل أن يرخيها وجسده لا يزال يرتجف بقوة انفعاله مع قوله :
_أي رسالة؟!
فأغمض همام عينيه بإعياء ليقول وكأنه يتذكر بصعوبة ما كان وقتها:
_لقد فقدت وعيي عقب الضربة التي تلقيتها لكن كلمات الرجل الذي باغتني من خلفي لا تزال مشوشة في ذهني...
_ماذا قال؟!
سأل يزن بنفاد صبر وهو يهزه من كتفيه بقوة ففتح همام عينيه ليقول بتردد مشفق:
_قل لسيدك...ما كتب بالدم لا يمحى إلا بالدم!!!
شهقت وسن برعب ولم تكن ملامح يزن أفضل منها حالاً...
لقد كان يأمل ألا يتجاوز الأمر فدية مالية...
لكن ...دم!!!
دم....مزن؟!!!!!
هنا شعر بألم حاد في صدره فأغمض عينيه بقوة وهو يحاول تمسيد صدره بكفه...
تلك العبارة اللعينة التي وجدها مرة تلقى أمام سيارته ...ومرة ليلة زفافه...
وفي المرتين كانت مزن معه!!!!
كيف لم يستنتج وقتها أن من يهدده يعنيها -هي- بها؟!!!!
لكن من هو؟!!!
من؟!!!!
هنا فتح عينيه مغالباً ألمه ليعاود سؤال همام بأقصى ما استطاعه من قوة:
_لماذا غيرت مسارك ولم تعد بها إلى البيت؟!
فخفض همام بصره وقد بدا على ملامحه التردد ...
لكن يزن الذي كان فاقداً لأعصابه تماماً لكمه بقوة في كتفه مع صرخته العنيفة:
_انطق!!!
صرخت وسن بهلع وهي تتنبأ مع جنون السيد هذا بكارثة لهذا اندفعت بجسدها تحاول تخليص همام منه بهتافها الباكي:
_هو بريء يا سيدي ..كيف تظنه متواطئاً معهم؟!...الضربة على رأسه كان يمكن أن تقتله...دعه أرجوك.
ولم يكد همام يسمع رجاءها المتوسل حتى هتف بها بغضب رغم نبرته المتهالكة:
_اخرجي من هنا !!!
هزت رأسها بعناد وهي ترمقه بنظرات ملتاعة لكن صراخ يزن حسم الموقف :
_أجل...اخرجي حالاً!!!!
وضعت أناملها على شفتيها بلوعة وهي تنقل بصرها بينهما للحظات ثم استجابت لأمر السيد فخرجت من الغرفة وهي تكاد تموت خوفاً...
بينما انتظر همام خروجها ليقول بنبرة جامدة:
_أحد زملائها دعاها لحفل غنائي وقد كان هذا سبب زيارتها المفاجئة لك...أرادت استئذانك للذهاب لكنها عادت منهارة باكية...قالت إنها ستحضر الحفل وطلبت مني تمضية الوقت حتى موعده في الدوران بالسيارة !!!
عقد يزن حاجبيه وهو يحاول التركيز في هذه التفاصيل دون جدوى ...
عقله كله مشتت...
وكيف لا ؟!! وجزء من روحه ذهب معها؟!!
كلام همام غريب...لكنه منطقي...هو نفسه كان يتعجب سبب زيارتها المفاجئة له!!!
قد يكون مصيباً...لكن ...من زميلها هذا الذي دعاها للحفل؟!
ترجم خاطره الأخير لسؤال مسموع فهز همام رأسه وهو يقول :
_أعرف شكله جيداً فقد كنت أراقبها كما اتفقنا....لكنها لم تخبرني عن اسمه!
رمقه يزن بنظرة حادة طويلة ثم عاد يصرخ به بغضب:
_ولماذا طاوعتها في ما طلبته؟! لماذا لم تتصل بي عندما شعرت بخطورة الأمر؟!
هنا زفر همام بقوة ثم أطرق برأسه ليقول بنبرة مذنبة:
_هذا هو خطئي الوحيد...هي هددتني أن تفتح الباب وتلقي بنفسها من السيارة...والحقيقة أن حالتها وانهيارها وبكاءها...كل هذا كان يعني أن حديثها يفوق مجرد التهديد!!
أطلق يزن صيحة غاضبة وهو يحاول وسط كل هذه الفوضى التي تجتاحه أن يعقل هذا الحديث...
هو يعرف حساسية مزن جيداً ويدرك كيف كانت حالتها عندما خرجت من عنده خاصةً بعدما طردها -تقريباً- خوفاً من أن يفلت لسان شادو أمامها بأي كلمة...
شادو؟!!!!
شادو!!!!!
اتسعت عيناه بإدراك وهو يفكر...
هل من المنطقي أن تتحد كل هذه المصادفات في نفس التوقيت ؟!!
التهديدات التي تصله...إفساد حفل زفافه...الوقيعة بين تيم وإيزيس...وأخيراً اختطاف مزن!!!!
كل هذا يدور حول فلك تلك "الساقطة" التي يبدو وكأنها نفثت السم في حياته كلها!!!!!
والأفعى ليس لها إلا قطع رأسها!!!
هنا هب واقفاً وهو يكز على أسنانه وقد وشت ملامحه بوعيد قاسٍ...
قبل أن يقول مخاطباً همام ببعض القسوة:
_سأرى مدى صدقك فيما تزعمه...الأيام لا تستر وأنا...أنا لا أرحم!!
قالها ثم غادر الغرفة بخطوات مندفعة وهو يقاوم باستماتة ذلك الألم بين ضلوعه والذي يبدو وكأنه يعتصر قلبه حقيقة لا مجازاً!!!
ولم يكد يغادر حتى اندفعت وسن للداخل لتهتف بقلق وهي تقترب منه:
_ماذا قال لك؟!
فقست ملامحه قليلاً حتى أخافتها وهو يقول لها بحزم:
_اقتربي!
جلست على طرف الفراش ترمقه بنظرات متلهفة فأمسك كتفيها ليردف بنفس النبرة:
_عملك لديهم شيء...وتوسلك الذليل ذاك شيء آخر...هل تفهمين؟!
دمعت عيناها وهي تشيح بوجهها عندما أردف هو بانفعال متصاعد:
_إذا كان هو يحملني ذنب مشاجرته مع زوجته المدللة...وذنب تصفية حساباته مع أعدائه ...فليس دوركِ أنتِ أن تتذللي لغروره وعنجهيته!!
عادت تلتفت إليه بوجهها بنظرة طويلة غامضة لم يفهمها ...
ثم ألقت برأسها على صدره وهي تضمه بقوة لتهمس فجأة بين دموع انهمرت من عينيها كثيفة راجية:
_لن أسامح نفسي لو أصابك مكروه بسبب هذه العائلة !
تنهد بحرارة وهو يربت على ظهرها برفق دون رد ...حتى رفعت وجهها الباكي إليه لتسأله :
_السيدة مزن ...هل تظنها بخير؟!
هز رأسه بلا معنى وهو يخفض بصره عنها ليقول بنبرة مذنبة:
_ليتها تكون كذلك...مهما كان الوضع هي اختطفت وهي معي...كانت مسئوليتي على أي حال!
لكنها أحاطت وجنته بكفها تنتظر حتى تلاقت عيناهما فالتمعت عيناها ببريق غريب وهي تهمس له بنبرتها التي ما عاد يفهم غموضها:
_ستكون بخير...هي تستحق أن تكون كذلك...هي مجرد طفلة وجدت نفسها تكبر في عالم الأمير دون إرادة منها...عساهم يرحمونها وسط حربهم القذرة هذه!
فابتسم ساخراً وهو يقول بمرارة:
_تظنين الدنيا واحة العدل؟! لا يا ملاكي..هي غابة لا مكان فيها لضعيف!
=========
_اختطفتم زوجته؟!!
هتفت بها شادو بهلع وصوت الوزير يصلها عبر الهاتف في مخبئها الجديد!!!!
أجل...الوزير أمرها ألا تعود لبيتها بعد لقائها بيزن الأمير وقد رأت هذا منطقياً لكنها لم تتصور أبداً أن يختطفوا زوجته في نفس موعد لقائها به!!!!!
بينما استقبل الوزير دهشتها بضحكة ساخرة مكتومة وهو يسألها بتهكم:
_تشفقين عليها؟! هل أعجبتكِ منذ أول لقاء؟!
عقدت حاجبيها وهي تسأله بدهشة:
_أي لقاء؟! هل تظنني قابلتها؟!
وضحكته الساخرة الأخرى أثارت شكوكها قبل أن يؤكدها قوله:
_كانت في مكتبه وأنتِ هناك!!!
شهقت بحدة وهي تلطم خدها برفق لتقول بدهشة:
_تلك المراهقة زوجته؟!!! لم أتصور هذا أبداً!!!
قالتها وهي حقاً تعنيها ...
ففارق السن بينهما لا يسمح بعقلانية هذه العلاقة....
كما أن طريقة معاملته -المتسلطة -لها لم توحِ لها باحترام زوج لزوجته...
لقد طردها تقريباً فور دخولها هي ودون أي تفسير ...
والأدهى أن الحمقاء الصغيرة أطاعته بكل خنوع ..فأي زوجة هذه؟!!!!!
لكن الوزير انتزعها من شرودها ليقول لها بنبرة آمرة:
_لم يعد هناك مجال للمزاح...ابقيْ في مخبئك حتى أعطيكِ الأوامر الجديدة!
فهتفت بلهفة وكأنها تخشى أن يغلق الاتصال:
_هل ستؤذونها؟!
صمت قصير كان نصيبها للحظات قبل أن تصلها إجابته الباردة:
_لا شأن لكِ بهذا!
فاضطربت خفقات قلبها وهي تسترجع صورة مزن بإشفاق...
لا تدري لماذا ترك لقاؤهما القصير ندبته في قلبها ؟!!!
ربما لأنها تقريباً في عمر ابنتها المتوفاة!!!!
أجل...لو كانت ابنتها على قيد الحياة كانت لتكون فتاة جميلة مثلها!!!
لهذا تكاثفت الدموع في فيروزيتيها وهي تهمس له بمزيج من ضراعة وخوف:
_لا تمسوها بسوء...أنت تريد الضغط عليه لأجل المال وهو سيدفعه...هي لا شأن لها!!
فأطلق شهقة ساخرة رافقت صوته عبر الهاتف:
_يعجبني قلبك الطيب يا "حُلوة"!
ازداد انقباض قلبها مع عبارته خاصة عندما استطرد بنبرة أكثر شراسة:
_لا تتدخلي في الخطة وتكفلي بدورك فحسب...غداً تتصلين به من الهاتف الآخر لتطلبي اللقاء به وحده في المكان الذي اتفقنا عليه كي يحضر مع المبلغ المطلوب...وبعدها تتخلصين من الهاتف تماماً !
فازدردت ريقها ببطء وهي تسأله:
_وماذا سأفعل عند مقابلته؟!
_سأخبرك بكل تفصيلة في وقتها!
قالها بحزمه المعهود وقد بدا على وشك غلق الاتصال ...
لتجد قلبها الأحمق يوسوس للسانها بسؤاله:
_متى سأراك مرة أخرى؟!
صمت طويل قابلها من الجانب الآخر حتى شكت أنه قد قطع الاتصال ...
إلى أن وصلتها إجابته أخيراً:
_اصبري يا "حلوة"...لقاؤنا القادم لن يكون عادياً...فدعيني أراكِ فيه كأجمل صورة أردتكِ فيها!
قالها ثم أغلق الاتصال دون المزيد فابتسمت وعبارته تدغدغ قلبها بلذة مثيرة...
هل كان يعني ما قاله حقاً؟!!!
يريدها أن تتهيأ للقائه القادم؟!!!!
إنه لم يفعلها من قبل!!!!
تراه قد بدأ يتعلق بها حقاً أم ...لعله فقط راضٍ عن هذه "الغنيمة الباردة" التي سينالها من يزن الأمير دون جهد؟!!
ولم لا يكون مزيجاً من هذا وذاك؟!!!
آه ...لو تتخلص من حيرتها هذه!!!!
لو تضمن قلبه وعشقه لها!!!!
مهلاً مهلاً...لماذا اختطف زوجة يزن؟!
غريب؟!
تراه قد خاف ألا تكون التهديدات -بصور تيم معها- مهمةً لديه بما يكفي؟!!
أم لعله أراد زيادة المبلغ المطلوب؟!!
هذا الأمر محير حقا....لكن...لا بأس!!!
خطته وخطتها لا تتعارضان إلى الآن...
هو يريدها أن تقابل يزن الأمير وحده محملاً بأمواله...
وهي ستحرص ألا يعود أيٌ منهما...
أجل...مال "الأمير" للوزير...لكن "روحه" لها!!!!
وبهذا الخاطر الأخير ابتسمت ابتسامة شيطانية وهي تضم الهاتف لصدرها قبل أن تستلقي على فراشها لتهمس لنفسها:
_اقترب لقاؤنا الثاني يا "عمران"...سأكون جاهزة تماماً لنيل رضا مفتاحك!!
===========
_يزن!!
هتفت بها إيزيس وهي تهرع إليه فور دخوله من باب البيت قرب وقت الفجر لتحتضنه بقوة مع هتافها الباكي:
_أين كنت طوال هذا الوقت؟!
كانت عيناه مظلمتين تماماً وهو يعود برأسه للوراء قبل أن يتلفت حوله وهو يغمغم بشرود...
بصدمة...
بحسرة صبغت حروفه:
_هل ..عدتُ ..بدونها..حقاً؟!
انتحبت بقوة وهي أكثر من تدرك شعور أخيها بمصابه...
يزن سيموت بحسرته لو لم تعد مزن سالمة!!
هنا اقتربت منه الجدة بكرسيها المتحرك لتقول بقلق غلّف صوتها المتهالك:
_ألم تتوصل الشرطة لشيء؟!
لم يبدُ على يزن أنه قد سمعها فقد كانت نبضات قلبه تدوي بجنون داخل صدره...يستحضر صورتها في مكتبه فقط منذ ساعات...
منذ ساعات كانت على صدره ...بين ذراعيه...يدللها كما اعتاد ...وتثرثر له كما اعتادت...
ماذا حدث؟!!!
كيف وجد نفسه فجأة في هذا الكابوس الذي عاش يخشاه طوال عمره؟!!!
هل يترصدنا القدر بمخاوفنا حتى يضعها فجأة نصب عيوننا عندما نظن نفسنا قد ملكنا الأمان؟!
هل هكذا يكون طعم الخسران عندما ينتزع ما في أيدينا بغتة قبل أن يلقينا عرايا في عرض الطريق؟!
آه..آه!!!
ود لو يصرخ بها عالية حتى تزلزل الأرض فتعود له مدللته...
وبعدها فليكن ما يكون!!!!
لكنه كتم كل هذا بإرادة يحسد عليها ليجيبها باقتضاب شارد:
_لن أخاطر بتدخل الشرطة في هذا الأمر...سأنفذ لهم كل ما يريدونه!
وهناك في زاوية المكان كانت تقف المتمردة المنسية...
كليو!
عيناها تلتمعان بإشفاق بخل لسانها عن البوح به...
فترجمه عنادها لجمود ملامحها مع انعقاد ساعديها أمام صدرها وهي تراقب من بعيد كما اعتادت ...
لو كانت الأمور بطبيعتها في هذا البيت العجيب لاندفعت نحو أخيها تواسيه في مصابه...
لكن والحال كذلك فالأولى بها أن تكتفي بالصمت ...
والأمل في عودة ابنة عمها سالمة دون أذى...!!!
بينما عادت دفة الحوار لإيزيس التي حاولت تمالك نفسها فكفكفت دموعها لتربت على صدر يزن الغارق بشروده وهي تهتف بانفعال:
_ستعود...لو كانوا يريدون مالاً فسنعطيهم كل ما يطلبون!!
لكنه هز رأسه نفياً وهو يغمغم بنفس الشرود الذبيح:
_يريدون ...دماً!!!
شهقت بعنف وهي تسمع عبارته التي انقبض لها قلبها فهتفت بذعر:
_ماذا تقول؟! كيف عرفت؟! هل تواصلت معهم؟!
التفت نحوها بعينين زائغتين ثم دار ببصره لينظر لجدته وكليو نظرة غريبة...
نظرة استغاثة متشحة بالعجز...بالذنب...بالخوف...
قبل أن يتجاهل سؤالها ليقول بصوت ميت:
_سأصعد لغرفتي!
اتحدت نظراتهنّ إليه جميعاً بنفس القلق و الإشفاق وهنّ يراقبن خطواته المتهالكة نحو السلم الذي ما كاد يصعد أول درجاته حتى توقف مكانه وهو يضغط صدره براحته...
قبل أن يطلق آهة خافتة سقط بعدها مكانه.....
=======
غلبها النوم على الفراش الوحيد الموجود في الغرفة التي تركوها فيها بعدما أنهكها البكاء والصراخ بلا جدوى...
صحيحٌ أن أحدهم لم يمد إصبعاً عليها ...لكن رعب الموقف يكفي!
خاصةً لمدللة مثلها لم تعرف من هذه الدنيا بعد إلا نعيمها!!
بضع دقائق بعدها ...
الباب يُفتح ببطء ليدخل" هو " منه ...
يتقدم منها بخطوات حذرة قبل أن يقف أمامها تماماً...
عيناه تمشطان وجهها وجسدها بمشاعر جياشة...
كان ذراعاها يحتضنان جسدها في نومتها البائسة ...
فيود لو يفك ارتباطهما ليحتضنها هو!!!
دموعها التي تجمدت على وجهها مع خصلات شعرها المتعرقة التي التصقت مكانها كانت تثير جنونه...
خطوة واحدة تفصله عن لمسها...
عن مسح هذه الدموع وزرع قبلاته مكانها!!!
عن تمشيط شعرها بأنامله قبل أن يغرس رأسها كله بين ضلوعه!!!
المقاومة صعبة...بل تكاد تكون مستحيلة!!
لهذا أغمض عينيه بقوة قبل أن يعاود فتحهما لينحني عليها بجسده فيقترب منها أكثر...
حتى امتزجت أنفاسهما دون أن يمسها فأخذ نفساً عميقاً وهو يهمس لنفسه:
_آه لو تعرفينني كما أعرفك...لو تشعرين بي كما أشعر بك...يالله...كم تشبهين والدتك...ليس فقط في ملامحها...لكن في رائحتها...أجل رائحتها...رائحة براءة لوثتها يد آل "الأمير"!
وعند خاطره الأخير شعر بيد أخرى توضع على كتفه فاعتدل قائماً وهو يواجه صاحبه بعينين فائضتين بعاطفته...
قبل أن يهمس صاحبه بخفوت حذر:
_دخولك هنا خطأ...لو رأتك فستفشل خطتنا كلها!!
أومأ برأسه موافقاً ثم عاد ببصره نحوها ليرفع غطاءها عليها بحرص ...
قبل أن يلقي عليها نظرة أخيرة سبقت مغادرته للغرفة مع صاحبه...
ولم يكد يغلق باب الغرفة خلفه بمفتاحه حتى أسند ظهره عليه وهو يهمس بنبرة حانية:
_لم أكن أظنها جميلةً هكذا عن قرب...
ثم قست ملامحه فجأة وهو يردف بانفعال:
_لن نعيدها إليه...سنوقف مخططاتنا هاهنا...ربحها وحدها يكفيني!
فابتسم صاحبه ساخراً وهو يقول ببعض المرارة:
_وهل تظن نفسك ربحتها؟! سُمّ "الأمير" الذي سرى في عروقها طوال هذه السنوات يحتاج لترياق أولاً ...الآن ستكون هي أول من يحاربك كي تعود إليه...
تنهد الأول بعمق وهو يدرك صحة حديثه بينما الآخر يردف بعينين ماكرتين:
_لكن عندما تحين اللحظة المناسبة...هي نفسها التي ستغرس الخنجر في صدره قبل أن تهرع إليك !
=========
أفاق من إغماءته ليجد نفسه مستلقياً على الأريكة في بهو البيت...
والطبيب يتفحصه مع تنهيدة ارتياح رافقت قوله:
_لا أظننا سنحتاج للذهاب للمشفى هذه المرة!
انهارت إيزيس في البكاء وهي تسمع مقولة الطبيب التي أكملها بتحذيره:
_لكنني لا أضمن المرة القادمة...حاذر من الانفعال يا سيد يزن ...ما حدث كان ناقوس خطر !
نظر إليه يزن بتشتت قبل أن يهمس ولازال لم يستعد تركيزه كاملاً:
_أين مزن؟! لا تخبروها كي لا تقلق!
لكنه ما كاد يتمها حتى هب من نومته متذكراً مصيبته ليقول بانفعال:
_مزن! ماذا حدث؟! كم الساعة؟!هل هناك أخبار؟!
ثم تلفت حوله ليهتف :
_هاتفي؟! هاتوه هنا...سيتصلون في أي وقت!!!
كانت عباراته متلعثمة وقد تخبطت حروفها فناولته إيزيس الهاتف بسرعة لتلتهمه نظراته بترقب وهو يبحث عن أي اتصال ...
لكن الطبيب أعاده مكانه بتحذيرات جديدة قبل أن يكتب له ما يلزمه من دواء لينصرف...
هنا أعاد رأسه للوراء وهو يشعر بصداع عنيف يكاد يقتلع خلاياه من مكانها ...
قبل أن تدور عيناه في المكان لتقع على عيني جدته القلقتين وتمتماتها الخافتة التي يدرك أنها دعوات صامتة له...
ترى هل يجديه الدعاء؟!!!
هل تفتح السماء أبوابها لمن يحمل وزراً كوزره؟!!
هنا تنهد بحرارة ثم التقت عيناه بعيني كليو التي وقفت كعهدها صامتة متجهمة...
قلبها يخفق بجنون وهي ترمقه بنظرات ملتاعة.....
لقد كادت تفقد عقلها عندما رأت يزن يسقط منذ قليل أمام عينيها ...
ظنت نفسها ستفقده كما فقدت يوسف وكما فقدت ...كنان!
وعند الخاطر الأخير الذي احتل كيانها أطرقت برأسها لتلاعب خاتمه الذي لا يزال مستقراً في إصبعها وهي تهمس لنفسها ...
_الفارس النبيل أدى مهمته وأنقذ الملكة من برجها الذي كانت تحبس نفسها فيه...
والآن امتطى جواده ورحل ..!!!
فاحفظي له صنيعه ولا تتمنيْ ما هو أكثر...
وامضي أنت في طريقك لتكوني "ملكة يوسف" كما كان يدعوكِ دوماً!!
انقطعت أفكارها عندما اندفع الصغير براء نحو يزن يحتضنه بقوة ليهتف بين دموعه:
_أنا السبب...أنا الذي جعلتها تختفي!!!!
فنهرته إيزيس بقولها :
_براء...ابتعد...خالك مريض!!
لكن يزن ضمه بقوة ثم قبله وهو يعاود النظر لهاتفه وهو لا يكاد يعي شيئاً مما حوله...
فعاد الصغير يردف بنبرة مذنبة:
_أنا مزقت صورة مزن ...كنت أكرهها لأنها شغلتك عني...كنت أدعو كل ليلة أن تختفي من هذه العائلة كي تعود أنت إليّ...لا تغضب مني...لم أكن أعلم أن هذا سيؤذيك هكذا.
فاقتربت منه إيزيس لتسحبه بعيداً عن يزن وهي تقول له بعتاب:
_ليس هذا وقت حديثك يا براء!
لكن الصغير أطرق برأسه وهو يقول بألم:
_أنا ولد سيء لا يحبه أحد...كلكم تبتعدون !
عادت إيزيس تنهره وهي تتبين سوء حال يزن الذي كان بالكاد يلتقط أنفاسه...
بينما ربت يزن على ظهره بشرود وعيناه هائمتان في وادٍ آخر قبل أن يعود إليه بعض إدراكه ليخاطب الصغير بقوله:
_كلنا نحبك...لا تقلق...كل شيء سيعود كما كان !
قالها ثم طبع على جبينه قبلة عميقة عاد الصغير بعدها إلى غرفته بعد أمر أمه الحازم...
قبل أن تحتضن كف يزن قائلةً برجاء حان:
_تماسك يا يزن ...لأجلها ولأجلنا ...نحن الآن ليس لنا سواك!!
فهز رأسه وهو يتشبث بهاتفه وكأنما يتشبث بالحياة نفسها ...
شفتاه ترتجفان بقوة وهو يشعر كمن كبّلوه ليحرقوه حياً!!!
إلا مزن!!
إلا هذه القطعة من روحه!!!
سيقتل نفسه لو أصابها مكروه بسببه !!
لا...ليست مزن وحدها...
شقيقتاه كذلك في خطر!!!
لو كان عدوه بدأ لعبته القذرة بمزن...فدور شقيقتيه ليس منه ببعيد!!
لهذا عقد حاجبيه بعزم ثم قال مخاطباً شقيقتيه وعيناه تبثانهما شرراً بمعنى "لا جدال":
_إيزيس...سأهاتف تيم وأطلب منه العودة إليكِ لأجل ابنكما...الصغير حاله يسوء يوماً بعد يوم....كليو...زفافك على جاد عقب عودة مزن مباشرة!
غص حلقه بعبارته الأخيرة التي حملت من الرجاء ما يفوق البشارة...
لكنه ابتلعها مع الصيحتين المستنكرتين اللتين صدحتا من شقيقتيه في الغرفة عقب أمره الصارم...
لتهتف إيزيس باستنكار:
_ماذا تقول؟! أنت الذي ستطلب منه العودة بعدما هجرني وابنه؟!!
هنا ضحكت كليو ساخرة وقد ذاب إشفاقها عليه في بحار تمردها التي جرفت كل ما عداه من مشاعر وهي تهتف بتهكم مستنكر:
_هل جننتِ يا إيزيس؟! تبدين رأيك في حياتك ؟!! الأمير يحكم كما يشاء في جواريه!
_كفى!!!
هتفت بها الجدة أخيراً وهي تتقدم بكرسيها نحوهم لتردف بصوتها المتهالك:
_يزن متعب...لا تتجادلوا الآن !
لكن يزن عاد يهتف بنفاد صبر:
_لا الآن ولا فيما بعد...لم تعد الظروف تسمح بدلالهما هذا...أوامري ستنفذ دون نقاش ...مفهوم؟!
وصل هتافه حد الصراخ في كلمته الأخيرة فأجفلت إيزيس قبل أن تغادر المكان بخطوات مندفعة وهي تكتم نشيجها الباكي بين خوف ورفض...
بينما رمقته كليو بنظرة طويلة مهددة قبل أن تغادر بدورها...
هنا زفر هو بقوة قبل أن يطلق آهة خافتة فاقتربت منه الجدة لتربت على كفه برفق...
فتلتقي عيناهما في حديث صاخب بالمشاعر ...
هو يعلم أنه نكث وعده مع نفسه ألا يجبرهما على شيء يتعلق بمصيرهما....
لكن اختطاف مزن هز كل ثوابته...
هدم أركان مبادئه ومعتقداته ليذره في حالة تخبط وتيه...وخوف!
خوف يمد أصابعه ليعتصر رقبته بقوة ذنبه ...
فمن يلومه؟!!
لهذا آثر الصمت الطويل الذي قطعته هي أخيراً بسؤالها الحذر والقلق يحفر أخاديده أكثر بين تجاعيد وجهها:
_هل لاختطاف مزن علاقة بذاك الحادث ليلة زفافك ...
ثم ازدردت ريقها ببطء لتردف بنبرة هلع:
_العقرب والدم؟!
أشاح بوجهه وقد اختلجت عضلة فكه في جواب غير منطوق لسؤالها ...
فعادت تتمتم بدعوات مذعورة قبل أن تنفرج شفتاها وكأنها ستقول شيئاً تراجعت عنه وهي تهز رأسها بأسف ...
لتعود بكرسيها للخلف وهي تتحرك نحو غرفتها دون أن تجرؤ على قول المزيد...
فليرحم الله هذه العائلة لو شبت فيها نيران الانتقام ...
وهو ما يخبرها حدسها أنه قادم لا محالة...
وصلت لباب غرفتها فاختلست نظرة متوجسة نحو غرفة يوسف المحرمة ...
والتي بدت لها وكأن بابها المغلق دوماً يخفي الكثير من الأسرار المشتعلة...
فعادت ترفع رأسها للسماء باستنجاد بائس قبل أن تدخل غرفتها وتغلق بابها لتتحرك نحو خزانة ملابسها فتفتحها وتتأمل تلك الدمية التي وجدتها مرمية هناك ليلة الحريق....
والتي كادت تذهب بعقلها آنذاك...
لماذا؟!
لأنها دمية مميزة بطريقة صنع يدوية تعرفها هي جيداً ...
وكيف لا ؟!!!
وهي نفسها التي كانت تعلمها ليوسف ...
فهل لكل هذا معنى الآن؟!!!!!!!!!
==============
_كنان...أريد التحدث معك!
عقد حاجبيه بدهشة وصوتها الغاضب يصله عبر الهاتف...
لم يتصور أن تهاتفه هي بنفسها بعدما كان بينهما...
لهذا صمت لثوانٍ قبل أن يسألها بحذر:
_ما الأمر كليوباترا؟! هل وجدتِ شيئاً آخر في غرفة أبيكِ؟!
لكنها تجاهلت سؤاله عندما زفرت بقوة وهي تقول بانفعال:
_ألا تزعم أنك طبيب نفسي وأنك تريد مساعدتي؟!
فهتف بسرعة :
_بالطبع ...هل تشكين في هذا؟!
دمعت عيناها وهي تخبط على ساقها بكفها الحر بقوة توازي قوة شعورها الآن...
ماذا عساها تخبره ؟!!
أنه أكثر من تثق به..أكثر من ترتاح بحديثه..أكثر من تتمنى صحبته ...
وكيف تفعل بعدما وضح لها مكانها الحقيقي على خريطته...
مجرد حالة لطبيب فضولي؟!!!!
لكنها لا تعرف غيره كي تستنجد به في مصيبتها هذه !!!!!
لهذا أخذت نفساً عميقاً ثم قالت بحزم:
_سنتزوج!!
صمتٌ قصير...تلاه سؤاله الحذر:
_من سيتزوج من؟!
فاشتعل صوتها بغضبه أكثر وهي تحاول السيطرة على نبراتها كي لا يعلو صوتها :
_أنا وأنت!!!
صدمته بدت جلية في صمته الذي طال هذه المرة قبل أن تقطعه هي بقولها مفسرة:
_يزن يريد إجباري على الزواج من ذاك البغيض بعد حادث اختطاف زوجته...لكنني سأهرب إليك ونتزوج حتى..
_هل اختطفت زوجته؟!
قاطع سؤالها باستفساره الذي حمل الكثير من القلق بطبيعة الحال ...
فردت بالإيجاب ليهتف هو بعدها باستنكار:
_وتريدين تركه وعائلتك في هذه الظروف لتضيفي إلى مصائبهم كارثة جديدة؟!
وكأنما لم تحتمل منه هو بالذات هذا التقريع فهتفت مدافعة:
_يزن سيعرف كيف يستعيد مدللته...بأي طريقة...لكنني لن أنتظر حتى يسوقني كالدابة إلى مصير أكرهه...
صمت وكأنه عاجز عن جدالها عندما استطردت هي بصوت يوشك على الانهيار:
_لقد تحققت أسوأ كوابيسي...طوال هذه السنوات وهو عاجز عن إجباري على هذه الزيجة...لكن الآن بعد ما حدث لن يردعه شيء ...سيفعلها بدعوى حمايتي ولن يلومه أحد!
زفرة قوية وصلتها من الجانب الآخر للاتصال ...
زفرة كانت تعني ضيقاً...تفهماً...عجزاً...وربما إهانة!!
إهانة لأنوثتها التي أهدرها يوم اعترف لها بحقيقة ما بينهما ولو أنها تشعر أن في قلبه المزيد...
لهذا قست نبرتها وهي تقول بصوت عاد إليه كبرياؤه:
_مجرد عقد زواج صوري تكمل به صنيع معروفك مع مريضتك ...لكن لو كنت تخاف التورط مع يزن الأمير فلن ألومك...فكر و...
_أفكر في ماذا؟! فكري أنتِ في عائلتك...سمعتك...مستقبلك..لو طاوعتك على ما تريدينه فستدمرين كل هذا!!!
هتف بها بحدة بعيدة عن طبعه المتفهم الحنون الذي عرفته...
بما وشى لها بعظيم انفعاله هو الآخر ...
لعله يداري عاطفة لا يريد الإفصاح عنها ...لكن لماذا؟!!!
هنا اكتشفت أنها تقريباً لا تعرف أي شيء عنه ...
هي التي كانت دوماً تحكي عن خباياها بينما مارس هو دور المستمع بجدارة ...
فهل تكون من الشجاعة أن تعترف لنفسها الآن أنها لم تعد تكتفي منه بهذا...
هي تريده كله...تريده كما لم تفعل مع أي رجل ...
لهذا قالت بانفعال :
_هي فرصتي أن أستغل انشغال يزن كي أهرب من حصاره هذه الأيام...لو لم أستغلها فلن تسنح لي سواها.
فعاد يزفر بقوة قبل أن يقول بتعقل:
_ليست فرصة بل حماقة...حماقة لن أطاوعك على ارتكابها أبداً!
صاحت بغضب وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها فعاد يقول مهدئاً:
_اصبري حتى تستقر الأمور...وبعدها سأتقدم أنا لخطبتك بصورة طبيعية !
ورغم أن عبارته دغدغت مشاعرها بحلم وردي طالما تمنته ...
لكنها وصلتها الآن ك"مراوغة مهذبة" للتهرب منها ...
لهذا هتفت بجنون وقد فقدت سيطرتها على انفعالاتها :
_يزن لن يغير رأيه...وحتى لو فعلتها سيجعله عرضك أكثر عناداً...كنت أظنك مختلفاً لكنك مثلهم...كلهم تتخلون عني وبعدها تصمونني بالجنون!
_اهدئي كليوباترا...دعينا...
وعبارته انتهت بقطعها الاتصال قبل أن تلقي هاتفها بعيداً...
فهل تستسلم "الملكة" المتمردة مكتفيةً بهذا؟!!!
==========
فتحت عينيها لتشهق بعنف وهي تدرك من جديد وضعها...
ثم سحبت غطاءها عليها أكثر وهي تتفحص المكان برعب...
غرفة نظيفة بحمام صغير بلا منافذ إلا من نافذة شديدة الضيق عالية الارتفاع....
ولا أثاث إلا هذا السرير وتلك المائدة الصغيرة جوار الباب الذي يفتحه أحدهم كل فترة ليضع لها صينية طعامها قبل أن يغادر دون استجابة لتوسلاتها الباكية...
سالت دموعها على وجنتيها وهي تعاود التلفت حولها بهلع قبل أن تتمتم بأول ما خطر ببالها:
_يزن...أين أنت؟! كيف سمحت أن يحدث لي هذا؟!
وعند خاطرها الأخير انقبض قلبها بعنف وهي تتوقع حاله الآن...
هو الذي يفقد صوابه لو شاكتها شوكة ...
هو الذي يعيش بخوفه المهلك من فقدانها...
هو الذي ينام ويصحو وباله محتلٌ بسلامتها...
فكيف هو الآن؟!
ورغم أن جزءاً -طفولياً -بداخلها كان يرى في هذا عقاباً له على طردها أمام تلك الشقراء والذي لم تفهم سببه...
لكن البقية الباقية من انتمائها- العتيق -له كانت تحترق قلقاً عليه!!!
هنا استسلمت لدموعها من جديد بحرقة قبل أن تحاول التماسك وهي تتقدم نحو باب الغرفة لتطرقه بحذر...
هي لا تعلم من مختطفها ...وستكون سعيدة الحظ حقاً لو كانت المقايضة فقط بالمال...
يزن لن يبخل عليها ولو بثروته كلها!!!!
لكن...هل الأمر هكذا فحسب؟!
ليته يكون!!!
كانت أفكارها موازية لطرقاتها التي اشتدت قوتها رويداً رويداً...
حتى سمعت صوتاً خلفه يقول ببرود:
_ماذا تريدين؟!
أجفلت عند سماع الصوت وكأن ضرباتها القوية كانت مجرد فقاعة شجاعة زائفة...
لكنها تمالكت نفسها لتهتف بصوت مهزوز:
_لماذا أنا هنا؟!
صمتٌ طويل كان جوابها قبل أن تصلها الإجابة المقتضبة من مجيبها الذي كان يُلقّن ما سيقوله مكتوباً من -من- أمامه:
_خطوة في مباراة "شطرنج"...لن تنتهي إلا بموت أحد "الملكين"!
فازدردت ريقها بتوتر وهي لا تكاد تستوعب شيئاً مما قاله...
لكنها عادت تهتف بخوف طفولي:
_هل ستقتلونني؟!
والإجابة الباردة الملقنة وصلتها من جديد:
_لن يؤذيكِ أحد!
فتنهدت ببعض الارتياح وقد وجدت الشجاعة لتسأله بلهفة:
_هل تريدون مالاً؟! هل تواصلتم مع يزن؟!
ولما بقي سؤالها دون جواب لفترة طويلة...
عادت تهتف برجاء طفولي:
_دعوني أتحدث إليه ...كلمة واحدة فقط...سينفذ لكم بعدها كل ما تطلبونه...كلمة واحدة...واحدة..فقط!!
انتهت كلماتها بدموعها وجسدها يرتج بالبكاء خوفاً من جديد...
يزن كان على حق يوم أخبرها أن بللورتها الحامية ستنكسر خارج أسوار الأمير...
كان على حق في تملكه وحمايته الزائدة لها...
هذا العالم -خارج ذراعيه- أقسى كثيراً مما كانت تظن...
فقط لو تعود لحضنه...
لن تغادره بعدها أبداً...أبداً!!!!
وكأنما قرأ من بالخارج أفكارها ليصلها الهتاف الأخير :
_يقولون إن الشاة تعيش عمرها تخشى الذئب...لكن الراعي هو من يذبحها في النهاية...فاحترسي لحالك!
انفرجت شفتاها بخوف وكل ما وعته من كلماته في البداية هو لفظة "الذبح"...
قبل أن يعمل عقلها بأقل من عشر تركيزه ليفهم -بالكاد- ما يعنيه!!!
أي ذئب؟! وأي راعٍ؟!!
وهل هي الشاة هنا؟!!
ماذا يعني بالضبط؟!
هتفت بتساؤلها السابق بلهفة مذعورة لكن محدثها كان قد رضي بهذا الحوار ختاماً للحديث دون تعقيب...
فعادت تهتف بعدة رجاءات متوسلة كان الصمت فيها جوابها...
قبل أن تعود لانهيارها الباكي من جديد وهي تسقط على ركبتيها محتضنة جسدها بذراعيها وهي تنتحب ...
لكنها عادت تمسح دموعها وهي تهمس لنفسها وكأنها تمنحها اليقين:
_يزن لن يتركني...سينقذني كعادته...وسأعود معه بيتنا ...وبعدها حتى لو حبسني في غرفتي طوال عمري فلن أعترض...
ثم يعود البكاء يغلبها فتردف بخوفها الطفولي:
_أرجوك يا يزن ...تعال خلصني من هنا!
==========
جلس على أريكته في منزله يفكر فيها وهو يشعر أنه قد تسرع في الرد عليها ...
كان من الواجب أن يظهر لها المزيد من التفهم كعادته...
لكن صدمته من طلبها -الجريء- ألجمته!!!!
هو يعرف الكثير عن تمردها ...جنونها...عصبيتها...
لكنه يعرف أيضاً عن كبريائها ..كبريائها الذي لا يدري كيف سمح لها بما طلبته...
إلا لو كان هذا آخر حصون الملكة !!
ولم تكد فكرته الأخيرة تهاجم رأسه حتى رن جرس البيت فعقد حاجبيه بقوة وهو ينظر في ساعته التي أشارت xxxxبها لهذا الوقت المتأخر جداً من الليل...
قبل أن يتذكر أنه قد ترك بابه الخارجي مفتوحاً...
قام بخفة وهو يعدل ثيابه قبل أن يتوجه نحوه ليفتحه...
فإذا هي أمامه!!!
أجل...كليوباترا بنفسها !!
وقف أمامها والصدمة تبدو على ملامحه مع تفرسه لها...
وجهها محمر بانفعاله...طمي عينيها يلتمع أكثر خلف غلالة رقيقة من دموع أبيّة...
حدقتاها ترتعشان برجاء عزيز رغم زمة شفتيها الواثقة وأنفها المرفوع بكبرياء ناسب قولها:
_أنا خرجت من بيت "الأمير" ولن أعود...أدخل أم أبحث عن مكان آخر؟!
ورغم خطورة ما يدرك أنه مقبلٌ عليه لكنه ابتسم بإعجاب ويقينه فيها يزداد رسوخاً...
الملكة غافلت حراسها لتغادر محبسها في القصر ولن تعود إلا ظافرة كما تظن!
لهذا هز رأسه وهو يفرد لها ذراعه على طوله مع قوله باستسلام:
_تفضلي بالدخول!
دخلت بخطوات واثقة وهي تحاول ألا تعكس ملامحها شيئاً مما يدور بداخلها...
بينما أغلق هو الباب ليستدير نحوها قائلاً بابتسامته الودود:
_بعيداً عن ظروف زيارتك المعقدة...أنا سعيد حقاً لأنك هنا!
اتشحت شفتاها بطيف ابتسامة زادتها سحراً في عينيه...
فتقدم منها لتتلاقى عيناهما بحديث صاخب قاومه وهو يتنحنح ليسألها وقد أشاح بوجهه:
_هل من جديد عن زوجة شقيقك؟!
هزت رأسها نفياً ثم رفعت أنفها لتقول بكبرياء:
_من الآن لا شأن لي بهذه العائلة حتى يعترفوا جميعاً بحريتي في اتخاذ قراراتي...
ثم ابتسمت ساخرة لتردف:
_يزن يظنني كمدللته التي لا تستطيع تمشيط شعرها دون إذنه...أو كإيزيس التي يسيطر عليها مستغلاً عاطفتها نحوه...لا...أنا أختلف!
تنهد بحرارة ثم اقترب منها أكثر ليسألها:
_والآن ...ماذا تنتوين؟!
_سنتزوج!
قالتها بنبرة ظاهرها الأمر وباطنها الرجاء ...
فماذا يصنع هو مع كل هذا الإصرار؟!!!
لهذا أطرق برأسه قليلاً ثم عاد يرفعه نحوها ليهمس لها بحرارة:
_لو تزوجنا فلن يكون مجرد حبر على ورق...ولن يكون لأنني أريد مساعدتك...لو تزوجتك فهذا لأني...
التمعت عيناها بترقب و"طمْي" عينيها يلتمع الآن كعشرات النجوم الصغيرة...
عندما هاجت بحوره الزرقاء باعترافه الساحر:
_أحبك كليوباترا!
اتسعت عيناها بانبهار وهي تسمعها منه بهذه الصراحة...
صحيح أنها كانت تتوقع هكذا اعتراف لكن توقعه شيء ومذاقه الحلو هذا شيءٌ آخر!!!!
لهذا أشاحت بوجهها دون رد ...
فأدار وجنتها نحوه براحته ليردف بنبرة دافئة:
_لقد حاولت السير خلف عقلي لأمنعك من خطوة الزواج المتهورة هذه...لكن حضورك هاهنا الآن يهدم كل ما بقي لي من مقاومة...
ثم ابتسم وهو يعانقها بنظراته ليردف:
_مادمنا وصلنا لهذه النقطة...فلتتحد أقدارنا لما بقي من العمر!
ضغطت شفتيها بقوة تمنع ارتجافهما وهي تأبى الرد...
لقد كان الأمر سهلاً عندما كانت تتحدث عن "مساعدة" و"زواج صوري"...
لكن الآن...الآن تشعر ب"الجُبن اللعين"يسري في أوردتها الهشة وهي لا تحب هذا الشعور...
صحيحٌ أن له خدراً لذيذاً مع ما يمتزج به من سحر شعورها بعاطفتها نحوه..
لكن...تبقى له وخزته الشائكة في قلب "متمردة" مثلها!!!!!
لهذا هربت من هذه المواجهة بدعوى التجاهل ...
لتتحرك خطوة للخلف مع قولها وعيناها تجوبان المكان بتفحص:
_بيتك شديد الفخامة...ذوقه قديم لكنه مميز!
فابتسم وهو يفهم انفعالاتها بأسرارها الكاملة... ليشير لها كي تتقدمه فيسير جوارها قائلاً:
_أمي كانت تصر أن تحتفظ له بطابعه "الكلاسيكي"...لدينا هنا العديد من اللوحات...انظري إنها أصلية!
ابتسمت بإعجاب وهي تخطو معه داخل بهو البيت ليزداد شعورها بالحرية والانطلاق ...
ورغم أن البيت كان غريباً على عينيها لكن شعورها بالمغامرة كان يجعلها تحس وكأنها تطير!!!!
مغيبة؟!!!
حقاً كانت كذلك ...بإرادتها أو بدونها !!
هي كانت تريد الآن التحليق خارج أسوار بيت الأمير بقيوده وصراعاته ومشاكله وتعقيداته لتنطلق حرة بلا ماضٍ ...
والحاضر؟!!!
الحاضر والمستقبل هي من ستكتبه بيديها !!!!
لهذا حاولت تناسي قلقها من خطوتها غير المحسوبة هذه لتتظاهر بالرضا وهي تتأمل المكان ...
قبل أن تلتقي عيناهما من جديد فيروعها هذا التيار "العاصف" اللذيذ الذي سرى بينهما...
لكنها تذكرت شيئاً جعلها تقول بنبرتها القوية:
_لا أظننا سنستطيع كتابة عقد زواجنا في هذا الوقت المتأخر من الليل ...سأقضي الليلة هنا ونتدبر الأمر صباحاً لكن لي شرطاً واحداً...
ابتسم وهو يبسط كفيه بما يعني "اطلبي ما شئتِ"...
فرفعت أنفها بحركتها المعهودة وهي تقول بحزم:
_سيكون من شروط العقد أن أطلق نفسي متى شئت!
عقد حاجبيه قليلاً للحظات وقد بدا عليه أنه سيرفض ...
قبل أن يفاجئها بضحكة طويلة سبقت قوله :
_هذه هي كليوباترا...حتى عندما تطلب ...تعرف كيف تصوغه في صورة أمر ملكي لا يقبل الجدال!
_هذا يعني أنك وافقت؟!
بحذر يناسبها قالتها ...ليجيبها باحتواء يجيده:
_لقد وضعت شروطك منذ بداية علاقتنا...أنتِ من بدأت الطريق وحقكِ أن تنهيه في أي وقت!
ورغم أن عبارته أرضت شعور "المتمردة" بداخلها ...
لكن قبساً من "أنثى" طبيعية بداخلها كانت تود لو كان أكثر تشبثاً بها...
أكثر شراسة...
ماذا؟!!!
كجاد مثلاً!!!!
وكأنما اجتاحها شيطان عندما ورد على خاطرها فعقدت حاجبيها بقوة لتهتف بعدائية غير مبررة وهي تلوح بسبابتها في وجهه:
_كليوباترا الأمير لن تكون مجرد امرأة فرت من أهلها لتتزوجك ...أنت خطوة في طريق استقلالي الذي سأسيره لآخره؟!
ورغم عنف لهجتها لكنها لم تخدع من يفهمها مثله...
لهذا همس بعد صمت قصير:
_أحببتني؟!
همس بها بلهجة غريبة بين تقرير ونفي وعيناه تمشطان ملامحها بنظراته التي حافظت على ودها الحنون لكن مع شعور آخر لم تفهمه...
فتهربت من كل هذا وهي تشيح بوجهها لتقع عيناها على صورة فوتوغرافية مؤطرّة بدت وكأنها كانت له مع والديه في صغره..
فتوجهت نحوها لتتفحصها قبل أن تقول بابتسامة واهنة:
_تعجبني الصور القديمة...
قالتها ثم عقدت حاجبيها وهي تشير بإصبعها نحوه لتغمغم بدهشة:
_غريب! عيناك لا تظهران زرقاوين هنا!
تغيرت ملامحه قليلاً قبل أن يسيطر عليها بابتسامته الودود التي صاحبت قوله:
_ظروف الإضاءة فحسب!
ثم ضحك ليردف بنبرته الآسرة:
_عفواً نسيت سؤالك...ماذا تشربين يا زوجتي العزيزة؟!عساكِ لا تتهمينني بالبخل!
فابتسمت ولفظة "زوجتي" منه تعزز شعورها الحالي بالتمرد والاستقلال الذي نالته خارج أسوار الأمير...
لتجيبه برقة احتلت نبرتها القوية:
_طالما كنت تعلم ما أريده!
أعجبه جوابها الماكر فعاد يضحك من جديد قبل أن يشير لها نحو أريكة بعينها هناك فتحركت لتجلس عليها بينما تركها هو قليلاً ليعود بما يحمله...
_مثلجات؟!
قالتها بابتسامة واسعة وهي تتناول منه الكأس الذي تألق بمحتواه الشهي...والذي بدأت بعض كراته في الانصهار لتبدو أكثر لذة...
فابتسم بدوره وهو يجلس جوارها على الأريكة ليقول بنبرته الدافئة:
_لا يكاد البيت هنا يخلو منها منذ علمت أنك تحبينها...وكأنني كنت أشعر أنكِ يوماً ما ستكونين هنا!
أسبلت جفنيها بما ظنته وشاحاً من كبرياء لكنه في الحقيقة كان خجلاً أبت الاعتراف به...
فأفرغت انفعالاتها في تناولها لمثلجاتها الشهية تحت نظراته الدافئة التي انتهت بعبارته:
_تعلمين كم مرة شهدت هذه الأريكة بالذات أحلامي بكِ؟!
رفعت إليه عينيها ب"طميهما" الذي تألق الآن بلمعة ساحرة ...
بينما يردف بنفس النبرة :
_ربما خشيت من مصارحتك بمشاعري كي لا أفقدك...كنت أعرف أن روحك الجامحة كجواد بري لن تقبل لجام مشاعري حتى تأتي بنفسها راغبة...
ثم تنهد بحرارة ليهمس لها بحرارة بينما يقترب:
_لم أتصور أن تأتي هذه اللحظة بهذه السرعة...أنت هنا...معي...في بيتي...على أريكتي...
ومع كل عبارة كان يزداد اقترابه وتزداد حرارة أنفاسها رغم برودة ما كانت تتناوله...
كانت تعود بظهرها للخلف لا إرادياً بينما تشعر به وكأنه نجمٌ من السماء يقترب ليسقط بين ذراعيها ...
عيناه تهديانها "حلوى الحب" مغلفةً بغلافها المبهر...
لكنها توقن أن "المذاق" سيكون أكثر إبهاراً...
بينما يزداد اقترابه وهو يميل عليها بجذعه ليحتكر نظراتها فتسافر شرقاً وغرباً بين طيات أمواجه الزرقاء التي هاجت بفورة عاطفته مع همسه :
_كليوباترا!
الأنفاس تمتزج بحريق خطير النوايا...
والقلب يعزف أكثر معزوفاته صخباً ...
والعقل يتوارى مخذولاً خلف حجب العاطفة...
لحظة واحدة وتدخل معه هذا العالم الذي لم تعرفه من قبل ...
لحظة واحدة!!
لكنه ابتعد عنها فجأة ليزدرد ريقه ببطء هامساً بصوت مختنق:
_سأصبر...لن أمس ملكتي حتى يكون هذا من حقي!
ماذا تفعل فيه؟!!!
تصفعه بقوة خيبتها في ما كانت تتوق إليه ؟!!!
أم تقبل جبينه احتراماً على حفاظه عليها؟!!
حسناً...لم يتبقّ سوى بضع ساعات وتكون له ...
وقبل أن يلاحظ أي من آل الأمير اختفاءها ستكون قد حققت مرادها وهربت من أسرها للأبد!!!
وبهذا الخاطر المبهج ابتسمت له بامتنان قبل أن تتلفت حولها لتقول بنبرة مطمئنة:
_أريد غرفة أقضي فيها ليلتي!
ظهر بعض الأسف على ملامحه وكأنه كره مفارقتها هكذا...
لكنه كان يدرك أنها تريد الاختلاء بنفسها كي تقيّم ما هي مقبلة عليه...
لهذا أومأ برأسه في تفهم ثم قادها لغرفة قريبة ناولها مفتاحها ليزيد سكينتها قبل أن يقول لها بصوته العذب:
_نامي جيداً ملكتي...فالحرب والجنة يبدآن معاً في الغد!
فابتسمت وهي تشيح بوجهها ليتركها ملوحاً بكفه قبل أن يغلق باب الغرفة خلفه...
ابتسامتها تتسع وهي تنظر حولها بسعادة وظفر ...
_لقد انتصرت الملكة ...
قالتها لنفسها وهي تغلق الباب بالمفتاح ثم انتزعته من مكانه لتضعه بحرص تحت وسادتها قبل أن تتمدد على الفراش باسترخاء تتذكر عبارته...
الحرب والجنة يبدآن معاً في الغد...
موعدنا الصبح يا رفيق الدرب...
أليس الصبح بقريب؟!
==========
فتحت عينيها لتتأمل سقف الغرفة باستغراب قبل أن يصلها الإدراك بمكانها الجديد...
شهقة عنيفة رافقت قيامها المذعور من رقدتها وهي تجد نفسها شبه عارية إلا من قميصها الداخلي القصير!!!
ثيابها ؟!!!
أين ثيابها ؟!!!
بل ...والأدهى ... من خلعها عنها؟!!!!
أطلقت صيحة قصيرة وهي تحيط جسدها بذراعيها قبل أن تغادر الفراش بسرعة لتبحث عن تفسير...
فيصفعها منظر الملاءة ب"إشارة" لا تحتاج ذكاء إلى-ما فقدته-هي دون رجعة !!!!!!
كنان؟!!!!!!!!
هل فعلها بها حقاً بهذه الخسة؟!!!!
هي لا تتذكر شيئاً من ليلة أمس بعد تناولها المثلجات والخلود للنوم...
المثلجات!!!!!
اللعنة!!!!!
هل سقطت في هذه الخدعة القديمة بهذه السذاجة؟!!!!!!
لا ...لا ....مستحيل!!!!!
الصدمة تهوي على قلبها بمطارق من فولاذ...
أنفاسها تتحشرج في صدرها وهي تتوقع ما حدث بينما هي فاقدة لوعيها ...
معقول؟!!!
سارت كالمجنونة تجوب البيت تبحث عنه وكل ذرة فيها تنبض بالغضب...
تصرخ بالغدر...
تنزف بالخديعة...
حتى انتهى بها المقام وحيدة في بهو بيته لا تدري ماذا تفعل ولا أين تذهب...
حتى ملابسها وحقيبتها لم تجد أياً منها!!!!!
ووسط كل هذا ...
على شاشة تلفاز مسطحة علقت على أحد الجدران هناك مناقضةً "كلاسيكية" المكان...
كان هناك ما يستحق المشاهدة!!!!!
مشهد يتكرر بتتابع منتظم وكأنما قصد فاعلها أن يضمن رؤيتها له عقب استيقاظها...
اقتربت من الشاشة ببطء وعيناها ما بين تكذيب وتصديق...
باب غرفتها الذي ظنته مؤمناً بغلقه يفتح بمنتهى السهولة عقب نومها....
كنان يدخل بخطوات واثقة وبنظرات أبعد ما تكون عن تلك الدافئة الحنون...
يجلس على طرف فراشها ثم يرفع عنها غطاءها ...
قبل أن يبتسم بتشفّ ناسب قوله:
_هنا تبدأ أول خطوة للانتقام من يزن الأمير...
ثم يميل عليها بجسده وهو يحل أزرار قميصه مردفاً:
_الخطوة الألذ!!!!
هنا تتشوش الصورة ويعيد المشهد نفسه من جديد بنفس التتابع!!!!!!

تعاويذ عمران  لِـ" نرمين نحمد الله"Where stories live. Discover now