قَهوة حُلوة

By Budorclassic

4.1K 357 369

"You Are The Sugar In My Coffee" More

~حياة مثالية~
~زهرة الليلك~
~السيدة هانا~
~الرومانسية~
~صاحب السُترة~
~غايتان متنافرتان~
~رحلة قطار~
~حقل الذُرة ~
~صديق جديد~
~حديث المساء~
~Clair de lune~
~شيء ما ~
~حُلم روما ~
~يوم حافل~
~حفل مولد والدتي~
~قهوة~
~Besame Mucho~
~ الخاتمة~

~عَصرُ النهضة~

172 19 8
By Budorclassic

في صباح يوم الاثنين عادت السماء لتنجز أحد فروضها.

أُحبُ تناول القهوة بشدة في الأجواء الممطرة.
لا وجود لشيء أكثر سحراً و دفئاً من سماع موسيقى كلاسيكية في يومٍ ممطر مع كوبِ قهوة ساخن.
أشعر إني على قيد القهوة و رائحتها.

دائماً ما أكون في أفضل مزاج عندما يكون الطقس ممطراً. ثُم إني أحب السير تحت رذاذ المطر صباحاً. و لأني أخشى قلق والدتي عليّ فأني مجبرة على السير أسفل مظلتي و إرتداء معطف جلدي.

أصلُ إلى متجر الكتب، فألمح هيسوكا و هو ينزل الدرج. استأذنت سوما مني اليوم لعدم مقدرتها على العمل وذلك بسبب إن والدتها متعبة جداً و تحتاج إلى رعايتها. هذا يعني إن هذا الفتى سيظل يثرثر بصحبتي حتى موعد الغروب.

"صباح الخير. "

إبتسم لي و أجاب ببشاشة
"أهلاً آنسة إِيلي.. أستطيع أن أعرف كم إنكِ سعيدة الان مع كل هذا المطر في الخارج. "

علقتُ معطفي المطري و أجبته
"أشعر إني أسيرُ في شوراع باريس أو روما.
وحده الطقس الممطر من يمنحني هذا الاحساس. أنا حقاً أحلمُ في السير تحت المطر في زمن العصور القديمة. "

جلست على مقعدي و قد قمت بتشغيل آلة صنع القهوة. أطلقتُ تنهيدة قصيرة ثم أتكأت نحو الإمام على معصمي
"ماذا كان سيحدث لو إني ولدت في عصر النهضة؟ ماذا تظن سيحدث لي يا هيسوكا؟ "

أقترب هيسوكا و هو يفكر في سؤالي الخيالي هذا.
" أنا متأكد إنكِ ستكونين من رواد هذه الفترة الجميلة.
و لربما سوف يُذكر إسمكِ في كتب التاريخ.
لربما ستكونين روائية عالمية أو مؤلفة سيمفونية شهيرة.
و أيضاً سيكون هنالك فتى يدعى هيسوكا سيقوم بقراءة جميع مؤلفاتك و يغرم بكل مقطوعاتك الموسيقية الكلاسيكة، لكنه سيكون حزين لأنه سيتمنى أن يلتقي بك وجهاً لوجه. و يدردش معكِ كما لو إنكِ أحد رفاقه. "

ضحكت من أسلوب تعبيره. كم يعجبني خيال هيسوكا الجامح.

ثم أردفت بعد أن أحتسيتُ رشفة من قهوتي.
"آه يا هيسوكا.. كلامك مؤثر للغاية؛ أحقاً تظنني سأصبح أحد رواد عصر النهضة آنذاك؟
مع ليوناردو دا فينشي و المؤلف الموسيقي موزارت... "

أطلقتُ تنهيدة أخرى ثم عدت للثرثرة،
"هل تعلم يا هيسوكا إن موزارت قاد اوركسترا و هو في السابعة من عمره؟
هل تعي مدى عظمة هذا الشخص؟ و مدى جمال تلك الحقبة المليئة بالفنون الخلابة؟
إنه شيء لن يتكرر أبداً. "

"آه كم إنكِ مولعة بالفن آنسة إِيلي... لابد أن تتزوجي بشخصٍ يشبهكِ تماماً لتنجبي أطفالاً يعشقون النحت و العزف و لابد أن تحظي بفتاة جميلة ذات إحساس مرهف ستصبح كاتبة عظيمة فيما بعد.. عائلة فنية مطلقة. "

تنهدت مجدداً و أجبته
" لا أستطيع أن أتخيل إن أحد أفراد أُسرتي غير مولع بالفن الكلاسيكي، لم أعش في ذلك الزمن و لكن على الأقل أحاول المحافظة عليه في الأجيال القادمة.
أنا حقاً لا أرغب به أن يندثر. "

رمقني هيسوكا بنظرات غريبة مع إبتسامة شقية.
" آنسة إِيلي.. من النادر أن أسمعكِ تتحدثين عن الأسرة او حتى أن تتوافقين في الأمر ، أرى إنكِ تعتبرين الزواج طريقة سوف تساعدك في مشروعكِ للمحافظة على الفن الكلاسيكي و على عظماء عصر النهضة. هل حقاً لا تعارضين ذلك؟"


فكرتُ ملياً بوجهة نظر هيسوكا، هل كان هذا حقيقياً؟
"حسناً هيسوكا، نظراً لأني شخص مولع في الفن. فأنا لا أستطيع أن أتفق مع أي شخص لا تربطه صلةٌ به، كأن لا يقرأ الروايات و لا يستمع للموسيقى و لا يحب التأمل في اللوحات و لا يتفكر بحديث الفلاسفة كيف لي أن أُعجب أو أن أتفق مع شخصٍ كهذا؟
من الصعب التعايش مع شخص لا يستمتع بالفن. لذلك فأنا أُحبك و أحب سومي و كل أولئك الرفاق المولوعون بالكتب هنا. "

في طريق عودتي إلى المنزل، كنت أشعر بملل طفيف أجهل سببه.
كان المطر قد توقف في هذا المساء،
كنت أضعُ سماعات الأذن و أستمتع إلى سيمفونية
بحيرة البجع بينما أسير فوق البرك الصغيرة و أقفز فوقها.

أُفكر بما قاله هيسوكا، مشروع إحياء عصر النهضة. لطالما خشيت أن يأتي يوماً من الأيام و يندثر كل ذلك الفن. و ينساه الناس و لا تعرفه الأجيال القادمة. أسير يوماً في الشارع و اسأل أحدهم "من هو بيتهوفن؟ أتعرفه؟" فيهز رأسه نفياً؛ كم إن هذا مُخيب للآمال.. أكاد أصرخ غضباً كلما تخيلت هذا.

كيف لي أن أُساهم في إبقاء هذه الثقافة مشتعلة؟ أُريد أن أجعل الجميع يستمع للمقطوعات الكلاسيكية.
أريد أن يحفظ الجميع أسماء الرسامون مع أسماء للوحاتهم الشهيرة (بابلو بيكاسو، فان جوخ، ليوناردو دا فينشي، إدوارد مونش و يوهانس فيرمير....)

أتوقف لأنظر للسماء متنهدة و قلقة
"يا إلهي.. ما الذي يجدر بي فعله؟
لماذا أشعر إن هذا على عاتقي.. أحب الفن الكلاسيكي و لكن هذا لا يكفي.. لا يكفي أن أُعبر عن حُبي و... و تقديري فقط من خلال الكلام أو من خلال الاستماع إلى بحيرة البجع او شراء المزيد من اللوحات الكلاسيكية.."

"هل يجدر بي أن أوزع أسطوانات موسيقية على الناس؟"

_________________________

تسترخي كِلا من السيدة مارثا و السيدة هانا في حديقة المنزل،  تمكنت السيدة هانا من مغادرة السرير لتستريح فوق مقعد متحرك.
كن يتناولن الأحاديث بصحبة الشاي و بعض المعجنات و السكريات.
تتحدث السيدة هانا و هي تمسك فنجان الشاي الخزفي
" لديكِ العديد من الأطقم الخزفيةالجميلة من أين أشتريتها جميعاً؟ تبدو باهضة جداً"

"إن هذا إحدى هوايات إيلي،تحب جميع الأواني و القطع الخزفية. "

وضعت السيدة هانا الفنجان جانباً بعد أن أحتسته كله، و أردفت تقول
"آه... إيلي هذهِ، إنها تثير دهشتي يوماً بعد يوم. في مثل سنها كنت أجمع الرجال، و هي ماذا؟ تجمع هذه القطع القديمة؟ يالها من عجوز. "

" يا لكِ من إمرأة قاسية!
كيف تتحدثين عن إبنتي بهذه الطريقة؟"

" لما إنزعجتي من سماع الحقيقة؟
إني أخبركِ بهذا حتى تصدقي ما يحصل مع إبنتكِ.
إلى متى ستظل تجمع تلك التحف و القطع الأثرية؟
متى ستقرر الارتباط بأحدهم فحسب؟
أحقاً لا تواعد أحدهم؟ "

" إن مسألة المواعدة لدى إيلي مسألة مُهملة، هل تظنين إني لم أُحاول معها؟ غير إنها تستمر بقول إن الارتباط بأحدهم في هذا الزمان ليس أمراً هاماً.. و من الجليل أن أعيش مستقلة و وحيدة لأطول مدة ممكنه؛ حتى إني أحاول التوقف ت عن مناقشتها في هذا الأمر سيدة هانا. "

" يا لها من غريبة أطوار، هل لديها مشكلة مع الرجال؟
هل تجد صعوبة في التعامل معهم؟
أيعقل أن تكرههم؟ "

" آه يا إلهي... ما كل هذه الأسئلة، بالطبع إنها لا تكرههم، ما هذا الادعاء السخيف! "

" إنه ليس بالادعاء السخيف على الإطلاق! حتى إن جونغكوك نفسه قد أخبرني إنها تعامله بلؤم منذ مجيئه، و قام بسؤالي فيما إذا كانت هكذا على الدوام؛ لكنني أجبته الحقيقة قائلة إنها ليست متقلبة المزاج بتاتاً و لكن أخشى إنها لا تعرف كيف تتعامل معك.."

هزت السيدة مارثا رأسها لتردف
"أنتِ على حق في ذلك. لقد لاحظت هذا أنا أيضاً.
رغم إن إيلي ليست من هذا النوع، إنها شخصٌ مسالم. و لكن.. هنالك شيء غريب يحصل لها منذ مجيء إبنكِ جونغكوك.. أعتقد إن كل ما في الأمر إنها ليست معتادة بعد على وجود رجلٌ في منزلنا."

" أخبرتهُ بذلك أيضاً.. لم يقطن رجلٌ في منزلكم هذا قط، و ربما... ربما قد تكون... "

" ربما ماذا؟ إياكِ أن تظني السوء بإبنتي!
إن إيلي لا تعاني من أي مشاكل مع الرجال، كل مافي الأمر إنها فقط منهمكة خلف أحلامها و مشاريعها.
و ليست مهتمة بأمور المواعدة. "

" هل أنتِ واثقة إن أبنتكِ ليست غريبة أطوار؟

أي أمرأةٌ لا تتمنى الارتباط برجل؟
هنالك خلل في هرمونات إبنتك هذهِ.. لاشك إنها معتلة. "

ضربت والدة إيلي السيدة هانا على ذراعها لتقول مدافعة
"لا تقولي عنها معتلة.. إنها صاحبة مبادئ و هي ملتزمة بقرارتها و هذا ما يجعلها سعيدة.. تناولي الحلوى بصمت. و لا تتجرأي على فتح هذا الموضوع معها إطلاقاً، أسمعتي؟ "

بعد مرور دقائق  تحركت السيدة مارثا من مقعدها لتفتح الباب بعد سماعها لصوت طرقه، و كان هذا جونغكوك عائداً من السوبرماركت مُحملاً بالاغراض.

" آه عزيزي جونغكوك، لما لم تذكرني في تسليمك نسخة من مفتاح المنزل؟ أنت لست غريباً على الإطلاق... "

" أوه، هذا كثير يا خالتي... ثم هل أنتِ واثقة إني لست غريباً؟ أظن إن إبنتكِ قد تمانع في هذا."

دعت السيدة مارثا جونغكوك ليجلس بصحبتهم و قدمت له بعض الاطعمة و سكبت الشاي لأجله لتضيف.
" كلا لن تمانع بالطبع، لماذا تظن إنها قد تعارض و أنت أبن هذه السيدة الصديقة لنا؟ "

أرتشف جونغكوك بعض الشاي و التقط قطعتان من الكعك المملح ليجيب.
" لقد صادفتها قبل قليل في طريق عودتي، و عندما القيت عليها التحية لما تجيب بل لم تنظر إليّ حتى..."

لم تكن نبرة جونغكوك تعبر عن أي إستياء، كان يتحدث بينما يمضغ قطعة كعك تلو أخرى.
نظرت كلتا السيدتان إلى بعضهما البعض بتساؤل.

" آه...لا تحكم عليها من تصرفٍ كهذا. إنها  بلاشك تشعر بالخجل قليلاً و هذا ما يجعلها تبدو غير مرتاحة لتواجدك و لكنها ستعتاد، ثق بي."

أطلق جونغكوك ضحكته الخاصة بصوت خافت بينما يتابع تناول المعجنات.
" هل شعورها بالخجل يجعلها تتصرف بلؤم معي؟ إنها فقط لا تطيق وجودي، ولكن لا بأس بهذا. أنا أتفهم... "
صمت ثم أضاف.
" هذا الكعك لذيذ للغاية، لم أذق منتجاً كهذا في حياتي، المدينة هنا مليئة بأشياء رائعة كهذه..."

نظرت إليه والدته السيدة هانا و هي تشير إلى أطباق المعجنات و الحلوى.
" هذهِ من صنع إيلي... جميعها من صنع إيلي. "

القى جونغكوك نظرة إستغراب على كل تلك القطع المرصوفة في الأواني. ثم نكت يديه و هم بالمغادرة ممسكاً بالاغراض التي قام بشراءها.
و ثرثرة طفيفة تكاد تسمع منه و هو يتجه نحو الداخل.
"هذا غير معقول، كيف يمكن أن يكون مذاقها مثالياً إلى تلك الدرجة بينما قد صنعت في المنزل فحسب؟"

_____-------_____------_____

كان موعد تناول العشاء قد حلّ.
بالنسبة  للسيدة هانا  فقد تناولت العشاء مسبقاً   لتخلد إلى النوم مباشرةً.

لذا كان فقط ثلاثتنا على مائدة الطعام.
كنت قد أعددت المعكرونة بالتونة مع حساء فول الصويا و يخنة لحم البقر.
إنها من الأطباق المفضلة لدي و التي دائماً ما أرغب بتناولهم في الطقس الغائم.

كان الجميع صامتاً و قرقعة الملاعق تتحدث عوضاً عنا، حتى قطعت والدتي الصمت قائلة.
" آآ... إيلي... هل.. هل لديكِ مانع إن قمت بتسليم جونغكوك نسخة من مفتاح المنزل؟"
قالت ذلك لأرفع بصري ناحية جونغكوك و الذي كان منغمس إلى أقصى حد في تناول طبقه.

"آه... و هل لدي رأيٌ في ذلك؟"
قمت بسؤالها بينما لا أزال أتابع النظر نحوه.

"بالطبع لديكِ رأيٌ في ذلك، لقد خشيت أن ترفضي، هل سمعتها يا جونغكوك؟ إنها لا تمانع على الإطلاق... فأنت لست غريباً عنا ابداً نحن أسرة واحدة. "

_ أسرة واحدة؟ لم تعجبني هذه العبارة بتاتاً. أنا حتى لم أستطع أن أثق به بينما هي تود أن تسلمه مفتاح المنزل؟ ماذا لو إفتعل أحد جرائمه؟ _

" هل هنالك بعض الأرز المطهو على البخار؟ "
كان هذا السؤال صادراً بالطبع من جونغكوك.
التفتت إلي والدتي لتأمرني.
" إيلي... فالتجلبي له بعض الارز إنه في الثلاجة."

لكني لم أتحرك خطوة واحدة، و تابعت شرب الحساء الغير مقاوم. حتى صرخت والدتي بي.
"إيلي! الا تسمعين ما قلته؟ "
تركت الملعقة لأجيبها بنبرة أعلى
"ماذا هناك؟ الم تخبريه للتو إننا أسرة واحدة؟ لقد أصبح المنزل منزله هو أيضاً لذلك ليس هنالك داعي من أن أخدمه! "
نظرت نحوه لآمره
"هيا قف و أجلب لنفسك طبق الأرز، لم تعد ضيفاً على أية حال..."

تحرك جونغكوك من كرسيه حالاً و إتجه نحو الثلاجة و راح يبحث عن طبق الارز.
_حسناً هذا يعجبني، لقد أصغى إلى حديثي بطاعة كاملة _

و لكن والدتي لم تتركني و شأني، ضربت المعلقة خاصتها على يدي لتردف.
" لما تعاملينه بهذهِ الطريقة اللئيمة ؟ لم أعهد أن لديكِ هذهِ الصفة؟"

"أمي! لست أُعامله بلؤم!
إني أتصرف معه بلا أي رسمية فحسب، حتى أتمكن من الاعتياد عليه..."

"بل أنتِ كذلك، لقد أخبرنا إنه صادفكِ في طريق عودتكِ من العمل و القى التحية عليكِ لكنكِ لم تجيبي و لم تنظري إليه.. أليس ذلك تصرفاً للئيماً؟ كُفِ عن ذلك! "

_مهلاً لكن... متى قد صادفني حتى يلقي التحية عليّ؟ أنا لا أذكر إني تجاهلته؟ _

" إنه يكذب. "

رفع جونغكوك رأسه نحوي و كان يفترسني بنظراته مجدداً بينما يمضغ طعامه.
كان مظهره مرعباً. و لم أتمكن من الاستمرار في النظر إليه، أشحت وجهي عنه و أمسكت ملعقتي لأتظاهر بتناول الطعام.

"تتهمينه بالكذب أيضاً؟ لما عساه أن يكذب؟"

نظرت نحو والدتي لأجيبها بإنفعال
"لأنه يرغب بالتودد إلي، و أنا لا أرغب بذلك."

"و لما عساكِ لا ترغبين بذلك؟ أقنعيني هيا..."
سألت والدتي بينما كان جونغكوك لا يزال يرمقني بذات الطريقة.
"لأنه يدعي إنه لطيف لكنه ليس كذلك على الإطلاق، أنتِ لا تعرفينه جيداً."

أطلقت والدتي ضحكة ساخرة و قبل أن تتمكن من الرد، أردف ذلك الشخص الجالس أمامي بنبرة باردة غير مبالية.
" و أنتِ كذلك،تدعين إنكِ ودودة لكنكِ في الحقيقة متكبرة."

بعد عبارته الأخيرة. لم يجرؤ أحدنا أن يكسر الصمت.

__________________

كنت في غرفتي في تمام الساعة التاسعة.
و كل ما كنت أحاول فعله هو الكتابة.
كنت أفكر في موضوع مقالة جديدة،
وددت الكتابة عن عصر النهضة و لكني لم أتمكن من إقتناء الكلمات المناسبة التي تعبر تماماً عما أشعر به.
إن هذا الموضوع لطالما كان مترسخاً في رأسي.
و حاولت في العديد من المرات الكتابة عنه، و لكن أشعر و لشدة تعلقي به، بأني لا أعرف كيف أكتب عنه. و أفشل في وصف مشاعري إتجاهه.
أنا هكذا على الدوام.
عندما تمتلكني مشاعر عميقة إتجاه شيء من الأشياء، يصبح من المُعقد أن أُعبر عنه.
أنا فقط، لا أرغب بأحدهم من تلك الحقبة أن يُنسى.

سمعت صوت طرق الباب.
أخفضت صوت الموسيقى لأجيب
"أُدخلي أمي"

مرت ثواني كنت فيها لا أزال أمسك بقلمي و أستند إلى منضدة الكتابة و أضرب بأصابعي سطحها.

"ماذا هنالك ؟ لما أنتِ صامتة؟"
إلتفت إليها لأكتشف إنها لم تكن والدتي. كان جونغكوك.
و من دون أن ينبس بكلمة أخذ يدنو من منتصف الغرفة ناظراً نحو الجدران و الصور و اللوحات و كل شيء تقريباً.

"أنت؟ و لكن ما الذي تفعله هنا؟ لا يحق لك الدخول إلى..."
قام بمقاطعتي ليردف دون أن ينظر نحوي.
" نحن أسرة واحدة، هل نسيتي؟"

أطلقت تنهيدة قبل أن أجيبه. هذا الفتى يحاول إختبار أخلاقي، أنا حقاً لا أرغب أن أخيب ظن نفسي. لن أسمح له أن يغيظني أو يخرجني عن طوري.

" نحن أسرة واحدة، هذا صحيح، لقد نسيت. ما سبب قدومك إلى هنا؟"

" أجل، لديكِ عقل بشري، و العقل البشري ينسى بطبعه. "

لم افكر قبل أن أُجيبه
"لذلك فأنا اكره العقل البشري. "
خبأتُ خصلة من شعري قد تدلت أمام بؤبؤ عيني خلف إذني.

"تكرهين العقل البشري لأنه ينسى؟ هل تريدين أن نهلك؟"

" ليس هذا ما قصدته. "
وقفتُ و أشرتُ نحو تلك اللوحات المعلقة
" لا أود أن ينسى الناس هذا الفن، أُريده أن يبقى خالداً... أعني... لا أضمن خلود أي شيء لكني أريد ضمان خلود هذا الجمال، هذهِ العاطفة الحية. "

كنت قد شردت باللوحات  دون شعورٍ مني.
إلتقطت أُذناي صوت فرقعة أصابعه.
إلتفت إليه لآراه يدعك وجنته.
لأقوم بسؤاله
" إنسى ما قلته للتو، ما الذي جاء بك إلى هنا؟ "

" آه... أنتِ شديدة التناقض، ها أنتِ ذا تطلبين مني أن أنسى. على أية حال، لقد جأت لأطلب منكِ أن تُعيريني حاسوبكِ الشخصي إذ أمكن."

"و هل لي أن أعلم لماذا؟"

تقدم بضع خطوات قرب المنضدة وأخذ يلعب بإحدى القطع الحجرية المنحوتة.
" بما إني أشعر ببعض الملل، و لا أملك أي نشاط يمكنني القيام به، أنتم حتى لا تملكون جهاز بلايستيشن هنا و لقد نسيت إحضار حاسوبي الخاص لذا فكرت في إستعارة حاسوبكِ لبعض الوقت فحسب. "

" إترك تلك القطعة و كُف عن لمس أشيائي، ثم إنك لست هنا من أجل المرح، هل نسيت؟ أنت هنا من أجل والدتك فحسب! "

" يا إلهي! بالطبع لم أنسى، لما عليكِ أن تعاملنني بهذا اللؤم؟ "

" مجدداً؟ أتتهمني بأني أُعاملك بلؤم؟ ثم ما تلك القصة المزيفة التي رويتها لوالدتي؟ صادفتني و ألقيت التحية بينما قمت أنا بتجاهلك تماماً؟ "

" لستُ أُزيف شيئاً، لقد كنت في طريق عودتي إلى المنزل عندما خرجت من السوبرماركت و صادفتكِ على بعد أمتار و رفعت يدي عالياً و ناديت بإسمكِ.. لكنكِ كنتِ تنظرين إلى جميع الجهات عداي. "

فكرت ملياً في حديثه ثم أجبته.
" إذاً أنا لم أتجاهلك عمداً!
في الحقيقة كنت أرتدي سماعات الأذن و أصغي إلى الموسيقى، و لربما لهذا السبب لم أتمكن من سماعك... يا لك من مُحب للمشاكل. "

" حسناً حسناً... أنا أعتذر على إتهامكِ بهذه الطريقة، فأنتِ أكثر للطفاً من أن تقومي بتجاهلي و الآن هلا سلمتني حاسبوكِ؟ "

أخذتُ الحاسوب من فوق المنضدة و قبل أن أعطيه إياه أخبرته بنبرة محتدمة.
" أصغِ إلي جيداً، إني أفعل هذا من أجل والدتي و والدتك أيضاً، ليكفوا عن وصفي بأنني اللئيمة هنا. و ليس من باب اللطف. "

أومئ برأسه و تناول الحاسوب من يدي و أخذ يتفحصه كعادته.
" ما هو الرمز السري؟"

"لا أملك رمزاً سرياً."

أطلق ضحكة طفولية بينما لا يزال يتفحصه.
"من السهل سرقته إذاً..."

"سأسمح لك بإستعارته لكني أحذرك من أن تتلاعب به أو تحاول التفتيش عن أمورٌ خاصة فيه... عندها لن أتردد في مقاضاتك."

"اوه... هيا، لما عليّ أن أفتش عن صوركِ بينما وجهكِ الحقيقي يحدق بي عبر الهواء..."
تحدث بنبرة تكاد تكون سخيفة و مغفلة حتى إنه أراد أن يلمس ذقني لولا إني تراجعت نحو الخلف.

" إنصرف في الحال! "

أومئ برأسه و تحرك مبتعداً. و قبل أن يغادر إلتفت نحوي و كأنه تذكر أمراً هاماً.
نظر مجدداً نحو تلك اللوحات و تمعن النظر فيها قبل أن يستطرق.
" أتعملين ماهو الاجدر الا يُنسى على الإطلاق؟ "

بظأت أنتظر جملته التالية بفارغ الصبر و كأنني أتوقع منه حكمةً ما بالنظر إلى ملامحه الساكنة
"عشاء الليلة."
قال ذلك  ضاحكاً و هو يدلك على معدته.

إنه بلا شك يختبر أخلاقي. كيف أجرؤ على أن توقع منه أن يقول أمراً حسناً؟
" و لا تنسى أيضاً أن تغلق الباب حال إنصرافك!"

عدتُ مجدداً للجلوس على مقعدي بينما أُفكر فيما قلته مسبقاً لجونغكوك.
أشعر ببعض الندم لأنني قد بُحت له عما يراودني من إحساس إتجاه الفن.

  لا أظنه يستحق أن أشاركه إهتمامي أو أن أحدثه عن الفن و الجمال الحي و العاطفة المخلدة، لابد إنه الان ينزل الدرجات ضاحكاً بإستخفاف على  هوسي  بالفن و بالكتب.

التقطت القلم ثانيةً. و فتحت الدفتر خاصتي. و شرعتُ في الكتابة، و على نحوٍ مستمر. كانت هنالك عاطفة كبيرة تغمرني أثناء الكتابة. و لست واثقة من إني سوف أنشر هذا النص... أشعر إنني أود الاحتفاظ به لنفسي فقط.

* *
>>___________________<<

Continue Reading

You'll Also Like

71.5K 4.7K 12
" قدري في هذه الحياة "
1.5K 401 26
"الحياه ليست كما يعتقدها البشر وخصوصاً أباء وأمهات التسعينات .... يعتقدوا عندما تضرب ولدكَ كى يستمع لحديث من هم أكبر منه سناً سَيُفيد معه بالعكس... س...
56.9K 3K 24
عيناكِ تشبهُ السماءَ فكلاهما ينهمرُ منهما المطر ولاكن السبب في نزول امطار السماء الخالق وكان السبب في نزول امطار عينيك انا ...
696K 14.9K 44
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...