تدخل "سمر" إلي "عثمان" ... تقف أمام مكتبه في برودة أعصاب ، تتقصد التظاهر بهذا الشكل أمامه
فقد تمت الصفقة التي عقداها بالنسبة لها ، و هي لم تعد تبالي له بعد الآن ..
-صباح الخير يافندم ! .. حيته "سمر" بفتور ، و تابعت :
-نجلاء قالت إنك سألت عليا كتير . أنا آسفة إني إتأخرت إنهاردة بس كنت مضطرة . الصبح روحت أجيب أختي من المركز.
زمجر "عثمان" .. أطلق صوتا مفاجئا مرعبا .. و تجمع غضب أسود وجهه كما تتجمع السحب قبل العاصفة ..
-إنتي عارفة أنا كلمتك كام مرة من إمبارح للنهاردة ؟ .. سألها بنبرة هادئة تشي بحلول غضبه القريب
سمر ببراءة :
-موبايلي كان silent و ماسمعتوش !
عثمان بإستهجان :
-و الله ! و ده من إمتي إن شاء الله ؟ من إمتي بتصل بيكي و مابتسمعيش ؟!
سمر ببرود :
-أهو إللي حصل يافندم . أعمل إيه يعني ؟
في هذه اللحظة وثب "عثمان" من مكانه و مشي ناحيتها و الشرر يتطاير من عينيه ..
-إنتي بقالك إسبوع سايقة العوج ! .. قالها "عثمان" بحنق شديد و هو يقبض علي ذراعها و يلويه بقوة خلف ظهرها
سمر بألم :
-آااه آه آاه . إيه إللي بتعمله ده ؟ أنا عملتلك إيه سيب إيدي !
عثمان بغضب :
-إنتي بتلعبي بالنار يا سمر . و إوعي تكوني فاكراني مش واخد بالي من وش البرود إللي بترسميه قدامي ده بقالك كام يوم . أنا عارف كويس إنتي بتفكري في إيه ؟ بس أنا بقي مش هاسيبك بالسهولة دي . إللي بينا مش لعبة تقدري تنسحبي منها وقت ما تحبي . لأ . في قوانين و أنا بس إللي أقول إمتي تنسحبي أو إمتي تخلص اللعبة.
سمر متصنعة عدم الفهم :
-أنا مش فاهمة إنت بتتكلم عن إيه ! و أنا أصلا مابفكرش في حاجة أنا فعلا كنت مشغولة أوي إنهاردة و تليفوناتك غصب عني ما ردتش عليها .. ثم قالت بألم أشد :
-سيب إيدي بقي !
تركها "عثمان" بحركة غاضبة ، لتتآوه و هي تدلك مكان أصابعه الغليظة علي جلد معصمها ..
-كنتي بتعملي إيه طول الإسبوع إللي فات ؟ .. تساءل "عثمان" بخشونة ، لترد "سمر" بنبرة مهزوزة و هي تحاول السيطرة علي أعصابها :
-ماكنتش بعمل حاجة . كنت بشتغل ما إنت عارف.
عثمان بلهجة صارمة :
-برا الشغل . كنتي بتعملي إيه برا الشغل ؟
سمر بحيرة ممزوجة بإلإرتباك :
-ماكنتش بعمل حاجة !
عثمان بحدة :
-طالما كده . كنتي بتتهربي مني ليه ؟؟؟
سمر بضيق :
-ماكنتش بتهرب . فادي خلص إمتحاناته و قاعد في البيت . مقدرش أعمل أي حاجة تلفت نظره.
عثمان بإنفعال :
-أنا ماليش دعوة بالكلام ده . أنا وقت ما أعوزك لازم ألاقيكي . مشاكلك مع أخوكي تشوفلها حل منغير ما تزعجيني أنا.
سمر و قد تملك منها الغضب أخيرا :
-إنت مش من حقك تؤمرني و تكلمني بالطريقة دي . أنا مش جارية عندك يا عثمان بيه . أنا حره و مش مضطرة أقولك أمين علي أي حاجة تطلبها مني.
ضحك "عثمان" بسخرية و قال :
-مش تتأكدي من كلامك قبل ما تقوليه يا سمر ؟ إنتي مراتي . تبقي حره إزاي ؟ إنتي نسيتي الورقتين إللي كتبناهم سوا ؟
سمر و هي ترمقه بمقت :
-لأ مش ناسية . إنسي إزاي الكابوس إللي مابيفارقش أحلامي كل يوم ؟!!
عثمان بنفاذ صبر ممزوج بالحدة :
-أنا عايزك إنهاردة . بعد الشغل إستنيني برا ماتمشيش.
-لأ مش هينفع ! .. قالتها "سمر" برفض قاطع ، ليرد بغضب :
-ليـــــه ؟ مش هينفع ليه ؟ إنتي بقالك إسبوع بتقوليلي مش هينفع.
سمر بشئ من العصبية :
-قولتلك فادي قاعد في البيت . مقدرش أشوفك و لا أقابلك برا الشغل ممكن يحس بحاجة.
أمسك "عثمان" بكتفيها و حني رأسه إلي الأمام ، ثم قال بصرامة تامة :
-بكره . بكره بعد الشغل هتيجي معايا . تقوليلي بقي أخوكي جن أزرق مش هيهمني . إتصرفي و حلي مشاكلك كلها إنهاردة عشان بكره مش هقف أتناقش معاكي كده . بكره هتسمعي كلامي كله من سكات .. فاهمة يا بيبي ؟!
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عند "صالح" و "صفية" ... بعد إنتهاء الجلسة ، يتم نقل "صالح" إلي جناحه مجددا
يحملوه رجال التمريض و يضعونه علي سريره بحرص ، ثم يخرجون بعد أن شكرتهم "صفية" ..
-آاااااه آاااااه .. هكذا راح "صالح" يتآوه بخفوت ، لتجلس "صفية" بجواره علي حافة السرير ، و تربت علي شعره قائلة :
-سلامتك . سلامتك يا حبيبي !
صالح بحزن :
-لأ . لأ يا صافي أنا زعلان منك.
صفية بدهشة :
-ليه بس يا حبيبي ؟ أنا عملت إيه ؟!
-فضلت أترجاكي و أقولك إبعدي عني الدكتور إبن الـ---- ده و لا سألتي فيا.
صفية برقة :
-يا قلبي علي أد ما قدرت خليته يخفف عنك . هو كان لازم ينهي الجلسة كاملة يا صالح عشان تخف بسرعة يا حبيبي.
صالح و هو ينظر لها بضيق :
-أنا زهقت من المستشفي يا صافي . عشان خاطري إسألي الدكتور الحيوان ده لو ينفع أكمل العلاج في البيت !
صفية بإبتسامة :
-حاضر يا حبيبي . هسأله.
صالح و هو يهز رأسه بخيبة :
-و ربنا أنا إتحسدت.
ضحكت "صفية" و سألته بإستغراب :
-و مين يعني إللي هيحسدك يا صالح ؟
صالح بتبرم :
-كل الناس يا حبيبتي . أنتي مستقلية بخطيبك و لا إيه ؟ ده أنا صالح . يعني ماتكونيش فاكرة إن أخوكي لوحده يبقي دونچوان .. ثم قال بخبث ليغيظها :
-ده أنا البنات بتجري ورايا لحد دلوقتي و أنا علي وضعي و مش عارف أتحرك.
صفية بسخرية :
-لا يا راجل !
صالح بغرور :
-أومال إيه يا بنتي . ده أنا بفتح الـChatting عندي بلاقي الـInbox هينفجر من الرسايل . إللي تقولي سلامتك يا صالح و إللي تقولي وحشتني يا صالح و إللي تقولي هموت و أشوفك يا صالح.
صفية بغيظ و هي تلكمه علي كتفه :
-طب ما تتلم بقي يا صالح . بدل ما ألمك !
ضحك "صالح" بخفة و غمز لها قائلا :
-إنتي بتغيري يا صفصف ؟
صفية بصدمة :
-صفصف ! إيه صفصف دي ؟
-بدلعك يا حبيبتي.
صفية بغضب :
-لأ مادلعنيش كده . أنا صفية أو صافي لكن مش صفصف !
صالح بإبتسامة مرحة :
-أوك يا عمري . إنتي أصلا حياتي كلها أحلي حاجة في الدنيا بالنسبة لي بنات إيه دول إللي هبصلهم و إنتي جمبي ؟!
إبتسمت "صفية" بخجل و قالت :
-حبيبي يا صلَّوحي . ربنا يخليك و يقومك ليا بالسلامة يا رب.
صالح بحب :
-و يخليكي ليا يا قلب صلَّوحك.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مكان أخر ... تحديدا بمطار العاصمة الإنجليزية ( لندن )
يقف "يحيى البحيري" أمام شباك ختم بطاقات السفر ، فيأتي شخص و يضع يده علي كتفه ..
يلتفت "يحيى" ليكتشف هويته ، ليجده "محمود أبو المجد" والد "مراد" و أحد أصدقاؤه القدامي
ينظر له "يحيى" و يقول بسرور :
-مش ممكن . محمود أبو المجد بحاله . إزيك يا رااجل عامل إيه ؟
محمود و هو يصافحه بحرارة :
-إزيك إنت يا يحيى ! أخبارك إيه ؟ و باقي العيلة إزيها ؟
يحيى بإبتسامة :
-كلنا كويسين الحمدلله .. ثم نظر إلي السيدة التي تأبطت ذراع زوجها و تقف مستمعة في هدوء ، و قال :
-إزيك يا مدام رباب ؟
رباب بإبتسامة رقيقة :
-الحمدلله كويسة . أنا كنت بقول لمحمود إننا لازم نكلمك من مدة عشان نشكرك.
يحيى بإستغراب :
-العفو . بس تشكروني علي إيه ؟!
-علي إستقبالك لمراد في بيتك من ساعة ما نزل لحد دلوقتي . هو كلمنا و قالنا إنكوا بتراعوه و بتعاملوه أحسن معاملة . بجد إحنا متشكرين أووي يا يحيى بيه.
يحيى بإبتسامة :
-لا شكر علي واجب يا مدام رباب و بعدين مافيش بينا شكر . محمود صاحبي قبل ما يكونوا ولادنا أصحاب و بعدين مراد ده زي عثمان إبني بالظبط.
محمود بإمتنان و هو يربت علي كتفه :
-طبعا . طبعا يا يحيى . ربنا يديم المحبة.
-أمين يا سيدي .. ثم قال بتخمين :
-إنتوا شكلكوا قررتوا تنزولوا أخيرا . صح و لا إيه ؟
محمود بإبتسامة :
-مش بالظبط . إحنا قولنا ننزل نشوف مراد عشان وحشنا أوي و بالمرة نزور مصر . بس هنرجع تاني .. إنت إللي كنت بتعمل إيه هنا و ماجتش تزورنا ليه ؟
-أنا ماكنتش فاضي و كان عندي شغل مهم أوي والله لسا مخلصه و روحت قاطع التذكرة علطول حتي مش قايل لحد إني راجع عاملها مفاجأة.
محمود بحماسة :
-إحنا كمان مش قايلين لمراد إننا راجعين . كانت فكرة رباب قالتلي يتفاجئ بينا أحسن.
-طيب طالما كده بقي يبقي هنسافر مع بعض و هتيجوا معايا علي القصر هتبقوا في ضيافتي لحد ما تقرروا ترجعوا تاني إن شاء الله.
محمود بشئ من الخجل :
-إحنا مش عايزين نتقل عليكوا يا يحيى كفاية إبننا لحد دلوقتي . إحنا ممكن ننزل في أوتيل أو نأجر شقة أو حتي ڤيلا جمبكوا.
يحيى بإستياء :
-مش عيب تقول كده يا محمود ؟ أوتيل إيه إللي تنزل فيه و لا بيت إيه إللي تأجره ؟ ماتزعلنيش منك لو سمحت و إوعي تقول الكلام ده تاني.
-بس آا ..
-مابسش .. قاطعه "يحيى" بصرامة ، و أردف :
-هتقعدوا معانا في القصر طول مدة سفاركوا . خلاص إنتهي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل "سمر" ... تفتح باب الشقة عند دقات السادسة مساءً
كانت "ملك" مستيقظة ، رأتها جالسة علي الأرض و معها "فادي" ..
كانت تلعب بكومة صغيرة من المكعبات خاصتها و عندما شاهدت أختها قذفت بالمكعبات فأحدث قرقعة خافتة علي الأرض ، ثم أشارت إليها بحركة إستحواذية آمرة
لاحظ "فادي" وصول أخته هو الأخر ، فوثب علي قدميه للحال و هرول صوبها و هو يقول بإبتسامة عريضة :
-باركيلي يا سمر باركيلي !
سمر و قد إنفرجت أساريرها تلقائيا :
-مبروك يا حبيبي . إيه إللي حصل ؟؟؟
فادي بفرحة غامرة :
-أنا نجحــــــــت . نجحت يا سمر.
صرخت "سمر" من فرط سعادتها و قفزت محتضنة أخيها بشدة و هي تقول :
-مبرووووووووك . مبرووك يا حبيبي ألف مبروك يا فادي .. ثم نظرت له و سألته بإهتمام :
-المهم درجاتك و لا التقدير إيه ؟؟؟
فادي بضحك :
-إطمني يا سمر الدرجات كويسة و إحنا لسا في أول ترم أخر السنة هتشوفي التقدير إللي هيعجبك بإذن الله.
سمر بسعادة شديدة :
-إن شاء الله يا حبيبي.
في هذه اللحظة وصلت "ملك" عند قدمي شقيقتها و هي تحبو علي قوائمها ، فإنحنت "سمر" و رفعتها عن الأرض بسرعة ..
تبادلت معها إبتسامة واسعة ، ثم قالت و هي تقرص وجنتها بمنتهي اللطف :
-مش تقولي مبروك لأبيه فادي يا لوكا . ها ؟ قوليله مبروك يا حبيبتي.
-سمر كنت عايز أقولك حاجة كمان ! .. قالها "فادي" بجدية تامة و ما زالت البسمة تزين ثغره
إلتفتت له "سمر" متسائلة :
-خير يا فادي ؟
-إللي جابلي النتيجة يبقي دكتور عندنا في الكلية و كمان يبقي صاحب شركة بترول كبيرة أوي هنا في إسكندرية.
سمر بعدم فهم :
-طيب !
تنفس "فادي" بعمق ، ثم قال :
-هو إنهاردة عرض عليا شغل عنده.
سمر بجدية :
-شغل إزاي بس يا فادي ؟ هتعرف توفق بين شغلك و دراستك إزاي ؟!
-هو راجل كويس جدا و بيعزني يا سمر . فاهم وضعي و قالي طول الأجازة دي هشتغل و لما الدراسة تبدأ هقعد من الشغل و بعدين دي أخر سنة ليا و فاضل كام شهر و هتفرغ للشغل علطول.
سمر بتفكير :
-طيب . هو عرض كويس بصراحة .. ثم قالت بإبتسامة :
-إعمل إللي يريحك يا فادي . أنا واثقة في قراراتك.
فادي و هو يرد الإبتسامة :
-ربنا يخليكي ليا سمسمة إنتي و لوكا . إن شاء الله قريب وضعنا هيتحسن أوي و مش هخليكوا تحتاجوا لحاجة .. ثم صاح مستذكرا :
-صحيح يا سمر نسيت أقولك كمان . الدكتور ده هيجي يزورنا بكره . أنا عزمتو علي الغدا . لازم بقي تاخدي أجازة من شغلك عشان تطبخي . معلش لو بتقل عليكي يا حبيبتي.
سمر بلطف :
-لا يا حبيبي و لا يهمك . هو أنا عندي أغلي منك يعني !
و فجأة برزت صورته في ذهنها ..
يا للكارثة .. التي ستحل لو لم تذهب غدا إلي الشركة !!!
............................................................................
في هدأة الليل ... تجلس "فريال" بغرفتها نصف غافية علي الكرسي الهزاز
عندما إقتحمت وصيفتها جناحها فجأة و هي تهدل بصخب :
-فريآاال هآاانم . يحيى بيه وصل . يحيى بيه وصل !
إنتفضت "فريال" من غفوتها النصفية و وثبت قائمة في لمح البصر ..
-بتقولي إيه يا سعاد ؟ يحيى . يحيى جه بجد ؟؟؟
كانت "فريال" شديدة الإضطراب و الإنفعال ، كان صوتها مهزوزا فيه قدر كبير من الذهول و الفرح و الشك ... فمازال باكرا علي موعد عودة زوجها من السفر ..
أكدت الوصيفة بإبتسامة عريضة :
-يحيى بيه لسا واصل حالا يا هانم أنا أول ما شوفته تحت جريت علي حضرتك علطول عشان أبشرك.
فريال بسعادة مفرطة و هي تغطي فمها بكفيها :
-ميرسي يا سعاد . إنتي بجد تستاهلي مكافأة علي الخبر ده . ليكي عندي هدية.
و أسرعت نحو المشجب الخشبي حيث بعض ثيابها المعلقة هناك ، بينما قالت "سعاد" بإبتسامة خجلة :
-العفو يا هانم . أنا ماعملتش حاجة.
إلتقطت "فريال" روب محتشم منسوجا من الحرير الخالص و إرتدته فوق قميص نومها الغير محتشم و لم تنتظر ثانية أخري
طارت عبر الغرفة و هبطت إلي الأسفل بسرعة فائقة ..
-يحيــــــــــــــــــــــــــــى ! .. هتفت "فريال" عاليا و هي تركض صوب زوجها ، ليلتفت لها "يحيى" مبتسما و يفتح ذراعاه بحركة تلقائية
إرتمت "فريال" بقوة في حضنه
تكورت في صدره و دست رأسها تحت إبطه ، ثم همست بعاطفة ملتهبة :
-حبيبــــي .. حبيبي وحشتني أووي أووووي . يآاااااااااااااااااااااه . ده حضنك واحشني بشكل !
-إنتي كمان واحشاني جدا جدا يا حبيبتي .. تمتم "يحيى" بخفوت و هو يحتضنها بشدة ، لتستعر اللهفة في صدرها و تزيد إلتصاقا به و هي تتنهد بحرارة
بينما مال "يحيى" مبتعدا عن عناقها و هو يحمحم ثم يقول بنبرة رزينة مرتفعة إلي حد مناسب :
-مش هتسلمي علي ضيوفنا و لا إيه يا فريال هانم ؟
في هذه اللحظة إنقشعت الغمامة الوردية التي غلفت حواس "فريال" ..
لقد نست أنهما ليس وحدهما ، ثم أدركت أن طريقة إلتحامها بزوجها الآن ليست سلوكا مهذبا في وجود الآخرين
شعرت بالإحراج ، فإبتعدت نصف خطوة و هي تجوس بنظرها علي وجهي "محمود أبو المجد" و زوجته الأنيقة السيدة "رباب التميمي" ..
-آاا أهلا و سهلا ! .. قالتها "فريال" بقدر من التوتر ، ليرد الزوجين في نفس واحد و البسمة تعلو شفاههما :
-أهلا بيكي يا فريال هانم.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
بعد وقت قصير ... يصعد "يحيى" مع زوجته إلي الغرفة
ينصرف الخادم الذي نقل حقيبة السفر من الأسفل إلي هنا ، لتنفرد "فريال" أخيرا بزوجها ..
-إنت إزاي ماتقوليش إنك راجع إنهاردة .. قالتها "فريال" بغنج و هي تسند يديها علي صدر "يحيى"
ليرد الأخر بإبتسامة و هو يداعب خصلات شعرها اللولبية :
-حبيت أعملهالك مفاجأة . إيه ! كانت مفاجأة وحشة يعني ؟!
فريال برقة شديدة :
-دي أحلي مفاجأة يا قلبي.
و طوقت رقبته بذراعيها و هي تبتسم بحب ، ثم صاحت فجأة :
-و صحيح إيه إللي جاب محمود و رباب معاك ؟ و جبتهم هنا ليه ؟!
يحيى بصوته المخملي الجذاب :
-قابلتهم في المطار يا حبيبتي و كانوا علي نفس طيارتي فإقترحت عليهم يقعدوا عندنا هنا طول مدة سفرهم زي مراد إبنهم كده.
عبست "فريال" قائلة :
-هو بيتنا بقي آوتيل يا يحيى كل من هب و دب هيجي يقعد عندنا.
يحيى بضحك :
-إيه ده يا فريال هانم ! إيه التحولات الغريبة دي . ده إنتي طول عمرك كريمة إيه إللي حصل.
فريال و هي تمط شفتاها و تعكف حاجباها في شئ من الضيق :
-ماقولتش حاجة يا حبيبي . أنا قصدي بس إن بيتنا في أسرار و لازم يبقاله خصوصية . وجود ناس أغراب معانا حاجة مش لطيفة أوي و لا إنت إيه رأيك ؟
يحيى بتفكير :
-بس هما مش أغراب عننا يا فريال . إحنا نعرفهم . ماتنسيش إن محمود صاحبي من زمان أوي ! .. ثم قال بجدية :
-و بعدين إبنهم قاعد معانا بقاله أكتر من شهر ماشوفناش منه حاجة و مافيش سر من أسرار بيتنا طلع برا .. علي ما أعتقد.
تنهدت "فريال" و قالت بإستسلام :
-خلاص يا يحيى . إللي تشوفه !
يحيى بنعومة و هو يسير بأنامله ببطء علي خدها :
-لأ مش إللي أشوفه . إللي نشوفه يا حبيبتي . لو حاسة بقلق ناحيتهم خلاص . أنا مستعد أعتذرلهم و أخليهم يمشوا بكره الصبح.
فريال بإستنكار ممزوج بالحرج :
-يا خبر ! لأ . لأ يا يحيى ماينفعش طبعا . كده يبقي بنطردهم مايصحش لأ .. ثم أردفت بإبتسامة متكلفة :
-خلاص . أنا موافقة يقعدوا معانا . أمر لله بقي !
إبتسم "يحيى" بحب ، ثم قال :
-قلبك أبيض طول عمرك يا حياتي.
فريال و هي ترد له الإبتسامة :
-و إنت طول عمرك قلبي يا يحيى .. ثم قالت بتحذير :
-بس بعد كده ماتبقاش تتصرف من دماغك و تعزم أي حد زي ما عملت إنهاردة . لازم تاخد رأيي في حاجة زي دي الأول.
يحيى بأداء مسرحي :
-سمعا و طاعة يا سيدتي.
ضحكت "فريال" بدلال ، و من جديد إزدادت إقترابا منه ليلتحما ببعض مرة أخري
و لكن هذه المرة دون قلق أو خجل من أن يراهم أحد ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في نفس الوقت بالجهة الأخري ... يسمع "مراد" بخبر مجيئ والديه
يتفاجأ بهذا هو أيضا ، فينزل من غرفته بسرعة ليتأكد بنفسه ..
-بابا . ماما !! .. هتف "مراد" مبتسما بدهشة ، ثم أسرع إلي أحضان أبويه و ضمهما معا و هو يكمل بعدم تصديق :
-إنتوا جيتوا إزاي ؟ ليه ماقلتوش ؟ .. وحشتوني أووي.
ربتت "رباب" علي شعر إبنها قائلة :
-حبيبي يابني . إنت وحشتنا أكتر.
محمود بإبتسامة :
-إحنا قولنا نعملهالك مفاجأة و نطب عليك علي غفلة.
نظر "مراد" إلي والده و قال بحبور شديد :
-و أنا فعلا إتفاجئت . ماتتصوروش إنتوا كنتوا واحشني إزاي .. ثم تساءل بإهتمام عندما لمح الحقائب بجانبهم :
-بس إيه الشنط دي ؟ إنتوا لسا ماحجزتوش في آوتيل و لا إيه ؟!
محمود بجدية :
-لأ يا سيدي . يحيى أصر إننا ننزل عنده هنا لحد ما تنتهي رحلتنا و نرجع تاني.
مراد بإستغراب :
-أنكل يحيى ! هو وصل ؟
-أيوه . قابلناه صدفة في المطار و جينا سوا.
أومأ "مراد" بتفهم ، ثم قال بتردد :
-بس إنتوا هتستريحوا هنا ؟ مش هتبقوا مضايقين يعني ؟
محمود بدهشة :
-و إيه إللي هايضايقنا يابني ؟!
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-يعني . البيت مش بيتنا و ممكن آا .. و صمت فجأة ، لا يعرف كيف يصوغ عبارته
لتندفع أمه و تقول بنزق ممزوج بالحدة :
-إنت بتقول كده ليه ؟ هو حد هنا ضايقك يعني ؟ حد عملك حاجة ؟ ما ترد آا ..
-إستني شوية يا رباب . قاطع "محمود" زوجته بصرامة دون أن يحيد بنظره عن إبنه ، و تابع :
-إسمع يا مراد . زي ما قولتلك يحيى هو إللي أصـــــر و ألــــــح كمان إننا نيجي هنا .. إحنا تمام هنقعد بس لو حسينا نفسنا مش مرتاحين أو حسينا حد من أهل البيت مش مرتاح لوجودنا هناخد بعضنا و هنمشي فورا . خطتنا ماكانتش الإقامة في قصر البحيري . إحنا كنا عاملين حسابنا ننزل في آوتيل و بعدين كنا هنأجر بيت أو شقة نقعد فيها الفترة إللي هنكون فيها هنا . يعني بالنسبة لنا مافيش مشكلة .. فهمت ؟
مراد بإبتسامة :
-فهمت يا بابا . و عموما حمدلله علي السلامة.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" علي صوت زقزقة العصافير
تنظر إلي ساعة التنبيه ، فتجدها السابعة و النصف صباحا
تزفر بضيق و تتمتم لنفسها : " هيعمل فيا إيه ده لو ماروحتش ؟ يادي المصيبة ! "
و قامت من فراشها و الكدر يغيم عليها كليا ..
تقابل "فادي" بالصالة ، كان يحمل "ملك" التي إستيقظت في وقت باكر كعادتها
بينما كانت تميل الصغيرة برأسها علي كتفه بلا حراك ، تراوغ غفوة راحت تثقل أهدابها الكثة بين الحين و الأخر ..
-صباح الخير يا فادي ! .. قالتها "سمر" بصوت متحشرج من تأثير النوم
إبتسم "فادي" و هو يرد :
-صباح النور يا سمسمة . إيه ! جاهزة ؟
سمر بوجه خالٍ من أي تعبير :
-أيوه يا فادي . هغسل وشي و هحضرلكوا الفطار و بعدين هبدأ في الغدا.
فادي بإمتنان :
-ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي . معلش لو هتعبك إنهاردة و أسف إني عطلتك عن شغلك.
سمر بإبتسامة باهتة :
-و لا يهمك يا حبيبي .. و أكملت بتساؤل :
-بس هو الدكتور بتاعك ده جاي الساعة كام ؟
-جاي علي الساعة 4 كده.
أومأت "سمر" قائلة :
-طيب . يدوب بقي .. شوية و الفطار يبقي جاهز !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
تمر ساعات النهار بسرعة بالنسبة لـ"سمر" ... فقد قامت بإنجاز كبير ، حيث أعدت طعام الغداء الفاخر كله
طبخت أصناف عديدة و شهية في زمن قياسي ، ثم تنفست الصعداء أخيرا و ولجت إلي المرحاض ..
أخذت حماما سريعا ، ثم ذهبت إلي غرفتها
إرتدت ملابس نظيفة و أنيقة تلائم إستقبال الضيف ، و من جديد نظرت إلي ساعة هاتفهها .. أصبحت الرابعة إلا الثلث عصرا
و لكن غريب .. إنه لم يتصل و لا مرة حتي الآن !!
-سمر ! يلا تعالي دكتور أدهم قدامه عشر دقايق و يوصل.
و بعد عدة دقائق كانت "سمر" تقف بجانب أخيها عندما دق جرس الباب
يفتح "فادي" ليظهر الضيف المنتظر ..
كان رجلا في أوائل الثلاثينيات ، ذا وجه وسيم و إطلالة جذابة ، بدت عليه إمارات سعة العيش و الترف بصورة كبيرة ..
ألقي نظرة خاطفة نحو "سمر" ثم توجه إلي "فادي" بالقول ..
أدهم بإبتسامة خفيفة :
-مساء الخير يا فادي.
فادي و هو يصافحه بحرارة :
-أهلا مساء النور يا دكتور . نورتنا .. ثم إلتفت إلي أخته و قدمها له :
-سمر ده دكتور أدهم إللي حكيتلك عنه . دكتور أدهم دي سمر أختي.
صوب "أدهم" ناظريه إليها .. شملها بنظرة فاحصة و البسمة البسيطة تعلو ثغره ..
-إتشرفت بيكي يا أنسة يا سمر .. قالها "أدهم" بنبرة هادئة ، لتومئ "سمر" و هي ترد بإبتسامة :
-الشرف ليا يا دكتور.
و هنا ... دق هاتفهها ، لتري حروف إسمه تضئ الشاشة مع الرنين الصاخب المـُلح !!!!!