صامتة ، شاردة ، شاحبة ، مكتئبة ... هكذا أصبحت "صفية" منذ واقعة إنفصالها عن "صالح"
فقدت شهيتها تدريجيا و جهلت بعد ذلك معني الحياة ..
إذ إكتشفت أنه كان يمثل لها هذا المعني بالضبط ، هو وحده لا أحد غيره ، و لكنها هي من تغافلت عن تلك الحقيقة و لطالما عاملته ببرود
لم تكن تدر أن حالتها ستسوء بهذا الشكل إذا تفارقا ذات يوم ، بل لم تكن تدر أنها تحمل له كل هذا الحب بداخلها .. لم يخطر ببالها أبدا !!
-يا تري ممكن أدخل ! .. قالها "يحيى" و هو يقف علي عتبة باب غرفتها من الخارج ، بينما عادت "صفية" إلي أرض الواقع و إنتبهت لوالدها
-بابي ! .. تمتمت بشئ من التوتر ، ثم قالت بإبتسامة :
-أه طبعا إتفضل . إدخل يا بابي من فضلك.
إبتسم "يحيى" هو يلج بخطواته الوقورة المتزنة ، ثم قال و هو يجلس علي طرف الفراش بجانبها :
-أنا هسافر إنهاردة . طيارتي بعد 3 ساعات . قلت أجي أشوفك و أطمن عليكي قبل ما أمشي.
-حبيبي ربنا يخليك ليا و ترجعلنا بالسلامة يا رب.
إستشف "يحيى" الكآبة في نبرة صوتها رغم محاولاتها لإخفاء ذلك .. ضيق عينيه و هو ينظر لها بتركيز ، ثم قال بهدوء :
-صافي .. مالك يا حبيبتي ؟ إيه إللي مضايقك ؟!
صفية بإبتسامة مرتبكة :
-مافيش حاجة يا بابي . مافيش حاجة مضايقاني . مش عارفة ليه كلكوا فاكرين إني مضايقة اليومين دول . أنا كويسة و الله !
-شكلك مش بيقول كده يا حبيبتي . قوليلي لو في حاجة . أنا أبوكي و أكتر واحد في الدنيا يهمه أمرك . أصلا ماعنديش في الدنيا أغلي منك.
صفية و هي تميل برأسها علي صدره و تلف ذراعيها حول وسطه :
-يا حبيبي يا بابي .. أنا عارفة ده طبعا . و صدقني مافيش حاجة . لو كان فيه أنا ليا مين غيرك يعني ألجأ له ؟
يحيى بحيرة :
-أومال مالك بس ؟ أحوالك مش عجباني . و أمك شكلها عارفة حاجة و مش عايزة تقولي !
-يا بابي صدقني مافيش حاجة .. إطمن.
يحيى بإلحاح :
-أنا مش عايز أسافر و أنا حاسس إن في مشاكل بتحصل من ورا ضهري . ماينفعش تخبوا عني يا صافي.
-يا حبيبي محدش يقدر يعمل حاجة من ورا ضهرك و إحنا مانقدرش نخبي عنك أي حاجة.
تنهد "يحيى" مستسلما ، لكنه ألقي بأخر كارت كمحاولة يائسة لإستمالتها :
-طيب . مافيش مشكلة بينك و بين صالح مثلا ؟!
صفية و قد فشلت في إجلاء الحزن عن صوتها :
-ليه بتقول كده ؟
هز "يحيى" كتفيه و قال :
-يعني . مجرد تخمين .. و بعدين إنتي بقالك فترة مش بتروحيله المستشفي ! حصل حاجة بينكوا ؟
صفية بشئ من التردد :
-في مشكلة صغيرة . بس حضرتك عارف إحنا مش بنقدر نبعد عن بعض كتير .. و دايما هو إللي بيبدأ و بيصالحني.
-عملك إيه طيب ؟؟؟ .. تساءل "يحيى" بحدة ، لتجيبه "صفية" بسرعة و لطف :
-لأ يا بابي صالح ماعملش حاجة خالص .. هو بس مضايق من إللي حصله . حالته النفسية مدمرة و أنا مقدرة وضعه و زعلانة عشانه أووي . يمكن هو ده إللي مضايقني بالشكل ده.
تنفس "يحيى" بعمق ، ثم قال بصلابة :
-عموما أنا عايزك تعرفي إنك إنتي بس إلي تهميني وسط كل إللي بيحصل ده . و أنا مش عايزك تيجي علي نفسك و يبقي حالك كده . نفسيته مدمرة علي عينا و راسنا بس مايسوقش فيها و يحسسنا إن إحنا إللي وزينا عليه و فرحانين بإللي حصله .. ثم أكمل بتحذير :
-إسمعي يا صفية . إنتي مش مضطرة خالص تستحملي من صالح إللي بستحمله أنا و أخوكي من عمك . و إذا كان إللي إنتي فيه ده بسببه يبقي نفضها سيرة من دلوقتي أحسن و كل واحد يروح لحاله.
-لأ .. صاحت "صفية" بهلع ، ثم إبتعدت عنه و أردفت :
-أنا ماشتكتش و مش عايزة و لا بفكر أسيب صالح يا بابي . أنا بحبه و بعدين لازم إستحمله . هو بيمر بأزمه مش سهلة.
يحيى بضيق :
-أنا مستحمل من يوم الحادثة عشانك . عشان أحافظ علي علاقتكوا . بس لو هو مش هامه حاجة زي دي يبقي مايستهلش تسألي فيه أصلا .. فوقي يا بنتي . ده إنتي بنت يحيى البحيري . يعني كل رجالة البلد و أنضفهم يتمنوا التراب إللي بتمشي عليه.
صفية بإصرار غاضب :
-بس أنا بحب صالح . و مش عايزة غيره.
يحيى بسأم :
-براحتك . بس يكون في علمك لو رجعت و لاقيتك لسا في الحالة دي أنا بنفسي إللي هفسخ خطوبتكوا و لو إنطبقت السما عالأرض مش هوافق ترجعوا أبدا .. ثم رسم إبتسامة بسيطة علي ثغره و قد تخلص من مزاجه السيئ بمهارة ورثها عنه إبنه
ربت علي وجنتها بخفة ، ثم قال بهدوء :
-يلا يا حبيبتي . أشوف وشك بخير .. مش عايزة حاجة أجبهالك معايا و أنا جاي ؟
صفية و تبادله نفس الإبتسامة :
-عايزاك ترجعلنا بالسلامة يا بابي .. و عانقته بقوة متمتمة :
-هتوحشني أوووي .. بليز ماتتأخرش !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
-سمر ! .. هكذا صاحت السكرتيرة متفاجئة ، ثم قامت و مشت ناحية "سمر" مكملة :
-إيه يا بنتي المفاجأة الحلوة دي ؟ حمدلله علي السلامة.
سمر بإبتسامة خالية من الروح :
-الله يسلمك يا نجلاء . إنتي عاملة إيه ؟
-سيبك مني أنا . إنتي صحتك بقت كويسة و لا لأ ؟؟؟
سمر بمرارة خفية :
-لو ماكنتش كويسة ماكنتش جيت.
نجلاء بإبتسامة :
-طيب الحمدلله . و كويس يا أختي إنك جيتي ربنا عالم بيا أنا و عثمان بيه مش متفاهمين خآااالص.
سمر بضحكة متكلفة :
-ليه كده بس ؟
نجلاء بطيش و هي تلوح بيدها في الهواء :
-يا شيخة ده بني آدم مجنون مختل عقليا أقسم بالله.
-يخرب عقلك وطي صوتك أحسن يسمعك.
-هو في إيه و لا في إيه يا حبيبتي . عنده ناس جوا مشغول.
عبست "سمر" متسائلة :
-هيطول ؟
-مش عارفة بصراحة بس هما بقالهم كتير معاه جوا . إنتي عايزة تدخليله و لا إيه ؟
سمر بوجوم :
-أيوه.
نجلاء و هي تجذبها من ذراعها :
-طيب يا حبيبتي تعالي ده مكتبك أصلا . تعالي كلميه و لو في حاجة مهمة يعني قوليله لو سمحت يافندم عايزاك دقيقتين.
-لـل لأ .. تمتمت "سمر" بإباء ، ثم قالت :
-كلميه إنتي من فضلك يا نجلاء . قوليله إني عايزة أقابله !
نجلاء بدهشة :
-الله ! طيب ما تكلميه إنتي يابنتي . إنتي ناسيه إنك سكيرتيرته أصلا ؟!
سمر بضيق :
-معلش يا نجلاء . إسمعي كلامي من فضلك !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في المكتب عند "عثمان" ... أخيرا ينهي نقاشه مع "هالة" الذي إستغرق وقتا طويلا
عثمان بصرامة ممزوجة باللطف :
-خلاص يا هالة . أنا هاروحله إن شاء الله و هتكلم معاه.
هالة برجاء :
-بليز يا عثمان إبقي إستحمله لو قال كلمة كده و لا كده . إنت عارف هو مش هيكون قاصد أي حاجة.
عثمان بثقة :
-ماتقلقيش . ده صالح يعني . أنا هعرف أتصرف معاه .. ثم نظر نحو "مراد" و قال :
-مراد لو سمحت وصل هالة للبيت دلوقتي و بعدين إرجعلي عشان نروح المستشفي سوا.
مراد برحابة شديدة :
-حاضر . و أساسا منغير ما تقول أنا إللي جيبتها لهنا و إللي هاوصلها للبيت.
-ماشي ياخويا !
و هنا دق هاتف المكتب ، ليقوم "عثمان" و يرد بفتوره المعتاد :
-في إيه يا نجلاء ؟ .. مــــــــــــــــين ؟ .. صاح بدهشة حقيقية ... ثم أردف بجدية :
-طيب . طيب الضيوف إللي عندي خارجين دلوقتي . دخليها بعدهم علطول .. و أقفل الخط و هو يبتسم بشدة و يتمتم لنفسه :
-ماتأخرتيش يا سمر . أخيرا جيتيلي برجليكي ! .. ثم إلتفت إلي صديقه و إبنة عمه قائلا :
-طيب يلا بقي عشان تلحق توصلها يا مراد و ترجعلي زي ما قولتلك !
مراد و هو يقوم من مكانه :
-تمام . يلا يا هالة ؟!
-أوك .. قالت "هالة" و هي تأخذ حقيبتها و تنهض
مشت صوب "عثمان" ... إقتربت منه و قبلته من وجنتيه و هي تقول بهيام شديد :
-باي يا عثمان . أبقي أشوفك في البيت بقي.
تظاهر "عثمان" بعدم فهم إسلوبها ، و تعامل معها بأخوية ..
حيث طبع قبلة سطحية علي جبهتها ، ثم قال بإبتسامة :
-مع السلامة يا حبيبتي . نورتيني إنهاردة و الله !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الخارج ... أخذت "سمر" تستعد للمواجهة
شحنت نفسها بالجرآة و القوة ..
لا تريد أن تــُذل أمامه أبدا .. كي تكون النتائج في صالحها ، ليس هو وحده من يملك عقل مدبر ، ستراوغه هي أيضا ..
-إيه ده مش ممكن ! .. سمر ؟!! .. قالها "مراد" بصياح ذاهل ، لتنتبه إليه "سمر" و تقطب بإستغراب .. فهي لا تتذكره
توجه "مراد" إليها و هو يقول مبتسما :
-حمدلله علي سلامتك . و ألف سلامة عليكي . أنا لسا عارف إنهارده و الله أول ما جيت و ماشوفتكيش سألت عليكي علطول.
سمر و تطرف بتوتر :
-شـ شكرا !
-إيه يا سمر إنتي مش فاكراني و لا إيه ؟؟
سمر و هي تهز كتفاها ببطء :
-بصراحة لأ !
مراد بإبتسامة :
-ليكي حق تنسيني إنتي ماشوفتنيش غير مرة واحدة بس .. ثم قال و هو يلتفت نحو "هالة" :
-عموما هاشوفك . أنا باجي هنا كتير .. يلا سلام مؤقت.
و ذهب برفقة "هالة" ... لتعبس "سمر" بغرابة ممزوجة بالمقت ، لكنها تخطت الأمر و وجهت ناظريها نحو باب المكتب المفتوح هناك ..
أخذت نفسا عميق و حبسته قليلا برئتيها
ثم أطلقته علي زفرات متتالية و سارت بخطي ثابتة إلي .. إلي المجهول ... الذي سيحدد مصيرها و مصير أختها المسكينة !!!
.......................................................
كانت علي شفا النعاس .. بعد مجهود شاق بذلته لتصفي ذهنها من كل فكرة و هاجس أسود يهددها
ليأتي "فادي" فجأة و يفسد كل شئ ..
-سمر ! .. قالها "فادي" بهتاف متوسط و هو يلج إلي الغرفة دون إستئذان
-إنتي نمتي يا حبيبتي ؟! .. تساءل ببراءة ، لتبتسم "سمر" بخفة و هي تقول :
-لأ يا حبيبي . لسا . إيه كنت عايز حاجة ؟
فادي و هو يمشي ناحيتها :
-لأ يا حبيبتي سلامتك مش عايز حاجة . أنا بس كنت جاي أرجعلك الموبايل . خلاص عملت المكالمة .. ثم أعطاها الهاتف مكملا بإبتسامة :
-شكرا.
-العفو يا فادي .. ثم أردفت علي سبيل المزاح :
-كنت بتكلم مين بقي ؟ الحج عبد الموجود ؟!
و ضحكت بمرح ، ليرد "فادي" بجدية :
-لأ كنت بكلم مديرك . عثمان بيه !
إرتعدت "سمر" بقوة و قد أبيـّض وجهها من الصدمة
-إيه !! .. تمتمت بفم مفتوح ، ثم صاحت فيه بغضب :
-ليــــه ؟ ليه كلمته ؟؟؟
أجفل "فادي" و هو يجيب بشئ من التوتر :
-كلمته عشان أخدلك إجازة يومين من الشغل . لاقيتك ماتصلتيش بيه إنتي فإتصلت أنا عشان مايفهمش غيابك غلط !
زمت "سمر" شفتيها و هي تقطب في ضيق شديد
ليرمقها "فادي" بنظرات حملت طابع التشكيك ، ثم يقول :
-في إيه سمر ؟ مالك إتعصبتي كده ليه لما عرفتي إني كلمته ؟!
همهمت "سمر" بإنزعاج و قالت :
-لأ ماتعصبتش و لا حاجة . بس ماكنش في داعي يعني تكلمه في وقت زي ده و تزعجه .. أنا كنت هكلمه بكره الصبح.
فادي بنبرة موضوعية :
-بصراحة الراجل كان ذوق أوي و ماقالش حاجة . بالعكس قال سلامتها و تبقي تيجي علي مهلها مافيش مشكلة.
أومأت "سمر" قائلة بإقتضاب :
-طيب كتر خيره.
فادي بتعجب :
-إيه طيب كتر خيره دي ؟!
-عايزني أقول إيه يعني ؟ .. تساءلت بعصبية واضحة
ثم أخدت نفس عميق و أطلقته علي زفرات متتالية ، و قالت بإيجاز :
-بكره الصبح هبقي أتصل أشكره بنفسي.
عبس "فادي" و هو يرمقها بنظرات حائرة ، ليسألها بإلحاح :
-سمر .. مالك ؟ في حاجة حصلت ؟؟؟
سمر بتآفف :
-قولتلك مافيش حاجة يا فادي . أنا تعبانة بس و مش مستحملة الكلام الكتير ده . عايزة أنام.
فادي بلطف :
-طيب طيب . خلاص أنا خارج أهو .. تصبحي علي خير يا حبيبتي.
سمر بهدوء مرهق :
-و إنت من أهله !
تنهد "فادي" و هو يهز رأسه بعدم إرتياح ، لكنه تركها و خرج بالنهاية ..
ليطير النعاس من عينيها فورا و تظل واعية تفكر في بالموقف المخزي الذي وضعها فيه أخيها بدون قصد
ماذا سيقول الآن ؟ هل سيعتبر ذلك تصريحا بالموافقة منها ؟ هل سيفهم مما حدث أنها أعطته الضوء الأخضر و أعلنت إستسلامها لعرضه ؟
-لأ .. غمغمت "سمر" بغضب ، و أردفت :
-يفهم إللي يفهمه . الحيوان ده . أنا مش هاوريله وشي تاني . يروح في ستين داهية . فادي كان عنده حق !
و هنا دخلت "سمر" في صراع مع نفسها ..
نفسها :
-طب و مشاكلك ؟ ده هو الوحيد إللي في إيده الحل لكل المشاكل إللي إنتي فيها !
سمر بغضب :
-يغور في داهية هو و حلوله . أنا مش ممكن أركعله أبدا . ده مش بني آدم.
نفسها :
-إنتي مش كنتي بتشكري فيه ؟ و كمان كنتي بتدافعي عنه !!
سمر :
-أه ده كان قبل ما يظهر علي حقيقته . و بعدين أنا إللي كنت غبية . صدقت أنه كان بيعمل معايا كل ده لوجه الله .. بس فادي كان صح . لما كان بيقولي مش مرتاحله و هو أصلا عمره ما شافه !
نفسها :
-كل ده مايغيرش إنك محتجاله يا سمر.
سمر بعصبية :
-لأ مش محتجاله . ده أخر إنسان في الدنيا ممكن أحتاجله.
نفسها :
-متأكده ؟
سمر بثقة :
-طبعا.
نفسها :
-طيب بالنسبة لملك ! .. هتقدري توفرلها مصاريف المستشفي و العلاج يا سمر ؟ معاكي المبلغ الضخم ده عشان تقدري تعالجي أختك بيه ؟!
سمر و قد صعقت من هذه الفكرة :
-هو ممكن يبطل يدفع المصاريف ؟؟؟
نفسها :
-أكيـــد . إنتي لسا قايلاها بلسانك . هو ماكنش بيعمل معاكي كل ده لوجه الله .. المقابل الحقيقي لكل إللي عمله ده هو إنتي يا سمر.
سمر بوهن ممزوج بالقهر :
-بس أنا مش ممكن أوافق علي كده . مش ممكن أوافق علي إللي هو عايزه ده . أبيعله نفسي ؟ لأ . مستحيييل.
نفسها :
-يبقي حياة أختك هتكون التمن !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عند "عثمان" ... يخرج عابس الوجه من الشرفة الملحقة بغرفة "مراد"
ينهي سريعا بعض الأشياء بهاتفهه ، ثم يرجعه إلي جيبه مجددا ..
ليستقبله صديقه فورا بتساؤل و فضول :
-إيه يا عم ! إيه إللي حصل ؟ كانت عايزة منك إيه ؟؟؟
تنفس "عثمان" بعمق ، ثم أجابه بفتور :
-و لا حاجة . ماكانتش عايزة حاجة.
مراد بإستهجان :
-نعم ياخويا ؟ ماكانتش عايزة حاجة إزاي ؟ أومال إتصلت بيك ليه ؟!
عثمان ببرود :
-مالكش فيه يا مراد.
-بقي كده ؟
-أه . إنت ليك نتيجة الرهان إللي بينا لو حصل هبقي كسبت لو ماحصلش مفتاح العربية كده كده جاهز.
-ماااشي يا عثمان . و علي رأي المثل . خلينا ورا الكداب.
عثمان بإبتسامة متهكمة :
-طيب يلا ياخويا . يلا عشان ننزل نتعشي تحت.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في منزل المعلم "رجب" الجزار ... يجلس "خميس" بالصالون المذهب الرخيص قبالة والده
مضت ساعة حتي الآن و هو يحاول إقناعه بما يريد ..
خميس بلطف :
-يابا عشان خاطري !
المعلم رجب بصوته الغليظ :
-أنا قلت لأ يعني لأ.
خميس مواصلا إلحاحه :
-يابا صدقني المرة دي مش هيرفضوا . طاوعني المرة دي بس.
وضع المعلم "رجب" مبسم النارجلية بفمه و راح يسحب من خلاله نفسا عميق زفره بشكل عموديفي وجه إبنه و هو يقول بسخرية :
-و إنت إيه إللي مخليك متوكد أوي كده ؟ بقي بعد ما ست الحسن رفضتك من أول مرة هتيجي توافق عليك في التانية ؟ إنت أهبل ياض ؟؟!!
-أنا مش حكيتلك إللي حصل إنهاردة ؟
-و هو يعني عشان جنابك عملتلي فيها فريد شوقي وحش الشاشة و جريت علي الصنيورة و شيلتها لحد البيت ده كده بقي إعلان خطوبة مثلا !
خميس و قد إنتابه الغضب :
-أنا ماقولتش كده يابا . بس هي و إخواتها كل يوم الحال بيسوء بيهم أكتر و إللي حصلها إنهاردة علامة بتبين إنهم خلاص جابوا أخرهم . و المثل بيقول أضرب الحديد و هو سخن و إحنا لو روحنا نتكلم معاهم هايوافقوا و الله هايوافقوا.
-بس أنا بقي مش موافقة ! .. قالت هذه الجملة سيدة في منتصف العمر ، آتت حين سمعت نقاش زوجها و إبنها الذي طال بغير لزمة من وجهة نظرها
-و مش موافقة ليه ياما إنتي كمان ؟ .. تساءل "خميس" بضيق شديد ، لترد الأم بلهجة سوقية للغاية :
-دي واحدة طمعانة فيك و في فلوس أبوك يا حبيبي و أنا لو إنطبقت السما علي الأرض مش هوافق تخش عيلتنا.
خميس بإنفعال :
-هي مين دي إللي طمعانة فيا و في فلوس أبويا ؟ إنتي شايفاها رامية نفسها عليا ؟؟؟
الأم و هي تقسم بحرارة :
-و المرسي أبو العباس ماهتجوزها يا خميس و حياة أبوك إللي قاعد ده يانا يا الجوازة دي.
المعلم رجب و هو يزيد من غلظة صوته :
-خلاص بقي يا ولية . إنتي بتتحشري ليه أصلا و أنا بتكلم مع الواد ؟ مالكيش دعوة إنتي بالمواضيع دي.
-ماليش دعوة إزاي ؟ هو مش إبني أنا كمان ؟!
المعلم رجب بحدة :
-لما أكون أنا بتكلم إنتي تخرسي خالص.
الأم و هي تضرب فمها بكفها :
-حاضر ياخويا . أهو . إنخرست خالص أهو.
حدجها زوجها بملل شديد ، ثم أشاح عنها و عاد لحديثه مع إبنه ..
المعلم رجب بإيجاز :
-شوف يابني أنا مش موافق علي البت دي . النسب مش لادد عليا خالص الصراحة . سيبك منها و أنا أوعدك هجوزك أحلي بت في إسكندرية كلها.
خميس بغضب :
-أنا مش عايز أحلي بت في إسكندرية كلها . أنا عايز سمر يابا .. أنا بحبها !
المعلم رجب بإنفعال :
-بتحبها إيه و زفت إيه يا عبيط أنت ؟ ياض إفهم بقي و خلي عندك كرامة . البت مش عايزاك و أخوها لسا كان ماسك في خناقك إمبارح . إيه كل ده مش حاطه في إعتبارك ؟ ماعندكش دم خالص ؟!
رمقه "خميس" بنظرات محتقنة إثر هذا ..
لكنه تمالك نفسه و سأله بهدو للمرة الأخيرة :
-يعني مش هتروح تخطبهالي يابا ؟
-لأ .. قالها المعلم "رجب" بقرار قطعي يختتم النقاش إلي هنا أخيرا
ليقوم "خميس" من مكانه بعنف ، ثم يلتفت و يغادر المنزل كله و هو في فورة غضبه و عصبيته ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... بداخل حجرة الطعام
يدخل كلا من "عثمان" و "مراد"
و بعد تبادل التحيات القصيرة ، يسحب "مراد" كرسي لنفسه و يجلس بجانب "هالة"
بينما يتجه "عثمان" نحو أمه الجذابة و المتبرجة بالكامل ..
يتناول يدها الناعمة برفق ، ثم ينحني ليقبلها برقي شديد
إبتسمت "فريال" بحب و هي تمسح علي شعره بحنان ، ليرفع وجهه إليها في اللحظة التالية و يقول بجاملة مهذبة ليدخل علي قلبها السرور :
-مساء الجمال يا فريال هانم . أنا كنت نازل و أنا حاسس إني ميت من الجوع . شفتك بس حسيت إني واكل و شارب و شبعان علي الأخر . مابقتش محتاج حاجة من الدنيا خلاص.
قهقهت "فريال" برقة ، ثم قالت و هي تداعب لحيته البنية :
-آه منك و من بكشك إللي مش بيخلص ده . بس بموت فيك بردو أعمل إيه !
و قربت وجهه منها لتقبله من وجنته ..
-و أنا قرطاس لب قاعد وسطكوا !! .. قالها "يحيى" بغيظ ، لتلتفت "فريال" نحوه و تمسك بيده قائلة :
-ده إنت حبيبي الأول و الأخير . بس ده مايمنعش إن عثمان حاجة تانية بالنسبة لي.
يحيى بتهكم ممزوج بالغيظ :
-ربنا يخليهولك.
فريال بضحك :
-أمين ياااا رب.
لوي "عثمان" فمه بإبتسامة جانبية ، ثم تساءل عندما لمح الكرسي الذي تجلس عليه "صفية" فارغ :
-هي فين صافي يا ماما ؟ بقالي كام يوم ماشوفتهاش !
تنهدت "فريال" و قالت بحزن :
-صافي فوق في أوضتها . مش راضية تنزل تتعشي معانا.
-ليه ؟!
فريال و هي ترمقه بنظرة ذات مغزي :
-مش عارفة . لو قادر أطلع هاتها إنت كلنا هنا غلبنا معاها.
أومأ "عثمان" برأسه ، ثم إتجه إلي غرفة شقيقته ..
بينما شغل "يحيى" الأجواء بفتح حديث جديد مع "مراد" :
-و إنت عامل إيه يا مراد ؟
مراد بإبتسامة :
-الحمدلله يا أنكل كويس.
-و أبوك أخباره إيه ؟ مش ناوي ينزل هو كمان ؟!
-لا هو ماما مبسوطين أوي هناك . أنا إللي زهقت و قررت أرجع و هما ماعترضوش .. سابوني براحتي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في غرفة "صفية" ... يدق "عثمان" الباب ، ثم يدخل ليجدها جالسة فوق سريرها تشاهد التلفاز بشرود
-ممكن أدخل ! .. قالها "عثمان" بلهجة إنسيابية ، لترد "صفية" بتكلف :
-إنت دخلت خلاص.
ضحك "عثمان" بخفة و تقدم صوبها و هو يقول :
-أنا قلت أجي أبص عليكي . بقالي يومين ماشوفتكيش.
صفية بسخرية :
-علي أساس إن حد بيشوفك إنت ؟ ما إنت مختفي علطول.
جلس "عثمان" بجوارها ، ثم سألها بجدية :
-مالك يا صافي ؟ شكلك عامل كده ليه ؟!
-شكلي ماله مش فاهمة ؟!
-يعني .. خاسة . قاعدة في أوضتك دايما . مش بتنزلي تاكلي معانا تحت !
صفية و هي تبتسم بكآبة :
-أنا كويسة يا عثمان ماتقلقش عليا . بس حبيت أقعد مع نفسي شوية.
-قصدك حبيتي تحبسي نفسك ! .. بتعملي كده ليه ؟ في مشكلة ؟ إحكيلي يا صافي لو عندك مشكلة مهما كانت حجمها هحلهالك.
تنهدت "صفية" و قالت :
-صدقني يا عثمان . مافيش حاجة . أنا و صالح زعلانين مع بعض شوية .. بس أكيد هنتصالح بسرعة.
عثمان بإهتمام :
-طيب ممكن أعرف زعلانين من بعض ليه ؟!
صفية بإختصار :
-هو مضايق من حالته و بقي عصبي . بس أنا مقدره إللي هو فيه عشان كده سايباه براحته لحد ما يتكلم من نفسه.
همهم "عثمان" بتفهم ، ثم قال و هو يقف علي قدماه :
-طيب ياستي . سيبك من كل ده دلوقتي و يلا معايا علي تحت عشان تتعشي معانا.
صفية بضيق :
-لأ يا عثمآاان . بجد مش في المود خالص.
-هو إيه إللي مش في المود ! أنا بقولك تعالي أفسحك ؟ يلا يا بت مابحبش الرغي الكتير.
و شدها من يدها لتقف بسهولة ..
-يا عثمآااان ! .. تمتمت بضيق أشد ، ليقول بصرامة و هو يجرها خلفه :
-يلآاااا . أنا راجل شقيان و جعان يا حبيبتي و مش فاضي خالص لدلع البنات ده !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" من النوم باكرا ، ثم تقوم و تذهب لغرفة "فادي"
لديه إمتحان اليوم و لا تريد أن يتأخر فليس هناك من يوقظه غيرها ..
و لكنه لم تجده
يبدو أنه إستيقظ من نفسه لأول مرة و ذهب لجامعته
تنهدت "سمر" تنهيدة مطولة ، ثم إلتفتت حتي تعود إلي غرفتها
لكنها ما لبثت أن سمعت صوت جرس الباب يرن بتواصل ..
-أكيد فادي نسي حاجة .. تمتمت لنفسها ، ثم ذهبت لتفتح الباب
و كانت رؤية ذاك الزائر الآن أبعد ما تكون عن خيالها
نظرت إليه بصدمة و قد شلتها المفاجأة عن الكلام و الحركة ، بينما شملها بنظرات متفحصة و هو يبتسم بخبث شديد و عيناه تلتمعان بوميضه الشيطاني !!!