أجفلت في إستغراب ممزوج بالتوتر ، و رددت :
-جايبالي عريس ! .. ثم إنتفضت بعد برهة و هي تكمل بإستنكار حاد :
-بس بردو ده مش مبرر يخليك تزعق للست كده . دي في مقام ماما الله يرحمها و يعتبر مربيانا !
فادي بغضب :
-في مقام ماما و مربيانا علي عيني و راسي . لكن تفتكر نفسها واصية علينا لأ.
-إنت شوفتها جابت بندقية و هددتك بيها يا توافق يا تقتلك ؟ الست عرضت عليك الموضوع و إنت رفضت خلاص خلصنا.
فادي بعصبية مفرطة :
-لأ ماخلصناش . لازم الكل هنا يلزم حدوده و محدش يفكر يتدخل فينا.
سمر بغضب :
-عايز تعمل إيه ؟ هه ؟ هتروح تتخانق معاها تاني ؟ بقت دي أخلاقك دلوقتي ؟!
ضغط "فادي" علي فكيه بحنق شديد و هو يشيح بوجهه عنها ، بينما تابعت "سمر" متسائلة :
-ثم تعالي هنا قولي ! .. إنت عصبي كده ليه ؟ فيها إيه لو جالي عريس ؟ ده إنت أكتر واحد متحمس للفكرة و إمبارح بس كنت بتشجعني عليها .. إيه إللي حصل بقي ؟!!
فادي و قد عاوده الغضب الشديد مرة أخري :
-إللي حصل إن الست إللي في مقام ماما و مربيانا زي ما بتقولي كانت عايزة تجوزك خميس إبن المعلم رجب الجزار !
ذهلت "سمر" في البادئ و هي تتخيل كلامه !
إذن له الحق .. نعم له ملء الحق ليغضب ، إذ أن هذه العائلة كلها أرباب سجون و محبي للمشاكل ، صيتهم ذائع في كل مكان بأنهم أشد شرا عن غيرهم داخل منطقتهم أو خارجها ..
-طيب .. قالتها بهدوء غامض ، ليستوضحها "فادي" بحدة :
-طيب إيه ؟؟!!
-طيب خلاص الموضوع إنتهي .. و لو إني شايفة إننا خسرنا.
فادي بإستهجان :
-نعم ياختي !!
سمر ضاحكة بمزاح :
-أه و الله خسرنا . علي الأقل كنا هناكل لحمة ببلاش.
و إستمرت في الضحك ، ليتحول عبوس "فادي" إلي تعبيرات منفرجة ، ثم يقول مقاوما الإبتسام :
-إنتي بتهرجي صح ؟ .. طيب إسكتي بقي عشان ماتعصبش عليكي !
و إنفجر ضاحكا هو الأخر ..
تشاركا معا الضحك للحظات قبل أن يصيح "فادي" بإستذكار :
-أه صحيح .. قوليلي عملتي إيه في الشغل ؟ أول يوم كان كويس و لا إيه ؟!!
سمر و هي تهز كتفاها بخفة :
-الحمدلله .. كان كويس أه.
-محدش ضايقك يعني ؟؟
سمر بضحك :
-مين إللي هيضايقني بس يابني ؟ ده مكان شغل . حد هناك فاضي للكلام ده بردو ؟!
فادي بشيء من الحدة :
-أه فاضيين . و خدي بالك كويس بالذات من مديرك ده . أنا مش مرتاحله أصلا.
-يابني إنت كنت شوفته قبل كده !!
فادي بعدم إرتياح :
-مش مرتاحله و خلاص . خدي بالك منه و لو حاول يعمل معاكي أي حاجة تسيبي الشغل فورا سامعة ؟؟
أدارت عيناها معبرة عن ضيقها و هي تقول :
-اففف .. حاضر يا فادي . لو صدر منه ليا أي حاجة مخلة للآداب هسيبله الشغل علطول.
فادي بغيظ :
-بتتريقي ؟؟؟!
ضحكت "سمر" بخفة ، ثم إقتربت منه و ربتت علي كتفه قائلة :
-بس لو تبطل الوساوس بتاعتك دي يا فادي ! إطمن يا حبيبي . أنا هبقي كويسة . كلنا هنبقي كويسين إن شاء الله و قريب مش هنحتاج لأي حد.
و هنا برز صوت نشيج "ملك" المتقطع ، لتبتسم "سمر" و تستدير ماشية صوب الآريكة حيث تجلس أختها ، ثم تقول :
-حاضر يا حبيبتي . عارفة . عارفة إنك جوعتي . هحضرلك أحلي أكل دلوقتي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المشفي الخاصة بإستقبال النزلاء الأثرياء فقط ..
يصعد كلا من "عثمان" و "مراد" إلي الطابق الرابع حيث جناح "صالح" المترف يقع هناك
ينقر "عثمان" علي الباب نقرتين متتاليتن ، ثم يدير المقبض و يدفعه
كانت "هالة" تجلس بجوار شقيقها عندما دخل إبن عمها و صديقه و قد إتخذت مكان "صفية" التي ذهبت إلي المنزل لتنول لتقسطا من الراحة ..
-أهلا عثمان . إزيك .. قالتها "هالة" بإبتسامة خاصة لـ"عثمان" وحده ، ليرد عليها بإبتسامة عادية :
-أهلا يا هالة .. الحمدلله كويس . إزيك إنتي ؟
-كويسة.
-أهلا أهلا بإبن عمي الندل . لسا فاكر تيجي تطمن عليا ؟ .. قالها "صالح" مبتسما بصعوبة
فضحك "عثمان" و هو يقترب ليجلس في كرسي أخر مجاور لسريره ، ثم قال بلطافة :
-عامل إيه يا واد ؟ تمام و لا خلاص بركت زي الجمل ؟!
-بتتريق يا خويا ! ما أنا لو بركت زي الجمل هتبقي إنت السبب مش كنت سايق عربيتك ؟ .. ثم نظر إلي "مراد" و صاح :
-و مراااد كمان هنا ! لا لا ده كتير عليا و الله.
مراد بإبتسامة :
-إزيك يا صالح ؟ ألف سلامة عليك.
-الله يسلمك يا سيدي . تعالي أقعد .. ثم طلب من "هالة" :
-لو سمحتي يا هالة قومي خلي مراد يقعد.
مراد يرفض :
-لأ تقوم إزاي ! خليكي يا هالة أنا مستريح كده.
هالة بإبتسامتها الرقيقة :
-تعالي يا مراد أقعد مكاني . أنا أصلا تعبت من القعدة . هروح أجيب قهوة من البوفيه تحت و هجيب كرسي كمان و أنا جاية .. تحبوا أجيبلكوا قهوة معايا ؟؟
عثمان / مراد :
-أه يا ريت !
رمقتهم بإبتسامة أخيرة ، ثم خرجت ..
-إيه يا عم مراد . جاي إقامة و لا زيارة ؟ .. قال "صالح" بتساؤل ، ليجيب "مراد" :
-جاي إقامة يا صاحبي . نويت إستقر هنا خلاص . بس و الله ما كنت مخطط أرجع اليومين دول أصلا أنا نزلت بسرعة عشانك . لما قريت الخبر حجزت تذكرة تاني يوم علطول.
-فيك الخير .. طمرت فيك العشرة ياض.
و هنا تدخل "عثمان" ..
عثمان بجدية :
-المهم قولي .. إنت كويس ؟ حاسس إنك تمام يعني ؟؟؟
صالح بوساطة :
-يعني ! .. مش قادر أتحرك خالص و جسمي كله بيوجعني خصوصا ضهري . بس تمام . أكيد كل ده هيتعالج بسرعة إن شاء الله.
عثمان و هو يربت بلطف علي كتفه :
-إن شاء الله .. ثم قال بصوته العميق :
-رشاد الحداد كان قاصدني أنا . بس جت فيك . للآسف ماعرفتش أثبت عليه حاجة . بس قولي يا صالح .. إنت حاطط الموضوع في دماغك ؟ لو شايلها في نفسك قولي و أنا أساويهولك بالأرض . مش هيهمني حد و إنت عارف.
تنهد "صالح" تنهيدة طويلة ، ثم قال :
-خلاص يا عثمان .. سيبه . إحنا مش ناقصين مشاكل تاني . و أنا قريب هقوم علي رجلي بإذن الله.
عثمان بإلحاح ممزوج بالغضب :
-مش إحنا إللي عملنا المشاكل . و كمان أنا مش عايز أسيب حقك . يعني أنا لو كنت مكانك كنت هتقف ساكت ؟؟؟
صالح بدون تردد :
-لأ طبعا ! .. ثم أكمل و هو ينظر إلي "مراد" :
-بس أنا بقول طالما بقيت كويس يبقي مافيش داعي نشوشر علي نفسنا . و لا إنت إيه رأيك يا مراد ؟!
مراد موافقا :
-صالح بيتكلم صح يا عثمان . أي حاجة ممكن تعملها ممكن تتقلب ضدك و كمان مافيش حاجة هترجع إللي فات . تقدر تقولي لو إتعرضتله بالآذي هتستفيد إيه ؟!
عثمان بشراسة :
-هبقي رديت إعتباري و إعتبار عيلتي كلها و فهمته كويس أنا مين عشان يفكر ألف مرة بعد كده قبل ما يحاول يآذيني.
-هو خلاص هيحرم يتعرض لأي واحد فيكوا تاتي . متنساش رقبته تحت رجلك و لسا الڤيديو بتاع بنته معاك .. المهم ماتتهورش و عديها المرة دي علي خير !
عادت "هالة" في هذه اللحظة حاملة طقم القهوة بين يديها ، لينقطع حديثهم الحاد ، و يتطوع "مراد" بالإبتسام عن صديقيه الصامتين الواجمين ..
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تستيقظ "سمر" باكرا و تهم من فراشها بنشاط
إستغلت إستغراق "ملك" في النوم و ذهبت لتؤدي بعض الواجبات المنزلية ..
نظفت الشقة سريعا ، أحضرت الفطور ، إيقظت "فادي" كي لا يتأخر علي جامعته ، ثم إتجهت إلي الحمام
إغتسلت و توضأت ، ثم خرجت و أدت سنة الضحى ..
إنتهت من صلاتها و قامت لتبدل ملابسها
كانت تثبت ربطة حجابها عندما إستيقظت "ملك" في هذه الأثناء و كالعادة باكية ، هرولت "سمر" إليها و حملتها من سريرها الصغير
ضمتها إلي صدرها بحنان و هي تتمتم مغنية بعذوبة في أذنها ..
هدأت "ملك" نسبيا ، بينما أخذتها "سمر" إلي "فادي" حيث كان يجلس هناك بالصالة و يتناول فطوره
أقبلت عليه "سمر" و هي تتحسس جبين أختها و تقول بقلق :
-فادي ! .. شكل ملك تعبت تاني و لا إيه ؟!
ترك "فادي" طعامه في الحال ، و مد يده و إحتوي وجهها الصغير بكفه الكبير ..
فادي بإبتسامة هادئة :
-لأ .. مافيهاش حاجة.
-أومال أنا حاسة إن حرارتها عليت ليه ؟؟
-إنتي بتقلقي عليها دايما يا سمر .. إطمني مافيهاش حاجة.
سمر و هي تحتضنها بقوة :
-يا رب .. ربنا يشفيكي يا حبيبتي !
ثم طبعت قبلة عميقة علي وجنتها المكتنزة
بينما قام "فادي" و هو يلتقط حقيبة ظهره من فوق الطاولة ، و قال :
-يلا بقي أنا لازم أمشي دلوقتي عشان ورايا إمتحان بعد ربع ساعة . يدوب يعني مسافة سكة .. ثم سألها بإهتمام :
-إنتي هتعملي إيه دلوقتي ؟؟؟
-و لا حاجة . هخلي ملك عند الحاجة زينب زي إمبارح و بعدين هروح علي شغلي.
فادي بضيق :
-تاني الحاجة زينب !
سمر بلوم :
-إسكت بقي مش كفاية إللي عملته إمبارح . يا رب بس ماتكونش زعلت منك أوي .. ثم قالت مقترحة :
-بقولك إيه ! .. ماتنزل معايا و إعتذرلها.
فادي برعونة خفيفة :
-نعم يا ماما ؟ أنا مابعتذرش لحد . و إنتي كمان إياكي تفتحي الموضوع سامعة ؟ .. يلا أنا ماشي.
و غادر "فادي" بينما جمعت "سمر" أغراض "ملك" ثم أخذتها و هبطت إلي شقة السيدة "زينب"
طرقت بابها و إنتظرت لثوان ، فتحت لها السيدة و رحبت بها ..
"زينب" ببشاشة :
-أهلا أهلا ببناتي الحلوين . إزيك سمر ؟ إزيك يا ملوووكة ؟
و مدت ذراعيها لتتلقي "ملك" ..
فناولتها "سمر" الصغيرة و هي تقول بإبتسامة :
-الحمدلله يا ماما زينب كويسة . إنتي إزي حضرتك ؟
-في نعمة يابنتي . نشكر ربنا . تعالي إدخلي واقفة عالباب ليه ؟!
ولجت "سمر" و تبعت السيدة إلي حجرة الجلوس
جلست قبالتها و هي تبحث عن الكلمات المناسبة لتبدأ بها حديثها ..
سمر بإرتباك و حيرة :
-ماما زينب أنآاا . إحم . أنا كنت عايزة .. كنت عايزة أقول يعني آاا ..
زينب بضحك :
-في إيه بس يابنتي ؟ علي مهلك عايزة تقولي إيه ؟!
سمر بشجاعة :
-كنت عايزة أقولك يعني ماتزعليش من فادي . هو مايقصدش يزعلك و الله . ده حتي كان عايز ينزل معايا يعتذرلك بس إتكسف منك !
-سمر يا حبيبتي .. إنتي أكيد عارفة غلاوتكوا عندي . أنا ست طول عمري عايشة مع جوزي لوحدي . ربنا مارزقنيش بالولاد . بس رزقني بيكوا أنا ربيتكوا مع أمكوا الله يرحمها .. ثم قالت و هي تداعب "ملك" بتحبب :
-و إن شاء الله ربنا يديني العمر و أربي الصغننة دي كمان.
سمر بإبتسامة :
-يا رب . ربنا يديكي الصحة.
-أنا عمري ما أزعل منكوا .. و ماكنش قصدي أضايق أخوكي . و الله يابنتي فكرت الموضوع ممكن يكون لمصلحتك . خميس إبن المعلم رجب كسيب و حياته حلوه و مبسوط.
-أيوه يا ماما زينب بس إنتي عارفة سمعته و سمعة عيلته كلها عاملة إزاي !
-و الله يابنتي أنا ما إتكلمت إلا عشان مصلحتك . و علي رأي المثل الراجل مايعبوش إلا جيبه و الجدع باينه شاريكي هو إللي إتكلم عليكي بنفسه.
تنفست "سمر" بعمق ، ثم قالت :
-يلا . مافيش نصيب يا ماما زينب . ربنا يوفقه مع واحدة أحسن .. ثم أكملت و تقوم عن المقعد :
-أنا همشي بقي عشان ماتأخرش علي الشغل .. عايزة مني حاجة قبل ما أمشي ؟
-ماتحرمش يا حبيبتي . طريق السلامة !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" .. علي مائدة الفطور إجتمع الجميع
تنهي "صفية" طعامها بسرعة ، لتنتبه إليها "فريال" و تسألها بإستغراب :
-في إيه صافي ؟ بتاكلي بسرعة كده ليه ؟ علي مهلك !
صفية بصوت شبه واضح بسبب كمية الطعام التي تملأ فمها :
-عايزة أخلص بسرعة يا مامي . عشان ماتأخرش علي صالح.
ثم ران صمت قصير بعد ذلك ، قطعته "هالة" بسؤال متوتر :
-هو . هو عثمان لسا نايم و لا إيه ؟!
أجابتها "فريال" مبتسمة و هي تعلم تماما ماهية سؤالها :
-لأ يا حبيبتي . عثمان صحي من بدري و راح علي شركته لسا ماشي من ساعة تقريبا.
-ياااه . مشي بدري أوي.
-أه . ما إنتي عارفة بقي شركته لسا جديدة و لازم يظبط كل حاجة بنفسه في الأيام الأولي.
أومأت "هالة" بتفهم ، بينما تحدث "يحيى" إلي "رفعت" ..
يحيى بنبرة هادئة :
-رفعت ! كمان شوية هروح أبص علي المجموعة . تيجي معايا ؟ بقالك كتير ماروحتش.
لم يرفع "رفعت" إليه بصرا ، ما زال غاضبا منه
لكنه قال ببساطة :
-مرة تانية أبقي أروح . مش معقول هسيب إبني و أروح أبص علي الشغل . إبني أهم.
إزدرد "يحيى" برودة أخيه معه ، و قال بلطف :
-إحنا مش هنطول هناك . هنروح بسرعة و بعد كده نبقي نطلع أنا و إنت علي المستشفي .. إيه رأيك ؟؟
رفعت بعد تفكير :
-ماشي .. قالها بإقتضاب
لينظر "يحيى" نحو زوجته ، وجدها تبتسم له برضا ، بدالها بإبتسامة حب ، و من دون أن يراه أحد أرسل إليها قبلة في الهواء
توردت "فريال" خجلا ، و خفضت رأسها بسرعة و هي تزم شفتيها مقاومة تلك البسمة الواسعة ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في مؤسسة ( البحيري للتسويق و التجارة ) ... تجلس "سمر" في المكان المخصص لها
تقوم بطباعة بعض الرسائل المرسلة إلي الشركة من الخارج ، ثم تجمعها كلها و تضعها بملف خاص لتسلمها الآن لمديرها كما طلب منذ قليل ..
كادت تنهض ، لولا رنين هاتفهها الذي أعادها لتجلس ثانيةً
كانت "السيدة زينب" هي من تتصل بها ، عبست "سمر" بقلق ، لكنها ردت :
-آلو ! .. أيوه يا ماما زينب . في حاجة ؟ .. ثم صاحات بهلع :
-بتقولي إييييييه ؟؟!!!!!
.................................................
كان "عثمان" جالسا بمكتبه ، يتحدث في هاتفهه إلي صديقه "مراد" ..
قضي أكثر من نصف ساعة هو يحاول إقناعه بالمكوث في قصر عائلته الخرافي ..
-إسمع بقي عشان إنت صدعتني و قرفتني .. قالها "عثمان" بنفاذ صبر ، و أكمل بحسم :
-إنت هتسيب الآوتيل إللي قاعد فيه ده إنهاردة و هتيجي تنقل عندنا في البيت . مش عايز إعتراض خلاص إنتهي.
رد الأخير بحيرة :
-يا عثمان إنت بتضغط عليا كده . أنا مش عايز أضايكوا . خليني زي ما أنا يا أخي بالله عليك !
-تضايقنا إيه و بتاع إيه ياض ؟ هو إحنا قاعدين في عشة ؟ ده قصر البحيري . أكبر قصر فيكي يا إسكندرية و مش بس في إسكندرية في مصر كلها .. شوف إنت هتسمع كلامي غصب عنك . هتسيب الآوتيل زي ما قولتلك و هتيجي تقعد عندنا من إنهاردة ساامع ؟؟؟
تنهد "مراد" و قال بإستسلام :
-ماشي ياسيدي . كمان شوية هبقي هنزل أعمل Check Out و هكون عندكوا علي بليل كده !
و ما كاد "عثمان" يرد ، إلا و شاهد باب مكتبه ينفتح بقوة يليه دخول "سمر" السريع
كانت حالتها مزرية للغاية و الدموع تهطل من عينيها كالشلال ..
إندفعت صوب "عثمان" و هي تهتف بصوت مرتعش :
-عثمآاان بيه !
وثب "عثمان" عن مقعده فورا و هو يقول بذعر :
-في إيه يا سمر ؟ المبني بيولع ؟؟!!
هزت رأسها نفيا مع أنين خافت سمعه "عثمان" صادرا عنها ..
-طيب إيه إللي حصل .. سألها بشيء من العصبية ، لترد بصعوبة غير قادرة علي إيقاف سيل دموعها :
-أخـ أختي مـ لـك . تـ عبانة أو ي . مش قـ ادرة تتـ نفس.
عثمان بلهجة هادئة و هو يستدير حول مكتبه ليقف أمامها :
-إيه ! طيب إنتي عرفتي إزاي ؟
-جارتـ نا إ إتصـ لت بيا و وقا لتـ لي .. آ نا لازم إمشي د دلوقتي حا لا يـ يافنـ دم !
-هتعملي إيه طيب ؟؟؟
-هاوديها للد كتور طـ بعا.
عثمان و هو يلتفت و يأخذ هاتفهه و مفاتيحه من فوق سطح المكتب :
-طيب خلاص أهدي . أنا هاجي معاكي.
سمر برفض و هي تمسح دموعها بظهر يدها :
-لأ .. ماتتعـ ـبش نفـ سك أنا هـ آاا ..
-و لا كلمة ! .. قاطعها بحزم ، و أردف بصرامة :
-أنا جاي معاكي . و يلا قدامي بسرعة عشان منتأخرش علي البنت.
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في المستشفي ... داخل جناح "صالح"
تقف "صفية" أمام سريره مطرقة الرأس ، بينما هو كالصنم .. لا يتحرك و لا يتكلم
فقط ينظر إلي الفراغ في وجوم و صمت لا يطاق ، حتي ملت "صفية" و قالت و هي ترفع رأسها فجأة :
-هتفضل ساكت كده ؟ بتعاقب مين دلوقتي ؟ أنا و لا إنت ؟ .. رررررد عليآاا !
صمت قصير .. ثم تكلم "صالح أخيرا :
-عايزاني أقول إيه ؟ .. تساءل بصوت بارد قاس ، ثم تابع و هو يحول إليها بصره الحاد :
-ألومك عشان طلبتي مني أنزل ساعتها ؟ و لا ألوم نفسي عشان سمعت كلامك و كنت بحاول أرضيكي ؟ و لا ألوم أخوكي إللي خد حظي و المفروض هو إللي كان يحصله كل ده ؟ هه ! ألوم مين بالظبط ؟ ما تردي إنتي بقي ؟؟!
صفية و هي تنتفض منزعجة :
-إللي بتقوله ده ماينفعش علي فكرة . أولا أنا ماقصدتش آذيك بأي طريقة و أكيد لو كنت أعرف إن حاجة زي دي ممكن تحصلك ماكنتش طلبت منك تنزل ساعتها . ثانيا أنا عمري ما طلبت منك ترضيني و لو كنت رفضت طلبي ماكنتش هزعل . ثالثا بقي و الأهم أخويا مالوش ذنب في إللي حصلك . ده قدر و آا ..
-قدر ! .. قاطعها بحدة شديدة و قد إتسعت عيناه غضبا ، ثم صاح مكملا :
-دي عربية أخوكي يا هانم . هو إللي كان هيطلع بيها لو ماكنش عايز يدهالي كان هو إللي طلع بيها و عمل الحادثة بدالي.
-قصدك إيه ؟ .. تساءلت بغضب
-عايز تقول يعني إنه كان علي علم بإللي هيحصلك ؟!
لم يجب و ظل علي حالته الحادة ، فإنفجرت "صفية" بغضب مضاعف :
-إنت أكييد إتجننت . أكيد الحادثة آثرت علي دماغك . إنت مابقتش طبيعي . مابقتش بتفكر !
صالح و هو يهز رأسه موافقا بهدوء شديد :
-صح . إنتي عندك حق . أنا مابقتش طبيعي .. عشان كده . خدي يا صفية !
و رفع يده اليمنى و إنتزع منها خاتم خطبته ..
قام بوضعه علي الطاولة القريبة من سريره ، بينما تابعت "صفية" ما يفعله في صمت ذاهل حتي إنتهي ..
فسألته :
-إيه إللي إنت عملته ده ؟!
صالح ببساطة :
-فسخت خطوبتنا . إنتي لسا قايلة إني مابقتش طبيعي . كلامك صح . أنا دلوقتي بقيت إنسان عاجز . مش هعرف أمشي علي رجليا تاني . خلاص . مسألة إرتباطنا إنتهت !
دخلت كلماته إلي رأسها و إستقرت الواحدة بعد الأخري ، فضاق صدرها و تقطعت أنفاسها
في تلك اللحظة بالذات ، شعرت "صفية" بعمق مكانة "صالح" في حياتها و بصعوبة إقتلاعه من حياتها ..
فتحت فمها و أغلقته ثانيةً ، ثم قالت بصدمة :
-صالح ! .. إنت بتقول إيه ؟؟؟!
كانت الكلمات تختنق في حنجرتها ، بينما رد بجفاء و هو يشيح بوجهه عنها :
-إللي سمعتيه.
صفية بصوت مرتجف :
-إنت كده بتنهي كل إللي بينا !
صالح و قد عاد ينظر إليها مجددا ..
-بالظبط كده ! .. قالها بتحد و ثقة ، ثم أكمل بطريقة ساخرة لا تخلو من العتب و الإهانة :
-أنا أصلا عمري ما حسيت إنك بتحبيني . دايما بتحسسيني إنك إتنازلتي أوي لما وافقتي نتجوز . ليه ؟ كنتي تقدري ترفضيني عادي جدا و كنا بقينا ولاد عم و إخوات بدل ما تحاولي تقبلي فكرة إني خطيبك و كمان كام شهر و هبقي جوزك . أنا ماقبلش إتجوز واحدة مابتحبنيش.
-أنا بحبك يا صالح ! .. تمتمت ، و شعرت بالرعب يخنقها و بركبتيها ترتجفان و تهددان بإسقاطها
-شكرا .. قالها ببرود و حيّد عنها مجددا ، بينما سعت إليه و هي تقول برجاء :
-رجع دبلتك زي ما كانت . أنا بحبك . و الله بحبك و مافيش حاجة من إللي قولتها صح . جايز بس أنا ماعرفتش أعبرلك عن مشاعري بالطريقة إللي إنت عاوزها . لكن صدقني أنا بحبك . بجد بحبك يا صالح !
تنهد "صالح"بفتور ، ثم قال بمرارة :
-حتي لو بتحبيني بجد .. خلاص ماعادش ينفع.
-هو إيه ده إللي ماعادش ينفع ؟ .. و صرخت بصوت أعلي :
-إنت مش من حقك تقرر في حاجة زي دي من نفسك . أنا شريكتك في القرار.
صالح بصياح منفعل :
-و إنتي مش عايزة تفهمي ليه ؟ أنا خلاص إنتهيت . مابقتش نافع لا ليكي و لا لغيرك . هفضل عاجز كده طول عمري.
-مين قالك كده ؟ إنت ماسمعتش الدكتور كويس و لا إيه ؟ إنت لسا هتتعالج و بعد فترة قصيرة هترجع زي ما كنت و أحسن.
صالح بإنفعال أشد :
-مش عايز أتعالج . مش عايز أرجع أحسن من الأول . سيبيني يا صفية . سيبيني و إمشي أنا مابقتش عايزك . خلاص مش عايزك في حياتي تاني . أخرجي برا . إمشيييي !
إرتدت "صفية" للخلف و هي تعض علي شفتها السفلي بقوة و ترمقه بعدم تصديق
ترقرقت الدموع بعيناها ، و لكنها حبستها ..
إلي أن خرجت فعلا من غرفته
و هنا فقط ، أطلقت لنفسها العنان و راحت تبكي بنشيج مكتوم و هي تركض مجتازة الردهة الطويلة
بينما أعين جميع من في الطابق مصوبة نحوها ، تشملها بنظرات التعجب و الإستفهام حتي إختفت ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
أمام بيت "سمر" ... تقف سيارة "عثمان" الضخمة الفارهة
لتترجل "سمر" بسرعة و هي تقول :
-خليك زي ما إنت يا عثمان بيه . أنا هدخل أجيب ملك و هاجي بسرعة.
أومأ "عثمان" بالموافقة ، بينما إندفعت "سمر" راكضة إلي الداخل
وصلت إلي شقة السيدة "زينب" و ضربت الجرس بتواصل و إلحاح ، فتحت الأخيرة بعد لحظات و هي تحمل علي ذراعها "ملك" المسكينة ..
كانت الصغيرة في حالة صعبة للغاية ، حيث كانت متهدلة و هامدة بصورة مخيفة و بدت و كأنها تنازع لتأخذ أنفاسها ، بخلاف حشرجة صدرها و عيناها الملبدتان بالدموع ..
-إيه إللي حصل ؟ .. تساءلت "سمر" برعب و هي تمد ذراعيها لتأخذ أختها ..
ناولتها "زينب" الطفلة ، ثم أجابت و صوتها لا يخلو من القلق و الخوف :
-يابنتي و الله كانت كويسة بعد مامشيتي حتي جاعت و أكلتها و كله حاجة كانت ماشية تمام . بس فجأة لاقيت وشها أصفّر و شفايفها إزرّقت و إبتدت تاخد نفسها بالعافية . ساعتها لما غلبت قلت مابدهاش بقي و إتصلت بيكي طـّوالي.
سمر و هي تحتضن الطفلة بشدة :
-طيب أنا هاخدها للدكتور دلوقتي . لو فادي رجع قبل ما أجي إبقي قوليله يتصل بيا يا ماما زينب.
-حاضر يابنتي . علي مهلك و إنتي ماشية . و لا إستني هلبس و أجي معاكي !
سمر و هي تهبط درجات السلم بخفة و حذر :
-لأ خليكي يا ماما زينب . إن شاء الله مش هنطول . هنرجع علطول.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
قبل دقيقتين ..
أمام محل الجزارة المقابل لبيت "سمر" .. وقف شاب في مستهل عمره ، يباشر تقطيع شرائح اللحم الطازج فوق الأورمة " قطعة خشب يتم وضع اللحوم فوقها من أجل تقطيعها " ..
شاهد سيارة سوداء إصدار أحدث طراز للعام ، تدخل ببطء و روية في الشارع الضيق نسبيا
و من خلال نظراته الفضولية المتفحصة ، لمح "سمر" تجلس في المقعد المجاور لمقعد السائق الذي بدا له رجلا ثريا من هيئته و ملابسه و أيضا من سيارته التي يقودها
تابع النظر إليهم حتي توقفت السيارة و نزلت منها "سمر" ..
رآها تقول لمرافقها شيئا وجيزا ثم تستدر و تتجه إلي داخل البيت مسرعة
لم ينصرف صاحب السيارة الثمينة و بقي منتظرا كما هو ، فشعر الشاب بالغضب ينتابه و هو يحدج هذا النبيل بنظرات نارية حتما ستحرقه لو كانت فعلية
و فقط السؤال الذي أخذ يلح عليه أثناء هذه اللحظات هو ؛ . من هذا يا تري ؟ و ما علاقته بـ "سمر" ؟
عادت "سمر" و إستقلت السيارة ثانيةً ، و لكنها لم تكن بمفردها هذه المرة ، كانت شقيقتها الصغري معها ..
شاهد الشاب سائق السيارة يبذل جهدا بالغا في إخراج سيارته من هذا الشارع ، و بعد عدة محاولات ، نجح أخيرا و إنطلق بها للطريق الرئيسي
بينما ذهب الشاب ليكلم والده داخل المحل ..
-شفت يابا ! .. قالها الشاب بحدة ممزوجة بالغيظ ، ليسأله والده الجالس يجري بعض الحسابات خلف مكتبه المبهرج :
-في إيه يابني ؟ حصل إيه ؟؟
-لسا شايف سمر راجعة مع واحد شكله إبن ذوات و في عربية أبهة خالص . مش هاممها حد يشوفها و مشيت معاه تاني هي و أختها الصغيرة.
الوالد بنبرته الطبيعية الغليظة :
-راجعة مع واحد شكله إبن ذوات و في عربية أبهة ؟ .. لونها إسود العربية دي ؟؟
الشاب بتقطيبة مستغربة :
-أيوه !
-و إللي سايقها ده شكله نضيف كده و مستحمي ؟؟
-أيوه يابا إنت تعرفه و لا إيه ؟!
-لأ ماعرفوش . بس شفته من قيمة يومين كده كان بيوصل الصنيورة بتاعتك بنفس العربية بردو !
الشاب مضيقا عينيه بغضب :
-يا تري مين ده ؟ تكونش رفضتني عشانه يابا ؟؟؟
-وارد يابني . بس و لا يهمك سيبك منها . أصلا لا أنا و لا أمك كنا موافقين عليها . ماكنتش هتشيلها لوحدها . إخواتها الإتنين كانوا هيبقوا فوق البيعة.
الشاب بغضب أشد :
-بس ماتجيش منها .. لسا ماتخلقتش إللي ترفض المعلم خميس.
-يابني إحنا مش ناقصين عوأ . ورانا شغل أد كده . سيبك منها و أنا هجوزك ست ستها . حسب و نسب و أحلي منها كمان.
إبتسم "خميس" بسخرية ، ثم إنصرف ليتابع عمله مجددا و هو لا ينوي خيرا أبدا ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في العيادة الخاصة ، حيث الطبيب الذي فحص "ملك" منذ أيام قليلة يعاود فحصها مرة أخري .. و لكن مع إختلاف الوضع هذه المرة
إذ أن "ملك" وحدها داخل غرفة الفحص ، بينما تقف "سمر" في الخارج مع "عثمان" الذي عمل علي تهدئتها منذ وصولهم :
-إهدي شوية يا سمر . ماتقلقيش هتبقي كويسة.
سمر و هي تتضرع بخشوع :
-يااارب .. يا رب تبقي كويسة !
و صدح فجأة رنين هاتفهها ، لتخرجه من جيب سروالها الواسع و ترد دون الحاجة لرؤية إسم المتصل :
-فادي .. ماتخافش يا حبيبي .. أيوه إحنا عند الدكتور .. طيب .. طيب خد العنوان !
و فيما راحت "سمر" تلقن أخيها عنوان العيادة ، ذهب فكر "عثمان" للبعيد و هو يرمقها بنظرات ذات مغزي
ثم أخذ يتساءل في نفسه ..
"مين فادي ده ؟ يمكن هو ده إللي مراد قال عليه كانت نازله فيه حب ؟ يعني هو خطيبها ؟ بس إزاي ؟ مافيش في إيديها دبلة ! و كمان دي بتقوله يا حبيبي . الله علي براءتك يا سمر . كنت بدأت أصدق !! "
و قطع تفكيره خروج الطبيب من غرفة الكشف ..
هررلت "سمر" في إتجاهه هاتفة :
-دكتور ! لو سمحت طمني . أختي فيها إيه ؟؟؟
الطبيب و هو يزم شفتيه بأسف :
-للآسف شكي كان في محله .. إلتهاب رئوي حاد و للآسف أكتر حالتها إتأخرت !
سمر و قد إرتعشت ساقيها من الصدمة إلتوتا من تحتها ، ليسندها "عثمان" بسرعة قبل أن تقع ..
بينما سارع الطبيب بالقول :
-إهدي إهدي ماتقلقيش . في علاج إن شاء الله . هي عمرها لسا 10 شهور يعني سهل تدخل حضـّانة ، هنعملها جلسات أكسچين من إنهاردة و مش هتخرج من هنا قبل إسبوع أو إسبوعين حسب إستجابتها للعلاج.
سمر بوهن :
-إعمل أي حاجة يا دكتور . إعمل أي حاجة بس ملك تبقي كويسة !
الطبيب بأدب :
-تمام يا أنسة . أنا هخلي المساعدين هنا يجهزوا كل حاجة و هننلقها للحضـّانة علطول . بس معلش يعني هتحطي خمستلاف جنية برا تحت الحساب.
جحظت عيناها و هي تتمتم بذهول :
-خمستلاف جنية تحت الحساب ؟ طيب هما من أصل كام ؟؟؟
-من أصل عشرتلاف حضرتك اليوم في الحضـّانة بالمبلغ ده . طبعا بالآدوية و العقاقير و خلافه.
بـُهتت "سمر" و عجزت عن الكلام ، ليأتيها صوت "عثمان" قائلا بهدوء :
-ماتقلقيش . ماتشيليش هم حاجة يا سمر . أنا هدفع الحساب كله !
إلتفتت "سمر" إليه في هذه اللحظة ، لتكتشف أنه لا زال يسندها
ما كادت تبتعد عنه و تستقيم في وقفتها ، إلا و سمعت صوت أخيها الغاضب آتيا من الخلف ينادي بإسمها :
-سمــــر !