سُكّر غامِق

By xxfayaxx

384K 16.5K 8.8K

ذات العينان الغائمتان تحمِلُ قلباً نقيّاً بروحٍ مُشوّهة وقد ظنّت انّ الحُبّ ابعدُ ما يكون عن قلبها المُرتعِد... More

تشويقة
لعنة رضوان
ابناء ايمن
تتزوجيني ؟
نيران الانتقام
وعود
وجع القلوب
مشاعر غريبة
قبلة و هروب
غالية
اشواك الورد
سيد خجول
زُمُرّد
ما قبل العاصفة
حقائق
ارواح تائهة
تعاويذ القدر
طوفان
وجوه الحب
سقوط
تعب
طفولة
حب وحرب
رجال العشق
عذاب
وصية
عِطر
بدايات ونهايات
توق
أقدار العمر
النهاية (عبق الماضي)

تشتت

8.2K 453 135
By xxfayaxx

انهت الطبيبة فحص ريفال بوجود كنان، وقالت بهدوء:
- سيّدة ريفال يبدوا انّ طفلك ِمُتمسّكٌ بكِ كما تفعلين، لقد تخطّى مرحلة الخطر دون مشاكل الى الآن ولكن هذا لا يعني انّكِ ستعودين كما السابِق.
ماتت ابتسامة الراحة على شفاه ريفال وقد أصبح قلبها ساحةً من الخوف بتلك النبضات العالية بينما همس كنان بتشوّش:
- ماذا تقصدين؟

اجابت الطبيبةُ وهي تتفحّص صور الاشِعة المأخوذة حديثًا لظهر ريفال قائلة:
- الظهر هو الجُزء الأوّل الذي يتأثّر بعمليّة الحمل، وبالشهور المُتقدّمة يتحمّل الظهر كامل وزن الجنين لذلك من الطبيعيّ الشعور بالألم ولكن بالنسبة لكِ سيكونُ الأمرُ مُضاعفًا لذا سأنصحُكِ بعدم الوقوف لمُدّةٍ طويلة، هل يُمكِنني معرِفة طبيعة عملكِ؟

اغمضت عيناها بتشوّشٍ غير قادِرةٍ على فهم حديث الطبيبة الذي يختلِطُ بلُغةٍ اجنبيّةٍ لا تُجيدُها، أجاب عنها كِنان لتعود الطبيبةُ للحديث بتلك اللُغة لتهتِف بحدّة:
- هلّا تحدّثتي بلُغة البلد الذي تقطُنيه؛ فلا أفهمُ ايّ كلمةٍ ممّا تنطُقين.
همس كنان مهدئا اياها:
- إهدأي يا ريفال، ليس هُنالِكَ داعٍ للعصبيّة، فالطبيبة لا تعلمُ بعدم إجادتكِ للغُة. 

هتفت بحدّةٍ وهي تلوّحُ بيديها بغضب:
- انتَ تُجادِلني صحيح؟! بالطبع ستفعل؛ فانتَ تفهُم ما يُقال ولستَ جاهِلًا مثلي، ولكن ما لا تعرِفهُ هو انّني انا من ...
- آسفة سيّدتي.
قاطعتها الطبيبة لتزفِر بعُمق في مُحاولة لتهدئة أعصابِها التالِفة، وحدّجت كِنان بنظراتٍ حارِقة عندما بدأ بالإعتذار عن الطبيبة نيابة عنها، فأكملت الطبيبة قائلة بعامّية الأغنياء التي تختلف عن شعبيّة ريفال:
- انتِ تعملين بمتجر حلوى صحيح؟

أومأت ريفال بصبرٍ نافِذ لتُكمِل الطبيبة بصوتٍ قاطِع:
- ستحتاجين للراحة من العمل في الفترة القادِمة لأنّ حالة الجنين ليست مُستقِرّة الى الآن وعلى الأرجح سيحتاج لجوّ من الهدوء النفسيّ والراحة الجسديّة.
تسائلت بتردّدُ:
- يا الهي! هل هُنالكَ احتمالٌ بتأذّي الجنين؟

- نعم للأسف! ولا يمكننا تحديد الأمر الآن سنحتاج لعمل فحوصات دقيقة بعد إسبوع من الآن.
اجابت الطبيبة لتُغلِق ريفال عينيها كابِحة دموع الخوف الذي تسلّل الى قلبها وما ان احتضنها كنان مُطمئنًا همست بجانب أُذُنه بنبرةٍ مُتألّمة:
- لن أُسامِحَ أخيكَ ما حييت.

.
.

سقطت باقة الورد من يد زمرُّد وهي تقِفُ أمام والدتها عائدةً لأعوامِها الأولى، وكأنّ الحياة محت سنواتِ غيابها تارِكةً منها طفلةً على عتبات الشغب، نقيّةً من ملوّثات الحياة وقذارتها، إمتلئت عيناها بالدموع فأسدلت سِتارها تارِكةً من همسها المُتعبُ المُشبّع بالحنين يخرُجُ بعد سنواتٍ من الفُراق قائلة:
- أُمّي!

في تلك اللحظة فقط ومع تردُّد نبرتها الرقيقةِ التي لا تُخطئها سمحت بوران لعينيها بالإغماض علّ روحها المُتعبة بثِقل الذنبِ تجِدُ الراحة، سارع كُلّ من بُراق وأدهم وأوس بالإقتراب من زين الذي التقط بوران قبل سقوطها أرضًا فاقِدةً للوعي لتتراجع ورد وعلى ملامِحها فزعٌ يُغلّفهُ النُكران لتصطدِم بأوس الذي أوقفها هامِسًا بقلق:
- إهدأي!

- انا ليس لديّ أُم، لقد ماتت تلك المرأة التي انجبتني، ماتت!.
هتفت ببكاءٍ والخزي يكسوا ملامِحها ليُشير زين لزُمّرُّد بالإعتِناء بورد وما ان اقتربت منها حتّى بدأت بالبُكاء وذلك الوجه الذي يشبهُ ملامِحها لدرجةٍ غريبة يقترِبُ منها فهمست بتشتُّت:
- لا تقتربي!
سارع أوس بسحب ورد خلفه هامِسًا بتوتُّر:
- غادري أرجوكِ، الوقتُ ليس مُناسِبًا لما يحدُث.

تمتمت زمرُّد بإنهاك:
- لن أذهب، ليس بعد اليوم، انا أُريدُ ابنتي الآن!
تجاوزتهُ مُقترِبة من ورد وعانقتها بشوقٍ سلخ روحها عن جسدها طوال الأعوام الماضية مُستنشِقةً عبق امومةٍ اجتاحت طفولتها لتجعل منها إمراةً اُخرى تحملُ بين أضلُعها حُبًّا وقوّةً لتواجه العالم أجمع لاجل طفلتها.
- يا إلهي! كم اشتقتُ لهذه الرائحة.

شهقت بعذابٍ وهي تُقبّلُ وجهها بعاطفةٍ صادِقةٍ ونهم الشوق لا يرتوي فتعود لتُقبّل كتِفيها، عُنقها، ويديها بحنانٍ محمومٍ اخمد كُلّ مقاومات ورد تارِكًا منها ضعيفةً مُنهكةً من كُلّ ما يحدُث غير قادِرةٍ على استِيعاب ما تراهُ امامها، ولم تسمح لعينيها بالإغماض لأنّ شيئًا عميقًا بقلبها يتمنّى ان لا يكون مُجرّد حُلُم، فبعد كُلّ ما حدث بسنواتها الأخيرة ادركت انها بحاجةٍ لاُم؛ مهما اقترفت من اخطاء ومهما نعتها المُجتمعُ بالعاهرة ستظلّ المرأة التي انجبتها، والوحيدة التي ستُحبّها دون كلل.

كان هذا رجاء قلبها ولكنّ عقلها يزجرها بحدّةٍ بعدم مُسامحتها على ما اقترفتهُ في حقّها، اما روحها فحائرةٌ مُشتّتةٌ بين تصديق ما تراهُ او تكذيبه.
انتفض جسدها بعُنف غير قادِرةٍ على التحكُّم به فسارع أوس بإنتزاعها من بين ذراعي زمرُّد ليُجلِسها على احد المقاعِد وينحني مُمسِكًا بيديها المُرتعِشتين بقوّةٍ في مُحاولةٍ لإخماد ارتجافهما ولكن بلا فائدة، كانت تنظُرُ بعينان شارِدتان دامِعتان الى زمرد التي جلست على الارض باكيةً بروحٍ مُزهقة.

- اين الطبيب؟! اسرعوا ارجوكم!.
علا صُراخ أوس بالتزامن مع سوء حالة ورد وتزايد تشنجاتها فسارع بوضعها على الأرض مُحاوِلًا إيقاف حركتها فأجفلت ريفال وهي تسمعُ صوت الصراخ، هتف كنان بتحذير:
- لا تتحرّكي، سأعود حالًا.

لم تستمِع لتحذيره وهي تترجّل من الفِراش وتسير بصعوبةٍ ولا زال ظهرها يئنُّ من الوجع وما ان وقفت امام باب غُرفتها المفتوح تناهى اليها صوت بكاء زُمُرُّد فخرجت لتتفاجأ بأكثر المشاهِد إيلامًا للروح، حيث تُبعد الاُمّ عن ابنتها التي تبدوا في حالةٍ من الهستيريا، كتمت شهقةَ بُكائها بكفّها لتُسارِع كاميليا بالإقتراب منها هامِسةً بهلع:
- ريفال!

التفت كنان اليها ليتأمّل مظهرها الهشّ وهي تقِفُ بثياب المشفى وعيناها المُنهكتان شارِدتان بأحد طقوس العذاب الحارِق بينما ملامِحها الباهتةَ جامِدةً بقسوة، تنظُرُ اليه وحده وكأنّها تُحمّلهُ ذنب كُلّ ما يحدُث من خراب، دلفت للداخل برفقة والدها بينما بقي هو راثِيًا طيفها.

بعد بضعة دقائقٍ هدأت ورد وسقطت نائمةً بفعل المُهدئ الذي حُقِنت به واُعيدت لغُرفتها بينما افاقت بوران من صدمتها وبعد جُهدٍ عظيمٍ إستطاع زين اخذ زمرُّد التي انهارت غير قادِرة على تحمُّل رفض والدتها ونظرة ابنتها لها.

.
.

خرجت كاميليا بعد ان وعدت ريفال بزيارة قريبة للإطمِئنان على حالها، ظلّت واقِفة بجانب سيّارة أدهم الذي اقترب منها آمِرًا:
- هيا، فسنعود للقصر.
- لا ُأريد العودة، هل يُمكنني المكوث بشقتك الى ان تهدأ الأوضع قليلًا.
همست بتردُّد ليقترِب منها قائلًا بإنزِعاج:
- لماذا لا تُريدين العودة؟ ألازِلتِ مصدومةً بكريم؟

نظرت إليه وهي تزُمُّ شفتاها بضيق، قائلةً بنبرةٍ حزينة:
- أتشُكُّ بأنّ لي مشاعِرًا تجاه كريم الى الآن؟!
ارتبكت ملامحه امام جُرأة عيناها اللامِعتان فهتف بغضب:
- ماذا سأُفسّرُ تصرُفاتكِ منذُ ما حدث لريفال، انتِ لم تذهبي الى القصر منذُ ذاك اليوم، ألا ترين أنّكِ تتهرّبين من رؤية حبيبكِ ال...
قاطعتهُ صارِخةً بجنون:
- انا خائفةٌ من أُمّي!

صمت بصدمةٍ لتمسح دمعتان سقطتا سهوا على عيناها واكملت بمرارة:
- هي ستغضب بشدّة لبقائي مع ريفال وقد تضرِبُني.
- ماذا؟!
تمتم بنبرةٍ تحمِلُ الموت بين طيّاتِها وهو يواجِهُ عيناها المُنكسِرتين بصدقِهِما الحزين، أسبلت جفنيها مُتجرّعةً غصّةٍ إذلالٍ ومهانةٍ مُخزية تجعلُ منها دومًا فتاةً لا تليقُ به.

تزايدت دموعها وكفّاهُ يمسحان على وجنتيها برقّةٍ تناقضت مع طوفان الغضب المُشتعِلِ بعينيه، همس بجانب أُذُنها بصوتٍ مُتألّم:
- متى؟!
أدركت مغزى سؤاله ولكنّ شهقة بكائها كبحت الكلِمات بمُنتصف حلقِها وأسرت رعشة عذاب بروحه فأزاحت يداهُ عنها هامِسةً بصوتٍ مُتقطّع وهي تبتعِدُ عنه:
- سأبقى برفقة ريفال.

- متى ضربتكِ؟!
هدر بجنون ويداهُ تُعيدانها الى مكانها -بجانبه دائمًا- فعانقتهُ تستمِدُّ قوّتها من بين ذراعيه هامِسةً بحُزن:
- عندما غادرت وتركتني وحيدة امرتني أُمّي بالتودُّد لكِنان، وعندما رفضتُ صفعتني.
شعرت بإرتِجاف جسده ولكنّها اكملت ببراءةٍ صادِقة:
- لقد آلمتني صفعتها للغاية، وشعرتُ بأنّني أُضربُ للمرّةِ الاولى بحياتي فصفعك لي لم يكُن يؤلِمُني، سالتُ نفسي طويلًا عن سبب ذلك ولكنّني ادركتُ الآن فقط لماذا لم تؤلمني أنت.

ابتعدت عنهُ لتواجِه عيناهُ المُرعِبة من الغضب الاّ انّها ابتسمت رغم كُلّ شيءٍ واجابت برقّة:
- لأنّكَ حبيبي، ولن تؤذيني ما حييت، انتَ فقط تغار وتفقِد أعصابكَ في بعض الأحيان ولكنّكَ ستبقى تُحبّني الى الأبد، أليس كذلك؟!.

حاول بقدر الإمكان المُحافظة على هدوءه ولكنّ عناقه لها آلم عِظامها الهشّة حاشِرًا إياها بين ذراعيه كدميهٍ صغيرة وعندما افلتها سارع بركوب سيّارته لتتبعهُ بصمت مُتجِهان الى القصر، احترمت صمته وقد آلمها رؤية الندم على ملامِحه الاّ انّها لم تجِد ما تُخفّف به عنه وما ان وصلا الى القصر أمسكت بيده بقوّةٍ وهُما يدلِفان ليجِدا الجميع واوّل من انتبه لرؤيتهُما كانت جُلنار التي نهضت هاتِفةً بتهكُّم:
- عودًا حميدًا يا ابنةَ أيمن، أخيرًا تذكّرتِ انّ لكِ منزِلٌ وعائلة؟!.


تلعثمت كعادتها واخفضت بصرها ارضًا بإنتظار المزيد من التقريع إلاّ انّ أدهم همس بتحذير:
- ليس لكِ سُلطةً عليها لتسئلين عن اماكن ذهابها، وقبل ان تسئلين عن صفتي للتدخُّل بينكِ وبين ابنتكِ انا اكون زوجها المُستقبلي.
التفت قائلًا لجدّه:
- سيكونُ زفافنا بعد شهر من الآن، وساُشرِفُ بنفسي على التجهيزات، وما ان تُصبِح كاميليا على إسمي لن يكون لأحدِكُم حقًّا فيها، ستكون ملكيّة خاصّة بي وحدي، فهمتي يا خالتي؟.

فغرت كاميليا فمها ببلاهة ناظِرةً إليه بذهول ليهمِس جدّه بإعتراض:
- هل ترى انّ الوقت مُناسِبًا للزواج وعائلتنا تمُرُّ بكُلّ هذه المشاكِل؟
اجاب بهدوء:
- لا يُهمنّي ما يمرُّ به الجميع انا سأتزوّج بعد شهر واحد من اليوم ولن يوقِفني احد.

لم يسمح لأحدٍ بالإعتراض وهو يسحبها خلفه لتسير دون ان تهتمّ بغضب والدتها وما ان دلف الى غُرفته افلت يدها ليهمِس بحدّة:
- سأُحاوِلُ ان لا أتذكّر انّني بحاجةٍ لقتل والدتكِ، إن حاولت إيذائكِ ولم تُخبريني أعدُكِ ان أسحق رأسكِ، وسأتزوّجكِ بالموعد الذي حدّدتهُ مفهوم!.

- مفهوم سيّدي.
اجابت بإشارةٍ عسكريّة، ليجذِبها هامِسًا بخشونة:
- تعلمين أنّني لا اعتذِرُ عن أخطائي، صحيح؟
ابتسمت رُغمًا عنها وهي ترتفِعُ على أطراف اصابِعها مُستنشِقةً عبير أنفاسه المُحتدّة، وتُجيب بدلال:
- أعلم.

- كراميل!
بدى صوته مُتعبٌ للغاية وهو ينطِقُ اسمها بشغفٍ أشعل روحها، اكمل نداءهُ بقُبلة امتِنانٍ عميقة حملت اعتذارًا عصيًّا على لسانه وحُبًّا لا تُبيّنهُ سوى الهمجيّةِ والحدّة، ذلك الحُبّ الذي يشبهُ علاقة الشمس والزهر، حيثُ تستمِدُّ الرقّةُ نعومتها من القسوة والحرارة.

   

.
.

أُخرِجت أخيرًا من المشفى بعد رؤية نتائج فحوصات الجنين التي طمأنتها عليه ودون أن يُعارِض كنان وجد نفسه يصطحبها لمنزلها القديم، بداخل غرفة والدتها التي لم تُفتح منذُ وفاتها اصرّت البقاء. وبعد ان خرج الجميع ليتركوها تأخُذُ قِسطًا من الراحة اوقفت كنان هامِسةً بنبرةٍ باهِتة:
- لا تذهب، ابقى معي.

عاد ادراجه جالِسًا جانبها بصمت وعيناهُ تُبحِرُ في غيومها المُلبّدة بعواصِفِ الخطر، فمنذُ خروجه من المشفى وعيناها لم تُبعَد عنه، ترمقهُ بنظرةٍ تحمِلُ نذير الخوفِ والخطر وعندما لم يستطِع الصمود امامها انحنى مُلتقِطًا يداها ليُقبّل باطِنهُما هامِسًا بندم:
- آسف حبيبتي، لم أقصِد إزعاجكِ يومها انا فقط كُنتُ خائفًا عليكي، لا ارغبُ بان تُقحِمي نفسكِ بتلك الأمور.

صمت قليلًا مُتفرّسًا بملامِحها ليجِد ابتِسامةً رقيقةً داعبت ثغرها لتنتقِل عدواها اليه مع همسها الحنون:
- نم بجانبي!
استلقى بجانبها بهدوء لتُغمِض عيناها وزفيرًا مُتردّدًا ينبعِثُ من بين شفتيها ودفئ صدره يقيها برد الثلوج القارِسة، كان صمتها مؤلِمًا لقلبه فليس من عادتها ان تهدأ سوى قبل اتخاذها قرارات متهوّرة.

بعد وقتٍ ليس بالقصير أيقنت انّها لن تستطِيع إغماض جفنيها وقُبلاته تسقُطُ على  على جبينها كقطراتِ الصيب الأولى فتنهّدت بإرتِعاشٍ وهي تواجهُ عينيه قائلةً بتردُّد:
- ثمّةَ صندوقٌ خشبيّ بالرفّ الأخير من خِزانة أُمّي، اجلبه لي من فضلك.

تفاجأ من طلبها ولكنّهُ ابتعد ليبحث عنه لتجلِس مُربّتةً على معِدتها وتهمِسُ بشرود:
- لم يعُد هنالكَ أملٌ ياصغيري، لا تكرهني ارجوك.
وجد كنان الصندوق الخشبيّ متوسّط الحجم فحملهُ ليضعهُ امامها وقبل ان يتسائل عمّا بداخله بادرت هي بالحديث قائلةً بمرارة:

- أتعلمُ ما الذي قالهُ  كريم بعد ان دفعني من درجات السلّم لأسقُط أرضًا تحت قدميه.
توحّشت ملامِحهُ وإحتضر فؤادهُ بأنين رجولةٍ مُُراقةٍ بإهانة الاّ انّها ابت ان ترحم وجعه مُهديةً إياهُ رصّاصةً الموت قائلةً دون مشاعِر:
- هذا هو موضِعكِ الدائم -أسفل اقدامِنا- وحملكِ طِفلًا من كِنان لا يعني رُقيّكِ لمستوانا فقد فعلتها والداكِ من قبل ولم تنل شيئا.

معه حق فلن أُصبِح يومًا مثلكُم أتعلمُ لماذا؟ لانّني لستُ حقيرةً لأسموا على حِساب جُرح الآخرين، لن أستغِلّ إخوتي لأكسب نقودًا لن تُعِدهُم الى الحياةِ إن ماتوا، لن أكسر اقرب الناس اليّ لأجل منصبٍ او مكانة.
حاول الإبتعاد عنها وقد إسودّت ملامِحهُ من الغضب ولكنّها جذبتهُ هامِسةً بصرامة:
- يجب ان تسمعني الى الآخر، فقد لا تصِحُّ لي هذه الفُرصة بعد اليوم.

اغمض عينيه بشدّةٍ في مُحاولةٍ للتحلّي بالقوّة لتحمُّل سياط كلِماتها فأكملت بعد تنهيدةٍ عميقة قائلة:
- انا وانت لن نكون يومًا بذات المكانة، فبالرغم من انّنا تزوّجنا وسيكون لدينا طفلًا الاّ انّ اختلافنا ظاهِرٌ للجميع، أتعلم لماذا أرفضُ الذهاب برفقتكَ لسهرات عملِك ودعوات العشاء التي يدعوننا إليها؟ لانّني لا أرغبُ بإحراجِكَ امام أحد؛ فلن أرقى لمستوى زوجة كنان رضوان.

ترقرق الدمعُ على مُقلتيها ليتهشّم فؤاده لرؤيته لأوّل مرّةِ جانِبًا آخرًا منها، ذاك الجانب الأُنثويّ الرقيق الذي تُخفيه ببراعةِ تُحسدُ عليها.
اكملت بعبوسٍ طفوليّ زيّن وجهها ذو الانف المُحمرّ:
- بناطيلي الطويلة وسُتراتي الواسِعة لا تليقُ بمُناسبات طبقتكَ المخمليّة، وإن إرتديتُ مثل ثيابِكُم ستظلُّ لكنتي شعبيةَ المنشأ، وسيظلُّ لساني قذِرًا على رُقيّ كلماتك.

- لن يمنعني هذا عن حُبّكِ.
هتف بالحقيقةِ الوحيدة التي يُدرِكها لتومئ بالرفض والدمع يُغرِق وجهها:
- بعد عشرة أعوامٍ من زواجِنا ستُدرِكُ انّكَ إرتكبتَ خطئًا فادِحا، عندما لا أستطيعُ ان أكون أُمًّا مثاليّةً لأبنائكَ ستبحثُ عن اُخرى، ليس العائلة وخلافاتها فقط ما يُعيق طريقنا.

انحبس الحديثُ بين حلقها ولسانها لصعوبة قوله الاّ انّها أكملت بنبرةٍ قاطِعة:
- طلّقني يا كنان!
ظنّ انّ أُذُنيه باتت كاذِبة إلاّ انّ همسها مرّةً أخرى بذات الطلب جعلت ملامِحهُ تتوحّش بقسوةٍ قائلًا ببُطء:
- لن أفعل.

- بلى ستفعل.
عارضتهُ بخفوتٍ مُتعب ليُقهقِه قائلًا دون مرح:
- بأقصى أحلامكِ جموحًا، لن أتنازل عنكِ إلاّ بموتي.
هتف قلبها بوجل:
- الموتُ لأعدائكَ حبيبي.

ولكنّ ملامِحها ظلّت صامِدةً بقوّةٍ جبّارة مُجابِهةً براكين غضبه الثائرة واكملت بصِدق:
- لن أبقى بالقصر بعد اليوم ليس لانني تراجعتُ عن ما برأسي ولكنّ طفلك يفرِضُ عليّ الإبتِعاد؛ فلن أشعُر بالأمان بعدما حدث ولستُ جاهِزة لفقده.

- حقًّا؟!
تسائل بتهكُّمٍ واكمل بمرارة:
- لماذا تخافين على ابني وانتِ تُهدينهُ حياةً بلا اب؟! من المُفترضِ ان تكرهيه أيضًا فهو ابن كنان رضوان.
- الشيء الوحيد الذي جعلني احتفِظُ به انّهُ ابنك، وأنّني...

همست بعذاب ولكنّ شيئًا ما جعلها تصمتُ في آخر لحظةٍ قبل اعترافها بتغلغُل حُبّه لروحها ولكنّ عيناها لم تستطيعان الكذب فإعرفتا بما كتمتهُ طويلًا، وادرك حينها انّهُ تلقّى اعترفًا صريحًا بالحُبّ على طريقة ريفال المعهودة -العسل المسموم- حيثُ تُغرِق الكُره ببحرٍ من العشق.

طافت اناملهُ على وجنتيها النديّتين وذقنها المُغوي لتضطرِب رُغمًا عنها وما ان تحسّس شفتيها الناضِجتين كحبّات توتٍ بريّ تاه الكون ومعالمهُ لينحصِر بتلك القُبلة الشغوفة التي حمِلت رغبةً مُثمِلة تركت من مشاعِرها الهادِئة ساحةً من الجنون، لطالما بدت ضعيفةً تجاه عواطفها برفقته، تُشعرهُ دائمًا بأنّها مُمتنّةٌ لكُلّ ما يمنحهُ إياها، وكم يُحبُّ هذا الشعور.

اغمضت عيناها بقوّةٍ وفُقدان سيطرتها على مشاعِرها بات وشيكًا ولكنّها استطاعت بصعوبةٍ اخراج ضفيرتها خارج الصندوق لتضعها بينها وبينه ليجفل مُخلِيًا سبيل فمها لتلهث بإرتِجافٍ ونظرة عيناهُ الميّتة من العذاب تصلي روحها بنيران الندم، شعرت بأنّ انامِلهُ تتحسّسُ جروحها وليس ضفيرتها الكثيفة، سارعت بإخراج خلاخيلها التي عادت كما هي بعد إعادته لذلك الذي باعتهُ من قبل ومدّتهُ له بأيدٍ مُرتجِفة هامِسة بصوتٍ ضعيف:
- لم يعُد بيننا ذكريات، خذها ان اردت فأنا سأتخلّصُ منها بأيّ حال.

صمته عبّر عن مدى ألمه وعدم قُدرته على الحديث فاكتفى بالنهوض من جانبها والخروج آخذًا ضفيرتها وخلاخيلها وقلبها وروحها.
وما ان اغلق الباب خلفه سمحت لنحيبها بالتعالي وكعادتها كتمتهُ بوسادتها صارِخةً بعذاب يتزايدُ مُلتهِمًا روحها ببُطء.

.
.

بعد مرور شهر، ألقت تالين بثقلها على فِراش كاميليا التي غطّت في نومٍ عميقٍ إستِعدادًا ليوم زواجها الذي سيكون في الغد، نظرت تالين لصديقتها لتبتسِم مُدرِكةً انّ هذه الطفلة الصغيرة ستكون إمراةً رائعة.
- تستحِقّين السعادة الدائمة يا صديقتي.

همست بخفوتٍ قبل ان تحاول إغماض عيناها علّ النوم يزور خيالها ولكن بلا فائدة فمنذُ ان فارقت فِراش كريم لم تنعم بالراحة، لقد حدث الكثير في الشهر الفائت فقط طلبت الطلاق ولكنّهُ رفض الأمر ولم يوافق الجدّ رضوان على قرارها وحاول إثنائها بكُلّ الطُرُق ولكنّ تصرُّفات كريم المُتهوّرة والحادّة جعلتها اكثر عِنادًا في طلب الإنفِصال.

انسابت دموعها وهي تنعي حُبّها وامنياتها وفرحتها، تصاعد رنين هاتِفها لتعقِد حاجِبيها بدهشة من رؤيتها لرقم طبيبتها النسائية فأجابت بغرابة:
- مرحبا.
ما سمِعتهُ من الطبيبة جعلت عيناها تجحظُ بشدّة واخذ قلبها يقرعُ بجنون، ليس الآن، ليس بعد ان إفترقا، لا يُمكِنها ان تسعد بحمل طفلٍ من كريم بعد ما حدث.

نهضت راكِضةً بتعثُّر وروحها تنتفِضُ بجنون، وما ان وصلت لغُرفة الأطفال التي جهّزتها قبل عامٍ بشوقٍ عارِم دلفت لتشهق باكية هامِسةً بوجع:
- يا الهي! انا أحمِلُ طفلًا بين أحشائي!.
لم تنتبِه لتأثُرها وجود كريم بذات الغُرفة وقد أجفل لرؤيتها فجأةً ولكنّ همسها المُتعب جعلهُ يهتِفُ بسعادة:
- ماذا؟!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرحبا
رايكم بالبارت؟
والأحداث إلى الآن؟

هل سينفذ كنان طلب ريفال بالطلاق؟
هل سيغير خبر حمل تالين شيئا بعلاقتها مه كريم؟
هل ستتقبل ورد وجود والدتها ؟
ماذا حدث في علاقة كنان بريفال بالشهر الماضي؟

هذا واكثر في الفصول القادمة.

اعلم ان الفصل قصير ولكن اعذروني هذا الأسبوع واعدكم بفصل مليئ بالتشويق بالإسبوع القادم 💙

.
.
.
.
...
مع حبي 💙💙💙

.
.
.
.
..
...
فايا

Continue Reading

You'll Also Like

1.8K 433 10
«كُنْ كما أنتَ، لا تُحاول تغييرَ شيئٍ» ~كتاب يحوي قصص قصيرة~ •الغُلاف من تصميم habiba saber• جميع الحقوق محفوظة لي ككاتبة ©
2.1K 127 28
لا أبحثُ عن أصدقاء عاديين.. ولكني أبحثُ عن أصدقاء لا أسقط منهم سهوا، في زحمة حياتهم ولا يغيبون عن ذاكرة قلبي في زحمة أيامي.. هذهِ الرواية كتبتها مع ص...
165K 155 1
_ وبينما يموتُ الجبناءُ ألف مرّة ، فإن الشجعان لا يموتون إلّا مرّةً واحدة . حربٌ إشتدّ صراعها، وأبت نيرانها أن تنطفئ، الحب كان كالحرب، جميع الأطراف ف...
1.2K 66 2
مجردُ ذكرى ماتزالُ تحرقُ قلبها .. من ليلةٍ سرقت كامل عمُرها ، ذِكرى باتتْ كابوسًا يُأرقُ نومها ،، وكلُ مُناها نسيانها أو تغيب عنها فلا تزورها ،، أصبح...