زُمُرّد

10.9K 519 324
                                    

نظرت إليه بضياع وثمّة غصّةٌ حارِقة تُعيقُ قُدرتها على الحديث، بذات الوقت الذي تضائل فيه نبضها بصورةٍ غريبة، وقد تصاعد ذلك الالمُ من معِدتها الى قلبها الذي يصرُخُ تشبُّثًا بالحياة كابِحًا رغبتها باللحاق بجنينها، ولم تشعُر بصُراخ بُراق مُستنجِدًا بالأطِبّاء اللذين إصطفّوا خلال لحظاتٍ امامها و قد إبتعدت يد بُراق عن يدها وفي تلك اللحظة فقط تأكّدت انها افلتتهُ إلى الأبد.

أخرجوه الأطِبّاء عنوةً ليتشبّث بذاك الحاجِز الزُجاجيّ الذي يفصِلهُ عن روحه التي ظلت معها، وسيوف الألم تبتُر قلبه دون رحمة، وضع يده على فمه كاتِمًا صُراخًا هادِرًا يضُجّ من كُلّ خلاياها و هو يرى جهاز الصدمات الكُهربائيّة يوضعُ على صدرِها لإعادة نبضات قلبِها التي توقّفت تماما.

- ليليان!
همس بصوتٍ مكتوم و إنتفاضة جسدها تمُرّ عبر مساماته لتزيدهُ وجعًا على وجعه بينما يرفضُ الدمع إراحته جاثِمًا بين الرمش والحلق مُعذّبًا إياهُ بشدّة والإنتفاضة الثانية مرّت كصخرةٍ أُلقيت على قلبه فحطّمتهُ ولا زال النبضُ غائبا

والرُعب يتسلّى بالعبث بأنفاسه المُزهقة وشُحنةً اُخرى من التيّار الكُهربيّ تمُرُ على جسدِها الهزيل بقوّةٍ أكبر كادت ان تقذِف بها بعيدًا لولا تثبيتها بقوّة وقد عاد نبضها بعد اكثر من عشر ثوانٍ مرّت اعوامًا على بُراق الذي لم يعُد جسده قادِرًا على حمله فهوى الى الأرض و انفاسه تعود للحياة بقوّة جعلتهُ يسعُل بتعب و قلبه يهتِف بجنون
- لم تمُت، لم تمُت!

بعد إسبوع من إصابتها بالذبحة التي كادت ان تودي بحياتها، ها هي ليليان تعود لمنزلها الذي اصبح مُجرّد جُدران خاوية بنظرها، فقد أمرت الخدم بتجهيز غُرفتها القديمة بالجناح الذي تقطُنهُ والدتها بعد ان فاجأت الجميع بطلبها القاطِع للطلاق فور إستعادة وعيها ممّا صدم الجميع

واوّلهم بُراق الذي توقّع حدّة ردّة فعلها بأسوأ الطُرُق عدا هذه الطريقة فبحياته لم يُفكّر بالإنفصال عنها تحت ايّ ظرف فقد جابها الكثير من المشاكِل ولكِن بنهاية اليوم يتشاركا ذات الفِراش مُدرِكين انّهُما خُلِقا لبعضِهما البعض دون ايةّ فلسفة للأمور ولكن يبدوا انّ ليليان قد قررت كسر كُلّ قواعد حياتهما كعادتها.

ولكنّهُ بالرغم من ذلك لم يُلقِ بالاً لطلبها ووافق على ان تنتقِل للبقاء مع والدتها الى ان ترتاح اعصابها، وقد كان هذا قرار جدّه ايضًا فقد عنّفهُ بشدّة على عدم إخباره لأحد بعمليّة الإجهاض ولكن لا احد سيتفهّمهُ ابدًا فدقائق الرُعب التي عاشها مُنذُ علمه بحملها كادت ان تودي بحياته ولم يكُن هُناك حل ٌّآخر سوى التخلّي عن طفله الذي انتظرهُ طويلا لأجل رؤيتها بعافية وخير كما كانت من قبل.

فتحت ليليان فمها وعيناها الدامِعتان تائهتان في الفراغ وهي تتجرّع ذلك الطعام الذي يمُرّ بلا طعمٍ او نكهة لفمِها فتبتلِعهُ ببُطء ليُكمِل مسيرته الى حلقها الذي ضاق من كتم الألم ليُحافِظ على نبضات قلبها الضعيفة من الزوال.

سُكّر غامِقWhere stories live. Discover now