سُكّر غامِق

By xxfayaxx

384K 16.5K 8.8K

ذات العينان الغائمتان تحمِلُ قلباً نقيّاً بروحٍ مُشوّهة وقد ظنّت انّ الحُبّ ابعدُ ما يكون عن قلبها المُرتعِد... More

تشويقة
لعنة رضوان
ابناء ايمن
تتزوجيني ؟
نيران الانتقام
وعود
وجع القلوب
مشاعر غريبة
قبلة و هروب
غالية
اشواك الورد
سيد خجول
زُمُرّد
ما قبل العاصفة
حقائق
ارواح تائهة
تعاويذ القدر
طوفان
وجوه الحب
تعب
تشتت
طفولة
حب وحرب
رجال العشق
عذاب
وصية
عِطر
بدايات ونهايات
توق
أقدار العمر
النهاية (عبق الماضي)

سقوط

8.8K 467 169
By xxfayaxx

سقط شيئًا عظيمًا بينهُما من مُنحدرٍ ساحِق مُتحطّمًا لأشلاء غير قابِلةٍ للترميم وهي ترى تلك النظرة بعينيه، رغِبت حينها بالبُكاء طويلًا قبل ان تقتُل قلبها الغبيّ الذي خاطر بحُبّ هذا الرجُل، ولكنّها حافظت على قِناع تعابير وجهها البارِد سامِحة لإبتسامتها الزائفة بتزيين وجهها هامِسةً بأسف:
- عرضكَ مرفوض زوجي الحبيب.

اجبرت عيناها على مواجهته وهي تشهقُ بصدمة جرّاء إحكام يديه على كتِفيها وهو يهدِرُ بجنون:
- ستقبلين، وستتنازلين عن الصفقة القذِرة التي إستوليتِ بها على ما ليس من حقّكِ، لن اسمح لكِ بتشويه أخلاقكِ بهذه الطريقة.
- ما الذي تعرِفهُ عن اخلاقي؟!
تسائلت بحدّة وقد بدأت بفقدان هدؤها لتُكمِل بغضب:

- لقد مات كُلّ ما هو خيّرٌ بي منذُ ان تركتني أُمّي وحيدةً في هذه الحياة، تشوهّت حياتي وانا أُجاهِدُ للحِفاظ على نفسي في خضمّ عواصف الآلام القاسية، بنيتُ جِدارًا من اللامُبالاة امام روحي المُنكسِرة الى ان اصبح هذا الجِدارُ جُزء منّي، انا سيئةٌ للغاية ولستُ بحاجةٍ لمُساعدة أحد، فلا تتدخّل ارجوك.

إرتخت يداهُ حولها ولا زالت ملامِحهُ الحانِقة تفرِضُ دورها فزمّ شفتيه بضيق وقال بصوتٍ اكثر هدوءً بالرغم من صرامته:
- ما تفعليه ليس حلًّا أخبرتُكِ انّني سأحرصُ على ان تنالي نصيبكِ من أملاك رضوان، وكُلّ ما أملِكُ سيكون لكِ ولصغيرنا...

- اللعنة! انتَ صِدقًا لا تفهمني، إن كُنتُ راغِبةً بالنقود لقبِلتُ حفنة المال الذي يرميه لنا جدّكَ بنهاية كُلّ شهرٍ ليُهدّئ ضميرهُ المُعذّب، كنتُ سأخدعكَ واستغِلّكَ لأستولي على نقودك ولكنّني لا أُريد، كُلّ ما ارغبُ به هو ما يؤذي عائلة رضوان فؤاد وحسب، الشرِكات وهذا القصر هو أوّل ما قد يُزلزِلُ هدوءكُم، وسأحرصُ على إنتزاع الراحة من بين أيديكُم فقد عِشتُم كثيرًا بهذا العِزّ والجاه وحان دورنا لنرتاح قليلا.

قاطعتهُ وهُتافها الشرِسُ المُشبّع بالكُره يخبو الى ان تحوّل لهمسٍ مُتألّم وعيناهُما تلتحِمُ بمشاعِر مُتضارِبة تخلّلها الشوقُ عنوةً إلاّ انّها لم تسمح لهُ بتملُّكِها فأبعدت يداها عن كِنان بعُنف وهي تنهضُ مُسرِعةً خارِج الغُرفة حيثُ سمحت اخيرًا لدمعة مُحتجزةً بأسوار عينيها بالنزول كابِحةً طريقها بباطن كفّها بعُنف وهي تهمِسُ بزجر:

- هو من قتل كُلّ الآمال، وها قد حان وقت الابتِعاد.
اكملت مسيرها خارج جناحهُما الى ان قابلتها السيّدة اسمهان في احد الممرّات لتُبادِرها بتحِيّةٍ مُبتسِمة قائلة:
- مرحبًا يا ابنتي، كيف حالكِ اليوم؟
اجابت ريفال ببرودها المُعتاد:
- مرحبًا سيّدتي، انا بخير شكرًا لسؤلك.

إحمِرار عينيها وعبوس ملامِحها كان جليًا للسيّدة اسمهان التي عبست هامِسةً بأسى:
- لا يبدوا انّكِ بخير، هل تشاجرتي انتِ وكِنان؟
- لم نتشاجر.
نفت مُسرِعةً لأسبابٍ تجهلها لتضع اسمهان كفّاها على وجنتي زوجة ابنها وهي تهمِسُ بإنفِعال:
- بالتأكيد حفيدي يُتعِبكِ للغاية، يجب ان تنالي قِسطًا وافِرًا من الراحة لكي تكونا بأمان.

اجبرت شفتاها على إغتِصاب ابتِسامةٍ صفراء حاولت بها إنها الحوار الثقيل الذي لا يواتي حالتها المُزرية لتهمِس اسمهان بتردُّد:
- سأُرسِلُ إفطاركِ مع الخادِمة، إرتاحي بغُرفتكِ اليوم ولا تذهبي للعمل.
همست ريفال بإصرار:
- سأتناول الإفطار بالأسفل.

وامام تلعثُم اسمهان لم تجِد بُدًّا من القول بصراحة:
- أعلمُ انّكِ خائفةٌ على ان يُزعِجوني بعدما دار بالأمس، انا اتفهّمُ قلقكِ على حفيدكِ ولكن تأكدّي انهُ سيكون بخير، فالهروب ليس حلًّا وما حدث بالأمس انّني أخذتُ حقّي وهذه فقط البداية، اعِدُكِ ان أُحافِظ على حفيدك المُنتظر ولا أؤثِر عليه.

غادرت مُسرِعةً لغُرفة جوان قبل ان تسمع ردّ السيّدة اسمهان التي تزرعُ بقلبِها شعورًا جميلًا كُلّما لمحتها، وكأنّها زُجاجة عِطرٍ يعبِقُ بمشاعِر الأمومةِ الحانية التي تحتضِنها رُغمًا عنها لتكرهُ نفسها لمُعاملتها الحسنة لها. فقد ظنّت ذات يومٍ انّها ستكون اكثر شرًّا من جلنار ولكنّها لم تكُن كذلك، ولم تمنحها تأشيرةً للبُغض فوجدت نفسها تحترِمها دون ان تعي وتأكّدت انّ كُلّ ما يملِكهُ كِنان من خيرٍ لم يرثهُ من أحدٍ سوى تلك المرأة.

طالعت اسمهان اثرها بحُزن وتقدّمت لتدلِف لرؤية كنان الذي ما ان سمح لها بالدخول حتّى إقترب منها مُقبّلاً جبينها قائلًا:
- كيف حالكِ يا أُمّي؟
ربّتت على كتِفيه وهي ترنوا الى قامته السامِقة وعيناها عابِستان بذبول وقالت بنبرةٍ قلِقة:
- من المُفترض ان اسألكَ انا عن حالك.
اجابها بصراحة والضيقُ يغمُرُ ملامِحهُ:
- سأكذِبُ إن قُلت أنّني بخير.

سحبتهُ من مِعصمِه ليجلِسا على احد الأرائك، وهمست بتردُّد:
- لقد رأيتُ ريفال وهي تخرُجُ من هُنا، لقد كانت تبكي، يبدوا انّك آلمتها للغاية.
رفع عيناهُ المُدهوشتان لوالدته لتي اومأت قائلة بعِتاب:
- انتَ بالتأكيد افسدْت كُلّ شيء، زوجتكَ حامِلٌ يا بُنيّ ولا يُمكِنك إيذائها بهذه الطريقة.

هتف بإنزِعاج وقد عيل صبرهُ من التحمُّل:
- هل تظُنّين انّني سعيدٌ بوجعها؟! انا لا يُمكِنني تحمُّل دموعها ولكنّ ما افتعلتهُ لم يكُن قرارًا صائبًا فهي يجِبُ ان تُعيد الشرِكة لجدّي، ريفال يا أُمّي إن لم تجِد من يمنعها عن افعالها تلك قد تتمادى لما هو اكثر إيذاءًا لنفسها قبل ايّ احد لذلك يجِب ان اضع لها حدًّا قبل ان تنغمِس اكثر في مشاكل لن تستطيع تحمُّل عواقِبها.

قطب حاجِبيه بإنزِعاج وعيناهُ مُغمضتان بتعبٍ لم يعُد يحتمّلهُ فلم تتردّد والدتهُ بتمرير انامِلها بين خُصلاته الطويلةُ وهمسها الحنون يُهدئُ من روع روحه المُنهكة وهو تقول بنعومة:
- هي تُحِبُّكَ للغاية، قد لا ترى انتَ ذلك ولكنّني اراهُ جليًّا بكُلّ تصرُّفاتِها، زوجتك يا بُنيّ صعبة المراس ولكنّ قلبها نقيٌّ للغاية وبداخله قد فرضت وجودك وحدك، فقط تمسّكا بهذا الحُبّ وستنجوان بكُلّ تأكيد.

إبتسم رُغم كُلّ ما يحدُث وهمس بشرود:
- هل حقًا هي تُحبّني؟!.
هتفت والدته بنبرتها الحبيبة وملامِحها المُتأثرةُ بسعادة:
- بالطبع تفعل! من لا يُحبّكَ يا غيثي؟.

قهقه كنان على لقب والدته المُفضّل الذي كان ليكون إسمًا لهُ لولا مُعارضة والده الذي أصرّ على تسميته بكنان بينما ظلّت والدتهُ تُناديه "غيث" بين الفينةِ والأُخرى، او غيثها كما تراه، يزرعُ الخير حوله اينما حل.

- أنتَ لا تعلم كيف أثّر بها غيابك، بدت كزهرةٍ ذابِلة، حزينةً وهادئة وكأنّ الدنيا قد توقّفت بعينيها.
اكملت أسمهان بأسى ليهمس كنان بإنزِعاج:
- لم تكُن تشتاقُ إليّ بل كانت تحيكُ الخُطط من خلفي.
عبست اسمهان قائلة:

- لا تكُن بهذا التشاؤم فالفتاة تحمِلُ طفلك؛ وهذا سببُ كافٍ لحُبّها لك، هيا لتتناول إفطارك فزوجتك على وشك إقامة حربٍ طاحنة بالأسفل.
إحتدّت ملامِحهُ  ولكنّ ذلك لم يمنعهُ من إيقاف والدته قبل مُغادرتها مُتسائلًا بحيرة:
- ما رأيكِ بما فعلتهُ ريفال؟!

عادت اسمهان إليه ووقفت امامهُ مُباشرةً ولا زالت إبتِسامتها الرقيقة تُزيّنُ وجهها الوقور، قالت بثِقة:
- انا دائمًا مع الحقّ، وإن كُنتُ بمكان زوجتِك لفعلتُ كُلّ ما فعلتهُ دون خوف.

غادرت بصمت ليزداد تشوّشهُ غير قادِرٍ على تقبُّل ما فعلته، فما دار بينهُ وبين كريم لم يكُن سهلا، ان يُهاتِفهُ أخوهُ الأصغر مُتهِمًا زوجته بالسرِقة كان أقوى من مدى تحمُّله والأكثر إيلامًا انّها بالفعل سرقت ما ليس ملكها، لقد ظلّ مُمتنًّا لكونه بعيدًا عنها بتلك اللحظة لأنّ غضبهُ حينها قد يحرِقها حيّة، ريفال التي إعترفت إليه بحُبّها الخفيّ في احد لياليهِما السعيدة عادت لتقتصّ كُلّ لحظةَ فرحٍ جعلتهُ يعيشها.

.
.

افاق بُراق بعد ليلةٍ مُزعِجة تخلّلها صوت ليليان وجواد وهُما يُشاهِدان افلام الكرتون المُزعِجة مُصِرّان على مُشاركتهُ فراشه وقد صدمتهُ ردّة فِعل ليليان اللامُبالية لما فعلتهُ زوجة اخيها قائلةً ببرود:
- فلتفعل ما تشاء، لا يُهم.
ولم تُعقّب على الأمر عائدةً للهو مع صغيرها الذي وضعتهُ عائقًا بينهُما منذُ ان عادت إليه، تحتضنهُ لينام بين ذراعيها بينما يموت هو شوقًا لنظرةٍ من عينيها.

إبتسم وهو يراهُما يغُطّان بنومٍ عميق، طفلهُ ذو السنوات الأربعِ يحتضِنُ والدته بدلالٍ طفوليّ وكفّهُ الصغيرُ يتشبّثُ بخصرها بينما رأسهُ ذو الشعر الأجعد الطويل يرتاحُ على عُنقِها، وما جعل من صورتِهما بعينيه لوحةً من نورٍ هي ملامح ليليان الحنونة، التي تُحيطُ صغيرها بذراعيها مُقرِبةً إياهُ من قلبِها المُتعب علّ بجانبه تجد راحتها.

أخذ هاتِفهُ بهدوء وجلس ليلتقِط صورةً لهُما، وبعد اللقطةِ الأولى تحرّكت انامِلهُ لتُزيح كُتلةً من شعرها الهمجيّ الذي غطّى ملامِحها وصغيرها وما ان أنهى جلسة التصوير الصباحي الثريّة بالحُبّ لم يستطع منع نفسه عن الهمس بحنو:
- ليليان، ليلاي! انتِ يا ذات اللِسان السليط!.

تملمت بإنزِعاج وانامِلهُ البارِدهُ تمرُّ على وجهها لتفتح عيناها مُتأفّفةً بإنزِعاج وسُرعان ما ابتسمت لرؤية صغيرها المُمسِك بها لتُقبّل وجهه بخِفّةٍ عائدةً للنوم غير معطية اياه اي اهمية قبل ان تشعُر بجواد يبتعِد عنها لتفتح عيناها مرّةً اُخرى لتلمح بُراق وهو يحمِلُ الصغير الذي يبدوا انّهُ غارِقٌ في النوم بسبب سهرة الأمس وقطعًا لن يتمكّن اليوم من الذهاب الى المدرسة.

فإتجه ليضعهُ بغُرفته ويعود ليجِد ليليان تتقِفُ امام الباب ببيجامة نومها السوداء ذات النجوم البيضاء ويدها على خصرها هامِسةً بحنق:
- لماذا اخذت جواد من جانبي.
دلف واغلق الباب خلفهُ بالمفتاح هامِسًا وهو يُسارِعُ لجذبِها إليه:
- لقد إحتلّ مكانتي وهذا ليس عدلًا.

أخذت تطوّحُ بقدماها بعُنف غير راغِبةٍ في افتعال فضيحةٍ بصُراخها المجنون فاكتفت بلكمه وهي تهمِسُ بغضب:
-إياكَ ان تُحاوِل إرغامي على البقاء برفقتك، فلن افعل يا بُراق إن مِتُّ من الشوق إليك.

وضعها على الفِراش ويداهُ تُقيّد معصميها وفمه يلتهِمُها بشوقٍ جعلها تذوب طالبةً المزيد وما ان شعر بإستِسلامها حتى ابتعد عنها هامِسًا امام شفتيها المُرتجِفتان:
- أُقسِمُ أن أجعلكِ أُمًا لقبيلةٍ من الصغار! فقط لننتظِر قليلًا حبيبتي.

شعرت بأنّها إستيقظت من حُلُمها الورديّ الجميل مُرتطِمةً بواقِعٍ قاسٍ لا يرحم، إضطجعت على الفِراش في مُحاولةٍ لإستعادة انفاسها المُنهكة بينما اخذ هو يُربّتُ على خُصلاتها علّهُ يُخمِد براكين عواطِفه الثائرة صعبة الخمول.

ولكنّها دفعت يدهُ عنها بحدّةٍ وهي تهمِسُ بتحشرُج ولا زالت رغبتها تثور بجنون:
- لن تفعل يا بُراق، سأقتُلُ نفسي إن سلّمتها الى وغدٍ مثلك مرّةً أُخرى
إبتعد عنها متوجّهًا للخارِج لتُغمِض عيناها كابِحةً تلك الدمعة التي كادت ان تتسلّل الى وجنتيها واخذت تهمِسُ بقسوة:
- لن أستسلِم إليه مرّةً أُخرى، لن افعل.

.
.

تصاعد صوت المُنبّه المُزعِج الى غفوة كريم القصيرة لتمتدّ يدهُ لإغلاقه ليُفاجأ بوجود ورقة بجانب المُنبّه، نهض وهو يفرِكُ عيناهُ بأصابِعهُ بنُعاس وقد مرّت ليلةَ الأمس كأنّها عامٌ من العذاب وهو ينفرِدُ بفراشٍ طالما جمعهُما سويًا.

" صباحُ الخير كريم، آسِفة لأنّني لم أُوقِظك كالعادة، اتمنّى ان يقوم المُنبّهُ بالمُهِمّة. لقد خرجتُ لأنّ لديّ عمل مُهم ويجِبُ عليّ إنجازهُ، وداعًا".

كان هذا مُحتوى رِسالتها الباهِتة التي كوّرها بعُنف ليُلقيها بعيدًا وهو صوت زفيره الحانِقُ يُحطّمُ صمت المكان فيتردّد صدى صوتها الباكي ليُحيلهُ الى كومةٍ من العذاب.

مسح على وجهه المُتعب بكفّيه قبل ان يرفع بصره ليرتطِم بصورتها الكبيرة المُعلّقة على جِدار غُرفتِهما، ترتدي ثوب التخرُّج الأسود الذي يتوسّطهُ خطٌّ ازرقٌ آزر لمعة الحِبر بعيناها التي رمقتهُ بسعادةٍ وعشق، إبتسم وقلبه يغوص بتلك النظرة العميقة التي يكسوها حُبٌّ يُغرِق العالم من حوله.

- تالين!
همس بحروف إسمها بجزع قبل ان ينهض مُسرِعًا غير قادِرٍ على تحمُّل فكرة إنزعاجها منه.
ترجّل للأسفل ليلمح ريفال تخطو على الدرج امامها فسارع لدفعها قبل إكمالها للسير لتسقُط بقوّةٍ وجسدها يرتطِمُ بثلاث درجات قبل ان يُزجى على الأرض بقوّةٍ جعلتها تُغمِضُ عيناها بألمٍ عظيم ليُطالِعها من علوّه هامِسًا بقرف:

- هذا هو موضِعكِ الدائم -أسفل اقدامِنا- وحملكِ طِفلًا من كِنان لا يعني رُقيّكِ لمستوانا فقد فعلتها والداكِ من قبل ولم تنل شيئا.
- كريم!
هتف والدها بحِدّةٍ وهو يسرِعُ ليُساعِدها على النهوض وهي تشعُرُ بوجعٍ عظيمٍ هشّم ظهرها ولكنّها حاولت قدر الإمكان المُحافظة على شموخها وهي ترسِمُ إبتِسامةَ نصرٍ خبئت ألف دمعةٍ وصوت والدها الحادّ يرجُّ أجزاء القصر هاتِفًا بغضب:
- هل جُنِنت؟!

سارع كنان بالركض لريفال مُمسِكًا بها وهو يهتِفُ بقلق:
- ما بِكِ ريفال؟ ما الأمر؟!.
صوت صفعةٍ مدوّية جعلتهُ يلتفِتُ ليجِد عمّه يقِفُ امام كريم بعد ان صفعهُ هامِسًا بقهرٍ عظيم:
- أُقسِمُ إن حدث مكروهٌ لحفيدي بسببكَ سترى منّي ما لم تراهُ بحياتِك.

وإلتفت لكِنان الذي لم يستطِع إستيعاب ما يحدُث وقد تجمّع الكُلّ فقال لهُ بحدّة:
- أخيكَ المُبجّل دفع إبنتي الى الأرض وبقي واقِفًا يُكيلها بالإهانات، لقد سكتُّ لكُم كثيرًا وانتُم تؤذونها مُنذُ ان دلفت عتبات هذا القصر ولكن من الآن وصاعِدًا سيلتزِمُ كُلّ منكُم حدودهُ ومن يُحاول مُجرّد مُحاولةٍ للإقتراب من أبنائي سيجِدني إليه بالمِرصاد.

انهى حديثهُ وهو يدفعُ كريم بعُنف وإقترب من كنان ليهمِس بإزدِراء:
- عندما تستطيعُ حماية زوجتِكَ يُمكِنكَ ان تأخُذها منّي.
افلتت ريفال يداها من ساعديّ كنان لتعود للتشبُّث بكفّي والدها وقد بدأ الألمُ ينخرُ بعظام ظهرها ومع تفكيرها بإحتمال تأذّي الجنين خارت قوّتها وقد بدأت دموعها بالسقوط.

سارع والدها بحملها عندما شعر بعدم قُدرتها على الوقوف وما ان لمست يدهُ موضِع سقوطها حتىّ صرخت بألمٍ ليهتِف كنان بجنون:
- ريفال!
بكت لأوّل مرّةٍ بحياتها -من فرط الألم الجسديّ الذي يفتِكُ بكُلّ خلاياها- امام الجميع غير قادِرةٍ على التحمُّل فسارع والدها بالخروج بها ليضعها على سيّارته لتُسرِع كاميليا بالجلوس بجانبها ضامّةً إياها بذراعيها ودموع الخوف تُغرِقُ وجنتيها بينما أشار ادهم لعمّه بأنهُ سيقود السيّارة.

بقي كِنان جامِد الملامح وهو يرى زوجته تبكي من الألم وهي تبتعِد عنهُ دون ان يستطيع الاقتراب منها، عيناهُ لا تُصدّق انّ من يقِفُ امامهُ الآن هو كريم، اخيه الصغير الذي كان يحمِلهُ يومًا بين يديه، إسودّ العالمُ بعينيه وترنّحت وقفتهُ الثابِتة ليُسنِدهُ بُراق هامِسًا بقلق:
- إهدأ يا كنان، سيكونان بخير، دعنا نلحق بهم.

إستمرّ صمتهُ ويداهُ تمسحُ على عينيه التي تصاعد الدمُ الى اوردتها بقوّةٍ عظيمة وإستطاع اخيرًا التغلُب على الغصّة التي كتمت صوته فهمس بنبرةٍ تحمِلُ الموت بين طيّاتِها:
- انتَ دفعت زوجتي من على الدرج، وهي الآن على وشك الموت من الألم، ومن المُحتمل ان تفقِد طفلها! طفلي انا الذي انتظِرهُ بفارِغ الصبر، حرقكَ حيًّا لن يكفيني يا كريم، دعني فقط أطمئنّ عليهما واعِدكَ ان أجعلكَ غير قادِرٍ على الحياة يا اخي!

همس بكلمته الأخيرةِ بتهكُّمٍ واضِح تبعتهُ لكمةٌ لم تُخطِئ فكّ كريم مُحطِمةً إياهُ بقسوة طارِحة بجسده الضخم أرضًا ليُسرِع بالخروج تارِكًا والدتهُ تنوحُ بأسى وهي تُحاوِلُ مُساعدة كريم الذي دفعها بحدّة لتُسارِع ليليان بالإمساك بها قبل سقوطها وهي تهتِف بغضب:
- يبدوا انّكَ لستَ بوعيِك.

سارعت ليليان بأخذ والدتها واللحاق بالجميع الى المشفى بينما بقيت جُلنار وكادي وغصون التي ركضت لغُرفتها وهي تشعُرُ بالكثير من الأسى على حالة ريفال ولكن بذات الوقت لا تملِكُ الجرأة للذهاب إليها. بينما هميت جلنار بملل:
- يبدوا ان خطة اليوم لن تنفذ، لنرى ما سيحدث لإبنة عطر.

.
.

- انا بخير، ويجِبُ ان اخرُج لأعود للمدرسة.
همست ورد لجوان التي اجابت قائلة:
- يجب ان تنالي قِسطًا من الراحة، سآخُذكِ لمنزِلنا القديم وسنبقى سويًا، انا وانتِ وأوس الى ان تُصبحي بخير وبعدها ستعودين للمدرسة.
نظرت ورد لجدّتها التي إبتسمت بحُزن وهي تومئُ قائلة:
- جوان ستعتني بكِ الى ان أجِد منزِلًا مُلائمًا لنا.

ظهرت الدهشةُ على ملامِح ورد الحزينة لتُكمِل جدّتها وهي تُمسِكُ بيدها بقوّة:
- من لي سواكِ في هذه الحياةِ يا صغيرتي؟! انتِ كُلّ ما تبقّى من عائلتي، ولن أتحمّل ان يؤذيكي أحدٌ وانا على قيد الحياة؛ سأبقى في القصر الى ان اجِد عملًا آخر ومنزِل صغير.

- لن تعملي بعد هذا العُمر، انا من سابحثُ عن عمل.
همست ورد بإصرار لتقول جوان بإقتِراح:
- ما رأيكِ ان تعملي معنا بمتجر الحلوى.
- هل يُمكِنني؟!
تسائلت بلهفةٍ لتُجيب جوان بسرور:
- بالطبع يُمكِنكِ، انا اعرفُ كيفية صُنع الحلوى ويُمكِنكِ أخذ مكاني في إستقبال الطالبات، خاصّةً وانّ ريفال لم يعُد وقتها كافِيًا للعمل.

عبست بحُزن مُدرِكة انّ ريفال تبتعِد عنها بمرور الأيام؛ فالزواج صنع بينهُما فراغًا غريبا.
قطع شرودها صوت أوس الذي دلف قائلًا بمرح:
- صباح الخير سيّداتي، لقد جلبتُ لكُنّ إفطارًا من "سُكّر غامق"

خفق قلب ورد بجنون فاغمضت عيناها عن رؤيته التي تُرسِلُ الى قلبها ألمًا تجهلُ أسبابهُ، شعرت بصوت نبرته القلقة وهو يقترِبُ منها قائلًا:
- هل انتِ بخير ورد؟.
-ما الأمرُ يا صغيرتي؟!
هتفت جدّتها بقلق لتُجيب بإرهاق:
- انا بخير، فقط أرغبُ بالنومِ قليلًا.

ساعدت جوان الجدّة بوران وهُما تخرُجان قائلةً لورد:
- سنترُككِ لترتاحين، إن احتجتِ لشيء فقط هاتِفيني، سنكون بالخارِج.
إبتسمت ورد بشُكر لجوان التي لم تُبارِحها طوال فترة إصابتها القديمة.
تقدّم أوس اليها لتُشير إليه بإنزِعاج:
- لماذا لم تذهب لمدرستك؟ هل ستظلّ هُنا الى ان يتِمّ رفدك منها؟!.

لم يُلقي بالاً لكلماتها وخطواته تزدادُ اقترابًا منها لتهتِف بخوف:
- هذا عامُكَ الأخير! لماذا لا تُبدي ايّ اهتِمام، لا تقترِب!
قهقه وهو يجلِسُ بجانِبها ليحتكّ كتفهُ مع كتِفها لتبتعِد للجِهة الأُخرى فتُفاجأ بيده تُحيطُ بكتِفِها:
- هل تخافين منّي؟!

تسائل لتومئ بالرفض وهي تهتِفُ بتوتُّر:
- اخافُ من قُربِك.
رفعت عيناها إليه لتُكمِل بأسى:
- لقد اخبرتُكَ من قبل انّني لا املِكُ اصدقاء، وعندما دخلت لحياتي ظننتُ انّنا قد نُصبِح ذاتَ يومٍ صديقان، ولكن بعدما حدث لن...

شهقت بخجل وهي تشعُرُ بقُبلةٍ صغيرةٍ على وجنتها وهمسه الضاحك يُداعِب مسامعها مُتسائلًا:
- ما لون عيناكِ؟!
إزدردت ريقها وقد تلوّنت وجنتاها بلون الزهر ليُضيف وانامِلهُ تعبثُ بخُصلات شعرها الطويلة:
- لون عيناكِ يشبهُ حجر الزُمُرُّد، أخضرًا بإزرِقاقٍ طفيف، وانا أُحبُّ هذا اللون كثيرًا لذا اظُنّ انّنا قد نصبح أصدِقاء.

إستمرّ صمتها وفمها المُمتلئُ مفغورٌ بطريقةٍ لطيفةٍ تُعبّرُ عن دهشتها وتُسري بقلبه رغبةٌ لإغلاق الفراغ بينهُما ولم يتردّد في لثم شفتها السُفليّةُ بأنامِله هامِسًا بشغب:
- هلّا أغلقتِ فمكِ يا صديقتي؟.

اطاعتهُ ليبتسِم بإتِساع وهو يُقبّلُ عيناها هامِسًا بمرح:
- نامي يا صديقتي، فأنت بحاجةٍ للراحة.
غادر لتسمح لشهقة سعادةٍ بالعبور من بين شفتيها وبسمةٌ عذِبةٌ تكسوا ملامحها البريئةُ ويدها على وجنتها الحمراء موضِع قُبلته، قهقهت بحيرةٍ وهي تهمِسُ بذهول:
- نحنُ أصدِقاء.

.
.

- أُمّي!
صرخت ريفال وروحها تحتضِرُ من فرط التعب لتهتِف كاميليا ببكاء:
- إسرعوا أرجوكُم!
زاد أدهم من سُرعة السيّارة وريفال تنتحِبُ بتعب وقد بدأت رؤيتها بالتشوّش وما ان وصلوا الى المشفى حتّى فقدت وعيها كُليًّا ليُسارِع أدهم بحملها ويضعها على غُرفة الطوارئ حيثُ توجّه الأطِبّاءُ إليها ليجلِس ايمن على احد المقاعِد وهو يضعُ كفّيه على وجهه المُخضّب بالدمع وقلبه يدعوا بوجلٍ ان يُنقِذ اللهُ طفلته وحفيده من الموت.

تشبّت كاميليا بعُنق أدهم وهي تبكِ بإرهاقٍ عظيم وصدمةً أُخرى تُضافُ الى صدماتها بكريم، فكيف لهُ ان يحاوِل إيذاء زوجة أخيه؟! هذا ليس كريم الذي ظنّت يومًا انّها أحبّته.
إزدادت دموعها والهلع بتسلّلُ الى قلبها على حالة ريفال التي لا تبدوا بخير فيبدوا انّ السقوط أثّر عليها بشدّة.

مرّت ساعات طويلة من الإنتظار وتوتّر الجوّ بوجود أوس وجوان اللذان علِما بالأمر من أيمن وقد اصرّ على إخبارهُما وها هو أوس يذرعُ الأرض بخُطيً قلِقة بينما تبكِ جوان بعذاب وهي تهتِفُ بحسرة:
- لم يكُن عليّ ان أترُكها وحدها.

أخذت تلطُمُ وجنتيها بعُنف وبُكائها هو الشيءُ الوحيدُ الذي يعلوا صمت المكان، أغمضت ليليان عينيها بقوّة ليُقرّبها بُراق من صدره فتضُمّهُ بقوّة وقد ألقى صوت جوان الباكية الخوف بقلبها فدومًا ما يُخيفها النواح، وبُكاء جوان كان بحُرقةٍ مُتألّمة وكأنّها تفقِدُ أعزّ ما لديها.

يجلِسُ كنان بعيدًا واضِعًا يداهُ على رأسه وقد بدأ بعدّ الثواني بقلقٍ عظيم وشعورًا أعظم بالذنب والهزيمة وهو يخذُلها مرّةً بعد أُخرى غير قادِرٍ على حمايتها وكأنّ لأقدارُ تتحالف ضدّهُ في مؤامرةٍ قاسية.
أسرع الحميعُ للطبيب الذي خرج من غُرفتها ليقول بأسى:

- حدث إنزِلاقٌ بأحد فقرات الظهر، وإضطربت حالة الجنين وللأسف قد يسقُط بأيّ حركةٍ من قِبل المرِيضة لذا يجِبُ ان لا تتحرّك بتاتًا الى ان نُعيد الفقرات لمكانها، لا ارغبُ بقول هذا ولكنّ حالة الجنين حرِجة للغاية وقد لا يصمُد.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرحبا
رأيكم بالبارت؟
والاحداث الى الآن؟

ماذا ستكون ردة فعل ريفال على حديث الطبيب؟
هل ستستطيع الحفاظ على الجنين ام انه سيموت؟
ماذا سيفعل أوس وكنان بكريم؟
ماذا ستكون ردة فعل تالين على تصرفات كريم؟

هذا واكثر في الفصول القادمة

.
.
.
.
..
...
مع حبي 💙💙💙

.
.
.
.
.
..
...

فايا

Continue Reading

You'll Also Like

1.2K 66 2
مجردُ ذكرى ماتزالُ تحرقُ قلبها .. من ليلةٍ سرقت كامل عمُرها ، ذِكرى باتتْ كابوسًا يُأرقُ نومها ،، وكلُ مُناها نسيانها أو تغيب عنها فلا تزورها ،، أصبح...
165K 155 1
_ وبينما يموتُ الجبناءُ ألف مرّة ، فإن الشجعان لا يموتون إلّا مرّةً واحدة . حربٌ إشتدّ صراعها، وأبت نيرانها أن تنطفئ، الحب كان كالحرب، جميع الأطراف ف...
281 87 4
نهضت تغادره فحاول ان يوقفها بمناداته بأسمها معتذرا محاولاً شرح موقفه قائلاً - صدقيني انا لا اقصد هذا لقد حدث سوء فهم لم تستجب حاول ان يمد يده يجذبه...
10.3M 252K 55
من بعد تلك المرة الوحيدة التى جمعها القدر به اصبحت من بعدها غارقة بحبه حتى أذنيها..قامت بجمع صوره من المجلات و الجرائد محتفظة بها داخل صندوق كما لو ك...