سُكّر غامِق

By xxfayaxx

389K 16.6K 8.8K

ذات العينان الغائمتان تحمِلُ قلباً نقيّاً بروحٍ مُشوّهة وقد ظنّت انّ الحُبّ ابعدُ ما يكون عن قلبها المُرتعِد... More

تشويقة
لعنة رضوان
ابناء ايمن
تتزوجيني ؟
نيران الانتقام
وعود
وجع القلوب
مشاعر غريبة
قبلة و هروب
غالية
اشواك الورد
سيد خجول
زُمُرّد
ما قبل العاصفة
حقائق
ارواح تائهة
تعاويذ القدر
طوفان
سقوط
تعب
تشتت
طفولة
حب وحرب
رجال العشق
عذاب
وصية
عِطر
بدايات ونهايات
توق
أقدار العمر
النهاية (عبق الماضي)

وجوه الحب

10.1K 474 177
By xxfayaxx

شعرت زمرُّد بأنّها على وشك السقوط وألمٌ مريرٌ يستقِرُّ بمُنتصفِ قلبِها لمرأى رضوان فؤاد، ولكنّ الكفّ التي ربّتت على ظهرها بحنوٍ لذيذٍ أجبرتها على نصب قامتها بإعتِدال ورسم أكبر إبتسامةَ نصرٍ بالكون وهي تهمِسُ بقوّة:
- "إفيت" نحنُ هُنا، بعد أعوامٍ من الغياب، هل تذكُرني رضوان فؤاد؟!

إقتربت خطوات رضوان بإتجاهها وكأنّهُ يسيرُ على جمرٍ شائك مع كُلّ خطوةٍ يزدادُ فيها تشبُّثُ عينيه بعيناها الجميلة، كيف غفل عن هذا الشبه الغريب بينها وبين والدتها؟ تلك الفتاة إبنة إيفان بكل تأكيد.

كانت ريفال ستدخُل برفقة زُمرُّد وزين ولكن هاتفها الذي رنّ مُنبِئًا عن مُكالمة من كِنان جعلها تُشير إليهِما بالتقدُّم بينما تراجعت هي بضعة خطوات وقلبها يقرعُ بعُنفٍ بات مُلازِمًا لسماع نبرة صوته.

إبتسمت بشوق وهي تسمعُ عبارات سلامه المُقترن بحنانٍ دافئ يغمُر كُلّ مشاعرها البارِدة، ولكنّها ردّت عليه بجمودها المُعتاد ردًّا عن سؤاله عن احوالها واخبار حملها، ولم تستطِع الإستِرسال معهُ في الحديث وهي تهمِسُ بغموض:
- نتحدّثُ في المساء؛ فأنا الآن أعمل على قالبٍ مُهِم، ويجِب ان أُزيّنهُ ببراعة.

بالرغم من رغبتها بإنتهاء المُكالمة إلاّ انّ إنصياعه لإغلاق الهاتف فورًا ألقى بقلبها شعورًا مريرًا مؤلما؛ فبحياتها لم تتوقّع ان يصلا لنُقطةٍ كهذه في علاقتِهِما، فقد تعوّدت ان تتدلّل وتؤذيه كما تشاء فبالنهاية ينصاعُ إلى رغبة قلبه بها ولكن يبدوا انّهُ لم يعُد لديها ذات التأثير عليه، او رُبّما خبى بريق العشق الزائف.

تنهّدت بضيق وسُرعان ما إبتسمت وهي تفتحُ باب غُرفة الإجتِماعات هاتِفة بمرحٍ زائف:
- مرحبا! أعتذِرُ عن التأخير فقد كُنتُ أُحادِثُ كنان، وتعلمون كم من الصعب الإفلات من تحقيقاته التي لا تنتهي.
إتسعت أعيُن الجميع بدهشةٍ واضِحة بينما تمتم أدهم بتلعثُمٍ مُختنِق:
- أنتِ؟!

- مالِكة شركة "إيفت" للمنتجات الغذائيّة، "أكبر" سابِقًا.
قاطعتهُ هامِسة بإستِعلاء ليُقهقِه بغير مرحٍ بينما يهمِسُ كريم بإستِهزاء:
- أخبرتُ أخي انّكِ مُجرّد جروٍ اجربٍ ينبحُ على فتات طعامٍ لن يكون له.

حاول زين الإقتِراب من كريم الذي تقدّم إليه مُستعِدًّا للقِتال إلاّ انّ ريفال أمسكت به لتقترِب من كريم قائلة بنظرةٍ أربكتهُ بشدّة لعُمق ما تحمِلهُ من غموض:
- على الأقل الجِراء وفيّة لأصحابها ولكنّ الثعالب أمثالكُم خُلِقوا للغوص في الدناءة وحياكة المؤامرات ولو على أقرب الأشخاص إليهم.

وجّهت نظرتها لرضوان الذي يُطالِعها بصمتٍ لم تستطِع تفسيرهُ؛ فطالما أذهلتها قُدرتهُ العالية على الصمود الذي إستفزّها فهتفت بحدّة:
- أُقسِمُ ان أجعلكَ تعُضّ أصابع الندمِ على ما فعلتهُ بي، وخُذهُ منّي وعدًا امام الجميع، سأستولي على كُلّ ما تمتلِكُ من مال واجعلك تستجدي لُقمة خُبزٍ لن أُشفِق عليك بها، إوقفني إن إستطعت.

- انتِ بهذه الطريقة تسرِقين ما ليس مِلككِ.
هتف بُراق بإنزِعاج ليهتِف زين بحدّة:
- حقًّا؟! ماذا عن ما سرقتوهُ من حياتِهِما؟ الطفولة، السعادة، الحُب، الحياة بأبسط معانيها سلبها هذا الرجُلُ من هاتين الفتاتين، عِشن حياةً لا يُمكِنُ لكُم تخيُّل مأساتِها.

اتسائلُ ما ان تعرّضت زوجتك للإغتِصاب وأُتِهمِت بأسوأ الظنون، والأدهى انّها ليست سوى طفلةً لا تعلمُ معنىً للحياة، تلك الحياة التي أذاقتها مرارة الظُلم قبل ان تُشرِق شمسها، حياةٌ اجبرتها على حمل عارٍ ليس لها فيه ذنب، هل تظُنُّ حينها انّ مال الدّنيا قد يُخمِدُ شظيّةً من شظايا الألم بداخلك؟!

صمت مُتجرّعًا غصّة عذابٍ خانِقة وقد ساورتهُ رغبةٌ قويّةٌ بالبُكاء علّ تلك الآلام تخبوا قليلاً إلاّ انّهُ أضاف بهمسٍ يملؤه الوعيد:
- الدماء فقط ما ستُخمِدُ تلك النيران، إنها فقط البداية آل رضوان، لقد لعِبتُم كثيرًا بحياتِنا وحان الآن دورنا.

- إخرجوا واتركونا وحدنا!
هتف رضوان موجّهًا حديثه لأبنائه واحفاده فهتف أدهم وكريم بالإعتراض ليزداد هتافهُ حدّةً وقد إختلط بنحيبٍ مُتعبٍ جعل أعيُن الجميع تتسِع بذهول وهم يرون دموع قائدهم وكبير عائلتهم، ذلك الرجُل الذي لم يبكِ على احدٍ بحياته يسقُط دمعهُ الآن بخِزيٍ عظيم.

سارع بُراق بإسناده عندما ترنّح في وقفته فأجلسهُ على احد المقاعِد ليُصِرّ على أمره ليخرُج الجميع تاركينهُ برفقة زين وزمرد وريفال، وفي اللحظة التي كادت فيها ريفال ان تُبادِر بالحديث سبقها هامِسًا بإبتسامةٍ غريبة تناقضت مع لمعة عينيه الدامعة قائلًا بفخر:

- طالما تمنّيتُ حفيدةً مِثلكِ، فتاةً قويّة لا تستجدي الدعم من رجُلٍ بل تصنعُ احلامها بيديها، ولكن عندما وجدتُكِ كُنتِ قد وقعتي في خطأ كبير، لأنكِ غدوتِ إمراةً عاشِقة والعِشقُ يا صغيرتي لا يجتمِعُ مع القوّة؛ لأنّهُ نُقطة الضعف الأكبر والأكثر تأثيرًا على كُلّ لحظةٍ من لحظات حياة الإنسان.

انتِ وحفيدي الأحبُّ الى قلبي تؤلِمانني بشدّة بعلاقتِكُما القويّة، اتمنّى ان استطيع محو هذا الحُبّ من قلبيكُما حينها قد أستطيعُ إنقاذ ما تبقّى من ارواحكما المُرهقة.

- هل فشلك في الحصول على حُبّ حياتِك يُعدُّ مُبرّرًا لما تفعله من آلام بمن حولك؟!
تسائلت زمرُّد بإستِنكار لينظُر لعيناها الجميلتان فيختلِطُ العُشب مع خُضرة عينيه الداكنة التي منحتها الأيامُ بعض الشحوب ليهمِس بشرود:

- كانت إمرأةً جميلة، بل لم يُخلق مثلها فتنةً، عيناها السوداءُ نجلاءُ برموشٍ تقتُل من يلمحُها، وشعرها الذي يُحاكي سواد قدري غجريًّا ثائرًا كعُمرٍ احببتُها فيه، لم أكُن املكُ خيارًا سوى الوقوع في حُبّها ففعلت، وليتني لم أفعل؛ فما ان علِم والدي بفِعلتي حتّى حاول حِرماني منها ولكنّني تمرّدت، وتزوّجتها وعُدتُ بها الى القصر لتعيش بين وحوشٍ حسبتُهُم أهلًا للعناية بها.

أتعلمون ماذا فعل والدي العزيز فؤاد بك أكبر؟! لقد جعل احدهُم يصوّرنا بغُرفة نومِنا وهدّدني بتلويث سُمعة زوجتي إن لم اتزوّج ممّن يُريد، كان رجُلًا كريهًا مُشبّعًا بشهوات جمع المال ولسوء حظّي قد كان ابي، لم استطِع إستيعاب مُجرّد التفكير بإمرأةٍ غير حبيبتي إلاّ انّني وجدتُ نفسي بعد اسابيع قليلة متزوّجًا من إبنةَ عمّي، مُكبّلًا بأقذر الطُرُق غير قادِرٍ على تبرير ما افتعلتهُ من ذنبٍ بحقّ زوجتي، زوجتي الصغيرة التي ماتت وهي تحملُ طِفلنا.

صمت قليلاً ويداه المُجعّدتان تغوصان بخُصلات شعره الذي بدى كحقل قُطنٍ مُزهِر، وضعت زمرُّد كفّها على فمها تكتُم شهقةَ بُكاءٍ وقد آلمها حديثهُ للأسبابٍ تجهلها بينما ضحِكت ريفال هامِسةً بإزدِراء:
- لذلك اردت ان يتمّ إغتصابي من قِبل جان، اردت أن لا أصلُح لحفيدك أليس كذلك؟!
- لم أفعل!

هتف مُدافِعًا عن نفسه بشدّة وهو يسترسِلُ بغضب:
- لم اكُن لأسمح لهُ بالإقتراب منكِ، لقد حاولتُ فقط مُجاراتهُ لأعلم بما قد يفعل ولكنّهُ بدى اذكى مما توقّعت ولم استطِع معرِفة أنّهُ إختطفكِ.
هتفت بحدّة وهي تنحنى لتواجه عينيه الهادئتان:
- وهل تُريدني ان اُصدّقك؟
اجابها بصِدق:
- أعلمُ انّكِ لن تفعلي ولكن توجّب عليّ قولها.

شعرت زمرُّد بأنّ قلبها ينتفِضُ بقوّةٍ غريبة فتأوّهت بألم ليلتف إليها رضوان وهو ينهضُ عن مقعده بينما ساعدها زين على الجلوس على المقعد هامِسًا بقلق:
- ما الأمر؟! بماذا تشعُرين؟
- انا بخير.
همست بتعب وقد تعوّدت على تلك النغزات التي تعتصِر قلبها بين الفينةِ والأخُرى.

إبتسمت بحُزنٍ وجسدها يستسلِمُ للمسات كفّي زين الذي اغرقها بأمانٍ لم تحتج لسواهُ في تلك اللحظة، وما ان فتحت عيناها حتى داهمتها نظرة رضوان الحنونة فأزاحت بصرها بإرتِباك ليهمِس بصِدق:
- آسِفٌ يا ابنتي.
- الأسفَ كتضميد جراح ميت، لا طعم لهُ ولا فائدة.

قالت بأسى وهي تنهضُ بمُساعدة زين الذي احاط خصرها بتملُك لتُضيف ببرود:
- اتمنّى ان تُخلوا الشرِكة بأسرع وقت لكي لا نضطرّ لإستِدعاء الشُرطة، فأوراقنا سليمة مئة بالمائة وقد تمّ التوقيع على التنازُل منكَ شخصيًّا ولكن يبدوا انّكَ لم تنتبِه.
إتسعت عيناهُ بدهشة لتُضيف ريفال بوقاحتها المُعتادة:
- قنيّنةَ شرابٍ وإمراةً جميلة تفي بالغرض.

هتف بصدمة:
- ماذا تقصدين؟!
إتسعت عيناها بدراميّةٍ وهي تهمِسُ بذهولٍ مُصطنع:
- لم اتخيّل انّكَ لازِلت مُحِبًّا للنِساء كما كُنتَ بشبابِك، الآن فقط عرِفتُ مصدر فحولة آل رضوان.
شهقت زمرُّد بخجلٍ وهي تُخفي وجهها بصدر زين ووقاحة ريفال تزداد مُواصِلةً بمكر:
- لا تقلق، فقد جعلتها تبتلِعُ حبوب منع الحمل لكي لا تجلِب لنا عمًّا آخر يُقلّل من مكاسِبنا.

- انتِ!
هتف رضوان بحدّةٍ غير قادِرٍ على نعتها بوصفٍ يُناسِبها فأعفتهُ هامِسةً بتساؤل:
- عديمةُ أدب؟! إبحث عن وصفٍ آخر لأنني فعلًا كذلك.
تذكّر رضوان آخر إمراةٍ تعرّف عليها، قد كان هذا قبل شهرٍ تقريبًا، هذا يعني انّ حفيدته وابنتهُ تُخطِطان للإيقاع به منذُ زمنٍ طويل، قاطع تفكيرهُ زين قائلًا:

- بالتأكيد تتسائلة عن بقيّة الإجراءت الطويلة التي تلت توقيعك الأساسيّ، إبنكَ أيمن تكفّل بالباقي بموجب التوكيل الذي يمتلِكهُ.
شعر بأنّ كُلّ افعاله السابِقة تُعاد بحِرفيّةٍ اكثر دقة لتُحاك ضدّهُ فهمس بتعب:
- سأُخلى المكان بأسرع وقت.

- جيد.
همس زين مُنهيًا الحديث مُشيرًا لريفال بالمُغادرة ولكنّها اجابتهُ هامِسة:
- غادِرا أنتُما وسنلتقي مساءً؛ لديّ بعض الاحاديث مع رضوان.
اومأ زين قائلًا:
- إن إحتجتي للمُساعدة هاتِفيني.

إقتربت لتُعانقهُ هامِسة إليه ببعض الكلِمات بينما وقفت زمرُّد تُطالِعهُما بإمتِعاض وكفّيها مُتشابِكان كطِفلةٍ تحترِقُ بنار الغيرة الحارِقة، ورضوان يُطالِعها بحُزن وعلى شفتيه إبتِسامةً صغيرة تملؤها الدهشة؛ فإلى الآن لا يستطيعُ إستِيعاب الحقيقة التي إكتشفها قبل يومٍ واحد، فلم يظُنّ للحظةٍ ان يكون لهُ ابنًا آخر، بل ابنةً صغيرة.

فتلك الرِسالة التي بعثتها بوران تبعتها برسالةٍ أُخرى تُفسّّرُ كُلّ كلماتها المُبهمة، ففي صيف احد الأيام الغابِرة اثناء تجوّله بقصره بشرود إصطدم بفتاة تركُضُ في الحديقة، وإرتجّ الكون بعينيه ما ان لمح وجهها المليح، واكتشف انّ الفتاة ذات الخمسة وعشرون عامًا ليست سوى -إيفان- الأُخت الصُغرى للمُربّية بوران.

وقد جاءت لقضاء الصيف برفقة أُختها التي إستأذنتهُ لإستِقبالها في القصر، كانت فتاةً صاخبة الحضور يملأُ الشغفُ روحها، مرِحةً لطيفً طوال الوقت، وبظرف شهرٍ واحِدٍ وجد ان قلبهُ يُحبّ وجودها، وقد كان حينها في منتصف الاربعينات حيثُ يغزوا الحُبّ قلوب الرِجال دون إستئذان، وقد فعل.

والآن فقط ادرك انّهُ إفتقدها كثيرًا دونًا عن محبوبته الاولى وهذا ما اشعرهُ بالخيانة، فعلاقاته بالنساء العديدات بحياته لم تحمِل ايًّا من العاطِفة، كان الأمرُ أشبه بصفقةٍ تُرضي الطرفين دون المساس بالقلوب إلاّ انّها كسرت كُلّ قوانينه، أرغمتهُ على الإبتِسام امام اوجاع الحياة، ومنحتهُ روحها وجسدها طوعًا وهي تهمِسُ بمرحِها المُعتاد:

- البحث عن الحُبّ كدراسة الطِبّ، صعبٌ ومُعقّد ولكنّ الوقوع به سهلًا كالتعثُّر بحِجارة الاقدار التي تُلقي بنا في بئرٍ من السعادة، وانا قد احببتُكَ يا رضوان، بكُلّ ما املكُ من جنون، واُدرِكُ تمامًا انّني سأكون مُجرّد رقمٍ في حياتك ولكنّكَ ستعني لي الكثير.

انقضى الصيف الأروع بحياته وغادرت إيفان وهي تحمِلُ ذكرى جميلة من رجُلٍ قابلتهُ صُدفةً وانجبت منهُ فتاةً أسمتها "زُمُرُّد" كلون عينيه التي لم تُبارِح خيالها ابدا.

.
.

اغلقت زمرُّد باب غُرفتها بعُنف فور وصولهُما ليدلِف بعدها زين فتهتِف بحدّة:
- إذهب الى غُرفتِك من فضلِك؛ فسأُبدِلُ ثِيابي.
إبتسم هامِسًا بمكر:
- يُسعِدُني رؤيتكِ وانتِ تُبدلِين ثيابكِ.

إحمرّ خدّاها غضبًا وخجلًا فصرخت بإنزِعاج:
- يبدوا انّ ريفال تُعلّمُكَ بعضًا من وقاحتها.
نظر إليها مليًّا قبل ان يضحك بصوتٍ عالٍ وكانّ هموم الدُنيا عن إنزاحت عن كتِفيه وكم شعرت بالسعادة لرؤيتها السعادة على وجهه الحنون إلاّ انّها حافظت على ملامِحها المُمتعِضة التي ثارت حالما همس بسرور:

- انتِ لا تغارين من ريفال أليس كذلك؟!
تلعثمت حروفها وهي تومئُ بالرفض عند فشلها بتكوين جُملةٍ مُفيدة فسارع بضمّها بقوّةٍ وهو يهمِسُ بإنتِشاء:
- آهٍ كم أُحبّكِ يا زوجتي، الى متى سنظلُّ على هذا الحال؟
إختارت الصمت كعادتها ولكنّهُ لم يستطِع السكوت وهمسه الحزين يؤلم قلبها بقوله:

- خمسة عشر عامًا ونحنُ بهذا العذاب، متى سنأخُذُ قِسطًا من الراحة؟ بعد تلك الليلة التي حاولتُ فيها كسر حاجز خوفكِ أنتهى الأمرُ بفُراق خمسة اعوام، لا استطيعُ إجباركِ على شيءٍ ولكنّكِ بحاجةٌ الى ذلك؛ ما فعلهُ لكِ جان ليس ما يحدُثُ بين الأزواج وانا لن أؤذيكِ بحياتي، أحتاجُكِ يا حبيبتي لا تعلمي كم هو مؤلِمٌ كبح النفس عن ما تهوى، دعيني أُنسيكِ كُلّ ما عِشناهُ من قسوة وابني لي رُكنًا بقلبكِ يا كنزي الثمين.

- افلِتني أرجوك! انا مُتعبةٌ وبحاجةٍ للنوم.
همست بضياع ليبتعِد عنها مُستلّا روحه المُتشبّثة بها عنوةً ليُغادِر بصمت لتُلقي بجسدها على فِراشها البارِد الذي لم يطئهُ زوجًا من قبل.
   

.
.

عانقت الشمس ملامِحهُ الجامِدة ولا زال على نفس جلسته، يُطالِعها بسكونٍ غريب وكأنّهُ ينقُشُ ملامِحها على جدار قلبه الفتيّ وعبوسًا حزينًا يُظلّلُ قسماته الحنونة، تلك الصغيرة تُشعِلُ قلبهُ بطريقةٍ لم يعهدها بحياته.

رُبّما يشعُرُ بالأسى تجاهها لأنّها تُذكّرهُ بطفولة ريفال، وبالرغم من قسوة حياتهم إلاّ انّها أفضل آلاف المرّات من حياة الذُلّ والعمل كخادِمة. سمِع تأوّهها الخافِت ورِمشيها المُتشابِكان يُرفرِفان ككناريّ صغير في محاولةٍ لفكّ ارتِباطهُما الوثيق، إقترب مُسرِعًا لينحني مُربّتًا على وجنتيها قائلًا بقلق:
- ورد! أتسمعيني يا فتاة؟!

فتحت عيناها بضعف لتراهُ كحلُمٍ جميلٍ يطُلّ على خيالها الورديّ لتبتسِم بتعب وتُعيد إغماض عينيها ظنًّا منها انّهُ مُجرّد حُلُمٍ لطيفٍ من بطولة صاحب الظلّ الطويل، إلاّ انّ قُبلتان على عينيها جعلتاها تفتحهُما بفزعٍ ليهمِس هو بإبتسامةٍ تحمِلُ راحةً عظيمة:
- واخيرًا صحوتِ، لقد أوشكتُ على وضعكِ بالمتحف.

إعتلت ملامِحها نظرة غباءٍ وإفتِتانٍ غريبٍ يُغريها بتأمُّل ملامحه دون حرج، ولكن ما ان فكرّت بسبب بقائها في تلك الغُرفة التي تبدوا كغُرف المشفى حتّى داهم عقلها المُتعبُ طيف كادي القاسِية فسقطت دمعتان من عينيها تلقّفتهُما أنامِلهُ التي احاطت وجنتيها بحزم لتُُغمِض جفنيها بخزي عظيم من كُلّ ما حدث.

فهو الوحيد الذي تمنّت ان لا يوصِمها بعار والدتها التي لم تُهديها سوى العذاب، لم تشأ ان تكون الفتاة السيئة بنظره لأسباب لا تعلمها، رُبّما احبّت وجودهُ المُفاجئ بحياتها فما ان خطت قدماهُ عتبات القصر ألقى شيئًا من السرور بحياتها.

لم تستطِع إدراج علاقتها به تحت مُسمّىً مُعين فلم تعتبرهُ سيّدًا لها او صديقًا بل كان شخصًا بنكهةٍ مُختلِفة تحمِلُ كُلّ ما تُحِب، ولكن الآن قد إنتهى كُلّ شيء، ومات الحُلُم قبل ولادته.
إبتعِد عنها فجأةً بعد ان كان على وشك تقبيلها اثناء شرودها الحزين فهتف بإرتِباك:
- سأستدعي الطبيب، وجدّتكِ ستأتي بعد قليل.

غادر قبل ان يسمع ردّها فوضعت كفّيها الصغيران على وجهها وعادت للبكاء وقد تضاعف حُزنها ليغدوا شبحًا مُخيفًا ينالُ من روحها النقيّة.
أفلت زفيرٌ مُختنِقٌ من فم أوس الذي تخلّل شعره بأنامله ولا زالت طبول قلبه تقرعُ بجنونٍ غريب، الى ان شعر بوجود جوان أمامه فهتف بتلعثُم:
- ما الذي أتى بكِ هُنا؟!

اجابت جوان -التي تحمِلُ كوبين من القهوة-  وهي ترفعُ إحدى حاجِبيها بإرتِياب:
- أظُنّ انّني كُنت برفقتِك بالأمس، وافِقتُ قبل قليلٍ لجلب قهوةٍ لكلينا، ما الذي دهاكَ يا أخي؟!
- نعم! لقد كُنتِ معي قبل قليل.
همس اوس بتردُّدٍ وهو يُدلّكُ بين حاجِبيه بإرهاقٍ لتمِدّ إليه جوان كوب القهوة قائلةً بنعومة:
- يبدوا انّكَ مُتعبٌ من السهر، تناول هذه القهوة.

اخذها منها وقال:
- سأذهبُ لأستدعي الطبيب فورد قد افاقت.
اومأت إليه لتدلِف لغُرفتها بينما سار هو الى مكتب الطبيب الذي اخبرهُم بالأمس انّ ورد لن تفيق سوى في الصباح فأقنع جدّتها بالعودة الى القصر وبقي هو وجوان برفقتها.

- يجب ان أُخبرها بالحقيقة.
همس اثناء سيره وقد قرّر ان يُصارِح ورد بحقيقة والدتها التي علِمها من ريفال، فقد اخبرتهُ بكُلّ ما حدث لزمرد وبعد إلحاحٍ غريب سمحت لهُ باللقاء بها وقد إستغرب كثيرًا من ذلك الشبه الذي يربِطهُما وكأنّ ورد ليست سوى مرآةً قديمةً لوالدتها، فكِلاهُما تحمِلان سِحرًا لا يُقاوم، وكم اسعدهُ لهفة والدتها عليها فبالتأكيد عندما تلتقيان ستُشكّلان عائلة جميلة.

.
.

دلف كريم لغُرفته غاضِبًا بشدّة بعد إجتماعه مع جدّه الذي قرّر إخلاء الشرِكة لريفال ومن معها، فلم يستطِع ايّ منهُم معارضته عندما باح بالحقيقة المحتومة وهي انّ تلك الشرِكة ملكهُ ولن يسمح لأحدٍ منهم بالتدخُّل، حينها فقط تأكّد من انّ تجارته بالادوية المُخدّرة لها نفعها فلا يُمكِنهُ التكهُّن بأفعال جدّه الخرِف الذي قد لا يمنحهُم نصيبًا من املاكه.

تركت تالين المُخطّط الذي تعملُ عليه وإقتربت منهُ مُتسائلةً بنعومةٍ عمّا يحدُث فإنفجر هاتِفًا بغضبٍ حارِق:
- تلك السوقيّة التي جلبها اخي لمنزِله قضت علينا تمامًا، لقد إستطاعت سرِقة شرِكةً كامِلة بكُلّ سهولة، أخبرتهُ انّها لن تكون بمدى تخيُّلاته فليست سوى مُجرِمةً ماكِرة، تلك الساقِطة الحقيرة يجب ان تُغادِر هذا القصر بأقرب وقت.

قطبت تالين بين حاجِبيها بتشوّشٍ وما ان قصّ عليها كُلّ ما حدث، جلست بجانبه على اريكتهُما المُفضّلة واخذت تُربّتُ على ظهره بتردُّدٍ في محاولة للتخفيف من حدّة غضبه؛ فأكثر ما قد يهتمّ لأجله كريم هو عمله الذي يأخُذُ كل حياته فبالتأكيد لن يستطيع تقبُّل كون زوجة اخيه استولت على إحدى شركاتهم المُهمّة، ولكنّها لم تستطع عدم القول بقلق:

- أرجوك إهدأ وضع برأسِك أنها زوجة أخيك الأكبر، لا تجعل الأمر يؤثّر على علاقتِكُما، وبما انّ جدّي تقبّل الأمر فلا...
- هل تستوعِبين ما تقولين؟!
هتف بوجهها وقد تفاقم غضبهُ من شخصيّتها الساذجة واسترسل ملوّحًا بيديه بإنفِعال:
- هذا مالنا نحن، ولن نترُكها تهنأ به، واخي إن لم يُطلّقها سيقعُ في مأزقٍ كبير.

إرتفع صوتها وهي تهتِفُ بحدّةٍ مُماثِلة:
- هي تحمِلُ طفلهُ!
تلاقت اعيُنهُم المُتقِدة بشرارة الإختلاف ليصدمها قائلًا بإحتِدام:
- فلتذهب وطفلها للجحيم! ثمّةَ ألف إمرأةٍ قد تحملُ طفلهُ غيرها.

لمعت عيناها بدمعٍ خفيّ وقد اصابتها كلماتهُ بصميم فؤادها وتلك الحقيقة التي هربت منها طويلًا تُقال من بين شفتيه، ثمّة ألف إمرأةٍ قد تحِلُّ محلّها!
كتم نوبة غضبه وهو يستولي على وجهها بين كفّيه هادِرًا بإنزِعاج:
- أزيلي هذي النظرةُ من عيناكِ وإياكِ ان تُقارِني نفسكِ بها.

- هي تحملُ حفيدًا للعائلة.
هتفت بالحقيقة التي تؤلِمُ روحها بشدّة وسمحت لدموعها بالإنسِياب على كفّيه ليبتعِد عنها صاِرخًا بما حاول كتمه طويلًا الى ان فاض صبره ونفذ:

- كفى! لقد مللتُ من هذا الشريطِ المُعاد، ألا يُمكِننا عدم التطرُّق لهذا الأمر ليومٍ واحِد؟ سأمتُ لعِب دور المُهرّج لإخراجكِ من إكتئآبكِ المُعتاد، إنضجي قليلًا وتعاملي مع حقيقة انّ الأمر ليس بيدنا!

كسى الرُعبُ قسماتها البريئةُ واتسعت عيناها الدامِعة بذُعرٍ من نبرته الحادّةُ الغاضِبة فإرتجف جسدها بألمٍ وهي تتراجع مُبتعِدةً عن ملامحه التي غدت مُخيفةً قاسية وهو يستمِرُّ بتعميق جِراحها مُكمِلًا قتل كُلّ ما بينهُما وهو يهتِفُ بشيءٍ من الصرامة المُختلِطة بالإنفِعال:

- يبدوا انّ عدم إنجابنا في هذا الوقت هو القرار الصائب؛ فنحن لا نتوافقُ البتّة لذا فلنتفاهم اولًا وبعدها يُمكننا السعي لجلب رابطٍ بيننا.
لم يُدرِك فداحة كلماته -التي خرجت في لحظةَ غضبٍ أهوج- إلاّ بعد ان إلتفت إليها لينفجِر بُركان ندمٍ بقلبه ومُقلتاها التي اغرقها الدمعُ تغرِسُ نظراتها الضائعةُ بعُمق روحه لتُرديها قتيلة.

كيف لهُ ان يؤلمها بهذا القدر وهي التي لم تُعطيه سوى الراحة والسرور؟! ماذا عن غيرته عليها من نسيمٍ قد يلفحُ جسدها، هل تبخّر كُلّ هذا ليكون قاتِلها الأوّل؟
- تالي!

همس مُحاوِلًا الاقتراب مِنها إلاّ انّ شهقة نحيبها المكتوم سمّرتهُ مكانهُ ليُشاهِدها وهي تمسحُ الدمع عن وجهها بكفّيها المُرتجِفان قبل ان تهمِسُ بصوتٍ مكسورٍ ضعيف:
- آسِفة.
شقّّت صدرها غصّةً حادّة فأكملت بتقطُّعٍ جراء النحيب الذي إختلط بكلِماتها الرقيقة:
- آسِفة لأنّني أُحمّلكَ ما لا تُطيق.

بِضعة كلِماتٍ لم تستطِع البوح بأكثر منها فتحرّكت مُسرِعة لتخرُج قبل ان يستطيع اللحاق بها وما ان اغلقت الباب عليها حتى تناهى الى مسامِعها صوت ضرباتٍ خفيفةٍ على الباب وصوته الذي تشبّث بأطراف روحها المُتعبة يهمِسُ بتعبٍ عظيمٍ وندمٍ أعظم:
- تالين! انتِ تعلمي انّني لم أقصد إيذائكِ حبيبتي أليس كذلك؟!

إلتفتت للغُرفة التي دخلتها دون ان تعي فلم تجِد سوى الكثير من الألعاب، والحوائط الملوّنة التي يتوسّطها مهدٌ صغير،فلم تكُن تلك سوى غُرفة طفلٍ انتظرتهُ طويلا، حينها فط سمحت لشهقاتها بمُبارحة حلقها الذي جرّح الدمعُ مجراهُ فجلست على الأرض وقد اوهنها قلبها بشدّةٍ جعلتها تضُمّ وجهها بين رُكبتيها وبُكاءٌ عنيفٌ يُمزّقُ سكون صمتها.

فسيظلُّ هذا المكانُ صامِتًا ولن يحظى ذلك المهدُ على رضيع، وذلك الوجع الذي يستولي على قلبها بقبضةٍ من نار لن يزول ابدًا، كريم قد تخلّى عنها وملّ من وجودها بحياته. عضّت على شفتيها بقهر وإستعدّت لأسوأ ليالي حياتها وهمسٍ غير مسموعٍ يخرُجُ من بين شفتيها:
- سأموت!

عقلها لا يبرحُ ترديد هذه الكلِمة بجنونٍ غريب وشعور الموت يزورها بمُجرّد التفكير بإبتِعاده عنها؛ وعندها فقط ادركت كم هو مؤلِمٌ هذا الحُب، فإختِلاف ريفال وكِنان ماديٌّ بحت يُزيلهُ بعضٌ من النقود امّا إختلافها مع كريم فهو إختلافًا روحيًا غريبًا وكأنّما خُلِقا من رحِم التضاد.

من الجِهة المُقابِلة إصطكّت اسنان كريم بإنزِعاج وبات غضبهُ أعظم بإزعاجه لزوجته الحسّاسة، فغادر لغُرفته دون ان ينبِس ببنت شِفةٍ مُدرِكًا انّ تالين تبكِ الآن وهذا ما يجعلهُ راغِبًا بتحطيم القصر بأسرِه، فلأوّل مرّةٍ منذُ زواجهُما يحدُث بينهُما خلافٌ كهذا.

تالين إمرأة ذكيّة وخلوقة للغاية في تعامُلها مع زوجها فلم يحدُث ان جعلتهُ يشعُر بالغضب عليها ولكن ما حدث بينهُما لم يكُن سوى إزالة سِتارٍ عن تلك المِثاليّة التي كانت تُغلّف حياتهُما ويبدوا انّ لعنة المُشكِلات ستُقيم بين ثنايا بيتهِما الصغير.

.
.

تشاجرت جوان مع ريفال ما ان علِمت بإستِيلاءها على شركة جدّها بطُرُقٍ قذرِة وانتهى بها الحال وهي تركُضُ باكيةً للخارِج حيثُ البرد القارِس والسماء المُظلِمة، وقفت امام البِركة وضوء القمر الشاحِب يُطلُّ على ملامِحها الحزينة فريفال قد غدت تصرُّفاتها سيئة بطريقةٍ مؤذية وحملها زاد الطِين بلّة فكُلّ نِقاشٍ بينهُما ينقلِبُ لصُراخٍ وهُتاف.

تنهّدت بحُرقةٍ وهي تمسحُ دموعها التي إنسابت على وجنتيها ولكن ملمس يدان على كتِفيها جعلها تُجفِلُ بفزع ليهمِس صاحِبهُما مُطمئنًا:
- إهدأي، إنّهُ انا.

ادارها إليه لتلقي أعيُنهُما بحنينٍ جعل وجنتاها تزدانُ بحُمرةٍ قانية أزاحت شحوب بشرتها فحاولت الإبتِعد عنهُ إلّا انّ يداهُ على كتِفيها منعتها من الحِراك فأخفضت راسها هامِسة بصوتٍ بحّهُ البُكاء:
- إبتعِد من فضلِك!

- وإن لم أفعل؟
جائها صوتهُ الرنّان الخشِن لتهتِف برجاء:
- شِهاب!
تسلّلت انامِلهُ لرفع رأسها وازدرد ريقًا تجمّد بمُنتصف حلقه وقد غدا صوتهُ اكثر عُمقًا وهو يقول:
- إن نطقتي إسمي بهذه الطريقةِ مرّةً اُخرى سأُقبّلكِ بكُلّ تأكيد.

وضعت كفّها على فمِها وقد تجمّعت الدِماءُ على وجهها ليُقهقِه على براءتها التي تروقهُ بشدّة ولم يستطِع كبح يداهُ على إحتِضانها ليشعُر بضربات قلبها العالية وهي تهمِسُ بتلعثُم في مُحاولة للإبتِعاد عنه:
- لا يجوز ما تفعلهُ، أتركني ارجوك!

إرتجفت ويدهُ تمُرّ على طول ظهرها يتحسّسهُ ببُطءٍ شديد وقد إستقرّ وجههُ على عُنقِها الذي يكشِفهُ ثوبها المنزليّ القصير، مُستنشِقًا رائحة الخُزامى التي تعبقُ بجسدها بتلذُّذ وفمه يعبثُ بأنفاسه بين أُذُنيها قائلًا:
- ما الذي افعلهُ يا جوان؟ طوال هذه الفترةِ انتِ من تفعلين كُلّ شيء، تعيثين فسادًا بأخلاقي وتنشُرين عطركِ الأخّاذ بقلبي وروحي، تستمتِعين برؤيتي هائمًا بكِ وبكُلّ براءة تتظاهرين باللامُبالاة.

هل انا بحاجةٍ لقول أنّني أُحبّكِ؟! ألا ترين هذا واضِحًا كشمس الصيف؟! حسنًا إذن دعيني اقولها لكِ بكُلّ ما املِكُ من صِدق.
ابتعد ليواجِه عيناها اللتان كستهُما دهشةٌ وتفاجؤ فأحاط وجنتاها البارِدتان بيديه قائلًا بإبتِسامة:
- هل تقبلين بالزواج منّي؟.

.
.

- غدًا في طريق الذهاب ستختطِفون هذا الطفل، أُريدُ ان يتِمّ كُلّ شيءٍ كما أُخطّط فإن كُشِفنا سنموت جميعًا.
همست جُلنار لأحد الرِجال وهي تُعطيه صورةً لجواد الصغير ليومئ الرجُل بالإيجاب فتُكمِل بمكر:
- إياكُم ان تؤذوه، فقط طالِبوا بترك جان، وإياكُم ان تُعطوهم الصغير ما لم يُسلّموكُم أخي.
غادرت الى القصر بعد ان تأكدت من تنفيذ خُطّتها صباح الغد موقِنةً بأنّ جان بنهاية اليوم سيكون بعيدًا عنهُم فلن يُضحّوا بالحفيد الوحيد للعائلة.

.
.

اغلقت ريفال الهاتِف بعد ان ازعجها صوت رنينه المتواصل، فقد إكتفت من كلمات كِنان الموبّخة فقطبت حاجِبيها بألم ورأسها يندسُّ بين الأغطية تُخفي دموعها التي بدأت بالإنسِياب وقد غدا البُكاءُ اقربُ من انفاسها إليها، كُلّ فِعل او حديثٍ يُشعِرها بالإنزِعاج.

تلمّست معِدتها وهي تزفِرُ بضيق من ثِقل الحِمل عليها ففكرة الإعتِناء بطفلٍ لا تروقها البتّة خاصّة وانّها لا تملِكُ غريزة حُبّ الأطفال الانثويّة فهذا الصغير الذي يُخلقُ بداخِلها سيكون ضحيّةَ أُمّ عديمة المشاعِر ومُجرّد التفكير في انّهُ قد يكرهها يدفعُ بالمزيد من الدموع الى وجنتيها.

- سأحاولُ ان أجعلكَ تُحبّني مهما كلّفني الأمر.
همست بنعاسٍ لتغرق في نومٍ عميقٍ مُحتضِنةً روحًا أُخرى بداخلها، تنمو بنموّ علاقتِهما الوطيدة لتقتات على راحتها وجسدها ومشاعِرها مُتشكّلةً بهدوءٍ تام بين ظُلُماتٍ دافئة لا تتأثر بثلجٍ او مطر.

في صباح اليوم التالي أفاقت بكسلٍ لتراهُ امامها، لم تستطِع كبح ذلك الشوق الذي أطلّ من نبرتها المُتفاجِئة وهي تهمِسُ بإسمه بلوعةَ عاشِقٍ أضناهُ الحنين، لثمت عُنقهُ ويداها تُحكمان حولهُ بتمرُّد ولكنّها لم تشعُر بحرارة شوقه الذي تحدّث عنهُ طوال السبعة ليالٍ الماضِية.

فإبتعدت عنهُ ببُطء لتجلِس بصمتٍ مؤلِم ولا زالت نظراتهُ تتهرّبُ من عيناها الملهوفتين ولكنّها شعرت بشيءٍ يوضعُ بين يديها فنظرت إليه لتجِد دفتر شيكاتٍ وقلم، فهمس كنان اخيرًا بنبرةٍ باتِرة:
- أُكتُبي الرقم الذي تُريديه وتنازلي عن الشرِكة والأرض...

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرحبا
رأيكم بالبارت؟
والأحداث الى الآن؟

كيف ستسير حياة كريم وتالين؟
ماذا سيكون ردّ فِعل ليليان جراء خطف طفلها؟
هل ستوافق جوان على الزواج من شِهاب؟
ماذا سيكون ردّ ريفال على كِنان؟

هذا واكثر في الفصول القادِمة

.
.
.
..
...
مع حُبّي💙💙💙

.
.
.
..
...
فايا

Continue Reading

You'll Also Like

4.2M 174K 66
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
2.3M 311K 78
اجتماعية رومانسية
234K 27.9K 11
سَفير كوريّ يقطُن في سويسرا ، يعيشُ حياة هادِئَة مع زرجتهُ بعد ان تزوجا عن قصة حُبٍ عظيمَة ثُمّ فجاة ! تظهرُ فتاة من العدم و بين يديها طِفلَة تزعمُ ا...
311K 4K 25
وصمت بالعار دون ادني ذنب ليتزوجها غصبا منعا للتار ليسبها الف مره لتقف له وتخلع قلبه ليكتشف برائتها ليهوي صريعا لها ولكن هل ستتقبل ذلك العشق الذي انغر...