مدافن الألم

الجزء 01

كان في الوكت داك .. قبل عشرين سنة .. انا كان عمري عشرة سنوات تقريبا.. وانا كنت ذكي ولماح وفصيح . وعندي عدم مبالاة غريب .. وما بخاف زي الاطفال .. وبتصرف كاني زول كبير .. .. يوم سمعت النقاش داير بين امي وابوي ..

و امي قالت لي خش جوة يا فتحي . اامي كانت قاعدة في سرير وابوي كان واقف على حيلو وبتكلم .. وشكلو خجلان من الكلام البقول فيهو ..لانو صوتو كان عادي مارافع صوتو .. اناقمت دخلت الاوضة .. وبقيت بعاين بي شق الباب .. وكنت خايف انو يقوم يزعل في النقاش ويضرب امي .. انا بخاف عليها شديد..

لانه كم مرة ضربها ..وانا كنت ببكي اكتر منها ..

ودايما بتناقش معاها بصوت عالي .. وبنهرها وهي بتكون ساكتة.. بس يطلع.. امي تخش الاوضة .. وتقعد تبكي .. انا كنت بحس بي الم مابعدو الم ..

خلفية القصة دي.. اصلا انا امي متزوجها ابوي فوق مراة.. يعني انا ود المراة التانية .. امي غريبة من منطقة مسافتها زي نص ساعة من حلة ناس ابوي .. لكن يعني في نفس الخط .. وزوجة ابوي الاولى بت خالتو لزم .. ومنطقة ناس ابوي اساسا حتة شمال الجيلي .. وناس امي قدام شوية جنوب شندي ..

وكان حصلت زمااان مشاكل.. وانا كنت صغير في السن .. عمري ماتم سنة .. وحصل طلاق بين امي وابوي .. وامي سافرت بيت اهلها هناك ..

فترة بتاعة قريب تسعة سنوات .. وابوي ساكن في الخرطوم باولادو .. في شمبات الاراضي ..

المهم ادخلو الاهل والاصحاب.. ومازالت المحادثات بتاعة الصلح .. لغاية مارجعو امي لابوي .. كانت فرحة مابعدها فرحة ..

انا كنت فرحان انو امي وابوي رجعوا لي بعض.. والحكاية دي كانت بالنسبة لي كأني ولدوني من جديد .. حتى طريقة نومي في السرير اختلفت.. وبقيت باكل بي مزاج.. وبتكلم مع اصحابي ونحن اطفال .. بقول ليهم ابوي ساقني الحتة الفلانية.. ابوي جاب لي الحاجة الفلانية .. حتى لو بالكضب .. بس كانت الحكاية عن الموضوع عاجباني.. ومبسوط منها ..وحتما" اصحابي ح يصدقوني .لانو ابوي معانا في البيت ..

وماكنت في الوقت داك عارف المشاكل .. الحصلت بين ابوي وامي وسببت الطلاق.. كانت شنو بالضبط .. لكن طبعا امي حكت لي لاحقا" وح احكي ليكم بالتفاصيل ..

المهم في اليوم ده الانا بحكي عنو ده .. كان عمري حوالي 10 سنين .. ولمن امي قالت لي خش الاوضة جوة.. ماعايزاني اسمع الكلام .. لكن انا كنت مسلط ..

ودخلت الاوضة وقفلت الباب وقفت جمب الباب عشان اشوف واسمع .. بس لاحقا" ندمت على وقفتي دي .. ابوي كان بتكلم مع امي ..

وقال ليها انا بس ماعايزك في حياتي .. (يعني داير يطلقها تاني)..

قالت ليهو الله يخليك يا الامين .. انا ماعندي قبلة غيرك

وانا جيت على نفسي ونسيت كل الحصل زمان.. ورجعت ليك عشان فتحي يعيش بين امو وابوهو..

الله يخليك يا الامين ماتتخلا عني تاني ..

قال ليها .. انا مابهمني فتحي يعيش وين .. انا عندي اولاد غيرو .. ومامستعد اضحي باولادي الكبار.. عشان ولدك المامعروف مصيرو شنو؟

احتمال يطلع زي خالو .. خالي البتكلم عنو ده عندو قصة براها بحكيها فيما بعد ..

ولو كان ماكان.. في النهاية ده ولدي وبرجع لي . خليهو معاك يومك التتزوجي انا بجي بشيلو منك..

قالت ليهو انت ليه مامقدر ظروفي يالامين .. انت عارف وضع بيتنا.. وعارف الحاصل .. وانا واقعة ليك تحت كرعيك.. البتقولو لي بعملو .. والله لو قلت لي امشي لي عايدة وغسلي ليها رجليها انا مستعدة (عايدة دي زوجة ابوي )

انت هسي كل يوم بتضربني .. حصل يوم انا شكيتك لي زول؟؟

ماصابرة ساكتة عشان ولدي .

قال ليها لالا .. ماينفع خلاص.. انتهينا لمي عفشك بكرة الصباح انا بجيب العربية وادويك بيتكم .. قالت ليهو لكن هسي انا سويت شنو؟ وسببي شنو البطلقوني بيهو .. قال ليها بس انا ماااعايزك في حياتي كلامي ده ماواضح؟

قالت ليهو طيب اصبر شوية شوفني .. والله انا ح اسعدك .. واكون خادمك المطيعة ..والله ماح تندم ..

قال ليها انا كلامي العايز اقولو قلتو وخلاص.. وطلع على كدا ..

انا طبعا عارف بعد الكلام ده امي حتبكي شديد ..

وانا كنت بسمع في الكلام .. وقلبي بتقطع من الترجي والذلة الحاصلة لي امي .. والواجعني اكتر انو متحملة كل الاهانة دي عشاني انا .. عشان اتربى مع ابوي .. عشان اعيش حياة كريمة .. مع الزول ده ..

امي انسانة جميلة وصغيرة في السن .. وطيبة وحنينة .. بعكس الصفات الموجودة في زوجة ابوي .. كانت كبيرة في السن .. وصعبة شديد .. والناس كلهم عارفين انها حاسدة وحاقدة.. وقلبها اسود .. الا انا الماعارف عنها شي .. انا في الفترة ديك ماكنت ملم بالوضع .. وماعندي عنها اي معلومات ..

غير انها ام معاذ وياسر اخواني الكبار .واختي سهير . لكن امي ما امهم .. بقول اولاد ابوي.. اولادي ابوي .. وبقول ليها خالتي عايدة .

المهم لمن ابوي قال كلامو البيوجع القلب داك ومشى .. انا جريت من جنب الباب .. واترميت على وشي في اللحاف.. ودخلت اصابعي في اضني.. عشان ما اسمع البكاء من امي ..

فترة كدا طلعت اصابعي.. سمعت امي بتبكي بي حرقة.. وبتتنخج زي الكانو في زول قتل ابوها .. انا ماقدرت اطلع

اقول ليها مالك؟ ..

ماعايزها تحس اني عارفها بتبكي .. بعد شوية حسيت بي حركة خطواتها .. جاية ماشة على انا في الغرفة .. غمضت عيوني .. وقبلت على الحيطة.. وعملت فيها نايم نوم عميق .. براحة امي قفلت النور بتاع الاوضة .. وسدت الباب .. وطلعت بكت بكا ..انا حسيت بانو في نار مولعة في قلبي.. وقعدت ابكي كتامي ..

قبل شهر او اكتر من اليوم ده.. انا صحيت الصباح لقيت امي وشها مورم .. وعينها الشمال حولها سواد .. سألتها قلت ليها ده شنو يا امي الفي وشك ده؟

قالت لي ضربني الباب .. وانا عارفها بتكذب علي.. لاني عارف ابوي بضربها ..

بس هو بغتنم فرصة انا نايم في اوضتي .. او انا في المدرسة .. وينتقم فيها .. حقارة بس ..

ماعارف انا امي عملت ليهو شنو؟ مرات احس بيهو بتكلم معاها كويس.. ومرات بتكلم معاها زي التقول هي عاملة جريمة..

بس انا عارف امي .. وعارف طبايعها وانا ولدها الوحيد .. وباريها زي ضلها .. ماعندها اي شرور .. ولا انسانة خاينة ولا كذابة .. بس مسكينة وطيبة.. الطيبة الكعبة ديك.. لدرجة المسكنة ..

قعدت افكر واسمع في امي بتبكي .. قلت انا لازم اتصرف . لكن اتصرف اعمل شنو؟؟

انا لسه صغير.. قلت اشرد اهرب ..عشان امي تلقى حريتها وتمشي تقعد مع اهلها ..

امي ابوها راجل كبير لازم السرير .. وامها اللهي حبوبتي مراة مسكينة وطيبة .. امي وارثة منها الطيبة والمسكنة الزيادة عن اللزوم ..

اهل امي مساكين .. وحالتهم المادية صعبة شديد .. امي عندها اخو واحد واخت .. اخوها مسجون .. واختها بدرية شغالة في القضائية .. وهي العايشة البيت ..

بي عكس حالة ناس ابوي ابوي زول عندو قروش واملاك بس زول بخيل معانا انا وامي .. ساكنين في نص بيت ايجار

وناس ياسر اخوي عندهم بيت ملك في شمبات الاراضي على جيهة شارع الانقاذ ..

انا لازم اقوم الليلة بالليل.. اخلي امي نايمة.. اصلا الليلة ابوي ما قاعد معانا بمشي لي بيت ناس ياسر اخوي . وباكر بجي عشان يسوقها يوديها اهلها ..وهي ما ح تمشي حتقعد تبكي ليهو وتحنسو وتتذلا .. انا لازم اسبق الحوادث ..

اقوم براحة اخلي امي نايمة.. واهرب امشي حتة بعيدة.. اركب مواصلات ان شاء الله اقول ليهم ودوني دار الايتام ..

بس المشكلة انا ماعندي قروش مواصلات .. انا لو لقيت قروش بمشي لي عطبرة.. او ممكن امشي مدني.. قالو مدني بعيدة.. اها طيب امشي وين امشي وين؟؟؟ ..

ايوااا صاحبي محمد حاتم .. قال اهله من حتة اسمها الدويم.. انا اقوم امشي اسأل من مواصلات الدويم .. واي زول كبير يسألني بقول ليهو انا اهلي في الدويم .. بمشي الدويم بقعد في جامع او في مستشفى .. ومابكلم اي زول بي ابوي اسمو ..منو ولا امي اسمها منو ..

يكوسو لي هنا ..ومايعرفو انا مشيت وين.. وامي تمشي اهلها وترتاح من الذلة والاهانة بي سببي .. كفاية خلاص ..

وانا بعد اكبر .. بجيهم زول كبير .. واقدر احمي امي واصرف عليها لمن اشتغل ..

طيب والقروش القروش البمشي بيها .. انا هسي لازم اشوف امي خاتة القروش وين .. عشان بعدين لمن هي تنوم انا اقوم اشيل حق المواصلات .. وحق الفطور واهرب بس ..

ده كلو وانا كنت في العمر داك .... وتفكيري بتاع زول عنده عشرين سنة ..

وعزمت امري على الهروب .. اصلا ماكنت بخاف ولا بلاوز .. والله امشي سقط لقط ذاتو ..

وخلاص اكدت على الحتة الاسمها الدويم.. وانا الدويم دي على وين .. ماكنت عارف اتجاها ..بس بسأل من المواصلات البتوصلني ليها .. محمد حاتم قال لي بعيدة.. امكن تلات ساعات العربية ماشة حتن تصل ..

يلا هسي لازم اعمل خطة اعرف بيها محل القروش امي خاتاهن وين ..

قمت كشكتا في الاوضة .. ورميت لي كوز بتاع نيكل في الارض.. عشان امي تعرف اني صحيت وتبطل البكاء .

بعد شوية ولعتا النور. وفتحتا الباب . وطلعت بتمغى كدا زي الزول الفعلا قام من النوم ..

قلت يا امي انا جيعان عايز طحنية .. اديني قروش امشي اشتري طحنية من الدكان .. امي طبعا" قشت وشها من الدموع زي كل مرة .. وقعدت تتبسم معاي.. ابتسامة مقلوعة من وسط الالم .. وانا حاسي بيها .. قالت لي انت يافتحي جنك طحنية .. انا اشتريت ليك طحنية جوة .. قلت ليها بس انا عايز طحنية بالزبادي ..

قالت لي انت بس يعني لازم تمشي الدكان ده؟

طيب طيب دقيقة.. اجيب ليك قروش تشتري زبادي .. وتعال سريع ماتتاخر .. دخلت جوة انا دخلت وراها .. فتحت الدولاب وطلعت شنطتها الصغيرة السودا البتطلع بيها ..

وفتحت السستة .. وطلعت لي منها قروش .. وهي ماعارفة انا ناوي علي شنو؟

انا متأكد انها ح تتألم لمن امشي.. لكن احسن من الالم الانا شايفو ده ..

خلاص مشيت الدكان .. واشتريت الزبادي .. وجيت خلطت الطحنية بالزبادي .. وقعدت اكل ماقدرت اكل كلو كلو .. قدر ما ادخل اللقمة في خشمي .. ماتنبلع لي من الوجع الحاسيهو جواي ..

بس لي متين الشمس تغيب.. و الحتة تضلم وامي تنوم .. وانا تاني ريحتي مافي زول يشمها ..

الى اللقاء ..