سُكّر غامِق

By xxfayaxx

384K 16.5K 8.8K

ذات العينان الغائمتان تحمِلُ قلباً نقيّاً بروحٍ مُشوّهة وقد ظنّت انّ الحُبّ ابعدُ ما يكون عن قلبها المُرتعِد... More

تشويقة
لعنة رضوان
ابناء ايمن
تتزوجيني ؟
نيران الانتقام
وعود
وجع القلوب
مشاعر غريبة
قبلة و هروب
غالية
اشواك الورد
سيد خجول
زُمُرّد
حقائق
ارواح تائهة
تعاويذ القدر
طوفان
وجوه الحب
سقوط
تعب
تشتت
طفولة
حب وحرب
رجال العشق
عذاب
وصية
عِطر
بدايات ونهايات
توق
أقدار العمر
النهاية (عبق الماضي)

ما قبل العاصفة

9.9K 493 350
By xxfayaxx

أمسكت تالين بكفّ كريم بقوّة وهُما يقِفات امام باب المشفى حيثُ سيستلِمان نتائج التحاليل التي اُجريت لكليهِما قبل ايام، فبعد فقد ليليان لجنينها لم تشأ ان تفتح معهُ حديثًا بشأن الأطفال الى ان يهدأ من نوبة غضبه على بُراق الذي قد أوشك على الإشتِباك معه ما ان علِم بما اصاب أُختهُ جرّاء صدمتها بفقد الطفل.

إلاّ انها وجدتهُ يأمُرها ذات صباح بالذهاب للمشفى وها قد اتت لحظة الحسم، تسمّرت قدماها امام البوّابة فإلتفِت إليها كريم بتساؤل ولكنّهُ تجمّد بصمت امام معالم الخوف التي كست ملامِحها النقيّة فإحتضنها هامِسًا برقّة:
- لا تقلقي، سيكون كُلّ شيءٍ على ما يُرام، أعِدُكِ حبيبتي.

نظرت لعينيه لحبيبتين ذوات النظرة الحنونة التي إحتوتها بأمان وقد برق ضيائهُما من عُمق السواد، فأومأ إليها بإبتِسامةٍ مُشجعة ليدلِفا بين ممرّات المشفى والقلقُ يعبثُ بقلبيهِما وما لا تعرِفهُ تالين هو انّ كريم خائفٌ اكثر منها فرغبته بالأطفال و خوفه على ردّة فعلها ان كانت النتائج سيئة كِلاهُما يعصِفان بعقله بشدة.

ما ان دخلا لغُرفة الطبيبة حتى اجلس كريم تالين على مقعدها امام الطبيبة و بقي واقِفًا خلفها ويداهُ الحانِيتان تُمسِكان بكتِفيها بحُب وكأنّهُ يُخبِرها انّهُ دومًا هُنا، بجانبها ما ان تحتاجهُ.

إبتسمت الطبيبة وهي ترى حُبّهُما جليًّا للعيان و لم تشأ ان تُطيل قلقهُما فقالت بنبرة رقيقة تتناسبُ مع تعابير القلق الطفوليّ البادي على وجه تالين:
- التحاليل نظيفة ولا شيء يدعوا للقلق، يُمكِنكُما الإنجاب ما ان يشاء الله، واظُنّ انّكِ لا زِلتِ صغيرة على الإنجاب فللصراحة- مدام تالين- شكلكِ لا يوحي بأنّكِ بالثانية والعشرون مِن العُمر، تبدين اصغر بكثير .

لم تستطِع الطبيبة كتم ضحكتها على ملامِح تالين التي تحوّلت من القلق للدهشة وعيناها ذات البريق الازرق الداكِن تتسِعان بشدّة مع إرتفاع زاويتيّ شفتيها الحمراوين بإبتِسامةٍ رائعة وهي ترفع بصرها لكريم الذي لا يقلُّ سعادةً عنها وعيناهُ تُطمئنها بحقيقة ما سمِعت فأعادت بصرها للطبيبة التي عدّلت إطارات نظّارتها هامِسة بتأكيد:
- ستكونين اُمًّا رائعة في المُستقبل القريب، فقط تحلّي بالصبر ولا تتوتّري ليكون كُلّ شيء بخير.

ظلّت إبتِسامتها البلهاء مرسومة على شفتيها وذلك الذهول المشوب بعدم التصديق يعبثُ بقلبِها الى ان هتفت بصدمة وهُما بمُنتصف الطريق:
- هل هذا يعني انّني بخير؟

إبتسم كريم وقد زال قلقه عليها من ردّة فِعلها الغريبة بالمشفى وقد ظنّ انّها ليست بخير من صمتها الغريب إلاّ انّ الطبيبة طمأنتهُ عليها وها هي اخيرًا تتخطّى صدمة الخبر المُفرِح، احاط وجهها بيديه قائلًا
- نعم انتِ كذلك، يا الهي كم شعرتُ بالقلق عليكِ، عادة الأشخاص يُصدمون من الأخبار المُحزِنة وليست المُفرِحة ولكنّكِ دومًا مُختلِفة.

لم يهمّها من حديثه سوى اوّل جُملة، هي بخير وهذا يعني انّها تستطيع ان تُصبِح أُما لطفله، ذاك الذي سيربِطها به للأبد؛ فهي لا تنكر انّهُ بدافع غريزة الأمومة ثمّة رغبةٌ مُلِحّة بجلب حفيد لرضوان فؤاد؛ لأنها ان لم تكن والدة هذا الحفيد فهُناك من ستجلِبهُ بدلًا عنها؛ فإحدى قوانينه انّ الإبن يجِب ان يُنجِب رجالًا ليحمِلوا رمز العائلة ويحموا إسمها.

وإن لم يتحقّق من المرأة الأولى ستُحقّقهُ الثانية، كما فعل والدهُ فؤاد الأكبر معهُ عندما زوّجهُ إمرأةً على محبوبته الأولى التي لم تتحمّل حسرة المُشاركة فماتت في ريعان شبابها وانجب هو كُلّ من جواد و عِماد وايمن من زوجته الثانية التي تحمّلت لأجل البقاء معهُ ذُلّ كراهيّته لها.

وعلى العكس كانت علاقته بأبنائه منها فقد كانوا ولا زالوا قُرّة عينه عندما ادرك انّ الحياة بلا ابناء لا تُساوي شيء.
وهي ترغب بأن تمنح كريم اطفالًا يُحبّهم و يحبّها فيهم ولأجلهم. إحتضنته وانفجرت باكية بنحيب الفرح والراحة بعد ليال من الأرق المضني، فهمس بحب وهو يريح رأسها على صدره:
- نامي.
تشبثت بقميصه بقوة وكأنها تخشى ان يبارح احلامها فغفت بين ذراعيه بعد مدة قصيرة وقد نام ايضا من فرط إرهاق الساعات السابقة، وبقي السائق يقود بهما بهدوء الى وصلوا الى القصر.

.
.

غادرت ريفال الى غُرفتها بعد ان اخبرتها جوان بما حدث لليليان، وعندما عاتبتها على عدم إخطارهم بحالتها اجابت بأنّ رضوان فرض على الجميع عدم إخبار كِنان الى ان يعود، فإزداد حنقها وكُرهها لذلك الرجُل الحقير؛ ماذا إن ماتت بغياب اخيها، كيف لهُ ان يحرِمهُ من البقاء برفقتها؟! كم هو قاسٍ مُتحجّر القلب.

خرجت من غُرفة التبديل بعد ان إرتدت بنطالاً قُطنيًّا قصير مع سُترة كِنان الرماديّة التي تحمِلُ عبق رائحته فتأفّفت بضيق عندما لم تجدهُ ايضًا فيبدوا انّهُ مُنزعِج للغاية ولن ينام الآن، كبحت رغبتها بالنزول للأسفل لرؤيته وهي تلتحِفُ بالغطاء السميك لتتقي برد بداية الشتاء الذي لم يكُن يؤثِر فيها من قبل، أهو برد الشِتاء ام برد غيابه؟!

عند هذا التساؤل أغمضت عيناها بشدّة وقلبها يخفِقُ بطريقةٍ مُزعِجة فرفضت مُجرّد التفكير بتلك الأفكار التي تقودها إليه في نهاية المطاف وكأنّ بوصلة قلبها لا توصِلُ سوى لطريقه. لا تعلم كم استغرق منها الأمر لتغطّ في نومٍ عميق إلاّ انّها تململت بمُنتصف الليل وقد كان البرد القارِس ينهشُ بعظامها ففوجِأت بأنّها لا تتوسّد ذراعهُ كعادتها فأستقامت بإنزِعاج قبل ان تلمح عيناها الناعِستان خيالهُ الضخم على الشُرفة.

لم تتردد في النهوض عن الفراش مُتجِهةً إليه بقدمان حافيتان، وقفت خلفه تمامًا تتأمّلُ قامته المهيبة والرياح تحتضِنُ خُصلات شعره الطويلة وظهره العاري مُستقيمٌ بفخرٍ خُلِق لأجله وحده، كتفاهُ العريضان وعضلات ذراعيه المُمتلئة تشي برجُلٍ يضُخّ قلبه نُبلًا بدلًا عن الدِماء.

ودون ان تعي وجدت انّ يدها امتدّت لتُربّت على ظهره ببُطء فشعرت بتوقُّف انفاسه للحظة إلاّ انّهُ لم يلتفِت إليها ويداهُ بداخل جيوب بنطاله ترغبُ بضمّها بشدّة علّها تُخمِدُ نيران غضبهُ المُستعِرة.
- كيف حالها الآن؟
تسائلت بعد صمتٍ طويل ليُحيب وتنهيدةً مُثقلة  تُغادر جوفه المهموم:
- ليست بخير.

وأردف بقهرٍ عظيم و انفاسه تحتدُّ بكُرهٍ عميق:
- نفس ما فعلوه قبل عشر سنين بعدم إخباري بموت والدتكِ الآن أعادوه بمرض ليليان، لقد كانت بفراش الموت دون ان ادري عنها.
إقتربت لتُريح يداها على الحاجِز الخشبيّ العتيق و انفاسها تتزاحمُ بصخب ليُكمِل بمرارة:
هل ستُصدّقيني إن اخبرتُكِ انّني أكرههُ بشدّة ولم أُسامِحهُ على ما فعل في السابِق؟

إلتفتت إليه لتُسبِل جفنيها بوجع من كمّ الألم المُرتسِم على ملامحه وهي تومئُ بالإيجاب امام صِدق عيناه، واعادت بصرها لتتأمّل زُرقة السماء التي ينعكِسُ عليها وِشاح الأرض الأسود ليُعطيها طابعًا كئيبًا و رؤوس اشجار الغابة القريبة تتراقصُ برتابة على لحنٍ هادئ وكأنها ليست سوى ارواحٌ لأجساد المُحبّين النائمين.

فأضاف وعيناهُ تُعانِقُ ملامِحها الحبيبة:
لو كان الأمرُ بيدي لما بقيتُ بهذا القصر ليومٍ واحد بعد كُلّ ما حدث؛ إلاّ انّ وعدي لأبي بالبقاء في هذا القصر لمماتي هو ما يُقيّدني.
لا يُمكنني النكث بالوعد بذات الوقت الذي أشعُرُ فيه بالإختِناق، لم يعُد بمقدوري التحمُّل اكثر فمُجرّد التفكير بأنني قد اخسر فردًا آخر -من قائمة احِبّائي- تقتُلني حيّا، ارغبُ بالموت قبل ان يُصيبكُم اذىً بوجودي لأنني لن احتمِل...

كتمت حديثه الذي يُكبّلها بخيوط الخوف هاتِفةً بحدّة:
- لا تتفوّه بالتراهات؛ فأنتَ تملِكُ من القوّة ما تحملُ به وزني الثقيل، كم انتَ غبيّ كنان جواد.
شقّت إبتسامةً حنونةً طريقها عبر عيناهُ الحزينتان سامِحة لينابيع الأمل بالسريان بقلبه، وسُرعان ما ضحِك وهي تُشير إليه بأن يحملها لتتشبّث بعُنقه وهو يدور بها بسُرعة قبل ان يتوقّف فتهتِفُ بأنفاسٍ لاهِثة:
- كم انتَ عديمُ المشاعِر، اخبرتُكَ ان تحمِلني لا ان تُصيبني بالغثيان.

- لأوّل مرّة لا تُلحِقين اسم رضوان بإسمي.
همس كِنان لتجيبهُ بثِقة وهديرُ انفاسها يعزِفُ انشودةً مُقدّسة على اُذُنيه:
- لأنّكَ لا تنتمي إليه، انتَ كنان جواد زوج ريفال ابنةَ عِطر.
قبّل وجنتيها قائلًا بعبث:
- سلِمت عِطر على حمل احلى و ألذّ قطعة سكر بالكون.

ضحِكت بجذل وهي تشعُرُ به يتحرّك للداخل ليضعها على الفراش وعندما حاول الابتِعاد جذبتهُ وبعيناها مشاعرٌ مُضطرِبة فقال بحنو:
- سأُغلِق باب الشُرفة لكي لا تبردي.

اغمضت عيناها وكأنّ روحًا اُخرى قد تلبّستها بحضرته فبالأيام الأخيرة اصبحت شبه مهووسه بقُربه وكأنّ شعور الخطر الذي بات يُداهم قلبها بفقده يحثّها على الإرتواء حدّ الإكتفاء ولا يبدوا انّها قد تكتفي منه.
- اتركها؛ فوجودكَ يكفي.
همست بكلماتها تحت وطأة الثمالة من قُبُلاته ليزداد تمادِيًا وتزداد جوعًا كقِطّةٍ مُشرّدة حظيت بوجبةٍ دسِمة.

وعندما تناولت الشمس فطورها الصباحيّ بعد ان ملّت من إيقاظهُما قام هاتف ريفال بالمُهمّة عندما صدح صوته المُزعِج عاليًا ليتأفّف كِنان وقد غطّ بالنوم لتوّه فأخذ الهاتِف ليهمّ بإغلاقه و عاد لنومه مُجدّدًا ليُفاجأ بعد مُدّةٍ قصيرة بطرقٍ على باب غُرفته فنهض مُنزعِجًا وفتح الباب ليُفاجأ بأوس الذي طالعهُ هامِسًا بإزدِراء:
- اُريدُ ريفال.
هتف كِنان بتذمُر:
- نائمة.

وحاول إغلاق الباب إلاّ انّ اوس اوقفهُ قائلاّ بحدّة:
- ريفال لا تنام الى هذا الوقت، اخبرها ان تأتي لأنّ الوقت تأخّر على العمل.
اغمض كنان عينيه قبل ان يهمِس بإنزِعاجٍ واضِح:
- اظُنّ انّك إلى الآن لم تُدرِك الحقيقة، أنت لم تعُد تملِكُ الحقّ فيها كما سبق فقد اصبحت إمرأة مُتزوّجة ولا يُمكِنكَ التطفُل على حياتها الخاصّة، هي لن تذهب اليوم للعمل، يُمكِنكَ رؤيتها في المساء.

وامام نظرات أوس المُحتدّة اضاف كنان وهو يبتعِد عن الباب:
- ريفال نائمة يا أوس وانا لا اكذِبُ عليك، يُمكِنكَ الدخول إن اردت.
تراجع اوس بضعة خطوات وقد إزدادت ملامِحهُ قتامةً وقال بغموض:
- بما انّها اصبحت على إسمك فتأكّد ان تحميها، لأنّهُ إن اصابها مكروهٌ وهي بعصمتِكَ لن تكون رجُلا.
وغادر بصمت تارِكًا كِنان يسبحُ في دوّامةٍ من الأسئلة.

.
.

اثناء تناول الجميع -عدا كنان وريفال- وجبة الإفطار في صالة الطعام، جلس بُراق بملامحه الشارِدة بُقلّبُ طعامه بملل فاقِدًا رغبته بأيّ شيء غير مُصدّقٍ انّ ليليان تمتلِكُ هذا الكمّ من الكُره تجاههُ، وقد إستطاعت بكُلّ بساطة النوم بعيدًا عن ذراعيه طوال الشهر المُنصرِم بينما بقي هو ساهِدًا يتقلّبُ على جمر الشوق إليها.

لقد رفضت رؤيته منذُ ان القت على مسامعه طلبها للطلاق بنبرتها المُتعالية التي يبغضها بشدّة وكأنّها عادت كما عهِدها من قبل المرض، حيثُ عاد قلبها الذي اوشك على الإحتراق الى التجمُّد ويبدوا انّ بياته الشتويّ سيظلّ طويلًا بيد انّها لا ترغبُ بالنزول من بُرجِها العاجيّ والتفاهُم معه.

نسمات عطرها الزاكيه ازكمت انفهُ فإلتفت ليتفاجأ بها تتقدّمُ مرفوعة الرأس، مُغرية المظهر بذلك الثوب البنفسجيّ الداكن القصير جِدًّا وتلك الجوارِب السوداء ترسِمُ ساقيها الناعِمتين بإتقان، حقيبةً سوداء صغيرة تُعانِقُ يدها ذات الأنامِل الطويلة كعازِفي البيانو وطلاء الأظافر ذو اللون البنفسجيّ الداكن قد القى عليها لمحةً من الجُرأة التي تُتقِنها دائما، تسمرت عيناهُ على قتامة شفتيها اللتان لم تنجوا من لعنة اللون القاتِل،  شظيّتان من لهب جهنّم، حريقهُما مؤذي ولكنّهُ لذيذ، لذيذٌ لدرجةٍ لا تُقاوم.

تأوّه بصوتٍ مُنخفِض وهي تلعقهما بنعومة قبل ان تهمِس بإبتسامةً حلوة:
- صباح الخير.
- صباحي انتِ وكفى، فالخير، والنور، والحياةُ جمعاء ليست سوى خصلات ثائرة على جبينكِ الوضّاء يا حواء، يا كُلّ نِساء الأرض.

اجابت عيناهُ على تحيّتها مُتمهّلًا في التلذُذ بتأمُّلها، لقد إزداد خصرها نحولًا مما ابرز إكتنازُ رِدفيها دون إفراط، إستطال شعرها بضعة سنتِميترات وها هي ترفعهُ عن ظهرها لتجلِس على المقعد المُقابِل إليه -بجانب اوس تحديدًا- بعد ان قبّلت خدّ جدّها الذي إستقبلها بترحابٍ يخُصّها وحدها ممّا دفعهُ لكبح عيناه المُشتاقتين والإكتفاء بتأمُّل طبق البيض المقليّ بالنقانق بتركيزٍ شديد الى ان قالت بصوتها ذو الدلال الفطريّ:

- بُراق رضوان، هذا آخرُ إنذارٍ لكَ، وليشهد الجميع انّني اعطيتكَ وقتًا كافِيًا لتطلّقني برضاك قبل ان ارفع دعوى الخُلع، وانتَ تُدرِك انّني سأكسبها، لذا...
- من تظُنّين نفسكِ؟!
هتف بحدّة وهو ينهضُ راكِلًا مقعدهُ للخلف ليسقُط مُصدِرًا صوتًا عاليًا واعاد سؤاله مُجدّدًا وهو يقترِبُ مِنها لتبتسم إبتسامتها الشريرّة البغيضة وهو تتناول طعامها بصمت ولم تتنازل للنظر إليه ليُجيب على سؤاله بهديرٍ مجنون:

- انتِ مُجرّد إمرأة عاديّة، وان كُنتِ تظُنّين انّكِ تمتلِكين شيئًا يفوق النِساء فأنتِ مُخطِئة لأنّ آلاف النِساء يفُقنكِ جمالًا فلا تغتريّ و انزِلي انفكِ من عنان السماء.
إلتفتت إليه نصف إلتِفاتة ورفعت انفها وهي تعُضّ على شفتها السُفلية مع إيماءةٍ صغيرة بالرفض المؤسِف ليسحبها من يدها هامِسًا بعُنف:
- إياكِ ان تتجاهليني.

هدر الجدّ بحدّة:
- إحملها يا بُراق.
ًإبتسم بُراق وهو ينقضُّ على خصرها الهشّ حامِلاً إياها على كتفه لتتلوّى بعُنف طالبةً منهُ إنزالها إلاّ انّهُ لم يُلق لها بالًا وهو يخرُجُ من صالة الطعام مُتجِهًا لجناحهُما الذي إفتقد رائحتها، بينما نهض كريم بعد ان إستغاثت به ولكنّ جدّة هتف آمِرًا:
- إجلس يا فتى.

تذمّر كريم بإنزعاج ليهتِف رضوان بحدّة:
- رجُل وزوجتهُ ما الذي يُدخِلكَ بينهُما، ثمّ إن اُختَك تحتاجُ للشدّة ليعود إليها رُشدها.
عاد لمقعده ليُكمِل الجميع طعامهُم بتوتُر بينما  القى بُراق بليليان على الفراش بحدّة وهو يهتِف بحنق:
- كفاكِ جنونًا، لقد مللتُ تصرُفاتكِ الرعناء.
- إذن طلّقني!

صرخت واعصابها على وشك الإنهيار مُحاوِلةً الركض خارِج الغُرفة ليُعيدها ساحِبًا ذراعها بعُنف الى ان كادت ان تسقُط ارضًا ولكنّهُ امسكَ بها في الوقت المُناسب ليضُمّها إليه هامِسًا بأنفاسٍ مُتعبة:
- كفنا قتلًا لبعضِنا البعض؛ فكِلانا مُنهكٌ من هذه الحرب، يكفي حبيبتي.

بعد ان ظنّ انّها هدأت بين ذراعيه ثارت فجأةً صارِخةً بعذاب:
- لستُ حبيبتك، انتِ لم تُحبّني ابدًا، لو كُنتَ تحبّني لما قتلت ابنتي، انتَ وأدتها قبل ان تستنشِقُ عبق الحياة، كم اكرهُك...
اصمتتها قُبلته التي اودعها غضبه منها ومن نفسه ومن كُلّ ما يحدُث، مُنتقِمًا من شفتيها الرقيقتين الى ان شعرت بطعم الدماء بفمها فدفعتهُ عنها لتسقُط ارضًا وقد خارت قواها امام إجتياحه الغادِر إلاّ انّها مسحت شفتيها بظهر كفّها هامِسة بنبرةٍ حاقِدة:
- لن تقربني لتُشرِكني بجريمة قتل طِفل آخر، لن اسمح لك بأن تُصبِح ابًا ما دمتُ حيّة.

شحبت ملامِحهُ بوجع وهو يُجابِهُ سِهام عيناها القاتِلة فسهى قلبه عن النبض وكُرهها لهُ يُطبِقُ على انفاسه
كوحشٍ ضخم الى ان اغمض عيناهُ مُتنفِسًا بعُمق، وتحرّك بخطواتٍ ثابِتة للخارِج قبل ان يُغلِق الباب خلفهُ بعُنفٍ جعلها تُجفِلُ بفزع وهي تسمعُ صوت قفل الباب بالمفتاح لتنهض وتجِدهُ بالفعل اغلق عليها باب الغُرفة فتطرُقهُ هادِرة بجنون:
- بُراق رضوان! افتح الباب اللعين قبل اصرُخ واجمع عليكَ سُكّان القصر.

هتف بتهكُّم من خلف الباب:
- وكأنّكِ الآن لم تُسممي سمع حيوانات الغابة بصُراخكِ المُزعج.
قاطع صُراخها هاتِفًا بحدّة:
تأكّدي انّكِ لن تخرُجي من هُنا قبل ان تتأدّبي، سأُريكِ وجهي الحقيقيّ، ذاك الذي إرتديتُ فوقهُ آلاف الأقنِعة لأنال رضاكِ ولكنّكِ الآن لا تحتاجي لسواه.

سمعت وقع اقدامه تبتعِد فتمتمت بثورة:
- سأرمي نفسي من النافِذة، اُقسِمُ بذلك.
فوصلها هتافهُ المُستفِز:
- سيكون افضل ما تفعلين؛ فحينها سأتخلّصُ منكِ واتزوّج من تستحِقّني.
قهقه وهو يسمعُ اصوات تحطيمها للأثاث فهمس بحُب:
- لو حطمتِ الكون بأسره لن تخرُجي من أسوار قلبي، يا زهرة البنفسج.

.
.

بعد ايّام، بأحد المنازِل البسيطة بقلب الحارة اخذت ريفال تذرع الأرض جيئةً وذهابًا وعلى الاريكة المُهترِئة امامها مُباشرةً تجلِسُ إمرأةً في بداية عقدها الثالث، لون بشرتها البرونزيّ وعيناها التي تحمِلُ إخضِرارًا عُشبيًّا باهِتًا تُنبئ بجمال فتيات امريكا الجنوبيّة التي لا تمِتُّ إليها بصِلة.

أخذت تُمرّرُ انامِلها على خُصلات شعرها التي تشبهُ وهج الأصيل، حيثُ يختلِطُ لون الذهب بالنار، وعلى ملامِحها البريئةُ إرتسم شرودٌ مؤلِمٌ وهي تتذكّر كلمات رضوان فؤاد
" زين حارس القصر سيتزوجكِ، و ستنسين ما فعلهُ جان لمصلحتكِ ولمصلحة والدتكِ؛ من يدري قد تموتين وانتِ تعبُرين الطريق بحادِثٍ مأساويّ حينها فكرّي بكمّ الحُزن الذي قد يلحقُ بوالدتكِ، ومن الطبيعيّ جدًّا ان تلحق بكِ فورها، ما رأيكِ يا صغيرة؟"

مسحت تلك الدمعة التي ساورتها سهوًا وطرقات على باب المنزِل تنتشِلها من ماضيها الأليم.
ركضت ريفال لتفتح الباب بلهفة فيطِلّ امامها بقامته السامِقة هامِسًا وعيناهُ السوداءُ تشِعُّ بالنصر:
- لقد إمتلكتي قانونيًّا شرِكة فؤاد اكبر للمنتجات الغذائية إضافةً لعقود إمتلاك مزارع الفاكِهة بريف البلاد، ويُمكِنكِ وضع يدكِ عليها متى ما اردتي.

تطلّب الأمرُ مِنها بضع دقائقٍ الى ان ترقرقت عيناها بالدمع وبراكينٌ من السعادة تتفجّرُ بقلبِها فنظرت إليه ليُضيف مُشجِعًا:
- نعم، لقد فعلناها، او بالحقيقة فعلتِها فأنتِ الرأس المُدبّر ولم اكُن سوى وجه تنفيذ.
قهقهت بسرور وهي تعود حيثُ زُمُرّد التي وقفت تُطالِعها بإبتسامة والدمعُ يتسرّبُ من مُقلتيها فإحتضنتها ريفال بقوة هامِسة بظفر:
- لقد فعلناها، انا وانتِ وزين حققنا هدفنا الأوّل، لا بُكاء بعد اليوم.

- نعم، لا بُكاء بعد اليوم.
هتفت زمرد بصوتٍ مُتحشرِج وهي تُطالِعُ زين بأسى لتهمِس ريفال بفرح:
- سأُحضّرُ إفطارًا آخر لنا فالتوتُر اشعرني بالجوع.
غادرت للمطبخ ليقترب زين من زمرد قائلًا بإبتسامةِ حزينة:
- كيف حالكِ اليوم؟

اجابت بنعومةٍ لم تُفقِدها مرارة الأيامِ براءتها قائلة:
- جيّدة.
إقترب خطوةً اُخرى ليلثُم زفيرهُ وجنتيها المُمتلئتين فتحمرّان وكأنّهُ لفحهُما بلهيبٍ من النار ولكنّ عيناها المُغمضتان تُبديان رغبتها الصريحة في الإبتعاد إلاّ انّهُ همس بتهكُّم:
- جيّدة جدًّا، فعيناكِ المُنتفِختان من البُكاء وقلّة النوم مؤشِرٌ مُمتازٌ للسعادة.

احزنهُ عبوسها المُتألِم ليُضيف برقّة:
- لا تقلقي؛ فقريبًا ستتخلّصين من سبب عنائكِ.
واجهت عيناهُ التي تحمِلُ إصرارًا مُختلِطًا بالغيرة الحارِقة لتهمِس بتوسُّل:
- إياكَ يا زين، بحياتي لن اُسامِحكَ إن
أذيت نفسكَ بسببه.
- فات الأوان، جان لن يموت على يد احدٍ سواي.
همس بنبرةٍ قاطِعة وبعينيه بريقُ إنتقامٍ لم تُطفئهُ سنوات الغياب.

.
.

قبل خطبة ادهم بيومين، ترجّل كنان من سيارته وتبِعتهُ ريفال بصمتٍ غريب الى ان وصلا للطابق الثاني من القصر فوقفت امام جناح جوان واوس قائلة بنبرةٍ ضعيفة:
- هل يُمكِنني المبيتُ لدى جوان اليوم؟
رفع كنان حاجِبهُ الأيسر بإرتياب فهذه النبرة لا تخُصّ ريفال ابدًا إلاّ انّهُ بدأ بالقلق عندما وجد دموعها تسيلُ بصمتٍ على وجنتيها فأحاط وجهها بكفّيه هامِسًا بقلق:
- ما الأمر حبيبتي؟!

شهقت بوجع وهي تومئُ بالرفض هامِسةً بتلعثُم:
- لا شيء، انا فقط مُتعبة بعض الشيء واحتاجُ للبقاء مع اُختي.
ظنّ انّها تمُرُّ بتلك الفترة التي تمُرُّ بها النساءُ عادةً؛ فهي تبدوا اليوم غريبة الأطوار واستغرب كيف للأمر ان يؤثِر بها بهذه الطريقة ولكنّهُ كبح تساؤلاته قائلًا بعبوس:
- حسنًا، يُمكِنكِ البقاء معها.

- فالي!
إبتعدت عنهُ بصمت ليوقِفها همسه وقبل ان تلتفِت وجدت ذراعاه تحيطانها مُربّتان اسفل معِدتها بنعومة وهو يقول بنبرةٍ القت بالمزيد من دموعها:
- اعتني بنفسكِ، وإن احتجتِ إليّ فقط هاتِفيني وسأعود لأحمِلكِ الى غُرفتنا.

لم تستطِع الكلام فإكتفت بإيمائةٍ صغيرة وهي تدلفُ للداخل لتركُض مُسرِعةً الى غُرفة جوان التي لم تذهب اليوم للعمل، وما ان رأتها حتى إقتربت منها لتحتضِنها وتنفجِر في البُكاء لتهتِف جوان بإرتِياع:
- ما الأمرُ يا ريفال؟ ماذا حدث!
هتفت ريفال بإنفعال:
- انا احمِل ُطفل كِنان، يا إلهي!

.
.

في بلادٍ اُخرى، خرج جان من بوابة المشفى بعد إمتثاله للشفاء من تلك الإصابة التي حجزتهُ بالمشفى قُرابة الشهر، واوّل ما فعلهُ ما استنشق نسمات الشِتاء القارِس اخرج هاتفه واتصل بأحدهم قائلًا بنبرةٍ آمرةٍ قاطِعة:
- مساء الغد اريدُ ريفال رضوان بفراشي.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرحبًا؟
رأيكم بالبارت؟
والاحداث الى الآن؟

هل ستعود ليليان الى رشدها؟
كيف إمتلكت ريفال الشرِكة؟
لماذا يودّ زين قتل جان؟
ما موقف ريفال تجاه الحمل؟
هل سيستطيع جان إيذاء ريفال؟

كل هذا واكثر في الفصول القادمة.

اعتذر فقد كنت بمنطقة لا يوجد بها انترنت

.
.
.
.
.
..
...
مع حُبّي💙💙💙

.
.
.
.
..
...
فايا

Continue Reading

You'll Also Like

1.2K 66 2
مجردُ ذكرى ماتزالُ تحرقُ قلبها .. من ليلةٍ سرقت كامل عمُرها ، ذِكرى باتتْ كابوسًا يُأرقُ نومها ،، وكلُ مُناها نسيانها أو تغيب عنها فلا تزورها ،، أصبح...
16.2M 346K 57
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
1M 40.6K 41
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
82.1K 7.3K 31
و ما بعد الاحتلال كان اسوأ..! كلاهما فى مكان مختلف ، و تبقى قلوبهما معلقه حيث التقوا رافضة الذهاب.. تتأزم الامور و تتقلب الاوضاع.. من يراها يقول ام م...