سُكّر غامِق

By xxfayaxx

384K 16.5K 8.8K

ذات العينان الغائمتان تحمِلُ قلباً نقيّاً بروحٍ مُشوّهة وقد ظنّت انّ الحُبّ ابعدُ ما يكون عن قلبها المُرتعِد... More

تشويقة
ابناء ايمن
تتزوجيني ؟
نيران الانتقام
وعود
وجع القلوب
مشاعر غريبة
قبلة و هروب
غالية
اشواك الورد
سيد خجول
زُمُرّد
ما قبل العاصفة
حقائق
ارواح تائهة
تعاويذ القدر
طوفان
وجوه الحب
سقوط
تعب
تشتت
طفولة
حب وحرب
رجال العشق
عذاب
وصية
عِطر
بدايات ونهايات
توق
أقدار العمر
النهاية (عبق الماضي)

لعنة رضوان

23.5K 828 308
By xxfayaxx


- قالب حلوى بنكهة الفانيلا و قِطع الفراولة والشُوكولا الذائبة، وحلوى السُكّر الغامِق خاصّتنا؛ تُريدين ان يكون القالب على شكل راقِصة باليه ترتدي ثوباً زهريّ، هل هُنالك ايّةَ إضافات؟
رفعت جوان عيناها الزرقاء تُلقي بسؤالها على السيّدة الخمسينيّة التي تحتفل بتأهُل إبنتها في مُسابقة رقص الباليه المحلّية المشهورة، إبتسمت السيّدة برضا وهتفت بسعادة:
- فقط اودّ ان يكون القالب كما تمنّيت، واُريدُ منكم توصيلهُ بموعده.
إبتسمت جوان هامِسة برسميّة:
- سنحرصُ على ان ينال إعجابكِ سيدتي الجميلة، اتمنى ان تفوز إبنتكِ بالمُسابقة.

غادرت المرأة بعد ان دفعت جُزء من الحِساب لتدلِف جوان الى الغُرفة -التي يفصِلها عن معرض المحلّ باب خشبيّ عتيق- لتجِد كُلّ من ريفال وفاتن والسيّدة نور يصنعن الحلوى بنشاطٍ لا يخلو من أحاديث فاتن التي لا تنتهي. هتفت جوان بمرح:
- هُناك طلبيّة جديدة، يجب ان نبدأ بالتجهيز لها منذ الآن فالقالب مُعقّد.
هتفت فاتِن -ذات الثلاث وعشرون عاماً- قائلة بزهو:
- لا شيء يصعُب على النِساء حبيبتي، سنصنعهُ كما صنعنا غيره المُهم ان نرى ما سيتطلّبهُ مِن مواد.

أنهت ريفال تزيين القالب الذي امامها واخذتهُ للثلاجة الموجودة برُكن الغرفة الصغيرة واخذت ورقة وقلم لتكتُب ما يحتاجهُ القالب الجديد، ونهضت بعد ان اخذت بعضاً من المال مِن الخزنة، هتفت وهي تتجه للخارج:
- سأذهب لمصنع السُكّر وسأشترى بقيّة المواد من السوق.

نظرت الى جوان قائلة بتحذير:
- ساعدي الخالة نور في صُنع الحلوى، و فاتن ستعمل بالخارج الى ان أعود، إياكِ وإلتِهام الكعك.
اومأت جوان بإبتسامة خبيثة وقد رسمت بخيالها الجامِح اشهى الصور لتذوّق حلوى السُكّر التي تعشقها بينما اخذت ريفال حقيبتها الجِلديّة الصغيرة وغادرت.

امام باب متجر "سُكّر غامِق" للحلويّات وقفت ريفال مُستقبِلة نسيم الصباح البارِد بيدان مُشرعتان قبل ان تتحرّك للسيّارة الصغيرة التي تستخدِمها لتوصيل الطلبيّات لتتجوّل بها بين الشوارِع الضيّقة حيثُ احد المناطِق المأهولة بلافِتات مُختِلفة للكثير من المحلات والمطاعِم بما يشبه السوق.

وصلت الى المصنع لتأتي بالعديد من انواع السُكّر ومرّت بطريقها لإنتِقاء صبغات الألوان الخاصة بالحلوى وبعض الفواكه، استمرّ تسوقها لمُدّة ثلاث ساعات وعادت بعدها مُحمِلة السيارة ذات الحافِظة المُبرّدة بكُلّ ما تحتاج.

أسندت رأسها على المِقود وزفرت بتعب قبل ان تستقيم وتقفِز بحركة واحِدة من السيّارة وتبدأ بإدخال مُشترياتها بينما هُناك عينان غريبتان بعيدتان تلتهِمان ملامِحها بحنينٍ حارِق.

بِنطال الجينز المُهترئ الباهِت تناسب مع قميصها المُتسِع ذي اللون الاسود ليجعلا من منظرها رجوليّاً برغم انوثته المُفرِطة التي لا يراها سواه بينما قُبّعتها الشبابيّة الزرقاء موضوعة بشكل عكسيّ وخُصلات عسليّة مُجعّدة تنفِرُ من جانبيها مُكمِلة لوحة لأُنثى تُماثِلُ اللبوة شراسةً و جمال.

إعتصر فؤادهُ ألمٌ عظيم وهو يلمح إبتِسامتها الحُلوة التي تُسري بقلبه رغبةً هوجاء بصهرِها بين اضلُعِه لتذوب بداخله بعيدا عن كلّ الناس، انحنى كتِفاهُ وكأنهُ يحمِلُ عِبئا ثقيلًا على عاتِقه قبل ان يستلّ عيناهُ عنها مُرغمًا ويبتعِد مُسرِعًا وقد تنامى كُرههُ لنفسه لعجزه عن الإقتِراب من نجمته البعيدة ذات العينان الغائمتان .

في المساء دلفت ريفال برفقة جوان الى شقّتهُما البسيطة القابِعة بأحد الأحياء الفقيرة بالمدينة وفور دخولهما هتفت جوان بغضب:
- اُقسِمُ انني لن اُنظِف ما تفعلانه من دمار بالمنزِل.
نظرت ريفال -التي دلفت بعد جوان- الى الصالة الصغيرة التي بدت كمزبلة وقد اُلقيت كُل انواع المُقرمشات الرخيصة إضافةً الى زُجاجات العصائر الطبيعية و اكواب القهوة على الأرضية البُنّية التي كانت في الصباح لامِعة من فرط نظافتها.

بينما يجلِس على الاريكة الرمادية شابّان في عُمر السابِعة عشر يُتابِعان احد مُباريات كُرة القدم بحماس مُتجاهِلان كُلّ مِن ريفال وجوان التي تكاد تميز من الغيظ، جلست ريفال على الأريكة الثانية التي تحمِلُ ذات اللون وخلعت قُبعتها لتُلقي بها فوق كومة المُهملات المُنتشرة فضربت جوان الأرض بقدمها بغضب واتجهت لغُرفتِها وهي تتوعّد بعدم التنظيف.

اسندت ريفال كفّها على خدها واخذت تتأمل اوس بشرود، اخيها الوحيد ذو القسمات الحنونة، عيناهُ الرماديّة الباهِتة تُشِعّ بحماس بينما يداهُ تغوص بخُصلات شعره الذهبيّة بتوتُر و شفتاهُ تُرددُ همساً تحول لصُراخ:
- هيا! نعم يا فتى، إعطه الكُرة يا غبيّ، هدف! اجمل الأهداف!
صرخ بحماس بينما صديقه -زيد- الذي يُماثِلهُ عُمرا يُطالِعهُ بإمتِعاض وقد بدى اوس يُشاكِسهُ بإستِفزاز الى ان إنتهت المُبارة لِصالِح فريق اوس المُفضّل وقبل ان يُغادِر زيد غاضِباً وجد ريفال تهمِسُ بحاجِبٍ مرفوع:
- الى اين؟ لن تخرُج الاّ بعد ان تُنظِفا هذه الفوضى.

وقد نفذا حديثها على مضض الى ان خرجت جوان التي ابدلت ثِيابها الى منامة بنفسجية طويلة وعقدت شعرها الأشقر الطويل الى الأعلى وقد بدت جميلة جدّا وذلك الشحوب يُحيطُ بملامِحها الناعِمة، أفلتت مِنها نبرة اسفٍ ساخِرة وهي تعقِدُ ذراعيها وتُطالِع اوس الذي اقترب مِنها بحركة خاطِفة وسحبها من شعِرها مُفلِتًا إياهُ بغضب، تصرُخ بألم فتهتِف ريفال بحدّة
- توقفا!

ابعدتهُما بعُنف عن بعضِهما وقد داهمها غضب عميق من تصرُفاتِهما الصِبيانية فمن يراهما لن يظن ان جوان في التاسعة عشر من عمرها بينما اوس يصغرها بعامين. زفرت بضيق وهي ترى جوان تتجِه الى المطبخ مُتذمرة بألم و عاد اوس لعمله الى ان مرّ بعض الوقت ليجلِس ثلاثتهم لتناول العشاء بعد ان غادر زيد.

واثناء تناولهم لطعامهم بصمت جلّى اوس حلقه قبل ان ينظُر الى ريفال ويهمس بصوتٍ مُنخفِض:
- لقد قابلتُ كِنان اليوم.
توقّع ان يرى شُعلة الغضب تتقِدُ بعيناها وقد صدق الاّ انها حافظت على هدوها وهمست ببرود:
- ماذا يُريد؟
اجاب اوس بذات البرود:
- لا شيء، يسئل عن احوالنا.
والقى بنظراته الى جوان قائلا:
- يُبلِغكِ سلامهُ.

إبتسمت جوان إبتِسامةً صغيرة لم تصل لعينيها فنهضت ريفال هامِسة:
- تُصبِحون على خير .
ولكنّ اوس لم يُمهِلها وهو يهتِف بالسؤال الذي طالما ارّقهُ:
- لماذا تكرهينهُ لهذه الدرجة؟! على حسب علمي هو لم يتعمّد إيذائك بأيّ طريقة بل على العكس تمامًا كان دوما بجانِبنا، ليس من حقّكِ ان تُهديه هذا الكُره فقط لأنهُ من عائلة رضوان .

لمست كلماتهُ الوتر الحساس بمشاعِر ريفال فهتفت بغضب -قلما تُظهِرهُ-:
- إياك وذِكر هذه العائلة على لِسانك؛ هم لعنة سوداء قضت على حياتنا، يكفي ما نال اُميّ بسببهم وبسبب قوانينهم الخرقاء، إياك يا اوس ان تُحاول إستِفزازي بهذه الطريقة فغضبي قد يحرِقكُم جميعا.

نهضت جوان وقد اتشحت ملامِحها الشفافة بالقلق الاّ انّ ريفال لم تُعطِها الفُرصة للإقتِراب عندما غادرت تذرعُ الارض بخطواتٍ غاضِبة لتُطالِع اثرها بضياع قبل ان تعود لمقعدها قبالة اوس وتقول:
- لماذا تُصِرّ على ان تذكُر اسم السيد كِنان امامها، انتَ تعلم انها تكرهُ كُل ما يمِتّ لعائلة والدك بصِلة.
نظر اليها برفض وهتف بإستياء:
- الى متى ستظلّ تحقِدُ عليهم، لقد ظلمونا وانتهى الأمر و بالرغم مِن انني لا اعرِفُ طبيعة تلك العائلة الاّ انني مُتأكِد ان كِنان ليس مِثلهم؛ يكفي انهُ يعتني بِنا منذ وفاة اُميّ وقد تحمّل كُره ريفال بصمت وهذا وحدهُ إنجاز بحقّه .

تنهّدت جوان بحُزن وقالت:
- انتَ لا تستطيع تفهُمها، ريفال مجروحة للغاية و كمّ الكُره الذي تُكنّه لأبيك وعائلتهُ قد يقتُلها، هذا الكُره ينخر روحها ببُطء لذلك يجب ان ان تبتعِد عن كُلّ ما قد يربِطها بهم وانتَ بتقرُبك من كِنان توقِد فتيل غضبها؛ هي خائفة ان ينتزِعكَ كِنان منها، فكرة ان تُحبّ عائلة ابيك وتُحاول التقرُب منهم تقتُلها حيّة .

قطب اوس حاجبيه بدهشة وقد غفل تماماً عن ما تشعُرُ به اُخته إتجاه علاقته بإبن عمّه فأضافت جوان بحُزن:
- ريفال ليست بخير يا اوس، لا تظُنّ انّ هدوئها قوّة بل هو مُجرد قِناع واهي تُخفي حوله طفلة مجروحة من اقرب الأشخاص اليها.
لن اطلُب منك عدم رؤيته ولكن إحترس منه فدم ابيك يجري بعروقه، وارجوك لا تذكُره مُجددا امام ريفال، ارجوك!.

نهضت واخذت الأطباق الى المطبخ لتغسلها وعادت لتجِدهُ ما زال على جلسته شارِدًا بهموم تفوق سنوات عمره فربّتت على كتفه هامِسة بإبتِسامة حزينة:
- اذهب للنوم فلديك مدرسة باكِرًا ولا تُفكِر في الأمر. قبلت وجنته هامسة بحنو:
- تُصبِح على خير .
غادرت لغُرفتها التي تُشارِكها مع ريفال حيثُ تحتوي على سريرين صغيرين و خزانة و مِرآة متوسِطة الحجم امامها كُرسي صغير وبالرغم من بساطتها الاّ انها نظيفة ومرتبة بطريقة جميلة حيثُ تعبقُ برائحة الياسمين المزروع على شُرفتها الصغيرة .

كانت ريفال تنامُ على سريرها وعيناها المُجهدتان تحملِقان بمروحة السقف العتيقة، شعرت بخطوات جوان التي اخذت تقترِب منها الى ان جلست بجانبها على السرير الضيّق واخذت تنظُر اليها بصمت الى ان همست بترجّي:
- هل يُمكِننا الذهاب للحفل الذي سيُقام لخِطبة ليلى؟.

نظرت ريفال لجوان الشخص الوحيد الذي يستطيع فهمها والتي بالرغم من اللمحة الطفولية الطاغية على شخصيتها الاّ انها في اوقات الجدّ تُخبئ بداخلها اُنثى ذكية و قوية؛ فقد ادركت انّ ريفال تحتاج لمن يُخرِجها من نوبة جنونها فطرحت سؤالها ببرائة مُنقطعة النظير وبالفعل نظرت اليها ريفال بحيرة لتهتِف بتذمر:
- ارجوكِ دعينا نذهب ولو لِمرة واحِدة؛ فمُنذ ذلك اليوم لم تسمحي لي بالذهاب للحفلات.

أسبلت رمشيها ببراءة وترجّي حنون إرتسم على زرقاوتيها الباهِتتين لتهمِس ريفال بضجر:
- حسنا سنذهب، مع انني لا اُحبّ هذه الأجواء .
قفزت عليها واخذت تُقبِلها بإمتِنان هامِسة:
- انتِ افضل اخت بالكون، اُحبّكِ يا فتاة .
إحتضنتها ريفال بقوّة وهمست بصِدق:
- وانا اُحِبّكِ، اُحِبّكُما كثيرًا.

.
.

القصر الاكبر في البِلاد، قصر ابناء رضوان فؤاد، عمالِقة الإقتِصاد العالمي والمحليّ والمتحكمين بسائر احوال البلاد. بُني قصر الملوك -كما يسمونه- قبل مئات الاعوام بواسطة افضل مُهندِسيّ العالم و بقي كنزا متوارثًا على اجيال عائلة رضوان بك فؤاد .
كتب عنهُ الكثير من الإعلامِيين إعجابا بعظمته وقيل انّهُ يحتوي على اكثر من مئتي غُرفة بالإضافة الى اللوحات الفنّية المُنتقاة من اكبر معارِض العالم .

بُني على احد التِلال المرتفِعة ذات الأشجار الخضراء الكثيفة وقد آثر السيّد فؤاد الأكبر ان يكون قصره المنيف بعيدًا عن صخب المدينة فإشترى ارضاً واسِعة تبعُدُ عن المناطق المأهولة بالسُكّان وقد بدى جمال القصر جليّا وهو يقبعُ في منطقة هادئة، خضراء مُريحة للنفس وقد اضافت البِركة الكبيرة -الموجودة على الجانب الغربيّ من القصر- منظرا رائع الجمال.

بأحد غُرف قصر الملوك في الساعات الاولى من الصباح تنهّدت تالين بنُعاس ولا زالت عيناها تتشبّث بالنوم وعقلها يتآمر مع قلبها الحزين في تخيُل كيف ستعيش يوماً آخر بدونه، ستصحوا لتتناول الإفطار في السابِعة في قاعة الطعام ككُلّ يوم وتذهب بعدها برفقة كاميليا للعمل بشركتهُما الخاصّة بتصميم الديكور بينما سيظلّ قلبها يهفو لرؤيته.
مرّ اكثر مِن شهر على سفره وبالرغم من مكالماتهم اليومية الاّ انّ الشوق له يكادُ يُمزِقها، كُلّ ما تحتاجهُ الآن تحديداً قُبلة تُنسيها الم فُراقه او عِناقاً طويلا خشِناً يُشعِلُ انفاسها .

شعرت برائحة عطره الدافئة تغمُرها فإزدادت من ضمّ جسدها المُلتحِف بإحدى قِمصانه التي ترتديها شوقاً لوجوده بجانبها، فغرت شفتيها الصغيرتان وعيناها مُسدلتان بين الوعي واللاوعي قبل ان ينتفِض قلبها بعُنف إثر قُبلةٍ كاسِحة إجتاحت شفتيها لتتسِع عيناها -التي تحمِلُ لون البحر- لثوانٍ قبل ان تُغمِضهُما سامِحة لطوفان العشق المجنون ان يهفوا بها بعيداً ويداها تتشبّثُ بعُنقه وكأنهُ طوق نجاتها الوحيد، كانت قُبلتهُ تحمِلُ شوقاً عنيفاً مجنوناً سلب ما تبقى من انفاسها تارِكاً إيّاها تلهثُ بتعب وعيناها تتأمّل حُلُمها الذي تحقّق و اصابِعها الصغيرة تمُرّ على صدره حيثُ قلبه الثائر كطائر ٍسجين تحت كفّيها قبل ان تتأوّه هامِسة بشرود:
- كريم، ياالهي!

إرتمت على صدره واجهشت ببُكاءٍ عنيف ليحملها كريم بخفّة لتستقِرّ على قدميه فيُهدهِدها كطِفلٍ صغير واصابعه تغوص بين خُصلاتها الذهبيّة فيهمِسُ بصوتٍ مُثقل بالعواطِف:
- تالي، حبيبتي، لما البُكاء؟! انا هُنا ولن ابتعِد مُجدّدا، هيا انظُري اليّ
رفعت بصرها اليه تتأمّل وجهه بعينان شديدتيّ الزُرقة وكأنهُما قطرةً من حِبرٍ عتيق، اراحت كفّها على فكّه الخشن و همست بضياع:
- لقد شعرتُ بالوحدة من دونك، وبالرغم من وجود الجميع الاّ انّ الخواء الذي اخذ يتّسِعُ بقلبي كوباءٍ خطير كاد ان يبتلعني وللحظة مِتُّ خوفاً مِن ان لا اراكَ مُجدّدا.

أغمضت عيناها بألم وسُرعان ما زيّفت إبتِسامةً مرِحة هاتِفة:
- دعكَ من حديثي الغريب واخبرني متى اتيت؟ ألم يكُن مِن المُفترض ان تظلّ لأسبوعين على الأكثر ام انّ الشوق عبث بقلبِك
إزدردت ريقها بضعف وعيناهُ تغوص بأعماقها تُعريها من هدوئها تارِكةً مِنها طفلةً تحتاجُ الى من يحتويها و لم يبخل هو عليها ساحِقاً خوفها بين ذراعيه وشفتاهُ تُرددُ بهمسٍ نازِف:
- إشتقتُ اليكِ كثيراً، اكثر من مدى تحمُلي وكُلّ زفيرٍ يخرُجُ من رئتاي كان مدموغٌ بإسمكِ، يا زهرة القُرنفُل
وتاه بقيّة الحديث بدوامةٍ من المشاعر العنيفة المكبوتة لأكثر من شهر من الغياب .

.
.

بعد ساعة تماماً وفي احد الأجنِحة الخاصّة بالقصر نفضت ليليان شعرها الأسود الثائر حول ظهرها قبل ان تجمعهُ على شكل كعكة انيقة خلف عُنقِها وقد اخذ منها الأمر بضعة دقائق الى ان اسقطت ذراعيها على جانبيها و القت نظرة اخيرة على مظهرها المُتكوّن من حُلّة عمليّة بتنّورة رماديّة تُعانِقُ قوامها اللادِن بضيقٍ فاتِن وقميصٍ ابيض يعلوه جاكيت بلون رماديّ لتكتمِل اللوحة بكعبِها العالي القُرمُزي المُماثِل لحُمرة شفتيها القانية .

بدت شارِدة الى ان شعرت بيدان تُحيطان بخصرها النحيل لتلتحِم نظراتها بعيناهُ امام المِرآة الطويلة وتبتسِم برضا وهي تلمحُ بريق إعجابه الذي لا ينضب و يتضاعف شعور حُبّها لهذا الرجُل الذي سطّر إسمه بنقشٍ لا يزول على قلبها، أغمضت عيناها بإنتِشاء و شفتاهُ تعبثُ بعُنقِها وانفاسه الهادِرة تصلُ الى اُذُنيها كخرير مياهٍ صافية قبل ان يهمِس بصوته الحبيب قائلا:
- صباحُكِ سُكّر اميرتي الغالية.

ما زالت مُغمِضة عيناها وإبتِسامةً خرقاء تتلاعبُ بشفتيها المُغريتين قبل ان تزفِر بعُمق و تفتح عيناها لتصطدم بعينان بلون الظلام حالِكتان من فيض المشاعر فيضطرِب نبضها لثوانٍ وتهمِس بصوتٍ ينبِضُ إغواء فطريّاً:
- صباحُك انا، يا رجل المستحيل.

إنصاعت اليه بصمت عندما ادارها اليه مانِحاً إيّاها قُبلةً صغيرة بجانب شفتيها وهمس بحُب:
- ما رأيكِ ان نقضي المساء سويّا؟
نظرة إعتذار واحِدة مِن عينيها كانت كفيلة بتغيير ملامِحه لجمودٍ قاسي فإبتعد عنها ببرود بينما امسكت هي بمعصمه هامِسة بضيق:
- أنتَ تعلم مدى الضغط الذي اواجههُ بالعمل فغياب كريم جعل كُل الأعمال على عاتقي ولكن اعِدُكَ انني سأتفرغ قليلاً عندما يعود ويُمكننا ان نُسافِر للإستِجمام، لا تغضب ارجوك.

إقتربت منه واخذت تعبثُ بخُصلات شعره البُنّية اللامِعة وهمست بنبرةٍ حنونة وكأنها تُرضي طفلاً صغيرا:
- بُراق، سنكون وحدنا، انا وانتَ وجواد، سنبتعِد عن هذه الأجواء الخانِقة و سنستمتِعُ بكُلّ ثانية من وقتِنا و س...
قاطع حديثها صوت باب الغُرفة فزفزت بضيق مُبتعِدةً عنه و هتفت بصوتِها العمليّ الصارِم قائلة:
- ادخُل.

فُتِح الباب ليدلِف طفل في الرابِعة من العُمر ذو شعر بُنّي مُجعّد بطريقة جميلة وملامِح حادة تنبئ بوسامة رجال آل رضوان، إتجه راكِضاً الى ليليان وتشبّث بساقيها العاريين فإنحنت لتحمِلهُ قائلة بحُبّ:
- صباح الخير حبيبي .
احاط الصغير عُنقها بذراعيه الصغيرتين وهتف بغضبٍ طفولي مُمتزِجٍ ببحّة ِالبُكاء قائلاً:
- يارا ليست جميلة، انا لا اُحبّها.

إلتفتت ليليان الى يارا -مُربية جواد- التي تقِفُ امام الباب تعبثُ بيديها بتوتُر ويعلوا بشرتها البيضاء إحمرارٌ خفيف قبل ان تهمِس بتلعثُم:
- آسِفة سيدة ليليان لقد حاولتُ إثنائهُ عن المجيئ الى غُرفتِكُم الاّ انّهُ بدأ بالبكاء، لم اقصِد ان اُزعِجهُ .
بدت المُربّية الصغيرة في غاية الإرتِباك فقال بُراق بهدوء:
- لا عليكِ، لقد اصبح مُشاغِباً في الفترة الأخيرة . يُمكِنكِ الذهاب لتناول الإفطار و إخبري بوران ان تصنع إفطار جواد الى ان ننزِل .

غادرت يارا بعد ان إعتذرت مرّةً اُخرى ليلتفِت بُراق الى ليليان التي تُقبّل جواد بقوّة ليُقهقِه بنعومة وتُشارِكهُ هي الضحِك، وفي تلك اللحظة بدت لهُ اصغر عُمراً من سنواتِها الثمانية وعشرون وقد تمرّد قلبهُ كالعادة و خفق بجنون إحتِفالاً بتلك الاُنثى الفريدة، واصابتهُ الغيرة من ابنه فحملهُ عن والدته ومازال البرود بادياً على ملامحه و قد همس بصرامة:
- هيا بنا .

.
.

في الصالة الضخمة ذات الاثاث الملكيّ البريطانيّ الذي يجمعُ بين الفخامة والرُقيّ توجد طاوِلة طعام كبيرة للغاية تحوي ثلاثين مقعداً بُنّياً مُذهباً وعلى الطاولة الزُجاجيّة الشفافة وُضِعت الصحون العتيقة ذات الرسوم المُلونّة بترتيب دقيق وعلى جانبها الأشواك والسكاكين الفضيّة اللامِعة و المناديل المنقوش عليها رمز العائلة والذي هو طائر الصقر الجارِح .

يجلسُ على احد الكراسي يضعُ حاسوبهُ امامهُ يتفقد اعماله بينما الخادِمات ذوات الزيّ الموحّد ينتشِرن حوله يضعن ما لذّ وطاب على الأطباق الفاخرة واثناء إنشِغاله شعر بيدٍ حانيه توضعُ على كتفه فإلتفت ليهمِس بإبتِسامة:
- صباح الخير جدّي.
جلس الجدّ -رضوان فؤاد- على رأس الطاوِلة وهتف قائلاً:
- صباح الخير بُنيّ، انتَ الوحيد المُلتزِم بقواعِد هذا المنزِل فجميعهُم لا يتواجدون على الإفطار الاّ بعد نداءات و إنتِظار، إنهم لا يحترِمون قوانيني، اظُنّ انني لم اعُد قادِراً على إدارة هذه العائلة.
شعر رضوان بيدان غضّتان تتشبثان بعُنقِهِ من الخلف وصوتاً يهمِسُ بمرح:
- من قال هذا، انتَ سيّد شباب العائلة يا اصل الوسامة بعائلتنا.
قهقه كُلّ من كِنان ورضوان الذي ادار الفتاة التي تتشبّثُ بعُنقه هامِساً ...

.
.
.
.
.
.
.
مرحباً اعزائي .. كل عام وانتم بخير .. عيد فِطر سعيد

.
.
.
.
.
...
آرائكم حول الشخصيات
وطريقة السرد
الفصل الأول طويل به بعض اللمحات عن طبيعة الأحداث القادمة .. الرواية مُعقّدة قليلاً وتحتوي على الكثير من الشخصيات لِذا ركِزوا الأن في كُلّ منها
لدينا الى الآن
كنان
اوس
ريفال
جوان 
ليليان
براق
تالين
كريم
رضوان
وكلهم شخصيات مهمة بالإضافة الى البقيّة من اصحاب القصر والذين لديهم ادوار فاعِلة في الرواية .. اتمنى ان لا تختلط عليكم الشخصيات .. 

.
.
.
.

فووت ... كومنت ... منشن ..  وسيكون الجُزء القادم اوضح واكثر تشويقاً ..

.
.
.
.
..
...
مع حُبّي ❤❤❤

.
.
.
.
..
...
فايا

Continue Reading

You'll Also Like

10.3M 252K 55
من بعد تلك المرة الوحيدة التى جمعها القدر به اصبحت من بعدها غارقة بحبه حتى أذنيها..قامت بجمع صوره من المجلات و الجرائد محتفظة بها داخل صندوق كما لو ك...
123K 6.1K 47
سأسميها براءة.. ________ لم يرها يوماً جميلة فقط كما يصفها الجميع، وحده كان يري ملامحها تستحق المراقبة حتي تُحفر في المخيلة بأدق تفاصيلها الرقيقة، م...
110K 3.8K 25
رواية بقلم المبدعة والمتألقة blue me حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me
82.2K 7.3K 31
و ما بعد الاحتلال كان اسوأ..! كلاهما فى مكان مختلف ، و تبقى قلوبهما معلقه حيث التقوا رافضة الذهاب.. تتأزم الامور و تتقلب الاوضاع.. من يراها يقول ام م...