هل عندكِ شكٌّ في مَن أنتِ
يا من تحتل بعينيها أجزاء الوقت
يا امرأةً تكسر حين تمر جدار الصوت
لا أدري ماذا يحدث لي
فكأنكِ أنثاي الأولى
وكأني قبلكِ ما أحببت
وكأني قبلك ما مارست الحب...
لا قبَّلت ولا قـُبِّلت
ميلادي أنتِ ...
وقبلكِ لا أذكر أني كنت
وغطائي أنتِ ...
وقبل حنانك لا أذكر أني عشت
وكأنني أيتها الملكة
من بطنكِ كالعصفور خرجت
هل عندكِ شكٌّ أنكِ جزء من ذاتي
وبأني من عينيكِ سرقت النار
وقمت بأخطر ثوراتي
نزار قباني
الانثى: أعظم القادة في معارك الحب، هي الصبر، التضحية العطاء والبقاء، حياة لا يكتمل الرجل إلا بها.
هي حاربت بكل قواها طوال سنة، تجاهلت، تفهمت وثقت وأمَّنت، لكن متى يقوم هو بخطواته نحوها؟
يريدها؟ تعلم علم اليقين أنه يعشقها كما لم يعشق رجل امرأة من قبل.
يحتاجها؟ متأكدة، بل لمست جزءه الصغير بداخله، حيث يمكث ذلك الطفل الصغير المحتاج للمسةٍ حنون وتربيتة يدٍ ومسحةٍ على الجبين فينسى التعب.
الصبر: صبرت وتناست وتغافلت، بل ادعت الغباء أمام نظرات كل امرأةٍ تقترب منه بمكر، وهو لا يوقفهن بل يستمتع وهي تموت وتصبر.
التضحية: ضحَّت بكبريائها وعِندِها من أجله هو فقط، أحبَّته فضحَّت بكل مبادئها، خُطتها كانت الدراسة ثم العمل لرعاية أم مريضة وأخت صغيرة لا تزال الحياة طويلة أمامها، ومن أجله هو غيرت المسار لتضع تلك الحلقة الذهبية التي تعلن أنها ملكٌ للعابث.
العطاء: كل ما امتلكته كان قلبها الصغير الذي علَّمه هو السير في أروقة العشق، وعشقه بات الوطن لديها فأعطته كل ما امتلكت ولو طلب روحها لما بخلت.
وبقاءها رغمًا عنها بات صعبًا، يقتل كرامتها ويجرح كبرياء ً تخلت عنه من أجله، والآن بقاءها معه هو وحده من سيحدده.
تطلَّعت إلى الصغيرة ملك بحنان وربتت على خصلاتها القصيرة، مدت يدها للأوراق أمامها
وهي تزم شفتيها مدعية الضيق.
-ملك ما هذا؟؟ لقد اتفقنا على ان تكتبي الارقام وحدها والاحرف وحدها.
ابتسمت لها الصغيرة بشقاوة وعادت لتنهي واجبها المدرسي، فابتسمت لها وهزت رأسها في يأس.
دلفت إلى المطبخ حيث والدتها بابتسامة باهتة، وجلست على الطاولة تراقبها بشرودٍ لاحظته
الأم على الفور، فتقدمت نحوها وجلست تربت على كفها:
-الا تزالين مبتعدة عنه؟
اومأت لها بنعم:
- أجل، لقد مر شهر.
ابتسمت لها بحنان:
- ألا تعتقدين أن العقاب يجب أن ينتهي؟
بادلتها ابتسامتها بأخرى شقية:
-لا، اريده ان يعرف قيمة ما يمتلك، دعيه يتعذب قليلا..
هزَّت والدتها رأسها في يأسٍ من ابنتها وتمتمت قبل أن تنسحب:
- أعانه االله عليكِ وعلى عِنادكِ هذا، سيُجن، أنا متأكدة.
لمعت عيناها بحبٍ وهي تتذكر نظراته الحزينة والمشتاقة نحوها فتتهرب هي مدعية الاهتمام بكل شيءٍ غيره، ترى الندم في عينيه فتضعف وترغب في إنهاء العقاب، لكن حبها يحتاج للصبر وللتضحية بالبقاء معه من أجل حياةٍ ختامها إلى الأبد.
اتسعت ابتسامتها فور تذكرها يوم طلب الزواج منها، كان يومًا شاقًا عليها وضغوط نفسية عانتها بسبب القيل والقال ونهش عرضها بادعاء وجود علاقة غير شرعية بينها وبين أستاذها الشاب، دلفت إلى بيتهم الصغير فلفتها صوت ملك الضاحك فرجحت أن والدتها تلعب معها،لكن وقوف والدتها أمامها مبتسمة بسعادة جعلها تعقد حاجبيها في تساؤل خرج من بين
شفتيها:
- هل عندنا ضيوف؟
أومأت والدتها برأسها والدموع تتجمع بمقلتيها، فاقتربت منها بتوتر لمظهرها، أيعقل أن تلك الشائعات قد وصلت لبيتهم؟ لكن سرعان ما نفضت تلك الأفكار من رأسها فلو كان تفكيرها صحيحًا لمَ ترى والدتها سعيدة؟!
وضعت حقيبتها لتتقدم أكثر نحوها:
- من هنا أمي؟
- هذا أنا.
اتسعت عيناها دهشةً وهي تلمحه يخرج من غرفة الجلوس خاصتهم بابتسامته الساحرة ونظراته الماكرة نحوها، يحمل الصغيرة ملك بذراعٍ واحدة وهي تتشبث بعنقه فهتفت بمرح:
- إسراء عمو أحضر حلوى لملك.
ابتسم لها وقبَّل وجنتها أمام تلك المصدومة أمامه، ظلَّت شفتاها مفترقتين لوهلةٍ وهي تراقبه يقبل الصغيرة، هو حقًا يؤثر بكل أنثى مهما كان سنها! نظر إليها بمكرٍ يقصد به رؤية خجلها ونال ما أراد، لكنها سرعان ما أفاقت من صدمتها لتتساءل بفظاظة:
- ما الذي تفعله هنا؟!
اتسعت ابتسامته ليقترب منها ومن والدتها التي أمسكت بملك وهي تراقبه يقول بأدبٍ جعل صغيرتها تنظر إليه في دهشة:
- آنسة إسراء، لقد أخبرتكِ مسبقًا بأني أريد التقدم لأخطبكِ و أنا جادٌ فيما قلت.
ظلَّت تنظر إليه غير مصدقة، في حين تابع هو وقد اتجه بنظره إلى والدتها:
- وفي نهاية الأسبوع سأحضر والدي ووالدتي للتقدم بشكل رسمي.
تفحصته والدتها للحظاتٍ قبل أن تصرح وهي تنظر لصغيرتها بحبٍ وثقة جعلته يحس بمدى عمق العلاقة بينهم مما جعله يبتسم لها:
- القرار يخص إسراء، أنا معها في أي قرار ولن أعارضها سواء قبلت بكَ أم رفضتك.
هزَّ رأسه بتفهمٍ ثم نظر لمالكة القلب مطوَّلاً ليستمتع باحمرار وجنتيها، وبخبرته في عالم النساء حتى لو كانت هي الاستثناء والمميزة بين كل من عرف، قلبه أخبره بردِّها لكنه قرر امهالها بعض الوقت للتفكير فقال بنبرة جادة أراحتها:
- وأنا لن أضغط عليها بشيء، فلتفكر على مهلها وأنا أنتظر ردها بفارغ الصبر.
نظرت نحوه بخجلها المعتاد، دقات قلبها تكاد تصرخ بِاسمه موافقةً ، ونظرات الحب بعينيه تكاد تحرقها بسبب ما يبعث في نفسها، وابتسامته تلك والتي يخصصها لها وحدها دمَّرت كل من تبقى فيها من تماسك، فاتجهت إلى غرفتها بخطوات سريعة لتتفادى أي محاولة منه لإخجالها.
أغلقت باب غرفتها وهي تتحسس دقات قلبها الضعيف أمام عشقه، فرغم العناد والهروب تمكَّن منها فسلبها خافقها وامتلك كل ذرة من كيانها.
احمرت وجنتيها لتذكرها ذلك اليوم الذي قلب كل حياتها لتكون ملكًا له، تعيش من أجله وتتنفس عشقه، تفيق على صورته فيسكن عقلها وقلبها كل لحظة من يومها، وعند إسدال السماء ستار الليل يكون هو بطل أحلامها فتسبح معه في بحور الحب فتغرق، وهل للعاشق سبيل نجاةٍ من الغرق في بحور الغرام.