الوعد

5.9K 138 7
                                    

افاق من ذكرياته حين وصل لمكانهما السري، وكما لو أن نفس اليوم يتكرر فهاهو بكاءها
يصل لمسامعه لكنَّ سنةً مرت وتغير بها الكثير.

قلب العابث الميِّت أضحى يخفق بالحياة من أجلها، هي التي دون غيرها جعلته يؤمن بالحب،ولكن هل حبه لها يكفي؟!

نفس الموقف لكن ما تغير هو أن قلبه يتألم لبكائها، فهو يعلم أنه السبب في آلام قلبها
الصغير الذي وعد والدتها أن يصونه ويحل محل الأب المتوفي فيحميها ويكون سندًا لها،
لكنه أخلف بالوعد وجرح براءتها وحبها له.

تقدم نحوها بخطواتٍ بطيئة ومع كل تقدمٍ نحوها تزيد خفقات قلبه المتألمة من أجلها، ابتسم حين تذكر تلك اللكمة لكنه حتمًا لن يعيد خطأه فينال ما هو أسوأ من اللكمة، همس بِاسمها ونبرته يغلفها الندم:

- إسراء.

وارتعش جسدها فمدَّت اناملها تمسح دموعها ولم ترِد، فجلس أمامها يستند بظهره على
الشجرة ليكمل شاردًا:

- أنتِ غاضبة أليس كذلك؟

مالت شفتاها بابتسامةٍ ساخرة، غاضبة! ليت ما بداخلها كان غضبًا، هي قد خاب ظنها وتعتبر
نفسها فاشلة، ربما امتلكت قلبه لكن ماذا عن إخلاصه! الحب حتى لو وصل أعلى مراحله يظل الإخلاص أساسه، وهي فشلت في الحصول عليه.

لاحظ صمتها فتابع وهو يمسك بكفها الصغير، فانتفضت وأبعدت يده عنها ليهزَّ رأسه في
يأس:

-اسراء انتي تعلمين اني احبك انت ولا ارى غيرك ولا أرغب في غيرك..

ابتسمت بشحوب وهي تنظر إلى عينيه بانكسار! وقلبه عندها تحطَّم آلاف القطع، لن يستطيع جمعها فانكسارها دمره.


تجاهلت نظراته التي تكتسي بالندم وتساءلت بنبرة باردة:

- وماذا بعد؟

نبرتها أرعبته، يخاف فقدها ولا يتخيل أنه سيخسرها، هي الوحيدة التي خفق نابضه من أجلها ولن يتحمل البعد عنها.

لاحظت شروده وصمته، تُريد التراجع عما قررت، تعشقه نعم وتعلم أنه يعشقها وربما أكثر لكن يجب أن تبتعد، أن تعطيه فرصة التغير وعليه أن يقبل ويتغير من أجلها، لو كان حقًا يحبها سيفعل.

ظلت شاردة بملامحه التي بدت كملامح طفلٍ خائف، خصلاته السوداء التي تتخللها بعض شعيرات الشيب فزادت شبابه هيبة وجاذبية، سُمرة بشرته التي تتلاءم بشدة مع زرقة عينيه التي أسَرَتها، يعضُّ شفته السفلى بتوترٍ جعلها تبتسم رغمًا عنها، ومن بين دموعها همست بنبرة متحشرجة:

- نحتاج للابتعاد قصي.

كما لو أنها أطلقت على قلبه رصاصة مسمومة تخلل سُمها في جسده فآلمته بلا رحمة، تطلب الفراق! كيف سيعيش من غيرها، بل كيف ستعيش هي من غيره، هي طفلته ومسؤوليةٌ كلف نفسه بها منذ أن علم بأن سندها فارق الحياة قبل أشهر قليلة من بداية دراستها الجامعية، وحنينها إليه هو سبب بكاءها في أول لقاءٍ لهما.

لاجلك تغيرت (وسام مصطفى) Onde as histórias ganham vida. Descobre agora