الفصل الثالث 0
" درس فى الأخلاق" 0
عبس ليو وهو يمر بيده على ذقنه المحلوقة لتوها . لم يشعر برغبة للذهاب الى ذلك العشاء ، ولكن عندما اتصل به غراهام جونسون رئيس مكتب التخطيط فى المنطقة ، ودعاه الى بيته ، شعر بانه لا يستطيع الرفض 0
كان تصرفا عمليا جيدا ان يؤسس علاقات مودة مع السلطة المحلية ، وكان ليو سبق وتعرف الى غراهام واحبه ، وعندما اخبره غراهام ان هناك امرأة سيسره ان يعرفها على المستوى الرسمى شعر ليو ان غراهام لن يكون مسرورا اذا هو رفض الدعوة . على الاقل ، سينسيه هذا التفكير فى الليلة الماضية وفى تلك المرأة الحقيرة بشكل لا ينسى التى اثرت عليه بشكل خطير 0
حتى الان ، لم يحاول جيريمى دريسكول الاتصال به ، فقد فشلت خطته ولم يحقق مبتغاه . ولكنه اخطا عندما تركها نائمة ليلة كاملة فى غرفته ... فقد يستغل جيريمى دريسكول الامر 0
اترى دريسكول يستفيد هو نفسه من مهارات معذبته ذات الشعر الاسود الجعد ؟ وذهل ليو وهو يكتشف مبلغ كراهيته لهذه الفكرة . اتراه جن بهذا الشعور التملكى نحو امرأة بهذا الشكل ؟ امرأة يمكن لاى رجل ان يمتلكها ؟
*****
-جودي ، انت لا تصغين الى 0
فنظرت اليه جودي معتذرة وهو يوقف سيارته امام بيت رئيسه 0
-انت لا تبدين طبيعية . اتراك قلقة على مدرستك ؟
تجاهلت سؤاله وتنفست بعمق ، مصممة على مشاركته الموضوع الذى يثقل ذهنها : نايجل ، اى شيطان تملكك فجعلك ترسل الى ذلك الكوكتيل الليلة الماضية ؟ انت تعلم اننى لا اتعاطى الشراب ، ولانه لم يخطر لى انه مزيج بالكحول ... حسنا ، كان يحتوى على فاكهة كثيرة ...
فقاطعها بحيرة : هيه ، انتظرى لحظة . انا لم اطلب لك اى شئ فيه كحول 0
-حسنا ، هذا ما احضره النادل الى جناح ليو جفرسن 0
-لابد انهم اساؤا فهمى . لقد طلبت ارسال كوكتيل فواكه وكان غالى الثمن ... فيا للخسارة ! اراهن على انك لم تلمسيه بعد اول جرعة ، اليس كذلك ؟
لحسن الحظ ، قبل ان ترغم على الكذب عليه ، امسك بذراعها وسار بها بحزم الى باب البيت الذى انفتح حين وصولهما ليظهر منه مضيفهما غراهام جونسون وهو رجل طويل اشيب الشعر حلو الابتسامة 0
هز يد جودي قائلا : لابد انك جودي . سمعت الكثير عنك 0
وعندما نظرت الى نايجل بجفاء ضحك مضيفهما : لا ، ليس من نايجل ، رغم انه اتى على ذكرك . كنت اشير الى حفيدنا هنرى . انه احد تلامذتك ومعجب متحمس ، ولديه الحق فى ذلك حسب قول والديه . ابنتنا شارلوت معجبة تماما بالتحسن الذى احدثته المدرسة فى مهارة هنرى فى القراءة
ابتسمت جودي شاكرة مديحه هذا ، وابتدا توترها يخف قليلا وهما يتبعان مارى جونسون هى ايضا ، مخبرة جودي بانها هى ايضا كانت معلمة ، رغم انها تركت المهنة منذ وقت طويل 0
-قلقت ابنتنا قليلا فى البداية عندما سمعت بانك تؤيدين المزج بين نظرية التعليم التقليدية والالعاب التربوية . لكنها اصبحت معجبة تماما الان ، فهى لا تنفك تحدثنا عن تحسن مواهب هنرى بالنسبة الى قدرته على القراءة 0
فقالت جودي : اننا نحب ان نشجع تلامذنا من كل النواحى . اننا نشعر بمعنوياتنا ترتفع اذا استطعنا تشجيع كل تلميذ على اكتشاف المجال الذى يتمكن من العمل فيه جيدا 0
-فهمت من ابنتى انك تجعلين الاباء يسجلون اسماء اولادهم فى المدرسة حال ولادتهم تقريبا 0
فضحكت جودي : حسنا ، ربما ليس بهذا الشكل تماما ، لكننا حتما وجدنا صيتنا ينتشر من فم الى فم . اننا فوق الحد الادنى الذى نحتاجه لنرضى السلطة التعليمية بالنسبة الى التلاميذ ، ومن المحتمل ان تبقى كذلك الا اذا اقفل المصنع ابوابه طبعا 0
نظرت جودي الى غراهام متسائلة وهى تقول ذلك ، فقالت بلطف : القرار النهائى يعود الى ليو جفرسن وهذا هو سبب دعوتى له للعشاء معنا الليلة . كانت هذه فكرة نايجل وهى جيدة حقا ، فقد تنجح الامور اذا التقيتما معا بشكل غير رسمى . واظن انه ، من وجهه نظره بصفته رجل اعمال ، لم يفكر جفرسن فى تاثير اغلاق المصنع على مدرسة القرية . وطبعا ، ليس ثمة ما يمنع من ابقاء المصنع مفتوحا ، لانه كما فهمت ، من اربع مصانع لن يفقل سوى مصنعين 0
لم تكن جودي تصغى اليه فقد توقفت عن الاصغاء بشكل كامل منذ اللحظة النى نطق بها بتلك الكلمات المخيفة ( دعوته للعشاء معنا الليلة ) 0
ليو جفرسن سياتى الى هنا الليلة للعشاء وستضطر الى الجلوس معه فى نفس الغرفة ، وربما مقابلة له على المائدة 0
شعرت بالغثيان ، وبانها مشلولة من الخوف . وانتبهت حين قرع الجرس وسار غراهام لفتح الباب 0
نظرت بذعر الى الباب المؤدى الى الشرفة متلهفة للهرب منه . لكن الوقت كان قد فات ، فقد عاد غراهام الى الغرفة يرافقة ليو جفرسن ... الرجل الذى نامت فى سريره 0
*****
كان ليو يصغى بادب الى مضيفه وهو يسير به الى غرفة الجلوس ، ثم يفتح الباب ويشير الى ليو بالدخول ، ثم يتبعه ليقدمه الى الجالسين . ولكن فى اللحظة التى خطا ليو فيها من العتبة ، لم يعد يسمع كلمة مما كان غراهام يقوله ، وهو يحدق الى جودي باستنكار عنيف 0
كانت تقف بجانب باب الشرفة ، تنظر الى العالم باجمعه وكانها شهيدة على وشك ان تؤخذ لقطع عنقها ، وعيناها متسعتان للغاية
يملاهما الغم وقد اخرسها الخوف
رد: ليلة مع العدوّ لبيني جوردان - رواية ليلة مع العدو
ما الذى يجرى ؟ ولماذا هى هنا ؟ ثم ادرك ليو ان غراهام يقدمها اليه بصفتها مديرة المدرسة المحلية 0
شعر وكانه يشاهد مهزلة . كان يعلم ان الامور فى الارياف مختلفة عنها فى المدن ، ولكن ليس الى هذا الحد اللعين بحيث ان مديرة مدرسة تتخذ ايضا حرفة دنيئة !
تملكته الحيرة لموجة عارمة من الغيرة غمرت سيطرته المعتادة على نفسه وكذلك تلك الكراهية الفورية التى شعرها نحو ذلك الرجل الواقف بجانبها . وكان غراهام يقول : وهذا نايجل مارس مساعدى وابن عم جودي 0
ابن عمها ! وتملكه الارتياح بعد مشاعره السخيفة 0
وبينما كانت مارى تتحدث الى ليو . همس نايجل لجودي : لدى مفاجاة صغيرة لك 0
فمنحته ابتسامة شاحبة ، بينما كان غراهام يسالها ببشاشة : هل احضر اليك كاس شراب جودي ؟
فاجابت بشكل آلى : انا لا اشرب عادة . شكرا 0
ثم توهج وجهها احمرارا عندما رات النظرة التى رمقها بها ليو جفرسن 0
فقال نايجل لغراهام هازلا : انها متزمتة متمسكة بالمبادئ الاخلاقية من قبل ان تصبح معلمة . لا استطيع ان اصدق اننا جئنا من مصدر جينات واحد . دوما اخبرها بان عليها ان تسترضى وتتلحلح قليلا وتستمتع بالحياة ، وتنطلق 0
لم تشا جودي ان تنظر الى ليو جفرسن مرة اخرى . لكنها ، لامر ما ، لم تستطع ان تمنع نفسها من ذلك . ذهلت عندما راته يقترب منها ، وعندما كان نايجل يجيب على شئ كانت مارى تقوله ، مال الى الامام وهمس لجودي ساخرا : انه تغيير كامل فى الشخصية هذا الذى استطعت انجازه فى اربع وعشرين ساعة 0
-ارجوك !
توسلت اليه بقنوط خائفة من ان يكون سمعه احد لكنها شعرت بالارتياح حين انتقل الجميع الى خارج مرمى السمع 0
فقال يذكرها بنعومة : ( ارجوك ... ) اذكر انك قلت لى شيئا كهذا الليلة الماضية 0
فتوسلت اليه بانزعاج : كفى . انت لاتفهم 0
-معك الحق تماما فى اننى لا افهم . اخبرينى شيئا ، هل يعلم اصحاب مدرستك ان لديك وظيفة اخرى هى الصيد ؟ انا اعلم ان مديرات المدارس قد لا يقبضن رواتب جيدة ، لكننى لم اتصور قط انهن يضفن الى دخلهن مثل هذه الدروس الخاصة 0
-لا ، انت ...
كانت جودي تريد ان تستمر وتخبر ليو انه فهم الامر خطا ، لكن لهجتها العنيفة جعلت نايجل يقطع حديثه مع مارى جونسون ، وينظر اليها بقلق . كان يعلم كم هى محمومة المشاعر بالنسبة الى مدرستها ، لكنه لم يتوقع ان يسمعها تتجادل مع ليو جفرسن فى هذا الوقت المبكر من المساء ، فهذا لا يبشر بخير . وعلى كل حال ، قبل ان يرتجل نايجل بعض الكلمات الديبلوماسية ، اعلنت مارى ان العشاء جاهز 0
قال نايجل وهو يتنهد راضيا بعد ان تناول اخر ملعقة من الحلوى : كان ذلك لذيذا للغاية ! العيش منفردا شئ جميل ، لكن السخان الميكرويف لا يمكن ان يحل مكان الطهى المنزلى . دوما اقول هذا لجودي ، لكنها لاتفهم بالاشارة
قال هذا لمارى وهو ينظر الى جودي مداعبا 0
فاجابت جودي بحزم : اذا كنت تحب الطعام البيتى عليك ان تتعلم الطهى . اننى اصر على ان يتعلم التلامذة ، اناثا وذكورا ، مبادئ الطهى 0
فالتفتت مارى الى ليو : اظن هذا رائعا . لقد فعلت جودي الى مدرستها العجائب . عندما استلمت الادارة لم يكن ثمة سوى بعض التلامذة القلائل ، والمدرسة على وشك الاقفال ، انما الان الاباء يسجلون اسماء اطفالهم عند مولدهم لكى يضمنوا لها مكانا0
شعرت جودي بوجهها يحمر عندما التفت ليو ينظر اليها . كان المساء باكمله كابوسا ، وحتى الان مازالت نهايته بطيئة بالنسبة اليها 0
قال نايجل : آه ، نعم . جودي تحب مدرستها بشكل محموم 0
-بشكل محموم ؟
شعرت جودي بتوترها يزداد عندما كرر ليو هاتين الكلمتين بنفور وسخرية كما كانت تتوقع . هل سيخذلها ؟ لكن الارتياح تملكها عندما تابع : انا واثق من ذلك 0
فقال غراهام بهدوء وهو يبتسم لجودي : اظنها قلقة ايضا للضرر الذى سينعكس على مدرستها اذا اردت ان تقفل مصنع فراميتون 0
عندما نظر ليو اليه بحدة ، هز غراهام كتفيه بخفة وقال له : ليس سرا انك تنوى ان تغلق واحدا او اثنين من المصانع ، فقد ذكرت ذلك الصحف 0
فاجاب : هذا لم اقرره بعد 0
فسالته جودي : هل تفكر فى اغلاق مصنعنا ؟
فقطب جبينه . انها لم توجه اليه كلاما طوال المساء ، حتى انها لم تكد تنظر اليه ، لكنه شعر بتوترها وعدائها بنفس الوضوح الذى يشعر هو بذلك نحوها 0
لقد غاظه انها تقوم بدور معلمة متفانية كذبا وخداعا بينما هو يعرف حقيقتها 0
لابد انها خالية تماما من الضمير ! كم هى ماهرة فى خداع كل من حولها بمثل هذا النجاح ، وفى كسب ثقتهم واعجابهم واحترامهم . وحدث نفسه ان قوة مشاعره هى ردة فعل طبيعية لاكتشافه ازدواجيتها . اذا شاء ان يكشف حقيقتها ... لكن طبعا لا يستطيع ذلك ...
ولكن لماذا فعلت ذلك ؟ هل لاجل المال كما ظن فى البداية ؟ هل لانها تستمتع بالمخاطر؟ ام لانها تريد ان تساعد دريسكول ؟ ولامر ما وجد هذا السبب الاخير اكثر هذه الاسباب كراهة 0
كانت جودي تشعر بنظرات ليو تحرقها بالازدراء المر ... اذا تحدث عن الليلة الماضية ... ! لو ان نايجل قد ابدى اقل اشارة الى ان ليو سيكون معهم ضيفا لما استطاعت قوة فى الارض ان تحملها على الحضور 0
شعرت بالمذلة وهى تسمع الاخرين يمدحونها ، ولم تجرؤ التنفس كيلا يقول ليو شيئا0
قريبا سينتهى فصلهم الدراسى الحالى . وفى العادة ، كانت تشعر بالحزن عندما يحدث هذا ، خصوصا فى نهاية الفصل الصيفة حيث يكون على التلامذة الاكبر سنا ان ينتقلوا الى مدرسة كبيرة . لكنها ، حاليا كانت متلهفة الى ان تتوارى عن اعين الناس
كان بعض اصدقائها من ايام الجامعة قد دعوها الى القدوم معهم فى عطلة يسيرون فيها على الاقدام . وهى تتمنى الان لو انها قبلت الذهاب معهم . وبدلا من ذلك قالت انها تريد ان تزخرف بيتها وتصلح حديقتها . هذا الى انها ستحاول تحسين مدرستها ... وهو شئ كان فى نظرها مصدر بهجة اكثر مما هو واجب 0
والان ، بفضل ليو جفرسن ، كل تلك المباهج الخفيفة التى كانت تتطلع اليها قد حجبتها سحابة شعورها بالذنب السوداء 0
وسمعت غراهام يقول : حسنا ، سيخيب املنا جميعا اذا انت قررت اقفال المصنع . اننا هنا نعيش فى منطقة ريفية صغيرة ، وليس من السهل العثور على اعمال بديلة للاعمال الكثيرة التى سنفقدها 0
فاجاب ليو : هذا كله يتوقف ، لسوء الحظ ، على الحالة الاقتصادية . السوق ليس كبيرا بما يكفى لدعم مصانع كثيرة كلها تنتج نوعا واحدا من السلع 0
وفجاة ، ما سمعته جودي كان كافيا . رغبتها المحمومة فى ان تنقذ مدرستها تغلبت على الخوف والخزى اللذين ابقياها صامتة طوال العشاء ، فالتفتت الى ليو ، وقالت له غاضبة : لقد استطاع ان يدعمها جيدا قبل ان تستلمها انت ، ويبدو لى ان الحقيقة هى ان الحالة الاقتصادية التى تعنيها انت هى ما يمس ارباحك فقط ... دون ان يكون لديك فكرة عن المشقات التى تسببها ! سيخسر الناس اعمالهم ، وسيتحطم اسر ومعيشات . لدى فى المدرسة اطفال اسرهم تعتمد فى معيشتها على المصتع ... الاباء ، والامهات ، الجدود ، العمات والاعمام . الا تهتم لشئ سوى كسب المال ؟
شعرت بذلك الصمت القصير الذاهل الذى احدثه انفجارها هذا . كان نايجل ينظر اليها محذرا ، بينما كان غراهام جونسون مقطبا قليلا وهو يقول : كلنا نفهم شعورك جودي ، لكن الاقتصاد والارباح لا يمكن تجاهلها . ليو يتنافس فى اسواق عالمية ، ولكى تبقى اعماله ناجحة ...
فقاطعته لا تستطيع ان تتوقف بعد ان ابتدات : فى الحياة اشياء اهم بكثير من الارباح0
فنظرليو اليها بحدة : مثل ماذا ؟ مثل ان يكون لديك فى مدرستك ما يكفى من التلامذة للتاثير على مفتشى المدارس ؟ الست حريصة على ان تظهرى عدد تلامذتك لكى تحصلى لقاء ذلك على مخصصاتك المالية من وزارة الثقافة ، مثلى فى استثماراتى المالية فى عملى ؟
فقالت غاضبة : كيف تجرؤ على هذا القول ؟ الاولاد انفسهم ، ثقافتهم ، مستقبلهم ، حياتهم ، ذلك ما يهمنى . اما ما تفعله انت ...
-ما افعله هو محاولة ادارة عمل مربح . اما انت ، مع الاسف ، فقد اعمتك نظرتك الضيقة . على ان ارى صورة اكبر . اذا انا ابقيت الاربع مصانع مفتوحة لن تدر اى منها ربحا ، وعند ذلك ساكون عاطلا عن العمل واخسر من الوظائف اكثر مما لو اغلقت اثنين منها 0
-انك لا تهتم ، اليس كذلك ؟ لاتهتم بما تفعله بالتعاسة التى ستسببها
ادركت انها اجتازت الحد ، وان غراهام ونايجل يراقبانها باهتمام وذعر ، ولكن ثمة شئ يدفعها الى الاستمرار . التوتر الذى كانت تشعر به طوال المساء قد تغلب على عقلانيتها وتملكها دافع لتدمير النفس لم تستطع التغلب عليه 0
قال ليو عابسا : ما يهمنى هو ابقاء عملى فى القمة 0
فلوت شفتيها بازدراء : بالضبط ... الا يهمك ان ما تفعله هو لا اخلاقى كليا ؟
توترت وهى تسمع تنفسه الحاد : انت تجرؤين على اتهامى باللا اخلاقية !
اترى الاخرين سمعوا ، كما سمعت ، الطريقة التى لفظ بها كلمة انت ؟ اخذت تتساءل مصدومة وهى تحاول ان تصمد ازاء نظرة الاحتقار التى رمقها بها 0
وتدخل غراهام بشئ من الضيق : جودي ، عزيزتى ، اننا جميعا نقدر شعورك نحو كل شئ . لكن ليو لديه حق ، فمن الطبيعى ان يكون عمله تنافسيا 0
-آه ، هذا طبيعى !
قالت هذا بلهجة لاذعة بينما وقف نايجل معلنا ان الوقت حان لذهابهما . لكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من ان تلقى على ليو نظرة متحدية : فى النهاية ، كل شئ ينتهى بالمال ، اليس كذلك ؟
وعندما وقف هو بدوره ، نظر اليها وقال بلطف : كما ينبغى عليك ان تعلمى 0
وشعرت بوجهها يتورد ، بينما اضاف ليو حين ذهبت مارى لتحضر لهم معاطفهم : يمكنك ان تخبرى صديقك دريسكول ...
فقاطعته : جيريمى دريسكول ليس صديقا لى ، واذا شئت الحقيقة ، انا اكرهه واشمئز منه مثلك تماما 0
وكانت ترتجف وهى تلبس معطفها شاكرة مارى . ثم تسرع بالخروج الى دفء الليل امام نايجل الذى التفت الى مضيفهما يقول له شيئا 0
عندما انتظرته بجانب السيارة وظهرهما الى المنزل ، كانت تغلى من الغضب ، بينما ابتدات تشعر بتاثير رؤيتها ليو جفرسن وطريقة جدالهما امام الجميع 0
عندما سمعت صوت خطوات نايجل قادما نحوها ، قالت بعنف متوسلة دون ان تنظر اليه : اخرجنى فقط من هنا 0
-الى اين تريدين ان اخذك بالضبط ، ام ان بامكانى ان اخمن ؟
استدارت بسرعة وهى تشهق عندما ادركت ان من تحدثه ليس نايجل بل ليو جفرسن0
-ابق بعيدا عنى !
قالت هذا ثائرة وهى تبتعد عنه 0
كان تصرفها هذا مبالغ فيه والذى لا مبرر له ، اخر ما امكنه احتماله ، فقال : اوه ، هيا ... ليس هنا من يسمعك 0
فردت عليه بحدة وهى ترتجف : انت لاتعرف شيئا 0
فقال بعنف : ليس هذا ما اخبرتنى به الليلة الماضية .الليلة الماضية ...
فقالت بمرارة : الليلة الماضية لم اكن اعلم ما افعل . ولو كنت اعلم ... لكنت انت اخر رجل قد اقترب منه
قالت هذا وهى ترتجف . ولم تكن تفكر بتعقل ، بل كانت متعجرفة فى دوامة هائلة من مشاعرها القهارة . وكانت مشاعره مثلها . مد يده يناولها حقيبة يدها التى كانت نسيتها فى البيت ، قائلا ببرودة : انت نسيت هذه . ابن عمك مازال يتحدث مع غراهام ومارى فطلب منى ان احضرها اليك . اظنه اراد ان يمنحك فرصة تعتذرين فيها الى عن فظاظتك المخيفة اثناء العشاء ...
-فظاظتى ...
ومدت يدها غاضبة تاخذ منه الحقيبة ولكنها جمدت مكانها عندما احتكت اطراف اصابعها بيده 0
مجرد شعورها بلمسته ارسل شلالا من الطاقة الكهربائية غير المرغوب فيها فى كيانها كله 0
-لا تلمسنى !
نهرته ثم تاوهت بصوت ناعم معذب عاجزة ، واسقطت حقيبتها ثم ترنحت نحوه فى نفس الوقت الذى مد يديه اليها يجرها اليه . شعورها به كان مالوفا بشكل عنيف مذهل جعلها تتجاوب على الفور . رفعت بصرها الى وجهه ثم عانقها ، معاقبا متملكا . شعرت به يرتجف عندما انغرزت اصابعه فى اعلى ذراعيها . ولكنه فجاة بدا وكانه غير رايه ، فتركها فجاة واستدار على عقبيه مبتعدا 0
مضت عدة ثوان وهى ترتجف حتى استطاعت ان تنحنى لتلتقط حقيبتها ، واثناء ذلك سمعت صوت نايجل يناديها ، ثم يقول بجفاء معتذرا وهو يفتح باب السيارة : اسف لتاخرى . هل تشعرين بتحسن الان بعد ان افرغت كل ما بصدرك 0
فسالته بحدة بعد ان صعد الاثنان الى السيارة : اشعر بتحسن ؟ وكيف يمكن ذلك بعد ان امضيت المساء مع ذلك ... مع ذلك ؟
-لاباس ! لاباس ، فهمت عليك . اظننا جميعا مثلك . وانا افهم شعورك يا جودي ، ولكن عنفك نحو ليو لن ينفعك . انه رجل اعمال ، وعليك ان تحاولى رؤية الامور من وجهة نظره 0
-ولماذا ارى الامور من وجهة نظره بينما هو غير مستعد لرؤية الامور من وجهة نظرى ؟
فنظر اليها بجفاء : هناك مثل ذكى للغاية عن انك بالعسل تلتقطين من الذباب اكثر مما تلتقطينه بالخل . رغم اننى لا اراك فى مزاج يحب سماع ذلك 0
فشعرت بوجهها يتوهج : هذا صحيح 0
وتنهدت : لماذا لا تبقى الامور كما كانت ؟ كان كل شئ على ما يرام عندما كان المصنع ملكا لدريسكول 0
فاجاب بهدوء : ليس تماما 0
عندما نظرت اليه هز راسه . لقد تكلم اكثر من اللازم وهو لم يصبح حرا بعد فى ان يخبرها عن طرق الخداع والاحتيال التى اتهم جيريمى دريسكول بممارستها فى العمل . ولم تلح هى عليه اكثر . وبدلا من ذلك انفجرت تقول : ليو جفرسن هو اكثر الرجال الذين قابلتهم فظاظة وغطرسة وصعوبة فى التعامل معه . واتمنى ... اتمنى ...