روايات احلام/ عبير: عروس السر...

By Rano2009

94.8K 1.8K 85

الحياة كالصحراء...احيانا تصادف واحة تستفيء بها,وتنصب خيامك قرب مياهها,واحيانا تتوه في رمالها فتبتلعك. تيشا كا... More

١
٢
٣
٤
٥
٦
٧
٨
٩

١٠

10.6K 310 22
By Rano2009

10- وفشل الأتفاق!
*******************
لم تعرف تيشا هل أنها أستعادت شهيتها للطعام بالفعل أم أنها تقصدت صرف وقت طويل في تناول كل صنف كي تؤجل مواجهة تلك اللحظة المحتومة التي سوف يختليان فيها
أمتد بينهما الصمت ولم يكن مريحا ولا مزعجا , وقد قطعاه بين الحين والحين بتعليقات عادية مختصرة كي يتجنبا حدوث توتر محتمل
وبعد أن تناولت صحن حلوى وأحتست فنجانين من القهوة, أحست أنه لم يعد هناك مجال لمزيد من التلكؤ.

وهذا ما شعر به رورك أيضا حين أشار لعاملة المطعم بأن تأتيه بورقة الحساب , وسأل تيشا من باب التهذيب فقط بالرغم من علمه المسبق لجوابها:
" هل أنت مستعدة للعودة؟".
كانت عتمة الليل الحميمة قد عززت وجودها في الخارج وبدت السماء حالكة الا من نجوم متلألئة من بعيد
القمر كان بعد هلالا وبدا شاحب اللون في الخلفية السوداء , ولما أحتوتهما سيارته البيضاء شعرت تيشا أكثر من أي مرة سابقة بجوها الداخلي الحميم
ألا أن رورك بدا غافلا تماما عن وجودها قربه وهو يقود السيارة بصمت عبر الطرق الريفية الخالية.

لكن التوتر العصبي الذي أستطاعا أن يتجنباه في أثناء العشاء أحسته الآن يتملكها بسرعة مخيفة وهما يقتربان من بيته
لمحت أضواء بيت عمتها وخيل اليها أنها كانت تغمزها من بين أشجار الصنوبر ثم ما لبث رورك أن أنعطف بالسيارة الى الدرب المؤدي الى بيته.

وقفت الى جانبه بعصبية وهو يفتح الباب الأمامي, وألتقت عيناها بالنظرة الشامتة والساخرة التي قذفها بها حين أنتحى جانبا في أنتظار عبورها قبله.
وغمغم معتذرا:
" لا أود أن أزيد من حجم المهزلة بحملك فوق العتبة".
فردت بصوت متوتر:
" بالطبع لا أتوقع منك هذا".

ثم مرت به وعبرت بسرعة الى الردهة وحيث وجدت أن ذكريات زيارتها الأخيرة ما زالت حية زاهية بكل تفاصيلها
وعندما كبس رورك زر الكهرباء رأت عدة حقائب مكومة عند الباب ثم لاحظت فورا أنها حقائبها الخاصة
فسألته منزعجة:
" ماذا تفعل هذه هنا؟".

أجابها بدون أن يظهر عليه أي أستغراب:
" لا بد أن بلانش نقلت بعض ثيابك وأغراضك الى هنا لظنها ربما بأنك ستودين أرتداء شيء آخر في اليومين المقبلين بدلا من فستان الزفاف ".
أنحنى يحمل الحقائب وأردف قائلا:
" سأوصلهما عنك الى غرفة النوم".

لم يبد هناك شيء آخر تفعله سوى أن تلحق به الى غرفة الأستقبال وخطواته الواسعة الرشيقة تجعله يسبقها بالرغم من أنه حاول التمهل. كانت النار تشتعل زاهية في الموقد , وأضواء السقف المخفية تنشر نورا خافتا.

توقفت تيشا عند أسفل الدرجات الثلاث حين وقعت عيناها الخضراوان على أبريق شراب من البلور المنقوش تنزلق عليه من الخارج قطرات ماء متعرقة , وكأن يدا سحرية أحضرته قبل هنيهات من الثلاجة.
ورأت الى جانبه كأسين من البلور المماثل منكفئتين على صينية فضية .
وسألته بصوت كالجليد:
" كيف وصل هذا الى هنا؟".
فألتفت رورك عبر كتفه وعيناه تلاحقان أصبعها المشير الى مكان الأبريق , ولم يستطع أن يخفي أبتسامة مرح قفزت الى شفتيه وأجاب بمرح مماثل:
"يبدو لي أنه هدية شراب من والدك لنحتفل بليلة زفافنا وسنكون سخيفين أذا لم نستمتع بشربه باردا ,ما رأيك أن تملأي الكأسين لبينما أوصل أغراضك الى الغرفة الأخرى؟".

لم ينتظر منها جوابا على أقتراحه وتابع طريقه الى غرفة النوم حاملا الحقائب بيديه وتحت أبطه ....
وسارت تيشا بجمود الى حيث الأريكة ووقفت تحدق بغضب الى الأبريق البلوري والكأسين الفارغتين
ثم راح خيالها يتصور المشهد الذي من المفروض أن يرشح عن جلستها مع رورك أمام الموقد الدافىء وتحت الأضواء الحميمة وهما يحتسيان الشراب المنعش.

وكانت ما تزال شاردة في تخيلاتها عندما رجع رورك الى الغرفة
وأستفسرها دونما حاجة الى السؤال:
" ألم تملأي الكأسين بعد؟".
" فضلت الأنتظار حتى تعود".
تحاشت الجلوس على الأريكة وأختارت أحد المقعدين الوثيرين الى جوار الموقد, وأخذت تراقب رورك من طرف عينيها وهو يجس برودة الأبريق ثم يقلب الكأسين المنكفئتين على الصينية وينظر اليها متسائلا.

فأجابته بأختصار:
" لا أريد شيئا لي".
" كما تشائين".
أبتسم متظاهرا باللامبالاة وسكب كأسا لنفسه.
وبعزيمة تامة حسدته تيشا عليها , نزع سترته الأنيقة وأرخى ربطة عنقه قليلا قبل أن يستتب جالسا على الأريكة
وعندما تناول جريدة عن الطاولة وشرع يتفحصها بهدوء وأسترخاء لم تستطع أن تتأكد هل هو يتجاهلها عن تعمد أم أنه غير مهتم بالفعل لوجودها
الشق الثاني من التساؤل طعن كرامتها الأنثوية , أذ أن قربه عاد يثير فيها تلك الأحاسيس العميقة الرائعة.

وهتفت تقول بسخط أنتقامي:
" كيف يمكنك أن تأخذ راحتك في الجلوس والقراءة بهذا الشكل؟ أليس هناك شيء آخر يمكنك أن تفعله ؟".
فطوى صفحة واحدة من الجريدة ليستطيع النظر اليها وسألها بهدوء تام:
"مثل ماذا؟".

" كأن تفكر في أيجاد طريقة لأنهاء هذا الزواج السخيف!".
" يجب أن ننتظر قليلا حتى يحين الوقت المناسب لذلك".
وأرتفعت الجريدة ثانية لتحجب وجهه عنها , فسألته بأصرار:
" ولماذا تنتظر؟".

" لأنك تعرفين مثلما أعرف أن والدك لن يتقبل أبدا فكرة أنهاء الزواج أذا حاولنا الأنفصال غدا صباحا".
غاص اللون تماما من وجهها وأستفسرته بصبر نافذ:
" ما هي المدة التي يتوجب علينا أنتظارها؟".

" بضعة أشهر".
جف ريقها فسألته بصوت واجف:
" وماذا سيحدث في هذه الأثناء؟".
طوى الجريدة وألقاها على الأريكة قربه ثم صوب اليها نظرة رصينة وقال متظاهرا بالأستغراب:
" لست متأكدا مما تقصدين".

خيل اليها أن هذه اللعبة لن تنتهي, لعبة شد الحبل ... لعبة القط والكنار السجين في القفص.... أحست كل عضلاتها تتقلص ويصل التقلص الى أصابعها التي راحت تتشابك بعصبية في حضنها...
وقالت أخيرا موضحة:
" أعني أين ستكون أنت وأين سأكون أنا في خلال هذه الأشهر القليلة".

فرد ببساطة متناهية ليشعرها بقصر نظرها:
"سنكون هنا بالطبع".
تملكها اليأس فهبت واقفة على قدميها وهتفت حانقة:
" في هذا البيت؟ ذلك أمر مستحيل!".
" لماذا؟".
" أنه صغير جدا وسوف نتعثر بأستمرار ببعضنا بعضا".

" لا أفهم علاقة كلامك بالموضوع".
أجابت تتهمه بغضب:
"بل أنت تعرف تماما ما أرمي اليه!".
تجهم وجهه قليلا وقال بصوت جاف:
" ماالذي يقلقك بالضبط؟ هل تخشين من أن الأحتكاك المستمر كفيل بأضعاف عزمك على أبقاء هذا الزواج , دعيني أتذكر ذلك التعبير الطريف الذي أستعملته... أوه , تذكرت , زواجا أسميا فقط؟".
فأعلنت تيشا بصوت مهزوم:
" أنه الحل المنطقي الوحيد أذا أخذنا بعين الأعتبار الورطة التي نتخبط فيها , كما أنه سيزودنا بأسباب للطلاق غير قابلة للنقاش, لقد أتفقنا على ذلك من قبل!".
فمرر أصابعه في شعره
وأجاب بهدوء:
" لا أنكر أنك أرتأيت هذا الحل لمسيرة زواجنا المؤقتة ,لكن لا أذكر أنني وافقتك وقتها على رأيك هذا".

جمدها بجوابه كأنه سكب عليها ماء مثلجا , هل هو جاد في ما يقول؟ تفحصت وجهه بحثا عن الحقيقة وأقنعت نفسها بأنه يمازحها ليس الا , أنما بتلك الطريقة التي تثير أعصابها .
" هل لك أن تكف عن مزاحك الساخر هذا؟".
" أعصابك متوترة أكثر من اللزوم , لماذا لا تغيرين فكرك وتشربين كأسا من هذا الشراب المنعش؟".

أحسته ينهض من مكانه وسمعت صوت الأبريق وهو يحتك بالكأس وأنسكاب الشراب فيه ثم وجدت رورك يقف الى جانبها وهو يقدم لها الكأس المعبأة حتى حافتها تقريبا.
وقال يقترح بشيء من التهكم:
"هل نشرب نخب العريس والعروس السعيدين؟".

توهجت عيناها بغضب وهي تراقبه يرتشف كأسه , وقد ضايقها موقفه الهازىء من الوضع ككل وأكثر بكثير مما ضايقها عدم أكتراثه , ولذا أعلنت بعزم
وبصوت مرتجف خافت:
" أفضل مئة مرة أن أشرب نخب أنفصالنا الوشيك".

ولكي تعزز كلامها بالبرهان, سارعت الى جرع كل محتويات الكأس تقريبا فيما كانت أصابعها المتقلصة تقبض على ساق الكأس بشدة حتى لتكاد تحطمها
فعاتبها رورك بقوله:
" من السيء جدا للصحة أن نجرع السوائل دفعة واحدة بل ينبغي أن نحتسيها على مهل".
فجرعت بتمرد ما تبقى من كأسها من الشراب ووقفت تحدق اليه ثائرة وهي تتوق الى قذف الكأس الفارغة على جدران الموقد المرمري وفي تعبير آخر على تصميمها العنيد على مقاومته الى النهاية.

أستطاع رورك أن يقرأ أفكارها التخريبية المنعكسة في نظراتها المتوهجة حنقا
فغمغم ببرود:
"مهمت قررت أن تفعلي فأرجوك ألا تقذفي تلك الكأس على الموقد لأنك لن تنتهي أبدا من ألتقاط كل تلك القطع الزجاجية المتناثرة من صوف السجادة السميك".

فأستفسرته وهي تلقي رأسها الى خلف بحركة عدائية متغطرسة:
" ما الذي يحدوك الى الظن بأنني سأرضى بألتقاطتها؟".
فلوى شفتيه بلا أكتراث وقال وهو يسير مبتعدا عنها بتكاسل :
"أنت الآن ربة بيت ,والمحافظة على نظافته هي أحدى واجباتك كزوجة".
" سيروق لك هذا الوضع , أليس كذلك؟ من أجل هذا السبب أنت تسعى ألى أبقائي هنا بضعة أشهر لكي تؤمن لنفسك خادمة وطباخة وأمرأة تنفذ كل تلك الأشياء الأخرى".
فغمغم بدون أن يطرف له جفن:
" أشك في أن خدمتك ستكون لقاء لا شيء بل أرجح بأن تطاليبيني بمصروف جيب ضخم".

فزعقت تيشا كما الريح العاصفة:
" أنا لا اريد شيئا منك! ولا حتى أسمك أو مالك!".
" وماذا تريدين مني؟".
فتقلص حلقها بألم حارق وشعرت بالحريق يمتد نزولا الى قلبها المعذب , أنها تريد حبه وقوته وحنانه لكنها لن تستطيع أبدا أن تعترف له بهذه الحقيقة , وبدلا من ذلك
شدت قامتها بكبرياء وأجابت:
" أريدك أن تتركني وشأني".

ثم أستدارت بشموخ وبدأت تسير في أتجاه الردهة وقد أستحال عليها الأستمرار في صد تعليقاته اللاذعة.
وأستوضحها رورك وهو يظهر أهتماما هادئا:
" ألى أين تذهبين؟".
فردت بأختصار:
" الى السرير".
"في هذا الوقت المبكر؟".
فوافقته قائلة:
" صحيح أن الساعة لم تتخط التاسعة لكن علي أن أفرغ حقائبي وأستحم ".
" كان بالفعل يوما محموما ومنهكا للأعصاب , ولن يضيرنا على الأرجح أن نأوي باكرا الى الفراش".
فتمتمت بتهكم:
" لأول مرة نتفق على رأي واحد".

وسارعت الى عبور الردهة قبل أن يهديها جوابا ذا عيار ثقيل!
وجدت حقائبها مصطفة على السجادة قرب مؤخرة السرير , لم تكن لديها أية نية في أفراغها نظرا الى تصميمها على عدم المكوث طويلا في هذا البيت
قلصت شفتيها بعزم واجم وأخذت تبحث في الحقائب عن بيجامتها , وأتضح لها أخيرا أن بلانش أغفلت أرسالها وبعثت بدلا منها قميص نوم حريري , بدا أنه سينساب بنعومة على جسمها ويظهر مفاتنه بشكل ايحائي.

أخذته مع روب أزرق وكذلك حملت حقيبتها الليلية الخاصة بأدوات الزينة وهرولت الى الحمام الملاصق لغرفة النوم وهي تحاول جاهدة أن تبعد عن مخيلتها ذكرى تلك المرة المقلقة التي دخلته فيها
على الأقل, لن تضطر هذه الليلة الى أرتداء بيجامة روك , فكرت بأسى موجع حين دخلت حجيرة الدوش وأخذت تعدل حرارة الماء.

وبعد ساعة كانت قد لبست قميص النوم وتدثرت بالروب كي تغطي صدره المكشوف قبل أن تفتح الباب الى غرفة النوم
وفيما هي تعبر عتبتها رأت رورك يقف الى الجهة المقابلة من الفراش وكان منهمكا في فك أزرار قميصه.

تجمدت للحظة في مكانها ثم أتسعت عيناها حين رأته ينزع قميصه وسألته بلهفة لم تستطع ضبطها:
" ماذا تفعل هنا؟".
فأجابها بليونة:
" لقد وجدت أنك كنت مصيبة في فكرة النوم المبكر".

" أنك لن تنام في هذه الغرفة؟".
قصدت أن تقرر واقعا من خلال عبارتها لكن الحيرة التي شابت صوتها وهو يوليها ظهره الأسمر:
" لست مستعدا لقضاء ليلة أخرى على الأريكة وحيث محاولة النوم عليها كمحاولة السير على الحبال".
فهتفت بنبرة حادة:
" أذن سأنام أنا عليها لأني لست على أستعداد لأن أشاركك الفراش".

مشت بسرعة صوب الباب وهي تتوقع بخوف أن تمتد يده في أية لحظة لتقبض على ذراعها.
ولما فتحت الباب المؤدي الى الردهة أسترقت اليه النظر من فوق كتفها فرأته ما يزال جالسا على الفراش وقد أنهمك الآن في خلع حذائه .. وساءها أكثر من كل شيء أن تشعر بخيبة أمل لأنه لم يحاول بتاتا أن يقنعها بالبقاء أذ كانت بعض عواطفها المستضعفة تحثها على أن تضرب بكبريائها عرض الحائط.

وفي غرفة المكتب , حدقت الى الأريكة وقد أتضح لها أنها نسيت أحضار أغطية ووسائد , لكنها ترددت في العودة الى غرفة النوم حيث توجد الحرامات والوسائد وذلك لخشيتها من الأستسلام في حال حاول رورك أن يقنعها بالبقاء , وراحت تسير بلا هدف في أرجاء الغرفة بعدما قررت أستحالة النوم بلا غطاء.

كان هناك جهاز أسطوانات مجهز بستريو ومثبت في فجوة خرانة في الجانب الآخر من الغرفة , فجلست تقلب ألبومات الأسطوانات المصفوفة الى جوار الجهاز
وحيث أختارت واحدة وضعتها على سطحه الدوار ثم عادت تضطجع على الأريكة كي تصغي بهدوء الى اللحن الحزين الذي أنبعث من الأسطوانة وكانت تعزف مجموعة من أوتار الكمان
رفعت ركبتيها حتى صدرها وأسندت ذقنها عليهما وسرحت مع الأنغام الكئيبة التي أندمجت مع الحزن الكامن في قلبها.

وفجأة رأت ظلا ينطرح على الدرجات , ثم أحست عضلاتها تنقبض حين رفعت رأسها لتحدق الى رورك من بعيد ,كان تعبير وجهه شديد الهدوء مما أشعرها برعب جعل نبضها يتسارع ويلهب عنقها بأيقاع وحشي.

" ماذا تفعل هنا؟".
فأحتواها بعينيه الحالكتين قبل أن يرتقي الدرجات ويسير الى الزاوية حيث الستريو المولول
أطفأه بحركة سريعة وأجابها بلا أنفعال:
" ليس في نيتي أن أقضي الليل لأصغي الى ألحان كئيبة كهذه".

كانت متأكدة من أستطاعته سماع قلبها الخافق بعنف وسط ذلك الصمت الذي أعقب ضجيج الموسيقى , لكنها حاولت أن تبدو مثله, هادئة الأعصاب رابطة الجأش
وقالت بصوت ثلجي:
" هل لك أن تأتيني بوسادة وبعض الحرامات؟".
" كلا!".
نطق الجواب بهدوء بالغ والى حد أعجز تيشا لوهلة أولى عن التحقيق منه ,ولما أستوعبته , شمخت برأسها لا أراديا وأستفسرته بتحد غاضب:
"ماذا تقصد برفضك هذا؟".

لم يتحرك من مكانه في الزاوية المعتمة حيث أطفأ الستريو وأجابها من هناك:
" أقصد أنك لن تحتاجي الوسادة".
صعبت عليها رؤية وجهه , وسألته وهي تتسلح بعدائية ظاهرية:
" لماذا؟ هل قررت أن تنام على الأريكة بدلا من السرير؟".
سار ببطء وخطواته تطوي المسافة بينهما حتى وقف أمامها مباشرة
قال وعيناه العنيدتان تأسران عينيها:
" كلا , وأنت أيضا لن تنامي هنا".

أحست طنينا في أذنيها وهي تهز رأسها بسلبية عصبية
وقالت بصوت مرتجف أضعف الثقة في كلامها:
" لا , لن أقضي الليل معك".
بسط ذراعيه ليجذبها عن الأريكة ويرغمها على الوقوف وهو يقول:
" أجل , ستفعلين ذلك".

حاولت التملص من قبضته وهتفت بشيء من الذعر:
" كلا , لن أنام معك , لا أريد أن أفعل ذلك".
فأختلجت شفتاه بأبتسامة خلت من المرح وحتى من السخرية , وهتف قائلا:
" كفي عن الكذب! لا تحاولي التظاهر بأنك لا تكنين المشاعر نفسها التي أكنها لك".
" لا! لا أرجو....".

وحين ضاعفت مقاومتها على تحرير يديها رفعها بين ذراعيه بخفة وحملها كطفلة صغيرة هابطا بها الدرجات ومن هناك الى الردهة.
"أنزلني الى الأرض فورا!".
كانت تلهث وتلبط الهواء بقدميها بلا نتيجة فيما أحدى ذراعيها محتجزة بين صدرها وصدره والثانية يقبض عليها زوجها بقوة
وتابعت أحتجاجها العنيد بقولها:
" لا أريد الذهاب معك الى الفراش! لا أريدك أن تلمسني! هذا ليس جزءا من أتفاقنا!".
فأسكتها قائلا:
"لم يجر بيننا أي أتفاق , أنت وحدك أفترضت وجود أتفاق من هذا النوع".

كان باب غرفة النوم مفتوحا فعبر رورك بها العتبة وأغلقه خلفهما بقدمه , نظرت من طرف عينها فرأت السرير وقد أزيحت عنه الأغطية , وتلوت في قبضته الحديدية بلا جدوى.
" كف عن ذلك! أتركني وشأني!".

لكن صرختها كانت مجرد أمل لفظي واه لأنه أستمر في حملها صوب السرير
وهنا ألتجأت الى الأهانات فهتفت ولا من مجيب:
"أنت وحش كريه بدائي! وأنا لست سبية من القرن الثالث قبل الميلاد تجرها كقائد روماني الى غرفة نومك".
تنهد بسخرية مرحة وأنزلها الى الأرض بدون أن يزيح يديه الملتصقتين ذراعيها بجنبيها وراح يراقبها متلذذا محاولاتها الفاشلة للأفلات منه
ثم قال باسما:
" هناك فقط طريقة واحدة لأسكاتك , هل تعرفينها؟".

وجذبها بقوة الى صدره وأوقف تدفق أهاناتها اللاسع بعناقه.
وللحظة عابرة أستطاعت تيشا أن تقاوم ذلك الأعتداء العاطفي على حواسها , لكن لهفة حبه القوية والمقنعة سرعان ما تغلبت على تعقلها وما عادت قادرة على كتمان حبها دقيقة أخرى.
تنهدت بأنهزام لذيذ وهمست وشوقها يرجف صوتها:
" رورك, أريدك أن تعلم أنني أحبك".

فغمغم وفمه لصق خدها:
" حزرت ذلك من البداية".
" رورك.....".
فقاطعها على الفور:
" أنت تثرثرين كثيرا".

رفعها ثانية بين ذراعيه وحملها الى السرير وهو يسكت.... كل محاولاتها الأخرى للكلام.
وفي ساعة لاحقة من الليل أستدار اليها , وهذه المرة لم تبد تيشا أيا من مبادرات المقاومة السابقة بل أستسلمت لغزله كليا.

وفي الصباح, عندما أيقظتها أشعة الشمس تسللت بهدوء على الفراش , ألقت نظرة سريعة على وجه رورك النائم وألتقطت الروب عن الأرض لترتديه وتغطي به كتفيها وذراعيها العاريين
فالسعادة المتناهية التي غمرتها برقة فائقة ليلة أمس قد رحلت الآن وحلت مكانها الذكرى الموقظة بأن رورك لم يكن يريد الزواج منها.

حدّقت عبر النافذة الى الغابات البعيدة , وحاولت ألا تكرهه لكونه أستغل الموقف وجعلها زوجته بالفعل كما بالأسم
لقد أعترف لها ليلة أمس بأنه كان على دراية بحبها له وقد منحه هذا سلطة جديدة سارع الى أستخدامها كليا, وعلى الرغم من ذلك لم يخفف نور الصباح من رغبتها الأساسية العميقة في أن تقضي بقية حياتها الى جواره...
ورورك كان يزمع على المباشرة في الطلاق بعد بضعة أشهر.... ولأول مرة أدركت تيشا مبلغ الأذلال الذي يستشعره الأنسان المغرم بأنسان آخر يرفض حبه...

لن تبقى معه على كره منه ولن تتوسل اليه أبدا أن يعدل عن الطلاق! ليلة أمس أستسلمت لضعفها , أما اليوم فعليها أن تكون قوية وكذلك في كل الأيام اللاحقة
وسوف تتسلح بكرامتها , التي هي فوق كل شيء, على أخفاء عمق حبها له لأنها لن تحتمل أبدا أن يعيش معها من باب الشفقة فحسب.

أستدارت عن النافذة وأرسلت بصرا جائعا الى حيث يرقد زوجها الحبيب , كان مستيقظا ويرقبها بتكاسل وفي عينيه بريق داكن سرعان ما أوقد فيها شعورا متجاوبا
لكنها حيته ببرود:
" صباح الخير".

فأنهض رورك جسمه مرتكزا على مرفقه وأجابها متأملا وجهها بشيء من الأستغراب:
" صباح الخير".
ثم ضاقت حدقتاه قليلا وهو يردف:
" لا بد أن الغرفة أصيبت بموجة برد في أثناء الليل".

فتجاهلت تلميحه الساخر الى تحيتها الباردة وقالت بفتور:
" سوف أصنع أبريقا من القهوة , أذا رغبت في شيء منها يمكنك الذهاب الى المطبخ للحصول عليه".
ولكي تصل من النافذة الى الدرجات المؤدية الى الباب, كان عليها أن تمر بالسرير , ومع أنها أحتاطت لأي حركة قد تصدر منه ليمنعها من المرور الا أنها لم تقدر أن تروغ من يده التي أمتدت كلمح البصر وقبضت على رسغها , وسألها غاضبا:
" ماذا دهاك؟".

حركته الفجائية هذه أسقطت الأغطية عنه وكشفت صدره العضلي الأسمر
تقنعت بتعبير جامد وأجابته هازئة:
" لا أرغب في أية لعبة صباحية , فأترك ذراعي أذا سمحت".
تغضن جبينه بعبسة أستغراب وبدا لها جذابا أكثر من أي وقت مضى وقد تبعثرت بعض خصلات شعره الذهبي على ذلك الجبين الحائر , وأستوضحها بنبرة جدية هادئة:
" ماذا حدث للمرأة المحبة التي أستكانت بين ذراعي ليلة أمس؟".
فأجابته بصوت هدجته موجة غضب خفي:
" ليلة أمس كانت مجرد غلطة! وهذه الغلطة لن تتكرر بعد اليوم!".
لقد آلت على نفسها أن تكون قوية وسوف تتشبث بهذه القوة مهما كلفها الأمر من جهد وعذاب.

لكنه جذبها اليه بعنف وحشي وجعلها تستلقي الى جانبه على الفراش ,وراحت حدقتاه ترسلان شرارات خطر وهو يتفحص كل جزء صغير من قسمات وجهها المتمردة , أما هي فأستلقت الى جانبه بجمود وبدون أقل مقاومة أو محاولة هرب.
وتمتم يستفسرها بألحاح:
" ما علتك؟ هل أنت خجلة مما حدث بيننا ليلة أمس؟".

" أجل!".
جوابها التأكيدي المختصر صفعه بفعالية أكبر مما لو صفعته بكفها
أستمر يحدق اليها مستغربا وسألها بأناة:
" لماذا هذا الخجل بحق السماء؟ أننا متزوجان يا تيشا".

فردت بسرعة وبأزدراء جليدي:
" لا داعي لأن نخوض في شرعية ما حدث".
" لقد حدث الزواج وكلانا لا يستطيع نسيان هذه الحقيقة".
عادت اليها تفاصيل الأحداث المؤلمة التي أدت الى عقد القران, فردت محتدة:
" كذلك لا أستطيع أن أنسى بأنك أرغمت على الزواج مني كما لو أن والدي كان يقف خلفك مسددا على ظهرك فوهة بندقية!".

وفجأة رأت البريق الوحشي يخبو من عيني رورك وأذ به يلقي برأسه الى الوراء ويضحك بأرتياح ظاهر
ثم أرتسمت على محياه أبتسامة آسرة , وأحست أنفاسها تختلج في صدرها حين عاد يحدق الى وجهها بتلك النظرة الشملة الرقيقة.

وغمغم ونيران عينيه المستعرة تشعل قلبها بخفقات مجنونة:
" أهذا ما يقلقك أذن يا عروسي الحلوة؟ أعترفي ولا تخفي عني الحقيقة".
أبتلعت ريقها لتصعد التوق الذي أرتفع الى حلقها وأجابت بنبرة قاسية:
" كان ما فعلته أمس عملا شائنا مثيرا للأزدراء وذلك حين أستغليت الوضع وأستغليتني أيضا!".

" ولماذا يعتبر ذلك مثيرا للأحتقار ولي ملء الحق كونك زوجتي".
أنه يسد عليها جميع الطرق ويصعب مهمتها الى حد الأستحالة! ماذا تفعل الآن وقد عادت شفتاه تتلمسان صفحة وجهها كما الريشة؟
لكنها أستحمعت شتات قوتها وأرغمت نفسها الى ابقاء جامدة برغم كل تلك الرقة التي كان يحاول أدماجها فيها وقالت بتصميم:
" لا تغير الموضوع! أن والدي أرغمك على الزواج مني! أعترف بهذه الحقيقة!".

توقف عن مداعبتها وأجاب بحزم وهو يحدق الى عينيها المتوهجيتين:
" لا أحد على وجه هذه الأرض , بأستثنائك أنت ربما, أستطاع أن يرغمني على فعل أي شيء, هذا ما أريدك أن تفهميه جيدا يا تيشا كالدويل ماديسون!".
فأستفسرته بغضب:
" هل تنكر بأنك أبدت عدم رغبتك في زواجنا؟".

فرد على الفور:
" أن أنفي ذلك بتأكيد شديد".
حدقت اليه بفم مفتوح من شدة الأستغراب , فسألها مداعبا وقد كست فمه أبتسامة :
"وأخيرا , هل أستطاعت القطة أن تسرق منك لسانك؟".
" هل تقصد القول... هل تعني أنك...".

وأرعبها أن تتلفظ السؤال خشية أن تكون قد أخطأت فهم قصده .
فلمس مفرق شعرها الحريري بأصبع دافئة وقال بروية وهدوء:
" عنيت بكلامي أنني أحبك, وأنني رغبت الزواج منك بكل جوارحي , وأردتك أن تحملي أطفالي في أحشائك في مستقبل الأيام, وأنك الوحيدة التي أردت أن أراها تجلس على كرسي هزاز الى جانبي عندما يدركنا العجز معا , هل تريدين مزيدا من التأكيد يا تيشا؟".

شهقت بفرح رائع لهذا الأعلان الرقيق والواضح عن الحب.
" أذن لماذا.... لماذا قال بابا...".
كانت أفكارها لشدة الفرح تركض في أتجاهات عديدة مما أعجزها عن طرح السؤال المقصود وفي الأخير أستفسرته قائلة:
" لماذا فكرت أذن في تأجيل الزواج؟".

" لأنني أردتك فقط أن تتأكدي من حبك لي".
راحت أصابعه تتلمس حدود فمها الناعمة وأردف مفسرا:
" كل ما جرى كان يمكن أن يكون أقل تعقيدا لو أن أباك لم يأت في الأسبوع الماضي , فظهوره المفاجىء على مسرح الأحداث وضعك في موقف دفاعي , ولذا أقترحت أن نمدد فترة الخطوبة وحيث أعطيك الوقت الكافي لتتحققي من حبك لي ولتعترفي به بالتالي , لكن والدك لم يقتنع بالحاجة الى ذلك , ويوم أهديتك الخاتم كنت واثقا تمام الثقة من أنك تحبينني لأنك لست من النوع الذي يأتمن شخصا آخر على سعادته ومستقبله ألا أذا كان يحب ذلك الشخص".

فغمغمت وكأنها في حلم متعدد الألوان كقوس قزح:
" رورك, أحبك أكثر مما تتصور , ولم أعترف لنفسي بهذا الا مؤخرا وذلك عندما تعاهدنا على قدسية الزواج في المعبد".
وزحفت يداها تلقائيا الى عنقه وأردفت:
" المشكلة أنني عجزت عن التصديق بأنك تبادلني حبي".

فأمرها باسما:
"أذن لا تشكي بعد اليوم في صحة حبي".
لمست شفتيه لمسة خفيفة وعيناها تومضان بألق سعادة ماكر:
" أعتقد بأنك قد تضطر الى أثبات ذلك في كل يوم من سائر أيام حياتك".
فأجابها وذراعاه تقربانها من صدره:
" سأفعل ذلك بكل سرور".

ثم نظر الى عينيها الراقصتين وأردف:
" آمل أن تكوني الآن قد صرفت النظر عن صنع القهوة؟".
"أية قهوة؟".
وأبتسمت تيشا وهي تستعد بلهفة لأستقبال سعادتها مع رورك.

النهاية

Continue Reading

You'll Also Like

1M 64.5K 103
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
7.2M 355K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
12.9K 213 9
- لا تستطيع أن تخطفني ثم تتركني أحترق في الجحيم وأنت تراقبني هكذا! _بل استطيع... سترين _لكنني سأموت!! _لن تموتي، لا يموت أحد من التوقف عن الإدمان إبل...
547 45 7
"تقولُ الأسطورةُ أنَّ الزّهورَ في الأصلِ مكامنُ أرواحٍ بشريّةٍ تخشى العتمةَ و تهوى الضّوء" سونو ~ 🌼 أوفيليا ~ 🌼 سلسلةُ نجوم {خوارق / ENHYPEN} الكتا...