روايات احلام/ عبير: عروس السر...

By Rano2009

94.8K 1.8K 85

الحياة كالصحراء...احيانا تصادف واحة تستفيء بها,وتنصب خيامك قرب مياهها,واحيانا تتوه في رمالها فتبتلعك. تيشا كا... More

١
٢
٣
٤
٥
٦
٨
٩
١٠

٧

6.9K 151 5
By Rano2009

7- زواج مدبر
*****************
تقلبت تيشا على بطنها ودفنت رأسها في نعومة الوسادة وهي تقاوم نداء وعيها الداعي الى الأستيقاظ
كان يلفها شعور دافىء ولذيذ بالقناعة والهناء فلم تشأ أن تحرم نفسها من التنعم به وقتا أطول
وفي الأخير أنفتح جفناها تلقائيا وركزت عينيها الخضراوين على القماش الحريري التوتي الذي يغطي ذراعها وتسللت من تحت الأغطية بشيء من التردد ومشت الى الحمام حافية القدمين
وجدت ثياب الأمس المبللة قد جفت تماما فأرتدتها على عجل , أما شعرها الذي تشعث في أثناء النوم فقد أمضت عدة دقائق في تسريحه , غمغمت لحنا طروبا وهي تخرج من غرفة النوم وأصغت السمع وهي تتجول باحثة عن مكان رورك
وأخيرا رأت ضوءا ينبعث من باب غرفة مكتبه المفتوح فتمهلت في سيرها لدى أقترابها منه , وحين ألقت نظرة الى داخل الغرفة رأت رورك منحنيا على طاولة الرسم محتضنا رأسه بين ذراعيه وقد طرح على كتفيه حراما من الصوف , ومات اللحن في حلقها لما حملتها قدماها الى داخل الغرفة.

أحست رغبة جامحة في الأقتراب منه لتزيح خصلة شعر ذهبية شردت على جبينه الساكن... بدا في نومه أقل أرهابا وأكثر جاذبية أن صح هذا التعبير , وفيما هي تتمسك بحافة الدرابزين لتصعد الدرجات القليلة رأته يحرك رأسه ....
لقد كتمت السجادة الوثيرة صوت خطواتها ولا يعقل أن يكون سمعها وهي تدخل, ومع ذلك أستيقظ من غفوته وطفق يمسد وجهه بيديه المتعبتين.

توقعت أن ينتبه لوجودها في أية لحظة فأستبقت ذلك وقالت تحييه بمرح:
"أسعدت صباحا".
بقيت واقفة حيث هي , لأن ساقيها المصطكتين عجزتا عن حملها لتصعد بهما الدرج , وأستدار اليها بوجه متجهم وتمتم بنكد وهو يحرك كتفيه ليلين عضلاتهما المتقلصة.
" هل هو حقا صباح سعيد؟".

فأضافت بتردد:
" أنه على الأقل ليس ماطرا".
لكن لم يبد عليه أنه سمعها , وعاد يفرك فمه وذقنه بكفه العريض وسألها متذمرا:
" لا أحسبك قد صنعت شيئا من القهوة؟".
فقالت مدافعة عن نفسها:
" ما أستيقظت الا قبل دقائق".

" أذن ماذا تنتظرين؟ أذهبي وأصنعيها".
فأحست بأمل السعادة الوهمي يتفجر في وجهها كفقاعة الصابون, فما عدا تلك اللفتة السريعة المتجهمة لم ينظر اليها بتاتا.

ولذا أعلنت بصوت جليدي :
" سأصنع القهوة لأنني أرغب شخصيا في فنجان منها , وأذا كنت تريد واحدا فأذهب الى المطبخ لتحصل عليه!".

لم تعرف كيف خرجت من الغرفة لشدة خيبتها وأستيائها , وفي المطبخ فتحت وأغلقت عدة خزائن حتى وجدت البن الذي وضعت المقدار المطلوب منه مع الماء في أبريق قهوة كهربائي وأشعلته ثم جلست على أحد الكراسي تصغي الى فقفقة الماء المغلية وهي تمتزج مع البن داخل المصفاة الخاصة به حتى تنضج القهوة تماما.

وما أن سحبت الموصل الكهربائي حتى دخل رورك الى المطبخ , وبدون أن تنظر مباشرة اليه لاحظت تيشا أنه كان حلق ذقنه وأعاد الى شعره بعض التنظيم وأرتدى قميصا بنيا بدا منسجما مع بنطلونه الفاتح.
وصرحت فورا بقولها:
" القهوة جاهزة".
ثم نهضت وسكبت لنفسها فنجانا حملته الى حيث الطاولة لكنها لم تعرض أن تسكب له واحدا.
فسألها:
" هل تريدين عصيرا أو خبزا محمصا أو أي شيء آخر؟".
" كلا, شكرا".

" حسنا , أنما لا تأكلي رأسي بتصرفك الثلجي هذا".
أستعرت غضبا وأجابته:
" أذن لا تخاطبني بهذه الحدة! أن كنت قضيت الليل تعمل بدل أن تنام فلا تصب جام غضبك علي".

فأخترقت نظرته الهواء كرمح باتر سدده الى عينيها وأجاب:
" الأريكة لا يزيد طولها عن خمسة أقدام ونصف قدم , فيما طولي أنا , كما هو مسجل في رخصة القيادة , ستة أقدام وأنشان ... حاولي أن تنامي في ظرف كهذا!".
" الذنب ليس ذنبي".

أستند بتكاسل على منضدة المطبخ المستطيلة وأجاب وهو يرشف القهوة الساخنة:
" حسبما أذكر , كنت تنامين على السرير الوحيد في هذا البيت".
" كان بأمكانك أن...".
فحثها على المتابعة بهدوء مميت:
" كان بأمكاني ماذا؟".

فنهضت واقفة على عجل وقد توردت وجنتاها بشدة.
وفيما هي تمر به لتسكب فنجانا آخر من القهوة وتابعت عبارتها قائلة:
"كان بأمكانك أن تنام على السرير وتترك لي الأريكة".

فوضع فنجانه جانبا ومد ذراعه فأوقفها أمامه ... وفجأة عاودها ذلك الشعور بالخواء المؤلم وعيناه الداكنتان تتجولان عليها
وغمغم مجيبا:
" أو كان بأمكاني أيضا أن أشاركك السرير".
تلاحقت أنفاسها فردت بصعوبة:
" لم أقل ذلك".
" لكنني لو أردت البقاء معك لفعلت , أليس كذلك؟".

أجتاحتها رعدة حنين لدى سماعها صوته الأجش والحامل في ثناياه رقا غير منظور , ثم أحنت رأسها في موافقة خرساء على كلامه.
وتابع رورك:
" لو أنني فعلت ذلك , لكنت تحاولين هذا الصباح أيجاد طريقة لتربطك بي ".

فأحست كأن خنجرا باردا أنغمد في قلبها, وسألته وهي تشمخ برأسها دفاعا عن كرامتها الجريحة:
" ألهذا السبب لم تفعل؟ لأنك كنت تخشى أن أصبح أنثى متطلبة تصر على الألتصاق بك؟".

فقال محذرا أياها بهزة ساخرة من رأسه:
" لا تتظاهري بخبرة لا تملكين منها شيئا".
"ما دمت تفضل الفتيات الخبيرات فلماذا كلفت نفسك عناء مغازلتي ؟ هل فعل ذلك لتتأكد فقط من أنك لم تفقد براعتك في هذا المضمار؟".
أجابها بلطف:
" كلا , لكن الأنثى عندما تصبح ناعمة ومطواعة مع الرجل , يكون رد فعله غريزيا , وعلى الرغم من لسانك اللاسع يا حمراء , فأنت امرأة مثيرة ".

" على الأقل أنت لا تراني بغيضة كليا".
" أنا لا أراك بغيضة والحقيقة أن العكس هو الصحيح".
" أنك تتكلم في دوائر فلا أفهم شيئا مما تقول ... فمرة تزعم أنني ساذجة جدا بالنسبة الى خبرتك ومرة ثانية تعطيني أنطباعا بأنك تريدني , ألا تقدر أن تستقر على رأي واحد؟".
" أجل , أقدر".

لفظ الكلمة الثانية مشددا وتابع:
" ولكن ما مدى قدرتك أنت؟ ما هو شعورك الحقيقي أتجاهي؟".
" أنا أكرهك الآن!".
" صحيح, فأنت كنت ستسمحين لي في الليلة الماضية...".

أكتنفتها الحسرة فأطلقت تنهيدة يائسة وقد بدأ غضبها يتبخر , تأملت وجهه بعينين ضائعتين , وفي تعبير وجهه عاصفة صغيرة من الخيبة العاجزة, وغمغمت:
"أمر غير معقول , أليس كذلك؟ فأنا أكرهك وفي الوقت نفسه...".
وعلقت بقية العبارة في حلقها...
فحذرها رورك:
" على مهلك!".
أختفى البريق الساخر في عينيه وحلت مكانه نيران قاتمة.
" لا تقولي شيئا لأنني قد أتمسك بأي أعتراف يصدر منك".
لكن تيشا لم تكن متأكدة من نوعية ذلك الأعتراف , فالحب لا يعقل أن يحدث بهذه السرعة ولا أن يترك لها مجالا لأن تشعر أتجاهه بكل هذه العدائية الملتهبة.

وتكلمت أخيرا بعذوبة:
" رورك, أننا نمثل , بشكل أو بآخر , أتحادا قابلا للأحتراق".
" أوافقك على هذا كل الموافقة".
وأشرق وجهه بأبتسامة عريضة عززت بريق الرضى في عينيه وغمغم سعيدا:
" صباح الخير يا تيشا , أعتقد أنني لم أصبحك بعد , هل فعلت؟".
" لا".

أبتسمت ووجهها مدفون في حنانه وقد توقفت عن الأهتمام بردود فعلها التكافؤية أتجاهه , أرجعت رأسها الى الخلف كي تنظر الى محياه وتقول:
" هل تتصرف دائما كدب عجوز نكد عندما تستيقظ من النوم صباحا؟".
فرد مبتسما ونظرة عينيه الماكرة تذيب مفاصل ساقيها:
"فقط عندما تكون لدي فتاة تتجول في بيجامتي وفي غرفة نومي خلال السهرة".

وفجأة سمعا طقطقة في قفل الباب وأحست تيشا برورك يتقلص الى جانبها, أدارت رأسها بأستغراب ونظرت صوب الباب الموصل الى المرآب
فأنتابتها صدمة جعلتها تتجمد للحظة كاملة بلا حراك
ثم أنتزعت نفسها بوجل من بين ذراعي رورك وهتفت بصوت رفيع لشدة أنذهالها:
" بابا!".

حدقت الى وجه أبيها المكسو بثورة باردة لكنه لم يكن ينظر اليها بل الى الرجل الواقف معها , وسألته بصوت خافت لاهث:
" ماذا تفعل هنا؟".
قذفها بنظرة قرف جليدية فأدركت تيشا بثقة مرعبة ما كان يجول تماما في ذهنه! ألتهبت وجنتاها حرجا وأرتباكا وسارعت تقول مفسرة:
" بابا , الأمر يختلف تماما عما تظن , لقد أضطررت الى البقاء هنا ليلة أمس لأنه كانت هناك شجرة تسد الطريق و... ولم أستطع العودة الى البيت مشيا في تلك العاصفة".

فغمغم أبوها متهكما:
" هذا شيء مضحك , لم تكن هناك أية شجرة تسد الطريق عندما عبرت عليها بسيارتي".
كان التحدي واضحا تماما في عينيه حين قذف رورك بنظرة متقدة , وكان ألأخير ما يزال يرتكز على الطاولة وعيناه مصوبتان مباشرة الى عيني والدها المفعمتين بعدائية مكشوفة.
أزدادت تيشا أرتباكا
وعادت تفسر ويدها تحوم بعصبية على عنقها:
" كان من المفروض أن تصل صباحا فرقة أصلاحات لتفتح الطريق , و.... ولا بد أنهم أزالوا الشجرة في الموعد المحدد".

وفي تلك اللحظة ظهرت بلانش على العتبة وبادرت تيشا بنظرة عطوفة وغمغمت لها:
"آسفة يا عزيزتي ".
وأضافت هامسة وهي ترفع يدها بحركة تعبر عن عجزها:
" لقد وصل هذا الصباح ولم أستطع منعه من المجيء الى هنا".

وألتفت ريتشارد كالدويل الى صاحب البيت يسأله:
" أسمك ماديسون , أليس كذلك؟".
ولما أومأ رورك بالأيجاب قال ريتشارد موجها الكلام الى أبنته:
" تيشا , أريدك أن تعودي مع بلانش الى البيت بالسيارة".

فهتفت الفتاة:
" أبي , كف عن هذا! أنك تتصرف تماما كأب فكتوري ولا ينقصك ألا أن تحمل في يدك بندقية ! لم يحدث أي شيء ليلة أمس.... رورك , أشرح له الحقيقة!".
فرد أبوها متحديا رورك:
" نعم , أنا متأكد من أن ذلك المشهد الحميم البسيط الذي شاهدته لحظة دخولي لم يكن سوى تعبير منك عن عاطفتك الأخوية لأبنتي!".

فأعترضت تيشا حانقة وهي تلبط الأرض بقدمها:
" لم يكن موقفا حميما , كان يحيطني بذراعيه فقط".
نفذ صبر ريتشارد وأنقطع الخيط الرفيع الذي كان يمسك أعصابه فصرخ فيها قائلا:
" قلت لك أن تنصرفي!".

فوقفت في طريقه راسخة القدمين وأجابت:
" كلا! لن أنصرف قبل أن تقتنع بتفسيرنا!".
" لست بحاجة الى تفسيركما ! أنا أعرف تماما ما كان يدور بينكما عندما فاجأتكما بدخولي!".
فهتفت واليأس والخيبة يحفان بصوتها:
" بحق السماء يا بابا , أنا أبنتك , فهلا أصغيت الي!؟".

ثم قلصت فمها بوجوم وأردفت متسائلة:
" أو لكوني أبنتك تصر على المعاندة ولأنك تعرف ما كنت ستفعله في ظروف أخرى مشابهة؟".
فألتمع على وجهه شعور بارق بالذنب قبل أن يسارع الى محوه وأجابها بحدة:
"ما تقولينه هراء محض! لا تحاولي أبعادي عن الموضوع الأساسي والأهم".

" أنا لا أحاول أبعادك عن أي شيء بل أحاول منعك من جعلنا أضحوكة في نظر الآخرين!".
حدق اليها ريتشارد كالدويل لدقيقة كاملة وهو يقاوم ضعفه أمام الأسترحام البادي في عينيها الخضراوين الغاضبتين والمليئتين بالدموع
ثم أدار نظرته القاسية صوب رورك الذي أستمر منذ وصوله يتابع فصول المعركة بهدوء تام
.
ضبط ريتشارد نبرات صوته الجامحة وأعلن لها بحزم:
" أنا والسيد ماديسون لدينا موضوع خاص سنتداوله على أنفراد , لذلك أريدك أن تصعدي الى سيارتك وتعودي مع بلانش الى البيت".
فأجابته تيشا بدون أن تتزحزح عن وقفتها المتمردة أمامه:
" لا يمكنني ذلك لأن بطارية سيارتي قد تعطلت مساء أمس".

فرد حانقا:
" أذن خذي سيارتي!".
كتفت ذراعيها على صدرها , وقالت وهي تتابع تحديقها الغاضب الى الرجل الطويل الأسود الشعر:
" من المفروض أن أمثل الفريق المتضرر في هذه المسرحية الساخرة , ومن حقي بالطبع أن أصغي الى هذا الحديث الخاص".

فقال أبوها بعزم وأصرار:
" الأناث لا يمكنهن بحث الأمور بذكاء ومنطقية عندما تكون هذه الأمور متعلقة بعواطفهن , وأنت سوف تصابين بالهستيريا حالما نبدأ الحديث".
فتأوهت بغضب:
" أوه , أنت الذي لا تستطيع بحث الأمور بذكاء ! ثم أنك لم تكن هنا ليلة أمس , ومع ذلك أنت واثق جدا من معرفتك لكل ما حصل!".

فأنفجر ريتشارد صارخا:
" أرفض أن أتحمل وقاحتك دقيقة أخرى! عليك أن تغادري هذا البيت فورا!".
فهتفت تيشا وهي ترفع صوتها ليعادل مستوى صراخه:
" لن أتركك هنا لوحدك مع رورك!".
وفجأة سمعت حركة خفيفة خلفها ثم شعرت بيد تلم خصرها وجاءها صوت رورك يقول بأسترخاء متلذذ:
" لدي القدرة الكافية على خوض معاركي الخاصة يا حمراء".

فرد عليه ريتشارد كالدويل بسخرية متشفية:
" بدأت أعتقد أنك من النوع الذي يختبىء وراء أقوال النساء".
نظرت تيشا خلف ظهرها فرأت عيني رورك تتصلبان فجأة مع أن تعبير وجهه ظل محتفظا بليونته ....
لكنها تدرك من خلال خبرتها الخاصة أن رورك خصم شديد اليأس والسطوة, وأنها ما أستطاعت أبدا أن تتغلب عليه , حتى عندما كان يخيل اليها أحيانا أنها المنتصرة.

وأجاب رورك بسكينة أدهشتها:
" أنني أتفهم قلقك وأهتمامك بما حصل ليلة أمس يا سيد كالدويل ".
ثم نظر الى تيشا وفي عمق عينيه البنيتين بريق مطمئن , وأردف:
" كذلك أوافقك تماما على أن بحث الموضوع بمنطقية سيكون صعبا في حضور أبنتك وحيث ستثور وتعم عصبيتها أرجاء المكان".

فشهقت تيشا لخيانته المفاجئة لها وهتفت:
" لن أنصرف من هنا!".
فقال وهو يدفعها الى الأمام قليلا:
" هيا , أذهبي مع بلانش الى البيت , أنا واثق من أنني ووالدك سوف نتوصل الى تفاهم ما".

وهذه المرة, نقلت وقفتها المتمردة اليه , فرسخت قدميها أمامه وصرخت برأس شامخ متحد:
" لن أذهب!".
فرد عليها رورك بلهجة هادئة وحازمة جدا:
" بل ستنفذين رغبة والدك".

" وأذا رفضت ذلك , ماذا ستفعل؟ هل سترفعني عن الأرض وتحملني الى السيارة بالقوة؟".
خفضت صوتها لدى تلفظها بالكلمة الأخيرة وذلك حين ذكرتها نظرة عينيه بالليلة الفائتة لما حملها بلا أدنى مجاملة الى داخل البيت.
وتمتم يجيبها:
" سأفعل ذلك أذا أضطررت".

عندئذ أدركت أنه هزمها ... أسترقت النظر الى والدها فرأت في عينيه بريق أحترام أزاء النبرة الحاسمة في صوت رورك
ولم تستبعد أن يصفق أعجابا أذا ما أرت على المقاومة ورأى رورك يحملها عنوة ليخرجها من البيت.

أستشاطت غضبا وقالت وهي توزع سموم لسانها بالتساوي بين الرجلين:
" أعتقد أن كليكما يثير القرف بهذا التصرف الذكري المتعالي والمصر بغرور بأنه على حق! سأنصرف لا لسبب الا لأنني ما عدت أطيق رؤية أي منكما!".
تجمعت دموع المرارة في عينيها وهي تخرج غاضبة من المطبخ وعمتها تسيرخلفها بهدوء:
توقفت عند سيارة والدها ثم دارت حولها الى الجهة الأخرى وقالت لعمتها:
" تسلمي المقود يا بلانش فأنا ثائرة الى حد يجعلني أصطدم بشجرة ".

قلصت أصابعها وغرزت أسنانها في قبضتيها حين أدارت عمتها محرك السيارة وأنعطفت بها الى الطريق , وغمغمت تيشا ودموع الخيبة تحرق خديها:
" ما تعرضت لأذلال في حياتي! لماذا أضطر أبي للمجيء هنا؟ لماذا هو على أستعداد دائم لتصديق أسوأ الأشياء؟".

فردت بلانش برقة:
" لقد أشتاق اليك وجاء ليقضي هذا اليوم معك".
" ليته لم يأت, لا أريد رؤيته أبدا بعد اليوم!".
ثم تهدلت كتفاها بأنكسار وأردفت وهي تتنهد وتمسح الدموع عن وجهها:
" لم أقصد ما قلت , أنه أبي وأنا أحبه , لكن لماذا لا يقدر أن يثق بي؟".

" لست أنت من لا يثق به كثيرا , بل هو رورك , دعنا نواجه الحقيقة , فلو أن رورك كان رجلا بدينا قصيرا وفي الستين من عمره , لما وصل أبوك أبدا الى ذلك الأستنتاج وبتلك السرعة , وأذا كان قد دخل فرآك بين ذراعي رورك, كما قلت, فلا تلوميه لكونه حكم عليكما من خلال ما رآه بأم عينه , ثم لا تنسي أن أباك كان مغامرا في شبابه ولم يأبه على الأرجح لأعتراضات نساء عديدات على تقرباته الغرامية منهن , ومن الجائز جدا أنه تصور رورك يفعل معك الشيء ذاته".

أجتاحتها موجة خجل عارمة, فلا أحد سواها وسوى رورك يعلم الى أي حد كادت أتهامات أبيها أن تقترب من حدود الحقيقة , كم تشعر الآن بالذنب
ولا ريب أن هذا الشعور رافقها من قبل أيضا وكان السبب الذي جعل نفيها لتلك الأتهامات شديدة الحرارة وربما أقل قابلية للتصديق.

عقدت حاجبيها بضيق وقالت تتنهد بندم:
" كم أتمنى لو أن تلك الشجرة لم تهو ليلة أمس ولو أن فرقة الأنقاذ لم تبادر ألى أزاحتها من الطريق في الصباح الباكر.
وعلقت بلانش تذكرها بوجوم:
" وكم أنا نادمة لأنني أرسلتك الى هنا ليلة أمس بتلك الرسالة , وما كان ينبغي أن أصر على ذلك".

" أوه , بلانش , أنا لا ألومك بتاتا!".
" أعلم ذلك لكنني ألوم نفسي ... لقد تركت القهوة على نار خفيفة ".
فردت تيشا بعد أن ترجلت من السيارة :
" أرجو أن تكون نضجت تماما لأنني بأشد الحاجة الى قهوة قوية منعشة".
دخلتا معا وسارعت بلانش الى سكب فنجانين لكلتيهما وجلستا الى طاولة المطبخ تواسيان بعضهما بعضا بصمت.

وفي الأخير تنهدت تيشا من قلب موجوع وقالت تبث عمتها همها:
" بعد الذي حصل , لا أتصور أن أبي سيسمح لي بالبقاء معك , سوف يحملني على الأرجح مع ثيابي ويعود بي الى البيت حيث يمكنه أبقائي تحت الحراسة المشددة ... وأذا كان في الماضي قد أرعب أصدقائي الشبان حسب أعتقادي , فذلك سيكون شيئا بسيطا بالنسبة الى ما سوف يفعله من اليوم فصاعدا".

فقالت بلانش تطمئنها بحماسة:
" لست مضطرة الى مغادرة بيتي , فمهما أرتأى أخي من أجراءات ستبقين هنا على الرحب والسعة".
شكرتها تيشا مبتسمة ثم سألتها وبصرها يشرد الى النافذة:
"ماذا يظنينه سيفعل برورك ؟".
فأجابتها عمتها بأسى:
"لا أظنه سيفعل به شيئا".

" ليتني أعرف ماذا يجري الآن هناك".
" ستعرفين ذلك قريبا".
ومضت ساعة , بدت كسنة لتيشا , قبل أن تسمعا صوت سيارة تيشا تتوقف في الممر, فتبادلت المرأتان نظرة متعاطفة فيما أستعدت الفتاة لمواجهة ثورة ريتشارد
لكن عندما دخل المطبخ كان وجهه يشع بأبتسامة راضية وراح يفرك كفيه مع بعضهما البعض كأنه أنتهى لتوه من تنفيذ مهمة شاقة.

وسألهما بصوت مرح:
" هل تركتما لي بعض القهوة؟".
لقد توقعت تيشا أي شيء الا هذا الحبور البادي في صوته وتصرفاته
تغصن جبينها بعبسة حائرة وأخذت تراقبه وهو يسكب القهوة في فنجانه ويحمله الى الطاولة حيث تجلس مع بلانش.

أتخذ مجلسه على الكرسي وكأنه يستوي على صهوة جواد ولامست أشعة الشمس فوديه الشائبين فألتمعا كالفضة , أومأ برأسه لتيشا وقال:
" أنت شابة محظوظة جدا ".
" ماذا تعني؟".
فأعلن بأعتزاز وهو يرشف القهوة الكاوية:
" صديقك السيد ماديسون وافق على تنفيذ الأجراء اللائق بحقك".
تقلص ظهرها لدى سماعها كلماته وأستوضحته مذهوله:
" ماذا تقصد بالأجراء اللائق؟".

" لقد وافق على الزواج منك بالطبع!".
" أوه , يا ألهي!".
كانت لا تصدق أذنيها , وأشتد بها الذهول الى حد الشلل , ثم أردفت بصعوبة:
" لا يعقل أن تكون جادا في كلامك!".
" بل أنت مصيبة تماما , فأنا أتكلم بمنتهى الجدية ! سنجري فحوص الدم ونحصل على رخصة الزواج هذا الأسبوع".

فهتفت تيشا وهي تقفز من مكانها ملتاعة:
" لا وألف لا! لن أتزوجه".
" بل ستتزوجينه بكل تأكيد".
فأعترضت بصرخة يائسة:
" لكنني بالكاد أعرف هذا الرجل , وفي الواقع, لا أميل اليه بتاتا!".
" كان يجب أن تدركي هذه الحقيقة قبل أن تقضي الليل معه!".

" لقد أمضيت ليلة في بيته وليس معه , أنه بالطبع شرح لك ذلك, ألم يفعل؟".
أحست بالخوف يتكوم في حلقها وهي تنتظر جوابه
فقال بليونة وبساطة:
" في الواقع لم أجد داعيا لنبحث بدقة تفاصيل ما حدث الليلة الماضية , فحالما أكتشفت أن نواياه أتجاهك لم تعد هناك أي حاجة الى بحث علاقته الحميمة بك".
فكررت تيشا مستغربة:
" نواياه أتجاهي؟ هل تعني أن رورك يريد الزواج مني بكل رضاه؟".
" أقنعته أنه بات ملزما بذلك , وبأقصى سرعة ممكنة".

فتدخلت بلانش لتسأله غاضبة:
" ريتشارد , هل هددته بأقامة دعوه عليه؟".
شعر بحرج فتململ في جلسته وأجاب:
" لم أقل له ذلك بكلمات واضحة , لكنه رجل ذكي فأدرك من تلقاء نفسه أنني مضطر الى أن أحمي سمعة أبنتي , وبالطبع , كان عليه بالمقابل أن يحمي سمعته من فضيحة محتملة".

فهتفت تيشا ثائرة:
" في الواقع , أنت سترغمني على الزواج منه! أنا لا أحبه!".
فأكد لها والدها قائلا:
" أنه شاب قوي الشخصية ولديه مهنة ممتازة , كذلك هو واسع الثراء نظرا الى ما أستطعت أستنتاجه من واقع بيته , كان من الممكن أن ترتبطي برجل أقل ملاءمة لك بدرجات , فكيفن مثلا , ما كان ليستطيع أبدا أن يضعك عند حدك لكن أظن أن ماديسون سيكون قادرا على ضبطك".

وهنا ألتمعت عيناه بشرارة غضب وأردف:
"لمّا دخلت عليكما في ذلك المطبخ كنت تعانقينه برضى تام , ربما أنت لست مغرمة به الآن , لكن بوجودك مع رجل مثله , لا بد أن تحبيه مع مرور الوقت".
" لا ! لن أتزوجه!.
" الموضوع بات منتهيا وأخذ كفايته من البحث والجدل".

وضع فنجانه على الطاولة ونهض عن مقعده قائلا:
" الآن , أستأذنكما أذ ينبغي أن أجري بعض الأتصالات الهاتفية مع الموظفين لأستطيع التفرغ هذا الأسبوع , أنها لنعمة أن يكون الرجل رئيس مؤسسة وحيث يقدر في الحالات الطارئة أن يوكل مهمات العمل الى مستخدميه".

وحالما أنصرف أبوها , أنطرحت تيشا على كرسيها وتمتمت:
" لا أصدق كل هذا ! ما الذي جعل رورك يوافق على الزاج؟".
فأعترضت عمتها بقولها:
" وأنا لا أقل عنك أستغرابا".

" ما زلت أحس بأنني أعيش كابوسا وأنني لن أفيق منه الا أذا قرصت نفسي بقوة... كم أنا شاكرة لكل تلك الأجراءات العصرية التي ينبغي على المرء أتباعها قبل أتمام الزواج , فلولاها لسارع أبي الى تزويجي منه فورا.... كنت أعلم أن رورك وافق على هذا ... الزواج , أعرف أنك تجذبينه لكنني كنت أتساءل ... هل وقعت في حبه يا ترى؟".

" أنا ؟ أقع في حب رورك؟".
وعلى الرغم من كل الغضب الذي حشدته في صوتها بدت هزة رأسها النافية خالية من حرارة الأنكار , وأضافت تقول بحزم وكأنها خائفة الى حد ما من فحص عواطفها:
" لن أقع أبدا في حبه!".
ثم قفزت واقفة وصرخت بتحد:
" يجب أن أكلم أبي , يجب أن أقنعه بشكل ما بأنني لا أريد الزواج من رورك".

********نهاية الفصل السابع*********

Continue Reading

You'll Also Like

1M 64.6K 103
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
68.5K 1.4K 10
في اللحظة التي اجتاز فيها غانون عتبة كوخها، فقدت دورا ما منحها الله إياه من عقل.... ليس السبب في مساعدتها له خوفها منه، ولا وقوعها أسيرة سحره المدم...
547 45 7
"تقولُ الأسطورةُ أنَّ الزّهورَ في الأصلِ مكامنُ أرواحٍ بشريّةٍ تخشى العتمةَ و تهوى الضّوء" سونو ~ 🌼 أوفيليا ~ 🌼 سلسلةُ نجوم {خوارق / ENHYPEN} الكتا...
1M 85.1K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...