شتاءٌ أخرس

By ii7ii7ii

34.9K 2.4K 4.4K

أولا ترى؟ أولا تشعُر ايها الشتاء؟ لماذا لا يمسُك دفئي لمره؟ More

سقوط
توجُّس
شُعله
ليْـل
صمت
ندم
رُكود
غَرَق
عُزله
عَوْم
وعـي
مغفره
نُضج
منفى
بحر

ذهاب

1.6K 139 248
By ii7ii7ii

كنتُ اغني للصباحات، اتوهجُ بنورها، واسقي ازهارَ الحدائق بمائها، كان وسعُ السماء اصغر من ان يسعني !
وهطول الثلج ابرد من ان يُجمّدني، لاني ذبت!
في احتراقي، في اشتعالي، في اتقادّي،
في كل شيءٍ ظننتهُ كان حقيقيًا في عقلي وكذَب

كنتُ اغني! لم اتلعثمْ مرةً، لم اشكو ألحاني العشوائيه ولا طبقاتُ صوتي المُهتزّه

كنتُ اغني
لكن،
اغانيَّ صمتت.

وانا الآن في صباحٍ أبيضٍ غائم أُحدقُ بصمتٍ تلبّسني في نافذتي ثم في كيس ثيابه بعد ان أمرتُ الخدم قبلَ أسبوع في تلك الليله البائسه بغسلها وكيها

كنتُ غاضب نعم
كنتُ انتظر تبريرًا منه، نعمٍ أكبر
لكنهُ سمعَ تلميحاتُ ماركوس دون ان يُجيب، دون ان ينظُر لي حتى بل انهُ وبقبحٍ كبير ذهبَ وتركني عالقًا في ابتساماتِ ماركوس الملعونه

"سيد مورتيمر؟"
التفتُ بضياع في من كانت طوال الوقت تندهُ عليّ بصبرٍ كبير

"الجميع ينتظرك على مائدة الطعام"
اغمضتُ عيوني بألم حينَ حاولتُ الابتسام ساخرًا لكن تشققاتُ شفاهي من برد تلك الليله عادت لتذُكرني بسوئها

"لا أُريد، اخبري حارسي اني سآتي في الحال ليُجهز السياره"
استقمت محتقرًا ثيابه، ارتدي معطفي بهدوءٍ سكنني ولم يتوقف في غمري لثانيةٍ واحده، مضى اسبوع ونحنُ لا نتقابل لا اعلم ان كانَ يهرب او ينتظر مني اللحاقَ به !

اغلقتُ غرفتي، حملتُ حقيبتي ونزلتُ للأسفل متجاهلًا نداءاتُ أدريان الذي قابلتُه صدفةً في الممر، كان الهدوء في عقلي يحجب كل شيء رغمَ عدمية الأشياءِ اصلًا

لفحني الهواء ولأول مره لا ارتعشُ له.

لأول مره يفوقُ بردي برده، حيثُ لا احس، لا اشعُر ولا يؤلمني شيء، لا انتظرُ تردد الوداعات، ولا نطُق الحقائق، لأول مره يسقطُ العالم دفعةً واحده من عيني دونَ ندم.

"ما قصةُ الخادمه! منذُ متى اصبحتَ ترسُل عليَّ خدمك لأُجهز سيارتك تايهيونق؟"
قال بصوتٍ مرتفع لأن المسافة بيننا كانت بعيده، بعيده حقًا.

"الى الجامعه"
همستُ له اركب في الخلف بعد ان امضيتُ آخر ايامي اجلس بجواره، انظُر فيه، يشعُر بي ويصمت، نُجري الأحاديث التي اختارُها، و يكذبُ علي

ركبَ السيارة صامتًا بعد ان رأيتُهُ يُطقطق عُنقه بقلةِ صبر، تجاهلتُ وجوده اضع سماعاتي على رأسي واستمعُ للخواء رغمَ صخب الموسيقى الذي يدقُ في أُذناي دونَ هواده

وآهٍ كم يُشعرني اختلافنا بالبُكاء، آهٍ كيف تضربُ ألحانَ منزله الهادئه جُدرانُ رأسي المسكين، وكيف يحنُ قلبي اليه رغم قلة اعتيادي!

لم المسهُ لمره
لم اشعُر بكفه تذوبُ بين كفوفي
فلماذا اتوقُ إليه بهذهِ الكثره!

لماذا وجودهُ امامي الآن يجرشُ ما تبقى لي من مشاعر!

"تايهيونق"
التفتُ برأسي اليه قبل ان انزل من السياره، خفتُ لوهله ان ابكي، ان اركُض لمعانقته، لكن صمته كانَ اكبر من كلينا

"اظُنني لن اصطحبُكَ اليوم، لدي عملٌ آخر"
تمددت شفاهي بُسخريةٍ كبيره لحِظَها فورًا
ما الفرق؟ منذُ أسبوع وانتَ مُنشغل، نزلتُ دون الرد عليه او الالتفات، رغم اني كنتُ احملُ في داخلي طفلًا بكّاء يرجو رؤيته

جونغكوك كُنتَ بي اكبر من كُل الكلمات، ابعد من كل النجمات، كنتَ قاسٍ دومًا، لا بل عطوفًا علي، وكاذب

كانت نظراتُ الاحتيال التي تربصتني بها دومًا تثلجُ صدري المُحترق، وانا كُنت اشدّ رجُلٍ غاضب، لكني معك تذوب صلابتي كما لو كنتُ لا اعرفُ معنى القهر يومًا، أخبرني؟ لمَ لا تتحدث؟ لمَ لا تغوصُ في وجداني وتقتلعُ شكوكي عنك بأنك مُحال ان تخدعني، وانك لم تُكن مُجرد كاذب كان يُمثل كل لحظاتنا سويًا !

حتى وانا الآن انظرُ بضياعٍ كبير بعد مرور اربع ساعات في هذا العالم حولي، والصخب لا ينكف ينخَر أُذناي حتى نزفت، وانتَ وغد لا يُجمّلُك شيء من ذكرياتنا إلا ان عقلي الآن مُرتاحًا لأنكَ به، لأُنه لا يُفكر بشيءٍ سواك

مثل لحظةٍ توقفت فيها عقاربُ الساعه، مثل معطفٍ صوفي في ليلةٍ مُثلجه، مثل كُوبِ شايٍ ساخن فوق تلٍ ضخم.. كان عقلي هادئًا مثلك تلك اللحظات.. لأنكَ به

"اليوم سيجتمع أثرى أثرياء روسيا في أشهر أنقاض العاصمة لإقامة مأدبة عشاء، اللعنه تخيل الثراء فقط"

"اوليسَ ذلك القصر محمي من الدوله ومُتاح للسياحة فقط؟"

"نعم لكن عائلة مورتيمر في الأمر، اذًا كُل شيءٍ مُباح، تعال فقط وانظُر كيف جُنّت الصُحف منذُ ليلة البارحه لأجل هذهِ الأمسيه"

"الهي عائلة مورتيمر تلك لا اظُنهم يعرفون معنى الشقاء، اللعنه كم احسدهم! تخيّل ان ابن ريستوس المتبقي يأتي كل يوم في سيارةٍ مُختلفه لشدة البذخ!"

"هيه دعنا نُصادقه ليصرف علينا قليلًا من أمواله ما رأيك؟"

"بربك اخرس اونسيتَ ما الذي حلَّ بوالتر؟"

تنهدتُ بثقل بعد ان سمعتُ محادثتهم خلفي، كنتُ سأخرُج لكني لم أُرد احراجهم حينَ يرونني استقيمُ امامهم، لذا التزمتُ مكاني استمع لتذمراتهم بشأن الثراء الذي لا نستحقه ابدًا

"ستخرُج مبكرًا اليوم لتأتي معي للعاصمة"
منذُ متى وانا اذهب معك اليها بعد ان عُدنا منها؟

بعد تلك السنين يا أبي هل ستعود بي الى نقطة البداية؟ هل سُتدمرني من جديد لأن ما حصل لي ليس كاف؟

"لن اذهب"
اجبتُ رسالته واغلقتُ هاتفي كليًا

مُحال ان اعود الى موسكو اللعينه
بؤرة مرضي.

أبي أنا، لن يُفرط بي.

رفعتُ يدي دون ان احس وبدأتُ اقضم اصابعي حتى وصلتُ الى جلدي الميت، اكملتُ عليه أُزيحه عني، وأود لو اقضم قلبي أيضًا وأُزيحُ قلقه وان آكل جلدي حتى وأُعرّي جسدي عن كُلِ ثقل، بدأت قدمي تهتز بقوه دون شعور حتى صارَ الجميع ينظُر لي بإنزعاج

لم اكُن متوترًا ولا مُرتبكًا، كنتُ خائف
والجميع هُنا يُشعلون غضبي ويزيدون الأمر سوءً

"ما الذي تنظُر إليه؟"
همستُ بحده للذي ظلَّ يُحدق بي كما لو كان يُريد كسرَ قدمي

"انظُر أمامك والا اقتلعتُ عيناك"
اكملتُ دونَ وعي وراحت أُذناي تستخلصُ كل كلمات الاساءة الموجهه إلي لأستمع إليها فقط

مُتعجرف
لعين
قاتل
مُدلل
ابن الأثرياء المُتغطرس
كنتُ اسمع همساتهم الموبخه تصرُخ في جوفي خلفَ سكون اجسادهم وانهيارُ جسدي

والآن اعلم انهُ لا حدودَ للألم
كلما كُنتَ في حالٍ تقولُ فيه انا اتألم حتى القطرةِ الأخيره، تذكر انهُ سيأتي ألمٌ آخر سيُدمرك، سيجعلُك تشعُر بألمٍ أشدَّ قوه أشدَّ بئسًا، حتى تُدرك أنهُ لا حدودَ للألم ابدًا .

لم احتمل تدهور نفسيتي، شعرتُ بي أسقُط فوقَ بعضي، وان واصلتُ الجلوس سأُجن، استقمتُ من مكاني هاربًا للخارج حتى اصبحتُ امشي على الرصيف في الشارع الرئيسي

انا ضعيف! للتو أُدرك
جسدي كاملًا بكل أعضائه وافكاره انهار لمُجرد العوده للماضي!
كنتُ تائه امشي متمنيًا الموت بكل جنوني، كنتُ مُعلق على جدار الأماني لا انا ربُّها ولا عبدُها.

حتى توقفت، ورفعتُ رأسي انظُر للجسدين اللذان نزلا من السياره التي توقفت بجانبي
"السيد مورتيمر بإنتظارك"
قبضتُ يداي بغضب

"لن اذهب معكما، ابتعد من أمامي"
همستُ والرياحُ تلفقُ صوتي حتى تضاءل أكثر والحزنُ نما بي حتى طفر

"ان لم تأتي سنأُخذكَ قسرًا"
تراكمت الرياحُ في صدري لكثرة ما هدأتُ بها نفسي فلم اعُد قادرًا على زفرها او تركها تذهب مني

"ابتعد من أمامي!"
صرختُ بغضبٍ قليل الحيله، وقد اهتزَ جسدي وطغى عليَّ غضبي، لن تأخذني للموت بتلك الطريقة

"سيد تايهيونق ارجوك لا نُريد استعمال القوة معك"
وقفَ امامي بسرعه يقول حينَ تقدمت أتخطاهما، لكني دفعته أُكمل مشيي، ولم اقطع خطوتين حتى حاوطتني ايديهما يسحبانني الى السياره وانا كنتُ غاضبًا ادفعهما بكل قوتي وألكم كل ما تقع عليهِ قبضتي

لم اخشى شيء في حياتي، سوى الإشتياق.

ان اعودُ لما قبلَ سبعةِ أعوام، الى نفس المنزل، وارى نفس الأماكن، اشمُّ ذات الرائحة وارى كُل زاويةٍ دونهما، هذا تحديدًا ما خشيته
انهزامي للماضي وانهياري هوَ ما اخافني

بالكاد عشتُ تلك السنين أُحاول التأقلم، أُحاول التنفس برئتانِ مثقوبه وبقلبٍ تضخّم لكثرة ما رميتُ فيه، بالكاد صدقت ان أُختي ماتت وأُمي رحلت، وبأني وحيد لا املُك شيئًا سوى جلدي!
خالٍ من كل مشاعر الحُب، ويُخيفني شوقي والعودةُ لهما في عقلي، انا بائس وكل مابي رهنُ عقلي، فماذا سأفعل ان جُنَّ عقلي معي؟

"سيد تايهيـ... توقف ايها المُدلل"
ولمّا كان خوفي الساخط والواضح من تحركاتي اشدُّ من قوتهما تخلى عن أدابه ولكمني بقسوه، حتى سقطَ جسدي فوقَ الحارس الآخر

رفعتُ رأسي أُحدق فيه مدهوشًا !
"سيقتُلك أبي"
همستُ بقهر، وراحت دموعي تشوّش رؤيتي كمدللٍ لم يتعود!

دفعتهما عني وركبتُ السياره، لمستُ نهاية وجهي المُحترق من لكمته، ولم تنكف عيوني عن التحديق فيه، لم اكُن مستاءً من شيء سوى ان العالم يظُنني مدللًا من أبي، حتى حُراسه الذين يرونَ مُعاملتهُ لي

ارحتُ جسدي على المقعد واخيرًا اجبرتُ عيوني ان تبتعد عنه، فقد فضلتُ ان يُعذبني الشتاء على افكاري التي تُخبرني بأني مُهان حتى في اعينهم

السيارة تمشي، الناس يعيشون بعادية خلف زُجاج نافذتي، الشمس رغم اختفائها تشرُق، إلا أنا
كنتُ محبوس،
رغمَ وجودي لا أشرُق
رغم عيوني لا أرى،
لا أتنفس
ولا أعيش

هل انا المسكين ام كانت الاشجار التي تعصف بها الرياحُ الثلجيه؟
من منّا يشفقُ على الآخر؟ من الأكثرُ ضعفًا؟ بل من الأكثر حُريه؟

من الذي يعيشُ خلف النوافذ فقط؟

رغم قسوة الرياح وشدتها لم ارى غصنًا فيها ينكسر
وانا رغمَ انعدام حتى نسمات الهواء انكسرت

انكسرتُ لكل الأشياء
حتى للحارس الذي لم يعتذر لي بعدَ لكمته.

"أبي!"
نزلتُ اركض من السيارة إليه فورَ وصولي، لم يوقف ركضي شيء حتى جونغكوك الذي قرصَ قلبي حين التفتَ لصوتي ينظُر لي بعد ما كان يُعطيني ظهره ويتحدث إلى والدي، وحتى الورقه التي اعطاها جونغكوك لوالدي وخبأهَا أبي في معطفه لم توقف أقدامي عن الخبط في الأرض غضبًا كطفلٍ باكٍ يركض ليشكو غضبه لوالده

"تايهيونق!"
همسَ أبي متسائلًا عاقدٌ حاجبيه، وحينَ اقتربتُ منه ابتعد جونغكوك قليلًا لأقفُ امامَ والدي، نظرتُ فيه لثانيه ونظرَ هوَ لطرفِ وجهي ثم في عيناي، ازحتُ عيوني مُجبرًا انطُر لوالدي

"أبي،
تعلم اني لستُ شكّاءً، لستُ عنيدًا، ولا أُسمم عيشةَ أحد!"
كان صوتي مهتزًا، اكثر من وترٍ انقطع بيد عازف

"لكن كيفَ يجرؤ حارسُك على ضربي؟ كيف تسمحُ له بإهانتي يا أبي!"
شعرتُ بثقل كتفاي، فتنهدتُ أُسقطهما، وهبتُ نفسي مجالًا لأشكو لهُ لمره، لأشعُر حقًا انهُ أبي رغمَ سخافةِ شكواي

أردتُ لمره ان اكونَ مدللًا حقًا
ان يغضب عليه أبي، ان يُوبخه، ان تتغير ملامح وجههُ البارده في هذهِ اللحظه، تنثني؟ تلينُ لي!
لكنهُ جرحني وصمت

"سيد مورتيمر لم اقصد ابدًا"
سمعتُ الحارس يقول من خلفي وهوَ يمشي إلينا قاصدًا والدي، التفتُ إليه أُخبّأ خيبتي ودموعي، اولستُ أحق بالإعتذار؟

"ارجوكَ اعذرنـ..."
وما كادَ يُكمل خطواتهُ نحونا ووضاعة كلماته حتى تقدم جونغكوك ولكمهُ بقوه على فكه جعلتهُ يميلُ برأسه عكس مجرى الرياح وغضبي

ما كانت الرياح لتُعذبني ولا كانت الأمواج لتُغرقني يومًا لكني هُنا تحديدًا في فوضوية هذا الموقف، تعذبت، وربما تألمت اكثر مما كنتُ اتوقع واظن، لأنهُ ورغم انكار عقلي المتواصل الا ان جونغكوك الوحيد الذي يهتم لأمري

"دعكَ من اعتذارك الوضيع كيف تجرؤ على لكمه في المقام الاول؟"
طوال هذا الوقت كنتُ استنشق الهواء البارد بقوه ليبرُد صدري وينجلي قهري، لكنهُ لم يُطفأ احتراقه شيء سوى لكمة جونغكوك له

لم يضربني احد يومًا، الا أبي
واظُنني اصلب من ان انهار للكمةِ حارس لكنهُ قهرني بي، فلا يحقُ له ما يحقُ لوالدي ابدًا حتى وان كانَ حارسه

"جونغكوك!"
همسَ أبي، لم يلتفت جونغكوك، لم التفت أنا
امسكَ بياقة قميص الحارس ورماهُ بين قدماي متجاهلًا وقوفُ أبي معنا، وانا ابتعدتُ مُحرجًا للخلف

"توسّل مغفرته"
لم اكُن انتظر شيئًا كهذا ابدًا، كنتُ فقط أُحاول استمالة أبي

"لا داعي، دعهُ يذهب"
انحنيتُ قليلًا محاولًا مساعدته على الوقوف لكني عدتُ ادراجي حينَ رمقني جونغكوك بعيناه، وتقدمَ منه

ماذا كنت تنتظر؟ ان أُهينه؟ اجعله يتوسلني حقًا، آه ذلك صعب رغم استحقاقي له، لكن!
لكن الحياه علمتني أكثر مما علمني أبي بأني يومًا ما قد اكون في اي موقف اضع شخصًا فيه، لذلك حذري يُقطر حتى من نبراتي

"حقًا لا داعي، أرجوك توقف"
امسكتُ ذراعه اهمسُ له مُحرجًا بصدق حين اقترب اكثر، أزاحَ يدي وانحنى ليُساعد الحارس بدلًا عني، كان رغم غضبه الشديد في تلك اللحظه، مراعٍ للحد الذي لم يرضى بمساعدتي للحارس حفاظًا على كرامتي لكن أبي في المقابل لم ينبس ببنتِ شفه لتصرُف حارسه الأهوج ضد ابنه !

هل كنتُ ضائعًا في حقيقة الأشياء من قبل؟ أكنتُ مليء بالتساؤلات منذُ فجر الحياه ام ان هُناك من عكف مساري وضيعني؟
ماذا كنتُ اظنُ الأشياء قبل جونغكوك!
هل كنتُ لأرى البحر واتخيلهُ قبله؟ ام اني لا زلتُ حبيسًا لبياترس كلما نظرت!
جونغكوك جدد رؤيتي للأشياء، حتى أبي، جعلني انفيه من قلبي اخيرًا رغم حُبي الكارثي له
ولا اخشى شيئًا الآن سوى ما الذي سيجعلني اراه اكثر.

"سيد مورتيمر سأذهب الآن ان انتهيت اتصل بي"
عاد يُخاطب والدي الذي بدا غاضبًا من تصرفه قبل قليل،
اطلتُ النظر فيه فلم يُبادلني، استمريتُ انظر كثيرًا، كثيرًا كثيرًا
وارجو في داخلي ان يلتفت لوهله، ان يُفسح المجال لأنفاسي بأن تخرُج، كنت ارى ضحكاتي تُطبع فوق ظهره وتذهب معه، ليس أدراج الرياح هذهِ المره بل أدراج الألم

كنتُ انظُر فيه دونَ توقف وازفر رغباتي الباكيه حتى ذهب وتركني خلفه شديدُ الخيبةِ منه والرغبه.

"الخدم بإنتظارك في غرفتك اذهب لتتأنق وتُبدل ثيابك سنسافر الى العاصمة بعد ساعتين"
استقمت من انكسارات روحي ملتفتًا إليه وأُحاول بابأس طريقه كُرهه

"انا مُحرج لأنك والدي"
همستُ والنيرانُ في قلبي زادت، وكرهي لك حتى وان مثلته أُريده، ماذا كان ليقتلك ان تساءلتَ عن حالي او ان تأذيت؟ أبي ماهو ذنبي ليُعاقبني الرب بك؟ وانت أكثرُ شيءٍ احبه.

رميتُ معطفي بفظاظه على الأرض وجميع من كان بغرفتي انحنى فجأةً ترحيبًا بي، كانوا كُثر، ليس كثيرًا جدًا لكنهُ عددٍ كافٍ لأحس بالاختناق

"عُذرًا"
همستُ ارفع معطفي بضيق واعلقهُ في الخزانه في غرفة ثيابي الأُخرى، وقفتُ قليلًا أُهدّأ نفسي قبل ان اخرج اليهم
لكني كنتُ غاضب دونَ سبب.

"ماذا عليَّ ان افعل؟"
همستُ بتردد بعد خروجي امسح فوق بنطالي بعشوائيه لشدة توتري

"سيد تايهيونق حضرنا ثيابك لجميع الأمسيات ووضعنها في حقيبتك مسبقًا، تبقى فقط زيُّ اليوم ما الذي تود ارتداءه؟"
شعرتُ بالملل، الغثيان، وبأني سأصرخ في اي لحظه، الجو هنا يكتمني فقط.. لا اود الذهاب لمَ لا يفهمني احد؟

"ايُّ شيء سيفي بالغرض"
اجبتها ثم اسرعتُ التقط هاتفي حين سمعتُ اشعار رساله، وعلمت بكل جنوني انهُ هوَ، فلا يوجد في هاتفي احدًا أُحادثه عداه

"انا في الخارج هلّا اتيت؟"
انقبض قلبي وشعرتُ بملامحي يكسوها الظلام، لوهله كنتُ سأقضم اظافري لكني كنتُ مُحرجًا لأفعل ذلك امامهم فجأه

قبضتُ بشده على الهاتف أُحاول السيطره على دقات قلبي الذي اشعُر به يرتطم في كل جهات جسدي، ادخلتهُ في جيبي وعدتُ اليهم مُبتسمًا

"حسنًا سأختار البدله السوداء تلك وذلك الحذاء، شعري سأُصففهُ انا، شكرًا لكم جميعًا يمكنكم الانصراف"
تحدثتُ سريعًا اختار كل ما وقعت عيني عليه دون تفكير، لم آبه لنظراتهم الغريبه ولا لغضبهم من سوء تصرفي ووقاحتي، انا لم اكُن اشعُر بإرتجاف قدماي واهتزاز صوتي حتى

انتظرتُ قليلًا بعد انصرافهم جميعًا وتلاشي اصواتهم في الخارج ثم خرجت ونزلتُ للأسفل راكضًا ابحث عنه، ارتعش جسدي لحدة الرياح، كنتُ قد نسيتُ معطفي لكني لم أُفكر بالعوده لأخذه ابدًا

بحثتُ عنه في جميع باحات القصر ولم يكُن موجودًا، خرجتُ ابحث عنه خارج حدود القصر، وتجمدت حينَ سمعته يُصفر من خلفي

"اهدأ تايهيونق"
التفتُ أُهذب نفسي قبل ان يلحظ عجلتي لكني نسيت ما اردتُ فعله حين رأيتهُ متكأً على مقدمة سيارته وبيده كوب قهوةٍ بُني ارى ابخرتها بوضوح من امام معطفهِ حالك السواد

"مرحبًا"
قلتُ مُحرجًا مع عدم وجود سبب، التقطتُ كوب القهوه المُغلق الذي كانَ على سيارته، اظنهُ لي.

"ليسَ لك"
لكنهُ قال لتتلاشى ظنوني دُفعةً واحده

"أُريده"

"انهُ لي ولا يزالُ ساخنًا، هذا لك"
مد لي الكوب الذي كان بيده، اخذته وناولتهُ الآخر، نزع غُطاه وظل صامتًا ينظرُ للأمام، طردتُ ظنوني عن انهُ كان يُبردهُ لي وصمتُ معه

ننظر لشيءٍ لا نعلمه.

كنا في الخارج، في شارعٍ شديد الظلام تمتدُ على طوله الأشجار التي تصيحُ بجانبنا من قوة الرياح وترمي ثلوجها المتراكمه على الرصيف، ولا شيء يُنير حلكة المكان سوى اضواء القصر الكثيره على يسارنا وقليلًا من ضوء سيارتهُ الداخلي الذي جعلنا نُبصر تشقُقات الطريق اسفل اقدامنا، كان الطريق شديد الهدوء نظرًا لملكية هذهِ الاميال لعائلتي، ولا يُغلف هذا الهدوء شيء سوى حفيف الأشجار الذي يتزايد في كل لحظه واصوات انفاسنا بعد ان نحتسي رشفةً من القهوه

لم اكُن بعد هذا الضجيج الكبير في رأسي، وبعد تلك الصرخات التي تتخبط في داخلي لأشكو صمتنا الطويل هذا

لم اكُن لأشكو سكوتك ولا هدوءك، لم اكُن لانتظر منك تبريرًا رغم رغبتي به، لم أُكن لأطلب شيء في هذهِ اللحظه سوى ان اموت هُنا ومعك، فقد تعبت وقد ترى تلك الكلمة اكبر من ان يقولها فتًى لم يبلغ منتصف العشرينات بعد، لكني تعبت! حقًا تعبت، وان تهبني لحظةً صامته كهذه بعيدًا عن كل وجع، شيءٌ يبكيني وأُقدّرهُ لك.

"غاضب؟"
احسستُ بشعر جسدي كُله يقف عندما كسر حدة الصمت بصوته المرتخي بجانبي، تلبستني انتفاضةٌ كبيره، قد تظنُها من بردي ومن شتاء ياكوتسك الأخرس لكنها كانت بسبب شوقي اللعين لصوتك، لتلك النبره تحديدًا، لذلك الهدوء فيها وكأني لو سمعتهُا اكثر سأسقُطُ في نومٍ عميق داخلها

"أنا؟"
قلتُ متسائلًا اسرق نبرته واتحدث بها لئلا يتوقف عنها، التفتُ انظُر فيه، كان يُكوّب كُوب قهوته بيدهِ اليُمني والأخرى يعبث بها على حواف الكوب بعشوائيه

رفعتُ نظري قليلًا إليه ولم اكُن اتوقع منه ان يُبادلني بسرعه هكذا

"تقصُد من الحارس؟"
لم يُبعد عيناه، اهتزَ صوتي، ارتجفَ قلبي ولم اجرؤ ابدًا ان أُبعد عيناي للحظه

"ليسَ من الحارس تحديدًا، بل مما جعلكَ الحارس تُدركه"
وهُنا تحديدًا امسكَ بكلماته منطقةً في قلبي وراح يخنقُها دونَ رحمه

جونغكوك مُدرك اني مكسورٌ من والدي، يظُنني للتوِ اتألمُ منه!
لا يعلم هذا الرجُل المُراعي بجانبي كم أكلتني لوعات الليالي وهشمّت قلبي ظُلماته قهرًا من أبي، لا يعلم كيف ابكي كل ليلةٍ بغبنٍ شديد عدم مبالاته

"لم أُدرك شيئًا لا تقلق"
يكفي انك فكرتَ بي قليلًا واستدعيتني للخارج، ابتعتَ لي القهوه وصمتَّ معي، ثم ها أنتَ الآن تحاول التخفيفَ عني بمحادثتي وسماعي.. لا اظنُني طماعًا لأطلب المزيد.

"لم اقلق"
قال كاذبًا، فابتسمتُ اهزُّ رأسي محتسيًا قهوتي، أظنني اعتدتُ عليه

"أتعلم؟"
عدتُ انظر فيه، ابتلعَ حلقه لمره، ثم عاد يصمت وانا انتظرته، شعرَ بنظراتي فابتسم ولم يُبادلني، مرر لسانه على شفاهه السُفليه ثم قضمها سريعًا، بدا متوترًا جدًا وهادئًا جدًا وهذا المزيج فيه يشحذُ جنوني اكثر

"أتختبر صبري؟"
قطبتُ حاجباي واملتُ رأسي متسائلًا، عاد يبتسم ثم يرتشف قليلًا من قهوته، استدار برأسه يُحدق داخل عيوني بعمق فجأةً!

"ابعد عيناك"
رفع حاجبيه محذرًا فلم افهم !

"لماذا؟"

"اولستَ واضحًا كفايه؟"
ضحكتُ بتساؤل من افكاره ومعرفته، لكني مثلتُ الغباء فقد احببتُ حاله هذا، متوترًا وساحر.

"ماذا جونغكوك؟"
قلتُ ضاحكًا ولم استطع بعد تلك الضحكه إطباقُ شفاهي لأُركز معه

"فعلتَها قبل وقت حين ودعتُ والدُك وها انتَ تفعلها الآن"
ان كُنت تعلم اني فعلتها بكامل إدراكي، فلمَ لم تلتفت؟ لمَ لم تُبادلني! وان كنتَ تراني بتلك الطريقه اختبر صبرك فأنت حقًا صبور،
صبور لتجعل مفاتيحُ صبرك بين نظراتي.
صبورٌ جدًا لئلا تُغريك عيناي !

"ماذا فعلت، همم؟"
همستُ اتقدم منهُ قليلًا، رفعَ حاجبهُ الأيسر بابتسامةٍ جانبيه غريبه، وقد قطعَ ثباتي ووتّرني عندما حدّق بي وحكَّ عيونه فوقَ جسدي كُله من رأسي حتى اخمص قدماي في لحظةٍ واحده !

"تنظُر لي هكذا"
اجابني هامسًا يؤشر بحاجبيهِ نحوي ويوجه لي اصابع الاتهام على فعلتي، ان كُنتَ مدركًا الى هذا الحد فما الذي يُنفرك من نظرتي اذًا؟

"وكيفُ انظرُ لك؟"
ضعتُ في عيونه دون وعي حتى خملت واسندتُ رأسي على كتفي الأيمن متكأً بيدي على سيارته، ضحكَ بخوت كمن كانَ خائف ان يُزعج الطبيعه وركودي

"عندما لا أراك"
شابك اصابعه فوقَ كوب قهوته وتجاهل عيوني ينظُر للأمام من جديد، هبّت الرياحُ فجأةً وارعشت جسدي كُله لكني لم أبرد! لم اشعُر بهذا البرد يؤلمني ولو لمرةٍ معه!

"متى ستراني؟"
قلبي كان كنوبةِ صرع داخل صدري،
عضضتُ شفاهي بتوتر ادرُس اصغر حركاته حينها، وادسُ ارتجافي في داخلي، واعلم انك عميقٌ كفايه لتستوعب ماذا كنتُ اقصد

وان لم تُجبني، فسأدفن هذا التساؤل في اعماقي للأبد.
سأسألهُ نفسي حتى تموتُ اجابته او يموتُ هوَ، فمتى بحق هذهِ الجفون العذبه وتلك الأهداب الجارحه ستراني؟ متى سأراك تنظُرُ لي اينما وليتُ وجهي؟
ان ضحِكت، ان بكيت، ان اشتقت او لجأتُ إليك، ان عذّبني الليل بعد سرمدية آلامي، وان غرب فيّ صباحٌ جديد، ان صرتُ منسيًا بين متاهات الحياه، وان هجرني شعوري في منفى الفراغ، هل ستراني!
ايُّ حالٍ بي سيغوي عيونك؟

"اولستُ اراكَ الآن؟"
ابتسمتُ بسخريةٍ فظيعه حينَ التفتَ واجابني مازحًا،
وعُدنا كما اعتدنا، صامتين.

وتُخالجني افكاري بأن هذهِ الليله قد لا تنقضي دون ان تبرحَ بي اسقامها او تهوي بداخلي آثامها، رغم انك كُنت بجانبي فكرةً ثابته سقطت في رأسي يومًا وانغرست حتى اصبح التحرُر منها مستحيلًا لكني مُرهق الأفكار ومُتعب الأنفاس وداخل صدري نحيطٌ لا يصمت

كنتُ ارى البحارَ احتواءً من كل ضياع،
ويا للأسف فلم اكُن اعلم حينها انها كانت الضياع الحقيقي.

"جونغكوك؟"
قلتُ بنبرةٍ متسائله بعد وقت فهمهمَ صامتًا يكمل تحديقاته في الطريق الساكن امامنا

"اخبرتني مسبقًا ان سياراتي اسبوعيًا تتوجه لمكانٍ ما حتى تُصبح ضد الرصاص قبل ان اركبها"
سألته اتلمسُ اطرافَ كوبي بتوتُرٍ شديد

"اذن؟"

"لماذا؟"
لم اقل الى اين تذهب، ومِن مَن تُصبح مضادةً للرصاص، بل قلتُ لماذا، واظنُك تُدرك لمَ اخترتُ اشملَ سؤالٍ يعرفهُ عقلي الخائف

"اوليسَ لأنك ابن احد رؤساء هذهِ الدوله ويجب حمايتك؟"
كانت نبرتُك اكثرُ شيءٍ كاذب سمعتهُ منك حتى الآن، واظنُك تعلم اني لم أُصدقكَ ابدًا

"همم حقًا؟"
رفعَ حاجبيه لي مُصرًا على سكوته

"حسنًا، انت ايضًا اخبرتني مُسبقًا ان أبي قاتل، لماذا؟"
سمعتُ ضحكته تصرُخ من جديد في شراييني، استقامَ يقف امامي تحديدًا، ينظُر في عيوني، في ارتجافي وخوفي، ولو تقدمَ خطوةً واحده فقط سيُصبح بين ساقاي

"لماذا ماذا يا تايهيونق؟"
ارتخت نبرته حتى تلبستني واشعرتني بالنُعاس

"لماذا قلت لي بأن أبي قاتل؟ لماذا أبي قاتل اصلًا؟"
شددتُ برجفةٍ لعينه على كوبي الورقي حين لمسَ بإبهامه المُختبأ خلفَ قفازه شفاهي السفليه، لم استوعب ما فعله، لم اجرؤ على انزال رأسي واشاحة عيناي، ضغطَ عليها بخفه واوقفَ رجفتها واوقفَ نبضي معها

"ألا تُحب ارتداء المعاطف؟"
بل انساها ان اخبرتني انك بإنتظاري، ولا اعلم ان كانَ يعني ذلك ان عقلي يُصورك معطفه؟ دفئه؟ ام ماذا ..

"نسيته بالداخل"
همستُ وصدري في ارتجافٍ كبير، مرّرَ اصبعه على طول شفاهي ثم ازاحها ليبتعد قليلًا عني ويحتسي قهوته

"لندخل السياره قبل ان تتجمد من البرد واسئلتك"
قال بصوتٍ هادئ ودخل سيارته تاركًا عقلي في جنونٍ كبير، أكانَ يُحاول تشتيتي قبل قليل !

شعرتُ بسخريتهُ مني، وبدأ الغضب يسري في عروقي، استقمتُ من جلوسي على سيارته وذهبتُ للأمام نحوَ القصر دون ان التفت اليه.

"استُكمل قهوتك وحدك؟"
اخرجتُ هاتفي اقرأ رسالته وزادت شعوري بالغضب لذا رميتُ الكوب بقوه وانا امشي بخطواتٍ اكبر نحوَ البوابه، أيروقُ له استفزازي!

سمعتُ بوق السياره يصدح من خلفي واظنُها طريقته للسُخريه على حركتي، تجاهلته وعدتُ الى غرفتي ارتمي على السرير وأُحدق بالساعه منتظرًا انقضاءُ الساعات كلها، منتظرًا ان يركض الزمن ويتخطى الساعتين التي اخبرني عنها أبي، ان لا يكونُ لها وجود وينساني الوقت هُنا بين جُدران غُرفتي السوداء وفوقَ اقمشة سريري القاتمه، ان اموت في ياكوتسك ولا اعودُ حاملًا معي خيباتي كلها فوق ظهري اطرُق ابواب الفقد في موسكو، أُريدُ ان يبتلعني الجماد وأُصبح مثله، شيءٌ لا يحس.

"جاهز؟"
سمعتُ والدي يهمس بعدما كانَ يقفُ بجانب الباب لوهلاتٍ طويله شعرتُ بها

"لا"
افهمني لمره!
لا؟ تعني الكثير، لستُ جاهز لشيء، انتَ ستقتلني.

حدقتُ في وجهي في المرآه التي تخشبتُ امامها لدقائقٍ كثيره محاولًا معرفة من يقفُ امامي، هل هوَ انا؟ لا اظُن
لم اعتد تسريحُ شعري للخلف ابدًا، ابدو اكبر هُنا، مرهقًا اكثر ومريض.

"تايهيونق هيا"
قال بحده وذهب

ارتديتُ معطفي الأسود الطويل وخرجت، لم أُغلق الباب هذهِ المره
لعلّ الأشياء ستشتاقُ لي.
لعلهُ سيصلني شوقُها وأعود

ارجو ان أعود يومًا.

تثاقلت خطواتي، همدَ قلبي متشبثًا بجدران القصر الذي امقته لكني خائفٌ من تركه، وانا كنتُ اسحب قلبي داخلي حتى تجرّح حتى ادميتُ كل شيءٍ فيه، كنتُ اجره رغم رفضه الكبير الذي خشيته.

"تشعُر بالدوار؟"
همسَ أبي يسألني بعدما قطعنا نصف المسافه الى المطار،
اعلم، لطالما كنتُ اشعُر بالغثيان من المشاوير الطويله واستثني ايُّ وجهةٍ مع جونغكوك مهما بلغَ طولها، فقد ذهبتُ معهُ مرتين الى البحر الذي يبُعد ساعتين عن ياكوتسك ولم اشكُو شيء رغمَ انها كانت مسافةً اطول من المطار

"أتُريد بعضَ الماء؟"
عادَ يسألني وعادت الأفكار تتصارع مع عقلي حينَ قبضني قلبي فجأه دون سبب عندما ومضت تلك الورقه بيد جونغكوك في عقلي

"ان سألتُك شيئًا عن جونغكوك، ستُجيبُني؟"
انزلَ نظارته ينظُر داخل عيوني عميقًا فقد كنتُ اجلس امامه مباشرةً

"يعتمد على ماذا ستسأل"
ادخلتُ الهواءَ بقوه الى صدري ورحتُ انظُر فيه مُركزًا

"عن الورقه التي خبّأتها حين اتيت"
انعكفَ حاجبيه مستاءً، دققتُ فيهِ اكثر، هناكَ شيء، مُتأكد.

"استقالة جونغكوك"
نغزني صدري، قبضتُ على يدي بشده، بطريقةٍ آلمت عظامي، عروقي وكل ما هوَ حيٌ خلف يدي

كان قلبي يرتجف داخل صدري كالورقه! بل واضعف، كيف استطاع! كيف يجلس معي ويتحدث إلي دونَ ان يُخبرني، اردتُ ان ابكي، ابكي وابكي حتى يصلهُ بكائي
حتى يلعنهُ الرب

أُريد البُكاء، أُريدُ النجاه!
انا مُرهق من تلك النهايات التي لا وداعَ فيها، لا عناق ولا نظره، قلبي يأكل بعضه وقسمًا كنتُ أحسُ به، ولولا اني مُتعب حتى من التنفس لأوقفتُ السياره وركضتُ أهرب لمكانٍ لا يجرحني فيهِ أحد.

نظرتُ للخارج ولم اجد فيهِ ملجأ،
للشتاء، للطيور، للغروب، لكل شيءٍ كان يسكُنني هدوءه ولم اجد غيرهُ منفى، لكني لم اشعُر بها داخل صدري الآن، لم اشعُر الا بنيرانِ القهر كالهشيم في صدري،
لا اعلم اينَ ألوذُ منك وانتَ فيني! لمَ لم تُخبرني قبل ذهابي كيف انجو مني؟ كيف اموت ان اردت! ان انسى الحياه واتخلى عن العيش! لمَ كانت السُبل إليك مُنقطعه الى هذهِ الدرجه وفي هذهِ اللحظه! انا ابرُد الآن! رغمَ معطفي الثقيل يا جونغكوك ابرد! رغم اني قبل ساعات كنتُ لا احملُ فوق جلدي سوى قميصي، لكني كنتُ اشتعلُ دفئًا معك.

ما الذي اسكنتهُ صدري؟

"ما بك؟"
ولم اشعُر بي وانا ابكي بأنينٍ موجوع منذُ وقت امام أعيُن والدي الذي نهرني خوفًا علي!

"تحدث ايها الولد!"
لكن ماذا اقول؟ انا لا اعلم مابي! أبي انا أُريده.
هذا فقط ما يؤلمني.. اني واللعنه أُريده

ماذا أُخبرك ماذا أقول؟ كيف انطق! لا اعرفُ لغةً سواه لأتحدثُ بها، لا اضحك الا معه! لا ارتاح الا بجواره، انا انا لا اشعُر بوجودي حتى بدونه، انا لستُ الا طائرٌ يُحلق حوله فكيفَ يحبسني ويكسر اجنحتي؟

"لا اريد الذهاب الى موسكو ارجوك"
حتى وانت الآن تحدقُ بي غاضبًا وربما تشتمني في سرّك لكني اضعف من ان اقولُ لك حقيقة بُكائي

"دعني هُنا ارجوك، اعدُك اني سأبقى هادئًا لن اخطو خطوةً واحده خارج القصر اقسم لك اني لن أُقلقُكَ علي اتوسلُ إليك"
سقطتُ عند اقدامه ابكي دونَ توقف كنتُ اعلم انهُ لن يدعني هُنا، لن يتركني، لن يذهب وحده
كنتُ اعلم ان الأكوان السبعه اقربُ لي من ان يُلبي أبي رغبتي، لكني كنتُ اودُ البُكاء بحُريه فقط، وهوَ لم يمانع انهياري ابدًا بل راح يمسح على رأسي الذي ارتخى على ركبتيه ويكفكف دموعي التي كنتُ ابكيها على ذلك الرجُل الكاذب

"اعدُك اننا سنعود"
شهقتُ بقوه التقط انفاسي حينَ قال، وان عُدنا هل سيكون جونغكوك هُنا؟ هل سيعودُ ايضًا ؟

انقضت نصفُ ساعةٍ أُخرى وانا الآن احتضن ذراعُ أبي واضعًا رأسي على كتفه واتأمل الطريق مخبأً باقي دموعي اليتيمه، ليتكَ اخبرتني فقط.

"أبي؟"
سرحت عيوني في مكانٍ لا اعلمه، كل شيءٍ بي كانَ ضائع

"اسمعُك"

"أستترُكني يومًا؟"
ابتلعتُ غصتي أُسند جبيني على كتفه وادسُ معالم الخوف من عيونه حينَ التفتَ ينظُر لي قليلًا

"عزيزي ما هذا الكلام الذي تقوله؟"
سحبَ كفي من ذراعه واحتضنها بينَ يديه حتى غاصت آلامي كلها فيه

"اجبني فقط"
اهتزَ صوتي، وبكيت

"مُحالٌ ان افعل، أُقسم لك اني سأموت ان تركتُكَ يومًا! تايهيونق انتَ ابني الوحيد، انتَ من تبقى لي من عائلتي كُلها"
وهدأَ قلبي المفجوع حينها.

"انا لا أُحب احدًا سواك ولن افعل يومًا"
قلتُ بهدوء امسح دموعي بمعطفه الدافئ واعاودُ النظر الى الطريق حتى وصلنا ونزل الحارس يحمل حقائبنا ويفتح الباب

حملتُ نفسي المُتعبه ومشيتُ خلفَ والدي دون النظر في شيءٍ آخر عدا اجساد الناس السعيده، توقفنا بجانب مكتب التدقيق، اخذ أبي اوراقنا بعد ان ختموها ثم مشى الى صالة الانتظار وانا لم اكُن افعل شيء سوى اللحاقَ به

حتى تجمدت، وتجمد تعبي والعالم من حولي، حتى شعرتُ بلسعات عيوني تحترق تحترق دونَ توقف، كنتُ وصدري قد ارتطمنا بحائطٍ من ولع !

"ما الذي اتى بجونغكوك!"
تساءل والدي، والآن ادركتُ انهُ حقيقةً امامي لم يتصور مشهدهُ عقلي، لم يكُن زيفًا، كان حقيقيًا يقفُ امامي بمعطفهِ الأسود الطويل وياقتهُ المرتفعه التي تُغطي كامل رقبتهُ من الخلف، بعيناه الصامته منذُ اولِ يوم والتي لا تُحدقُ بشيءٍ عداي

"تايهيونق اذهب له اظنهُ يُريدك طالما انهُ ينظُر إليك، سأنتظرُكَ هُنا"
لكني خائف.

ومشيتُ اليه بخوفي، بحمقي، بلوعاتي منه كُلها، اخرجَ يديه التي لم تتعرى من قُفازيه يومًا واسقطها على جانبيه، يقف وكأنهُ لم ينكسر يومًا واظنهُ لم يحصل حقًا

اقتربت حتى اصبحتُ امامه، لستُ بعيدًا ولا قريبًا، يسكُن بيننا كل شيء حتى المسافات، وصمتُنا، خشيتُ ان اخطي خطوةً أُخرى اليه، ان اقتحمه ولا اعودُ بعدها ابدًا واظنني كنتُ راضٍ

كانت يداي ترتجف امامه وعيوني ستبكي ان نطقَ بأي كلمة، كنتُ مليءٌ بالعتب والتساؤلات وذلك واضحٌ جلي من انخفاض اكتافي وذبولها، واظنُك كُنتَ ترى كُنت تدُرك كم ان قلبي يعلو ويهبط، يعلو ويهبط دون تريث، كان المكانُ بارد وصدري مثقوب، كانت اطرافي ترتجف وحتى شفاهي، ولا اسمع ضجيجًا من حولي كما لو اني نُفيت

ماذا ان تقدمتُ لمره؟ ما الذي سيفعلهُ هذا الرجل الصامت امامي في المقابل، رغمَ اني ارى تردد يديه، واهتزازُ حدقتيه لكني لن آخذ ودادي بالتردد،
تقدم لمره وعانقني ارجوك.

اعلم من كل شيءٍ بك انك تُريد ان تفعلها فما الذي فيني يمنعُك؟

ألا تسمعُ ايها الأصم نداءُ عيناي التي برقت تنتظرُك؟ ألا ترى شيئًا في ملامحي التي انعكفت باكيةً ترجوك؟ جونغكوك لا اعلم ان كنتُ سأعود! لا اعلم ان كانَ اسبوعًا ما سأقضيهِ هُناك او شهرًا او حتى اعوام!
قد لا اعودُ ابدًا.

ارجوك عانقني، لا تدعنا نمضي حياتنا بالندم

انا، انا لا اعلم ما الذي سينتظرني في حياتي القادمه دونك، انا لم استعد حتى لم أُعوّد نفسي على غيابك، قلبي ينفلق امامَ اعينك الآن وانتَ؟ أُقسم لك انك كُنتَ ترى وتعلم لكنك صامت وهذا ما سيقتلني يومًا.

"تايهيونق هيا"
سمعتُ أبي يصرُخ خلفي ويقطع تواصلنا المتراخي فلم يجرؤ احدٌ فينا على شدّه او توطيده، قبضتُ يدي مقهورًا، انظُر فيه وفي ارتفاع كتفيه بأنهُ ليسَ بيده .

هل كان بيدي كسرُ صمتك حينها؟ هل كانَ بيدي الطفو فوقَ بحور اجوبةِ تساؤلاتي؟
أكانَ بيدي ان اوقفك ذلك اليوم يا جونغكوك؟
لا اظُن.

كنتُ قد توسلتك قد رجوتُك بعيناي ان تفعل اي شيء، لكنك وقفت صامتًا تنظُر في ذهابي، وذهبت.

اخبرني ماذا كنت تتوقع من اندفاعاتي؟ ماذا كُنت تعتقد؟ أكُنتَ تعتقد انّ ما هيَ إلا ايام وسأعود؟
الأيام ماذا اصبحت؟ ماذا استفدت من صمتك امامي؟ ما الذي لاقيته من عدم ايقافك لي ايها الجزوع؟ لاشيء

انت غيرتني منذُ ذلك اليوم الذي صمتّ امامي فيه.

Continue Reading

You'll Also Like

26.9K 386 9
اسفة لاي خطا املاءِ لان من الجهاز
55.6K 3.4K 40
فتاه تجبرها الظروف على اتاخذ قرار صعب ! تنكرها بولد ودخولها لمدرسة عيال . القصه جداً غير عن القصص الي تشبها من العنوان اتمنى تنال اعجابكم . الكتابه:...
150K 3.6K 53
المقدمة الدنيا دي عبارة عن بحور كتير واحنا بنعدي فيها من بحر لبحر ساعات البحر بتكون أمواجه هادية فنعدي منه بسلام وساعات البحر بتكون امواجه عالية وخط...
15K 900 7
" وداعٌ أليم ؛ توّلد من هوسٍ دَميم و مهّد لحُبٍ وَخيم "