شتاءٌ أخرس

By ii7ii7ii

36.2K 2.6K 4.7K

أولا ترى؟ أولا تشعُر ايها الشتاء؟ لماذا لا يمسُك دفئي لمره؟ More

سقوط
توجُّس
شُعله
ليْـل
صمت
ندم
رُكود
غَرَق
عُزله
وعـي
مغفره
ذهاب
نُضج
منفى
بحر
وهج

عَوْم

1.6K 148 194
By ii7ii7ii

"صباحُك"
همستُ بصوتٍ مثقوب لشدة ما بكيتُ بالأمس فالتفت لي بعدما كان يقفُ متكأً على العمود الخارجي لباب المنزل، وشيءٌ قرصَ قلبي  عندما دفعَ الهواء شعرهُ للأمام حتى تصادم مع أطراف وجهه واذابَ الثلوج الغاضبه فيه

"هل أصبحتَ تُلقي التحيه؟"
خطّت ابتسامةٌ صغيره فوقَ شفاهه حين رآني أُدخل يداي داخل معطفي الكُحلي وانكمشَ جسدي لحظة مرور الرياح بيننا

"لن اقولها لك مُجددًا"
اجبته ومشيتُ نحوَ السيارة لولا ذلك الصوت الحنون الذي ندهَ علي واوقفَ خطواتي

"تايهيونق صغيري"
التفتُ يمينًا ورأيتُ كُرسيها المُتحرك مركونٌ بجانب أسوار الحديقة، غطائها الأبيض يُغطي اقدامها، وحنانٌ كبير ينهمر من صوتها

"صباحُ الخير جدتي كارولين"
صرختُ أُجيبها ذاهبًا إليها وقد لاحظتُ خطوات جونغكوك تُلاحقني بلا توقف

وكلما مشيتُ أكثر توسعت ابتسامتُها أكثر حتى بانت اسنانها المفقوده وارتسمت التجاعيد فوقَ وجهها الهادئ، ولا اظُن ان الرياح كانت قاسيه لتقاوم شعرها الحريري الأبيض وتذهب دونَ مراقصته، فها هي ذي تداعب شعرها وبشرتها فترتعد يديها المُرتعده اصلًا كما لو كانَ الزمن يُريني مُخلّفاته

"اشتقتُ إليكِ"
انحنيتُ أُقبلها، احتضنت وجهي بيديها وراحت  تمسح عليه، ولا اعلم لمَ كل شيءٍ يُحبني، حالهُ بائس مثلي، هل انا السبب؟

ان امسكتُ غُصنَ شجرة.. هل سيتخلى عن نفسه ويذوبُ بين يدي؟ هل ستشتعلُ الماء نارًا ان لمستني؟ لمَ كل شيء يتغير حالهُ معي!

"لا تنخدع بقُبلاتي، انا غاضبةٌ منك"
كنتُ اضحك بين يديها وهي تُقبل جهاتُ وجهي بحُبٍ كبير لكن ضحكاتي انقطعت واستقام ظهري ورحتُ أُنظر لعيونها المُعاتبه

"لماذا؟ وانا الذي تتوقف حياته على دمعةٍ منكِ؟"
قلت متأسفًا بعد ان جلستُ عندَ رُكبتيها، وداهمتني كُل ذكرياتنا الماضيه وانا أمسدُ يدها بأصابعي التي راحت ترتجف معها

وما انكفَ الحنين يقتلني ولا انكف الألم ينهشُ بي، وانا مُدرك بكل إدراكٍ سوّد حياتي اني كنتُ متوهم السعادة تحت زيف العائله ولم أرَ حقيقةُ الأمور، انا مطعون الأفكار، مظلوم العائله، ومن شدة انغماسي بالضحكات لم اعلم ان والدي قاتل وان اسم عائلتي مرتبطٌ بالجرائم، لم أُفكّر ولا لحظة لمَ جدتي كارولين مشلوله ولمَ جدتي مين-يونق ميته

كيف تأتي وتصنع داخل عقلي ثوراتٌ من العدم يا جونغكوك؟

"لم تعُد تقوم بزيارتي رغم اني افتقدُكَ كثيرًا"
مررت اصابعها بين خُصيلات شعري ثم وضعتها خلف أُذني وهي تشكو لي مني، ودونَ خلاص باغتَ الوجعُ مشاعري وصرتُ رهينةً للحُزن من جديد

وما إذا اخبرتُها ان جدي لا يسمح لنا بزيارتها او السؤال عنها هل سيُصارع الحُزن قلبها مثلي؟

"اعذري تقصيري كنتُ مشغولًا بالجامعه"
قبلتُ يدها واستقمتُ لتوديعها لولا ان دمائي جفّت من عروقي، واستكنَّ نبضي بعد قولها

"تايهيونق كيف حالُ والدتُك؟ لم تعُد تزورني هي ايضًا"
قبضتُ يدي احبسُ دموعي وقلبي لم يتوقف عن الوخز ولا تنهيداتي التي راحت تخرُج مني بطريقةٍ هوجاء

"ليسَ لديَّ أُم"
همستُ بقوه أُحاول اقناع نفسي اولًا بتلك الحقيقة لكنها هدمت كل قوتي من جديد وتزعزع كُلّ عظمٍ بي حين اكملت

"هل لأنك قاتل؟"
هذا آخرُ ما توقعتُ سماعه من جدتي كارولين تحديدًا، فقدتُ شخصًا آخر، يا للبؤس يا تايهيونق.

تقدّم جونغكوك فجأةً فأمسكتُ رسغَ يده مُحاولًا ايقافه
"ما الذي تحاول فعله! جدتي مريضةُ زهايمر ولا تعرف ماذا تقول"
طبطبتُ على قلبي بتلك الكلمات لكني لا زلتُ انزف وجعها دونَ توقف

"اذًا ازيلوا شوقكما، سأنتظُركَ في السيارة لا تتأخر"
مشى بعد ان قال كلامه بصرامةٍ كبيره وغضبٌ لا أظنني بررتهُ له، ظللتُ أُحدق في ظهره الراحل بعتبٍ كبير

"أنا ايضًا ليس لي أُم، لا تحزن تايهيونق"
اعلم انها لا تقول الا ما تسمعه فلا يحقُ لي لومها لذا التفتُ إليها مُبتسمًا لئلا تحزن وبالي مشغول بمن رمى كلماته وذهب، انحنيتُ أُقبّل رأسها وذهبتُ إليه

"أأنتَ غاضب ام يتراءى لي ذلك؟"
قلتُ بصوتٍ مجروح بعد ان قطعَ نصف المسافه نحوَ جامعتي دونَ كلمةٍ واحده، ولا اعلم لمَ باتت تصرفات جونغكوك تُضايقني رغم عاديتها

ولا يسعُني فعلُ شيء سوى ان اصمت فآلامي كبيره لا يداويها شيءٌ سوى ألمٌ آخر، كأن تُطفأْ النارَ بالنار.

"ولمَ قد اغضب!"
لأن صوتُك حاد اكثر من سيفٍ سُنَّ لقتلي

"انت غاضبٌ الآن!"
وصوتي هادئ اكثر من لمساتي

"بدلًا من سؤالي ان كنتُ غاضبٌ ام لا، ارى انك يجب ان تبدأ بالغضب على عائلتك، ام انك تحاول ان تظهر بمظهر المُعتاد على الاساءات؟"
وحتى كلماتك وحقيقتي فيها حادّه، قاسيه، لا أجدُها تشبهك ولا أُصدق انك تتفوه بها لي وانت اعلم من ان تُمثل دورَ رجلٍ مُخادع

"ما الذي تحاول قوله الآن! جدتي مريضة ألا تفهم؟ ثم ما الذي كنت تحاول فعله بها أكنتّ ستضرب عجوزًا مشلوله؟"
صرختُ به فضحكَ بطريقةٍ لأول مرةٍ اراها، فمقتُّها، وامقت عدم تكراره فلا أستطيعُ توقعَ شيءٍ منه

"ادعُ لها بالشفاء ان كانت مريضه ما شأني؟"
كان ذلك اكثرُ شيءٍ ساخر سمعته في حياتي!

ألا يخاف من ان يمرض بعد سُخريته تلك؟ ألا يتوقع قلبهُ شيء؟ ان كانَ لا! فلماذا لا يخشى كلماته وعواقبها؟ لماذا يُقبّح كلماتي بكلماتٍ اقبح منها؟ جونغكوك مُخيف.

"هل تسخر من أقدار الرب دونَ خوف؟"
كان تساؤلًا اكبر من كونه سؤال، كان فيه حقيقةً عظيمه ومعانٍ اعمق مما ابديت، لكنهُ ضحكَ بهدوء يُحطّم جدرانَ توقعاتي

"هل ينصحني فتى العشرون عامًا؟"
عمري اثنانِ وعشرون، لكن حسنًا ذلك لا يُشكل فارقًا ان قُلته، بل سيسخر أكثر وسأمقتهُ أكثر

"تتكلم وكأنك بعُمر والدي"
سخرتُ من سُخريته، فنظرَ لي من المرآه، سقطت عيونه داخل عيوني بمثاليةٍ كبيره دون ان يبحث عني ودون ان ترتجف رموشه، كمصوبٍ ماهر، ماهر جدًا.

"ربما اكون"
راحت عيوني تتوسع بصدمةٍ كبيره وفغرَ فاهي مدهوشًا، لكن صدمتي تلاشت حين ابتسمَ بمكر، كاذبٌ مُحترف ايضًا.

"واحد وثلاثونَ عامًا"

"لا يهُم، انت بحاجة النصيحه حقًا، من يسخر من أقدار الناس سيُلاحقهُ الرب بها"
طقطق اصابعه فوقَ المقود، جعّد حاجبيه بعدم اهتمامٍ لكلامي، بدا كمُلحد بالرب والقدر.

"أتقول بأن الرب سيُلاحقني بمرض جدتك لأني سخرتُ منه فقط!"
سألَ بتعجّب، كانت بحورُ عينيه تحمل آثام كُل غرق، كُل طوفان، كُل مركبٍ ضائع، وأنا.
لأني أكبرٌ متاهةٍ هُنا، وأحلكُ ظُلمه وابشع خراب، لأني لم اجدني في شيء، لا في ليالي الأمس ولا في المرايا، ليسَ في زوايا غُرفتي ولا تحتَ موائد الماضي، لم اجدني في أحضان الموت ولا حتى في ثيابي، وجدتُني في عينيه
بحرًا أزرقًا وحيدًا.

"ربما، ألا تؤمن؟"
سحبَ شعرهُ للخلف بيديه العاريتين، ولأول مره احسدُ شعرَ احدهم ويديه.

"انا اؤمن بالحقائق فقط، ان كانَ الرب حقيقيًا فأنا مؤمنٌ به"

"انا اكثر شخص يؤمن بالحقائق هُنا، صدقني لن ترى شخصًا اشدُّ إيمانًا مني، حتى انت، ألم تتساءل يومًا لمَ رغم ثراء عائلتي اخترتُ الفيزياء؟"

"سأتساءل، ان علمت سأُخبرُك"
علمت انهُ يسخر، لذا اومأتُ له ونزلتُ من السياره متوجهًا الى الجامعة، احسستُ بأقدامٍ كثيره تُلاحقني فلم التفت، اكملتُ المشي حتى دخلت وجلست على مقعدي في الصفوف الأخيره

كان ثمةَ غرابةٌ شديده في الناس، نظراتهم، حركاتهم وحتى أنفاسهم، تجاهلتُ كل ذلك، دخلَ البروفيسور وامتدحَ نموذجي بحماسةٍ كبيره ورغم استغرابي الشديد منه الا اني شكرته

رفعتُ رأسي نحوَ هاتفي حينَ ومضَ برسالةٍ من رقمٍ مجهول بعدما كنتُ منغمسًا لأربع ساعات اسمع خلالها كلمات البروفيسور دونَ فهمها
"ايها القاتل، سيُلاحقك سخط والتر حتى تموت"
ابتلعتُ صدمتي من حلقي فلم اشعُر بشيء سوى نزيفٌ كبير وجرحٌ أكبر، لم اشفى من جرح بياترس بعد كيف يجرحونني بوالتر؟

ألا أعزُّ على أحد؟

ان كان حُزني هينًا، ان كانت دموعي مُجرد مياهٍ مالحه، وصوتُ بُكائي مزاميرٌ صدئه، فمن سيسمع هذا الصدأ؟ من سيلمس عذوبة ألمي ولا يهونُ عليهِ حُزني؟

ان اخترتُ ان اكونَ شيء
فسأكونُ كل الأشياء،
سأكونُ محيطًا، نجمًا، صُراخًا، عصفورًا، أقحوانًا، سماء، موسيقى
ان اخترتُ ان اكونَ لونًا سأكون الأبيض
سأكون كُل الأشياء التي لم اعتد ان اكونها.

عزاءاتي كانت لي
جُثث أحلامي دفنتُها داخلي
عائلتي كانت سعيده فقط في خيالاتي
وصوتي لم يكُن صامتًا كان ابكمًا، للتوِ أعلم.

قضيتُ عُمري متحسفًا، نادمًا، أحفرُ تُربة أنهاري التي جفت، وأقطفُ أشواكَ أزهاري التي ذبلت، ولا أجدُ شيء فأعودُ خائبًا حتى من نهاياتي المُشوهه.

وينتهي يومي ولا أجني شيء سوى خساراتٌ متتاليه.

"أرجوك، أُريدُ البحر خُذني إليه"
رأيتُ ارتجاف يداي وعلمت أني وان سمعتُ كلمة 'قاتل' أكثر من اسمي فلن اتعود عليها ابدًا، لن تتبناها أُذناي ولن يألفُها قلبي.

"ايُّ بحر؟"
قرأتُ رسالته، كانت امنياتي في هذهِ اللحظه أبعد من ان اجد لها مُجيبًا، اصعب من ان اتمناها كل يوم، فقد صورتُكَ في عقلي بحرًا، وأردتُك.

"كم بحرًا تعرف؟"
حقًا، كم بحرًا تعرف؟ كم شراعًا دمرتهُ رياحك؟ وكم قاربًا اغرقتهُ فيك؟ ما مقدارُ قسوتك؟

"أنا في الخارج، تعال"
اغلقتُ هاتفي فورًا، حملتُ أغراضي وحقيبتي وخرجت، لم اهتم لهمساتهم خلفي ولا لتوبيخ البروفيسور، كنتُ أركض من كل شيء حتى مني

وكم كانَ الطريقُ طويلًا إليه، كم كانت أنفاسي ضئيله لا تحتملُ الركضَ فيه، وأقدامي مجروحه لم يتوقف نزيفُها لتحتضن نزيفًا آخر، كل شيء كان شاقًا إليه.

"لماذا تُريدُ البحر؟"
صوّب عيونه فوق ملامحي، يُدرس كل انطفاءٍ حصل، وكُل رمشٍ اهتز ليكتمُ دموعي، اسبابي أبلغ من ان أسردها، أسبابي جروحي وانتَ لستَ أنا لتفهمها.

"سأقود لساعتين اوليسَ من حقي معرفة السبب على الأقل؟"
كان يحثُ كل عظمٍ بي على الحديث، لكني موشومٌ بالسكوت.

"أُريدُ تحطيم ألامي"
مرّت رياحٌ قويه حركت معاطفنا وهزّت ثبوتُ جسدي ولم تهز شيئًا به، وهُنا يكمُن الفرق، هُنا ينقشع الزيف وتتجلى الحقائق فأنا ضعيف رغم قوة اسمي وهوَ قوي رغمَ ضعف اسمه.

"وهل سيحطّمها البحر؟"
نظرَ عميقًا في عيوني،
اخبرني! ما الذي تود قراءته؟ ما الذي يُغريكَ فيهما لتضيع هكذا !

"هل ستُحطّمها أنت؟"
بدوتَ غريقًا مثلي، لم تكُن بحرًا في سؤالي ولا في عيوني

"هل تُريد ان أُحطّمها؟"
وأنا كُنت بحرًا في سؤالك، كنتُ وسيعًا، عميقًا، لا حدودَ لي ولا حتى قياسات

شعرتُ بالبهاء، بالبُكاء، بأني لستُ وحيدًا، وحُزني ليسَ هينًا، شعرتُ بالكثره! وبأن انفاسي المحبوسه منذُ سبعةِ أعوام أطلقتُها دُفعةً واحده حتى توسّعت رئتاي وتوسّع قلبي وتضاءلت لوعتي فلم اعد احسّ بها ولا بي

"أتشعر بوسع الكون جونغكوك؟"
التفتُ يسارًا أنظر فيه بينما يقود، وكل تساؤلات الكُتب تطرُق عقلي معه

"لا"
اجابني بإختصار شديد، لم ينظُر لي، يملؤهُ مللٌ كبير وانا يملؤني التوتر.

"لماذا؟"

"هُناك من ضيّقهُ علي"
شعرتُ بلسعةٍ عميقه في قلبي

"وهل ستُضيقهُ عليه؟"
بدا لي هذا السؤال اكثرُ سؤالٍ مُناسب لأقوله لشخصٍ كجونغكوك

"دعكَ مني، ألن تقولَ لي شيء؟"
عقدتُ حاجباي لوهله لكني فردتُها بسرعه حين التفت يمينًا ينظُر لي قليلًا ثم يعود مُحدقًا في الطريق بمللٍ شديد

"شيء مثلُ ماذا؟"
شعرتُ به سينظر لي ولأن عقلي لم يتوقع كيف ستكون نظرته تقدمتُ بسرعه نحوَ الدُرج أُفتش به بلا معنى ولا أعلم كم أنبتُ نفسي لأني ركبتُ بجانبه

"لماذا قُلتَ بالأمس انك تكرهُني؟"
لم افهم متى اصبحت كلماتي العشوائيه تهمه الى هذا الحد!

"لأنك قتلتَ والتر"
اجبته وعدتُ مكاني بعد ان اغلقتُ الدُرج فلم ارغب بالكذب عليه

"أكانَ عزيزًا عليك؟"
التمستُ سُخريةً في كلامه فصمت، حتى انت لا تفهمني.

لم يقطع صمتي، ولم يحاول التحدُّث معي، لساعةٍ كامله كنا معًا لكننا نعيشُ في عالمين مُختلفين، كنتُ أُنظر بسكونٍ في الطريق، في تعرجاته وطوله، وكم من الحكايا تصوّر عقلي كلما رأيتُ بيتًا وحيدًا مُنعزلًا عن المدينه، رأسي مسترخٍ للخلف، يداي معقوداتان ببعضهما وحركة السياره تحثُّ نومي كما يحثه هدوء جونغكوك أكثر

"سأقود ان كُنتَ مُتعب"
التقت أقولُ له كان صوتي ثقيلًا، يتضحُ عليه النُعاس

"لستُ مُتعبًا سوى من النظر إلى الطريق"
التفتَ ينظُر لي وحتى نظرتي كانت ثقيله يُقطّر منها النوم

"ألا تُغريكَ تعرجاته؟"
تنهدَ بصمت وفكّر قليلًا، لم تواكب ملامحهُ شيءٌ من أفكاره، جامدٌ فقط

"انتَ عميق، لا تنظر إلى حقيقة الأشياء، ستتعب"
انا مُتعب حتى من زيفها

"لماذا؟ ألا يطرأُ شيءٌ في عقلك حين ترى ما أمامك؟"
صدقًا، أليست الأشياء تملِكُ أشياءً تستحقُ الرؤيه؟

"أعني ما الذي يتراود إلى ذهنك حينَ تراني مثلًا؟"
ابتسم ابتسامةٍ صغيره، وارتجفت كُلُّ اعضائي حينَ توقف يمينًا، واعتدلَ في جلوسه مقابلًا لي وبدأ ينظرُ لي بعمقٍ هوى بي فيه

من كان أمامي شخصًا آخر لم اعهدهُ ابدًا.

"ماذا تفعل؟"
قلتُ أُبعثر شعري محاولًا الهرب من عيونه، لكنهُ تسمّرَ يُعذبني بها

"أراك"
تسارعت أنفاسي وجُنَّ نبضي، كنتُ متعبًا، مرهقًا كما لو كنتُ اركُض في ماراثون لمائةِ ميل

كبحتُ هروبي، وهدأتُ مُنتظرًا انتهائه، لكني كلما رفعتُ عيوني ونظرتُ فيه، اشعُر وكأنهُ للتو اوقف السياره وبدأ !

"اولستَ تغرق؟"
سألته وكان تائهًا لا يعرفُ الغرق ولا العوم

"بلى"
وقال دونَ وعيه فتوسعت عيناي، كنتُ منتظرًا كل كلمات اللغه عدا تلك الكلمه.

عادَ يقود بإرتباكٍ كبير، وصمتٍ أكبر، وانا كنتُ مسلوب الأفكار من كلمته، هل أخطأ قولها؟ ام لم يسمعني!

عدتُ مسترخيًا اتأمل انخفاض وتيرة أحزاني بينَ انغماسي الكامل به، واظنهُ كان مُدركًا لمَ ارحتُ رأسي بإتجاهه وحاولتُ النوم بينما انظُر له، ولإحتداد فكّه وبياض بشرته، بدا هادئًا يُقلقهُ وجودي وانا كنتُ عنيدًا لم أزح عيناي لثانيةٍ واحده رغم كل المرات التي التفتَ ينظُر لي بها، ورغمَ كل المشاعر التي قضمت أطراف قلبي وقلصتّه، واصلتُ النظر حتى نمت، اخيرًا.

نومي كان بمثابة عقابٌ كبير للحياه،
في غيابي لا يوجد من تستطيعُ تعذيبه وإراقة دماءُ سعادته، لا يوجد من تتعبه بالأوهام والأفكار وتجعلهُ باكيًا عند بابها متوسلًا أشياءَ لن تحدُث.

ارتعش جسدي وقلبي حينَ سمعتُ أمواج البحر واتلفت كآبتي رائحةُ الرمال الدافئه وشمسُ الظهر، فتحتُ عيوني ورأيتهُ امامي مسترخيًا مثلي وينظُر للبحر بهالةٍ صامته اعمق من ان افهمها، وانا رحتُ أغرق فيه حتى شعرَ بي

"تساءلت ولم اجد اجابه"
استعدلتُ في جلوسي، نظرتُ للأمام والموج يركض بطريقةٍ طائشه والغيوم تمشي بهدوء منقشعةً عن السماء التي بانَ لونُها، وهُنا تحديدًا حيثُ يمتزجُ الأزرق بالأزرق

"عن ماذا؟"

"لمَ اخترت الفيزياء تحديدًا"
هل كنتُ انا من احسد السماء على البحر؟ ام هيَ من حسدتني على بحري؟ فلكم كان دافئًا تفكيرهُ بي.

"لأني مُتعبٌ من الزيف، أذلكَ كافٍ؟"
فقد عشت وانا لا اعرف الحقائق ولا التمسُ وجودها، كنتُ في زيفٍ دائم حتى شُحبَ لون الصدق بي، لم يُرضي صدقي سوى الفيزياء، حيثُ كُل شيءٍ لهُ سبب ولهُ حقيقةٌ ومنطق، حتى وان سقطَ الجماد، لا اتساءل ابدًا عن سبب سقوطه فحقيقتهُ كاملةً أعرفُها

علاقتي بالفيزياء أعمق من ان تكون زائفه.

"لن تنجو طالما انك كثيرُ التساؤل، كلما تساءلت كلما زاد الزيفُ حولك"
قال بصوتٍ مرتخي يغزلُ خيوط عُمقي ويرميني في دوامةٍ اكبر من التساؤلات بأني حقًا لن انجو

"اخبرني أنت ما سبب الآثار الموجوده على ظهرك؟"
وضعَ يدهُ تحت مؤخرة رأسه مسترخيًا اكثر واكمل تأمُلهِ الطويل للبحر، ولا اعلم من منَّا كان يحتاجُ البحر لتتحطم آلامه! فحتى نظرته بدت موجوعه اكثر من خنجرٍ غُرزَ وسط صدري

"تسأل ام تتساءل؟"
احسستُ بثُقلٍ كبير في صوته همدَ فوق قلبي فتنهدت

"ما الفرق؟"
حقًا ما الفرق؟ اوليسَ المُهم اجابته!

"ان كُنتّ تتساءل سأزيدُكَ زيفًا"
ضحكتُ بخفه من سُخرياته المتتاليه فأمالَ رأسهُ نحوي ينظُر لي بإبتسامةٍ اصغر من اراها من النظرةِ الأولى، بدا ساحرًا اكثر من بحرٍ هدأت امواجه بعد طوفانٍ ثائر

"اصبحتَ شديد السُخريه"
قلتُ بإبتسامةٍ عريضه فحدّق بي عميقًا حتى ارجفَ قلبي من مكانه، وتلاشت ابتسامتي لشدة توتري، واردت برغبةٍ كبيره الركض في عيونه والغرق في سوادهما اكثر من رغبتي في البحر الذي ما انكفَّ يُغريني

"وانت اصبحتَ تضحك"
كان يُميلُ لي رأسهُ فقط بينما أملتُ جسدي كاملًا له دون وعي، أكان اندفاعي اكبر حينها؟ لا اعلم ولا اود التساؤل معه، لكني احببتُ النظرَ فيه اكثرَ من بحرٍ كامل، احببتُ ان انسى من اكون، من اي عائلةٍ اتيت، وماذا ينتظرُني في عيونه، كان همي أكبر وحزني أكبر وحتى دموعي التي خزنتُها لهذا اليوم كانت أكثر وأعظم لكن كل شيءٍ اختبأ في مدًى اوسع من ان ألمسه، حتى جفوني المحترقه ودّت لو تحتضن وجهه وتنام للأبد، دون خوفٍ من الغد ومن عذاباتٍ اقسى، دون ان اركض طويلًا ولا ارى شيئًا سوى حائط، كانت اللحظاتُ معه مُستحيله، والخوفُ معه يكبر كل يوم، كنتُ اعلم اني سأموتُ في لوعتي يومًا لكني اكملت

ولأني مفقود، بين علل العائله، بين كلمات الوداع الصامته، بين ألام الأمس وانا في اليوم، لأني مفقودٌ في أمواج محيطٍ كبير لن تجد ارضًا لترمي نفسها فيه، وفوقَ اغبرة كراسي الإنتظار، لأني لا اعرفُ نفسي ولا ماهيتي، لأني شيءٌ لم يُصبحَ شيء إلا معه لم أُرد لهذا الإندفاع ان يهدأ ابدًا.

"لا أُريد العوده للمنزل"
همستُ برغبةٍ شديده ونحنُ ننظر للغروب تتوسع ألوانه اكثر، وتنتشر سكينته اكثر، ولا تعلم كم اخشى ان تركض احزاني لي مُجرد دخولي لغرفتي، فلمَ ليسَ بإستطاعتي حفرُ نفسي في الرمال؟ او العيش داخل السماء؟ لم لا تغزلني خيوطُ الشمس معها ؟

"لم تأكل حتى!"
لا أُريد الأكل، لا أُريد المنزل، لا أُريد لهذهْ اللحظه ان تنتهي ، رغباتي معك كثيره وحتى كلماتي لكني دونك اشعُر بأني خالي الوفاض! من كل شيء.

"لا أُريدُ العوده لأي شيء جونغكوك، تفهمُني؟"
تفهم معنى الهروب من كل شيءٍ يدعوك؟ أبي، المنزل، عادية الأيام، وكُل شيء يخطف لهفتي؟ لا أُريد العوده لشيء.

"لماذا تهرب؟"
لأني اختنق، لأن الضيق لا ينكف يكتمني، لأن الليل أطول من ان ينتهي بتوسلاتٍ بائسه، ولأن هذا الخوف قائمٌ على الماضي فلا انا ولا أبي قادرين على التخلص منه، انت لا تفهم حتى معنى الركود الى الأبد بعد ان عشتَ كل حياتك داخل صخبٍ كبير

"لستُ اهرب"
اومأ بهدوء يؤجج ركودي ويقود مبتعدًا عن البحر فصمتُ بحُزنٍ كبير مواسيًا نفسي ورغباتُها

ولا اعلم متى بدأتُ ابتلع حلقي لأكتم بُكائي، ومتى بدأتُ انعى نهاية يومي المسكين، فحقًا متى سأنجو؟ متى سأقترف الأخطاء؟ متى سألوذُ الى الضحكات بدًلا من الكوابيس؟

ففي نهاية كل يوم، اجني مائة دمعه، وألفَ طعنه،
انينٌ دونَ صوت، وجروحٌ دونَ دماء،
وأُجلد بكلماتٍ يتفوه بها عقلي الأهوج،
أتوسلُ التحرر بأغنيةٍ صاخبه، ولكنها مني تصدُر بصمتٍ عميق!
تنجرفُ خلالي بحارٌ من وجع، تقشعُ حتى شريان القلب الهزيل،
أُدفن تحتَ صخورٍ صمّاء، ولا أرجو شيء غيرَ اني أود ان اجني صرخةً في وجه صمتي، لمرةٍ واحده فقط قبلَ نهاية هذا اليوم.

"ألا بأس بمنزلي؟"
همسَ بعدما توقف بجانب عمارةٍ كبيره، طويله وراقيه، وانا استقمتُ من اتكائي من فوق النافذه أُحدّق به غيرَ مُصدق، وكُل جزءٍ بجسدي صرخ كما لو كان يملك حُنجرة !

والصمت؟ شيءٌ لا اظُنني اعرفه بعد الآن.

Continue Reading

You'll Also Like

154K 3.7K 54
المقدمة الدنيا دي عبارة عن بحور كتير واحنا بنعدي فيها من بحر لبحر ساعات البحر بتكون أمواجه هادية فنعدي منه بسلام وساعات البحر بتكون امواجه عالية وخط...
15.1K 901 7
" وداعٌ أليم ؛ توّلد من هوسٍ دَميم و مهّد لحُبٍ وَخيم "
645K 11.9K 43
لينك جروب الفيس . https://www.facebook.com/groups/1010825243032716/?ref=share رواية رومانسية. هو بارد مثل الجليد تركته أمه وحيدا وبعدها خانته زوجته ل...
37.2K 2.9K 56
أنا الزهرة اللتي تُحيي ما مات في داخلك. Vk 12 @thvtt19