مِذياع توماس.✓

By Zpaintrogrammer

18.3K 2.6K 2.4K

مقدم برامج بالمذياع، كان لديه سر خاص يمكنه من قراءة الرسائل على نحو مميز، حيث يستطيع التعرف على ماضي الأشخاص... More

°•○● إهداء ●○•°
١-《حوار مع توماس》
٢-《صفعة ومعجزة》
٣-《خطوة 》
٤-《 سوء فهم》
٥_ 《قطع مفاجئ》
٦_ 《إشاعة كاذبة》
٧_《ضيف وسؤال》
٨- 《ذكرى لفقدان》
٩ - 《أوليفيا والسيدة ليلي》
١٠-《صداقات متناقضة》
١١ - 《المراهقة.》
١٢ - 《المراهقة》جزء ثان
١٣ - 《تخطي》
١٤_ 《أزواج متطابقة》
١٥ _ 《نهاية الحفل الخيري》
١٦ - 《عقدة وحل.》
١٧ - 《شاركيني》
١٨- 《أصدقاء ولكن...》
١٩- 《الانتقام، العفو وما بينهما》 - جزء أول.
٢٠- 《الانتقام، العفو وما بينهما》 - جزء ثاني.
٢١- 《الفارس والأميرة》
٢٢- 《وداعًا أيها العم》
٢٣ - 《خبايا الرسائل》
٢٤ -《 خبايا الرسائل 》جزء ثان.
٢٥- 《إحتفالات لبداية النهاية》
٢٦- 《وعد أم وداع؟》
٢٧ - 《عاصفة الألم》
٢٨- 《عشر سنين إلى الوراء》

٢٩-《الخاتمة》

435 68 79
By Zpaintrogrammer

الجميع كان بالمشفى، توماس داخل غرفته، أوليفيا التي تحتاج هي الأخرى رعاية من نوع آخر، ويل الذي يتألم لصديقه  وإيميلي التي كل ما يهمها بهذه اللحظة، صديقتها المسكينة بينما شارلوت وكيفن لازالوا خارج البلاد .

بعد مرور ثلاثة أيام  ، أخبر الأطباء أن توماس استفاق من حالته  ولكنهم يحتاجوا لإنهاء فحوصات المخ ، كما أخبرهم الطبيب باحتمالية فقدانه لذاكرته، جزئيًا  .

بمجرد أن سمعت أوليفيا إنه مستيقظ ، هرعت إليه  بخطوات لاهثة وخائفة وأعين دامية والتي لم تتوقف عن البكاء، فتحت الباب دون أن تطرقه وادنفعت للداخل، لتراه شاحبًا على الفراش ، اقتربت نحوه وسألته بصوت مشتاق:
- توماس ... كيف ح...

قاطع حديثها، نظرته لها التي بدت قاسية بل بدا على وجهه صدمة كبيرة ، هو لا يعرف من التي تقف أمامه ولا يفهم سبب بكاءها لأجله، ثم تابعت بصوت مبحوح، محشرج من البكاء:
- ألا تتذكرني يا توماس؟

هز رأسه نافيًا ثم نادى على الممرضة يسألها عن ويل الذي كان يقف بالخارج يراقب ما يحدث من بعيد ولكنه لم يدلف للداخل حتى يعطي الوقت لهما، ملامحه القاسية تجاها جعلت قلبها يعتصر ألمًا ولكنها كانت سعيدة أنه في الأقل بخير ، تقدمت لخطوات حتى أصبحت أمامه تمامًا وقالت:
- أشكر الرب أنك بخير 

ثم انسابت من عيونها الدموع، تألم قلبه لها على الرغم من عدم تعرفه إليها ، لكن بدا أن  جسده يعرفها جيدًا، فلانت ملامح وجهه وغابت القسوة،  تأثرًا ببكاءها وأخبرها بنبرة هادئة، كانت اشتاقت لها كثيرًا:
-  أرجوكِ ... آنسة ...

ثم ابتسم ابتسامة خافتة وقال: 
- أعتذر أحاول أن أتذكر أين رأيتك  ولكني أخشى أنني لا أتذكر ... 

حاولت أن تكفكف دموعها ثم عزمت أمرها ألا تخبره عنها، يكفي ما حدث له  وربما هذه فرصة وعذر جيد لها لتختفى عنه، فقالت وهي تحاول أن تجمع شتات نفسها:
- أنا فقط ، معجبة لك يا سيد توماس... لا داعي لتذكري... فقط أتمنى أن تعود سريعًا لبرنامجك.

كانت قدم تؤخر وقدم أخرى تقدم، تفكر هل ما فعلته هو التصرف الصحيح لحالتهما؟ هل ستكون بخير بعدما أخرجها من قلعتها الثلجية ثم تركها للعراء تلاطم الرياح الشديدة والبرودة المميتة؟  ولكن ما أكد لها أن ما تفعله هو الأمر الصحيح، إنها تحمل الذنب كله، ذنب أبيها والذي يجب أن يأخذ عقابه، هذا الرجل الذي يظهر بكل مرة،  تشعر أن حياتها تتحسن إلى الأفضل وكأنه أقسم بتعاستها، مرورا بوالدتها، السيدة ليلي إلى توماس.

غادرت الغرفة ولكن قلبها لازال معه هو، وهو أيضًا على الرغم من عدم تذكره  لها إلا أنه يشعر بأن هناك جزء منه متصل بها، لا يعرفه.

بعد شهر من الأحداث المؤلمة، عاد توماس إلى منزله ولكنه كان يشعر بفراغ في قلبه، كان يشعر بالتيه والشرود، ولم يكن يفهم ما الذي أصابه، كل ما كان يعلمه،  أن سبب دخوله المشفى كان الاصطدام بسيارة على الطريق، لذا أدرك أن كل ما يشعر به ربما يكون أمرًا عضويًا ولا يتعلق بأي شيء آخر.

أما أوليفيا، فلم تخط بقدميها المستشفى ولا حتى محطة البث بل،  قضت أيامها تكتب في صمت وأنين، تنتظر حلقاته التي أعلنوا أنها ستستأنف من جديد ولكن كان هناك أمر آخر جعلها في قمة دهشتها، منذ اليوم الأليم ، أدركت أنها تستطيع أن تتعرف إلى الأوجه فلم يقتصر الأمر على  توماس فقط، لم تفهم الأمر في البداية ، فلا يوجد علاج لعمى الوجوه؛ ولكن إذا كان عمى الوجوه كأثر  ناتج عن سبب يمكن علاجه سواء دوائيًّا أو جراحيًّا فيمكن ذلك. ، لذا قد ذهبت إلى الطبيب وبعد الفحوصات ورؤية سجلها المرضي كاملا، أخبرها بالحقيقة  أنها لم تكن مصابة بعمى الأوجه من الأساس بل ما حدث معها كان بسبب  إصابة الدماغ الرضحية  بسبب  هزة عنيفة تعرض لها الرأس في الحادث، فكان الأمر مؤقت  كتأثير جانبي  وعندما رأى سجلاتها القديمة الخاصة بالتأهيل بعد الحادث، أكد أنها كان دماغها ليس به أي شيء  تمامًا بعد مرور عامين كاملين من التأهيل ، لذا لابد أن رغبة أوليفيا الملحة في أنها لا تريد أن ترى الناس حولها، جعل مخها يخدعها أنها لا تزال لا تستطيع الرؤية وربما هذا ما فسر رؤية توماس وقت وفاة والدته، كانت رغبتها ملحة لكي تراه، تعتذر له إعتذار صادق عما فعله والدها لهذه السيدة المسكينة، تحاول أن تواسيه،تتحمل ضريبة أنها أبنة ذلك الرجل وتتحمل أي ما كان يصدر منه فقط لتخفف عنه الألم أو أي شعور بالذنب، خدمة لتلك السيدة التي ربتها في الأقل.

توماس وأوليفيا مشتركين في أمر واحد، وهو أن دماغيهما كان يحاول حمايتهما من ذكرياتهما المؤلمة،  فلم تتذكر أوليفيا رؤية توماس أبدًا، وكذلك  توماس. 

رجحت أوليفيا  السبب فيما حدث بمقابلتهم الأولى حيث  تعرف دماغها إلي وجهه  و تحفز دماغه لها...  يرجع في الأصل إلى ماحدث قبل عشر سنوات ، فكان رد فعل توماس معها  على غير طباعه كما أنه لم يكن يعرف عنها أي شيء ، كأن دماغهم  يرسل العلامات والإشارات المتفرقة  لتخبرهم أن هناك مفتاحًا للجزء المفقود من ذاكرتهم وهذا المفتاح هما الأثنين فقط.

أما ويل، قد عاقب عمته بأنه تم حرمانها من أي مسؤولية في المؤسسة فقد قام بشن حرب عليها لجميع المدراء، لقد ساهمت في انخفاض أسهم المؤسسة فقط لكي تظهر ويل في هيئة الشاب الأبله والأحمق، تلك الصورة النمطية عن الشبان الأغنياء.

حاربت ضده طوال السنين الفائتة  وحاولت أن تمسك ذلة كي تتخذها ضده ولكنها لم تفلح إلا عندما استخدمت والد أوليفيا وقررت ضرب سمعته هو وإيميلي.

القرار جاء بالإجماع من المديرين بعزلها عن أي سلطة لأنها نظرت إلى  مصلحتها الشخصية وتسببت في خسائر للمؤسسة .

رغم إصرار ويل على أن تبقى إيميلي  في مكانها، إلا أنها رفضت ذلك بشدة ، لم تكن تحب فكرة أن يكون عملها مرتبطًا بويل، الذي سيكون زوجها، وهذا الأمر قد يزعجها خاصة وأنها تدرك جيدًا أنها ليست محترفة مثله، ولن تتمكن أبدًا من فصل حياتها المهنية عن حياتها العاطفية.

ولم يتوقف انتقام ويل عند هذا الحد، بل طارد القناة التي أبرمت اتفاقًا مع عمته، والتي تنتظر الآن حكمًا قضائيًا بإغلاقها وبعد ذلك، وصلت الشرطة إلى والد أوليفيا وسيحكم عليه بسبب التشهير ونشر معلومات خاطئة واللافت في الأمر أن السيدة بلانكا، والدة إيميلي، كانت أول من رفع الدعوى.

علاقة السيدة بلانكا وإيميلي لم تنقطع، ولكنها لم تكن علاقة قوية ولا ضعيفة، بل أصبح كل منهما يعتاد على وجود الآخر في حياته وكان هذا القدر الضئيل يسعد بلانكا، التي تسعى الآن لتكون داعمة لإيميلي، بغض النظر عما إذا كانت إيميلي تحبها أو تكرهها هي فقط تريد أن تكون داعمة، حتى لو كانت دعمًا ضعيفًا ...هشًا... كالقش، ستبذل كل ما في وسعها من أجل ابنتها التي أخطأت في حقها كثيرًا.

بصباح يوم الإثنين،  كانت قد علمت أوليفيا أن أبيها تم حجزه بالسجن، قررت أن تذهب إليه هي بقدميها ولأول مرة ، تقدم على هذه الخطوة وذلك لأنها تريد أن تزيل حاجز الخوف منه.
لقد حسمت أمرها بأنها لن تنتظر أن يأتي  بعد قضاء مدته  ويسلب منها شخص آخر، هي قررت أن تحمي من حولها ولن تخفي نفسها عنه بل تريد أن تخبره بكل ثقة وقوة، أنا هنا  لن أخاف بل سأحافظ على أحبائي ومن حولي ولن أختبيء أبدًا.

قامت بململة شتات نفسها وطلبت زيارته، وبعد حوالي عشر دقائق  تم إدخالها إلى غرفة زيارة السجين، كان أبيها يجلس أمامها من وراء الزجاج، كانت لأول مرة تشاهد ملامحه منذ أربعة عشر عامًا لم يختلف الأمر كثيرًا عن مخيلتها، توترت بأول الأمر عدما رأته ثم أخفضت بصرها حتى تتحكم في يديها المرتجفة ، مل من الأنتظار وقال:
- لما أتيتِ ؟ هل تريدي أن تشفي غليلك ؟  

نظرت له والدموع متحجرة في عينيها وقالت:
- لقد جئت لكي أتخطى ... أتخطى ألمك لي وعذابك المتواصل منذ كنت طفلة  لا زالت تتعلم عن الحياة

انطلقت ضحكة منه مستفزة مستنكرة وقال:
- وماذا فعلت لكِ؟

توقف عيناها عن الحركة ، فقط تسمرت عيناها أمام عينه، تحاول أن تفهم ماذا يخفي هذا الوجه من حقارة ، كيف له ألا يفهم ولا يعرف ماذا فعل بها وبوالدتها ؟... ألهذا الحد هو سيء أم أنها هي  ووالدتها  ليس لهم أي قيمة تذكر في نظره  ، حاولت أن تتماسك وبنبرة مرتعشة، قالت:
- حقًا ... لا تعرف ؟

- أجل ، كل ما فعلته كان شيء يحدث بين الكثير من الأزواج ! وأنتِ كنت أضربك كي تتأدبين ! كان يجب عليكِ ألا تتدخلي بيننا،  بل كان يجب ألا تأتي لهذه الحياة.

انسابت الدموع الحارقة من عينيها، كانت كلماته أسهم تعرف كيف تخترق أماكن عميقة مؤلمة بقلبها، حديثه حتى آخر لحظة يجعلها تدرك أن هذا الرجل لا أمل منه، الآن ... الآن فقط قد أرتاحت ... هي لم تعد تخاف منه بل هي تيقنت بإنه رجل مثير للشفقة، يكفي أن تظل تعيش أيامك في الظلام، تقسو وتظلم ولا تعلم حتى ! لا تعلم بأن الصرخات والبكاء ستطاردك حتى نهاية طريقك إلى الجحيم .

كفكت دموعها وقالت:
- هذه زيارتي الأولى والأخيرة ... لن أظهر أمامك مرة أخرى ولكن إن ظهرت مرة أخرى بهدف إبتزاز أي من أعزائي لن أكون أوليفيا الصغيرة الخائفة والتي كما كنت تقول "كرة الفراء الصفراء" بل سأكون " كرة نارية تحرق كل من يلمس أي من أعزائي ".

خرجت أوليفيا من ذلك المكان الخانق، تحاول أن تستنشق الهواء بعدما حبست أنفاسها بالداخل،  أرسلت رسالة إلى إيميلي تخبرها أن تفضل السير الآن ولن تعود إلى المنزل حتى ترتب داخلها وأخذت تتمشى بين الطرقات، تراقب الناس، فالآن هي تستطيع التعرف جيدًا على الأوجه وبينما تشاهد ملامح ونظرات الناس بين الجموع، وقع نظرها على عائلة بسيطة، لفت نظرها الدفء الواضح عليهما لم تستطع تمالك نفسها إلا وهي تهوي بجسدها، تجلس أمام أسوار نهر سيدني، كانت تجثو على الأرض، ورأسها منكسة للأسفل، تبكي.

تذكرت  طفولتها ،  كلما كانت تشاهد عائلة لطيفة، تبكي لا حقدًا عليهم بل بسبب سؤال كان يتردد على مخيلتها دوما(لماذا؟) كانت دوما تتساءل ماذا لو كان كل هذا حلما، ماذا سيحدث إن كان أبي جيدا، ماذا لو كنت استيقظ على عناقه وأنام على قبلة منه ؟ ماذا لو كان يعامل والدتي جيدًا، أكان الأمر صعبًا أم أنا حقًا لم يجب أن أولد.

أزعجها  كثيرًا أن الفكرة جاءت إلى دماغها عندما رأت العائلة كما كان يحدث وهي صغيرة، ثم بدأت كل الأفكار السلبية تهاجمها، والدتها رحلت، السيدة ليلي رحلت وتوماس افترق عنها... شعرت بأن هناك وحشًا يتملكها في هذه اللحظة، رؤيتها للنهر المظلم أمامها وكل الأفكار السوداوية التي تم ملأها بها منذ الصباح، كلمات والدها يتردد صداها، أنا ... يجب أن أرحل عن هنا...

عندما رفعت أوليفيا رأسها، وجدت صورة توماس على لوحة الإعلانات بالشاشات الإلكترونية بالطريق أمامها للإعلان عن بدء الحلقة،  لم تتمالك نفسها إلا وهي تضع السماعات وتنقر بأصبعها على الهاتف وتستمع إلى حلقته.

بمجرد أن استمعت لصوته، شعرت بإشتياق مؤلم فما كان منها إلا أن تبعث رسالة له حيث كان مفادها 
-توماس، هل تعرفني ... هل تتعرف إلى صاحبة تلك الرسالة؟

بعدما قرأ توماس الرسالة، لم يجرؤ أن يخبر بها الجمهور، والأدهى أنه عندما حاول قراءة الرسالة، بدأ يشعر بصداع شديد،  استمعت أوليفيا إلى إجاباته على الرسائل باهتمام بالغ ولكنه  لم يذكر رسالتها، ومن بعدها أعلن عن فاصل.

خلال هذا الفاصل، كان يضع توماس يديه على رأسه الذي كاد ينفجر، يتساءل عن سبب عدم تعرفه إلى ماضي الراسل،   ثم وقع نظره على  الحاجز الزجاجي بغرفة البث، فتألم قلبه وبدأت موجة من الومضات السريعة والمتلاحقة، تجتاح دماغه وكانت تلك الومضات، تظهرفترة أوليفيا التي عملت بها كمتدربة بالمذياع.

أندهش تمامًا مما رآه و أخذ يكرر داخله في قلق :
- ما الأمر، ما الذي  يحدث معك يا توماس...

مرت دقائق ثم تم الاعلان عن استئناف الحلقة واعتدل توماس أمام المصدح  وأرسلت أوليفيا رسالة أخرى مفادها:

"لا أعرف إن كنت قد قرأت رسالتي الفائتة أم لا، لكني أريد أن تقرأ رسالتي وبشدة، فأنا هنا أقف على حافة الجسر، وأردت أن أستمع فقط إلى أي شيء، قد يحثني على الحياة، بأعماقي الآن، أريد الراحة... الراحة من كل شيء، ومهما حاولت جاهدة أن أفكر بشيء قد يجعلني أواصل حياتي البائسة، أجد عقلي خاوياً من أية فكرة... كل ما يسيطر على عقلي الآن، هو التخلص من هذه الحياة، فأخبرني أيها المختص، ما هو حلك؟.

- من: أوليفيا باركر."

حاول تلك المرة أن يسلط تركيزه على قراءة الرسالة، على الرغم من إجهاد مخه مما أدى إلى سقوط قطرات من الدماء، كان مصدرها  أنفه، ظهرت ومضات سريعة متداخلة، كل شيء واضح أمامه منذ وفاة أمه وحتى الآن، ها هو يراها، السيدة ذاتها...  سيدة شعرها ذهبي قصير ، تقف أمام النهر ، تمسك بهاتفها وتستمع إليه ... هل ليست مجرد سيدة.. هي أوليفيا ... حبيبته  وزوجته المستقبلية ... أيضًا.

لم يشعر بنفسه إلا وهو يخلع سماعات ومسجلات محطة البث ،  هرول دون أن يأخذ معه أي شيء ، فقط...  يركض ظنًا منه أنها سترمي بنفسها في النهر، فكان يسرع باقصى طاقة به،  محاولًا أن يمنع  ذلك، واصل ركضه حتى وصل إلى نقطة استطاع أن يراها فيها من بعيد، حيث  تجلس على الأرض  أمام الأسوار وتدفن رأسها بين ذراعيها المنغلقين حول ركبيتيها.

تقدم بخطوات نحوها، شعر أن قلبه يتم سحقه، أخذ يتأمل في وجهها الذابل و أنخفاض وزنها الملحوظ، كان يبكي من أجلها ومن أجل ماضيهم المؤلم فلم تشعر بنفسها إلا وأحدهم يمسك بيديها، يحاول أن يجعلها تقف مرة أخرى

سحبت يدها سريعًا منه و رفعت نظرها إليه، لتجده يقف أمامها تماما، أطالت النظر به مطولًا تتحرى هل هذا حلم أم حقيقة وعندما أمسك يدها، ليثبت لها أنها لا تتوهم، أجهشت بوصلة من البكاء  ، ولكمت  صدره بضربات ضعيفة متتاليه وهي تصرخ به قائلا:
 - لماذا تأخرت ... كان عليك أن تأتي إلي ... فلترحل حيث كنت .

ذيل عبارتها أعقبه بكاء متواصل ، أمسك  كفيها حتى تتوقف عن ضربه، ثم أمسك  يد، رأي خاتم زواجهم بيديها  وأخبرها قائلا وعيناه متضببة بالدمع:
- أوليفيا  ... أنت.....  لا زلت  ترتدين خاتم الزواج..

نظرت إليه بعيون دامعة، تسيطر على بكائها، شاحت بوجهها إلى موضع غير وجهه ، ثم قال:
- أخبريني يا قطتي البرية ، لما تبكي الآن

- لاشيء ، فقط بسبب الهواء

مال بجسده إلى مستواها وقال:
- ما العمل ، ضمادتك الفورية ، لا يمكنها إيقاف الهواء لأجلك .

فارتسمت ابتسامة ، دافئة ، مشرقة على وجهها المنتحب وقالت:
- ألا تتذكر أنك هناك شيئًا لك ، معي؟ 

فابتسم تلك الابتسامة المشرقة ثم مد كفه تجاهها وأخبرها بثقة:
- بالطبع، خاتمي .

تشاركوا بإبتسامة دافئة، تخللتها الدموع والانتحاب كأنهم بالبكاء يزيلوا شوائب ألمهم وبالابتسامة ، أملهم الجديد بمواصلة حياتهم كشريكين، كان مقدر لهم تشارك في ألم واحد، وبعدما ارتدى توماس الخاتم ، التقطوا صورة أمام الجسر وقالت أوليفيا بنبرة لطيفة ، ممتنة:
- الآن، أنا أريد أن أحتفظ بكل لحظة، لقد أصبحت أتعرف على الأوجه يا توماس ، لذا أريد أن أحفر صور أحبائي جميعهم بذاكرتي.

بعد مرور عام، كانت أوليفيا تجلس في حفل توقيع كتابها الأول، وهي في شهرها التاسع من الحمل، يقف بجانبها زوجها توماس أليكسندر، وكذلك ويل الذي يظهر على وجهه السعادة البالغة،لم لا ؟  فهو الآن يمتلك دار نشر خاصة به تضم العديد من الكتب الأكثر مبيعًا، سواء كانت روايات أو قصص مصورة أو كتب في علم النفس. 

قد حقق توماس وأوليفيا رقمًا قياسيًا في مبيعات النسخ مما عاد عليه بالنفع وما يسعده أكثر هو زوجته الأنيقة التي تقف بجانبه ترتدي زيًا من تصميمها الخاص ، ينتظر مولودا هو الآخر ، كانت إيميلي أيضًا حامل في شهرها السابع.

بعد انتهاء حفل التوقيع، ذهب الجميع إلى منزل أوليفيا وتوماس، في انتظار وصول كيفن وشارلوت ليكتمل تجمعهم الدافئ وأثناء تسامرهم، رن جرس الباب، فدلف  كيفن وشارلوت التي أتمت شفاءها ثم قررت هي وكيفن إنشاء شركة للإنتاج الإعلامي بالخارج واستقروا هناك،  لذا كان كيفن يتحدث إلى ويل، يستشيره في الكثير من الأمور مما زاد من ترابطهم.

بينما بدأت إيميلي مشروعها الخاص بالتصميم وكانت والدتها تعاونها فيه، فقد ورثت إيميلي حب تصميم الأزياء عن والدتها من الأساس لذا كان هناك إنسجامًا واضحًا بينهم في العمل، أدى إلى  نجاح عملهم بوقت قصير. 

أما عن ويل، فلا جديد غير ازْدِياد الأموال في رصيده الشخصي وتوسع الشركات التي يستحوذ عليها في البلاد.

قرر الشباب الستة أن يبدأوا منظمة خيرية مشتركة، كل منهم سيكون مسؤولا عن قسم خاص وكانت أوليفيا مختصة بقسم مرضى عمى الأوجه، لأنها أكثر من يعرف معاناتهم.

على الرغم من أنها لم تكن تعرف حقيقة المرض، إلا أنها عانت من الآلام ذاتها كانت السيدة ليلي ترغب بعمل تطوعي يخص مرضى عمى الأوجه ، كما ورد في مذكراتها التي عثر توماس عليها لاحقًا ،  أيضًا ذكرت أنها  كانت ستخبر  أوليفيا بأنها معافاة تماما من أي مشاكل  عضوية جراء الحادث  بعدما أنهت جلسات التأهيل التي كانت تحضرها معها، بيوم احتفالها بتخرجها وكانت ستبدأ معها رحلة أخرى للعلاج النفسي حتى تتغلب على ما عانته منذ طفولتها.

قد أحبت أوليفيا أن تحقق هذه الأمنية عوضاً عن السيدة ليلي ، كما أن  حقيقة أنها أكثر من يعرف بالمرض، لن يختلف عليها أحد.

وبينما كانت الثنائيات الثلاثة تشاهد الفيديو الخاص بحفل زفاف توماس وأوليفيا، أطلقت أوليفيا صرخة تنذر بقرب ولادتها، ولم يمض الكثير حتى أطلقت إيميلي صرخة أعلى...
ثم فزعوا جميعًا، لأنهم يجب أن ينهضوا الآن وعلى الفور، يبدو أن السيدتين سيضعان مولودهما اليوم ثم،  حدث ما توقعه ويل للمرة الثانية......
 تم ولادة طفلين، ابن لتوماس و أوليفيا
وابنة لإيميلي وويل.

تمت 

■▪︎○▪︎■

بمشاعر مختلطة من الحزن والسعادة والامتنان، أكتب نهاية هذه الرواية التي كانت رحلة لا تُنسى.
رحلة أطلقت فيها العنان لصدق مشاعري في تسطير صفحاتها.
حاولت أن أكشف الستار عن بعض الأمور التي نقابلها في حياتنا، مثل تلك المعارك التي ليس فيها خاسر ولا فائز.
إنما هي جولات، قد نخطئ ونصيب ونتعثر ونسقط ثم نقف مجددا وأحيانا نركض.
و ما أريده منكم هو أن نخلق لأنفسنا أجنحة نطير بها.

أما عن شخصيات الرواية، أخجل أن أتحدث عنهم كشخصيات واقعية ولكني بالفعل لن أنسى أي شخصية مرت بين سطور هذه الرواية،

جميع الأبطال كان لديهم طيف من الألم، سواء كان ذلك الألم متجذرًا منذ الطفولة أو نشأ خلال رحلة النضج. بعضهم قرر أن يخفي ذلك الألم في غرفة مظلمة، بينما آخرون واجهوا ذلك الألم كضيف ثقيل في ليالٍ صعبة. وهناك من خلق وحشًا أكبر ليتغلب على وحش الذكرى الأليمة المفترس. ولكن في النهاية، جميعهم تغلبوا على الألم بمساعدة بعضهم البعض وبدعم النقاط البيضاء في قلوبهم وهذا تمامًا ما أردته لكم يا نسائم.

كل شخصية منهم،  تعكس واقعًا لواحد منا، انتابهم الكثير من المشاعر من الحزن والحيرة والألم والغضب والانتقام وأخيرا الحب والعاطفة.

بالعاطفة استطاعوا أن يقدموا لغيرهم الكثير من الخير ولتعلموا يا نسائم أن الخير لا يتطلب أي شيء غير صدق النية والإرادة،  فالخير لا يستلزم أي منصب أو درجة علمية، الخير لا يعرف الطبقية ولا العنصرية

 الخير يعرف فقط الحب والمودة والعطف والتكافل والمساندة والدعم والتفهم.

لنقلل من كآبة وسواد هذا العالم
لتكونوا أنتم الضوء لجلاء عتمته.

■▪︎○▪︎■


نَسيم مرجان
٣٠▪︎ يناير ▪︎٢٠٢٤
...

أعلن عن وصولنا  إلى نهاية رحلتنا
ومتشوقة أن أعرف آرائكم.
يا بريزلايتس🧡 .

Continue Reading

You'll Also Like

5.9M 167K 108
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
690K 14.8K 44
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
397 57 6
لم أكن اؤمن بالصدف ....اعني لن يتغير قدري عن طريق الصدفة أليس كذلك؟!.......... آريانا كارتر ....تكاد تتخرج من جامعة الطب القسم النفسي ....تعاني من ا...
1.4M 129K 37
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...