١-《حوار مع توماس》

1.8K 157 116
                                    

الأول من مارس لعام ألفين واثنين وعشرين حيث خريف أستراليا، الذي تتساقط فيه الأمطار بغزارة وبالتحديد بمدينة سيدني، عاصمة الجمال حيث تجمع بين سحر الطبيعة الخلابة والأسلوب الحديث المعاصر.

وبغرفة عصرية بإحدى الشقق في البنايات الفاخرة، كان هناك شاب نائم في فراشه يصدر أصواتًا لحروفه غير المفهومة الذي يتمتمها، بجانب أصوات أخرى تخبرنا عن تصاعد أنفاسه اللاهثة، مع ظهور حبات عرق على وجهه ذي البشرة الحنطية، يتبعها حركة سريعة لمقلتيه بسبب حلمه المتواصل، الذي يراوده منذ ثلاثة أشهر، حيث يرى فتاة بشعر ذهبي مجعد قصير جدًا، تنظر له بعيونها السوداء العميقة، والتي يغلفها الحزن، وبابتسامة باهتة تعلوا ثغرها، تلقي بنفسها في أحضان النهر المظلم.

كانت غرفته منظمة بشكل مثالي، فكان بجانب فراشه خزانة خشبية صغيرة يعلوها نظارة طبية كبيرة ودائرية ذات إطار رفيع ومنبه إلكتروني حديث، ذاك الذي يلزم أن تحل إحدى المسائل الرياضية، لتتخلص من صوته المزعج!

دقت الساعة السابعة، ليرن المنبه رنته الصاخبة، فينهض متأففًا ويحاول أن يغلق المنبه، ولكن بلا جدوى ليردف بصوت ناعس، قائلاً:
- تبًا لك، اصمت!

يمسك المنبه بيده، ويحاول أن يفتح جفون عينيه، المتهدبة بكثافة في محاولة منه أن يستيقظ، بصره الضعيف لم يسعفه لرؤية المعروض على شاشة المنبه ولكنه حاول أن يسلط تركيزه على الشاشة، مما جعله يفيق من غفوته سريعًا، فابتسم لنفسه ثم قام بفرك شعره الكستنائي لطيف التجعد ومد يده ناحية الخزانة ليرتدي نظارته الطبية، فقام بحل المعادلة الرياضية بسهولة ليجد رسالة على هاتفه تخبره عن ميعاد مقابلته الحوارية بإحدى محطات المِذياع الدولية، مما أجبره على النهوض من الفراش سريعًا.

بعد قيامه بالتمارين الرياضية الصباحية وتناول فطوره الصحي، ارتدى بذلة رسمية، على عكس أسلوبه، فهو دومًا ما يحب الأسلوب غير الرسمي، ولكنه استثني اليوم فقط، ليحضر المقابلة بعد أن يؤدي محاضراته بجامعة سيدني وبالثامنة والنصف صباحًا كان قد وصل إلى الغرفة المخصصة للأساتذة وضع حقيبته وأستعد لمحاضرته القادمة.

دلف إلى قاعة المحاضرات، بابتسامة واسعة على عكس المتداول بين أساتذة الجامعات، جميعنا نعلم كيف يبدأون صباحنا، إما بإعلانهم عن الاختبارات أو الواجبات، وبالطبع لا يخل يومنا بالكثير من تهديداتهم.

بعد أن قام بتحية الطلاب، بالسنة الدراسية الجديدة، وشرع يسأل عن الحضور، فهو يعي جيدا أن عدد الطلاب المسجلين بالمقرر الذي يدرسه، أقل بكثير من عدد الطلاب الجالسين أمامه، ارتسمت ابتسامة على ثغره، ثم أردف قائلًا:
- ممتن لكم جميعًا ولكني لا أريد أن يتم نبذي من قِبَل زملائي والأكثر خبرة مني!.

لتردف إحدى الطالبات وملامح الترجي ظاهرة على محياها:
- أستاذ توماس، أنا أستمع إلى برنامجك منذ خمس سنوات، وقرأت جميع كتبك التي ألفتها، وتمنيت كثيرًا أن أراك وأتعلم على يديك، لا يمكنني التخلي عن حلمي، فأنت قدوتي.

مِذياع توماس.✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن