شتاءٌ أخرس

By ii7ii7ii

35.8K 2.5K 4.5K

أولا ترى؟ أولا تشعُر ايها الشتاء؟ لماذا لا يمسُك دفئي لمره؟ More

سقوط
شُعله
ليْـل
صمت
ندم
رُكود
غَرَق
عُزله
عَوْم
وعـي
مغفره
ذهاب
نُضج
منفى
بحر
وهج

توجُّس

2.3K 186 207
By ii7ii7ii

🪐

"فقط اهمس تايهيونق"
قال مؤكدًا يتحاشى بعيونه خوفي الواضح امامه، وتتوالى صرخات الرعب فارةً من عيوني إليك فلماذا انتَ كفيفٌ عنها؟ أولا تطمع ايها الرجُل الآثم ان تُزهق هذا التوجّسُ بي؟ ألا يدعوكَ شيءٌ بي لتُنقذه؟

استدرتُ اتبعهُ بعيوني بينما يُعلق معطفي ويخرج بهدوءٍ صاخب اثارَ همساتُ عائلتي المتسائلة، رفعتُ رأسي الثقيل انظُر لنظراتهم التي تجرح فؤادي وتُمرضني.

"مساءُ الخير تايهيونق"
انقبضت ضلوعُ صدري بشده وشعرت اني سأختنقُ بوقوفي امامه، ماذا تفعل الدماء ان حنّت؟ أتكتمُ صدري هكذا؟
لاحت لي لحظاتي السابقه معه وصدقها، وقبل ان تنتهي من ذاكرتي عصفت بي حتى افقدتني نفسي، ولا اعلم لمَ لكني التفتُ ابحث عن حارسي دونَ سببٍ حاضر

"انظُر هُنا"
قال مجددًا بنبرةٍ بدت قاسيه يحثُ بصري، فرفعتُ رأسي انظر اليه هوَ تحديدًا، اخبرهُ بعيوني قبل ان يفعل شيءٌ من جسدي، وليتك تقرأ يا جدي؟ ليتك ترى ما الذي حلَّ بي بعد ان رحلت
لم اعُد افعل شيء سوى اني انهي كل يوم بالنجاة.

"جدي"
همستُ دونما قوه أُدرك ضعفي مجددًا، ارتجافةُ حدقتاي، طقطقةُ أسناني، ارتعاشُ اصابعي! كُلها ادركتُها وحدي

بقيتُ واقفًا اتأمل وجههُ الحنون ونظرتهُ الصادقه حتى استقام من مكانه يقيمُ معه كل جسدٍ ساكن، يفتح اذرعهُ لي واركض أنا بملء قدرتي الميته،
ارتمي بين احضانه اضمهُ بقوه، اشعر بي وانا بين يديه تتصلب جذوري، وتبرُد دمائي الساخنه، شيءٌ بي يُقهر ويموت، عشتُ الماضي في لحظةٍ واحده، استشعرتها بقلبي وبكل ما هوَ حيٌ يحتويني واحتويه، والإدراك يثقب روحي بأنها ستكونُ الأخيره حتمًا.

"علامَ تبكي؟"
همسَ بهدوء يمسح بيده المُرتجفه جفونُ عيناي المحترقه، وآهٍ كم أتألم، آهٍ كم يبكي داخلي بأصخب مما ترى ومما أُبدي

"لا يجدُر بكَ البُكاء"
عدتُ انظر إليه، لاقاني وجههُ الحاد وعلمتُ حينها انهُ يعلم كل شيء، غاصت عيوني في عيونه، بكيتُ صامتًا بين يديه، ولفرط ما احرقتني دموعي احسستُ بملوحتها تقشع بصري فراح يمسح فوقها مرارًا ببطء ولم انكف عن البُكاء للحظه بل هشمتُ حنجرتي حتى، لكنهُ ابتعد يُحدق بي بتساؤلٍ علمته، كان كل شيء يؤلمني حينها، كان كل شيء يحاول الهرب، كأنني قطعتُ اشواطًا مجروحه من الطيران للسماء ولم اسقُط الا بين مخالبه

"آسف"
خانتني قوتي كما خانتني ركبتاي عندما سقطتُ ارضًا دون حيله، كنتُ وحيد، كمن لا يرجو شيئًا سوى ان يبكي بصمت وهو يُزيح تلك الصخور من على كتفه

"سأسألُك سؤالًا واحدًا فقط"
ارتعشت روحي وارتجفَ قلبي، ارى من مكاني هذا أثارُ السنين التي خطت تجاعيدها فوق يديه، هل ستقتلني تلك الأيدي يومًا؟

لماذا فكرة الموت تبدو مُغريه رغمَ سوئها؟

"هل فعلت؟"
احسستُ بدمائي تتجمد لوهله، ان كنتُ انا المجرم وانا المحامي وانا الشاهد والدليل فهل ستكونُ انتَ القاضي يا جدي؟ هل ستُحاكم دماؤك بسيفٍ قاتل ام حبالًا مُعلقه؟

"لا"
انتفضَ جسدي إثرَ صوت ابنُ عمي ميشيل الذي صرخَ يوبخني ويؤكد جريمتي في نفوس الجميع، لكني ظللتُ انظر لأعيُن جدي بصمتٍ مدوي كصمته، كان حالنا بائس،
يا للضيق فقد كنتُ اصرُخ امامَ اصم

"ويحك، أقاتلٌ وكاذب؟"
لم التفت، لم انظُر، لم انبس ببنت شفة، واصلتُ الرؤيه والإدراك بأن جدي خائفٌ مني ومن حقيقتي

اعلم ما الذي يتردد في عقله تحديدًا، اعلم ماهية تلك الصوره المنعكسه في عيونه، وكلما اشتدت قبضتهُ على العصا أكثر كلما عرفت بماذا يُفكر عني
فهل تقولُ في عقلك كيف تجرأ تايهيونق الصغير على ذلك الفعل؟
هل تكرهُني داخل افكارك؟
ماذا افعل اخبرني! ان لم تصدقني انت فمن سيفعل؟

"سيُطاردك الجحيم، ستؤنبُك شقيقتُك في أحلامك ايها القاتل، حتى والدتك لن تعود مهما بحثت عنها"
احسستُ بعظامي تسقط، وجسدي يتراكم فوق بعضه من شدة الألم، دفنتُ شهقات قلبي تحت رُكامي، اعتصرتُ روحي داخلي حتى شعرتُ بها تود الخروج مني

"اصمت قبل ان أُلحقك بشقيقتي"
التفتُ برأسي أُحدق في عيونه المتفاجئه، لم يُحرك حُطامُ جسدي شيء ولا حتى صدمة اعينهم الى ان رأيته يركض بقوه ويلكمني حتى الصقَ وجهي بالأرض

"انا من سيُلحقك بها ايها اللعين"
استسلمتُ له يلون وجهي بلكماته ثم يجعلني ابتلع دمائي ليعود ويلكمني بقوةٍ اكبر، وانا اسمع صرخاتهم تزيدُ عذابي، ما الذي يحصل بحق الرب؟ هل يحاولون تبرئة انفسهم من فعلة ميشيل وهم يفعلون ما يفعله كل يوم ولكن دونَ دماء

لم اعد اشعر بشيء من شدة الألم، حتى فكي احسُ به يسقط من وجهي، كانت لكماتهُ قاسيه لكنها انعم من لكمات قلبي لي وهو يجعلني أُدرك انعدام وجودي بينهم!
كان يسلخ جلدي تحت ظل عيونهم ولم يُحرك ذلك شيء، قهرني جدي الذي لم يفعل شيء ولا بنظرةٍ منه
وأبي! أبي الذي تخلى عني على تلك الطاوله قتلني.

لم استطع ابتلاع انيني لشدة الضمور، استشعرتُ خدرَ جسدي اكثر حتى توقفَ اخيرًا يُعيد لي الوعي لأستشعر الألم ينزفُ من كل مناطق جسدي مرةً أُخرى

تنفستُ الهث كما لو كنتُ الكُمني معه، ولا زلتُ اسمع اصواتهم العاليه تصرُخ وهم يشتمون بإسمي، راقبتُ بؤسي يزداد وخوفي ايضًا، حتمية العائله شيءٌ مُقرف.

التهَمت بصري بقعةً خرساء في السقف تُذكرني بحقيقتي، فوهبتُها نظري كُله حتى اختفت اصواتهم واجسادهم، لم أُدرك كم من الوقت مضى وانا أُحدق في تلك البقعه لكنهُ وقتٌ طويل، طويلٌ جدًا حد الذهاب الى السماء عصفورًا والعودةُ منها كريشةٍ من جناحٍ مكسور

احسُ بوجوده هُنا، في مكانٍ ما يُراقبني، تطفو رائحته فوق بحار آلامي وأغرقُ أنا! رغمَ اني لا اعلم من انا؟ هل كنتُ الأمواج؟ المركب؟ الشراع؟ لا اعلم لكني غرقت

انتظرتُه، ولم يخطو خطوةً واحده، اغلقتُ عيوني اتجاهل شعوري بالألم، وحتى الموت كانَ صعبًا علي تلك اللحظه.
شعرتُ به يمشي في هدوء
يجلس جواري دونَ صوت
كنتُ اتساءل ما الذي يفكر بهِ الآن! ماذا يُمكن ان يجول في رأسه عني وعن عائلتي؟ هل يراني جبانًا مثلًا؟

فتحتُ عيوني اريدُ اجابةً لكني نسيتُ السؤال بعد ان رأيتُه ينظر داخل عيوني في لحظةٍ صامته، بارده، شعرتُها أبديه لكنها كفكرةٌ زائله
وليتَ كل شيءٍ يزول عدا تلك اللحظه معه.

"هل احملُك مثلًا؟"
ضحكتُ بتقطُع اهرب من عيونه والدماء تسيلُ من ضحكاتي، اتجاهل نبرتهُ الساخره وتحديقاته الغريبه التي تحكُ سكاكينها فوقَ ملامح وجهي

انهيتُ ضحكتي رغم رغبتي بالضحك اكثر دون سبب، حاولتُ الاستقامه ولم استطع، كان شعوري بالضعف الى هذهِ الدرجه شيءٌ جنوني ويثيرُ غضبي

"هلّا اعرتني يديك؟"
مدَّ يدهُ بهدوء دون ان يحاول مساعدتي، تسللت عيناي تسترقُ النظر اليها في محاولةٍ فاشله لدراسة تصرفاته، كانت صلبه قويه لا يسعها هذا المعطف الثقيل وكفّيه تختبأ خلف قُفازٍ اسود يقيه من البرد، رغمَ علمي الذي لا اعلم مصدره بأنها ستكون اشدُّ برودةً من ياكوتسك لو لمستُها

تنفستُ بقوه اهرب من افكاري، اتمسك بيديه وارمي ثقل جسدي المتراكم عليه في انينٍ مستمر يخرُج من بين نبرات صوتي المتألمه، احسستُ بخطواته تتباطأ اكثر كلما لاقيتُ صعوبةً في المشي حتى امسينا نمشي ببطءٍ شديد، ولا شيء يكسر حدة الصمت سوى همهماتي الباكيه

كانت دمائي تقطر بهدوء فوق الأرض التي ندوسُ عليها، تنهدتُ لها ورغبتي المميته بالصُراخ تُعذبني اكثر!

ما الذي حصل قبل ساعة؟ أكنتُ اموت بين ايدي ميشيل دون ان يرف لهم جفن؟ اذا ما انقذتني عائلتي الملعونه تلك فمن ذا يُنقذ؟ من ذا يرأف ويعطفُ علي؟ أحارسي وحده من فكر بي؟
الآن انت تعلم ايها الرب اثمي وتعلم عقوبتي، وانا أُخبرك اني ايضًا اعلم.. في يومٍ ما سآتيك وسأسألك وانا اقفُ امامك وقوتُك تطحن جسدي من جديد، كيف اخترت ان تكون عقوبتي عائلتي؟
اقهرني بأسبابك ايها الرب!

"اريدُ ماءً"
قلتُ ازفر انفاسي بتسارع كما لو اني بتلك الطريقه البائسه سأتخلص من تعبي، والغضب يأكل جسدي أكثر فأكثر، وضعني على مقعد السياره الخلفي ثم ذهب، وقدماي لشدة ارهاقي تركتُها تتدلى خارج السياره، اسندتُ رأسي وأحسستُ بالألم ينبضُ فيه رغم اني اسندتهُ بهدوء، ظللتُ انظر لباب المطعم الذي نقفُ امامه وانفاسي تخرُج بطريقةٍ هوجاء

كنتُ في زيفٍ دائم، لم تكُن اللحظات معهم بذلك الصدق الذي تصورته، كنتُ في موضع الاحتمال دومًا، كيف سأُهذب قلبي بعد الآن واعصمه عن حبهم؟
ميشيل! ميشيل ابنُ عمي الذي كان يقاسمني العابه ويُشاركني ثيابه، اليوم كان عدوي امام من تفاخرتُ بصحبته معهم
هذبتني كل تلك الاماكن التي ظننتُها موطني، ورفضتني.

"ما مقدارُ ألمك؟"
وقفَ امامي يحمل بيده قارورة المياه، ويسألني بأكثر النبرات المًا كمن يجسُ نبضَ ميت

"هل ستحتمل لمسة يداي؟"
اومأتُ له صامتًا فخلع قفازه يصبُ بعض المياه على يده، اغمضتُ عيوني بهدوء حينَ حطت اطرافُ انامله البارده فوق سخونة وجهي، لم اتصورها بذلك البرد أبدًا، كان يمسح اثار لكمات ميشيل برفق وقسمًا لا اشعُر بشيء سوى اني اسمع بخضوع بُكاء روحي المتروكه

"جائع؟"

"لست"

"اتشعُر بالبرد"
نفيتُ برأسي بين يديه التي تستمر تمسح على وجهي وتُنظف دمائي، يا للبروده حقًا !

"أأنت بخير؟"
حطمني سؤاله، رأيتُ المشهد كاملًا بعد انقشاع اوهامي، لا يوجد احدٌ منهم سألني عن حالي منذُ ذلك اليوم عداه !
ليست المره الأولى التي يتحطم بها قلبي، لكنها الأولى التي اشهدُ فيها حطامه بكُل جوارحي ونبضاتي

"اودُ النوم"
حاولت الابتعاد رغم عدم اصراره اصلًا لكني اردت ان يحاولني احدهم يومًا، ان يحاول اصلاحي او حتى جبري.

"سآخذك للمنزل، هيا ادخل الى السياره"
رفعتُ رأسي أُحدق فيه وهو ينتظر، صمتُ لوهله لأن الكلمات تعبت مني، لأن الخوف سيطرَ علي، انتظرتُه بحمق ان يفهم غايتي دونَ الحديث

"كيف تُعيدني الى مكانٍ اهرُب منه؟"
تهدج صوتي فكبحته، ولم اكبح عتابي ابدًا

"اذهب بي الى السماء، الجحيم، ارمني في غابةٍ ما او دع امواج البحر الوحيد تلتهمني، تخلى عني انت ايضًا لكن لا تُعيدني اليهم"
سكنَ جسدي متأهبًا للحظة الحُزن العميقه، ولم يستمر سكوني لوقتٍ طويل فها أنا ابكي امامه عارٍ مني ومن غضبي وعائلتي، هذا الغضبُ بي خانق، هذا الشوق الملعون خانقٌ أكثر

كنتُ احاول ان اعصم قلبي عن حبهم؟ حسنًا سأفعل لكن من سيعصمني عن حنيني لأبي؟ فكرة التخلي عنه مُخيفه، تُبكيني! انا الذي قضيتُ عمري السابق في ضحكاتٍ صاخبه معه! لمَ لا يُدرك وحدتي دونه! بعد ان ماتت شقيقتي، وتركتني أمي الملعونه ايضًا!
كيف تتخلى عني انتَ ايضًا يا أبي؟ سأغفر لك اليوم.
أُقسم بجنوني بك اني سأغفر، انت لم تراني أُضرب امامك وأنا لم اراك حاضرًا اصلًا
سأقضي عمري القادم كله اغفر لك، لكن أرجوك اياك والتخلي عني.

"سآخذُك الى البحر"
انهزمتُ لشهقاتي التي تذبح صدري، اتفكر في نبرته الغريبه وحنينٌ غزاني
ماذا يقصد؟ البحر يبعُد ساعتين عن ياكوتسك!

"ايُّ بحرٍ تقصد؟"

"كم بحرًا تعرف؟"
رمى قفازه داخل السياره بجانب مقعدي، ثم امسك كلتا ساقاي يُدخلني الى السياره فجأةً

"كنتُ سأدخل!"
تعجبتُ من تصرفه، فتجاهلني يُغلق علي الباب ويقودُ في صمتٍ غريب كان رفيقه بُكائي الصامت الذي جاهدتُ كثيرًا ان اكبح علوّه

زجرتُ نفسي كلما احتدت شهقاتي تُدمي صدري اكثر، خنقتُها داخلي حتى باتت مكتومه، استشعرت السياره تهتز كل ثانيةٍ وأخرى بينما تمشي بهدوء فوق تراكمات الثلج الصغيره، كانت حركتها مع صوت الرياح الخارجي الذي يطرق النوافذ يُصيب قلبي اكثر

ظللتُ ابكي طول الطريق وهو يُنصت لبُكائي تحت اضواء الشارع البيضاء بعد ان غربت الشمس كليًا وغربت معها جوارحي فسقطتُ في نومٍ عميق

وبلا سببٍ اعلمه كنتُ اتألم رغمَ نومي، كانت بي أشياءٌ وأشياء تنوح في بُكاءٍ أبدي

كنتُ اتألم وكثيرًا ابكي، لكن فكرة اني سأرى البحر بعد اعوام، بعيدًا عن اني سأراهُ للمرة الأولى دونَ عائلتي تبعثُ السكون بي

احسستُ به يوقف السياره فجأه!
ولا يصل أُذناي شيء من اهازيج البحر
هُناك في بقعةٍ عميقه في صدري خشيتُ ان استيقظ ويصدمني ما اراه، خشيت ان يكون من اعداء ابي ويقتلني ثم يرميني هُنا فأموتُ وحيدًا، لم يكُن سوى غريب التقيتهُ اليوم فكيف وثقتُ به؟

لكن شيءُ في قلبي انعقد بشده يمنع ضخ الدم ووصولهُ، حين احسستُ به ينزل من السياره بهدوء، يفتح بابي الخلفي ويضع معطفهُ فوقي، لأول مره احسُ بالراحة هكذا، لأول مره يزورني شعورٌ اخر غير ألمي

ما هذا الشعور؟ كيف بإستطاعتي وصف اني ولأول مره ارغب شيئًا حقيقيًا الى هذه الدرجه كاهتمامهُ بي؟

في لحظةٍ كاذبه شددتُ معطفه بقوة نحو صدري حتى يدفأ قلبي معي، لم اكُن اعلم حينها اني بعد هذه اللحظه تحديدًا سيسكُن الشتاءُ قلبي الى الأبد

شعرتُ بأشعة الشمس تُزاحم جلدي، تتسلل الى عيوني وتُزعجها، عاندتُ حتى الطبيعه كيلا استيقظ للواقع من جديد، لكني سمعتُ صوت البحر يتلاطم، ورائحة الأمواج المالحه تنتشر بعمق في خلاياي حتى افاقتني، فتحتُ عيوني بثقل والهواءُ يهب بطريقةٍ عميقه ارعشت جسدي

رفعتُ جسدي العلوي واول ما قابلني كان ازرقاقهُ المُخادع، ابتسمت! ليس لاني سعيد بل لاني حزين بطريقةٍ عذبه، لاني قد ابكي! وقد تختلط ملوحة دموعي بهواء البحر، لاني ربما قد امشي فيه ولا اشكو ثقلي !
التفتُ يسارًا ابحث عنه، كان يتكأ بجسده على مقدمة السياره، ظللتُ احدق به وبعد ان استوعبت طريقة وقوفه لاحظتُ في سعادةٍ كبيره انهُ ركن السياره ليكونَ بابي مواجهًا للبحر تمامًا، وهكذا استيقظتُ اصلًا

ازحتُ معطفهُ عني بينما انزل مُسرعًا من السياره كرداءٍ مُتلهف ليطفو فوق امواجه، لكني كنتُ رداءً مثقوب وأُدرك ثقوبي كما أُدرك عدمية رقعًا لها، تنفستُ رائحة البحر حتى غمرت صدري وانا اعلم ان كل شيءٍ مثقوب يغرق، يغرق حقًا.

"اجلب قفازي"
سمعته يقول بنبرةٍ هادئه استعارها من ركود البحر في ليلة صيف

"اجلبهُ بنفسك"
اجبته ولازال يُعطيني ظهره، لا اعلم تحديدًا ما الذي استفزني فيه، أهوَ طريقة طلبه؟ ام عدم استخدامه للالقاب معي؟ ام انهُ يحادثني دون ان يلتفت وينظُر لي!

"انتَ من نمت فوقه"
التفت يُحدق بي ساخرًا بعد ان قال
لم يكُن شيئًا مُحددًا بل كل ما فعلهُ استفزني

تجاهلته امشي للبحر وكلما اقتربتُ اكثر اجتاحتني السكينه
ماذا يملك البحر؟ أيُّ شعورٍ هذا الذي يُعطيهِ لي؟
لمَ وانا ارى مداهُ تخورُ أحزاني داخل جسدي بهذا السكون الغريب!

جلستُ امامه تمامًا وتساؤلٌ يطرق عقلي
هل تغرق يا بحر؟

اخبرني ان استطعت كيف هوَ شعور ان تغرق في نفسك؟ هل تختنق مثلًا؟ هل تشعُر بك؟ حقًا هل تشعر؟ فقد صورتُك في عقلي كهيئتي، عميق حزين ووحيد، تضيعُ في مدٍ وفي جزر حالُك اليوم ليس كحالُك بالأمس، تُعذبك الأعاصير لكنك لا تنجو ولا تبتلعها فهي تحدُث في وسطك تمامًا بعيدًا عن مصدر حيلتك، بعيدًا عن يديك.. كما حالي أنا

"من يُسرف النظر في البحار، سيموتُ غرقًا فيها"
سرت رعشةٌ قويه في قلبي حينَ قال، كمن اوصل شراييني بالكهرباء

"مُجرد مقولةٌ قديمه"
اكمل يفقس صلابتي الهشه فنظرتُ فيه دون معنى، وتلا كلامهُ نظرةً ماكره جدًا كنتُ قد لاحظتُها منذ اول لقاء كما لاحظت يدهُ العاريه حتى الآن، كنتُ افكر بلا وعي هل سيتجمد الثلج ان امسكه بيده؟

"ماذا ترى فيه؟"
جلسَ بجانبي يقول، وقد مرت موجةُ هواءٍ طويله عبرت من جسده إلي فضممتُ يدي بخفه اتجنب برودتها

"مالا تراهُ أنت"
التفت يمينًا ينظرُ في عيوني لوقتٍ طويل ازعجني، ازعجني كثيرًا فبادلتُه، كان شعره الأسود يتطاير بخفه كلما تغلغلت فيه نسماتُ الهواء القارسه، كان منظرهُ دافئ ينسجُ خيوطًا في قلبي لكن بطريقةٍ أُخرى كان يزيدُ بردي دون ان اشعر

"اذن، انظُر لمكانٍ آخر بوسعي رؤيتهُ معك"
ضحكتُ ساخرًا اتجاهل نضوب الكلمات في حلقي

"هل انظُر لك مثلًا؟"
ارتفعَ طرف شفاهه بسخريةٍ اكبر من سخريتي حين قُلت

"سيؤلمك ما ستراه"
لاحظتُ نبرتهُ الهادئه تضمحلُ شيئًا فشيء لتُصبح همسًا حادًا يجرح مسامع صدري

اشحتُ عيوني عن قيعانِ عيونه وعدتُ اتأمل البحر في صمتٍ طويل كنتُ اجلس فيه وحيدًا بعد ان ذهب يجلس بداخل السياره، صمتٌ طويل جدًا حدّ الذي آلمتني فيه عيوني وغربت فيهِ الشمس ليذهب ازرقاقهُ المخادع ويتجلى سوادهُ الحقيقي

تمددتُ امامَه، وقد آلمتني برودة الثلج والصخور المتجمده اسفلي، رحتُ اضمُ جسدي إلي انظُر في هيجان أمواجه، وفي لحظةٍ سريعه زارني طيفُ بياترس وهي تختنق، شهقتُ قويًا كمن استيقظ من موته رغم وعيه، شددتُ بقوه على أصابعي حتى لمستُ ادق تفاصيل عظامي، تبًا كيف يقتلني البحر حتى في خيالاتي !
حدقتُ في سواده بحقدٍ كبير وابصرتُ فيه روحًا مجرمه، احسستُ بأن امواجهُ الغاضبه ستركُض إلي وتأكلني
كنت اتخيل مشهدًا كامل انسجُ فيهِ موتي

"والدُك يريدُك"
زادَ وجعي بغتةً حينَ سمعتهُ يقول بنبرتهِ الهادئه من خلفي، فإلتفتُ انظُر فيه وخار قلبي مرتجفًا وأنا أرى فيه ذات الروح

وسؤالٌ دقَّ قلبي، وقشّرهُ حتى الصميم
هل أنتَ البحر؟

Continue Reading

You'll Also Like

643K 11.9K 43
لينك جروب الفيس . https://www.facebook.com/groups/1010825243032716/?ref=share رواية رومانسية. هو بارد مثل الجليد تركته أمه وحيدا وبعدها خانته زوجته ل...
492K 13.5K 46
المُنتصف المُميت!! أن تفقد القدرة على الأبتسامة من القلب، فلا تملك سوى أبتسامة المهرج " الأبتسامة الضاحكة الباكية " المُنتصف المُميت!! أن تُجبرك الظر...
153K 3.7K 54
المقدمة الدنيا دي عبارة عن بحور كتير واحنا بنعدي فيها من بحر لبحر ساعات البحر بتكون أمواجه هادية فنعدي منه بسلام وساعات البحر بتكون امواجه عالية وخط...
27.1K 387 9
اسفة لاي خطا املاءِ لان من الجهاز