" و كيف استطعتِ جعل نظراتي الحاده خاضعه أمام عيناكِ ؟ "
-
" فاليريو "
دخلتُ إلي غرفتي و أنا اترنح من شده الأرهاق ، صباح اليوم كان حافل بالعمل ، و ليلي كله أمضيته في قياده دراجتي بصحبه راسيل ، لستُ من النوع الذي يشعر بالإنهاك سريعا ، و لكن تلك الفتره أصبح ألم الرأس مرافقني كـ صديق وفي .. أوفي حتي من إيريك .
خلعتُ سترتي ثم ألقيتها علي الأريكه بإهمال و توجهت ناحيه غرفه الملابس ، مددتُ يداي خلف رقبتي أحل عقده السلسال ثم نزعته و وضعته في كف يدي ، نظرتُ للحروف المكتوبه علي دلايه السلسال ، كانت حروف إنجليزيه صغيره للغايه تُري بالعين المجرده بصعوبه ، و لكنني كنت أستطيع قرائتها بوضوح .. " زيوسيا " ، هذا ما كُتب علي الدلايه ، كانت أمي هي أول شخص يدري بشأن رؤياي و الوحيده بـ استثناء إيريك ، و لأنها كانت مولعه بالروايات و الأساطير القديمه فـ كانت مؤمنه بـ رؤياي أكثر مني حتي ، كانت دائما تحاول أقناعي انها ليست مجرد رؤي طبيعيه و انما تخفي ورائها مغزي ، و في عيد ميلادي الثاني عشر أهدتني ذلك العُقد ، لم أفهم وقتها ما المكتوب علي الدلايه و أخذ مني الأمر وقت طويل لـ قرائته حتي أخذت تشرح لي معني المكتوب ، " زيو " هي أول ثلاثه حروف من اسم " زيوس " ، و " سيا " هي آخر ثلاثه حروف من اسم " مارسيا " ، فـ اذا جمعناهم في كلمه واحده اصبحت " زيوسيا " ، و منذ أن اهدتني ذاك العُقد و أنا لم أخلعه في حياتي سوي قبل الاستحمام ، أي أنني أرتديه منذ عشرين عاما !
وضعتُ السلسال في أحد الأدراج ثم خلعتُ قميصي لأقف عاري الصدر ثم مسحت علي رأسي بـ تعب ، لم أري حتي ما الذي سأرتديه فقط أخذت يدي أول بنطال مريح امتدت ناحيته ، لستُ من هؤلاء الرجال الذين يفضلون الجلوس في المنزل و هم يرتدون بنطال و قميص ، عاده ما أكتفي بـ بنطال و لأبقي عاري الصدر كما أشاء فـ لا يأتي أحد للبيت سوي إيريك الذي يأتي دون سابق انذار و هو يسحب حقيبته خلفه و يجلس بالغرفه التي خصصتها له في منزلي ، ليأخذني الله قبل أن أفكر في تخصيص أي شيئ له مره أخري ، عدا ذلك فـ لا يوجد أحد في المنزل سواي و روليا .
و علي ذكر روليا ، شعرت بيداها الصغيرتان تتعلقان في عنقي بعدما توقفت علي الكرسي الموضوع خلفي ، ابتسمت بـ و هن و انا التفت لها و ما زلات يداها تطوق عنقي ، طبعتُ قبله صغيره علي وجنتيها و انا أري عينيها الناعستان كما عيناي :
_ لما لم تنام صغيرتي إلي الآن ؟
_ كنتُ في انتظارك ، هناك موضوع في غايه الأهميه يجب علينا الحديث بشأنه .
رفعت ملامحي بـ دهشه و انا أتصنع الجديه كما تفعل هي :
_ و ما هو ذلك الموضوع شديد الخطوره الذي جعلكِ مستيقظه حتي طلوع النهار ؟
تحمحمت و هي تبعد يداها عن عنقي ثم بدأت تعيد خصلات شعرها الأشقر للخلف :
_ في الواقع يوجد الكثير ، و لكن دعنا نخصص موضوعين نتحدث بشأنهم اليوم ، و غدا نتحدث في موضوعين آخرين و هكذا .
همستُ لها و أنا أجعد ملامح وجهي محاولا أن أبدو جاد للغايه :
_ و هل المواضيع التي علينا الحديث عنها كثيره للغايه ؟
أومئت و هي تعدل من وضعيه ملابسها :
_ نعم هي كذلك .
_ ما رأيك أن أذهب أولا للإستحمام ثم نتحدث في مواضيعك المهم تلك ؟
نفت برأسها و هي تأخذ البنطال من يدي و ألقته أرضا بحركه غاضبه :
_ لا ، سنتحدث أولا .
_ ليا انا أتصبب عرقا .
_ تتصبب عرقا في منتصف ديسمبر ؟ هذا غريب .
علمتُ أنني لن أصل معها لحل متوسط ، لذا جلستُ علي الأريكه الجانبيه الموضوعه في غرفه الملابس ، هبطت من علي الكرسي ثم وضعته أمامي و جلست عليه كـ قاضي يجلس أمام متهم :
_ لا أعرف من أين أبدأ الصراحه ، هل ابدأ من الضماده الملتفه حول ذراعك ، أم ابدأ من تلك المرأه التي كانت تجلس معك انت و عمي إيريك في بهو المنزل ليله أمس ، أم أبدأ من هذا ؟
قالتها و هي تشير إلي زاويه الغرفه ، لم أفهم مقصدها لتتجه سريعا ناحيه المكان الذي كانت تشير ناحيته ، ثم أخرجت كيس اسود بلاستيكي متوسط الحجم كان موضوعا بين ملابسي ، لم أكن أعلم حتي ماهيه ذلك الكيس ، بالتأكيد ليس أسلحه لأنني أضعها في خزينه موجوده في غرفه في المنزل و لن تستطيع ليا او أي شخص آخر الوصول إليها سواي ، تمعنت في الكيس أكثر .. و بالتأكيد تلك ليست جثه ، فـ أنا لا أحمل الجثث الي المنزل ، ثم هي ترفع الكيس بسهوله و تض..
قطعت حبل أفكاري و هي تفتح الكيس ثم ألقت ما بداخله علي الأرض أمامي ، لم استطع تبين هويه الشيئ الملقي ارضا امامي حتي رفعته روليا تستعرضه أمامي .. كان معطف أبيض .. معطف راسيل !
_ ذلك المعطف وجدته صباح اليوم أسفل الطاوله ، هل تري الدماء الموجوده عليها ام أقرب المعطف من وجهك أكثر حتي تراها بصوره أوضح سيد ريو ؟
ريو .. ذلك الاسم البغيض الذي تناديني به ، و كأنها تتكاسل عن نطق اسمي كاملا فـ تكتفي بـ مناداتي بـ ريو بدلا من فاليريو ، ولما عساها تناديني بـ اسمي بدلا من أبي ؟ علي كل حال أُحب ان تتعامل معي بلا قيود ، لست أبا صارما كما تزعم !
_ ذلك معطفي ، و ملطخ بالدماء لأنني جرحت ذراعي ليله أمس عن طريق الخطأ ، و لهذا أضع ضماده عليه ، و هكذا نكون انتهينا من جميع المواضيع الخاصه بالليله و الآن سأذهب للاستحمام .
قبل ان أقف دفعتني بكامل قواها لأقع علي مقعدي مره أخري ، افكر الآن أن أفتح النافذه التي تقبع خلفها تماما و ألقيها منها .
_ أولا ، المعطف ليس ملكك ، جميع معاطفك اما سوداء أو باللون الرمادي ، و هذا المعطف باللون الأبيض ، و انت لا تمتلك أي ملابس بيضاء سوي بعض القمصان ، أنا أحفظ جميع ملابسك جيدا !
تحليل دقيق للغايه ، بالفعل لا أمتلك ثياب ذات ألوان فاتحه سوي القمصان ، حتي أنني نسيت ذلك !
_ و ما ثانيا ؟
_ ثانيا ، المعطف خاص بـ امرأه .
ضحكتُ بـ استخفاف ظاهري و انا أمسح حبات العرق القليله التي بدأت تتسلل بخفه إلي جبيني و انا أشعر أن درجه الحراره ترتفع حقا :
_ و كيف علمتِ أنه معطف امرأه ؟
امسكت روليا المعطف ثم وضعت يديها في احدي جيوبه الداخليه ، ثم اخرجت منها شيئ صغير بحجم اصبع اليد و وضعته أمام عيناي مباشره :
_ ان كان هذا معطفك ، فـ هل في العاده تحتفظ في جيوبك بـ أحمر الشفاه ؟
نظرتُ لأحمر الشفاه الخاص بـ راسيل بـ عجز ، و الآن أفكر بكل جديه أن آخذ روليا لتعمل معنا في المافيا بعد تحليلاتها التي لا تناسب عمرها بالمره ، نظرتُ الي الأرض و انا أضحك بـ قله حيله و قد تمكن النعاس مني بـ شكل كبير .
_ ليا .. أعدك أنني سأجيب علي جميع اسألتك ، و لكن دعيني أولا أذهب للإستحمام علني اتخلص من ألم الرأس .
هبطت من علي الكرسي ثم وقفت أمامي و وضعت يدها الصغيره أعلي جبيني تتلمسه بـ رقه و يدها الأخري تزيح خصلات شعري للخلف :
_ هل أنت بخير ؟
حملتها ثم خرجت بها الي غرفتي و انا ابتسم لها بـ صعوبه ، وضعتها علي فراشي ثم وضعتُ وساده خلف رأسها أساعدها علي الإستلقاء :
_ انا بخير .. سأذهب للاستحمام و سأعود للحديث معكِ .
_ نعم نعم بالتأكيد ، اي نوع من الآباء أنتَ ؟ لا تراني حتي أثناء يومك سوي في مده لا تتخطي الساعه ، اجبني بصراحه انت تحب عملك أكثر مني صحيح ؟
وضعتُ قبله أعلي رأسها ثم دثرتها أسفل الغطاء و أنا اقول :
_ أعدك غدا لن أذهب للعمل سوي في وقت متأخر و سنقضي النهار بطوله سويا ، و لا .. لا يوجد شيئ يُضاهي حبي لكِ حتي و ان كان عملي .
بدا عليها الرضا و هي تعتدل علي الفراش ، تركتها بسرعه قبل أن تبدأ في الحديث مره أخري و توجهت للحمام لأستعد للإستحمام .
بعد مده قصيره خرجتُ من الحمام و انا اطوق خصري بـ منشفه سوداء و منشفه أخري أصغر أجفف بها شعري ، ألقيت نظره علي ليا لأجدها قد غطت في النوم لأشكر ربي في سري ثم توجهت ناحيه غرفه الملابس آخذ منها البنطال الذي ألقته ليا أرضا ، تناولت بنطالي و ما زلت أجفف شعري بالمنشفه ، انتهيت ثم ألقيت المنشفه علي احدي الأرائك و من ثم أرتديت السلسال مره أخري .. أشعر و كأن النعاس تطاير من عيناي ، و كأنني لم أكن تلك المومياء التي تتحرك بصعوبه من شده النعاس منذ قليل ، أخذتُ عُلبه سجائري و الحاسوب و توجهت به الي الشرفه الكبيره الموجوده في غرفتي ، أغلقتُ باب الشرفه الزجاجي ثم ألقيت نظره متفحصه علي روليا لأجدها ما زالت نائمه لذا جلستُ علي كرسي مجاور للطاوله الموضوعه في الشرفه ، أشعلت سيجارتي ثم وضعتُ الحاسوب علي الطاوله و أنا ابدأ في العمل المتراكم علي ، ليا محقه .. أنا فعلا مهووس بالعمل !
بعد فتره قليله انتهيت من نصف علبه السجائر ، عندما ابدأ في التدخين لا يستطيع أحد إيقافي ، فـ ربما أدخن أكثر من ثلاثه عُلب دون أن أشعر ولا أتوقف الا عندما ينتهي عملي ، أغلقتُ علبه السجائر و قد بدأتُ أشعر بالملل منها .. لا أنا أكذب ، في الواقع انتهي غاز " البوتان " من القداحه و تكاسلت عن ملئ القداحه بالغاز مره أخري ، وضعتُ الحاسوب أعلي فخذاي بعدما مددتُ قدماي بـ أريحيه أعلي الطاوله ، جيد .. انتيهت من التدخين ، ليعود النعاس سريعا مره أخري ، و كأن جميع أعضائي أستجابت لنداء النوم ، فـ غفوت علي الكرسي و لا زال الحاسوب يتوسط قدماي .
رُدهه كبيره محاطه بـ أسوار عاليه مدهونه باللون الأبيض الناصع ، أرض لامعه كـ الزجاج من اللون الأبيض أيضا و تمتد للأمام علي مسار واسع ، كانت الردهه خاليه من أي أثاث و كانت ناصعه البياض ، خرب بياضها بعض القطرات ذات اللون الأحمر القاتم التي انتشرت علي الأرضيه و الأسوار التي تحيط بالردهه ، و في بقعه معينه من تلك الأرض تراكمت تلك القطرات حتي ارتفعت عن مستوي الأرض بعده انشات ، فجأه و عند مرمي البصر ظهرت سيوف ملقاه علي الأرض و بجانبها أجساد متكومه بفوضويه ، أجساد لرجال ضخام البنيه بعضهم منحور عنقه و البعض الآخر يخترق سيف قلبه .
خناجر و سيوف ملقاه هنا و هناك و قطرات الدم من كثرتها حتي انها طالت سقفيه الردهه بالرغم من ارتفاعها الشاهق ، أبعدتُ نظري قليلا لأري تجمع من الرجال يرتدون الأسود و مسلحون بـ سيوف و خناجر عديده ، كانوا يجتمعون علي شكل دائره و كأنهم يحيطون شيئا ما و يخفونه عن الأنظار ، و من بين تجمع الرجال و السواد المهيبفي ذل المنتشر بينهم كانت تقف فتاه ترتدي فستان أبيض اللون في وسطهم ، كانت تضع قطعه قماش تشبه الشال فوق رأسها تخفي بها شعرها ، اقتربت منهم ببطئ شديد و انا انظر لسكونهم و كأنهم تماثيل ، عدا الفتاه التي كان جسدها يهتز بشكل اقرب للتشنج و كأنها تبكي بصوت غير مسموع ، اقتربت أكثر و انا أركز حدقتا عيناي علي الفتاه حتي توقفت خلفها تماما ، هدأت حركتها قليلا لتلتف لي بهدوء و يتبين لي ملامح وجهها ، خصلات شعرها الأحمر منسدلها علي وجهها بشكل فوضوي و الدماء لطخت وجهها الابيض و كذلك فستانها شديد البياض ، لم تستطع قطرات الدماء أخفاء النمش الخفيف المتناثر علي وجهها خاصه أسفل عينيها ، نزلت دموعها ببطئ بينما تنظر إلي و عينيها متشبعه بـ لون أحمر كـ الدماء ، كنتُ انظر لجسدها بـ قلق أتفحص من أين تخرج الدماء من جسدها ، أمسكت بيداي لتلطخها بالدماء بينما دموعها لا زالت تنهمر علي وجهها ، نفت برأسها و كأنها أدركت انني أبحث عن ما اذا كان أي مكروه قد وقع بها ، ابتعدت قليلا عن المكان الذي كانت تقف به لتسمح لي بالرؤيه ، ثم أشارت الي الشيئ الذي كان يحيطون به الرجال و كأنها تلفت انتباهي اليه ، ابعدتُ نظري عنها بـصعوبه ثم نظرت لذلك الشيئ الذي كانو يخفونه .
في تلك الجزئيه من الأرض انتشرت الدماء بـ شكل كبير حتي انها كونت برك صغيره علي الجوانب ، و في المنتصف تماما كان هناك جسدا لـ رجل يركع علي الأرض و رأسه موجه للأسفل ، كان يبدو و كأنه فقد كل قواه و لم يعد يستطع الدفاع عن نفسه ، كانت الدماء تخرج منه بغزاره و لكن لم أستطع تحديد المكان الذي تخرج منه الدماء ، كان يقبض علي كف يديه الأيمن بقوه و كأنه يخفي شيئا بداخله ، نظرت لكف يديه فـ قام بفتحها لأري سلسال بالون الأسود في نهايته ميداليه فضيه .. ميداليا كتب عليها " زيوسيا " تماما كـ التي أرتديها ، رفع وجهه بهدوء ثم نظر الي بعينيه الخضراء التي لم تسلم من الدماء لتدخل بعض القطرات بداخلها ، استطعت تبين من أين تخرج الدماء ، عنقه كان منحور من بدايته و حتي نهايته ، و الدماء تنفجر منه علي هيئه شلالات كثيفه ، نقل بصره الي الفتاه ذات الرداء الأبيض ، و كنتُ أنقل بصري بينهم و انا أشعر بثقل أنفاسي ، عيونه الخضراء كانت محدقه بعينان الفتاه العسليتان ، فجأه و بدون سابق انذار ، التفت احد الرجال و وضع خنجره في منتصف معدتي .
استيقظتُ من النوم و شهقه عاليه صدرت مني و انا أجد صعوبه في التقاط انفاسي ، كان جسدي يتصبب عرقا و كأنني كنتُ أركض علي آله الركض ، وضعتُ يدي علي معدتي أتفقدها و بالطبع لم أجد اي أثار لطعنه او ما شابه .. لقد كان كابوسا !
اعتدلتُ في جلستي علي الكرسي ، لا زلتُ أجلس علي الكرسي في شرفتي ، أدرتُ رأسي لأري روليا نائمه علي فراشي و ظهرها موجه ناحيتي ، جميع الإشارات تدل علي أنني لازلتُ في غرفتي ، ذلك كان كابوس و حسب .
لازالت دقات قلبي مرتفعه و جسدي يتصبب عرقا ، نهضت بصعوبه من علي الكرسي و انا أشعر بأن قدماي تعجز عن حمل بقيه جسدي ، توجهت للحمام الملحق بالغرفه و انا أركض ناحيه الحوض ، فتحتُ صنبور المياه و وضعت رأسي أسفله لأسمح للمياه بالهطول علي رأسي بالكامل ، وضعتُ يداي اسفل الماء و أنا أبللها ثم أمسح علي ظهري و صدري ، أغلقتُ الصنبور بعد فتره و صدري يهبط و يرتفع بسرعه و أنا أحاول تنظيم أنفاسي ، نظرتُ لنفسي بالمرآه و أنا أحدق بعيناي الخضراء .. نفس العينان التي كانت ممتلئتان بالدماء ، لقد شاهدت الدماء و هي تخرج من عنقي بغزاره ، الرجل الذي كان منحور العنق في ذلك الكابوس .. كان زيوس ، و الفتاه صاحبه الفستان الأبيض التي كانت تبكي .. كانت مارسيا ، و للدقه من كان في الحُلم كان أنا فاليريو و راسيل أيضا !
وضعتُ يدي علي عنقي أتحسسه ولا زلت انظر لنفسي بالمرآه ، خرجتُ من غرفتي لأقف في مكاني فجأه و قد خطر لعقلي شيئ غريب ، أخذتُ هاتفي لأري الساعه لأجدها السادسه و النص صباحا ، تبقي ساعاتان و نص علي موعد العمل ، حسنا سأتجاهل تلك الفكره التي تدور بـ رأسي و سأخلد للنوم منتظرا ان تمر تلك الساعاتان بسرعه .
و بالفعل جلستُ بجانب روليا ثم رفعت الغطاء فوقنا و هبطتُ بجسدي لأنام بجانبها ، وضعتُ رأسها فوق ذراعي و حاوطتها بالذراع الآخر و كأنني أمتص قوتي منها ، أشياء كثيره كانت ستتغير لولا وجود روليا في حياتي ، لستُ راجل صالح يسير في الأرجاء و حقيبته تحتوي علي كتابه الديني ، انا فقط رجل يسير و هو يحمل سلاحه و الخطيئه تلاحقه اينما كان ، و لكن لا يوجد إنسان مهما وصل به الأمر من قسوه و فُجور قد ولد هكذا ، جميعنا كُنا أنقياء لا نحمل اي كره أو بغض في قلوبنا تجاه اي شخص ، فقط تأتي عاصفه قويه لتقوم بمحي تلك الصفات الجيده جميعها ، و تضع مكانها أخري سيئه تحمل الدنس بداخلها ، العاصفه التي حولتني الي ذلك الرجل الدنيئ هو موت أمي ، و لكن بعد العاصفه قد يظهر خيط من الشمس ليلطف الأجواء مزيلا منه بعضا من اثار العاصفه ، و روليا كانت خيط الشمس الوحيد ظهر بعد عامين من وفاه والدتي و دفعني للإستمرار في الحياه ، هي الوحيده التي استطاعت زرع بعض الخصال الجيده بداخلي دون أدني علم مني أو منها ، وجدتُ نفسي دون سبب أشعر و كأنني احمل مسؤليه علي عاتقي ، أدركتُ أن يوجد شخص بجانبي و من الواجب علي أن اتأكد دائما من حمايته و سلامته ، ادركت ان هناك شخص يستحق ان أبذل مجهود كي اكون شخص افضل .. علي الاقل في نظرها هي ، و بـ نفس الوقت لم أكن ذلك الأب الذي يرفه أبنائه و يأخذهم للملاهي او ما شابه ، بل كنتُ الأسوء في هذه النقطه ، لم أدع روليا تخرج من المنزل نهائيا سوي للمدرسه ، لا حديث مع الغرباء ، لا خروجات عائليه ، لا نزهات ، لا أماكن ترفيهيه ، فقط لا و ألف لا ، و لم تعترض هي ، بل كل ما كانت تطلبه هو حصولها علي حقها كـ أي فتاه طبيعيه و هو تخصيص بعض الوقت للمكوث معها ، لم يكن لديها أصدقاء مما جعلها وحيده طوال اليوم ، حتي في وقت الغذاء لا أكون معها ، لذا أن كان هناك شخص يستحق أن أحتفظ ببعض من الصفات الجيده بداخلي ، سيكون روليا فقط .
بعد نص ساعه نهضتُ من علي الفراش بتأفف و لم أستطع النوم ، سرتُ في الغرفه ذهابا و إيابا لا أعرف ماذا أفعل ، حتي حسمتُ قراري و قررت مهاتفتها ، لذا أخذت هاتفي و قُمت بالإتصال بها منتظرا أن تجيبني ، لا اريد شيئ ، كل ما أريده هو التأكد ان كانت بخير ام لا ، لم أكن أعطي تلك الأهميه الكبيره لرؤياي من قبل ، و لكن الآن الأمر تغير .
_ مرحبا ؟
_ راسيل .. أعتذر لأنني أيقظتكِ من النوم .
_ لقد أستيقظتُ منذ دقائق علي أيه حال .
_ إذا هل أنتِ بخير ؟
_ نعم انا بخير ، لما تتنفس بسرعه هكذا ؟
_ لا شيئ ، فقط ذهبتُ للركضِ قليلا .
_ جيد ، هل تريد شيئ؟
_ نعم نعم .. في الواقع .. كنتُ أريد .. ملفات المتدربين .
_ ملفات المتدربين ؟ لما ؟
_ أحتاجها ، هناك شيئا علي الإطلاع عليه .
_ ان كنت منشغلا يمكنك أن تخبرني ما هو هذا الشيئ و سأتفقده من أجلك .
_ أفضل فعل هذا بنفسي .
_ حسنا علي كل حال لم آخذ الملفات معي ليله أمس و تركتها بالمكتب .
_ حسنا إذا ، الي اللقاء .
_ فاليريو .. هل لي بطلب صغير ؟
_ بالطبع ، ماذا تريدي ؟
_ أريد ان أتأخر عن العمل ساعتين ، سأكون هناك في الحاديه عشر ، ولا تقلق سأتصل بـ السكرتيره و آمرها أن تجعل أحد يأخذ مكاني في هذه الفتره .
_ لا بأس يمكنكِ أخذ اليوم بأكمله إجازه ، هل أنتِ بخير ؟
_ نعم أنا بخير ، و لكن هناك أشياء مهمه يجب علي شرائها للمنزل بعد عده ساعات ، و شكرا لكَ لا أحتاج سوي ساعتين فقط لأنتهي مما سأفعل ، حسنا آيلا تناديني سأذهب لأري ماذا تريد ، وداعا .
_ وداعا .
-
دخل إلي الغرفه و هو يمسك رأسه بألم أثر الصداع بسبب الكميه الكبيره من الخمر التي شربها ليله أمس ، أخذ يجوب الغرفه ذهابا و أيابا يفتح الأدراج و يبحث بكل مكان عن حبوب الصداع ، بعد فتره قليله فقد الأمل و أعصابه لذا توجه لباب الحمام يطرق بقوه ليأتيه صوت إيليت الغاضب من الداخل :
_ ماذا ؟
_ أين حبوب الصداع ؟
_ ستجدها في الدرج الأول الخاص بالأدويه .
ذهب يفتح الدرج ليجد عُلبه الأقراص ، فتحها و أخرج ما بها ليجد الشريط قد انتهت منه الأقراص ، عاد مره أخري ليطرق الباب بقوه أكبر :
_ ماذا ؟ حتي الاستحمام لا تدعونني أنعم به كـ باقي الخلق !
_ كُفي عن طيله لسانك والا كسرتُ الباب فوق رأسك الآن .
هدأت من حده نبرتها قليلا لتسأله بصوت أخفض من ذي قبل :
_ ماذا تريد ؟
_ العُلبه فارغه ، انتهت الأقراص .
صمتت قليلا تفكر ما ان كانت تمتلك اقراص أخري ، لوهله فكرت في أن تتركه يتلوي من الألم و لـ يمت علها تتخلص منه ، و لكنها تعلم أنه لن يتركها بشأنها و سيصيبها بالصداع هي الأخري :
_ أظن أنني أمتلك عُلبه في حقيبتي ، لقد قاربتُ علي الانتهاء سأخرج و أحضرها لك .
لم يجيبها و توجه للخزانه يحضر حقيبتها ، فتح الحقيبه يبحث بها عن علبه الأدويه و لكنه لم يجدها ، نفذ صبره فـ قام بـ إفراغ جميع محتويات الحقيبه علي الفراش بعصبيه ثم رماها أرضا و ظل يعبث بالأشياء الموضوعه علي الفراش بحثا عن الدواء ، لفت نظره بطاقه متوسطه الحجم ذات لون أزرق مكتوب عليها اسم الطبيب " جورج موتيمر " و الذي يبدو من اسمه أنه بريطاني ، و بجانب الاسم صوره لامرأه تقف و هي تضع يديها علي بطنها المنتفخه بـ سعاده ، أخذ يقلب البطاقه بـ استغراب و هو لا يدري لما يمكن لـ إيليت أن تحتفظ بـ بطاقه خاصه بطبيب انجاب ، لم يدع لعقله الفرصه لخلق افتراضات فـ قام علي الفور بـ الاتصال بـ حارسها الشخصي الذي أجابه علي الفور :
_ هل ذهبت معك إيليت لأي طبيب عندما كنا في بريطانيا ؟
صمت الحارس قليلا يفكر و كأنه يتذكر حتي تذكر بعد مده قصيره :
_ قبل أن نأتي لإيطاليا بـ اسبوعين طلبت مني السيده أن نتوجه للمشفي لأنها كانت تريد القيام بـ فحوصات .
_ أي نوع من الفحوصات ؟
_ لم أكن مع السيده عندما تحدثت مع موظفه الاستقبال منعا لإحراجها ، رأيت فقط الطبيب عندما أتي ليرحب بها ثم ذهبوا للغرفه سويا .
_ أتدري من الطبيب الذي قام لها بـ تلك الفحوصات ؟
_ لا أتذكر بصراحه .
_ جورج ؟
_ نعم تذكرت ، كان يدعي جورج موتيمر .
أنزل الهاتف من علي أذنيه و هو ينظر أمامه بصدمه ، خرجت إيليت من الحمام و هي تجفف شعرها القصير بالمنشفه ، نظرت لأشيائها الملقاه علي الفراش بفوضويه لتتحدث بعصبيه طفيفه :
_ لما ألقيت أشيائي هكذا ؟ أخبرتك أنني سأحضر الدواء لك بنفسي .
لم يجيبها و لا يزال جسده متيبس مكانه يحاول إستيعاب الأمر ، لاحظت هي تجمد جسده و هو ينظر ناحيتها و عيونه تكاد تقذف الرصاصات بوجهها ، انزلت المنشفه بهدوء ثم سألته بتوجس :
_ لما تقف هكذا ؟
سألها و هو يحاول أن يخرج صوته هادئ قدر الامكان :
_ لما ذهبتِ للمشفي قبل أن نأتي لإيطاليا ؟
ابتلعت ريقها و هي تشعر بالغصه في حلقها تحاول ألا يبدو عليها التوتر :
_ لقد كنت أشعر بألم مستمر في قدماي فـ اقترحت علي احدي الخدم أن أذهب للقيام بـ بعض الفحوصات .
مد يديه لها بالبطاقه و لم تتحرك عينيه من عينيها :
_ و هل هذه الفحوصات من اختصاص طبيب الإنجاب ؟
هذه المره خسرت قواها و قد علمت أنها لن تنفد منه ، صمتت تحاول انشاء سيناريو مقنع في عقلها و لكن كل شيئ تلاشي عندما اقترب منها ببطئ ثم وقف أمامها و هو ينظر لأعمق نقطه بعينيها :
_ أخبريني بالحقيقه و لن أؤذيكِ .
تعلم انه كاذب سيقتلها لا محاله ، أدارت رأسها يمينا و يسارا تحاول تجنب نظراته التي تحاول التحقق من مدي صدقها ، أمسك بفكها يقرب وجهها من وجهه و قد تخلي عن هدوءه ولا يبالي من صراخها المتألم :
_ أقسم ان لم تتحدثي الآن لن تشعري سوي بحزامي و هو يضع علاماته المميزه علي جسدك .
نفت برأسها و قد تذكرت تلك الأيام التي كانت ترقد بها في المشفي بسبب نزيف جسدها أثر صفعات الحزام المدويه علي جسدها ، صرخت بـ انهيار و هي تترجاه و دموعها لا تتوقف عن الانسياب :
_ لا لا ، أرجوك لا تفعل هذا جسدي لم يعد يتحمل !
_ اذا قولي الحقيقه .
أومئت برأسها و هي تحاول الفكاك من يده حتي ترك وجهها بعصبيه ، مسحت علي فكها برفق و كأنها تسكن الألم الذي تشعر به ، مسحت دموعها و هي تحاول الحديث حتي خرج صوتها متحشرج :
_ أنا .. أنا حامل !
-
" راسيل "
وضعتُ القلم الأسود جانبا بعدما أنتهيتُ أخيرا ، نظرت للرسمه و أنا أشعر بتلك الغصه بداخلي ، رسمه استغرقت مني خمس ساعات .. و الكثير و الكثير من العبرات ، أبكي هكذا دون انقطاع ، المشهد الذي أمامي الآن ليس مجرد رسمه ، ذلك مشهد لن يجعلني أنام لأيام متواصله ، أنهيتُ أقلام التلوين الحمراء جميعها بـ تلك الرسمه ، و ذلك يعود لشلالات الدماء الموجوده بالصوره ، تمعنت أكثر في الرسمه أدقق في تفاصيلها .. كان زيوس يركع علي الأرض و ملابسه البيضاء غريقه بالدماء التي تنحدر من عنقه و كأنها تحررت أخيرا من جسده لتنهمر بكثافه للخارج ، للمره الأولي لم تكن عيناه الخضراء تحمل ذات النظرات الحاده و الجريئه ، تلك المره كانت نظراته خاضعه و منكسره حتي أن احمرار عيناه طغي علي لونها الأخضر ، لا أعرف لما حتي قُمت برسم تلك الرسمه ، ولكنني و برغم بشاعه مظهره لم أكن أريد أن يغيب عن عقلي حتي و ان كنت متأكده أنني لن أنساه طيله حياتي ، لم تكن تلك مجرد رؤيه ، لقد كان مشهد دموي مجسد أمامي بواقعيه زائده عن المعتاد ، و كأنني عشتُ تلك الأحداث من قبل و أحفظها عن ظهر قلب .
لقد كذبت علي فاليريو عندما قُلت أنني بخير ، لستُ كذلك ، احتجتُ لسماع صوته كي اتأكد انه هو الذي بخير ، و قد حدثني عندما استيقظتُ من النوم تماما فـ كانت المكالمه في الموعد المناسب ، أخذتُ اللوحه و سرتُ بها للخارج لا أعرف حتي الي أين اذهب بها ، أوقفتني آيلا التي كانت تخرج من المطبخ و بيدها كأس عصير :
_ ما الذي تحميلنه بيدكِ ؟
ثم و دون ان تنتظر جوابي أخذت اللوحه و هي تنظر اليها ، أدارت عينيها علي تفاصيل اللوحه ثم تهندت و هي تعطيني كأس العصير :
_ لا أعرف كيف كنت أريد أن أتخذ زيوس كـ زوج صالح لي ، فاليريو حطم جميع آمالي .
ثم أخذت اللوحه و ذهبت لغرفه المعيشه ثم ثبتتها علي الجدار الرئيسي للغرفه لتصبح في المدخل تماما ، سألتني بصوت عالي و هي تعدل من وضعيه اللوحه :
_ ما الذي خطر ببالك لترسمي تلك اللوحه ؟ هل طلبتي أن نتأخر عن العمل لرسم اللوحه حقا ؟
لم أجيبها و أنا أقف مكاني بملل ، نظرت للوحه من بعيد ولا زلت أشعر بذاك الخوف يطرق جدران قلبي ، انتبهت لـ ثياب آيلا التي كانت في غايه الأناقه ، بالرغم من أنها لا ترتدي هذا النوع من الثياب للعمل :
_ لما ترتدين هكذا ؟
_ انا في انتظار ضيفي .
_ أي ضيف هذا ؟
لم تجيبني لذا تجاهلتها أنا أيضا و سرتُ ناحيه الحمام ، توقفت و انا أستمع لطرقات آتيه من باب المنزل ، توجهتُ لأفتح الباب وأنا أعدل من وضعيه ثياب نومي التي لم أهتم كثيرا لمظهرها حتي :
_ مرحبا راسيل .
_ سام ؟
تسائلتُ بـ استغراب و كأنني اسأله عن سبب وجوده ، الساعه الآن العاشره و سبعه دقائق صباحا ، لستُ مستعده لإستقبال الضيوف قبل موعد عملي بـ ساعه ، و بالنسبه لـ سام فـ انا لستُ مستعده لمقابلته في أي وقتٍ كان .
_ اعتذر عن زيارتي المبكره هذه ، و لكن آيلا أخبرتني انكم مستيقظين منذ زمن و تنتظروني .
_ و هل مظهري يوحي إليك بـ انني كنت بـ انتظارك ؟
لا اعرف من أين آتي بـ قله الذوق و كلامي الفظ هذا ، ولكنني لا استطيع السيطره علي الوقاحه التي تخرج مني بوجوده ، تحمحمت بحرج ثم دعوته للدخول :
_ اعتذر منك ولكنني مجهده قليلا ، تفضل ستجد آيلا بالداخل .
دخل إلي الداخل بينما أقوم بغلق الباب ، تركته و كدت أذهب للحمام و لكنني توقفت علي صوته :
_ راسيل ، أريد الحديث معكِ قليلا و لن آخذ من وقتك الكثير .
تأففتُ بملل قبل ان احاول رسم ابتسامه لطيفه علي وجهي ثم استدرتُ له و انا اشير اليه لكي يتقدم للأريكه ، خرجت آيلا من الغرفه و ألقت سلامها الودي عليه ثم جلست بجانبه ، جلستُ انا الأخري أنظر له ادعوه ليبدأ حديثه سريعا :
_ في الواقع أنا سعيد للغايه لأنكن قررتن الاستقرار في روما ، إيطاليا من أفضل الدول التي تستطعين بدأ حياتك بها .
_ دعك من تلك المقدمات فـ انا علي درايه بها ، بماذا تريد التحدث معي ؟
تحمحم بحرج واضح بينما أنا احاول مداراه الألم الظاهر علي وجهي ، آيلا الغبيه لم تكف عن قرصي أسفل الطاوله .
_ لم تتسني لي الفرصه لمعرفه في أي شركه تعملون .
تلك المره أجابته آيلا بسرعه و كأنها تريد أن تجعلني اصمت :
_ في شركه V . M ، بالتأكيد تعرفُها انها احدي الشركات التابعه لـ رجل الأعمال فاليريو موروني .
صمت قليلا و قد شعرت بتغير معالم وجهه ، كان ذلك للحظه من الزمن حتي لم استطع التأكد من نظراته الناريه التي كان يلقي بها في الفراغ ، و لكنه لم يستطع اخفاء الغضب الطفيف الذي ظهر علي وجهه ، ادار رأسه ناحيتي و هو يسألني :
_ و لم هذه الشركه بالذات ؟
_ لانها من اشهر الشركات المختصه بالطيران منذ عده سنوات طويله ، لقد كنتُ اقرأ عنها منذ أن كان يترأسها السيد سيلينو ، و لكنني لم أكن أعرف بشأن موته و تولي ابنه فاليريو رئاسه الشركه ، ناهيك عن ان الشركه لها سمعه ممتازه بين الشركات الأخري و عن جوده الطيارات المهيبه التي تقوم بتصنيعها ، فـ الشركه أيضا تتميز بوجود أفضل الطيارين بها ، لذا و منذ كنت في الجامعه فـ حلمي الوحيد كان أن أعمل بها بعد التخرج .
أومئ برأسه و يبدو ان كلامي لم ينال اعجابه ، لا يهم فـ هو بذات نفسه لا ينال اعجابي ، كنت أري نظرات آيلا الهائمه نحوه و انا أضحك بتقزز ، لا اعرف ماذا اعجبها به حتي !
_ علي كلٍ كنت أريد اخبارك بـ شيئ و لكِ حريه الأختيار ، هناك شركه كبيره للغايه تدعي " ... " ، الشركه تنافس شركات فاليريو موروني من شده عراقتها و يمكنكِ البحث عنها ان اردتِ ، الشركه في حاجه الي طيارين و خاصه فتيات بسبب قله الفتيات لديهم ، ولا اعرف الراتب الذي تتقاضونه من شركه فاليريو هذا ، و لكن يمكنني أن أضمن لكن ان يكون الراتب أعلي في تلك الشركه .
_ انت ماذا تعمل بالظبط ؟
_ مهندس ، و لـ كثره الرحلات التي اقوم بها فـ لدي الكثير من المعارف في الكثير من الدول .
أومئت متفهمه و أنا أعض لساني بقله صبر ، آيلا لم تحرك عينيها من عليه ، و هو كذلك لم يحرك عينيه بعيدا عني ، الشيئ الذي يجعلني أشعر بتقزز منه و مني لأنني لا زلت أجلس أمامه بل و أناقشه أيضا ، نهضت من علي الكرسي ثم أخذت هاتفي من علي الطاوله :
_ اعتذر منك ، و لكنني لستُ موافقه علي عرضك هذا ، أنا أشعر بالراحه بالعمل مع السيد فاليريو ولا أريد أن أترك الشركه .
أخذ مفاتيحه من علي الطاوله ثم نهض يواجهني بطوله الفارع :
_ كما تريدي ، و لكن لا تتسرعي بـ قرارك و فكري جيدا .
_ لا أظن أنني سأتخلي عن عملي مع السيد فاليريو .
ابتسم لي نصف ابتسامه ثم وضع هاتفه في جيبه الخلفي و هو يستعد للرحيل :
_ لا تغرنكِ لطافه فاليريو ، انتِ لا تعلمين عنه شيئ .
قبضتُ حاجباي و انا أضيق عيني أثر حديثه :
_ ماذا تقصد ؟
استدار و توجه ناحيه الباب بينما لا زلت انظر صوبه :
_ فقط تذكري كلامي جيدا .
ثم أغلق الباب و رحل ، تقدمت آيلا لتقف أمامي ثم أمسكت يداي تضغط عليهما برفق :
_ أرجوكِ راسيل أرجوكِ أرجوكِ ، دعينا نذهب للعمل في تلك الشركه و دعكِ من فاليريو هذا .
_ ما الذي حل بكِ ؟ ألا تتذكرين ؟ لقد كنا نحلم باليوم الذي سنعمل به في تلك الشركه ، و الآن تريدين تركها ؟
تركت آيلا يدي بعصبيه ثم أخذت تصيح بوجهي :
_ نعم أريد تركها ، أريد تركها بسبب الأشياء الغريبه التي آراها هناك .
رفعت حاجباي بـ استنكار و انا اسألها :
_ أي اشياء تلك ؟
_ ألا ترين ؟ ألا ترين الأسلحه الموضوع بـ شكل واضح في مكتب كلا من فاليريو و إيريك ؟ لا يذهبون لأي مكان دون أن يكون بحوزتهم أسلحه دائما ، حتي ليله أمس عندما كنتُ مع إيريك ، رأيت في سيارته العديد من الأسلحه التي يضعها في كل مكان بالسياره ولا يهتم حتي أن يخفيها عن الأعين ، دعكِ من هذا ، ألا ترين كم سيارات الحرس التي تسير وراء كل واحد منهم ؟ ، فاليريو وحده يسيره خلفه علي الأقل ثلاث سيارات ، و لما كل هؤلاء الحرس ان كانوا مجرد رجال أعمال عاديين ؟ حسنا لـ نعتبر أن كل هذا طبيعي مع أنه ليس كذلك ، ألا تشعرين بتلك الحركات الغريبه التي تحدث بالشركه في معظم الوقت ؟ فجأه نجد رجال ضخام البنيه يدخلون الي الشركه و الجميع يقف لهم بإحترام شديد ، و من يكونوا هؤلاء ؟ لا أحد يعلم ، و منذ يومين فقط أتي للشركه مجموعه كبيره من الرجال و كانو جميعهم ملثمين بـ أقنعه سوداء عدا زعيمهم ، ألم يبعث مظهرهم القلق بداخلك ؟ هل كل هذا طبيعي بالنسبه إليكِ ؟ هل من الطبيعي سماع الموظفين يتحدثون عن مديرهم السيد فاليريو العظيم بـ أنه قام بقتل والده ؟ و آخرين يقولون أنه قاتل بالأساس ، و لما سأكذب هذا ؟ لقد رأيته بعيناي يقتل الرجال في اليونان دون أدني شفقه ، و استطاع خداعك ببساطه بأن هذا شيئ عادي و انه أصابهم بطلقات خفيفه لا تؤدي لموتهم ، ذلك الكلام لا يدخل الي عقل طفل في الخامسه من عمره ، لقد رأيته بـ عيناي يطلق رصاصته مباشره في رأس الرجل ليمُت علي الفور ، و لكنكِ تضعين عصابه عينين علي عينيكِ و يداكِ الاثنان علي أذنيك ترفضين تصديق ما تراه عينيك أو تسمعه أذنيك فقط لأنكِ ترين أميركِ الوسيم فاليريو في أحلامكِ ، فـ لا تبتعدين عنه و عن غموضه ولا تذهبين لذلك اللعين لتخبريه بالحقيقه ، انتِ فقط تحبين كونكِ عالقه فـ المنتصف ، و لكن الخطأ كان خطأي من البدايه لأنني وافقتك علي العمل معه و جاريتُكِ كي لا تحزني ، و لكن الي هنا و كفي ، فـ ان كنتِ ستعيشين في دور العمياء و البكماء لطيله حياتك فـ أنا لن أفعل .
_ ماذا تقصدي ؟
كان هذا كل ما صدر مني كـ رده فعل علي كلماتها التي كانت كـ السهام تخترقني ، كل كلمه كانت تقولها كانت و كأنها تصفني بـ المغفله ، و لم أقوي حتي علي نفي حديثها :
_ الآن لديكِ خياران ، اما ان نعود الي تركيا أو حتي نذهب للعمل بالشركه التي اقترحها علينا سام ، و اما تذهبي الي فاليريو و تخبريه بما تخفينه ، و ان كان لا يفهم حديثك و لا يدرك شيئ عن رؤياك سنذهب من هنا ، و ان كان يدرك أو حتي كان زيوس نفسه فـ سنذهب أيضا ، لا حاجه لنا للعمل مع قاتل .
_ و ان قُلت لا ؟
_ لن أجبركِ علي شيئ راسيل ، و لكن الآن أمامك طريقين ، ان تسيري معي أو تتركيني و تذهبي إليه .
_ لما تقارني نفسكِ به ؟
_ لأن هذا ما يجب أن يحدث ، لن أمنعكِ من اختياره ، و لكن وقتها أمحي صداقتنا من ذهنك ، لقد كنتُ معكِ طيله حياتكِ في الضراء قبل السراء ، و لكنني لن أوافقك علي هذا الشيئ .
نظرتُ للأرض أعيد التفكير في حديثها ، من جهه لدي رؤياي التي أراها منذ خلقت و وضعت الكثير من الآمال عليها حتي و بصعوبه وجدتُ بطل تلك الرؤي بعد أكثر من عشرين عاما ، و من جهه صديقه طفولتي التي شاركتني جميع تفاصيل حياتي دون أن تمل مني أبدا ، كلا الشيئين مهمين بالنسبه إلي ، و لكن ليس بـ أهميه صديقتي التي أعتبرها شقيقتي !
_ حسنا آيلا ، سأخبره أنني آراه قبل حتي أن ألقاه .
_ جيد ، لنضع حدا لهذا .
-
ظل مبحلقا بها بلا معني و لم يستوعب جملتها ، بينما هي أنزلت رأسها للأسفل خائفه حتي من النظر في عينيه ، و لكن فاجئها عندما خرج صوته هادئا :
_ متي علمتِ بالأمر ؟
رفعت رأسها تنظر له و لم تجد أي علامه تدل علي غضبه ، بدأ الأمل يتسلل الي نفسها معتقده انه قبل بالأمر و لن يعترض :
_ علمتُ قبل أن نأتي إلي إيطاليا بـ أسبوعين ، أي منذ حوالي شهر و نصف .
_ و ماذا حدث بعدها ؟
صمتت تفكر هل تخبره أم لا ، فـ حتي و ان كان يبدو هادئا لا يتأثر بـ حديثها فـ هي تعلم أنه مجنون ، تعلم أنه قاتل يقتل بلا ضمير و بـ هدوء تام ، اذا لن تعتمد علي تعابير وجهه و كأنها رده فعل علي ذلك الموقف ، لذا لم تعرف حتي ما هو الرد المناسب الذي يجب أن تجيب به :
_ إيليت صدقيني الكذب لن يخدمكِ خاصه في هذا الموقف ، بـ مكالمه واحده سأعرف ما الذي تخفينه عني ، و لكنني أفضل معرفه الحقيقه منكِ .
لا مفر ، هو محق فـ بمكالمه واحده سيستطيع معرفه كل شيئ كما قال ، اخذت نفسٍ عميق و قد قررت إخباره بما تخفي لعله يشفع لها :
_ ذهبتُ للطبيب و قمتُ بعمل الفحوصات اللازمه ثم أكتشفتُ أنني حامل ، كنتُ ضائعه لا اعرف ما الذي ينبغي علي فعله ، فكرت في أن أقوم بـ اجهاضه لأنني كنتُ أدري أنك لن تكون سعيدا ان علمت أنني حامل ، و بـ نفس الوقت لم أكن مستعده أنا أيضا لـ شيئ كـ هذا خاصه .. خاصه بسبب المشاكل المتكرره التي تحدث بيننا .
ضيق عينيه بتوجس و كأنه يختبرها :
_ و هل أجهضتِ الطفل ؟
_ لا لم أجهضه ، فكرت كثيرا بـ الأمر و أدركتُ أن تلك روح بريئه و ليس لها ذنب فيما يحدث .
أومئ برأسه و كأنه يتفهم حديثها ، ثم مد يديه ببطئ يخلع حزامه ، ارتفعت أنفاسها و هي تري يديه التي تخلع الحزام ببطئ شديد و كأنه يلعب علي أوتار أعصابها ، ابتلعت ريقها بـ صعوبه و هي تشعر بـ ان قلبها سيخترق جسدها :
_ ما .. ما الذي تفعله ؟
_ لم يكن عليكِ فعل هذا .
ابتعدت عده خطوات للخلف و قد بدأت في البكاء لا تعرف لما يلقي اللوم عليها :
_ و ما ذنبي ؟ لم أكن أريد أن أحمل بذلك الطفل !
أخذ يقترب منها و هو يلف مقدمه الحزام علي قبضه يديه و عيناه معلقه علي عينيها :
_ كان يجب عليكِ أن تخبريني ، القرار ليس قراركِ وحدك !
_ أقسم أنني كنت سأخبرك ، و لكنني قررت أن أنت..
قطعت حديثها و هي تصرخ بـ صوت عالي عندما هوي بالحزام علي جسدها ، هذه المره صرخ بها هو بعصبيه و هو يقترب منها أكثر :
_ من أنتِ حتي تقرري ؟ ماذا تظنين نفسكِ ؟
هوي بالحزام مره أخري علي جسدها فـ سقطت و لم تقوي قدميها علي حملها :
_ لقد وعدتني أنك لن تؤذيني !
سحبها من شعرها ثم قام بـ صفعها حتي خرجت الدماء من شفتيها :
_ نعم لقد وعدتكِ ، و لكنني لم أعد الطفل الراقد داخل أحشائك بـ شيئ .
ثم ترك وجهها و وقف علي قدميه مره أخري و أخذ يهوي بالحزام في مناطق متفرقه علي جسدها ، تفادت احدي الصفعات التي كانت موجهه صوب معدتها ثم زحفت بسرعه لتمسك قدميه و هي تتوسله بـ انهيار :
_ ارجوك لا تفعل بي هكذا ، ان كنت تريدني أن أتخلص من الطفل سأفعل هذا ولكن أرجوك أتركني .
رفع قدمه الأخري ثم دفعها بـ نعل حذائه يبعدها عنه ، أخذ يسدد لها الصفعات بالحزام و بـ قدمه اليسري يركلها علي التوالي ، أخذ يصرخ بها غير عابئا بـ توسلاتها :
_ لما تصرين علي جعلي أعاملكِ هكذا ؟ لما تحبين جلب الإهانه لـ نفسك ؟ لقد دللتُكِ أكثر مما ينبغي ، دائما ما تستغلين حبي لكِ و تحاولين التمرد علي ، أنا من أنقذتكِ من يد فاليريو الذي كان سيقوم بالتخلص منكِ في أقرب فرصه ، و بدلا من أن تشكرينني لا زال قلبك معلق به ، لا زال قلبك معلق بـ حبال ذائبه لعينه ، أكان من السهل علي أن أسمعكِ تبكين كل ليله في غرفتكِ و أنتِ تصرخين بـ اسمه من شده شوقكِ له ؟ هل كان من الهين بالنسبه إلي أن تخطأي و تناديني بـ اسمه بدلا من اسمي ؟ لقد فعلتُ كل شيئ من أجلك حتي عندما كنا مراهقين ، اعتدتُ أن أبين لكِ أنني أحبكِ للغايه و لكنكِ كنتي تضحكين و تسخرين مني و كأنني طفل صغير أمامكِ ، عندما كنا صغار فضلتِ فاليريو و اخترتهِ علي ، و الآن تفضلينه أيضا علي ، و لكن ليس أمامكِ خيار سواي .
بعد فتره من الجلد و الكلمات البذيئه التي كانت تنهش روحها و تؤلمها أكثر حتي من ألم الكدمات علي جسدها ، فقدت وعيها و كأنها سأمت البكاء و التوسل دوت فائده ، و عندما لاحظ هو فقدانها لوعيها ظن أنها تدعي ذلك حتي يتركها ، و لكن عندما زاد من حده صفعاته خاصه علي معدتها مدركا هدفه جيدا و لم يري أي تأثر علي وجهها أدرك أنها فقدت وعيها بالفعل ، ألقي الحزام من يديه و هو ينظر الي ملابسها التي تمزقت بسبب قوه صفعات الحزام ، و جسدها الذي أصبح كـ لوحه ألوان مصطبغه بلوني الأزرق و البنفسجي فقط بالأضافه للدماء التي تسربت من ذراعها بخفه .
_ ساقطه لعينه .
تفوه بها قبل أن يفتح إيدن باب الغرفه ببطئ و قد عاد للمنزل منذ دقيقتين و دوي الي مسمعه صوت الصفعات المتتاليه ، نظر لجسد شقيقته المتكومه علي الأرض كـ جثه متعفنه ، لم يرف له جفن بل كان يشعر بالتشفي ، فـ هي السبب في الجرح الطفيف الذي سببته له لكمه آريان ليله أمس ، حك رأسه بتفكير و هو يري حاله آريان المزريه و شقيقته التي ماتت تقريبا :
_ هل يجب أن أتصل بالإسعاف ؟
خرج صوت إيدن باردا غير مباليا حتي بما يحدث حوله ، هز آريان رأسه موافقا علي حديثه و هو يري الدماء التي بدأت تتسرب من أعلي فخذيها لتنحدر علي قدميها و قد أدرك أنه وصل لمبتغاه ، في خلال الفتره التي ابتعد فيها آريان عن فاليريو و عاش في إيطاليا قام بـ سفك الكثير من الأرواح دون أن يشعر بـ أي ذنب ، و اليوم قتل طفله الوحيد و هو يشعر بالرضا بداخله ، و ربما ليس طفله فقط من مات !
-
أسدلت الشمس خيوطها الذهبيه علي أمواج البحر الهادئه الذي بيبعث رياحه ملطفاً للأجواء ، كان كل شيئ يبعث الراحه بدايه من الرمال الذهبيه و حتي السُحب البيضاء التي تُزين السماء ، مظهر واحد فقط كان يبعث القلق و الإضطراب ، السيارات السوداء السبعه التي كانت ترتص فوق الرمال و بجانب كل سياره أربعه رجال ، خرج الرجل الذي صف سيارته خلف السياره الأماميه ثم ركض للسياره التي كانت تقف للمقدمه ليفتح الباب للسائق و كذلك فعل رجل آخر خرج من نفس السياره ليفتح الباب المجاور لباب السائق ، ترجل كلا الرجلان من السياره معا ليغلقا الحارسين ابواب السياره و يسيروا خلفهم تاركين بقيه الحرس في الخارج .
سار الرجل الذي كان يجلس في مقعد السائق و معطفه الأسود الطويل يتطاير خلفه فاردا عضلات ذراعيه بأريحيه ، جميعهم كانوا يرتدون اللون الأسود عدا ذلك كان أشدهم سودا ، حذائه الجلدي الأسود و بنطاله الأسود و كذلك لون المعطف ، رفع يديه يعدل من وضعيه نظاراته الشمسيه التي تخفي ورائها عينيه الخضراوتان التي تنافس لون أشجار النخيل التي تحطيهم ، و بيده اليمني قام بتظبيط القفاز الجلدي الذي يضعه في كلتا يداه ، انزل يديه لتتعامد الشمس علي كف يديه الأيسر لتستطيع ملاحظه تلك الرسمه الصغيره الموضوعه في نهايه القفاز ، و اذا دققت النظر في تلك الرسمه الصغيره المنقوشه بالفضه ستجد أنها عباره عن حرفين متداخلين في بعضهما ، و ان دققت أكثر و أكثر ، ستجد أنهما حرفا الـ " V " و الـ " Z " ، حرفين من اسمين مختلفين و لكنهما يعودان لـ نفس الشخص ، " V " نسبةً الي فاليريو ، و الـ " Z " تعود الي زيوس .
تقدم إيريك ليسير بجانب فاليريو و هو ينظر للشمس التي سُلطت علي وجهه باعثه حرارتها في وجهه :
_ علي ماذا تنوي ؟ ماذا ستفعل معه ؟
تقدم إحدي الحرس ليفتح باب المخزن الحديدي الكبير الذي و برغم موقعه الخرافي الا ان مظهره الخارجي يبعث الكئابه في النفوس ، أجاب فاليريو و هو يرفع نظارته يضعها أعلي شعره الفحمي :
_ مصيره سيكون علي حسب إجابته .
ابتسم إيريك كاشفا عن أسنانه البيضاء و هم يتقدمون لداخل المخزن :
_ أكثر شيئ أحبه بكَ أنك لا تفرض قرارك علي أحد ، و انما تترك كل شخص يحدد مصيره بنفسه ، كم انتَ رحيم !
تخطو عده غرف و هم يسيرون في الممر الطويل ، اعاد فاليريو خصلات شعره للخلف و هو يجيب إيريك بنفاذ صبر :
_ سأتنازل عن رحمتي المفرطه و لن أدع لك الفرصه لتفكر حتي ما هو المصير المناسب لكَ ان لم تضع لسانك داخل فمك .
رفع إيريك كتفيه للأعلي بإستياء و هو يسأله :
_ و ما الخطأ الذي فعلته الآن ؟
تجاهله فاليريو و هو يدخل للغرفه الأخيره بعدما فتحها له الحارس ، أدار نظره في الغرفه ليجد رجل يجلس في زاويه الغرفه و هو مكبل من قدميه و يديه بالأصفاد ، كان نائما غير واعيا بما يحدث حوله ولا حتي بدخول فاليريو و الرجال ، ركض احدي الحراس محضرا كرسيين واحد لـ فاليريو و الآخر لـ إيريك ، خلع فاليريو معطفه و أخذه منه الحارس ثم جلس علي الكرسي و كذلك إيريك ، أشار إيريك للحارس ليومئ علي الفور و قد فهم مقصده ، أخذ الحارس دلو كبير ممتلئ بالمياه البارده ثم ألقاها فوق الرجل الذي كان نائما ليستيقظ علي الفور و هو يشهق بقوه بسبب برود المياه التي انسكبت علي جسده الساخن ، سحبه الحارس ثم أجلسه علي كرسي أمام فاليريو و قام بتثبيت كلتا يداه خلف ظهر الكرسي و قدماه في الكرسي من الأسفل ، أسدل الرجل رأسه للأسفل لا يقوي حتي علي رفعها ، ليذهب الحارس و يرفعه من شعره لأعلي بقوه ليصرخ متألما ، نظر فاليريو لوجهه الممتلئ بالدماء و الكدمات بالإضافه لخيط الدم الذي بدأ يسيل من أنفه ، صرخ الرجل و دموعه تنزل علي وجنتيه من شده الألم غير مباليا بـ كبريائه كـ رجل :
_ اتركوني أرجوكم ، أقسم أنني سأموت دعوني ارحل !
و كـ العاده لا يتأثر فاليريو بـ صراخ و عويل أي شخص أمامه بل أخذ يحدق به ببرود تام واضعا قدمه اليسري فوق اليمني ، تحدث الرجل مره أخري :
_ ليس لي دخل فيما حدث ، أتركوني !
تحدث إيريك هذه المره و هو يتوق لقتله الآن :
_ هل تعلم و لأنك اردت أن تنتقم لشقيقك الخائن كنت ستقتل الزعيم ؟ هل كنت تتخيل أنك و رجالك الأغبياء جميعكم كنتم ستستطيعون فعل هذا حتي و ان كان بمفرده دون حراسه ؟
نفي الرجل برأسه و كأنه يزيح عن نفسه تهمه ما :
_ أي شقيق هذا الذي كنت أنتقم من أجله ؟ أنا لم أهتم بموت ذاك الغبي هينري ، صحيح نحنُ أشقاء لكنه كان اناني لا يهتم سوي بنفسه فقط .
ضيق إيريك عينيه محاولا ايجاد تفسير لمحاولته لقتل فاليريو :
_ ان لم تكن حاولت قتله لأجل شقيقك ، لما اذا كنت تود قتله ؟
_ قتله كان أمرا لي و لم استطع رفضه .
ابتسم فاليريو نصف ابتسامه ثم مال للأمام ليستند علي ركبتيه ثم تحدث :
_ و هذا ما كنت أريد سماعه بالظبط ، من اعطاك الأوامر ؟
_ لا أعلم .
ضحك إيريك بإستهزاء ثم نهض ليقف أمام الرجل تماما ، و قبل أن يرفع حتي الرجل نظره إليه قام بـ لكمه ليصرخ الرجل بقوه و هو يشعر و كأن أنفه تحطم أثر تلك اللكمه ، أمسك إيريك بفكه و هو يصيح بوجهه :
_ هل تظن نفسك تحادث أطفال ؟ يعطيك الرجل اوامر ولا تعرف من هو ؟
_ أقسم أنني لا أكذب ، لم يكن هو من يعطيني الأوامر بل كان أحد مساعديه .
تحدث فاليريو و هو يحاول تهدئه إيريك قليلا :
_ عيبٌ عليك يا إيريك ، لا تتعامل مع الرجل هكذا ، اجلس و أعدك أنه سيخبرنا الحقيقه بـ هدوء .
جلس إيريك و هو يعلم ان فاليريو يسخر منه ، و لكن فكره ان ذلك الغبي كان يفكر مجرد تفكير في قتل صديقه و شقيقه تقوده للجنون ، وقف فاليريو يبحث في جيبه الخلفي عن سلاحه ، أخرجه و هو ينظر اليه بحيره ليسحب زر الأمان و يطلق رصاصه علي حين غره علي قدم الرجل ليصرخ صرخه ارتجت لأرجائها المكان ثم عاد ليجلس بهدوء و كأنه لم يفعل أي شيئ للتو ، سأل فاليريو الرجل و هو يربت علي ظهر إيريك بسخريه :
_ فكرني ماذا كان اسمك ؟
نظم الرجل أنفاسه و هو يشعر أنها تنسحب منه :
_ أليخ .. أليخاندرو .
_ حسنا أليخاندرو دعني ننهي تلك المحادثه سريعا لأن ذلك المسدس الموضوع في جيبي الأيسر اختنقت الرصاصات الموضوعه به و تود التحرر الآن ، ليس المسدس الذي أطلقت به النار علي قدمك و انما واحداً آخر ، و من جهه أخري إيريك ترك عقله و انسانيته عند باب المخزن قبل أن ندخل ، و جميع الرجال الواقفين حولي صحيح أنهم رهن اشارتي ، و لكنهم يقفون الآن كـ الكلاب الجائعه ، و لا يوجد قطعه لحم قد تملئ معدتهم سواك ، و صدقني هذا ليس من مصلحتك .
كان إيريك يجلس مبتسما و هو يري أثر اهانه فاليريو للحراس علي وجوههم ، و لكن لم يجرؤ أحدا منهم عن اظهار غضبه ، بل كانو يضعون وجوههم في الأرض محاولين اخفاء الضيق علي وجوههم .
ابتلع أليخاندرو ريقه و ادرك ان الحل الوحيد هو ان يعترف بالحقيقه :
_ لقد كان الرجل الذي يوصل إلي الأوامر هو احدي حرس الزعيم ، لا اعرف اي شيئ عن المافيا خاصته ، و لكن كل ما كنت أعرفه أنه رجل كبير في السن و يساعده رجل أخر أصغر منه ربما في مثل عمرك او أصغر بقليل .
فكر فاليريو قليلا يحاول ربط الخيوط داخل رأسه حتي اعاد سؤال الرجل مره أخري :
_ ماذا تعرف عنهم ايضا ؟
_ ليس الكثير ، كل ما اعرفه أن تلك العصابه الصغيره تكونت من أجلك لأنك هدفهم ، أيضا منظومتهم سريه لذا لا أعرف شيئ عن الزعيم أو مساعده .
_ لا تستعجل ، فكر قليلا ، حاول تذكر أي شيئ آخر مهما كانت أهميته .
صمت الرجل يفكر قليلا يحاول تذكر أي شيئ من الممكن أن يساعدهم لكي يستطيع الفرار منهم ، زفر باستسلام بعد مده طويله و قد تمكن منه اليأس :
_ لم استطع تذكر شيئ ، كل ما سمعته من الحراس أن مساعد الزعيم شاب في نهايه العشرينات او بدايه الثلاثينات ربما ، و لديه اسمين مختلفين و كذلك جنستين مختلفين ، و لا أعتقد ان ذلك سيفيدك بـ شيئ .
أعاد فاليريو ظهره للخلف و قد تأكد أخيرا من شكوكه حول ذلك الشخص ، وقف يستعد للرحيل ليقف معه إيريك ثم ارتدي معطفه مره أخري ، و قبل أن يخرج من الغرفه أوقفه سؤال أحد رجاله :
_ سيدي ، ماذا سنفعل مع ذلك الرجل ؟
توقف فاليريو ينظر الي الرجل ثم رفع كتفيه بلا مبالاه :
_ اقتلوه بالطريقه التي تحبونها .
فتح الرجال عينيهم بشهوه و كأنهم وجودوا فريستهم ، و قبل أن يهم فاليريو بالخروج صرخ أليخاندرو مره أخري يحاول جذب انتباهه :
_ انتظر انتظر ، هناك شيئ آخر أريد أن أخبرك به .
وقف فاليريو بنفاذ صبر يستمع له ، نظر أليخاندرو للرجال حوله بخوف ثم نقل بصره لـ فاليريو :
_ لم تكن أنت المقصود .
رفع فاليريو حاجبه الأيمن بـ عدم فهم فـ أدرك أليخاندرو أنه لم يفهمه لذا هم بالحديث :
_ ان اخبرتك ستتركني أرحل ؟
_ سيكون ذلك علي حسب الشيئ الذي ستخبرني به .
التمعت عيناي أليخاندرو و قد ظن انه ان أخبره هذا الشيئ سيتركه بل و ربما يعينه من أحد رجاله :
_ لم يكونوا يريدوا قتلك أنتَ ، كانوا يريدونها هي .
نظر له فاليريو بملل و قد أدرك ما يرمي إليه ، لذا نظر لكبير الحراس و هو يقول :
_ لا اعرف ما هي خطتكم في قتله و لكن دعوني أضيف عليها تعديلا صغيرا ، اريد أن تحرقونه حياً حتي تأكل النيران جسده .
_ أمرك سيدي .
خرج كلا من فاليريو و إيريك تاركين جميع الحرس مع أليخاندرو غير مباليان بـ صراخه المتوسل ، سأل إيريك فاليريو الذي كان ينظر في ساعته :
_ لقد كان يقصد راسيل صحيح ؟
_ و من سواها ؟
علم كلاهما أن أليخاندرو كان يقصد أنهم كانوا يريدون قتل راسيل لا فاليريو ، و لكن ما لم يفهمه إيريك هو رده فعل فاليريو البارده الذي كان يبدو و كأنه لم يهتم بحديثه ، و لم يفهم أيضا من هو مساعد الزعيم الذي عرفه فاليريو ببساطه دون ذكر اسمه حتي ، هم إيريك يطرح عليه الاسئله التي تدور في عقله و لكنه توقف فجأه عندما وضع فاليريو يده علي صدره يمنعه عن التقدم ثم وضع سبابته علي شفتيه يطلب منه عدم الحديث ، صمت إيريك بدهشه و هو يضع يديه علي مسدسه الموضوع في جيبه بتلقائيه يستعد لإخراجه في أي لحظه ، وقف خلف فاليريو الذي كان يتواري خلف باب المخزن الكبير ، فهم إيريك ان فاليريو كان يستمع الي الحارسان الذين يتحدثون امام الباب غير مدركين بوقوف فاليريو و إيريك خلفهم :
_ صدقني هو ليس له أيه أهميه ، يتصرف و كأنه زعمينا بينما زعيمنا الحقيقي هو السيد فاليريو .
صمت صديقه و كأنه يفكر في كلامه حتي تحدث بعد برهه :
_ و لكنني اعتقد أنه مهم للغايه في المافيا ، فـ هو صديق السيد فاليريو منذ زمن بعيد ، و أعتقد أنه لا يمانع في أن يشاركه الزعامه .
ضحك الرجل الآخر بـ استخفاف ثم قال :
_ يشاركه الزعامه ؟ من ؟ ذلك المهرج إيريك ؟ انا واثق من أن السيد يبقيه معه دائما لأنه صديقه ليس أكثر ، عدا ذلك فـ هو لا يمكنه أن يتولي الزعامه معه ، المافيا خاصه لا يمكن أن يترأسها أكثر من شخص .
هزر الرجل الآخر رأسه بعدم اكتراث و هو يشعل سيجارته :
_ و ما ادراني ، انت تعمل معهم من قبلي .
_ أمثال إيريك هم من يحاولون الحصول علي السلطه عن طريق التقرب من صاحب السلطه نفسها ، تراه دائما يتفاخر بجسده المليئ بالعضلات و طوله الفارع فـ يبدو لك كـ رجل ثلاثيني ناضج بحق ، الا ان عقله لم يتجاوز الخامسه ، عن نفسي لا القي اي بالا لأوامره ولا تهمني من الأساس ، من المفترض أن أكون انا مساعد الزعيم و ليس هو ، انا أعمل في المافيا منذ زمن طويل و بالنهايه أُعامل مثل باقي الحرس و ربما لا يدري حتي السيد بوجودي ، انا من يجب ان يحل محل ذلك اللعين صاحب الأسنان الصفراء .
فتح إيريك عيناه علي مصراعيها بينما فاليريو ينظر اليه يدعوه الا يتسرع في تصرفه حد ، و لكن فاجئه إيريك و هو يهمس له بغضب :
_ أنا ؟ أنا أسناني صفراء ؟ يا رجل أنا لدي ابتسامه سينيمائيه ، كيف يتجرء ذلك القذر بنعتي بصاحب الأسنان الصفراء !
مسح فاليريو علي وجهه يحاول تهدئه نفسه قبل أن يقتل إيريك ، فـ هو تجاهل كل الكلام المهين الذي قاله الرجل في حقه و ما أغضبه أنه قال عن اسنانه صفراء ، أشار اليه فاليريو بسبابته يهمس بخفوت :
_ اياك و فعل أي شيئ غبي .
ثم خرج من المخزن و خلفه إيريك فـ اعتدل الحارسان في وقفتهما سريعا ، ألقي فاليريو نظره خاطفه علي الرجل الذي كان يسب إيريك منذ قليل ، ثم أشار للرجلان ليتبعونه :
_ هيا سنرحل من هنا .
ثم سار هو و إيريك يتبعهما الرجلين متوجهين ناحيه السيارات ، كادا الرجلين يدخلا للسياره الخاصه بهم و لكن أوقفهم فاليريو لينظر جميع الحرس اليهم بـ استغراب ، اشار فاليريو للرجل الذي كان يتحدث عنهم ليأمره بالتقدم منه ، تقدم الرجل بخطي متعثره ليقف أمامه تماما و هو يضع رأسه أرضا ، رفع فاليريو رأسه ينظر للسماء و هو ينظم انفاسه قائلا للرجل :
_ أتري تلك الصخور البيضاء ؟
نظر الرجل للصخور البيضاء المترميه حول الشاطئ ، أومئ برأسه و هو يقول بأدب :
_ نعم سيدي اراها بالطبع .
_ و ما رأيك بلونها ؟
توتر الرجل يخاف أن يجيب إجابه لا تروق فاليريو ، و بنفس الوقت هو لا يدري ما الذي يرمي اليه :
_ انها .. انها ناصعه البياض .
هز فاليريو رأسه يؤكد حديث الرجل :
_ نعم انها بيضاء للغايه .
ثم مد يديه في معطف إيريك يخرج سلاحه منه ثم صوبه ناحيه الرجل :
_ و لكنها ليست أنصع من أسنان إيريك .
ثم أطلق رصاصته لتستقر في منتصف جبين الرجل و يسقط صريعا علي الفور ، توتر الرجل الآخر الذي كان يقف برفقته و قد أدرك أن فاليريو سمع حديثهم ، أدار فاليريو رأسه الي إيريك يسأله :
_ هل أنت مرضي الآن ؟
وضع إيريك يداه في جيوب معطفه ليبتسم و هو يتعمد إظهار اسنانه :
_ نوعا ما .
اعطاه فاليريو مسدسه ثم تحدث بصوت عالي ليسمعه جميع رجاله :
_ تلك المنظومه يديرها اثنين ، انا و إيريك ، كلانا زعيمان و ما نقوله أمر لا يناقش ، سواء أنا أو إيريك أوامرنا جميعها مطاعه تأخذونها و ما عليكم سوي قول سمعا و طاعه ، و من يتجرأ و يحاول أن يقلل من أحدنا سيكون ذلك مصيره ، هل من معترض ؟
نفوا الرجال برؤوسهم ليتحدث كبير الحرس الذي يكن باحترام كبير لـ فاليريو :
_ جميعنا تحت رهن إشارتك أو إشاره السيد إيريك .
_ جيد .
ثم فتح باب السياره و هو ينظر للرجل الذي كان يقف مستمعا لحديث صديقه الذي ألقي مصرعه منذ دقيقه ، لذا ركب الرجل سيارته متحاشيا نظرات فاليريو .
سارت السيارات مبتعده عائده لمقرها الأساسي ، سأل إيريك فاليريو و لم يعد يتحمل الجلوس صامتا :
_ لما أمرت بقتل الرجل و قد أخبرك أنهم كانوا يريدون راسيل ؟
ادار فاليريو مقود السياره و بيده الأخري يشعل سيجارته :
_ أتدري من أكثر شخص أكرهه في الحياه ؟
_ من يا زعيم ؟
_ الشخص الذي يحاول خداعي و الاستخفاف بعقلي .
نظر إيريك من نافذه السياره و هو يشعل سيجارته هو الآخر :
_ و بماذا حاول خداعك ؟
_ راسيل لم تكن المستهدفه ، أنا المقصود .
_ و لما انت واثق هكذا ؟
لم يجيبه فاليريو و هو ينظر أمامه للطريق ، انتقل إيريك لسؤاله الثاني علي الفور :
_ من هو ذلك الراجل صاحب الهويتين الذي يساعد الزعيم ؟
_ آريان .
-
كانت تجلس في مكتبها شارده في كلمات آيلا تفكر كيف ستخبره بالحقيقه ، كانت ستأخذ قرار بأن تنسحب بهدوء من حياته دون أن تواجهه و كأنها حتي لم تراه ، و لكن استوقفتها الأدويه التي كانت موضوعه في حقيبتها ، تلك الأدويه النفسيه التي أصبحت جزء اساسي من يومها ، و ما السبب الذي دفعها لأخذ تلك الادويه ؟ الرؤي التي اتهمها الجميع بالجنون بسببها حتي والدها ، تتذكر عندما أخبرت احدي صديقاتها في طفولتها لتفشي بسرها و تخبر جميع صديقاتها الأخريات ، تتذكر كيف كانوا يضحكون عليها واصفينها بالمجنونه ، تذكرت انها تعلمت الرسم فقط لكي تستطيع رسم المشاهد التي تراها في احلامها ، لا تريد أن تنسي او تغفل عن اي شيئ ، ف مع مرور الوقت أصبح لديها المئات من اللوحات بتواريخ مختلفه ، لذا لن يمكنها تمرير وجوده بحياتها مرور الكرام ظنا بأنها ستتخطاه بسهوله .
أفاقت من شرودها علي صوت رساله اتتها علي هاتفها ، فتحت الهاتف لتجدها رساله من رقم مجهول ، ضيقت عيناها بشك و هي تقوم بتحميل الصوره التي ارسلها لها الرقم ، فتحت الصوره أخيرا لتُدهش مما رأت ، رجل مكبلا يجلس علي كرسي و يرفع رأسه لأعلي و كأنه يصرخ ، و علي الناحيه الأخري من الصوره تظهر يد لا يتبين منها شيئ سوي المسدس التي تحمله و تصوبه نحو قدم الرجل ، قربت الصوره أكثر لتري الساعه السوداء ذات العقارب الفضيه الموضوعه علي معصم اليد ، و في نهايه اليد ققاز جلدي أسود به نقشه غريبه لم تفهم منها سوي حرف الـ " Z " ، و لكن لم يتضح من هو صاحب اليد و كأن تم قص الجزء الذي يظهر به من الصوره ، لم تكن تفهم أي شيئ و لكن المكان كان يبدو أن حوائطه متعفنه بسبب الدماء الملتصقه بها ، لم تدري حتي ان كان المشهد حقيقي أم مشهد من فيلم ما ، أغلقت الهاتف سريعا و هي تضع كفها علي وجهها :
_ يا الله .. لم اعد استطيع تحمل المزيد من المشاهد الدمويه !
أخرجت سماعتها السلكيه ثم وصلتها بالهاتف لتبدأ بتشغيل الموسيقي ، التفتت بكرسيها موليه ظهرها للباب و قد قررت اخذ استراحه لمده قصيره من العمل ، و بمعني ادق استراحه من التفكير الذي سيقضي عليها !
-
فتحت حقيبتها تضع بها جميع الملفات التي ستحتاجها اثناء فتره تدريبها ، فقد اتفقت مع راسيل علي الاستمرار ليومين آخرين حالما تنتهي من أول مرحله من تدريبها ثم بعد ذلك سيغادرون الشركه .
تقدم أحد المتدربين منها يساعدها في لملمه اوراقها و هو يبتسم لها فـ ابتسمت هي الأخري تشكره ، تحدث الشاب حينما انتهوا من تجميع الأوراق :
_ لا تعلمي كم أنا سعيد بالعمل معكِ ، و بنفس الوقت لا ادري كيف لفتاه مجتهده مثلك ان تعمل كـ متدربه لا مدربه !
زمت آيلا شفتيها و هي تتذكر أن إيريك هو المذنب في تعيينها كـ متدربه ، صمتت قليلا تحاول تذكر اسم ذلك الشاب الذي يحادثها حتي رأت اسمه علي البطاقه التعريفيه المعلقه علي قميصه :
_ شكرا لك فيليب .
ارتدت حقيبتها و كانت تهم بالرحيل حتي امسك يدها يوقفها :
_ انتظري قليلا .
قلبت آيلا عيناها بملل ثم التفتت اليه لتراه يفتح هاتفه و يعبث به ، منذ ان بدأت بالعمل مع فريقها الذي كان يحتوي علي فيليب و هو لا يتركها و شأنها ، كلما رآها سار خلفها محاولا التحدث معها و جذب انتباهها ، اعطاها الهاتف و لا يزال محافظا علي ابتسامته :
_ اكتُبي رقمكِ هنا .
رفعت احدي حاجبيها تنظر له بتساؤل :
_ لما ؟
_ سنذهب اليوم الي احدي النوادي و نقضي بعض الوقت هناك ، و بما انك ضمن الفريق فـ يجب ان تكوني معنا .
ابتسمت له ابتسامه حاولت جعلها ودوده قدر الامكان :
_ شكرا لك ، و لكن لدي مواعيد اليوم و لا استطيع التخلف عنها .
ثم التفتت لتغادر و لكن تلك المره سحبها من يدها بقوه ناحيته حتي انها كادت تتعثر ، احاط خصرها بيديه يمنعها من السقوط حتي التفوا بسرعه ناحيه ذلك الصوت الرجولي القادم من ناحيه باب المكتب و الذي كان صوت إيريك الذي بهت و هو يري آيلا بين احضان فيليب تقرييا ، ابتعدت آيلا بسرعه عن فيليب ثم صفعته علي وجهه و هي تهتف به بغضب :
_ كيف تَجرأ علي لمسي هل جننت ؟
اشتعلت وجنتي فيليب بالغضب و هو يري إيريك يتقدم نحوه ضاغطا علي يديه و كأنه سيلكمه ، لذا تحدث بسرعه و هو يوجه حديثه الي آيلا :
_ ما الذي تتحدثين عنه ؟ انتِ من القيتِ نفسك علي !
فتحت آيلا عينيها علي مصراعيها و هي تضع سبابتها علي صدرها تسأله :
_ أنا ؟ أنا من ألقيت نفسي ؟
اومئ فيليب يؤكد حديثه :
_ نعم انتِ و تلك ليست أول مره ، منذ فتره طويله و انتِ تحاولين التقرب مني ، و كلما حاولت الابتعاد عنك تعودين لتلتصقين بي مره أخري .
هبطت دموعها و لم تعد تستطع تحمل تلك الاتهامات التي يوجهها اليها دون رحمه ، نظرت الي إيريك و كأنها تطلب منه أن يصدقها ، تحدثت بصوت مرتعش :
_ أقسم أنني لم أفعل ، هو من يحاول التقرب مني ، انا لم افعل شيئ حتي انني لم اكن اتذكر اسمه !
مسح إيريك دموعها و هو يومئ لها بهدوء :
_ إدري ، لستِ بحاجه للتبرير .
ثم التفت الي الشاب الذي كان يتابع ما يحدث بأعين فضوليه ، ثم و علي حين غره لكمه علي وجهه لكمه افقدته توازنه ليقع أرضا ، جلس إيريك فوقه و هو يسدد له العديد من اللكمات بينما فيليب يلكم الهواء محاولا أن تصل يديه الي اي جزء في وجه إيريك حتي ان آيلا ركضت تحاول ابعاده عنه هامسه له بكلمات مهدئه ، و لكنه لم يبتعد الا حين أتي الأمن يبعدونه برفق عن فيليب ثم ساعدوه علي النهوض ليقول إيريك بصوت عالٍ :
_ القوه علي الطريق خارج الشركه عل سياره ما تأتي و تدعسه ، و ان لم تأتي سياره و تدعسه يمكنكم استخدام سيارتي .
اومئ الرجال له ثم أخذوا فيليب و غادرو المكتب ، التفتت آيلا تنظر لوجه إيريك بتفحص :
_ شفاهك تنزف ، هل انت بخير ؟
وضع إيريك يديه علي جرحه يتلمس الدماء التي تخرج منها :
_ نع .. لا لستُ بخير .
ثم سقط علي الكرسي خلفه بدراميه و هو يضع كف يديه علي جبينه :
_ أشعر أنني سأموت لا أستطيع ، عالجي جرحي ارجوكِ انا انزف ، خذيني الي المشفي .
فركت آيلا يديها بتوتر و هي تذهب للبحث عن شيئ علي طاوله المكتب :
_ لا داعي للمكتب يمكنني معالجتك بنفسي .
ابتسم إيريك و قد ادرك أنه وصل الي ما اراد ، علي الأقل تحدثت معه لدقيقتين متواصلتين دون أن توجه له كيل من السباب ، أتت لتقف أمامه و بيدها زجاجه مياه بارده ، لم يكد يفتح فمه يسألها فيما ستحتاج المياه حتي فاجئته و هي تفرغ الزجاجه كامله فوق وجهه ، شهق و هو يبتعد عن الأريكه ينظر لملابسه المبتله بدهشه ، رفع عيناه ينظر اليها ليجدها لازالت تمسك بالزجاجه :
_ اتراني غبيه ؟ لم تمت عندما أُصبت بالرصاصه في فخذك عندما كنا في اليونان و ستموت هنا بسبب جرح شفتيك ؟
ابتسم و قد نسي المياه الغارق بها :
_ الا ترين أنني استحق مكافأه لانني كنتُ سأموت من أجلك ؟
القت الزجاجه الفارغه في وجهه و هي تحمل حقيبتها :
_ لم اكن انتظر مساعدتك .
ثم التفتت تغادر المكتب ليصيح بصوت عالي لكي يصل لها :
_ ليكن بعلمك الصفعه التي تلقيتها منكِ كانت اقوي من صفعتك لـ فيليب ، هل هذا عدل ؟
تجاهلته و علي وجهها ابتسامه واسعه ، و بشكل غريب قد راقها ما فعله اليوم و كيف لم يشكك بها ثانيه واحده .
-
طرقت السكرتيره الباب منتظره من فاليريو أن يعطيها الاذن بالدخول حتي أتاها صوته الأجش من الداخل ، دخلت ثم وضعت بعض الملفات التي طلبها أمامه فـ أخذها هو و بدأ يتفحصها بأعين دقيقه ، قاطعت السكرتيره تركيزه و هي تقول :
_ سيدي ، هناك امرأه بالخارج تريد مقابلتك الآن .
اجابها بـ عدم اكتراث و عينيه مثبته علي الملفات :
_ من تكون ؟
_ لا أدري ، لا تريد أن تعطيني أيه بيانات عنها .
_ اذا دعيها ترحل ، لستُ متفرغا لتلك التفاهات .
اومئت السكرتيره ثم خرجت من المكتب و هي تغلق الباب خلفها ، بعد حوالي دقيقه سمع فاليريو صوت ضجه بالخارج و كأن هناك امرأتان تتشاجران ، كاد يخرج ليري من الذين يتجرأون و يرفعون صوتهم هكذا ، و لكن قبل أن يخرج دخلت فتاه ترتدي ثياب غير مهندمه تضع قبعه علي رأسها و قناع طبي يخفي نصف وجهها السفلي و نظارات سوداء علي عينيها ليختفي وجهها بالكامل ، دخلت السكرتيره بسرعه ورائها و هي تحدق في الفتاه بغضب ثم حاولت ان تشرح لـ فاليريو :
_ سيدي لقد حاولت منعها من الدخول ، و لكنها اصرت علي أن تدخل .
اشار فاليريو للسكرتيره بـ ان ترحل فـ خرجت و أغلقت الباب خلفها ، نظر فاليريو للفتاه من أعلي رأسها حتي أخمد قدميها و كأنه يعاينها ، أسند ساعديه علي المكتب خلفه و هو ينظر للفتاه التي كانت تبدو و كـ أنها متسوله بسبب ملابسها المليئه بالأتربه ، عندما طال صمتها تحدث هو و كأنه مل وقوفها أمامه كـ تمثال :
_ أتعلمين من أكون ؟
هزت الفتاه رأسها بـ إيماءه بسيطه ، ثني فاليريو رأسه لليمين قليلا يحاول ألا يستخدم اساليبه العنيفه مع تلك الفتاه التي تبدو و كأنها قاصر بسبب جسدها الضئيل .
_ ماذا تريدي ؟
لم تجيبه بل أنزلت رأسها للأرض تعبث بأظافر يدها بـ ارتباك واضح ، لاحظ فاليريو الكدمات الزرقاء الموجوده علي كلا كفيها بـ عشوائيه ، لم يهتم بها أو حتي بـ توترها الملحوظ ، بدأ جسدها يرتجف و شهقات منخفضه تصدر من فمها ، تأفف فاليريو و هو يدير مقلتا عينيه و قد سأم وقفتها المريبه تلك :
_ ان لم تتحدثي الآن سأسمح للأمن بأن يلقونكِ في الشارع كـ الكلاب ، تحدثي يا لعينه ليس لدي وقت لكِ !
صرخ بـ جملته الأخيره بعدما لم يلاحظ منها رده فعل ، عادت الفتاه بخوف عده خطوات للخلف أثر صراخه ، حاولت تثبيت قدميها في الأرض و منع ذلك العرج من التمكن منها ، مدت يديها أعلي رأسها ثم خلعت القبعه التي كانت تخفي شعرها ، ثم و بيدها المرتجفه خلعت النظاره ثم تملهت قليلا ، فجأه تغيرت ملامح وجه فاليريو من غاضبه لأخري بلا معني ، خلعت الفتاه القناع الطبي و لكنها لم تكن بحاجه لخلعه حتي يتعرف عليها ، فـ قد علم هويتها منذ أن نظرت لـ عيناه الخضراء الغاضبه بـ عيناها الزرقاء المستسلمه ، القت القناع علي الأرض لتتحرر دموعها بخفه و قد ارتفعت شهقاتها شيئا فـ شيئا ، تحررت عقده لسانها أخيرا لـ تناديه بـ اسمه تدعوه لأن يرق لحالها ، لم يجيب ندائها له و لم تتغير تعبير وجهه التي لا توحي بـ شيئ و كأنك لا تستطيع توقع خطوته القادمه ، فُتح باب المكتب لـ يدخل إيريك فجأه و هو ينادي فاليريو و لكنه توقف عندما رآه يقف مبحلقا في الفتاه التي توليه ظهرها ، رفع إيريك حاجبيه يتسائل عن هويه الفتاه بحيره ، و لكن لم تدم تساؤلته طويلا عندما التفت له الفتاه تنظر له بعيناها الباكيه ، ليفتح عيناه فجأه و كأنه صُعق من رؤيه الفتاه :
_ إيليت !
-