" كُـن لِـي الـقَـاتِـل و سـأَكُـون لَـكَ المَـقـتُـول "
-
" راسيل "
وقفت أنظر إليه و أنا لا أقوي علي الحراك ، أشعر و كأن قدماي تجمدتان مكانهما ، أنه زيوس ، عُدت عده خطوات للخلف و أنا أنظر لعينيه المثبته نحوي .. عيناه المليئتان بنظرات حزن أو عتاب علي ما أظن ، و لكن لما ؟ نحن حتي لم نتحدث من قبل ، هل يعقل أنه ..
_ راسيل هيا بنا .
أفقت علي صوت آيلا و هي تحاول سحبي للخارج ، ولكنه تحدث بصوت عالي :
_ إذا سمحتِ أتركيها ، أريد أن أتحدث معها بموضوع هام .
ضحكت آيلا باستخفاف و هي تقول :
_ و من أنت لتتحدث معها؟
كاد فاليريو يجيبها لولا دخول رجل الي المكتب ، نظرت إلي الرجل قليلا بحيره .. أشعر و كأنني رأيته من قبل ولكن أين؟ أيا يكن عقلي متوقف عن العمل حاليا .
تقدم الرجل ناحيتنا ثم توقف أمام آيلا و هو يحدثها بإبتسامه تكاد تشق أذنيه :
_ من فضلك هلا أتيتِ معي قليلا؟
حولت آيلا نظرها من علي زيوس الي الرجل الواقف أمامها ثم ضيقت عينيها قليلا ، أرخت حاجبيها و هي تقول بسخريه :
- كيف حال قدمك سيد ايريك؟
إبتسم الرجل إبتسامه جانبيه و هو يقول :
_ عجبا و تتذكرين اسمي؟ .. لا تقلقي أنا معتاد علي هكذا إصابات.
_ يجب أن تكون كذلك ، فـ بالنهايه أنت و صديقك قتله !
حسنا تذكرت من يكون ، هو ذلك الرجل الذي أصيب في الحفله و ركض إليه زيوس ، ذلك الرجل الذي استطعنا الهرب بفضله!
ابتسم المدعو إيريك أكثر و كأن كلمه " قتله " راقته ، ثم أعاد حديثه مره أخري :
_ أرجوكِ آنستي ، أريدك أن تأتي الي مكتبي فقط لعشر دقائق ، دعيني أذيقك قهوتنا ، ستعجبك للغايه انا واثق من هذا .
_ أتظن أنني سأجلس مع قاتل في نفس المكان وحدنا؟
اجابها و هو يحتفظ بإبتسامته البارده :
_ لا تقلقي لا أفضل القتل في الصباح .
نظرت إليه بصدمه من حديثه الجريئ ، ثم حولت نظرها الي سريعا و هي تقول بعتاب :
_ لما لا تتحدثي؟ قولي شيئ ذلك الرجل يريدني أن اذهب و..
_ أذهبي آيلا .
قلتها و قد تمكن الغضب مني من عناد آيلا ، تغاضيت عن نظراتها التي كادت تحرقني ، اخذت حقيبتها التي كنت احملها لها بقوه ثم خرجت من المكتب و هي تتفوه بعده كلمات لم افهم منها سوي البعض ، خرج ايريك ورائها ثم أغلق الباب ، و بالتالي لم يتبقي سواي .. و زيوس الذي لم تتحرك عيونه من علي !
إبتعد عن مكتبه ثم إقترب مني بهدوء بينما عيناي مثبته علي الأرض ، وقف علي بعد خطوتين مني ثم مد يديه الي و هو يقول :
_ أنا فاليريو .. تشرفت بمعرفتك آنسه..؟
نظر إلي و هو ينتظر مني أن أقول أسمي ، بينما انا أنظر الي يديه الممتده نحوي بتوتر ، مددت يدي المرتجفه لأصافحه و انا اقول بصوت خافت :
_ راسيل .
ثواني حتي رسم إبتسامه جانبيه علي وجنتيه .. إبتسامه لم تنجح في إخفاء غمازتيه ، أبعدت يدي عن يديه بلطف بعدما طال الوقت الذي امسك بيدي فيه ، أشار بيديه الي الكرسي الموجود أمام مكتبه و هو يدعوني للجلوس ، و جلست و انا أشعر بالتوتر ينهش في جسدي ، جلس أمام المكتب و انا فقط اولي نظري الي اللافته الموضوعه علي المكتب أقرأ المكتوب عليها " فاليريو موروني " ، ظللت انظر الي المكتب و انقل عيناي يسارا و يمينا لدقائق طوال حتي أنني حفظت كل شيئ موضوع عليه ، تنحنح بعد دقيقتين او ثلاثه ربما و هو يقول :
_ أعتذر نسيت أن اسألك .. ماذا تودي ان تشربي؟
نفيت برأسي بهدوء و ما زال نظري موجه الي الاقلام الموضوعه علي المكتب و أنا اقول :
_ شكرا لا أري..
_ عن نفسي أحب أن تكون قهوتي ساده .. ماذا عنكِ؟
شعرت بالإحراج من رفض طلبه فـ أجبته و لم أرفع نظري اليه :
_ أفضلها فرنسيه .. دون سكر .
أومأ برأسه ثم رفع سماعه الهاتف و تحدث الي العامل يأمره بإحضار القهوه ، وضع سماعه الهاتف مره أخري و ظللنا صامتين لمده دقيقتين تقريبا حتي أتي العامل و وضع القهوه أمامنا ثم خرج ، سحب قهوته ناحيته ثم أشار إلي قهوتي في دعوه منه ان أتذوقها ، و بالفعل تذوقت القهوه و بالمناسبه إيريك لم يكن يكذب .. تلك القهوه بالفعل رائعه للغايه !
_ آنسه راسيل .
وضعت كوب القهوه ثم أجبته :
_ ماذا؟
_ هلا رفعتِ نظرك إلي؟
رفعت نظري أنظر إلي عينيه .. أو بالأصح لتلك الغابات الموضوعه في بؤبؤي عينيه ، نظر لعيني قليلا ثم قال :
_ هل تشعري و كأنكِ رأيتني من قبل؟
صمتت قليلا لا أدرك المغزي من سؤاله ، انا بالفعل رأيته من قبل في ذلك الحفل ، هل يعقل أنه نسي؟ بالتأكيد لا!
_ نعم رأيتك من قبل.
أجاب و اللهفه تملئ عينيه :
_ أين؟
_ في اليونان .. في ذلك الحفل !
إمتلأت عينيه فجأه بخيبه أمل و لكنه أعاد سؤالي :
_ لا .. أقصد قبل الحفل؟
حسنا ما الذي يقصده الآن؟ أين يمكن لي أن أراه من قبل؟ أنا حتي لم أره سوي في أحل .. أحلامي! هل يقصد أنني أراه في أحلامي؟ و لكن ما هذا الغباء كيف له أن يعرف أنني أراه في أحلامي؟ أطلقت زفير و أنا اقول :
_ لا تلك كانت المره الاولي التي أراك بها ، ولكن .. هل إلتقينا من قبل؟
ضيقت عيني أنتظر إجابه سؤاله ، ولكنه أعاد ظهره للخلف و هو يقول بصوته البارد :
_ لا ، لا أعتقد ذلك ، و بخصوص ذلك الحفل .. لدينا ما نتحدث بشأنه .
صمتت و كلي أذان صاغيه أنتظره ان يكمل حديثه :
_ ما رأيتيه هناك ليس حقيقيا .
ابتسمت بإستهزاء .. ماذا يعتقد؟ أيستخف بعقلي؟ هل يراني ساذجه؟ قلت له :
_ ماذا تقصد؟ كونك قاتل؟
لم تتغير ملامحه .. نفس التعبيرات القاسيه :
_ ما حدث هناك كان سوء فهم يصعب علي شرحه ، دعكِ من كل هذا ، يمكنك بدء العمل من الغد .
وقفت و أنا انظر له بسخريه :
_ و هل تعتقد أنني سأوافق علي العمل مع شخص مثلك؟ سيد فاليريو !
فتح إحدي الأدراج و أخرج منها علبه سجائر فضيه ثم أخرج منها واحده بهدوء ، في نفس الوقت الذي شعرت به بإختناق و بدأت اسعل ، وضع السجائر بجانبه و هو ينظر إلي ببرود ظاهري :
_ هل أنتِ بخير؟
أجبته و علامات الضيق علي وجهي :
_ هلا أطفئت السجاره أرجوك؟ لدي حساسيه من هكذا روائح لا أستطيع التنفس !
أطفئ السجاره بسرعه ثم قام يفتح نوافذ المكتب ثم تقدم ليجلس امامي و هو يقول :
_ لم أكن أعلم بشأن حساسيتك .. هل أنتِ بخير الآن؟
أومئت برأسي و أنا أشعر أن الاختناق يزول شيئا فـ شيئا ، وقفت و أنا استعد للرحيل ثم قلت بعمليه :
_ أعتذر علي إضاعه وقتك ، لا يمكنني العمل هنا ، علي كل حال شكرا اليك .
استدرت استعدادا للرحيل و لكن اوقفني صوته الرخيم :
_ لم انتهي من حديثي بعد !
نفخت بقله صبر ، ولكني بالحقيقه كنت أمُوت فرحا من داخلي ، جلست و أنا ادعوه ليكمل كلامه :
_ لستُ مجرم لأبرر لكِ ، و لستُ متفرغ لأدعوكِ للجلوس معي ، ولستُ بحاجه لطيارين لأتمسك بكِ .
هنا و ثار غضبي .. لا اظهر له انني غاضبه فحسب ، كلامه بالفعل أغضبني للغايه ، و كأنه يجلسني أمامه شفقه لا أكثر ، أكمل حديثه المستفز :
_ و إنما أفعل ما أفعله لأجل والدك ، فـ أنا علي معرفه شخصيه به ، والدك لم يكون صديق سيلينو فحسب ، بل كان ص..
_ كيف تنطق أسم أباكَ بدون أي القاب؟
اجبته بتعجب من نطقه لاسم سيلينو بدون كلمه "والدي" او حتي " السيد سيلينو " ، أجابني بنفس تعابير وجهه :
_ لا يوجد القاب في العمل .
_ و لكننا بالفعل لا نتحدث عن العمل ، أظن ان علاقه والدي بعائلتك لا تمت للعمل بصله ، ولكن علي أي حال .. طالما أن لا ألقاب في العمل ، اذا أكاد أجزم أن جميع الموظفين بالخارج ينادوك "فاليريو" دون كلمه "سيدي" .. أليس كذلك؟
ابتسم ابتسامه جانبيه و هو ينظر في عيني مباشره بينما يرفع قدميه ليثنيها واضعا اياها فوق الاخري و ظهره مسترخي للخلف .. جلسه لا تليق برجل ليجلسها امام امرأه بالمره ، تحدثت و انا احاول انهاء الحوار :
_ حسنا سيد فاليريو .. عذرا اقصد فاليريو ، تشرفت بلقائك و اتمني ان نل ..
_ لما هربتِ مني؟
توقفت عن الحديث و أنا احاول إستيعاب سؤاله :
_ عفوا .. ماذا؟
عاد للإبتسام مره أخري و هو يقول :
_ لدي عرض لكِ !
-
جلست تنظر حولها بغضب واضح بينما هو يجلس وراء مكتبه واضعا قدميه فوق الاخري ، تحدثت وسط تقلب عينيها السريع في المكتب :
_الم تمل من تأملي؟
_ ماذا؟
أدارت رأسها اليه لتصبح تلك اول مره تنظر اليه فيها منذ ان دخلو الي المكتب ، نظرت في عينيه طويلا محاوله الوصول الي اي شيئ يخفيه ، كانت نظراتها تحققيه .. بينما نظراته هو هائمه ، يتعجب كيف له أن يُفتن بتلك العينين و من النظره الثانيه فقط ، ابتعدت فجأه عن الكرسي لتقترب من الطاوله لتصبح لا يفرقها عن وجهه سوي بعض الانشات ، ضيقت عينيها و هي تنظر في عينيه :
- ماذا تُخفي انت و صديقك؟
أجاب ببإبتسامه واسعه بينما نظره مسلط نحو عينيها :
_ أي صديق هذا؟
_ أتتمسخر علي؟ صديقك الجالس مع صديقتي الان .
اقترب منها قليلا و هو يقول بتخدر :
_ نعم صديقتي جالس مع صديقك .
ابتعدت عنه و هي تنظر له باشمئزاز :
_ ما الذي تقوله انتى؟ كيف صديقتي جالس مع صد..
توقفت عن الحديث و هي تستمع لصوت هاتفها يرن ، توجهت للحقيبه لتخرج هاتفها و ما ان رأت اسم المتصل حتي دق قلبها بعنف ، ابتسمت لا اراديا ثم خرجت مسرعه من المكتب كي تجيب علي الاتصال و أغلقت الباب خلفها ، و كل هذا تحت أنظاره المشتعله !
خرج بسرعه ليري أين ذهبت ليراها تقف في إحدي الزوايا ولم تجيب علي الاتصال بعد ، سار بخفه ناحيتها ثم تخبئ وراء حائط كبير يستمع اليها بعدما جاوبت :
_ مرحبا ، بخير ماذا عنك؟ ، نعم وصلنا صباح اليوم ، سنجلس في فندق عده ايام حتي نتدبر امر السكن ، لا لا تقلق المنزل موجود ولكننا ننتظر خروج المستأجرين القدامي حتي نستطيع الانتقال للمنزل ، لا أدري لقد خرجت و تركت راسيل تتحدث مع المدير بشأن العمل و..
توقفت عن الحديث و هي تري خيال طويل لشيئ خلفها ، التفتت بسرعه لتري ذلك الـ إيريك متخفي خلف حائط ولكنه كان ظاهر نسبيا ، ابتسم بتلاعب و هو يراها تنظر ناحيته بغضب ثم أغلقت الهاتف بعدما أنهت المكالمه ، سارت نحوه و هي تدبدب بكعبها في الارض ثم توقفت امامه و هي تقول بصوت عالي :
_ انت .. كيف تتجرء ؟ لقد كنت تستمع الي خلسه !
فتح عينيه بدهشه مصتنعه و هو يقول :
_ من ؟ أنا ؟
_ ماذا ؟ هل ستنكر انك كنت تراقبني ؟
وضع يديه في جيبيه و هو يقول ببساطه :
_ لا لن افعل ، بالفعل كنت اراقبك ، ولكن ليس خلسه ، فإن أردت أنا أن أراقبكِ خلسه لم تكوني لتمسكي بي أبدا .
احمر وجهها من شده الغضب و هي تقول :
_ انت قليل الذوق .
_ الجميع يقول هذا .
كادت تجيبه ولكن قاطعها خروج راسيل من المكتب و خلفها ذلك المدير غريب الأطوار ، مد يديه ليصافح راسيل و فعلت هي المثل و علي وجهها ابتسامه هادئه ، زفرت آيلا بإرتياح و قد بدي علي راسيل انها رفضت العمل ، ف هي حتما لا تستطيع تخيل نفسها تعمل في نفس المكان مع ذلك الوقح - إيريك - أبدا ، توجهت إليها و كادت تتحدث ولكن راسيل لم تعطيها فرصه و هي تسحبها خلفها خارجه من الشركه بأكملها .
توجه إيريك ناحيه فاليريو الذي كان يتعقب أثر مارسيا حتي غابت عن الأنظار ، اقترب منه و هو يري ابتسامه هادئه مرتسمه علي وجهه :
_ ماذا حدث ؟ هل أقتنعت ؟
_ ليس بعد ، علي كلٍ أخبر السكرتيره أن تجهز مكتب لها و لصديقتها .
قالها و هو يدخل الي المكتب ، دخل إيريك ورائه و هو ينظر اليه باستغراب :
_ لم أفهم ، الم تقل انها لم تقتنع ؟
خلع فاليريو سترته ليبقي بقميصه الاسود ثم فك أول ثلاثه أزرار لتكشف عن بدايه صدره الذي زينه عظام الترقوه ، جلس بأريحيه علي الأريكه الكبيره التي كانت في احدي زوايا المكتب و هو يقول بينما عقله مع اللحظات القليله التي قضاها معها :
_ لم يسبق لي يوما أن أردت شيئا و تركته الا قبل أن يصبح لي ، و إن أستطعت الامساك بها لن أتركها الا و أحدنا جثه .
ابتسم ايريك بخبث و هو يتذكر انها لن تأتي بمفردها ، بل ستكون صديقتها آيلا برفقتها ، جلس هو الاخر علي الطرف الآخر للأريكه و هو يقول :
_ يبدو أنني سأتسلي كثيرا .
هكذا و جلس كلا منهما مقابل بعضمهما ، جسداهما متواجدان بالمكتب و لكن عقلهما ما زال عالق في عده لحظات .. عده لحظات سرقوها من الزمن كانت كافيه لتجعلهم عالقين بها للأبد .
-
أغلق الحقيبه و هو يتأكد انه وضع جميع ما يحتاج بها ، وقف امام المرآه ينظر الي نفسه قبل ان يبدل ثيابه ، لا يعرف لما يفعل هذا ، هو فقط لا يستطيع التوقف عن ملاحقتها في كل مكان ، لقد كان يراقبها منذ سنين ، و الآن قد سنحت له الفرصه ليتقرب منها ، و لن يدع تلك الفرصه أن تفلت من بين يديه .
اخرجه من شروده صوت فتح باب غرفته ، نظر ناحيه الباب و هو يعلم من اقتحم غرفته ، و من سيكون سواها؟
رفعت احدي حاجبيها و هي تنظر الي الحقيبتين بجانبه ، نظرت اليه و بتساؤل :
_ إلي أين؟
توجه علي خزانته و هو يخرج ملابسه لكي يستعد للذهاب :
_ سأسافر .
_ و لما لم تخبرني ؟
توقفت يديه عن البحث في الخزانه ثم التفت اليها و هو يضحك بسخريه :
_ ماذا ؟ ايجب علي استئذانك ام ماذا ؟
نظرت اليه بتوتر و هي تفرك بكفيها ، فـ بالرغم من كل شيئ هي تخافه ، تخاف مزاجه الدائم التقلب ، اقتربت منه و هي ترسم علي وجهها ابتسامه حاولت جعلها لطيفه :
_ لم أقصد ذلك ، و لكنني قلقت عندما رأيت الحقيبتان الكبيرتان ، الي اين انت ذاهب ؟
تنهد و هو يحاول اخراج ما سيقوله بهدوء :
_ ستأتِ معي ، لن أتركك بمفردك .
ابتسمت بدهشه و نظرها معلق عليه ، فقد اعتادت منه علي السفر الدائم ولكن ولا مره طلب منها الذهاب معه ، شعرت بالسعاده تسري بداخلها ، سألته و الفضول بدأ ينهش بها :
_ إلي أين ؟
_ إيطاليا .
اختفت الإبتسامه تدريجيا من علي وجهها بينما عينيها تنظر لأعمق جزء بعينه ، صمتت قليلا منتظره منه اخبارها بأنه يمزح ، و لكنه كان جادا ، جادا للغايه ، الشيئ الذي أثار ذعرها ، ازدردت ريقها و هي تقول :
_ هـ .. هل تمزح معي ؟ ماذا تقول ؟ إيطاليا كيف ؟
_ " إيلي " ، سنعود الي إيطاليا اليوم ، و لديكِ ساعتين فقط لحزم حقيبتك ، هي أسرعي قب ..
_ أنت ما اللعنه اللتي تتفوه بها ؟ كيف سنعود الي إيطاليا ؟ هل أنت مجنون ؟
نظر لها بملامحه البارده و هو يقول :
_ سأعتبر أن ما تفوهتِ به للتو ناتج عن صدمتك و لن أحاسبكِ ، و الآن كما أخبرتك لديكِ ساعاتان .
نفت برأسها و قد بدأت الدموع بشق طريقها علي وجنتيها :
_ لا .. لا ، لا أستطيع ، هو .. هو سيكون هناك ، لن أستطيع مواجهته ، سوف يقتلني !
مد يديه يربت علي شعرها و هو يحاول تهدئتها :
_ إيلي أنظري إلي ، انا سأكون هناك معك ، لن يتجرأ علي لمسك مهما حدث ، صدقيني لن يستطيع إيذائك ابدا ، ثقي بي .
_ أنا خائفه ، أرجوك لا أريد الذهاب ، ولا أريدك أن تذهب ارجوك دعنا نبقا هنا ببريطانيا كما نحن .
مسح دموعها و هو ينظر اليها :
_ يجب أن نذهب ، لن نهرب طوال العمر إيلي ، لقد مللت من الهرب ، ثم أنني لا أهابه ، صدقيني أنا فعلت كل هذا و ابتعدت عن إيطاليا لأجلك فقط .
بكت بقوه و هي تقول من بين شهقاتها :
_ ماذا لو وصل إلينا ؟ لن يفعل لك شيئ فأنت تهمه ، و لكن أنا .. لقد أقسم لي .. أقسم منذ ثماني سنوات عندما هربنا و أتينا الي هنا ، أقسم ان و طئت قدمي أراضي إيطاليا مره أخري ، سيحرقني حيه ، سيقتلني صدقني !
_ لا لن يفعل ، و صدقيني أنا لا أهمه ، كل ما يهمه هو النقود و النفوذ فقط ، لا يهتم لأيا منا ، و قد نال ما يريد ، و الآن دعينا نعود لـ إيطاليا .. هناك حيث وُلدنا و ربينا ، هناك حيث ماتت عائلتنا ، دعينا نعود إيلي ، لأجلي .. دعينا نعود و أعدك أن أحميكِ و لو كان المقابل حياتي !
-
رجال ضخام الأجساد .. كل ما تستطيع رؤيته هو رجال ضخام الأجساد ، يرتدون بذلات سوداء و كلا منهم يضع سلاحه اسفل حزامه ، يقفون امام بوابه كبيره لا احد يعلم ماذا تخفي ورائها ، باب لـ قاعه كبيره أعلي احدي اكبر الفنادق بإيطاليا ، لا يمكن حتي للزوار الصعود لهذا الطابق ، لا يستطيع حتي أي شخص الصعود إلي هناك دون بطاقه أشبه بالهويه تسمح للأعضاء فقط بالدخول .
فتح حارس البوابه الكبيره ليدخل إحدي الأعضاء ليكشف ما خلف الباب ، قاعه كبيره للغايه ذات سقف مرتفع مزين برسومات لا تستطيع حتي الفهم ما المغزي ورائها ، و بنهايه القاعه يوجد بار كبير يحوي جميع أنواع الخمور من أجود و أفخم الأنواع ، و خلف الطاوله يوجد نادل تستطيع أن تري العرق يتصبب علي جبينه ، وله كامل الحق .. فمن يقوم بخدمتهم ليسوا بأشخاص عاديون .
موسيقي خافته للغايه تصدح في القاعه و أصوات رجال خشنه هو كل ما تستطيع سماعه ، رجال جميعهم متشحين بالسواد ، أرتصوا جميعا في منتصف القاعه يجلسون علي طاوله طويله للغايه ، منهم من يدردش مع من بجانبه ، و منهم من ينظر لعدو له إضطر أن يجتمع به علي نفس الطاوله ، و منه من ينتظر أقرب فرصه ليفرغ خزينه سلاحه في رأسهم جميعا ، لا يمكنك حقا معرفه فيما يفكرون هؤلاء الرجال ، و بالطبع لا تدعونا نتحدث عن أعمالهم ، ف معظهم رجال أعمال و منهم حتي الأطباء و المهندسون ، تلك الأعمال التي يديرونها ليخفو اعمالهم الحقيقه خلف الستار .
فـ علي سبيل المثال واحدا منهم يدعي " أوليفر " ، طبيب جراح مشهور للغايه في ايطاليا ، يجلس بصمت و هو يدخن سيجارته بهدوء ، شخص يبدو عليه الرقي و الأخلاق ، ولكنه بالحقيقه وغد كبير ، فـ بحكم أنه طبيب إستطاع ادخال العديد من الادويه المميته الممنوعه داخل البلاد ، بالإضافه الي صفقات المخدرات اللا متناهيه ، هذا الرجل وحده كان سبب في موت شباب قريه بأكملها ، و هذه أقل أعماله ، و بالمناسبه .. أوليفر بالمقارنه بجميع الرجال الجالسين فـ هو أرحمهم و أقلهم في عدد الجرائم ، لذا دعونا نكتفي بـ أوليفر كـ مثال بسيط .
نظر أحد الأفراد الي الكرسي الموضوع بمقدمه الطاوله .. كرسي الزعيم ، ثم زفر بنفاذ صبر ، فـ هم ينتظرونه منذ ساعه و نصف و هو لم يأتِ بعد ، كاد يسأل الرجل بجانبه عن سبب تأخره لعله يدري و لكنه صمت فجأه و هو يري الباب يفتح بقوه و الحراس ينتشرو بالداخل في كل مكان ، وقف جميع من في القاعه فجأه يعدلون من ثيابهم و رؤوسهم معلقه علي الأرض ، صمت دب المكان الا من صوت كعوب احذيه الحراس ، ركض النادل بسرعه يغلق مشغل الموسيقي و وقف بإحترام هو الآخر .
و أخيرا دخل الزعيم و بجواره رجل يسير بجانبه و الذي يكون مساعده و خلفهم أربع حراس ، اثنين ورائه و اثنين وراء الرجل بجانبه ، جلس الزعيم علي الكرسي و جلس مساعده علي الكرسي الذي بجواره و الحراس منتشرين خلف مقاعد كلا منهما ، ثم سريعا اغلق الحراس الذين بالخارج الباب .
أخرج سيجاره من علبه السجائر التي كان يضعها بجيبه ، ثم أشعل واحده و استنشقها ، اخرج الدخان من أنفه و هو ينظر الي الرجال الواقفين أمامه رهن إشارته ، رجال جميعهم أكبر منه سنا .. ألا انهم يقفون لهم احتراما و ينتظرون فقط إشاره منه ليجلسوا ، ابتسامه صغيره رُسمت علي جانب شافتيه و هو ينظر الي توترهم ، كاد ينتهي من سجارته فركضت فتاه ناحيته لا يعرف أحد حتي من أين خرجت و وضعت مطفأه أمامه ، أطفئ السجاره بها ثم أخذتها سريعا و وضعت له أخري نظيفه ، ثم أشار للرجال دون أن يتحدث ليجلسوا سريعا في أماكنهم .
نظر بوجوههم جميعا يتفحصهم قبل أن يبدأ حديثه :
_ لقد علمتم بالطبع بشأن ما حدث في صفقه السلاح الأخيره .
أومأ جميع الرجال برأسهم و هم يدرون بالأمر ، فالصفقه الأخيره كانت تحوي سلاح قادم من إحدي الدول الأوروبيه ، و كان المكلف بإستلامها ثلاثه من الرجال الجالسين ، " تايلِر " و " هنري " و" لوكَس " ، و في صباح اليوم وصلت أخبار للمجلس أن السفينه التي كانت تنقل السلاح غرقت في الماء و لم يتبين لها أثر ، و تلك الخساره ليست قليله ، فالسلاح كان ثمنه ملايين الدولارات .
تحدث الرجل الذي جاء مع الزعيم :
_ من كان مكلف بإستلام السلاح هم تايلر و هنري و لوكس ، هل يمكن لأحدا منكم إخبار الزعيم ماذا حدث ؟
تطوع تايلر بالحديث و هو يري التوتر بادي علي وجه كلام من لوكس و هنري و خاصه هنري :
_ سيدي ، لقد اتفقنا علي أن يكون مكان تسلمنا للسلاح عند ميناء " تشيفيتافيكيا " كما المعتاد ، و ذهبت انا و هنري و لوكس الي الميناء و معنا الرجال و النقود و السيارات التي سنعبئ السلاح بها ، و وقفنا ننتظر قدوم السفينه الي انها لم تأتي ، بعد ساعه اتصلت أنا بـ " جايدن " الذي كنا سنشتري منه السلاح اسأله عن سبب تأخر السفينه ، لكنه أخبرني أن السفينه غرقت بالسلاح ثم بع ..
أشار الزعيم له بيده ليكف عن الحديث ، ثم نظر لإحدي الحراس ليومأ برأسه و هو يفهم مقصده ، اخرج الحارس هاتفه و هو يقوم بمكالمه ما ثم وصل هاتفه بشاشه كبيره تقع في مقدمه القاعه ، فتحت الشاشه لتعرض " جايدن " و هو يجلس علي كرسي و علي وجهه أثار ضربات عنيفه بينما يمسك رجل مسدس يسلطه علي رأسه و رجل آخر يمسك بالهاتف الذي يصوره به ، و الذي اتضح بعد ذلك أنها مكالمه فيديو .
دُهش كل من بالقاعه و هم ينظرون الي الي جايدن ، ذلك الرجل الذي كان المجلس متعاقد معه و يشتري منه السلاح ، بينما كان الزعيم يغلفه ملامح البرود ، و مساعده الذي بجانبه علي شفتيه ابتسامه خبيثه .. ابتسامه تميل للإستمتاع .
عم الصمت في القاعه ليتحدث الزعيم موجها كلامه الي جايدن :
_ هات ما عندك .
ابتلع جايدن ريقه ثم أخذ يسرد ما حدث :
_ لقد اتصل بي هنري منذ شهرين ، و أخبرني بشأن طلبيه الأسلحه التي تريدونها ، بعدها اخبرني ان تلك الصفقه هي أكبر صفقه قمنا بها حد الآن ، ثم أخبرني أننا ان أخذنا السلاح و قمنا ببيعه بشكل متفرق سيكون المكسب أكبر و أنه يمكنه مساعدتي في ذلك ، أخبرته انني لا استطيع رفض أن ابيعك السلاح و لكنه قال لي أن لا ارفض و احضر السلاح بالفعل ، و لكننا لن نسلمه لك و سنخبرك بأن السفينه غرقت ، أخبرته ان هكذا خطه غبيه لن تمشي علي سيادتك ، و لكنه أخبرني انه يملك طرق ستُنجح من الخطه ، ثم نفذنا الخطه .
اخرج الزعيم المسدس الذي كان في حزامه ، وضعه علي الطاوله و هو يديره بهدوء و كأنه يلعب علي أعصاب هنري ، و قد كان بالفعل ، ابتلع هنري ريقه ثم وقف و هو يحاول التبرير :
_ سيدي أنه كاذب ، أنا .. أنا لم أفعل شيئ انه يكذب اقسم لك .
_ أتظن أن باستطاعتك استغفالي ؟ هل أكذب تسجيل المكالمه و أصدقك ؟
قالها الزعيم و هو يدير المسدس علي الطاوله ، شعر هنري أن جميع أبواب النجاه اغلقت من حوله ، بينما الرجال حوله منهم من ينظر له بشفقه و منهم من ينظر بشماته ، سار هنري ناحيه الزعيم ثم انحني علي ركبتيه و عيناه مليئتان بالدموع ، نظر الي الارض و هو يتحدث بصوت مرتجف :
_ سيدي .. اعلم أنني أخطأت بحقك ، سامحني أرجوك لن يتكرر هذا الخطأ مجددا ، أنا علي استعداد ان انفذ جميع ما تريد ولكن ارحمني ارجوك ، سأفعل كل ما بوسعي لتغفر لي خطأي .
و ضع الزعيم قدمه فوق الاخر و حذائه مسلط في وجه هنري تماما كـ نوع من الاهانه ، بينما امسك بالمسدس يلوح به يمينا و يسارا :
_ أتعلم ماذا ؟ أنا رئيسكم منذ اثني عشر عاما ، هل رأيت احدا في مره استطاع خيانتي ؟ سأجيب بدلا عنك ، لا ، فـ أنا أقتل من يفكر مجرد تفكير في خيانتي ، ما بالك بخيانتي بالفعل ، ناهيك عن أن لم يستطع احد خيانتي الي الآن ، و لكني بانتظار من يستطيع فعلها .
تحدث هنري بصوت خفيض :
_ سامحني ارجوك !
_ هل رأيتني في مره أعطي لشخص فرصه أخري؟ لا لم أفعل ، أنا لا اعطي فرصتين لأي شخص ، أمامك فرصه واحده منذ أن تبدأ العمل معنا ، أما ان تعمل كما أحب و تبتعد عن غضبي ، و اما ان ينتهي بك الحال ميت تحت قدمي كما حدث مع من قبلك .
علم هنري أنها نهايته حتما بلا شك ، لذا قرر اختصار نهايته :
_ كل ما أطلبه منك ألا تؤذي زوجتي و ابنتي ، افعل بي ما شئت و لكن ارجوك اتركهما و شأنهما .
انقلبت ملامح الزعيم من البرود التام الي ملامح يعرفون جيدا ماذا تخفي ورائها ، انزل قدمه ثم وقف و هو يسحب زر الأمان موجها المسدس علي رأس هنري :
_ أنظر إلي .. يبدو أنك لا تعرف من أكون ، أنا " فاليريو موروني " ، زعيم ذلك المجلس القذر ، أنا من يقال عني شيطان العالم السفلي ، أنا من يقال عني انني بلا رحمه ، صدقني أنا اقذر مما تتوقع انت ، و ماذا تنتظر من شخص يقود أوغاد مثل الجالسين هؤلاء ؟ هؤلاء الرجال الذي غطي الشيب شعورهم و العجز ملامحهم ، اولئك الرجال الذين هم بالفعل مجرمين من قبل أن آتي أنا علي تلك الحياه ، و أنا بالكاد بعمر أصغر أبن لهم ، أتري كيف يتصببون عرقا في مجلسي ؟ أتري كيف يفركون ايديهم بتوتر ؟ هم حتي يخافون الحديث عني لا بالخير ولا بالسيئ ، انت و جميع من ينتمي الي تلك المنظومه .. اعلم كم نفس تتنفسونه باليوم ، اعلم عنك اشياء صدقني انت نفسك لا تعرفها ، ان ظللت تتخيل مدي قذارتي لستين سنه قادمه لن تتخيل ابدا ، اتري ذاك الرجل الجالس خلفي ؟
لوح له الرجل الجالس خلفه بإبتسامه واسعه و الذي لم يكن سوي ايريك ، ينظر له بسعاده بمعني انا المعني بينما فمه ممتلئ بالتفاح الذي وضعه له النادل ، اكمل فاليريو حديثه :
_ هذا صديقي منذ أن كنت في الرابعه من عمري ، و ان خيرتني بين قتله و قتل امرأه انا حتي لا أعرفها ، اتعلم من سأقتل ؟
وضع ايريك يده علي خديه و كأنه خاجل ، قبل ان يكمل فاليريو حديثه :
_ سأختار أن أقتل إيريك .
سعل ايريك بقوه و هو يشعر بأن التفاح علق في حلقه ، بينما ينظر الي فاليريو بحقد ، اكمل فاليريو حديثه :
_ مهما بلغت من سوء و قذاره لن أقتل أمرأه في يوم .
ضحك هنري باستهزاء ، و كأنه قد فقد عقله و لا يهتم بشأن موته ، ثم همس بصوت كالفحيح :
_ اذا ما يقال عنك صحيح ؟ لقد قتلت والدك و من أجل امرأه !
ابتسم فاليريو و هو ينظر الي هنري ، بينما جميع الرجال في القاعه كانو ينظرون الي هنري بغباء ، فبدلا من ان يطلب منه السماح يستفزه بذاك الشكل الغبي ، تعجب الجميع من فاليريو الذي لم يغضب بل فقط اكتفي بابتسامه واسعه ، تحدث فاليريو بعد مده :
_ كنت اود ان أخبرك ان توصل سلامي لها ، و لكنها لن تكون في الجحيم معك .
انهي كلماته و هو يوزع عده طلقات في جميع انحاء جسد هنري ، حتي فرغت الخزينه بالكامل ، القي فاليريو المسدس ارضا و سار للخارج قبل ان ينفجر غضبا ، بينما ايريك ذهب خلفه و كاد يخرج ورائه الي انه التف سريعا الي لوكس و تايلر و عيناه تبرقان بغضب :
_ لن تذهبا الي مكان قبل ان نتأكد من برائتكما من الامر ، و ان لم يحدث ف اعتبروا انفسكم موتي .
-
دخلت الي غرفه الفندق بهدوء ثم اتجهت للمطبخ سريعا تحضر بعض الماء تروي به ظمئها ، اتجهت آيلا هي الأخري لترتوي ثم قالت و هي تصب لنفسها الماء :
_ لا أصدق انني تخلصت من ذاك المزعج .
عقدت راسيل حاجبها و هي تسألها :
_ أي مزعج ؟
_ ذاك صديق المدير لا ادري ما اسمه .
قالت راسيل و هي شارده :
_ اسمه فاليريو .
_ بربك لا اهتم ، المهم انني تخلصت من صديقه .
_ و من قالك لكِ انكِ تخلصتِ منه ؟
شربت آيلا الماء دفعه واحده ثم قالت :
_ لما سأراه مجددا بعد رفضك للعمل هناك ؟
_ و من أخبركِ انني لن اعمل هناك ؟
-