الأمِيرُ المُقنَع🎭

Autorstwa kami5kaze

10.5K 630 522

_هُنَاك رَجُلين،أحَدُهما أمِيرٌ و يكُون زَوجِي، و الآَخر صَائدُ جوَائِز خطِير و يُريدُني أيضاً. الفَرقُ الوَ... Więcej

01:حرةٌ مِن جديدٍ
02:الملِكة بِينِي لَا يُستهَانُ بِها
03:الأَمِيرُ المُقَنَع و الفَتَاةُ فِي مِحنَة
04:مَا يقبَع خلفَ القِناعِ
05:تحتَ الحِمَايَة
06:أُحبُك و لكِن
07:لُغةُ الجَسدِ هِي لُغتنا اليَوم
08:الجَانِب الآَخر
09:اللِقاء المُنتَظَر
10:تَفَاوُض،تَنازلَات،شُرُوطٌ ثُم اِتِفَاق
10.5:تَفَاوُض ،تَنازلَات ،شُرُوطٌ ثُم اتِفاق
لَمحةٌ من المَاضِي
11:إِنعِكَاسٌ

12:قُوةُ الحُب

197 17 35
Autorstwa kami5kaze


الفصلُ الثاني عشر.

الفصل فيه أكثر من 10000 كلمة، إقرأوا على مهل.

°°°°

حانة إدوارد عادة ما تكون مكتضة بالزبائن، لكن اليوم مختلف. الحانة فارغة من الأرواح، و ساد هدوء شديد على المكان، تم تنظيمه و تنظيفه بدقة، و كل شيء بدأ باللمعان بسبب الأضواء التي تنعكس فوق السطوح.

غادر الجميع بإستثناء بينيلوبي.

جلست على الكرسي أمام إدوارد في مكتبه. كانت أكثر من سعيدة لتقديمها المساعدة رفقة ميليندا، أنطوني و نامجون، حيث قاموا بتنظيف الحانة جيدا حتى صارت تلمع.

هذا اليوم بالنسبة لإدوارد مميز، و لا يملك الحق في ارتكاب الأخطاء، اليوم سوف يزوره والد حبيبته إيشيكا ياماموتو، و لا يستطيع خذلان عشيقته، فهو يريد أن يكافح من أجلها حتى لو تطلب ذلك إرضاء والدها القاسي و الصارم، و هو يدرك ان ذلك الرجل العجوز اللئيم لن يضيع أي فرصة للإهانته و التقليل من شأنه حتى يثبت له أنه لا يستحق إبنته.

بعد أن علمت بينيلوبي بذلك، ساعدتهم على التنظيف و قاموا بذلك عن طريق إستخدام فرشاة الأسنان، قاموا بفرك كل البقع التي لا يمكن للفرشاة الكبيرة الوصول إليها، و قاموا بتلميع الأواني الزجاجية حتى صارت جديدة.

راقبت بينيلوبي إدوارد بينما يصفف شعره ماسكا المرآة حتى يرى نفسه، و كانت تبتسم طوال الوقت. أعجبها هذا الجانب من إيدي، فرؤيته يبذل كل ما في وسعه من أجل حبيبته جلب لها السعادة،و تمنت لو جاك كافح من أجلها بنفس الطريقة.

جاك لم يعد كما تعرفه، لقد تغير، لم يعد يحبها و أنشأ مسافة طويلة بينهما، حين أخبرته أنها ستلتقي بجونكوك لتعقد معه صفقة، لم يصدر أي ردة فعل. كل ما فعله هو مراقبتها في صمت، ثم أومأ لها. فشعرت بالألم، و إعتقدت أنه ربما حبه بدأ بالنقصان و الزوال ببطئ.

تلك الليلة قبل أن تلتقي بجونكوك، فكرت و راجعت كل شيء في عقلها. فكرت في تصرف جاك و بروده. ثم فكرت بحالتها مع جونغكوك، تذكرت الوعود و الشروط التي اتفقا عليها قبل زواجهما، و الظروف التي دفعتها لترك القصر و الهروب من مسؤولياتها.

الواقع صفع عقلها بقوة من حيث لا تدري، و انتهى بها المطاف تعود إلى الواقع و الإدراك. تمكنت من التمييز و رؤية أين أخطأت، و اعترفت بأخطائها و تقبلت حقيقة أنها مذنبة أيضاً.

و قررت أن تصحح أخطائها.

لا مزيد من الهروب و البقاء في عقلية الضحية.

وضع إدوارد المرآة فوق مكتبه ثم نظر إلى بينيلوبي التي سرحت في أفكارها، فتحدث معيدا إياها إلى الواقع.

_شكرا على المساعدة پيني، ذوقك في الملابس راقي و أنيق.

ابتسمت له ثم أجابته مدعية الفخر و الغرور

_انا اعرف ذلك.

قهقه على تصرفاتها، ثم حدق فيها مطولا، هو على علم انها تتدعي السعادة، و انها تمثل بتصرفاتها تلك حتى لا تخرب الجو و تنشر السلبية، لكنه شعر بالفخر أيضاً لأنها قوية و لا تعطي الفرصة لمشاكلها بتخريب كل شيء.

_هل ستأتي إيشيكا مع والدها أم أنه سيأتي لوحده؟

سألته بيني بفضول، لم يمانع إجابتها.

_سوف تأتي معه، و هذه أول مرة أقابلهما معا في نفس الوقت ، إيشيكا أخبرتني ان والدها يخطط لشيء ما، و هذه المرة أحس بأن الأمور سوف تميل إلى الأسوء.

_لمَ تعتقد ذلك؟

_والدُ إيشيكا لا يحبني، و بالتأكيد يكره رؤيتي مع إبنته، عندما أقابله دائماً ما يحرص على التفريق بيننا، هو لا يتحمل رؤيتي في نفس المكان او حتى تنفس الأكسجين الموجود في الغرفة حيث تتواجد إبنته.أحيانا اعتقد انه يكرهني أكثر من الأشخاص الذين حاولوا قتلي. لهذا السبب إستغربت حين اتصلت بي إيشيكا و أخبرتني ان والدها يريد مقابلتي و انها ستأتي معه.

بعدما شرح إدوارد سبب قلقه و استغرابه من هذا اللقاء، بدأت بالتفهم أيضاً، لكن ما لم تستطع فهمه هو تصرف إيشيكا حيال الأمر، فحين إلتقت بها، تمكنت من الإحساس بحضورها القوي و هيبتها الصلبة، بدت كإمرأة صارمة و قوية، في عينيها بدت مثل اللبؤة. زعيمة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.و أين هي هيبتها تلك الآن؟، كيف تقبلت الخضوع لوالدها و تركه يتحكم بحياتها العاطفية كما يريد؟

وعت على نفسها و أدركت انها تحكمُ عليها دون سماع جانبها من القصة. طردت الأفكار السيئة التي كادت تفسد الصورة الجيدة التي بناها عقلها حيال إيشيكا، و قررت أن تسألها بدلا من إنشاء أفكار سيئة عنها.

وقفت، فموعد مغادرتها قد حان، هذه المسألة لا تعنيها و لا يفترض بها التدخل في ما لا يعنيها، وجودها هناك لن يزيد إلا الأمور سوءً. أعطت إبتسامة وداع لإدوارد و تمنت له الحظ ثم غادرت الحانة و تركت إدوارد ليتعامل مع أموره الخاصة.

°°°°

الساعة كانت تشير إلى الثانية عشر زوالا، اتفقت بينيلوبي مع أصدقائها بالإلتقاء في موعد الغداء ليتسكعوا معا. و حين إجتمعت معهم، أحست بالتوتر الغريب الذي طغى على الجو بينهم. علمت أنها ليست السبب، و تأكدت من شكوكها حين راقبت ميليندا و أنطوني،ثم نامجون الذي إستمر في النظر بينهما.

حدث شيء ما، و هي لا تعلم.

دخلوا إلى مطعم و اختاروا طاولة منعزلة، و بعد أن تموضعوا في أماكنهم، قررت أن تسأل عن السبب وراء ذلك التوتر و السكوت الغير عادي.

_هل حدث شيء ما؟

تنقلت ببصرها بينهم في انتظار لإجابة، و. كل ما حصلت عليه في المقابل هو مزيد من السكوت المزعج و التجاهل.

رفعت حاجبها الأيمن ثم قررت أن تختار ضحية من بينهم حتى تجعله يمر من خلال إستجوابها التعذيبي و بالتأكيد، نامجون هو الضحية. وجهت له سؤالها داخلة في الموضوع، بدون لف و دوران.

_أخبرني!

تردد في البداية، و رمى بضع نظرات بين ميليندا و أنطوني كأنه يبحث عن موافقتهما، لكن كلاهما ينظران في اتجاهات مختلفة، يحاولان تجاهل هذه المحادثة.

تحدث نامجون بعد أن شابك أصابعه على الطاولة.

_هذين الإثنين تخاصما في الليلة الماضية، هذا كل ما اعرفه.

نامجون كان يكذب، هو يعرف كل شيء، و بينيلوبي تمكنت من معرفة ذلك، لكنها لم تضغط عليه للمزيد من المعلومات و بدلا من ذلك قالت.

_لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة اجتمعنا هكذا. لنترك كل مشاكلنا في زاوية و دعونا نستمتع بهذا اليوم، لحظات كهذه ثمينة، و لا ندري ما قد يحدث في المستقبل و يجعلنا غير قادرين على الجلوس هكذا معا.

تحدثت من قلبها، و كلامها حمل معاني كثيرة، لم يدروا ما عنتهُ في الحقيقة، لكنهم تفهموا كلامها. ميليندا و أنطوني نظرا إلى بعضهما البعض، و في عيونهم لمعت العاطفة، و الشوق. كلاهما قررا ترك مشاكلهما الخاصة و الإستماع بهذا اللقاء.

ابتسمت بينيلوبي ثم رفعت لائحة الطعام و سألتهم.

_إذا، مالذي تريدون تناوله؟

أجابتها ميليندا بابتسامة.

_انا سأطلب طبق من الأرز و الدجاج المحمر.

أومأت بينيلوبي ثم نظرت إلى أنطوني الذي وضع لائحة الطعام بعدما أختار ما يريده بسرعة، و أجاب بابتسامة.

_انا سأطلب الباستا.

نظرت إلى نامجون، و كالعادة لا يعرف ما يريد، في كل مرة يخرجون فيها، يستغرق الكثير من الوقت حتى يقرر ما يريد تناوله، لم يعد الأمر يزعجهم، لأنهم أعتادوا عليه الآن. و في الأخير قرر تناول نفس ما طلبته بينيلوبي.

بينما يتناولون طعامهم ،سمعت بينيلوبي نبرة صوت مألوفة، تعرفت على صاحب الصوت، و رفضت النظر خلفها لأنها لا تريد أن يتعرف عليها. أنزلت رأسها و أخفت وجهها بشعرها الطويل.

لكن محاولتها في الإختباء باءت بالفشل.

_انظروا ماذا لدينا هنا؟!

تحدث بصوت عالي عمداً، حتى يستقطب الجميع. و لم يكن وحيدا، زميله في العمل، ذلك الأصلع اللئيم كان معه. و حاول جذبه و إعادته إلى مكانه قائلا:

_توقف عن ذلك في الحال!

يده كانت ملتفة حول معصمه، فاستدار إليه و نزع يده بكل هدوء قائلا :

_انا محقق، و علي تفتيش المشاغبين عندما أراهم.

رد عليه الأصلع بانزعاج.

_لم يفعلوا أي شيء، أنهم يأكلون فقط سوكجين.

هز سوكجين رأسه، شعر باليأس لأن زميله لا يفهم هذا النوع من الأمور و لا يعرف نوع المتعة التي يجلبها عندما يستعمل منصبه كمحقق لصالحه.

إقترب من المجموعة ثم وقف خلف بينيلوبي، إستمرت في تجاهله و لم يرقه ذلك، فوضع يده على كتفها ثم لان نحوها و همس لها بجانب أذنها.

_لماذا تتجاهلينني ؟، هل تخفين شيئاً؟

أغمضت عيونها و زمت شفاهها بانزعاج، ببطء ،وضعت ملعقتها على الطاولة ثم إلتفتت نحو المحقق الذي يحب التنمر عليها كلما رآها. وجهه ذو التعابير الخبيثة لم يكن بعيداً جداً عن وجهها، و تخيلت نفسها في عقلها تضربه برأسها، لم تسمع لتلك الأفكار الشيطانية خوفاً من قيامه بالقبض عليها و زجها في السجن مرة أخرى، و هي تعلم أيضاً أن ذلك كل ما يريده أن يحدث.

فرضت على نفسها الإبتسامة، و ردت عليه بهدوء.

_مالذي تريده؟

_أريد فقط أن أسأل عنك، لا يمكنني؟

رفع حاجبه عند سؤاله، متناسيا وجود أصدقائها، كل ما يهمه هو إزعاج بينيلوبي. و لن تسمح له باللعب بأعصابها مثلما فعل آخر مرة رأته.

آخر مرة رأته هو عند خروجها من السجن، و قبل ذلك بثلاثة أشهر، قام بالقبض عليها و إلقائها فيه. هي بريئة، تم تلفيق بعض التهم عليها، و هو بكل سرور تولى قضيتها حتى ينتقم منها بعد أن رفضته. فكبريائه و غروره الكبيرين لم يتحملا ذلك الرفض. و شعر بالرضى حين رآها بملابس السجناء، و قد تعرضت للتنمر هناك من قبل بعض النساء السيئات الاتي شعرن بالغيرة من صدرها الكبير. و لم يزده ذلك إلا سعادة.

حافضت على إبتسامتها ثم أشرت نحو كرسيه الذي تركه، ثم نبست له:

_أجلب ذلك الكرسي و دعنا نحظى بمحادثة.

إستغرب من كلامها و رفع حاجبيه، هو غير معتاد على هذه المعاملة العادية من طرفها، فعادة، كلما إلتقيا تخاصما، و نبرة صوتها دائماً ما تكون عدائية إتجاهه، و لهذا السبب شعر بالغرابة حين تحدثت إليه بهدوء طالبة منه أن ينظم إليها بينما هي في العادة تطلب منه المغادرة و الإبتعاد عنها. فهم ما تحاول فعله، فسرعان ما زال الإستغراب من وجهه و أُستُبدل بابتسامة خبيثة و متحمسة و بكل سرور قرر أن ينظم إلى لعبتها، سحب كرسيه و أضافه إلى طاولتهم ثم جلس بجانبها، و تحدث مع البقية مدعيا الإهتمام المزيف.

°°°°

منزل جاك هذه الأيام صار هادئ بشكل لم يحبذه كارلوس. سيده أصبح هادئ أكثر من المعتاد، مزاجه السيء أصبح رمادي و تنبثق منه طاقة مظلمة و خطيرة. تمكن من معرفة أن عقل جاك تزدحم فيه الأفكار و أن رحيل بينيلوبي أثر عليه بشكل سلبي. لكن ما لا يعرفه، و لا يفهمه هو تقبله للأمر، لم يصدق أن جاك تخلى عن بينيلوبي بتلك السهولة و لم يقاتل من أجلها كما وعدها.

كان يفكر في جاك و بينيلوبي بينما يجهز الشاي في المطبخ، و حبلُ أفكاره قُطع حين سمع جرس باب المنزل يرن. توقف عن صب الشاي في الكأس، و ألقى نظرة نحو الباب المُغلق، تملكه الشك، فلم يمر الكثير من الوقت على خروج سيده من المنزل و قد أخبره أنه لن يعود حتى موعد العشاء.

وضع ما بيده على سطح المطبخ ثم إتجه نحو الأدراج التي تحتوي على الملاعق و السكاكين، فتح الدرج الأول و أفرغ محتواه على السطح، ثم رفع قاع الدرج و كشف عن الأسلحة المخبأة في التحت إختار سلاحا أعجبه و تفقد خزانه، وجده مملوء بالرصاص فشعر بالرضى و أومأ برأسه لنفسه ، ثم أعاد كل شيء إلى مكانه بإستثناء السلاح الذي إختاره.

توجه نحو الباب و حين وصل إليه، ألقى نظرة عبر الثقب ليتفقد هوية الطارق، و حين تعرف عليه بدأ القلق في تملكه، طال إنتظاره أمام الباب لأنه استغرق في التفكير محاولا التوصل إلى قرار ما إذا كان سيفتحه أو لا. و بعد تفكير طويل قرر أنه من الحكمة أن يفتح الباب، فَفَتْحُ الباب أو عدمه لن يؤدي إلا لنتيجة واحدة.

أدار قفل الباب ثم فتحه بهدوء، في العتبة، وقف مايسون و بجانبه توأمه جايسون. ملامح وجههما طبق الأصل، لكن هناك أختلاف ضئيل سمح للناس بالتفريق بينهما. جايسون يملك ندبة على وجهه، و عيونه حادة، مايسون وجهه صاف، و خال من الندوب و عيونه ألطف من جايسون.

خرج كارلوس إلى عتبة الباب، و لم يفشل في التصرف بنبل كما يفعل دائما. حتى عند غياب سيده يستمر في آداء واجبه على أتم المثالية.

يديه المغلفتين بقفازين وضعهما على معدته واحدة فوق الأخرى، سلاحه مخفي داخل كمه، و تحدث بلباقة إلى التوأمين.

_مرحباً أيها السادة، كيف لي أن أساعدكما؟

إختار مايسون تولي الحديث كالعادة، فهو التوأم الذي يتمتع بالمهارات الإجتماعية و الذكاء الزائد، و جايسون إنطوائي و يفضل آداء أعماله في صمت و هدوء.

_كارلوس، نحن هنا لتلبية أوامر الأمير.

فور أن سمع كارلوس كلمة 'الأمير'، تغيرت ملامحه بعض الشيء إلى الإنزعاج الشديد. نظر في الأرجاء بحثا عن أي أثر لوجوده و لم يعثر على أي شيء، و لم يمنعه ذلك من طرح السؤال على مايسون.

_هل هو هنا؟

هز مايسون رأسه رافضا، ثم تحدث قائلا :

_قام بإرسالنا إلى هنا من أجل تسليم رسالة إلى جاك بلاك.

إلتفت مايسون نحو أخيه و أعطاه 'النظرة'. النظرة التي لا تحتاج إلى الشرح. فأقحم جايسون يده في جيب معطفه و أخرج رسالة أنيقة تحمل الطبع الملكي.

إرتفع حاجب كارلوس الأيمن، تعرف على ذلك الطبع فوراً، لكنه استغرب قليلاً، و قبل أن يتلفظ مايسون بأي كلمة، توصل إلى إستنتاج في عقله.

مد مايسون يده التي تحمل الرسالة إلى كارلوس و أخبره باختصار :

_هذه الرسالة مكتوبة من طرف الأمير جونغكوك، و هي موجهة خصيصاً لجاك السفاح.

عاد حاجبه إلى مستواه العادي، فكما إستنتج في عقله، مايسون أخبره نفس ما ورد في عقله من أفكار. لكن هذا أمر لا يدعو إلى الخير، رسالة مكتوبة بيد الأمير، خصيصاً لجاك؟. أحس كارلوس بعدم الراحة و أن محتوى الرسالة سيقوم بجعل كل الأمور أكثر سوءً، و ربما... فقط.. ربما!.. قد تؤدي إلى إندلاع حرب فتاكة و النتيجة ستكون كالتالي : الكثير من الأرواح المزهوقة.

رغم معرفته بمدى خطورة تلك الرسالة، إستلمها كل أناقة و نبل، و شكر مايسون و أخاه بكل طيبة و أخلاق راقية، و كأن الحرب ليست على وشك الإندلاع.

_أشكركما على إيصال هذه الرسالة المهمة أيها السادة ، سأحرص على إعطاءها للمعني بالأمر.

أومأ مايسون له، و شعر بنوع من الإحترام و التقدير نحو كارلوس، هم أعدائه و أعداء سيده، و بالرغم من ذلك إختار التعامل معهم بنبل و إحترام. إلتفتوا ثم عادوا حيث أتوا تاركين كارلوس أمام عتبة البيت واقفا، لم يعد إلى المنزل حتى تأكد أن لا أحد هناك و أنه حين يلتفت و يكشفُ ظهره لن يتم إغتياله بالرصاص.

بعد دقائق، قرر ان يعود إلى المنزل، لكنه لم يستدر، تراجع نحو الوراء ببطء حتى دخل إلى المنزل، ثم بهدوء، قام بإغلاق الباب و عاد إلى شايه الذي تركه فوق الطاولة قبل أن يبرد.

وضع الرسالة داخل بذلته الأنيقة، توصل إلى إستنتاج أن رسالة في غاية الأهمية مثل تلك، لن تكون في أمان إلا داخل جيبه. تملكه الفضول الشديد و أراد أن يعرف محتواها. لم يسبق له و ان قام بالتعدي على خصوصية سيده، و لا يملك الجرأة في فتحها. و حين جلس أمام الطاولة و بين يديه كوب الشاي، فكر في العواقب التي سيجلبها محتوى الرسالة. تمنى في قلبه و عقله ان تكون الرسالة غير خطيرة، و تمنى عندما تحين اللحظة التي سيفتح فيها جاك تلك الرسالة، أن يكون هناك صبر في سيده.

عقله نبش عن ذكرى قام عقله بإخفائها. تذكر ذلك اليوم من الماضي، تلك الذكرى عبارة عن لقاء بين الأمير و جاك. كان يوما مليئا بالدم و الموت. الكثير من الناس ماتوا. و جسد سيده كان يقطر بالدم و الجروح. ذلك اليوم ظهر فيه جانب من الأمير جونغكوك، لم يسبق له و ان رآه من قبل.

الأمير معروف بهدوئه و هالته الكاريزماتيكية، و أحياناً يبتسم إبتسامة ساحرة تجعل الناس يرتاحون له. أدرك في ذلك اليوم ان ذلك مجرد غلاف خارجي يحمله حتى يعرف الناس ما يختبئ خلف قناعه.

الأمير قد يبدو آمن و ساحر، لكنه في الحقيقة يشبه سيده او ربما أسوأ منه.


هو لا يريد لتلك الذكرى ان تحدث مجدداً. و لا يريد أن يشهد على الحرب التي ستندلع بين هذين الإثنين، و لأول مرة منذ أزل طويل، شعر كارلوس بالقلق و الخوف، و لأول مرة منذ أزل طويل، إرتعشت يده و سكب الشاي على الطاولة.

حدق في ذلك السائل الذي لطخ غطاء المائدة الفاخر. تملكه شعور بالخذلان من نفسه، و قام بنزع الغطاء عن الطاولة من أجل تنظيفه قبل أن ينشف و تبقى اللطخة فيه.

°°°°

جاك بلاك وردته بعض المعلومات المهمة التي أرغمته على ترك كل أشغاله و الإهتمام بها. يضع ثقة عمياء في خادمه كارلوس و يثق في قدراته. لهذا تركه في المنزل ليعتني بأشغاله الأخرى ريثما يقوم بمهمة أكثر أهمية.

تركه لكارلوس في البيت يعني شيئا واحداً.

يعني أن مهمته تشمل سفك الدماء و الكثير من العنف.

كارلوس لم يستجوبه و لم يعارض حين أخبره انه لن يعود حتى موعد العشاء. فقد إكتفى بهز رأسه موافقا و شرع في العمل. فبعد سنوات من العيش معا و مرافقته إلى كل مكان تقريباً، أصبح على دراية أي نوع من الأعمال يقوم بها سيده حين يذهب لوحده.

جاك بلاك كان في حانة المجرمين التي جاء إليها في السابق مع بينيلوبي و كارلوس حتى ينفذ عملية قبض مزيفة على كراولي. الحانة كانت مكتضة بالناس، و فور ان ولج إلى الداخل هدأ الضجيج و أصبح تركيز الجميع عليه.

حين يظهر في الحانة عادة يعني إنه جاء للصيد. و أي واحد منهم يمكن أن يكون الفريسة. فقرروا مشاهدته دون إبعاد بصرهم عنه، خائفين من أن يكونوا فريسة له.

إليوت كان يشاهد الوضع بابتسامة مستمتعة. أعجبه ذلك التأثير الذي يملكه جاك أينما ذهب، يعجبه ذلك الخوف الذي يلمع في أعينهم كلما ظهر و سيفه يتدلى من حزامه، خائفين من الموت،خائفين من سيفه الحاد الذي لا تراه بعينك المجردة بل تحس به فقط بعد يقطع لحمك و الأوان قد فات.

شاهد جاك بينما يقترب منه ببطئ حتى صار أمام البار، جلس على إحدى الكراسي ثم إتكأ بذراعه اليسرى و وجه جسده نحو المجرمين الذي يراقبونه بصمت. تحدث إليه إليوت سائلا بصوته الجميل، ذو النبرة الساحرة.

_هل ستصطاد ؟

سأله إليوت، فالتفت برأسه و نظر إلى صاحب العيون الخضراء، ثم أجاب عليه.

_دراغون تايغر.

رفع إليوت حاجبه في تساؤل بينما يقوم بتحضير مشروب لأحد الزبائن، ذلك الإسم بدا مألوفا على مسامعه، و حاول تذكر صاحبه، و بعد لحظات بدأ الإدراك في الظهور على تعابير وجهه، ثم تحدث مجددا بصوت هادئ.

_زعيم النمور؟

اومأ جاك.

_ظننت أنك قتلته؟

إلتفت جاك بكامل جسده نحو إليوت ثم أخذ كأس الشراب الذي مده له صاحب العيون العشبية، ثم أجابه بنفس النبرة الهادئة حارصا على عدم سماع أي أحد من حولهم.

_إتضح أنه حي، و هذه المرة قام بتشكيل عصابته مجدداً بمساعدة شخص ذو نفوذ و سلطة. و يريد الإنتقام مني بشدة.

إحتسى من كأس الشراب و استمع إلى إليوت الذي رد عليه.

_كيف تمكن من النجاة؟ و من يكون هذا الشخص الذي يساعده؟

_الشخص الذي يساعده الآن هو نفس الشخص الذي أنقذه.

_هل تدري من يكون؟

هز جاك رأسه نافيا.

إليوت راوده إحساس سيء حيال الأمر. حقيقة ان جاك لا يعرف من يكون هذا الشخص، يعني أنه سيكون عدو خطير قد يسبب الكثير من الأضرار. و دراغون على الأرجح سيفعل كل شيء حتى ينتقم منه.

_هل يمكنك أن تبحث في الأمر؟

سأل جاك إليوت، فأومأ له موافقا.

مهما كانت هوية هذا الشخص مخفية، سيتمكن من إكتشافها. فهذا ما يبرع فيه،فالناس يأتون إليه من أجل شراء المعلومات، و دائماً، دائماً ينجح في العثور على المعلومات.

_دراغون غير موجود هنا بالمناسبة.

أخبر إليوت جاك، حتى لا يضيع وقته في البحث عنه في الحانة بينما هو غير موجود. جاك إكتفى بهز رأسه له، كان على دراية أن دراغون غير موجود هناك. لقد أتى من أجل شخص آخر، صيد آخر سيقوم بقيادته نحو بقية العصابة. بالنسبة لجاك، هذا يوم صيد كبير، لن يكتفي بقتل شخص أو شخصين فقط، لقد أتى حتى يعيد إحياء ذكرى من ذكريات الماضي، لقد أتى حتى ينعش ذاكرة دراغون مجدداً.

أثناء التفكير في فريسته، كأنه سمع أفكاره و تم إستحضاره من قبل جاك، ظهر الرجل المنشود، لم يكن هناك أي شيء إستثنائي فيه، رجل عادي جداً، جسده نحيف و طويل، و كان يرتدي معطف جلدي يحمل بعض الثقوب بلون بني، بدا و كأن الفئران أكلته في بعض الأماكن ، وكان يرتدي قبعة كلاسيكية مع سروال و قميص بذات النوعية. بدا و كأنه خرج من المجاري بعد سبات طويل.

لم ينظر الرجل إلى جاك، فتأكد هذا الأخير من شكوكه. جاك في البداية لم يكن متأكد من تورط ذلك الرجل مع دراغون، لكن حين دخل و تجاهل وجوده هناك، و إدعى عدم معرفته فهم مباشرة أن ذلك الرجل يعرفه جيداً و قد جاء من أجل التجسس عليه.

تلك الحركة كانت بسيطة، لكنها كلفته الكثير. حركة واحدة صارت خطأ كبير سيجعله يدفع روحه ثمنا له.

إلتفت جاك مجدداً نحو إليوت و سأله.

_صاحب المعطف البني الممزق.

إليوت لم يرفع عينيه من المشروب الذي كان يجهزه، و استمر في خلطه، لم يحتج لطرح الأسئلة. أسئلة مثل 'كيف يبدو وجهه؟'، 'إين يجلس؟'، هو لا يحتاج لذلك. لأنه يعرف كل من في الحانة، و يعرف من يدخل و يخرج، و يلاحظ تحركات الجميع و نواياهم. في اللحظة التي دخل فيها صاحب المعطف البني، رآه مباشرة، نظر إليه لثانيتين فقط، و عقله قام بحفظ شكله و التعرف عليه.

لهذا السبب إليوت يتقاضى الكثير من المال مقابل المعلومات. ذاكرته فوتوغرافية، و قوية مثل ذاكرة الفيل. و قدراته في التجسس قد وصلت إلى مرحلة يتطلب الوصول إليها سنوات كثيرة من التدريب. و لهذه الأسباب، جاك يلجأ إليه و يعمل معه أحياناً.

أجاب إليوت جاك بعدما وضع هذا الأخير المال على البار بطريقة سلسة غير مكشوفة.

_ذلك الرجل هو توماس تايغر. شقيق دراغون تايغر.

_لماذا يبدو و كأنه خرج من القبر؟

سأله جاك بوجه في غاية الجدية، حس الفكاهة لديه غريب جداً، الكثير من الناس لا يفهمونه، هو لا يضرب النكات حتى يضحك الناس، هو يضرب مثل ذلك الكلام حتى يعبر عن الأفكار التي لا يفهمها في عقله.

_لا إعرف إن كان يجدر بي ان أضحك جاك. لا أعرف إن كنت تحاول ضرب نكتة أم انك جدي.

_أنا جدي.

رفع إليوت عينيه و نظر في وجه جاك لجزء من الثانية ثم أعاد أنظاره إلى المشروب الجديد الذي يقوم بتجهيزه. وجه جاك جامد مثل الصخر، لا أثر للمزاح أو المتعة فيه. إليوت لم يسبق له و ان رآه يبتسم أو يضحك. لكنه يعرف القليل عن ماضيه و هو واحد من بين الأشخاص القليلين الذين يعرفون ماضيه.

جاك لم يخبر إليوت أي شيء، هو الذي إكتشف بنفسه تلك المعلومات.بالنسبة له تلك كانت العملية الأكثر صعوبة، لأنه حين يبحث عن المعلومات، لا يأخذ الكثير من الوقت حتى يحصل عليه، و حين فتح تحقيق عن جاك، تطلب الأمر منه الكثير من المجهودات.

ذلك اليوم الذي قرر فيه فتح تحقيق عن جاك، لم يدرِ أن ذلك التحقيق سيكون نتيجة علاقتهم الحالية. لم يدرِ ان تدخله في شؤونه سيؤدي إلى لقائهما و التعارف بينهما. و بالطبع هو غير نادم على تدخله في شؤونه بالرغم من انه كاد يفقد حياته أثناء ذلك.

_سمعت أنك تركت بينيلوبي.

فجأة دون تحذير، غير إليوت الموضوع. أراد أن يجلب بينيلوبي إلى المحادثة من أجل أن يرى ردة فعل جاك. فبعد ان نظر في وجهه و رأى ملامحه و تعابيره الجامدة، تملكه فضول شديد لمعرفة ما إذا كان سيعطي نفس ردة الفعل حين يجلبها. فبشكل ما أدرك ان بينيلوبي ليست فتاة عادية.

فتح تحقيقه الخاص عليها. و تحصل على الكثير من المعلومات التي تزده و لم تنقصه غِنى. شعر بعدم الرضى من محاولاته التي لم تجد نفعا. البحث عن معلومات حول جاك كان صعب و اخذ منه مجهود كبير، و لكن حين بحث عن معلومات حول بينيلوبي لم يتوصل إلى أي شيء، وجد جدار منعه من التقدم و ذلك الجدار منعه من رؤية ما يوجد خلفه.

راقب ردة فعل جاك حين لفظ إسمها. و كما توقع، جاك لم يقع في الفخ، هو أذكى من ذلك. و لكن إليوت يعرف، و هو متأكد ان الفتاة تلعب دورا مهما في حياته. دور أكبر من مجرد عشيقة او حبيبة. و يريد أن يكتشف ما هو دورها و مدى أهميته.

_إنها مشغولة، و انا كذلك.

إكتفى بتلك الإجابة البسيطة. إجابة فارغة من المعلومات و الفائدة.

لم يضغط عليه إليوت، فتركه ليركز على عمله.

بدأ الناس في الحانة بالرجوع إلى نقاشاتهم و محادثاتهم بعد فترة، فقد زال التوتر و الجو الثقيل صار خفيف بعض الشيء، لكن بقوا على أطراف أصابع أقدامهم، و أنظارهم إستمرت في التدحرج أحيانا نحو المكان الذي يجلس فيه جاك.

صَعُب عليهم الشعور بالراحة و نسيان حقيقة انه موجود بينهم. لكن لا يمكنهم الإستمرار في القعود بصمت و مراقبته أيضاً لأن ذلك سيقلل من شأنهم، و لا يرغبون في الظهور بصورة الجبناء.

مرت فترة طويلة، و جاك لم يصدر اي حركة تدل على أنه سيدخل في قتال. فبدأ الشك و التوتر يتسلل إلى أجسادهم مثل العناكب، و حين وقف من مكانه هدأت أصواتهم مجدداً و وضعوا أجسادهم في أهبة الإستعداد للدفاع عن أنفسهم.

لكن كل ما فعله هو المشي بهدوء و بصره مصوب نحو المخرج، صوت أحذيته الكلاسيكية كانت تطرق على الأرضية الخشبية بينما يتجه نحو الباب في صمت حتى خرج و اختفى جسده من أنظارهم. ذلك كان غريب جدا، إليوت لم يعط الأمر أي إهتمام و استمر في إعداد المشروبات، لكنه على علم بما حدث.

إعتقدوا انه من الغريب ان يأتي و يرحل دون فعل شيء. لم يحدث اي قتال، لا جروح و لا موتى.

لكن صاحب المعطف البني وقف من مكانه و دفع ثمن مشروبه و غادر الحانة، إليوت لاحظه حين غادر و أدرك انه ذهب خلف جاك. و تسائل إن كان الفضول هو ما دفعه لتتبع السفاح ام انه يمارس طقوسه المعتادة و هي مراقبته.

أي كان الخيار، فكلاهما سيء.

جاك لم يتوقف، إستمر في المشي متجها نحو مكان ما، لم يعر الإهتمام او الإنتباه لما حوله و توماس تايغر إعتقد ان ذلك غرور و غباء من السفاح. و ما لا يعرفه هو أن جاك بارع في عمله لدرجة أن تايغر لم يلاحظ أنه يتم إستدراجه و ان جاك سلس مثل القط و لا يمكن ملاحظته حين يراقب.

تايغر إبتسم لنفسه ثم إلتفت إلى الوراء حيث تتبعه مجموعة من الرجال المسلحين، أشار لهم بيده و أراهم إبتسامته الخبيثة، فابتسموا له نفس الإبتسامة الخبيثة.

°°°°

المحقق سوكجين أحس بأن هناك شيء غريب يحدث مع بينيلوبي. إعتقد أنها كانت تتلاعب به حين قامت بدعوته ليجلس معهم في طاولتهم، إتضح أنها لم تكن تمزح على الإطلاق. كانت تضحك و تبتسم، و لكن عيونها تحمل بعض حزن يتوارى خلف تمثيلها.

رفع كأس مملوء بالماء و شرب محتواه في ضربة واحدة دون نزع أنظاره عنها. قضى وقت جيد بينهم، كانوا يمزحون و يلقون النكات، لكنه لن يعترف بذلك حتى لو كان يموت و الإعتراف بذلك سينقذه.

بعد أن دفعوا، خرجوا من المطعم معا و عند وصولهم إلى الشارع المقابل، وقفوا هناك لفترة حتى يودعوا بعضهم البعض. عانقتهم واحداً تلو الآخر و عندما أخذت ميلي بين ذراعيها، همست لها في أذنها.

_هذه الليلة سآتي إلى منزلك، و سنتحدث، لدي ما أخبرك به، و انت لديك ما تخبريني به.

غمزت لها بعد ذلك، فاحمرت خدودها، خصيصاً حين لاحظت أن أنطوني كان ينظر إليها.

سوكجين كان يقف خلف بينيلوبي و كان ينتظر ليحصل على عناق أيضاً. لكن بينيلوبي تجاهلته. شعر بالإنزعاج فوقف في طريقها و فتح ذراعيه قائلا.

_ألن أحصل على عناق؟

دورت عينيها باستخفاف ثم أجابت عليه.

_هل نسيت اننا أعداء؟

إبتسم ثم قال لها.

_ظننت اننا عقدنا هدنة اليوم.

قهقهت بخفة ثم فتحت ذراعيها و عانقته. رأت صاحب الرأس الأصلع الذي يقف خلف سوكجين يزم شفتيه في تقزز، أرادت ان تضحك لكنها قمعت تلك الضحكة قبل أن تفر من فمها.

إبتعدت عن سوكجين ثم لوحت بيدها توديعا له ، ثم ذهبت في طريقها.

حين إختفى جسدها من الأنظار، إلتفت المحقق نحو صاحبه الأصلع ثم قال

_هناك شيء غريب يحدث معهم، ألم تلاحظ ذلك يا كريس؟

كريس أومأ له، هو أيضا لاحظ العبوس في وجوههم خاصة بينيلوبي، لقد كانت تحاول بشدة ألا تظهر حزنها لدرجة أنها كشفت نفسها.

المحقق كان يفكر و ينظر إلى الشارع الذي قطعته بينيلوبي، خطرت في رأسه فكرة لكنه تردد في القيام بها. أراد أن يتبعها حتى يعرف ماذا تفعل، فقد مر وقت طويل على آخر مرة تجسس عليها. فبعد التهديد الذي تلقاه من جاك، لم يرغب في خلق المشاكل معه. و في تلك اللحظة التي حاول فيها الإستدارة للرحيل، لمح شخصاً مألوفا سلك نفس الطريق الذي سلكته بينيلوبي.

كان من المستحيل عدم ملاحظة جسد كراولي الكبير، هو طويل جداً و أكتافه عريضة تستقطب الأنظار. سيفه الحاد تدلى من حزامه و تحرك بتناغم مع سيقانه الطويلة. المسافة بينه و بين بينيلوبي كانت طويلة، و قد تعمد إبقاء تلك المسافة بينهما حتى لا تكتشف أنه انه يتبعها. و خطته في البقاء متخفيا إنكشفت بعد أن لمحه سوكجين.

لم يحتج المحقق لقول أي شيء لصاحبه، بل إكتفى بتبادل النظرات معه، و قد فهم ما يريد قوله دون أن ينبس حرفا. إبتسم المحقق باستمتاع ثم شق طريقه نحو الشارع الآخر ليحاول اللحاق بهما و كريس خلفه يمشي بهدوء.

°°°°

بينيلوبي كانت تعرف أن هناك من يلاحقها. ندمت على فراقها مع المحقق و تمنت لو انها لم ترحل. فات الأوان على التراجع الآن، فالشخص الذي يلاحقها لن يتعب نفسه في الإختباء إذا حاولت الرجوع إلى الوراء، بل سيقتلها مباشرة.

الشخص الذي رأته كان يرتدي ثوب طويل ذو لون أسود. ذكرها ذلك الرداء بالراهبات و الكهنة. رأسه مخفي تحت قبعة كبيرة، لم يكن طويل و جسده ليس كبير الحجم، لكنها أذكى من أن تقلل من شأن احد او تحكم على شخص ما قبل أن تعرفه. فإن كان من يتبعها قاتل فعلى الأرجح قوي، سريع و بارع.

قامت بمعاينة الأماكن حولها بحثا عن مخرج او مهرب، و كل ما وجدته هو أروقة و منازل ذات أبواب مغلوقة. قامت بزيادة سرعتها في المشي حتى تخرج من ذلك الرواق قبل أن يلحق بها ذلك القاتل. هي على دراية انه إن امسك بها في ذلك المكان، فلا مفر.

بدأ يظهر لها نهاية الرواق الذي يؤدي إلى شارع آخر فاغتنمت الفرصة و أطلقت العنان لأرجلها، بدأت تجري بسرعة حتى تخرج من الرواق، و سمعت صوت أقدام القاتل التي تضرب الأرض بسرعة تفوق سرعتها، و تأكدت مئة بالمئة انه جاء لقتلها.

القاتل كان سريع بطريقة غير معقولة، و تمكن من الإمساك بها قبل أن تصل نهاية الرواق. قام بلف ذراعه حول جسدها و سحبها نحو الخلف بقوة. كانت تتلوى و تضرب بكل ما تملكه من قوة و نجحت في الإفلات من ذراعيه عن طريق ضربه بكرعها في منتصف صدره.

شعر القاتل بألم فضيع في منتصف صدره و سببت له الضربة انقطاعا في تنفسه لوهلة. الضربة لم ترديه أرضا و سرعان ما استعاد توازنه و وقف أمامها استعداداً للتكملة. و للأسف كان يقف في طريقها نحو المخرج.

فكرت في العودة إلى الوراء و الهروب لكنها على دراية انها لن تتمكن من الإبتعاد عنه. سيلحق بها مهما كان. فقررت ان تقاتله.

ظنت انها ستحظى بقتال عادل، ففاجئها باستخراج سكين من ثوبه الأسود. لمع السكين حين حركه بين يديه باحتراف، شاهدته يعدل جسده و يتموضع في وضعية هجوم مثالية. قلبها بدأ في النبض بوتيرة سريعة، أحست ببعض من الخوف لأنها أدركت ان عدوها ليس بمبتدأ و هناك إحتمال كبير الا تخرج حية.

خوفها لا يعني انها ستستسلم. لأنها من المستحيل ان تسقط بلا قتال، إن كانت ستسقط، سوف تسقط بشرف.

إقترب منها بهدوء فتراجعت إلى الوراء في نفس الوقت. كانت هادئة جداً، و راقبته مثل القط بحثا عن نقطة ضعف، بحثا عن فرصة من أجل النجاة. هي لا تريد أن تموت، ليس بعد.

جعلته يقترب منها حتى أبعدته عن المخرج، و كانت جاهزة بالكامل حين هجم عليها مستهدفا عنقها الحساس و الضعيف، توقعت تلك الحركة منه، لأنها لاحظت عيونه الظاهرة تحت قناع اسود و قد كانت مصوبة نحو عنقها.

تنحت نحو جانب واحد و جعلته يتعثر و فوت فرصته في قطع عنقها و في نفس الوقت و قبل أن يسترجع توازنه تمسكت بذراعه و سحبته نحو الأرض، ثم ركلته بقدمها مما جعله يفقد توازنه أكثر..

لقد فاجئته ، إعتقد أنها مجرد فتاة ضعيفة.

لكنه قاتل محترف، إسترجع توازنه أسرع مما توقعته و هجم عليها بالسكين، استهدف ذراعها المكشوفة و التي كانت الأقرب إليه، نجح في فتح بشرتها و سرعان ما تدفقت الدماء من الجرح.

أطلقت صرخة متألمة و إلتفتت نحو المخرج الذي صار متاحا، بدأت بالركض لكن القاتل جذبها من شعرها الطويل و رماها ضد الجدار الصلب.

رفضت البقاء متجمدة و بدأت بالدفع و الضرب في كل مكان. القاتل لم يرغب في إنهاء حياتها بسرعة بل أراد أن يأخذ وقته في تعذيبها أولا، لأنه لو أراد فعلاً قتلها بسرعة لكانت ميتة بالفعل.

رفع السكين في الهواء و جلب مقبض السكين الصلب و هشم رأسها به. شعرت بألم فضيع في رأسها و مسكت رأسها في المكان الذي تلقت فيه تلك الضربة القوية. رأسها كان ينبض من الألم و أطلقت تأوهات بينما فقدت بصرها لبضع ثوان.

قام القاتل بإمساك شعرها و جذبه حتى يجعلها تنظر إليه، ثم وضع السكين على رقبتها الحساسة، شعرت بالطرف الحاد و البارد ضد بشرتها، و فكرت بالأمور التي سيفعلها بها إن فقدت وعيها.

تكلم القاتل، و صوته مألوف جداً على مسامعها.

_من الممتع رؤيتك تحاولين النجاة، لكن للأسف لا استطيع إبقائك على قيد الحياة، يجب أن تموتي.

ضغط بالسكين قليلا على رقبتها، فسبب لها جرحا صغيراً و سال منه السائل الأحمر، كان يغيضها و يحاول إدخال الرعب فيها باللعب معها.

تحدثت، و نبرتها ضعيفة و مهتزة.

_من تكون ؟

قهقه باستمتاع ثم أجاب عليها.

_انت تعرفينني جيداً، لقد إلتقينا حديثاً فقط.

حاولت تذكر أين سمعت تلك النبرة، لكن ذاكرتها خانتها.

_أين سأبدأ؟... سأترك لك شرف الإختيار.

كانت على وشك أن ترد عليه بإهانة عملاقة، لكنها رأت شيئاً خلف القاتل، لقد كان شخصاً. كان سريعا لدرجة انها لم تملك الوقت للتعرف عليه. تم جذب القاتل عنها، و تم رميه ضد الجدار المقابل.

جسده إرتطم بالجدار بقوة و أصدر صوتا عاليا، أجزمت بينيلوبي انها سمعت صوت إنكسار عظامه بينما إستلقت على الأرض في تعب.

رفعت أنظارها و صوبتهم نحو الشخص الذي قام بإنقاذها. و تعرفت على جسده العملاق. أكتافه و ظهره قابلا بصرها، سيفه تدلى من حزامه، و شعره الأسود مصفف نحو الخلف. هيئته مرعبة، و قوته أكثر إرعابا.

إلتفت برأسه و ألقى نظرة عليها، رأت وجهه الذي يحمل ندبته البارزة، و عيونه الخضراء التي تذكرها بالأفاعي. إبتسم لها إبتسامة لعوبة، و تركها حتى تتفرج على الفن الذي سيمارسه على ذلك القاتل.

وقف القاتل بعد محاولات عدة، ضلع من أضلاعه تكسر و كان يمسك بجانبه بينما يتأوه في ألم، و حين رأى كراولي إتسعت عيونه في خوف، عاين هيئته العملاقة و المرعبة و أدرك انه من المستحيل ان يتغلب عليه. و تعرف أيضا على هويته، و حين لمح سيفه الذي تدلى من حزامه صار أكثر من متأكد انه لن يخرج حيا.

تراجع إلى الوراء و ألصق ظهره ضد الجدار، سكينه الصغير في الأرض بجانبه لم يعد نافعاً. ألتفت برأسه يمينا و يسارا بحثا عن مهرب، لكن كل الأبواب مغلوقة في وجهه، فلا مفر. إقترب منه كراولي ببطء و جعله يرتعش في مكانه.

وضع كراولي يده على سيفه ثم تكلم بصوت واضح موجها الكلام لبينيلوبي.

_أين سأبدأ؟ سأترك لكِ شرف الإختيار.

ردد الكلام الذي قاله لها القاتل بينما يمسكها ضد الحائط و السكين في يده ضد رقبتها. ما يعني انه قد سمع الكلام الذي دار بينهما، إستقامت و قامت بتعديل شعرها و ملابسها بهدوء، ثم إقتربت من كراولي و وقفت بجانبه.

نظرت إليه، ثم أجابته.

_اريد ان اعرف من يكون اولا.

دون تحذير، لب كراولي رغبتها، أخرج سيفه من غمده في رمشة عين و قطع القناع الذي غلف وجه القاتل و أخفى هويته. إتسعت عيون بينيلوبي بغير تصديق، بإستثناء جاك، لم يسبق و ان رأت شخصاً يقطع بمثل تلك الدقة و السرعة. قناع القاتل انشق إلى نصفين و سقط على الأرض، و ظهر وجهه الذي بقي صافيا و بلا جروح. و تعرفت على هويته.

_القسيس جيكوب ؟!

نطقت إسمه غير مصدقة لما رأته. كراولي لم يصدر اي ردة فعل. و حين نظرت اليه مجدداً، وجدته غير مستغرب، كأنه توقع هويته منذ البداية.

_لماذا؟

سألت القسيس.

رفض الرد على سؤالها بالكلمات. و بدلا من الكلمات رد عليها بالأفعال، إنحنى بكل ما تبقى له من قوة متجاهلا ذلك الألم الفضيع في ضلعه المكسور، إلتقط سكينه الحاد و حاول الهجوم عليها، و لم يتمكن من الإقتراب منها كثيرا حين مرر كراولي سيفه مجدداً بسرعته الغير عادية و قطع يده التي تحمل السكين.

سقطت يده على الأرض و تدفقت الدماء من ذراعه بغزارة، بدأ في الصراخ بعلو بينما يمسك ذراعه. بينيلوبي أصيبت بالصدمة بسبب فضاعة المشهد، فقد حفز ذلك المشهد عقلها و جلب ذكريات فضيعة من الماضي، ذكريات حاولت بشدة نسيانها.

بجانبها كراولي حدق بها باهتمام، هو يريد أن يأخذ وقته في قتل جيكوب لكنه تردد بسبب بينيلوبي، فتحدث إليها محاولا تهدئتها.

_لست مضطرة لمشاهدة ما سيحدث، سوف أجعله يخبرني بكل شيء، اريد منك أن تعودي من حيث أتيت، سوف تجدين المحقق سوكجين في طريق العودة.

أبعدت بيني ناظريها عن جيكوب الذي ملأت صرخاته الرواق، و نقلتهما إلى كراولي، كان ينتظر منها إجابة و لم يضغط عليها بالرغم من كونها بطيئة. هو رجل صبور و قد تعلم ذلك بالطريقة الصعبة، الطريقة لم تعد مهمة طالما أصبح ما هو عليه الآن، لأنه حين ينظر إلى الماضي، لا يحس و لا بقليل من الندم. و حتى لو عاد بالزمن إلى الوراء، لن يغير من الأحداث شيئا بالرغم من فضاعتها.

فانتظرها.

أجابته،بعدما بدأت دقات قلبها بالعودة إلى وتيرتها العادية على مهل، و تنفسها السريع صار سلس. رفضت النظر الى الدماء التي لطخت الأرض، و اليد الملقاة بإهمال بجانب جيكوب. أدركت أنه لن يعيش إذا تُرك بتلك الحالة، لأنه سيدمي حتى الموت.

لكنه حاول قتلها. إذا رحلت و تركته مع كراولي، لن تحس بتأنيب الضمير، لا يجدر بها التفكير فيه أصلا فمن حقها ان ترغب في أن يتم معاقبته.

لاحظ كراولي ترددها، لكنه بقي هادئا. تركها تفكر لوحدها و لم يقل شيئاً، لأنه لم يرغب ان يكون له تأثير في قرارها. و حين أجابته شعر ببعض من الإحباط من قرارها، لأنه أراد أن يحضى ببعض من المتعة.

_لنأخذه كرهينة ، انا متأكدة انه يملك الكثير من المعلومات، فلنبقه حيا لبعض الوقت.

اومأ لها، ثم أعاد سيفه داخل غمده، و بعد ذلك إقترب من جيكوب و أرجع ذراعه نحو الوراء، يده في شكل قبضة، ثم جلب ذراعه بقوة نحو الأمام و ضربه بلكمة قوية في وجهه مما أرسله إلى عالم الأحلام، كراولي أمسك نفسه كفاية حتى لا يرسله إلى عالم الأموات.

°°°°

ساد هدوء عظيم على حانة إدوارد.

في مثل هذا النوع من الهدوء، إدوارد يحس بكل شيء بعمق و كثافة. مشاعره تصبح قوية لأنها الضجيج الوحيد الذي ينبض في عز ذلك الهدوء. لا يوجد ما يمكن تشتيته او إيقاف عقله و قلبه في إغراقه داخل محيط المشاعر و الأفكار.

بشكل ما، دائماً يحس بالوحدة.

حتى لو أحاطه الكثير من الناس. هو دائماً وحيد.

ذلك مؤسف للغاية.

لا أحد يفهمه، إلا حبيبته إيشيكا. و حظه السيء و قدره الذي وقف ضده، قررا أخذ الشخص الوحيد الذي يفهمه منه.

رفض ان يرفع آماله، هو لا يريد تصديق انه ربما قد تصبح إيشيكا ملكا له. فوالدها يكرهه كثيراً، و هذا اللقاء الذي يتم اليوم في الحانة، قد يحمل أخبارا سيئة.

فبمجرد التفكير ان إيشيكا لن تصبح له، يجعل قلبه يخفق بسرعة، و الغضب يتسلل ببطء إلى أعماقِه. هو عادة شخص هادئ، و لا يسمح لمشاعره بالطغيان عليه، لكنه يكن حبا جما لإيشيكا، لذا من المستحيل ان يبقى هادئا إذا أُخذت منه.

كان يجلس لوحده أمام طاولة فاخرة. الطباخ يعد الطعام بينما نادلين يقومان بتجهيز الأواني.

أخرج من جيبه علبة من السجائر، أخذ منها سيجارة ثم وضعها بين شفاهه ، حركاته ذات رشاقة و سلاسة و عامل السيجارة معاملة العشيق الرقيق لحبيبته. بعد ذلك، أشعل السيجارة بقداحة فضية تحمل تصميم فاخر، رأسها على شكل تسماح بلون ذهبي لامع من المستحيل عدم ملاحظتها.

الناديلن، إمرأة و رجل.

النادلة كانت تسترق النظر إليه، واجهت صعوبة في إبعاد عينيها عن إدوارد، هو رجل يمثل الرجولة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. هو وسيم و رجولي الشكل، ذوقه في الملابس راقٍ و جميل، و لحية 'الفان دايك' أضافت على شكله لمسة خاصة. و عيناه.... عيناه عميقتان مثل المحيط و لونهما بارد مثله أيضا.

عند التحديق فيه يمكنك رؤية الحكمة في كل تفصيل من تفاصيله. يمكنك رؤية الحكمة في هدوئه و في حركاته الرشيقة، و خاصة في عينيه المليئتان بالحزن. الحزن الذي دفنه في عينيه عمره عريق. يبرق فقط حين يجلس هكذا وحده في مكان هادئ و مظلم.

أدرك ان النادلة تحدق فيه من بعيد، و لم يصدر اي ردة فعل، إستمر في التدخين و بصره مصوب نحو مدخل الحانة،يترقب وصول ضيفه المميز. و كل عصب من أعصاب جسده، حدسه و عقله، حتى قلبه أخبره ان اليوم لن يكون هينا. يمكنه إستنتاج ذلك من الجو، من التوتر الذي غطى عليه.

اليوم إما ان يحصل على إيشيكا... او سيترك قلبه يفوز.

بعد بضع دقائق زائدة، أتاه رجل ٌ من رجاله حاملا خبرا. وقف الرجل أمامه بثقة و على وجهه تعبير جاد ثم قال بكل إحترام.

_ايها الزعيم، الضيوف قد وصلوا.

نظر إدوارد إلى الرجل لبضع ثوان دون الرد عليه، التراجع بات من المحال، هذه الليلة ستحسم كل شيء، ستكون نهاية صراعٍ، أو بداية واحدٍ. لكنه أصدر قراره و هو لا يحب التراجع عن قراراته، فرفع يده التي تمسك السيجارة و أطفأها على المنفظة التي استقرت فوق الطاولة. إرتفع من مكانه و عدل بذلته الأنيقة تحت أنظار الرجل و النادلين. شق طريقه نحو مدخل الحانة بخطوات بطيئة و متزنة لأنه قرر ان يستقبل الضيوف بنفسه.

خطأ واحد فقط..... قد يكلفه الكثير.

دفع باب الحانة بلطف و خرج.

و هناك، أمام المبنى، توقفت سيارتين فاخرتين. بعض من رجال إدوارد إصطفوا أمام المدخل من أجل الحراسة،جاهزين لتلبية أوامر زعيمهم دون تردد او تسائل،جاهزين للموت من أجل زعيمهم. هذا النوع من الوفاء لا يوجد إلى في الرجال الذين يعملون لصالح إدوارد.

فتحت أبواب السيارة الأولى و خرج منها رجال الياكوزا،كانوا يحملون سيوفهم الحادة التي تدلت من أحزمتهم. شاهدهم إدوارد بينهما تحركوا مثل الظلال و هرعوا إلى السيارة الثانية المركونة خلف الأولى.

أحد الرجال قام بفتح باب السيارة، ثم ابتعد عن الباب حتى يفسح الطريق.

خرج رجل في السبعينيات، رجل ذو هيبة تجسدت في هيئته الصلبة. جسده إحتوته بذلة ذات لون أزرق ليلي، تفاصيلها ذات معاني يابانية تقليدية. عيونه قاسية و لحيته التي تشبه لحية إدوارد في الشكل جلبت تفاصيل وجهه.

على رأسه قبعة و في يده عكاز بتصميم فخم. العكاز ليس بعكاز عادي، ففي داخله سيف حاد يمكنه قطع العضام. العكاز... الذي سيصبح ذات يوم ملكا لإيشيكا.

إنحنى الرجال لزعيم الياكوزا. ثم خرجت إيشيكا و وقفت بجانب والدها.

كانت ترتدي كيمونو بلون أبيض، ذو نقوش لأزهار الكرز. إختارت ذلك الكيمونو خصيصاً لأنه يحمل تلك النقوش، فأزهار الكرز في ثقافة اليابانيين ترمز إلى البدايات الجديدة، و. لهذا السبب ترتدي النساء اليابانيات الكيمونو ذو بأزهار الكرز عند التخرج او الإنتقال إلى مرحلة أخرى جديدة في حياتهم.

إرتدته بسبب الأمل.

و والدها يعرف ذلك، تصرفها كان عبارة عن نوع من الدفاع عن النفس و الوقوف في وجه والدها بشكل غير مباشر. إنه تحدٍ و مجابهة.

شعرها الأسود الحريري صففته على شكل كعكة و ثبتته بدبوس شعر ذهبي، طرف الدبوس حاد و صالح للإستعمال كأداة للقتل. شفاهها لونتهم بالأحمر تعبيرا عن حبها لإدوارد، و بالتأكيد تعبيرا عن تحديها لوالدها.

إنحنى لها الرجال تعبيرا عن إحترامهم لها. لأنها إبنة زعيمهم و لن يطول الوقت حتى تأخذ منصب والدها و تصبح زعيمتهم.

رآها إدوارد، و إلتقت عيونهم.

حدث بينهما إنفجار كوني من المشاعر، أحسا و كأن ذلك الإتصال البصري أخذ سنوات كثيرة بينما في الحقيقة لم يأخذ إلا ثوان قليلة. قلبيهما بدآ بالدق بوتيرة سريعة، و بدأت لغة الحب بالتحدث بينهما.

نزع إدوارد عينيه عن ايشيكا بعد أن سحرته بجمالها. أدرك انها تجملت زيادة عن اللزوم من أجله فقط. ركز على والدها الذي بدأ في المشي نحوه بهيبته.

إدوارد لم يبدِ أي حركة تدل على انعدام الثقة او الخوف، ظهره مستقيم و هيبته الخاصة انبعثت منه بسلاسة. زعيم الياكوزا لا يرهبه مثلما يفعل بالناس العاديين. لأنه ليس عادي، إدوارد ليس شخص عادي، لأنه لو كان كذلك، لما بذل زعيم الياكوزا عناء المجيء إليه و لقائه.

تقدم زعيم الياكوزا مع إبنته نحو إدوارد، و حين وقفا أمامه حرك رأسه قليلاً نحو اتجاه واحد و نبس بهدوء مع النظر في عيني الزعيم.

_أهلا وسهلا.

صوته الأجش ذو النبرة المثيرة تسللت إلى مسامع إيشيكا، لطالما أحبت صوته، خاصة حين يتصل بها في وقت عشوائي، في وقت لا تتوقعه، ثم يتحدث معها و يخبرها إلى أي درجة يحبها و انه سوف يحصل عليها مهما حدث.

تسللت الحمرة إلى وجنتيها، خاصة حين لاحظت كيف يقف أمام والدها بشموخ، صوته صلب و مليئ بالثقة، لا أثر للخوف او القلق، و عيونه الزرقاء تنظر إلى والدها بتحدٍ و سلطة. أعجبها ذلك، حتى لو كان من الخطأ أن تحس بتلك الطريقة، أعجبتها حقيقة أنه يقف في وجه الرجل الذي رعاها.

مثير و جذاب. هذا ما فكرت فيه.

قام الزعيم بمعاينة إدوارد من الرأس إلى القدمين، هو يدرك ان أدوارد لا يهابه و ذلك واضح في لغة جسده و طريقته في الكلام، و شعر بالإنزعاج لأنه يملك الجرأة حتى يقف في وجهه و يتحداه، و في جزء صغير من داخله، جزء رفض أن يعترف انه يوجد، ذلك الجزء يشعر بنوع من الإحترام و الإعجاب.

_لقد مر وقت طويل، أرى انك أحدثت بعض التغييرات في المكان.

نظر الزعيم في الأجواء، و لاحظ كل التغيرات التي حدثت. اللافتة التي كانت في السابق تشع بلون أخضر صارت تشع باللون الأزرق. و نوعية الخشب أستبدلت بخشب الأرو الثمين.

التغييرات لا تشمل النطاق الخارجي فقط، بل الداخل أيضاً.

صحيح أن حانة إدي هي المفضلة عند المجرمين، لكنها حانة فاخرة تمتاز بديكورها الإيطالي. الأرائك مصنوعة من جلد إيطالي ثمين، الطاولات و الكراسي ذات نوعية أخرى غالية من خشب الماهوغني.

_سئمت من الديكور القديم، و قررت أن أستبدله.

لاحظ إدي نظرات الإعجاب في عيون الزعيم، هو يدرك انه حتى لو أعجبه ما رآه، لن يعترف بذلك أبدا.
لكن إدوارد لا يهتم، لأن هدفه ليس إثارة إعجابه أو الفوز برضاه، هدفه هو النقاش و التفاوض بين رجلين كلاهما زعيمين.

فالتفت نحو المدخل و أشر بيده و تحدث مجدداً.

_دعنا نواصل نقاشنا داخل الحانة.

وافق الزعيم، و مشى خلف إدي الذي دفع باب الحانة بهدوء، إيشيكا تتبعت والدها و نظراتها مصوبة على خلفية رأس إدوارد. لسبب ما، هذه الليلة مشاعرها تكاثفت و صارت أثقل في قلبها. هذه الليلة سيصدر والدها قراره الأخير.

°°°°

توماس تايغر بدأ في الشعور بالإنزعاج من جاك. فقد إستمر في المشي لمسافة طويلة و سلك طريق غريب لا يعرفه. بدأ في التساؤل و مراجعة نفسه، تساؤل إن كان قراره في اللحاق به و محاصرته بمجموعة من الرجال جيد، ثقته في نفسه بدأت تتزعزع خاصة حين تذكر فجأة أخاه و ما حدث لرجاله.

نظر إلى مجموعة الرجال الذين يتبعونه، ثم فكر مجدداً في أخيه الذي صار بدون يد، و رجلين غير صالحتين للمشي جيداً، عادت إليه الثقة و كل تردد أحس به إندثر من الوجود.

هذا اليوم سوف ينتقم لأخيه.


دخل جاك في رواق آخر غريب مستدرجا توماس و رجاله من غير علمهم نحو الفخ، الرواق قادهم إلى مساحة واسعة بين بنايتين عاليتين. و في نهايته يوجد جدار صلب مبني بالإسمنت، طوله يصل إلى ربع طول المبنى مما يجعل الهروب من خلاله مهمة مستحيلة.

توقف جاك في المنتصف، ظهره يقابل توماس و رجاله الذين أغلقوا المخرج الذي يؤدي إلى الشارع. وضع يديه في جيوب بنطاله و رفع رأسه قليلاً نحو السماء و تفقد المكان بكل هدوء و أريحية كأنه جاك من أجل التنزه.

توماس تايغر بدأ بالفعل في تصديق الأفكار التي عبرت رأسه، إعتقاده أن جاك مغرور و يثق بنفسه زيادة عن اللزوم عاد عقله، هو يعتقد أيضاً ان جاك يستهين بهم و يعطي نفسه أكثر مما يستحق. لقد رفض فكرة أن جاك السفاح بالفعل سفاح خطير و يستحق كل الكلام عنه، لأنه مثل الجميع، إنسان دمائه حمراء و بمقدوره الموت برصاصة واحدة في المكان المناسب.

يريد أن ينتقم لأخيه، و اليوم سوف يعود إلى البيت و بين يديه رأس جاك و بقية أعضاء جسده مقطوعة.

_أنت مغرور و متكبر، هل تعتقد أنك تستطيع الوقوف ضد الكثير من الرجال في نفس الوقت؟

خاطب توماس جاك بنبرة مليئة بالكره. و هذا الأخير إلتفت برأسه فقط، و حدق به جانبيا. تمكن من إلتقاط النبرة العنيفة لكنه لم يهتم. و كل ما فعله هو معاينة الرجال و أسلحتهم الحادة.

قام بحساباته في عقله، و تمكن من معرفة أي منهم قد يشكل مشكلة و من منهم سيموت في الثواني الأولى. كل شيء كان واضح في عقله، و في عينيه. لقد رأى ذلك في وضعياتهم، في طريقتهم في حمل الأسلحة.

ليسوا بمثل براعته. لكنهم كثيرون.

و أحياناً الكثرة تغلب الشجاعة.

لهذا السبب وضع خطة إحتياطية.

في تلك الليلة، قبل أربع سنوات حين قضى على دراغون و عصابته، الظلام كان العامل الأساسي الذي ساعده على التحرك في الظلال.

فعندما كان صغيراً إعتاد على التدرب في الظلام ضد معلمه الذي أشبعه الضرب و التعذيب. التدريب القاسي و الوحشي الذي ناله في أيام زهوره حصد له الكثير في كبره. الآن أصبح مقاتل بارع و لا يخسر بطولاته.

جاك تجاهل سؤال توماس، الحديث أثناء القتال ليس من الأشياء التي يحبها. أسلوبه في القتال يتطلب التركيز، التركيز على كل ما حوله، الأصوات، الحركات و تنفسه.

كل ما يهمه هو القتال.

إلتفت بكامل جسده و واجه تايغر و رجاله.

_هل تتذكر ما فعلته بدراغون؟

سأل تايغر مرة أخرى و بصوت عالٍ تعبيرا عن الغضب الذي يشعر به في داخله. صوته دوى في تلك المساحة الشاسعة، و أكمل صراخه على جاك الذي حدق فيه بغير إهتمام.

_قطعت يد أخي، و أطلقت النار على رجليه و جعلته غير قادر على المشي، و قتلت رجاله أيضاً يا ابن العاهرة.

ها هي كلمات السب التي يحب الجميع أن ينعته بها. حتى أنه لا يتذكر عدد المرات التي نُعتَ بابن العاهرة. ذلك غير صحيح، أمه لم تكن عاهرة، لقد كانت إمرأة محترمة و شريفة. و لكنه كالمعتاد... لا يهتم.

تايغر المسكين إعتقد أنه سيجني شيئاً ما بنعته بتلك الكلمات و الصراخ.

هو مخطئ.

_هل تعتقد أنك خالد؟

مجدداً، جاك حدق فيه بدون إجابة او تعبير.

_سوف تموت، و اليوم سأجعل موتك صعب و بطيء.

أخرج توماس سيفه من غمده و اقترب من جاك. رجاله تحركوا خلفه و أسلحتهم في الهواء إستعدادً للهجوم، قام جاك بإخراج سيفه من غمده ببطء و سلاسة و جلبه نحو الأمام عن طريق تدويره في الهواء دورة واحدة رشيقة مثل مقاتلي الساموراي.

هجم عليه تايغر أولا مستهدفا صدره و قام جاك بتصدي الضربة بسيفه الحاد ثم أضاف ركلة جعلت توماس يرتد إلى الوراء، آخذًا بعضا من رجاله معه. أدى جاك دورة كاملة على ركبته و قدمه اليسرى على الأرض و قطع في طريقه بعض الأرجل التي بقيت حساسة و بدون دفاع. الحركة كانت سريعة و مثالية مكنته من إسقاط بعض الرجال.

وقف بسرعة و قام بتدوير سيفه دورة واحدة و تموضع مجدداً. أول رجل هجم عليه تمكن من تفادي هجومه بالتواري نحو الأسفل، أراد الرجل ان يقطع رأسه و لحسن الحظ تمكن من تفادي الهجوم، و لكن الرجل لسوء حظه تعرض للقطع من قبل سيف جاك الذي مر بجانبه، تدفقت الدماء على الفور و جاك تركه حتى ينزف للموت.

تمكن من قطع بعض الأيادي التي سقطت على الأرض قبل أن يتعرض لهجوم مفاجئ من قبل تايغر. كان توماس يختبأ بين رجاله في انتظار لفرصة حتى يهجم على جاك، و تلك الفرصة سُنِحت له أخيراً حين أُحيط بالكثير من الرجال، إختبأ خلف جسد أحدهم و حين رأى الفرصة قفز عليه بسيفه و قطع لحم ذراعه اليسرى.

تراجع جاك إلى الخلف ووضع يده على الجرح. تدفقت الدماء من ذراعه المصابة و شعر بالألم. لم ينظر إلى جرحه و ابقى بصره على أعدائه، لأنه إذا نظر إلى الجرح، سوف يهجمون عليه.

تايغر رأى الدم الأحمر الذي سال من الجرح و شعر بالرضى. و لم يتمكن من منع نفسه من الكلام.

_يبدو أنك قابل الموت، فانٍ مثل جميع البشر.

تايغر إغتنم الفرصة حتى يهجم على جاك مجدداً بينما هو مصاب، قام بتصدي كل هجماته و الهجمات الأخرى التي أتت من الرجال حوله، أصبح محاط بهم و الهجوم صار صعب. و بحث عن نقاط ضعف او فرصة حتى يقلب القتال لصالحه دون اللجوء إلى خطته الإحتياطية.

فجأة و في جزء من الثانية رأى فرصة، رجلين من المجموعة كان يقفين أمامه واحد خلف الآخر، إغتنم تلك الفرصة و قطع الرجل الذي هجم عليه من جانبه و جذبه من رسغه مع سيفه ثم قام بدفعه نحو الرجل الذي أمامه و غرس السيف في جسد الرجل الأول، سقط رجلين و تُرك الآخر الذي كان يختبأ مكشوفا، لقد كان توماس. جلب جاك سيفه و قطع كتف توماس بقوة و جعله يسقط على الأرض ماسكا ذلك الكتف المصاب.

إلتفت بسرعة و أغتنم المساحة التي أخلاها، قام بقتل كل رجل موجود أمامه، قطع أعضائهم و غرس سيفه في قلوبهم بدون توقف. المنظر كان مخيف جدا و بشع. توماس تجمد في مكانه ماسكا سلاحه. شاهد جاك الذي تحرك بسرعة و في عينيه عطش للدماء، كان يقتل و يقتل مثل آلة قتل بلا مشاعر.

جاك أدى آخر دورة و قطع ساق أحدهم في الطريق ثم وقف و مرر سيفه الحاد في الهواء و قطع رأس آخر رجلٍ.تدفقت الدماء من عنقه المقطوع في السماء مثل المياه، و رست تلك الدماء على رأس جاك و جسده. بقي واقفا أمام جسد الرجل الذي وقع على ركبتيه و أستمرت الدماء من التدفق من ذلك العنق و و رشه بالكامل.

الساحة كلها صارت بركة من الدماء و الأعضاء الجسدية المقطوعة.

ببطء. إلتفت جاك و بدأ في المشي نحو تايغر الذي بقي على الأرض، جسده يرتعد مثل الهلام، و صوته صار حبة زيت عالقة في حلقه. سيفه الحاد لم يعد نافعا أمام جاك. لكنه الآن فهم لماذا يخافه الناس و لماذا ينعتوه بجاك السفاح.

وقف جاك أمامه كأنه ملك الموت، و جاء حتى يحصد روحه الفاسدة، ندم على قراره و تمنى لو بإمكانه الرجوع إلى الوراء و تغييره، لكن السفر في الزمن غير ممكن. فالتجأ إلى حل آخر : الترجي.

نطق بصعوبة، صوته إستمر في الإهتزاز بينما يترجاه بلا كرامة

_أرجوك إرحمني!

رمى سيفه على الأرض و طبق كفيه على بعضهما البعض، ركع له على ركبتيه و بدأ الترجي مجدداً. مظهره و هو على الأرض لم يحرك قلب جاك أو مشاعره، بل شعر بالقرف لانعدام الكرامة في توماس. هذا النوع من الرجال لا يشعره بالشفقة.

_أرجوك... أرجوك دعني أعيش...

جاك رفع سيفه و أعطى الرجل نظرة باردة و بارغة من المشاعر ثم جلب سيفه بين يديه بسرعة و قطع رأس توماس. سقط ذلك الرأس على الأرض و انبثقت الدماء من عنقه مثل انفجار بركاني، و الرأس تدحرج على الأرض بسرعة باتجاه مكان محدد: البناية على جهة اليمين.

توقف الرأس أمام شخص خرج من البناية. كان هناك باب بنفس لون طلاء البناية مما جعله غير مرئي للعيون البعيدة. إليوت كان يقف هناك، في فمه سيجارة، و إحدى يديه داخل جيب بنطاله. شاهد الرأس الذي تدحرج على الأرض و توقف أمام رجليه بوجه البوكر. الدخان خرج من سيجارته و ارتفع في الهواء، و جسده مازال داخل ملابس العمل.

رفع عينيه عن رأس توماس و نظر إلى جاك، المظهر لا يسر الناظرين، لأنه بشع و فضيع. لقد كان مليئا بالدماء، و قتال اليوم أثبت له شيئاً ما. جاك ليس على طبيعته، و ذلك واضح في الطريقة التي قتل بها الجميع، بدى و كأنه فقد السيطرة على نفسه، إليوت رأى ذلك العطش للقتل في عيونه.

إقترب إليوت من جاك و حين وصل إليه، مرر سيجارته له و لم يتردد هذا الأخير من أخذها بين شفاهه، تلوثت السيجارة بالدماء حين مسكها بين أصابعه، أخذ مجة طويلة ثم أخرج السيجارة من فمه و نفث الدخان من فمه في الهواء. نظر إلى إليوت و إستمع إليه بينما تحدث.

_يبدو أنك تعاملت مع الأمر بشكل جيد بدوني.

نظر جاك إلى سيف إليوت الذي تدلى من حزامه. ثم رفع عينيه و حدق مجدداً في وجه صاحب العيون الخضراء.

_لندخل ،سوف أعطيك بعض الثياب بعد أن تتحمم.

إلتفت إليوت و عاد أدراجه نحو المدخل و خلفه جاك الذي تبعه بخطوات صامتة مثل مفترس.

°°°

بينيلوبي كانت تمشي خلف كراولي الذي يحمل جيكوب فوق كتفه، جسده طويل جدا و أكتافه عريضة و لم يعانِ أثناء حمله، بل العكس، بدى و كأنه يحمل وسادة فوق كتفه. يملك يدين كبيرتين باستطاعته ان يرسل شخصا إلى عالم الأموات بصفعة واحدة.

فتذكرت أنه خطير.

إقشعر جسدها عندما تذكرت ذلك.تتسكع مع رجل خطير مثله و نسيت أنه قاتل أيضاً، لكنه أنقذها. و الآن أصبحت تدين له.

فجأة توقف، فتوقفت أيضاً.

نظر إليه دون أن يُدير جسده ثم قال

_هل متأكدة من قرارك؟، يمكنني أن استخرج المعلومات منه بنفسي دون تدخل المحقق.

ارادت المعلومات، و لكن عقلها إستمر في إخبارها أنه من الأفضل لو وكلت المهمة إلى المحقق، هي تدرك نوع الأساليب التي سيستخدمها كراولي من أجل إستخراج المعلومات من جيكوب، مجرد النظر الى جسده الضخم، و يديه الكبيرتين، إضافة إلى الندبة العنيف على وجهه أدركت أن جيكوب لن يموت بسهولة، و سوف يعاني كثيراً قبل أن يلاقي حتفه.

الطريقة التي حدق بها إليها جعلته أكثر إخافةً، نظرته الجانبية تشبه الحيوان المفترس الذي ينتظر ان تقترب منه من أجل لمسه حتى يأكل يدك. و بالتفكير في الماضي، لا تعرف كيف قررت أن تصطاده أصلاً، و لا تعرف فيما كانت تفكر حين وضعت يدها على سيفها إستعدادا لقتاله في ذلك المحل.

رأسها بالكاد يصل إلى كتفه.

ألم يقل الإعلان أن طوله 1.95؟

لأنها أدركت في تلك اللحظة انه طوله يتجاوز 1.95.

_أنا متأكدة.

إلتفت نحو الأمام و استمر في المشي، حرصت بيني على إبقاء مسافة بين جسديهما، و بعد فترة من المشي إلتقوا بالمحقق و كريس الأصلع في الطريق.

لم هناك تفاجئ في تعابير وجه المحقق و كريس الأصلع، لكن ظهر الفضول في عيناي المحقق حين رأى جسد جيكوب الفاقد للوعي على كتف كراولي. أخبرته بينيلوبي بما حدث بالتفصيل بينما وضع يديه على خصره و إستمتع إليها باهتمام. و أخبرته ما تريده منه.

_هل يمكنك إستجوابه؟

إرتفع جانب شفاهه نحو الأعلى حين سمع سؤالها ثم أجابها بكل سرور.

_بالطبع.

أحست بينيلوبي بشيء غريب و مثير للشك في نبرته، و قررت أن تصدق حدسها الذي قام بتحذيرها، فكلما حذرها من شيء ما، ينتهي بها الأمر باكتشاف أن حدسها على حق، و قد شكلت عادة سيئة تتضمن تجاهل التنبيهات التي يعطيها شخصها الداخلي و حدسها، و بسبب ذلك تقع في المشاكل.

عندما إنتهت المحادثة بينهما، صوب المحقق تركيزه نحو كراولي الذي وقف خلف بينيلوبي، حدق فيه لبضع ثوان و حاول قرائته و كراولي لاحظ ذلك،فحرك رأسه قليلاً إلى جانب واحد كأنه يتساؤل في عقله لماذا ينظر إليه باهتمام. قرر سوكجين ان يلعب بالنار قليلاً فاقترب من كراولي حتى توقف بجانبه. رأسه بالكاد يصل إلى عنق كراولي و هذا الأخير راقبه باهتمام مثل الصقر الذي يترصد فريسته في السماء.

تحدثت المحقق بنبرة منخفضة حارصا على عدم سماع أي أحد بإستثناء بينيلوبي.

_لماذا تلاحق بينيلوبي؟، لقد رأيتك تتبعها قبل قليل.

_من أجل حمايتها.

شخر المحقق بغير تصديق و اجابه.

_و من طلب منك أن تحميها؟ جاك؟

بدأ كراولي يشعر بالإنزعاج من أسئلة المحقق التي تتدخل في شؤونه الخاصة، و قرر ان يضع حد لذلك قبل أن يفقد تلك السيطرة العظيمة التي كافح كثيراً من أجل الحصول عليها.

حين تحدث صوته كان غليظ و مليئ بالتهديد

_من الأفضل ألا تدخل أنفك فيما لا يعنيك.

لم يترك المجال للمحقق حتى يرد عليه و أنزل جسد جيكوب المغمي عليه من كتفه، تركه يسقط على الأرضية بدون إهتمام ثم إلتفت نحو بينيلوبي و تحدث إليها

_لنذهب.

طلب منها بلطف، نبرته ليست آمرة،لكن وجهه فضح ما يحس به و من الواضح انه بدأ في الشعور بالغضب، بينيلوبي لم يسبق لها و ان رأته غاضب و لا تعرف أي نوع من الأشخاص يصبح حين يحدث ذلك، و ليس هناك داع حتى تتساؤل أو تشعر بالفضول لأن باستطاعتها التكهن أو الإستنتاج، كل ما يتطلب الأمر هو النظر الى جسده الضخم، و السيف الذي يتدلى من حزامه إضافة إلى سرعته الغير عادية في سحب ذلك السيف.

لم ترغب في الذهاب، أرادت ان تبقى و تشاهد بينما يتم إستجواب جيكوب، هي متعبة من تلقي الأوامر او الموافقة على كل شيء يُطلبُ منها. كراولي لم يأمرها و طلب منها بلطف، بالرغم من ذلك شعرت بالحاجة إلى الرفض. حتى لو كان كراولي الشخص الوحيد الذي لا يأمرها.

لم يحتج كراولي إلى إعادة كلامه، فهم من تعابير وجهها أنها لا تريد الرحيل، و قد من أجل أن يؤدي واجبه و هو : حمايتها. إذا رفضت الرحيل فلن يرحل أيضاً، و إذا أرادت الذهاب إلى الجحيم، سوف يصطحبها.

نقل بصره إلى سوكجين، المحقق كان يبتسم بخبث و رضى، هناك تاريخ بينهما، المحقق يعرف الكثير عن ماضيه و رأى الهياكل العضمية التي يخبأها في خزانته، لقد رأى ماضيه الأسود و يحرص دائما على جلبه حين يلتقي به.

كراولي يكره سوكجين، و يوما ما سوف يجعله يدفع ثمن الإزعاج و التنمر الذي يسببه له.

قام سوكجين بقطع الإتصال البصري بينهما و أخرج من جيبه زوج من السلاسل الحديدية، وضعهما على رسغي القسيس ثم بدأ بسحبه من ثوبه باتجاه سيارته المركونة في الشارع حيث يوجد المطعم الذي تناول فيه الطعام مع بينيلوبي و أصدقائها.
حدق الناس فيه و استغربوا حين رأوه يجر القسيس على الأرض رافضا ان يرفعه، ثوبه الأسود إتسخ بالغبار و رأسه إصطدم ضد حاوية قمامة أثناء السحب.

ذراعه التي فقدت يده تم لفها بقطعة من الثوب الذي يرتديه من قبل كراولي، حرص على لفه بقوة حتى لا يفقد الكثير من الدماء و الموت في الأخير. و إذا لم يعالجوه سوف تصاب ذراعه بالإلتهاب و سيظطرون لبترها بالكامل، و إذا تأخروا كثيراً قد تنتشر العدوى لبقية جسده و سيؤدي ذلك إلى موته.

بينيلوبي تعرف العواقب، حين نظرت إليهم وجدتهم غير مهتمين بمصيره.

بدأت تشك إن كانوا هم الخيرين فعلاً أم انهم الأشرار.

حين وصلوا إلى السيارة المركونة قام المحقق بفتح خزان السيارة و رفع جسد القسيس و وضعه في الداخل، أرادت ان تتدخل و كراولي لاحظ ذلك، فمد ذراعه أمامها و اوقفها من الإقتراب هازا رأسه.

بعد أن تم وضع القسيس في السيارة إلتفت المحقق إلى بينيلوبي و كراولي ثم تحدث واضعا يديه على خصره.

_سوف أقوم باستجوابه، و بعد أن استخرج المعلومات سنتقابل لأخبركما كل شيء. لذا لا داعي لمرافقتنا.

_أشعر بأنك تكذب.

قالت بينيلوبي

_انا لا اكذب، أعدك بأنني سأكون صريحا.

مد يده حتى يصافحها لكنها ترددت، لأنها ليست متأكدة من انه لن يستخدم المعلومات حتى يتنمر عليها، و تفاجأت حين تحدث كراولي و أخبرها ان المحقق جدي

_إنه لا يكذب، بالرغم من كونه تافه و حقير، يفي بوعوده.

صدقت كراولي، فمدت يدها و صافحت سوكجين.

تراجعت إلى الوراء مع كراولي و شاهدت بينما دخل المحقق إلى سيارته مع كريس الصامت، أشعل المحرك ثم نظر إليهما و أشر بيده مودعا إياهما، بعد ذلك إنطلق بالسيارة تاركا الدخان وراءه بقيادته التي تشبه قيادة المجرمين . أحياناً ترفض التصديق أنه محقق، لقد قام بخرق الكثير من القوانين، و لكنها لا تعلم أي شيء عنه أيضا.

بعد رحيل المحقق و كريس الأصلع، بدأت في الإستوعاب أنها تُركت مع كراولي، فألقت عليه نظرة جانبية شاعرة بالجو الغريب، الهدوء الذي خلفه المحقق أزعجها و أشعرها بالقلق. فتحدثت إليه حتى تقطع ذلك الهدوء و من أجل إرضاء نفسها الفضولية.

بدأت في المشي باتجاه بيتها و تتبعها من الخلف و استمع إليها بينما تقوم باستجوابه مثل شرطي.

_انا لا أفهم كيف ظهرت في الوقت المناسب و قمت بإنقاذي، هل كنت تتبعني؟

وضع يديه في جيوب بنطاله و أعترف بلا خجل.

_أجل.

توقفت في منتصف الطريق و ألتفتت إلى الوراء حتى تعطيه نظرة خاصة، رفعت حاجبها الأيمن و وضعت يدها على خصرها و أخبرته

_هل انت جدي؟

_أجل.

_لماذا كنت تتبعني؟

إلتحق بها ثم وقف بجانبها و أجابها على سؤاله الفضولي.

_هل تتذكرين ذلك اليوم عندما إلتقينا في المحل و ظننت أني جئت لأذيتك ثم حاولت سحب سيفك لقتالي؟

أومأت له.

_كنت أتبعك ذلك اليوم أيضاً.

_لماذا ؟

_رافقت فيرونيكا إلى الكنيسة لأنها أرادت رؤية هوسوك و رأيتك تخرجين معه بالصدفة من الكنيسة، في البداية أردت العودة و ترك فيرونيكا معكما لكني لاحظت جيكوب يخرج من الكنيسة رفقة راهبة و كانا يتبعانك و هوسوك، فتسللت خلفهما حتى أعرف ما يخططان لفعله. و ما إكتشفته أرغمني على اللقاء بك و مراففتك.

_مالذي إكتشفته؟

_جيكوب و الراهبة إستأجرا مجموعة من رجال العصابات من أجل إختطافكما. لذا قررت أن أتبعك إلى المحل بعد أن تعاملت مع الأمر

ظهرت علامات الإندهاش على وجه بينيلوبي، وجدت الموضوع صعب للتصديق، القسيس جيكوب كان في غاية اللطافة معها و قد شكرها كثيراً على التبرعات التي قامت بها، تمثيله كان في غاية المثالية و لم يترك لها أي مجال للشك.

_تعاملت مع الأمر؟، هل قمت بضربهم؟

نظر كراولي إليها حين سألته ذلك السؤال الذي يثبت مدى حسن نيتها، و حين رد عليها لم يعطها إجابة كاملة، فقد خاف أن تهرب من الرعب.

_يُمكنكِ قول ذلك.

راودها الشك من إجابته، فما حدث للقسيس جيكوب كافٍ لتستنتج نوع الضرب الذي تلقوه من طرف كراولي، لقد تلقوا نوع الضرب الذي أرسلهم إلى عالم الأموات بلا رجعة.

لم تضغط عليه من أجل المزيد و تركت موضوع الضرب كما هو خوفاً من سماع الحقيقة.

_هذا يعني أنك قررت أن تتجسس علي طوال هذه الفترة حتى تحرص على سلامتي؟

_تحتم علي ذاك، و لحسن الحظ تمكنت من الوصول إليك قبل أن يتم أذيتك. و الآن سوف ننتظر المحقق من أجل المعلومات، لو لم تسلمي جيكوب له لجعلته يعترف بكل شيء في وقت قياسي و لن تحتاجي للإنتظار.

_قررت تسليمه للمحقق لأنني أعرف أنك سوف تعذبه اولا و كنت متأكدة انك لن تتركه يعيش بعد ذلك.

_لقد حاول قتلك بيني، و ما زلت تشعرين بالشفقة عليه؟

_نحن لا نعرف السبب وراء محاولته لقتلي، ماذا لو كان مرغما؟ ماذا لو كان مهدد؟

شعورها بالشفقة على جيكوب جعله ينزعج، لأن كراولي يعرف كل شيء، و كان ليخبرها الحقيقة لو لم يكن متورطا، فإخبارها بالحقيقة، يعني أن أسراره سوف تنكشف، و لا يريد منها ان تعرف أسراره.

_ماذا عن هوسوك؟، هل هذا يعني ان حياته في خطر؟

_هوسوك في أمان، لقد تركت فيرونيكا معه.

شعرت بالراحة عند سماعها انه بأمان، و تذكرت ان هوسوك يخاف فيرونيكا و البقاء معها أشبه بكابوس، ضحكت بخفة على الصورة التي شكلها عقلها، رأت في عقلها هوسوك يصرخ طالبا النجدة بينما فيرونيكا تحاول تقبيله. نظر إليها كراولي و استغرب منها و لم يتمكن من منع نفسه من سؤالها عن السبب.

_لماذا تضحكين؟

_آووه، لقد تذكرت ان هوسوك يخاف أختك و تخيلتهما في عقلي يصرخان بفوضوية.

إبتسم كراولي إبتسامة جانبية، هو يحب أخته و يحترم أي شخص يعاملها بشكل جيد، و تمنى ان تتوطد علاقة بينيلوبي بفيرونيكا، ففي المرة السابقة، بدت سعيدة جداً لأنها قضت وقتها مع بينيلوبي، و هذه الأخيرة عاملتها باحترام و تقبلتها بشخصيتها الغريبة.

_فيرونيكا واقعة في حب هوسوك.

أخبرها كراولي.

_انا اعرف، هي لم تتوقف من التحدث عنه.

_إذا قام هوسوك بأذيتها سوف أقتله.

جفلت حين سمعت إعترافه، و نظرت إلى تعابير وجهه حتى ترى إن كان يمزح أم انه جدي، و أكتشفت أنه لا يمزح، وجهه كان جامد و في عيونه وعد، وعد بالألم و العقاب إن حدث مكروه لأخته الصغيرة.

_هوسوك شخص لطيف و جيد، لن يؤذيها.

دافعت بينيلوبي عن هوسوك، شعرت بالخوف عليه و أحست بالحاجة إلى حماية صديقها المقرب.

_الطريقة الوحيدة التي قد يأذيها بها هي رفضها و رفض حبها، لا يمكننا إرغام شخص على حب شخص آخر أليس كذلك؟

أبقت عيونها علي عيونه التي راقبتها، أرادت ان تعرف إن كان يوافقها الرأي، و أرادت ان ترى تعابير وجهه.

_ذلك صحيح، لكنني لن اتردد في قطعه إلى أشلاء إذا قام بإيذائها، لذا من الأفضل ألا يتلاعب بمشاعرها، إما ان يرفضها أو يقبل بها.

وجدت ذلك عادلا.. بشكل ما.

لكنها الآن مرغمة على ترك كل أشغالها و الذهاب إلى هوسوك من أجل التحدث معه و جعله يتخذ قرارا قبل أن تسوء الأمور. هوسوك شخص طيب و لطيف و لا يؤذي الناس، و لا تفهم لماذا او كيف يقع في المشاكل، دائما يتورط مع السفاحين الذين يريدون قتله. و بدأت تصدق الكلام الذي أخبرها عن النحس الذي يطارده. ربما هو محق، ربما هو منحوس فعلا.

إستمرا في المشي و الرياح التي أتت فجأة جرت خصلات شعرها في الهواء، لم الهدوء يزعجها و هي برفقته، زال التوتر و أحست بالراحة. لكن تلك الراحة لن تدوم، فالمدة التي أعطاها الأمير بدأت بالنفاذ، لم يتبق لها إلا يومين، و بعد هذا اليومين سوف تعود إلى قلعتها و ستستلم منصبها مجدداً، سيتم الإحتفال و إعادة إحياء ليلة زفافها و سيتم تتويج الأمير ملك و هي ملكة.

إقشعر بدنها بمجرد التفكير فيه. التفكير فيه كاف حتى يجعل قلبها يدق بوتيرة سريعة. و التفكير فيه أيضاً هو بمثابة إستحضار له، و كأنه شيطان تم إستحضاره بطقوس محرمة، ظهرت سيارة سوداء في الشارع فتحتم عليها التوقف من أجل النظر. توقفت السيارة بجانبها و شاهدت بينما فُتح الباب قليلاً و كأن من في داخلها ينتظر منها الصعود.

لم يكن هناك حاجة للتساؤل او التأكد، هي تعرف من يكون في الداخل و السيارة مألوفة، فالتفتت نحو كراولي الذي وقف بجانبها و تحدثت إليه بلطف.

_شكرا على إنقاذي، انا لن أنسى ذلك ابدا.

هز رأسه موافقا ثم شق طريقه نحو الشارع المقابل حيث ينتظره إليوت. راقبت إليوت لبضع ثوان و تسائلت إن كان جاك قريب، راودها إحساس قوي أنه موجود في القرب، شعرت بغصة في حلقها و حين إبتلعتها شعرت بالألم في صدرها، هي متأكدة انه موجود، إنتظرت آملة ان يظهر، ان يأتي إليها و يأخذها معه، لكن لم يحدث أي من ذلك. أزاحت عيونها عن إليوت الذي لوح لها بيده ثم صعدت إلى السيارة، سارع السائق من أجل إغلاق باب السيارة خلفها لكنها أغلقته قبل أن يصل.

إنطلقت السيارة، حدقت من خلال النافذة تجنبا النظر إلى الأمير، كانت قادرة على الإحساس بعيونه التي تأكلها و أشعرها بالقلق. هي لا تحب النظر إليه لأن القناع يبقى حاجز بينهما، باستطاعته رؤيتها و هي لا تستطيع. و صوته هي الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من معرفة أي نوع من المزاج يحمله، و لكن تبقى ملامحه و تعابيره المخفية غير معروفة.

الجلوس معه في مكان هادئ لطالما أزعجها، لأنها مثل المغناطيس، تستطيع إلتقاط المشاعر في محيطها و تتأثر بسهولة،و هو لا يتأثر مهما كان الجو غريب او هادئ او مشحون، يملك القدرة على فرض هيبته و سيطرته على الجو أيضاً، ليس فقط الناس.

نطقت فقطعت الهدوء بكلماتها المغلفة بنبرة هادئة و لطيفة.

_لم تنته المدة التي أعطيتني إياها بعد. لماذا أتيت؟

أخذ وقته قبل أن يجيب عليها، و استمر في مراقبتها مثل فنان يتأمل لوحة فنية. في عيونه لمعان يظهر فقط حين يلمحها، فيهما عطش و جوع لا يفهمه أحد غيره، فيهما هوس لا يعرفه إلا هو.

حين تحدث، صوته كان جميل كادت تلمسه، صوته يملك نبرة فارس أحلام على حصان أبيض، و رغم جمال صوته، لا يأثر على رجولته او هيبته. لأنه هكذا.... رجل يتحدث بهدوء و بنبرة خافتة، لا يحتاج لرفع صوته حتى يفرض هيبته و قوته.

_بعض الأشخاص يعتقدون أنه من الحكمة ان يسعوا خلف حياتك.

فهمت ما يرمي إليه. هو يتحدث عن الأشخاص الذين يريدونها ميتة. و لكن الأمير يملك طريقة غريبة في الكلام.

أحست برغبة قوية و مغرية للإلتفات و النظر إليه، صوته قام بمناداتها مثل ملاك... او شيطان. قاومت تلك الرغبة و استمرت في التحديق من خلال النافذة و استمعت اليه.

_حياتك، ملكٌ لي.

ارتعش بدنها، الطريقة التي نطق بها تلك الكلمات، نبرة صوته إنخفضت، لم يكن يشرح، هو أخبرها بالحقيقة.....حقائق..

ابتلعت ريقها بصعوبة و حاولت تعديل تنفسها.

هدأت قليلاً، ثم تحدثت و الحمرة صبغت وجنتيها.

_ليس من الممكن إمتلاك حياة شخص آخر. كل حياة ملكٌ لصاحبها.

طرف شفاهه إرتفع خلف ذلك القناع، أحب وجهة نظرها.

_انت ملكٌ لي، و سأحرص على إبقاء الأمر هكذا.

إستسلمت من مقاومة تلك الرغبة المغرية، و ألتفتت إليه، نظرت إليه لفترة و حاولت أن تتخيل ملامح وجهه.

رؤية وجهه هو ما تريده. لم يسبق لها و ان أحست بفضول بتلك القوة.

تحدثت مجدداً و صوتها كاد يصبح همسا.

_لستُ ملكا لك، حتى انني لا أعرف كيف يبدو وجهك.

_هل تشعرين بالفضول؟

_نعم.

مد ذراعه و أخذ يدها التي كانت على حضنها و سحبها ببطء نحو وجهه دون قطع الإتصال البصري. بيده الحرة، رفع قناعه قليلاً ثم كشف شفاهه التي تشبه شفاه جاك، وضع تلك الشفاه على باطن يدها ثم قبلها بلطف، أغلق عيونه و و تذوق اللحظة. أخذ وقته في تقبيل يدها مثل فارس شهم. بعد ذلك أزاح شفاهه قليلاً ثم تحدث ضد بشرتها

_لم يتبق إلا يومين فقط، سوف تعودين إلى حيث تنتمين..... بين أحضاني.

°°°°

مرحبا.

أتمنى انكم بخير.

ما رأيكم في أحداث الفصل؟

و ما هي لحظتكم المفضلة؟

إدوارد يستمر في جعلي أقع في حبه😭، ما رأيكم في التطورات؟

-إليوت-

-كراولي-لكن بعيون خضراء.

-الرجل الذي جعلني أخترع شخصية إدوارد-

إسمه دافيد غاندي - David Gandi

إستوحيت جاك و بينيلوبي من هذه الصورة.

في البداية، الرواية كانت مخصصة لجاك بلاك، اردت كتابة الرواية من أجله لكن غيرت رأيي و أدخلت بي تي أس في القصة لأن معظم متابعين من محبي الكيبوب. لهذا السبب جاك يظهر كثيرا في الرواية.

Czytaj Dalej

To Też Polubisz

574K 3.9K 26
رواية عشق على حد السيف بقلم // زينب مصطفى
23.7K 1.5K 53
ينتحر سونغمين بألقاء نفسه و ابنه على سكة الحديد ، ولكن يولد من جديد كـطفل لحبيبه السابق بانغ تشان المستحقات 🏅 Top one in جونغان Top one in ليكس Top...
178K 6.7K 27
من الرواية..... _ انا احبك سويون ارجوك بادليني الحب _انا.. _ اعلم انتِ تحبين شخصا آخر...قلبي يتمزق مجرد التفكير في الموضوع انتِ لا تعلمين كيف اشعر...
26.9K 1.3K 18
كل شيء رائع و مثالي في حياة أزميرالدا الهادئة،من إستيقاضها في الصباح حتى قضاء الليل مع اصدقائها في النادي الليلي.تنقلب حياة أزميرالدا بعد مشاهدتها لج...