الأبلق

By Focifica

521 57 2

-قد خطتْ هذه القصة بأناملِ فريق كاتاليفيلا. عندما تكون تحت مخالب النرجسية، تهوي في بؤرة لا متناهية من الظلام... More

المقدمة
الفصل الأول: حادثة السوق
الفصل الثاني: صَخَبٌ
الفصل الثالث: في بيت الأجداد
الفصل الرابع: خيبة
الفصل الخامس: خطوة
الفصل السادس: تبعثر

الفصل السابع: هاوية

64 4 0
By Focifica

زَفَرَ الهَوَاء بِضيقٍ ثُمَّ ضَرَب بِعُنفٍ المَكتَبَ الذي أمَامه حَتّى ظَهرَ عليهِ أثر الضَربَة، مَا لبثَ حَتَّى سمِع صَوتَ بكَاء زوجتهِ خارجَ الغرفَة لِيهرولَ نحوهَا واقفًا أمَامَهاَ قائلاً بغضَبٍ: «اسكُتِي أنتِ، لا ينقصنا سوَى بُكَاءُكِ الآنَ».

مَسَحَت فاطمَة وجهها بقسوةٍ وهي تنظر له بسخطٍ لتتكلم بحدّة موجهةً اصبعَ السبّابَة نحوه:

«اسمَع يا هذَا سأتقَبّل منكَ أيّ شَيْءٍ وأتحمّل كل شَيْءٍ تفعله إلّا طردَكَ لأبنَائي...»؛ كَاد يقاطعها لولا علوّ صوتها واحتداد نبرتها أكثر من قبل قائلَةً: «أيّ شَيْءٍ إلّا طردَ أبنائي، إمّا أن ترجعه الآنَ وتجد حلاً له أَو أن أخرجَ دونَ المكوث لثانيَةٍ زائدَة هنَا في هَذا المكان، وأنا أقسم بذلكَ»؛ وختمَت كلامها بتجاوز الآخر والدخول غرفتها مقفلة الباب وراءها بقوّة.

شَدّ على قبضته بإحكَامٍ ثمّ بدأ يدورُ في نَفس المَكَان تَارَةً يَمسحُ وَجهه بكَفّه وَتارَةً يمسك رأسه، حَتَّى توقف قائلاً في نَفسهِ: «مَاذَا سيقول النّاس عنّا الآن؟ إبراهيم طَرَد ابنَهُ منَ البيتِ؟ لدي سبب، وَلاَ دخل لهم، لَكن فقط فكرَة أنّ بدر أحد أبناء ابراهيم قَد باتَ جليسَ الشوَارع تزعجنِي، سَوفَ يقولون عنّي الكَثير وستتشوه سمعتي».

التزَمَ الصَمت لثوانٍ ثمّ ضرب الأرضَ بقدَمهِ مصرًا على أسنانه قائلاً بخفوتٍ: «لن أعيدَه للبيتِ البتّة، حقير مثله لا يستحق أن يَكون هنَا بعد الآن، ليتربى وحده ويتعلم كَيف يعيش وحده مَا دام هَكَذا يقذف الكلام في وَجه أبيه دونَ حياء أو خَجل».

أغمَضَ عينيهِ زَافرًا الهَوَاء بضيقٍ مُلتفتًا نحوَ مرآةِ الحائطِ هامسًا: «أعتقد أن الحل الوحيد الآن هو أن أرسله لبيتِ أجدادهِ ليسكنَ فيه منذ اليوم، لا خيار آخَر، هَذَا أفضل لِي وهَكَذا لَن تُجَنّ تلكَ المرأة».

وَسَارَ مسرعًا نَحوَ معطفهِ يرتَديهِ، أمسَكَ بمَفاتيحِه خارجًا منَ الَمَنزل راكبًا سيّارتهُ منطلقًا بهَا يجوب الشوَارع القريبة طبقًا لفكرَة وتَخمين أنّ بدر لا زال بالجوار، فلَم تمر سوَى دقائق مُذ خَرَجَ منَ البيت لذَا لن يبتعد كَثيرًا.

وَبينمَا هوَ يجوب بِلوزيتَيهِ الشوَارع حَتّى لمَح شخصًا جالسًا عَلى كَراسِي الرّصيف ليَعلَم بفعلِ إضاءة العمودِ أنّه بدر، رَكنَ السيّارَةَ وَنَزلَ منهَا مقتربًا منَ الآخر حَتَّى وَقفَ أمَامَهُ وبتلقائيَة رَفعَ بدر جزءه العلويّ مرجعًا إيّاه للوراء موّجهًا نَظراتٍ فارغَة للّذِي أمَامَهُ، ومَا إن تَعرف عَلى تلكَ الهيئة حَتَّى نهضَ من مَضجعهِ بنيّة الذهاب لَولاَ امسَاكُ الأب لمرفقهِ.

وكرَدّ فعلٍ بديهيّ في هَكَذا مَوقف نَفضَ بدرٌ يدهُ بقسوَةٍ مترَاجعًا نحوَ الخلف خطوَتينِ، قائلاً بِصَوتٍ مَبحوح من فَرطِ البُكَاءَ دونَ أن يُكلّف نَفسه عنَاء النَظرِ للآخَر: «ابتَعد عنّي، ومنَ اليَومِ فصَاعدًا لاَ أنتَ بوَالدِي وَلا أنَا بإبنكَ مَا دمتُ قد هنتُ عليكَ لدرجَة طردي، والآنَ اذهَب وَاهتَم بشؤونِ وأحوَالِ أبناءكَ الآخَرينَ كَمَا اعتدتَ دَومًا».

وَغادرَ بهدوءٍ دونَ مبالاةٍ للذِي أمَامه، كَأنّه لَم يَكُن.

مبتَعدًا فقط، دونَ وجهَةٍ محَدّدَة.

وَأثنَاءَ ذلكَ صاحَ الأب قائلاً: «أمّكَ تريدكَ الآنَ وإلّا فستَخرجُ للبحَثِ عنكَ، وقَد أقسَمَت بذلكَ، إن لَم تُرد المَجيئ فقط فالتذهَب لبيتِ أجدادكَ و أخبرهم أنّك سَتسكن منَ اليَوم فصَاعدًا هنَاكَ، هَذا إن قبِلوكَ».

وَراحَ راكبًا سيّارتهُ غيرَ مهتمٍ بردّ الآخَرِ كَيف مَا كَانَ، عائدًا للبيتِ دونَ اكتراثٍ.

توقّف بدرٌ عَن السيرِ نَاظرًا للأرض بشحوبٍ، قائلاً بخفوتٍ وَصوتٍ تعبٍ: «منَ الأول علمتُ أنّهَا كَانَت أمّي، فقط ألهَاته الدرجَة لاَ يُطيقنِي هذَا الكَائن؟»

لَم يَعي بعينَيه اللتين غرقتَا بالدموع وَهوَ يَقُولُ بصَوت مرتَجفٍ: «العَيبُ في مَن أعطاك كلّ ذلكَ الاحترامِ وَسَكتَ عن حقّه، العَيبُ كَان فيّ أنَا الذي قدّركَ منَ الأوّل وصمتَ، لَكن لا بأسَ، لا خَسارَةَ في الأشياء الحَسنَة التي فعلتها، فقط لِيُركَ الله مَا أريتَنِي يَومًا، وَمَا عشتهُ بسببكَ»؛ وَراحَ مبتَعدًا عَن المكان.

دخلَ إبراهيم مَنزلهُ لتُقَابلهُ فاطمةُ بوَجههَا القلقِ، ومَا إن أغلقَ البَابَ وراءه حَتَّى قالت بخَوفٍ: «أينَ هوَ؟»

رمَى إبراهيم مَفاتيحهُ عَلى الطاولة بهدوءٍ ثمّ استدارَ نحوهَا قائلاً ببرودٍ بينَمَا يخلع معطفه: «منَ اليَومِ فصَاعدًا سيسكنُ في بَيتِ أهلكِ»؛ ثمّ أكمَل بِاستفزاز متجَاوزًا إياهَا: «حَتَّى لاَ تخرجَ روحك».

سَكَنَت الأمّ فِي مَكَانهَا تحاولُ كَتمَ الضجيجِ الذي يَحرقُ صدرهَا وَيُبعثرُ نبضهَا، زَفرت الهواء بتعبٍ مغمضَةً عَينَيهَا المغرورقتينِ بوَهنٍ، ناطقَةً بِصَوتٍ مرتعشٍ: «أرجُوكَ رَبّي أعنّي وَلا تُعن علي، أنصرنِي وَلاَ تنصر عليّ، احفظ ابنِي واسترهُ، يا رَب، يَا رَب».

وَأكمَلت الدعاءَ بَاكيَةً بحرقَةٍ، كاتمَةً لشهقاتهَا عن طريق كَف يسرَاهَا، تحاول أن لا تنهار مَهمَا كلّف الأَمرُ، تفكر في مَصير ابنهَا البعيدِ عن أحضانِ عائلتهِ، تفكر في زَوجهَا شَبيهُ المَرضَى العقليينَ، تفكر فِي مَا سيَحكيهِ عنهَا النَاس عندمَا يسمَعونَ الخبر، وتفكر في الكَثير منَ الأشياء التي تجعلها تتخبط وَسطَ الضوضاء الصاخبَة التي بجَوفها.

قَاطعَ بكَائهَا ذاكَ الجَسَدُ الذي احتواهَا بينَ أضلعهِ وَغمرهَا بالدفء، وصَوتُ صاحبهِ حينَ قالَ بخفوتٍ:

«اهدئي يَا أمي، يُدبرهَا الله، فقط لاَ تحزني كل هذا الحزن، بدر سيكون في أمَان مَعَ جدي وَجدتي، كَذلكَ فلتحمدي الله غاليتي، حَدَث خير، لا شَيْءَ يدعُو للقلقِ، يمكنكِ زيارتهُ وهوَ كَذلكَ عندمَا يسافر والدي أَو عندمَا نذهب للمبيت يوم الجمعَة من كل أسبوع كَكُل مَرة، هيا أرجوكِ كَفى بكَاءً، عَينَاكِ الجَميلتانِ تستحقان أن تُشعا حبًا وَحَنَانًا فقط، الحزنُ لا يليقُ بهَما، حَسَنًا؟»

وأكمَل كَلامَه بمَسح دموعها بكَف يمناه وَتقبيل جبينهَا لتَزفرَ هيَ الهواء جَميعَهُ وَمن ثمّ تبتسم بخفّة قائلَةً بصوتٍ خافت من فَرطِ الإرهَاقِ: «حَسَنًا يا وَلدي، شُكرًا لكَ».

أمسكَ غيهَب كَتفيهَا بحَنان قائلاً بهدوءٍ: «لاَ تشكريني أبدًا أمّاه، هيّا الآنَ اذهَبي لتغسلِي وَجهَكِ»؛ لتومئ لهُ بالموافقة، ثمّ ابتعدت عنه قاصدَةً الحمّام.

وَتَمضِي الليلَة كَسابقاتهَا منَ الليالي لكن بنَكهَةٍ مختَلفَة، مَشاعر غيرَ تلكَ المعتادة، وَأرق وَضياع وَتشتت.

وهاقد أشرقَت الشَّمسُ مُوزعَةً نورهَا فِي كُلّ مَكَانٍ منَ العالَم بكلّ سخاء، لتعيدَ للكَونِ نَشاطهُ، وتَأتِي السَاعَة العاشرة والنصف صَباحًا، فِي شَركَة السيد إبراهيم التي يديرها شهاب حَدثَ مَا لَم يَكن بالحسبان، حيثُ كان هناكَ مَن صَرَخَ بقوّة صافعًا المَكتبَ بعنفٍ قائلاً: «هدوء، قلتُ هدوء، فليَصمت الجَميع حَالاً».

ارتعدَت أوصال الحضورِ لوهلَةٍ، لتمرّ لحظاتٌ تفرعَنَ فيهَا الصَمتُ وَالهدوء كليهمَا، أمسكَ رأسه بكلتي يديهِ مبعثرًا خِصل شعرهِ، مُحركًا إياهُ يَمنَة وَيسرة بتتابعٍ، يَمشي ذَهابًا وَإيابًا بقلقٍ، حَتَّى أوقفهُ صَوت يوسف الهادئ وَهوَ يقولُ: «شهَاب اهدَأ رجاءً عليكَ إيجَادُ حَلٍ بسُرعَة عوَضَ التشتت بهَذا الشكل».

زفرَ شهابٌ الهواء بقوّة، ثمّ قالَ بغضبٍ وهوَ يَتوجه للخروج منَ المكتب على عجلٍ: «اصمت فقط وَتعال مَعي، تحرك أنتَ كَذلكَ يا راشد، لنرَى مَا يفعلهُ زيد وَعمر فِي غرفَةِ الإعدادات؛ وَبينمَا هم يسيرون بسُرعَة في الرواق تمتم قائلاً بعصبيّة: لأعلَم أينَ رأسُ الخيط فقط وَسأجلبُ الجُرذَ الذِي تجرأ عَلى العبثِ مَعَ شركَةِ وَالدي، أتراهُ يستهينُ بِي ذاكَ النذل؟ وإن كَانَ في قعر الجحيم إنّي لَمُخرجه من هنَاكَ وَناحرٌ لرقبتهِ بيدايَ هاتَينِ».

وَصلَوا الغرفَة وَدخلوهَا، حيث كانت عبارة عن أضواء حمراء في كل جدار وَحوَاسيب وَكاميرات مراقبَة وصَوتٌ مزعجٌ للغايَة من جهازٍ يدعَى بصفارَة إنذارٍ، والتي انطلقَ صَوتهَا الصاخِبُ فورَ حدوث اختراقٍ للشبكة الرئيسيَة للشركة.

وَقفَ شهاب بجانب زَيد الذي يعبث بالأزرارِ مركزًا عَلى مَا تعرضه شاشَةُ الحَاسوبِ من مستندات أخيرَة تم فتحهَا حَتَّى وقعت عينَاهُ عَلى مستند بعنوانِ {مَشروعُ بيعِ سياراتِ لاند روفر فِي السلطنة}، ابتَلعَ ريقه بصعوبة وَقال لزيدٍ: «أدخل هنَا».

نَقرَ زيدٌ عَلى المستند سريعاً ليُفتحَ وَهنَا كَانت الصدمة، وَقفَ الأخير بانفعالٍ هامسًا بـ: «لا أصدق، لَقد فعلها!»؛ بينما قد جحظت عينَا شهابٍ ليلتفت إلى زيد مُمسكًا به من كتفيه يهزه بقوّة قائلا برعب:

«لا تقلها! مَا الذي رأيته الآن؟ أَنَا حتى لم أكمل التفاهم مع الشركة الأخرى بشَكل ما حول المشروع، كيف حدث الآنَ وتم عقد اتفاق ثابت ورسمي حول منحهم عشرين مليار مقابل المشاركة معنا وقبول عرض سياراتنا في أسواقهم الخاصة؟ مَا الذي حدث فجأة، كيف سأخرج من هذه الورطة؟»

ثم أكمل بصوتٍ حادٍ وَصاخب بينَمَا يسير هناَ وَهناكَ بجنونٍ: «كَيف سأخبر أبي عن مَا حدث؟ كيف سأخبره أنه أصبح لدينا دين مقداره عشرون مليار؟ مَن الحقير الذي قامَ بهذا؟ لا أحدَ يعلم بأمر هذا المشروع بالذات سوَى الذينَ لي بهم مَعرفَة خاصة فقط، سَوفَ تُفلس الشَركَة عَلى هذا النحو، سَوف نخسر أموالا طائلَة، سَتنخفض الأسهم وسَتُسحب جميع الطلبات وَالدعوات إلى المشاركة في مشاريع مَع الشركات الأخرَى، يا إلهي».

قطَبَ راشد حاجباه قائلاً بحدّة:

«هذا يعني أن هناكَ خائنًا هنَا».

صرّ زيد على أسنَانهِ بقوّة ضاربًا الكرسيّ بيدهِ قائلاً:

«مَن قد يفعل ذلكَ؟ كَيف لهذا أن يَكونَ؟»

قاطَعَ تلكَ الضَوضَاء اقتحام الغرفة بقوّة من طرف شخصٍ مَا، ليَتقدّم من شهاب وَيَقومَ بشَدّ قميصهِ بوَحشيّة محركًا إياه بعنفٍ قائلاً بِصَوتٍ عالٍ: «مَا الذي حدثَ؟ كَيف حصل هذا؟ لمَا جعلتكَ تدير الشَركَة إن كنتَ ستغفل عن هاته الأمور؟ كَيف سمحتَ لهذا بالوقوع؟»

أمسكَ شهابٌ يدَا وَالدهِ بقوّة مبعدًا إيّاها عنه وَقالَ بحدّةٍ: لا تصرخ علي، مَا أدراني أنَا، كَان كُلّ شَيْءٍ عَلى مَا يرامُ، هناكَ مَن خانَ الثقَة وَفتحَ الملفات وَعبث بإجراءات المَشروع، عَلينَا إبلاغ الشرطة ليساعدونَا في البحث عنه، قد يَجدونَ دليل يقودنَا إلى أحدهم، المشتبه بهم لَن يكونوا سوَى رئيس قسم الملفات أَو مشرف الخزينة أَو رجال الأمن الخاص بالشبكة، أَو أحد الذين حضروا في اجتماع يوم أمس عند التاسعة صَباحًا، عمر، هتّان وَمهند.

شهقَ زيد بخفة قائلاً بذهول:

«هَل تشك في خِلاّنكَ يَا شهَاب؟»

ليرد شهاب بِقلة صبر: «في هكذا وَضع عَلينَا توقع أي شيء يا زيد، لاسيَمَا أنّ المَشروع كَانَ سريّا جدًا».

كَان حَال الجَميعِ لا يوصف، اضطراب وَقلق وَارتباك، بحيث لم تكن ببالهم سوى فكرة واحدة وهي "مَن هوَ الخائن بيننا؟"، وَاستمرت الضجة في الشركة، الجميع يعمل بجد لإيجاد رأس الخيط الذي يقودهم إلى الفاعل، فيا ترَى مَن سيكون، وَمَا الذي سيحدث بعد ذلكَ لشهاب وَوالده وَشركتهم؟

في جهَةٍ أخرَى، كَانَ مستلقٍ على السريرِ، دموعهُ لَم تَجف منذُ الأَمسِ، ألمه يتضاعف مَعَ كل ثانية تمر، يفكر بشكل مزمن في مَصيره وَمَا سيحدث له مستقبلا وَكيف سيعيش، بحيث أنه فقد الأمل في نجاحه هاته السنة، أصبح قلقًا جدًا حول كل شَيْءٍ وَرأسه بات يؤلمه بشدّة من فرط التفكير ومن كثرَة الأفكار التي تتخبط به وتتصارع مُفتعلةً حربا طاحنة هناكَ.

قام من على السرير يود الخروج من هاته الغرفة، يشعر بالاختناق، جسده بات ثقيلا جدًا، يشعر بالخمول الشديد، يشعر وكأن أعضاءه كذلك حَزينَة بسبب مَا يحدث له، كأنمَا تعبت هيَ الأخرَى، لكن الشَيءَ الوحيد الذي أرهق بشَكل قاسٍ هيَ عيناه بحيث لم يعد قادرا على فتحهمَا بشكل جيّد، أضحت جفونه المنتفخة أثقل من أن تُفتح بشَكل كامل، مرهقَةً متعبة.

ضَميره منَ الداخل يَصرخ بشَكل حاد وَمزعج، يخبره أن أفعاله وَشخصيته الضعيفة هيَ السبب في حدوث ذلك، وانفعالاته الأخيرة التي لم تكن في وقتها هيَ السبب في ذلكَ، مما يجعل ثقته بنَفسه تضمحل شَيئا فشيئا، يشعر بأنه عَدمَ، أنّه مجرد كَائن لا نفع من وجوده.

مَشى خارجًا منَ الغرفَة متجاَوزًا جدّيه اللذان يناديان عليه، لَم يهتم وَلم يعرهمَا أي انتباه، يشعر بالعجز حتى عن النطق بشكل صحيح، فكر في أنه قد يفقد قدرته على التكلم للحظَة، خرَجَ من البيتِ بهدوءٍ، يسيرُ في الشوَارع، يفكر بشَكل سوداوي للغايَة، نظرَ للطريقِ الرئيسي للسيارات، ينظر بفراغٍ، نظراتّ باهتَة، ثوَانٍ تعد بالأصابعِ حَتَّى اجتاحته رَغبَة شرسَة في القفز وَسط الطريق لإنهاء حياته هاته التي لاَ فائدة منها، هي فانية وهو فانٍ لذا لا بأس بالموت الآن، هو لن يتعمد ذلكَ، فقط لنرَى إذا مَشى في الطريق دونَ مبالاةٍ للإشارات مَاذا سيحدث.

كَانَت السيارات تسير بسُرعَة كَبيرَة في الطريق الرئيسي، إشارة المرور خضراء، الجميع ينتظر في الرصيف حتى تتغير لحمراء كَي يَمروا، ابتسمَ بسخريَة مُتخيّلاً سيناريو مرعب في عقله، يريد أن يكون بطل فلمِ أكشن ربمَا، حيث هَمَس قائلا: «متعَب جدًا يا حَياتِي، لمَا لا أجرب شَيئًا مَا علِّيَ أنفكُ منكِ، لأرى الحظ، إذا توقفوا فلن يحدث شَيْءٌ، وإذا لاَ فهذا جيّد».

لَم يصغِ لقلبه الذي يمنعه من ذلكَ، لقد كَانَت وَساوس الشيطان تغويه وَتحجب عنه كل مَا يذكره أن هاته الفكرَة حرام وَلا تصح وأنه ليسَ بندٍ لها وَأن يتوقف على الفور.

تجاوز كل ذلكَ وَمَشى سريعًا حتى بلغ وَسط الشارع، عمت الضجة في المكان، هناكَ مَن يصرخ وَهناكَ مَن أوقف سيارته، هناكَ مَن خرج بسيارته عن الطريق متوقفا في زاوية الشارع، وهناكَ مَن أراد اللحاق بهِ لكن خاف من أن يُقتل هو الآخر.

بعض السيارات توقفت بعد كبح الفرامل في آخر ثانية حيث كانت هناكَ سيارة متجاوزة كل شَيْءٍ وكادت أن تبلغ بدر حتى ضغط صاحبها على المكابحَ وَأراد إيقافها فَدار بهَا كابحًا الفرامل لتتوقف أَمَامَ بدر تمامًا، لا يفصله عنهَا سوَى سنتيمترات قليلة.

خرج صاحب السيارة بسرعة وعلى مَلامحه علاماتُ الانزعاج والخوف حيث صرخ قائلا وهو يشد على قميص الآخر منَ الأمام مقربا إياه نحوه: «مَا الذي كنتَ ستفعله أيهَا الأحمق؟ بدر أفق مَا بكَ؟ أتحاول الانتحار؟ مَا الذي دهاكَ؟ هل جننت؟»؛ وَلم يشعر سوَى بدموعه التي بدأت تُذرف بغزارة صارخا في وجه الآخر بعتابٍ: «أَلم تفكر في إخوتكَ أَو في أمك التي سهرت بالأمس تنحب وَحدها دونَ أن تنام أَو يغمض لها جفن؟ ألَم تفكر في الوجع الذي ستشعر به أسرتك بالكامل عندمَا يسمعون بخبر انتحارك؟ بالله في مَاذا كنت تفكر؟ لمَا الأنانية لمَا؟»

وابتعد عنه بعد أن نفضه بعيدا عنه بقسوة، ليسمع أخاه يقول بتعب: «آسف يا غيهَب، لكنني تعبت، لم أفكر في شَيْءٍ لوهلة سوَى الراحة من كل هذا».

تقدم غيهب من أخيه محتضنا إياه بقوة قائلاً بينَمَا قد دفن وجهه في كتف الآخر: «لا تفعل ذلكَ يا أخي رجاءً لا تفعل».

واستمر الوضع حتى جاءت الشرطة وَأعادت المكان لحاله السابق مهدئةً الأوضاع وَالناس، بينَمَا غيهَب قد أخذ مَعه بدر وتركَا المكان.

مَا الذي سيحدث بعد هَذا؟ مَاذا سيُقال بعد مَا حدث؟ كيف سيكون رد فعل الأم المسكينة محترقة القلب؟ وكيف سيكون رد ذلكَ الوالد النرجسي يا ترى؟

Continue Reading

You'll Also Like

130K 3.3K 29
لا تبالغ بـ المحبه وتصدمك الظروف ولا تعمّق بـ المشاعر وخلك واقعي . - حساب الانستا : 8rewei44
24K 822 10
ليُون مُتشرد ، يلتقي بِ هِنري ، فكيف سيمُر هذا اللِقاء ؟ ⭑ خالية من الشذوذ الجنسي ! ⭑ خالية من المحرمات ! ⭑ علاقة ابوية و أخوية ! ⭑ صفع تربوي ! ⭑ يوج...
43.2K 884 55
نشرت القصه حتئ اني اقراها لحد يكول مااخذتها من كاتبه أو شي
70.1K 1K 13
احببت اختي من أبي فقط 🔞