بَعدَ مُرور سنتين..
أدخَلَ المفتاح في قفل باب منزلهِ ثمّ دخلَ بهدوءٍ وَبدأ بِفَكِّ عُقَدِ رباط حذاءهِ، حَتّى سَمعَ صوت خُطوات هادئَة خافتَة الوَقعِ قادمَة باتّجاههِ، رَفعَ رأسهُ ليرى طفلتهُ تَخطو بِبطءٍ وحَذرٍ نحوَهُ وَابتِسامتهَا من فَرطِ كِبرهَا لَم تُسعِفهَا فِي الحفَاظ عَلى لعابهَا داخل فمهَا.
لَمعت عَينَاهُ بقوّةٍ وَهوَ يتأمّل جَسدهَا الذي يَهتزّ تارةً وَيتّزن تارةً أخرَىَ، مَا لبثَ يُوَاصل تأمّله حَتَّى ظهرَت زَوجَتهُ من وَراءِ الطفلَةِ احتياطًا فِي حالِ مَا سقطَت لِكَي تقومُ بإمساكِهَا.
تَبادَلت النَظراتِ لبعضِ الثوَانِي هيَ وَزَوجهَا حَتَّى نَطِقت بِهُدوءٍ مبتَسمَةً بحَنَان: «إنّهَا خُطوَاتها الأولى يَا زَين، لَقد أصبحَت تَقوى عَلى المَشيِ بمفرَدهَا دونَ الاستنَادِ عَلى شَيْءٍ، أليسَ هَذَا جميلًا للغايَة؟»
فَتَحَ زينٌ ذراعَيهِ تزامُنًا مَعَ ارتمَاء الفتاةِ الصغيرة عَلى صدرهِ في أحضانِ وَالدهَا الدافئَة، مُطلقَةً ضحكَةً عفويّةً صغيرَة ضَحِكَ على إثرِهَا الآخَرَين.
وَقفَ زينٌ حاملًا صغيرتهُ، مُداعبًا أنفهَا بأنفهِ رَادًا بهدوءٍ عَلى زوجتهِ: «إنّه جميلٌ للغايَة يَا جِيلان، لقد كَبُرت ابنتنَا وَأصبَحت تمشي»؛ ثمّ قبّل خَدَّ ابنتهِ بِكُلّ حبٍ وَالتفتَ بعدها نَاحيَة جيلان قائلاً بِتعبٍ: «هَيّا الآنَ خُذيهَا منّي كَي أُكملَ نَزعَ حذائِي وَجَواربِي وَأذهَب لتبديلِ مَلابسِي، لقد تَعِبتُ في العمل اليَوم حَقًا، كَمَا أنّني جَائعٌ جدًا».
اقتَربت جيلان منهُ آخذَةً الطفلَةَ عنهُ قَائلَةً بلطفٍ مُنَاظرَةً فِي عَينَي ابنتهَا: «حَسَنًا تَعاليِ يَا أَميرَة المَامَا، عَلينَا أن نُحَضّر مَعًا طاولَة الغذاء، بابَا الجَميلُ جَائع وَمَامَا وَسدرَةُ المُنتهَى كَذلك، أوَليسَ؟»
وَحَضِنتهَا مُقَبّلَةً عُنُقَهَا بِحُبٍ كَبير ليُقاطعَ ذلكَ زينٌ حينَ قالَ: «كُفّي عَن اللّعب بابنتِي سيّدَة مَامَا وَأخبرنِي مَاذَا طَهَوتِ لنَا اليَومَ؟ سَأموتُ منَ الجوعِ حَقًا».
قَهقَهَت عَليهِ جيلان ثمّ قالت بطفوليّة بينَمَا تلعبُ بيَدِ سدرَة المُنتهَى، تَارَةً تُرجعهَا للوراء وتارةً تَأتِي بهَا نحوهَا: «مَاذا صَنَعنَا لبابَا اليَوم؟ همم، لقد طبخنَا عَدَدًا لا بأسَ بهِ منَ المُبصلات وَالكتشورِي وقمنَا بتَحضيرِ الفرفينَة أيضًا، وَصنعنَا ألذ وَأحلَى وَأطيَب عَصيرِ لَيمونٍ مَعَ برتقال».
(المُبصلات، الكتشوريِ وَالفرفينَة هيَ ثلاثُ أُكلاَتِ عُمانيَّة شهيرَة، الأولَى عبارَة عَن فَطائر تَعتمِدُ أساسًا عَلى البَصلِ الأخضَرِ وَالجَزَرِ وَالحُمص المَبشورِ حَيثُ تُقلَى في الزَيتِ وَيتم تقديمها كَوَجبَة سريعَةٍ وَخَفيفَة. وَالثّانيَة هيَ كُرَاتُ بَطاطَا تَشتَمل عَلى الكُزبَرَة وَاللّيمونِ وَالكَثير منَ التوابل، تُقلَى هيَ كَذلكَ، أمّا الأَخيرَة مَا هِيَ إلّا سلطَة يَتم إعدادهَا منَ السَّمكِ وَالبَصلِ وَالبَربيرِ).

أنت تقرأ
الأبلق
Random-قد خطتْ هذه القصة بأناملِ فريق كاتاليفيلا. عندما تكون تحت مخالب النرجسية، تهوي في بؤرة لا متناهية من الظلام والعتمة لا تعرف معها سبيلا للخروج، حينها ستنظر للعالم بسوداوية قاتمة وعزاؤك الوحيد هو تصبح الأبلق.