الفصل الرابع: خيبة

36 6 0
                                    

تحت سماء مضطربة تكدست السحب الرمادية المكهربة تسكب الضوء وتنذر بقدوم العاصفة، لم تكن الأجواء وحدها مضطربة وغاضبة وها هي ذي عائلة السيد ابراهيم في حيرة من أمرها، خائفة مترقبة وكأنها تنتظر أن يضرب الرعد ليزعزع كيان الأم لتنفجر هذه الأخيرة غاضبة في وجه زوجها الذي كان يجلس متربعا ويمناه تحتضن سيجارة تحترق ببطء وتصاعدت منها سحابة من الدخان المتكاثف:

« كل هذا من وراء أفعالك يا ابراهيم، كم مرة كررت على مسامعك أن تكف عن مقارنة بدر بإخوته، وإن تصورت أن هذا يشجعه فإنك على خطأ كبير، لن تتسبب سوى في دماره على هذه الوتيرة، أنظر إلى ما أوصلتنا إليه كلماتك الجارحة تلك عن كون مستقبله في الزراعة ، بالله عليك يا رجل ارحمه قليلا!»

وسكتت السيدة فاطمة تنتظرردة فعل زوجها فجحظت على تأففه وكان جوابه أن صاح بها بنفاذ صبر: « بل هو نتيجة دلالكِ الزائد، سيعود بمفرده عندما يهدأ ويعود عقله إلى رأسه.»

غمغمت الأم في قلق شديد: « أستغفر الله. »

تدخل الجد مشيرا نحو السلالم: « ربما يكون نائما في العلية، غالبا ما ينعزل هناك حينما يغضب. »

هب شهاب مسرعا يصعد الدرج ولكن سرعان ما عاد هازّا برأسه أن لا وجود لأحد.

سارعت الأسرة للخارج لمباشرة البحث عنه خشية أن يكون قد أصابه مكروه، وبعد دقائق عدة هرع الجميع على صراخ الأم، فتحت عيناها على مصرعيهما وصار وجهها شاحبا كخرقة بالية: « لماذا غطاء البئر منزوع؟»

اكفهر وجه الأولاد ناظرين لفوهة البئر وشحب وجه البقية، حركت الوالدة رأسها في غيراستيعاب وبدأت تتمتم مستنكرة: « كلا، كلا، كلا، لا يمكن. »

تحجرت الدمعة في خضراوتيها واقترب والدها مربتا على كتفها قبل أن تشهق بالبكاء: « لابد وأنني نسيت إغلاقه يا ابنتي، محال أن يكون قد وقع هنا فطوله غير مناسب، يبدو أن الخرف شق طريقه نحو عقلي. »

ارتخت السيدة فاطمة على العشب من هول الصدمة بينما هرولت أختها مريم نحوها محاولة تهدئة روعها لكن سرعان ما عادت للوم زوجها فيستغفر ويدعو أولاده لمواصلة البحث عن شقيقهم حتى لو اضطروا لطرق أبواب الجيران باباً باباً.

في مكان آخر حيث الهدوء والدفء ينسجان خيوط السكينة، فتحت الثلاجة وامتدت يد لتخرج علبتي طعام، خطا نحو قاعة الإستقبال ليرتب المائدة ويضع الأطباق ثم يهّم بسكب حساء اللحم والخضار، دنا إلى مسامعه صوت غريب لم يألف وجوده بعد، التفت مبتسما بهدوء فلمح شيخا يجاهد جسده الهزيل ليدفع عجلات الكرسي ويستقر قرب المائدة، طبع ابتسامة دافئة على محياه وقد اشتعل الشيب في رأسه وذقنِه المرتب بعناية فائقة، بينما يتلمس اللصاقة على جبينه الذي اكتسحته التجاعيد ويمد ذراعه الملتحفة بضمادات ويدعوه للجلوس متحدثا:

الأبلقWhere stories live. Discover now