الرّعَايَا

By da__hr

17.4K 1.3K 1.6K

٭٭٭٭٭٭٭ = ليتنِي كُنتُ مثلكَ سيَادَة الجنرَال، أبكِي دُونَ دموعٍ، أفرَح دون اِبتسَامة، أغضَبُ دونَ تقطِيبة حا... More

1 | خطابٌ مَسمُوم .
2 | تحتَ التّراب .
3 | رَثَاثَةٌ وعيُونٌ ناعسَة .
5 | مَاءٌ لَيّن وأيْدِي مُكَبّلَة .
6 | رِشْوةٌ وعروسٌ باكيَة .
7 | ليلٌ أَسوَد .
8 | عنقُود الأَمَل الأخِير .
9 | جرعَةُ دماءٍ، وأَسرارٌ أخرَى ..
10 | شُيوعيٌّ فِي الجزَائِر .
11 | حقِيبَتَان .
12 | الصَّاع الأوَّل .

4 | وَارْنِي .

1.3K 135 83
By da__hr

أستغفر اللّه العظيم وأتوب إليه .✨
.
.
.
.
.

وتأتِي الوحشة، بفرسانها السّبعة، تحوم حول رأسكَ، تنهش عنقكَ، تفتّت عظامكَ، تقطّع قلبكَ حتّى تهلككَ ! وتزهق روحكَ، تجعلها تسبح في سرابٍ، وتطوف بين ذكرياتْ ..

ويُقبل علينا الخوف، من بوّابةٍ أخرى .. يبعزق السّكينة المترامية بين أشلائنا، يمزّقها أكثر، ويُحيل تلك الضّحكة لمجرّد نظراتٍ متوتٌرة تتنامَى وسط أفقٍ بعيدٍ .. تزيل العديد من الأحاديث، وتبعد أكوامًا من رفقةٍ، تجعلنا ضائعين، تجعلنا لا نودّ الكلام أو النّطق بنصف حرفٍ واحد، تجعلنا نودّ الصّراخ بأعلى صوتٍ، ومطالبة الجميع بالابتعاد عن أرضٍ باتت فوضويّةً .. للسّماح لنَا .. ومنحنا فرصةً لالتقاط أنفاسنَا ..

كان كلّ شيءٍ مظلمّا، مغلقّا بين عينيّ وأمام طريقِي .. وفي تلك الأيّام، كنتُ أجاهد لاقتناص بضع زفراتٍ ألملم بها شتاتِي، ألتفت لصديقتي المقرّبة وأتخيّل أسوء السّيناريوهات الّتي بإمكانها أن تحدث، أتخيّل صراخًا، فجيعةً، توبيخًا وسخطًا، أتخيّل دمعةً، انكسارًا وخجلّا وإحراجًا، ندمًا ثمّ انهيارًا ..

وأنزوي على نفسِي، أتكوّر بجسدي في إحدى الزّوايا، أشهق بصمتٍ، مرّةً أو مرّتين، ثمّ أقف وأمضِي ..

اِنطلقتُ، تردّدتُ، تعثّرتُ، وقفتُ، تراجعتُ ثمّ اندفعتُ .. كسهمٍ أحكمتُ وثاقه الرّماح ! ولعلّي أكتب الآن وأناملي ترتجف بعض الشّيء، آملةً أن يكون هذا الفصل بشارة خيرٍ، تجعلني بمجرّد أن أقدم على هذه الخطوة .. ينفجر ثغرِي بابتسامةٍ سرمديّة، أتقافز مفتخرةً، رافعةً هذه الأحرف، ومحسّنةً في مستواها أكثر ..

لعلّي بمجرّد أن أتقدّم لذلك المكتب الخشبيّ، فاقع اللّون، صلد الأوصال، خلال حصّتين فريدتين من نوعهما، أجد جزءًا كبيرًا مفقودًا منّي .. في حضرة جمله العظيمة الدّاعمة ..🤍✨

*******************

خذوا شهيقًا وزفيرًا، فالأحداث ستنقلب رأسًا على عقب .. دهر تتمنّى لكم قراءةً ممتعة ❤️✨
.
.
.
.
.
.
.
.

ظلام، عتمَة، صقيعٌ وقسوَة .. وكأنّ كلّ شيءٍ تكدّس وتكثّف وعلق في عمق عنقِي، فمنذ بزقِي لتلك الدّماء، وأنا أشعر بأيادٍ تسحبني، تمسكني من قدميّ وتغرقنِي وسط غطرسَة حفَرهَا، تأكلني بأصابعها، وتعتصرني بين كفّيها الغليظتين، تجعلني حطامًا، تمسحني ثمّ تفرشنِي فوق أشواكهم، تشجّعهم، تهتف مصفّقةً، فيحرقونني بأنياب باطشة !

سعالٌ قويًّ كان كفيلًا بتحريك بضع أنامل مستقرّةٍ على يدي البيضَاء، اِبتلعتُ ريقي بعسرٍ، وأنا أحسّ بمرارةٍ وحرقةٍ شديدةٍ توضّعت على جنبات حلقِي، ألم مزعجٌ اِستعمر تراب عينيّ، آمرًا بانغلاقهمَا تمامًا، وبالفعل .. لم أستطع فتحهَما، وكأنّ لاصقًا قد تشبّث بجفونهما المتعبَة، جاعلًا إيّاي مجرّد غارقةٍ في بحر هذه الدّجنَة ..

كافحتُ في تحريك جسدِي، لكن النّتيجة تبقَى نفسهَا، أُصبتُ بالخدر، أضلعي كلّها غُزيت بالشّلل الّذي ولج لعظمي ينخره كسمٍّ زعاف ..

وبعد خوض معارك عدّة، خرجتُ منها شبه خاسرة أو مهزومة .. فتحتُ عينيّ أخيرًا، مستعدّة لتلك الرّؤية الضّبابيّة، وبالفعل .. قابلنِي سقفٌ أحمر، فُكّك كالدّم في عقلي الّذي لا زال متمسّكًا بسباتهِ، مطالبًا إيّاي بالغوص في بحيرته الدّهماء هذه ..

رفعتُ يدي اليمنى أدعكُ بهَا عينيّ فجبينِي، أحاول توضيح الرّؤية أكثر، انقلبتُ على جانبِي الأيسَر أطلق أنينًا خافتًا، فعلًا أحسّ وكأنّي متّكئةٌ على صفيحةٍ أو فوق قمّة جبلٍ شديد الارتفاع والانحدَار .. فراشٌ وكأنّه بُني من الصّخر تحتِي، وجوٌّ باردٌ وخانق، رغم أنّي لا زلتُ شبه واعيةٍ، إلّا أنّي اِستطعتُ اقتناص وتحسّس هذا الاستيقاظ المفجع والبدايَة المؤلمَة ليومٍ ظننتُ أنّه لن يكتبَ في ذاكرة حياتِي، بعد إغمائي المرعب ذاكَ !

وطفح كيل أضلعِي الّتي تنامى فيهَا نشاطٌ غريب، مطالبةً إيّاي بنفض غبَار التّعب ومحاولة اِستدراك وضعي البائس والمسارعة للتّجهز للمحاضرة التّالية اليوم والّتي لا شكّ أنّها بدأت منذ مدّة، ويجب أن أستعدّ لتوبيخاتٍ وصداع رأسٍ آخر منذ الصّباح الباكر ..

قمتُ بصعوبةٍ أرتكز على كلتَا كتفيّ، لكن مهلًا .. الغرفة أصبحت معتمةً بطريقةٍ لا يمكن وصفها، بطريقةٍ قاسية، موجعة وغير محتملَة، جعلتني أقشعرّ بردًا ورهبًا .. عدّلتُ شعري الّذي تجعّد بشدّة بعدما حككتهُ بعنفٍ، ثمّ دلكتُ عينيّ للمرّة الثّانية، لربّما تتوضّح أركان فيلم الرّعب هذا أكثَر، ويا ليتنِي لبثتُ نائمةً بهدوءٍ وطيبةٍ فقط !

.

.

جدرانٌ صفراء باليةٌ أحاطتهَا بقعٌ سوداء داكنة، توقّعتُ أنّها ستتهاوى في أيّ لحظةٍ معتصرةً إيّاي بين أعمدتهَا، برميلٌ أزرق صدئٌ موضوعٌ في زاويةٍ من الغرفة الّتي لحقتها بضْع قطيراتٍ من ضوء الشّمس الّذي اخترق قبل قليلٍ صمتها من إحدى الثّقب الجالسةِ على أحد جدرانهَا، والّتي سمحت لِي بتفحّصها بشكلٍ مريحٍ أكثر ، ثمّ سرعان ما اختفى واِندثر .. طاولةٌ صغيرةٌ دائريّة خشبيّةٌ متآكلة الأطراف، تقع بجانبِي، فوقهَا فتاتُ خبزٍ، كأسٌ يعانِي من نفس الحالة المأساوية لذلك البرميل، ولعلّه مُلأ بالماء حتّى لم يبقَ القليلُ ويفيض متفجّرًا بكلّ همٌٍ تحجّر في قلبهِ .. صحنٌ خشبيٌٌ متآكل الأطراف مع ملعقةٍ ترابيّة اللّون رثّة .. كلّ هذا المشهد السّينمائي المريب جعلنِي أستذكر الكثير من الأشياء الّتي جمّدت روحي وجعلت جلد ذراعيّ يقشعرّ دون حولٍ ولا قوّة ..
.
.
.
.
.
.
وضعتُ قدميّ على زربيّةٍ حمراء مزركشةٍ لا تقلّ رثاثةً عن الطّاولة والأرضيّة الرّمادية الحاملة لها، رفعتُ رأسي مقاومةً صداعًا شديدًا، لألحظ وأخيرًا السّقف المبنيّ من قرميدٍ بليل، سرقَ من تلك المزركشة المنعكسة بين مقلتيهِ لونهَا، ثمّ نسبه إليها بكلّ تغطرسٍ وجبروت ..

جاهدتُ، محاربةً ألم رأسي، محاولةً تجاهله للمرّة المليون، ضغطتُ على أعيني التّرابية بقوّةٍ، ثمّ عدّلتُ جسدي ووقفتُ، وبمجرّد أن فعلتُ ذلك ! اِنهال بصرِي على فراشٍ ذو لونٍ أصفر باهتٍ آخر مرميٍّ بإهمال على الأرض، موازٍ لخاصّتي الّذي كنتُ أتخبّط في صلابته، مع أفرشته القرمزية الحمراء المخطّطة بطريقةٍ تقليديّة عتيقة .. لكن من صاحبه ؟ لا بل السّؤال الّذي توجّب طرحه الآن، هو ما الّذي يحصل هنا بالضّبط ؟!

« هل يُعقل أنّهم غيّروا ديكور الجامعَة ولم يخبروني بذلكَ ؟ حتّى تلك الشّقراء مقيمة الحفلات ؟ لكن ما هذا الذّوق القاسي الّذي يمتلكونه حقًّا ؟ »

تقدّمتُ خطوتين مع هذه النّبرة الهامسة المتوتّرة، أضع إحدى أصابع يدي اليمنَى على ثغرِي، وأنا أروح جيئةً وذهابًا على أسطح هذه الغرفة الّتي بالكاد تحمّلت وقع خطواتِي، ليخطر في بالي أمرٌ هتفتُ به بلهجةٍ جزائريّةٍ أقوى من سابقتهَا :

« أم أنّهم قاموا بطردِي ونفيي لهذَا الملجأ ؟! أو لربّما قام ذلك المسؤول باختطافِي تحضيرًا لإعدامي بعد مسلسل الدّماء الّذي رُسم في مكتبه ؟ »

لا ! مستحِيل ! لن أستوعب كلّ هذَا ! هذه الظّنون بحدّ ذاتها تغمسني في بحرٍ دون ماء .. وبمجرًد أن حاولتُ التّقدم ! أحسستُ بشيءٍ صغيرٍ يتناثر على غبراء تلك الزّربية القرمزيّة متأثّرًا من وقع خطواتِي المتجبّرة الّتي هزّت أركانهُ .. دنوتُ منه، دُفعتُ فيه، ثمّ وقفتُ متأمّلةً، فإذا بي أجده ورقةً صفراء متوسّطة الحجم، والمشكلة أنّها تشبه بنسبةٍ كبيرة لون المخزّنة لحروف الشّؤم الّتي كانت بحوزتِي وحوزة ذلك المسؤُول، ودون تردّدٍ وتحليلٍ آخر، انحنيتُ ملتقطةً إيّاها، ألتقيها بين عروق يديّ الشّاحبتين ..

وفتحتهَا، لأجدها مكتوبةً بنفس الخطّ الفرنسيّ العتيق والباهت المتوضّع على ثنايَا الرّسالة الّتي كانت تحت قبر الماريشَال دي بُورمون .. وبمجرّد أن حاولتْ أصابعي ملامستهَا أكثر وقراءَة مضمونهَا، إذ بي أسمع هتافًا ! صرخةً وبكاءًا، نحيبًا لامرأةٍ وصيحاتٍ لأخرى، تلتها زغاريدٌ شلّت حركة أذنيّ ومنعتهما من آداء وظيفتهما بطبيعيّة !

تراجعتُ قليلًا للوراء، محاولةً إقناع عقلِي باستيعاب ما سمعه توًّا، ثمّ دقّقتُ جلّ أنفاسي ونظري نحو تلك السّتارة المزركشة بألوانٍ فاقعةٍ عدّة، والواقعة على شمال فراشِ الشّخص المجهول، تآكلت أطرافهَا السّفلية بوحشيّةٍ، معطيّةّ منظرًا آخر موجعًا، ولم يكن لهذا الذّهن الفضوليّ الوقت الكافي للتًوجه نحوها ورؤية ما تخفيه كواليسهَا، بعد أن قابلني مباشرةً بابٌ خشبيّ لا يغني ولا يقِي من هذا الصّقيع الّذي خرّب حنجرني ونخرهَا، محدثًا ارتجاجاتٍ عنيفة داخلها ..

وحاولتُ فتح قفله، ومداعبة ترابه الفاتح، جذبته نحوِي، لامستُه برفقٍ، خائفةً من أن يعلِن انتقامَه تاركًا نفسه، منتشرًا على بقَايَا جسدِي وذراعي - المسكِين -، تراميتُ مستديرةّ للورَاء، أعيد غلقَه، متنفّسةً بعمقٍ، وكأنّني أستعدّ للولوجِ إلى واقعةٍ مدمّرةٍ، وأتخبّط وسط أشرعتهَا حتّى تتبعزقَ أضلعِي مفارقةً هذَا الجثمَان الخائِر ..

أقفلتهُ بعدما وضعتُ الرّسالة فِي جيبِي، وأدركتُ متأخّرةً أنّي مرتديةً نفس المعطف، نفس السّروال البنيّ الكلاسيكيّ والقميص الأبيضَ النّاصع رفقَة أزراره الرّماديّة .. وبنفس ذلك الحذَاء الأسود الطّويل بعض الشّيء ..

والتفتّتُ ! غَير آخذة باحتياطاتِي للتحضّر لهذه الصّدمة الكبرى الّتي حلّت هنا ..! وصفعتنِي الرّياح، ألقَت جبروتهَا عليّ، آملةً رميَ بعضٍ من برسِها لعلّني أفيق من الدّهشة الّتي رُقشت علَى طليعتِي بطريقةٍ ساخرة .. ارتفعَت زاويتَا شفتيّ بَين أسناني الّتي اِنحشرت فيما بينهَا كي تدفّأ نفسهَا من هذا الزّمهرير اللّاسع غير المحتمَل ..

ومكثتُ .. معَ مقلتيّ المفتوحتَين علَى مصراعيهَا، كلّ شعرةٍ من خصيلاتِي، وكلّ رمشةٍ متربّعةٍ على جفونِي تجمّدت ! متكئةٍ في أحد الجحُور .. عاجزةً عن التّعبير ووصفِ ما شهدتهُ، وما أشهده أنَا ها هنَا !

عشبٌ أصفَر، مترامِي الأطرَاف، يصِل لركبتيكَ، يخترقهَما ! معكّرًا صفو راحتهمَا، سماءٌ ملبّدةٌ بغيُوم داكنَة، منقبضَة، وبيوتٌ رميمةٌ متراميةٌ هنا وهناكَ .. أشجارٌ كثيفةٌ شكّلت سبيلًا نحو غابة شاسعةٍ، موحشةٍ، ودعجَاء .. كلّ هذَا .. كلّ هذا لم يلسَع دهشتِي ولو بنسبة واحدٍ بالمئة ! عيناي المتجمّدتان توجّهتا مباشرةً نحو مشهدٍ أعادَ لي صندوقُ صورٍ، وبضع رمادٍ وصيحَات .. زلزل قلبِي، وتآكل في مهجتِي، وعبث متراقصّا حول جحيمٍ لظَى ..

« يَا ويحِي عليهِ، يا ويحِي على شيخنَا العظيمِ، يا ويحِي على الشّيخ جلّول، على كلّ نسائمه، وعباءتهِ البيضَاء المرفرفة علَى هذه الأرض المذبوحَة .. مزّقوه، ونثُروا دماءهَ الطّاهرة بكلّ وحشِية، لا وفّقهم اللّه .. لا حفِظهم ولا مهّد لهم طريقهم .. يا ويحَنا عليهِ .. »

صرخَات، تَكبيرات، يليهَا نحيبٌ يشتّت الأنفَاس، ويقضِم المفاصِل والخلايَا ببطئٍ، لزمتُ متصنّمةً في بقعتِي، أتأمّل النّساء وهنّ متوضّعاتٍ علَى غبرَاء قاسيةٍ يتدافعنَ بين أحضان بعضٍ، يطبْطِبن علَى ظهورِ بعضٍ، ويمسكن برؤوسٍ بعضهنٌ البَعض .. يمسحنَ دموعهنّ في محارمهنّ، ثمّ يغيّرن جلستهنّ لأخرَى أكثر وجعًا، ويعدن تلك التّكبيرات تدريجيًّا .

كلًهنّ كنّ يرتدِين ألبسةً تقليديّةً متناسقةً، وبنفس اللّون .. محارمٌ مزركشَة، ومعاطفٌ حريريّة من المؤكّد أنّها خيطت بأيدي حرّةٍ مجاهدةٍ ومحاربة .. كلّ هذا ذكّرني بتلك الأفلَام الثّورية، الّتي غرقتُ في عبيرهَا وسط جوّ عائليّ يسوده الصّمت بمجرّد الطًفق في عرضهَا، تركيزٌ شديد، أعينٌ مقبوضَة، فمٌ مفتوحٌ بعض الشّيء، ثمّ بضع أوجاعٍ وصرخاتٍ داخليّة، تسقي بذورهَا دماءُ شهداءٍ تناثرت على شاشَة التّلفاز الكبيرة، منقيّة ومطهّرة إيّاها من كلّ دنسٍ ..

نفس تلك الأجواء تكرّرت على كتفيّ المتصلّبتين وأنا لابثةٌ ها هنا أنقبّ عن أيّ أثرٍ، يقودني خارجَ لعبَة الرّعب هذه، ومهمَا ثابرتُ للعثور علَى نقطةِ اختلافٍ أو شيءٍ من تلك الأخطاء السّبعة ! أعود خاليَة الوفَاض ..بخلايَا عقلٍ منهكَة ..

وبمجرّد أن صارعتُ للتّقدم ومعرفَة ماذا يحصل هنَا بالضّبط ! اِصطدم بِي جسدٌ صغير .. لا ! بل اِلتصق بي بشدّة معانقًا أضلعِي بكلّ ما أوتي من صلابةٍ وكأنّه ينوي عصرِي أو كسر عمودي الفقريّ ..

« أختِي ! منذ مدّةٍ وأنا أنادِي عليكِ، لكن لم تسمعينِي، هل أنتِ بخير ؟ ما بالكِ شاردةً هكذا ؟! »

بخير ؟ أختِي ؟! أيّ أختٍ ؟! أظنّ إن لم يخنِي سمعي أو ذاكرتي المخبُولة أنّي أمتلك أخًا واحدًا أصغر فقط .. ولا يقطن فِي هذه القرية المريبة أصلّا، بل في إحدى البيوت العتيقَة بدولة الجَزائر، وأنا الآن في فرنسا صحيح ؟ أم أنّ ذلك الولوج المعقّد والمسؤول المتصلّب وعائشة والمديرة العصبيّة وتلك الإجراءات المزعجَة وآلة الحدِيث ومقيمَة الحفلَات والبروفيسورة مجرّد كابوسٌ أو حلمٍ عابرٍ أو أوهامٍ تحاك فِي رأسِي فقط ؟

انبطحتُ بأوجِي نحوه، ولم أغفل عن قرص ذراعيّ - المسكينين هذه المرّة - مرارًا وتكرارًا، وبسبب قامَة صاحب الصّوت الرّقيق، كلّفني الأمر إطباق حلقِي على رئتيّ بشكلٍ مضحكٍ طفوليٍّ ومثيرٍ للسّخرية ..

.

.

.
شعرٌ بنيّ غامقٌ مبعثر، متناثرٌ على محيّاه البيضاويّ البريء بصورةٍ فوضويّةٍ وغير مرتّبة، وبمجرّد أن ارتفع بصرهُ لِي وأخرج رأسه من عظامِي .. قابلنِي زوجٌ من الأعين السّوداء، فيها لمعةٌ غريبة وكأنّها امتزجَت بعصارةٍ من أملٍ واِنكسار .. أيدٍ صغيرة، متشبّثةٌ بِي، ازرقّت تقريبًا بالكامل من قسوة هذا الزّمهرير .. هو في الأخير كان طفلًا ! لم أشهد مثيلًا لمقلتيه المتلألأتينِ تلك طوال حياتِي ..

« أختي ؟ »

أفاقنِي من حصص الفحوصَات والتّأملات الغريبة هذه صوته النّقي، وتساؤُله البرِيء الّذي بقيتُ لدقيقةٍ أخرى أستوعب مغزَاه، أختِي ؟ أيعقَل أنّه أخطأ وشبّهني بأختِه ؟ ورغم أنّني لم أتوسّل في حياتِي قط لأحدٍ مهما كان، لكن من فضلِكم فليخبرنِي أحدكم ماذا يحدثُ هنا ؟

ظلّ الطّفل مبتسمًا، ولم أعثر على فعلٍ أو حلٍّ مبدئيّ ينتشلنِي من هذَا الوحل الّذي غُمستُ فيه، سوى مسح رأسهِ ومداعبة خصيلاته الملتفّة حلزونيًّا، وإطلاق البسمة المريبة كعجوزٍ مجنونةٍ عثرت على حفيدهَا الضّائع بعد عناءِ سنين، وبنبرةٍ متقطّعة مفتّتةٍ تخبّطتُ جاهدًا في إلصاق حروفهَا ببعضٍ وتصليح الخلل التّقني اللّابث وسط صداهَا :

« إ..إذن أيّها الصغير، ما .... ما اسمكَ ؟»

بقي باهتًا، أكثر من طليعتِي الّتي اِنصبغت قبل هنيهاتٍ بكلّ ألوَان الصّدمة، الفاقعَة منها والدّاكنة .. وَشحبت ملامحه، مفجّرةً ذلك الإحباط المكتنز فِي عينيه .. وأعطِيه كل الحقّ طبعًا، ما هذا السّؤال الّذي لا مفهوم ولا مغزَى له ؟!

« أنا أحمد أختِي .. أنا أخوكِ الأصغر أحمد ! هل أنتِ بخير ؟! »

صوته كان مليئًا بالخيبة، هذا الوجه البرِيء قد أصيب بالخذلانِ بسبب كلّ تلك الحروفِ الخرقَاء الّتي فجّرتها عليه .. وكنتُ على وشك توضيحِ الأمر له، وإخبَاره أنّه لربّما أخطأ، فأنا لستُ أخته .. لكنّي تراجعتُ في اللّحظة الأخيرة، وأعملتُ ذهني الخائر قليلّا .. انبطَحتُ نحوَه، مقرفصةً على قدميّ، معدّلة في البسمة المدبّجة على هذه التّقاسيم، ومتأمّلة هذا المحيّا السّمح أكثر، اِلتقطته بين يديّ، ودلكتُ خدّيه الطّريتين وسط أحضان كفّيّ .. كان باردًا، نحيلًا .. ورغم جسده الصّغير، لبِث صامدًا، لبِث واقفًا مستقيمًا ضدّ قسوة هذَا القَرس وغطرستهِ .. ثمّ لان الانكمَاش الّذي اِستغلّ جفونِي، مكافحةً مرة تليهَا مرّة .. في تدفئة وجنتَيه الورديّتين بَين راحتيّ ..

.

.

.
وظلّ يطالعنِي، وفعلتُ المثل، وفِي نفس الوقت .. بقيتُ أفكّر في أيّ عبارةٍ أخرى أطفأ وأريح بها نظراته النّزيهة المترقّبة .. طالعتُ حولِي، جلتُ بين أزقّة انكسارهنّ وصرخاتهنّ، ثمّ حطّت أجنحتِي على ريفٍ وعشبٍ مختلطٍ بين الأخضر والأصفر، وبيوتٍ رثّة متراميةٍ فوضويّة الأركان .. وفي الأخير، وبعد تفكيرٍ مضنٍِي، انبثَقت كلماتٌ غير طبيعيّة أو منطقيّة البتّة، لا يمكن للعقل البشريّ مهما زادت خبرتهُ استيعابهَا أو تصديقهَا، ومع تلك التّكشيرة الجديّة الّتي رقشتهَا .. بدا وضعي سيئًا ومستعصيًّا حقًّا ..

« أحمد ! في أيّ سنةٍ نحن بالتّحديد ؟ »

وقبل أن ترتخِي رموشهُ مستمتعًا بنسبة الدّفء الّتي حلّت على وجنتيه بكميّةٍ لا بأس بهَا .. بزغَ حماسٌ طفيفٌ أزهر أنفَه المحمرّ، واضعًا عليه براعم صغيرةً .. لاح وكأنّه يستذكر شخصًا ما .. شخصًا أغدقَه بالعديد من المعارِف والعبر :

« لقد أخبرنِي الأخُ مَأمُون أنّنا فِي أواخر سنة 1918 »

جملةٌ وحيدة، بحروفٍ تقاطرت على كلَا جانبيّ، وبأربعة أرقامٍ صبّت على رأسي، كحمم بركانيّةٍ انقشَعت من بين جحيمٍ مستعرٍ .. أحسستُ أنّ كلّ عرقٍ ووريدٍ متربّعٍ بين خلايَا جثمانِي تجمّد معلنّا أمام الملَأ استسلامه وعدم مقدرته على الاِستمرار والتّحمل فوق كلّ هذه الصّدمات الّتي تتالَت عليه كالسّيل الّذي جرفنِي وجرف كلّ الكلمَات .. كلماتٌ بُنيت فوق بئرٍ، فوق صحراء عطشَى .. تلوذُ متلفّة حولَ كثبانهَا كطيرِ حسّونٍ مثقوب الجنَاح ..

ما أصعب الجمَل حين تتزاحمُ مصطفّةً على عتبات قصباتٍ هوائيّةٍ وحلقٍ فُجّر واِنشقّ من كثرة الألمِ، من كثرةِ قطَع هذا الرّماد، هذا العجيجِ، وهذه الجلجلة الذّابحة .. وسلسلة الدّهشة المتقافزَة على أطراف هذا الزّمن الّذي لم أفهم ولم أستوعِب كيف تمّ رميِي وإلحاقِي به، وإخضاعِي في قفص خيلائِه وغطرفتهِ .. أوَ هل يعقل ؟!
.

.

.

« تلك الشّارة الحاقدة المزعجَة المشؤومَة الشّريرة الغيُورة المتجبّرة غير السّوية عديمة اللّون !! »

ندهتُ بها بصوتٍ مسموعٍ بعدما ابتعدتُ عن أحمد سريعًا، واتّخذتُ زاويةً معزولةً عن أولئك النّسوة .. ووسط نظراتِ الصًغير المسكِين المصدومةِ أمَام تصرّفاتي الأرعنة هذه .. كبحتُ سيل العتاب والشّتائم والتفتتُ نحوه ضحوكةً، والمشكلة أن توتّره زاد أكثر .. لكن ما عسَاي أفعل وأنا الآن لا أفقه كيفيّة أخذ بضع شهقاتٍ بطريقةٍ شبه طبيعيّة، بعدما وجدتُ نفسِي غارقةً في هذه الدّوامة، في هذه الصّرخات، وفي وابلٍ من المآسي والاِضطرابات .. وقد نقعتنِي، غمرتنِي بين رمالٍ جهنميّة حارقَة .

صارعتُ في تهدئة نفسِي على قدر المستطاعَ، أخذتُ بيده الباردة الضّئيلة واضعةً إيّاها في عمق كفّي شبه الدّافئ .. استدرتُ نحوه مطلقةً ابتسامةً أخرى كانت صدوقةً هذه المرّة ..وجذبته نحوِي، برفقٍ متًجهةً نحو أولئك النّسوة البازغات بين آفاق عبراتهنّ .. يحكن في هذه الرّوح مجرّد خيوطٍ متلفّةٍ وطويلة من كمدٍ ساحق .. ودستُ على هذا الخلد واِنطلقت، مثلما دستُ على تلك الأحجار طاحنةً إيّاها تحتَ حذائي الطّويل الأدهم ..

« إذن أيّها الصّغير الوسيم، ما الّذي يحدث هناك بالضّبط ؟ هل حدثٌ شيءٍ آذاهنّ لهذه الدّرجة أحمد ؟ »

حاربتُ مجاهدةً في توسيع فتيتاتِ تلك البشَاشة على المحيّا، ورغم هذَا .. استشعرتُ بانبثاقِ إحباطٍ آخر على براءة تقاسيمهِ مستعمرًا إيّاها، وكأنّه يلتقفُ بضع ذكرياتٍ سيئةٍ عاثت في نفسه وعكّرت طفولته وشوّهت الفرح المتقافز في ثنايَا فؤاده الصّغير ..

وكما نعلمُ جميعًا .. هذه التّكبيراتُ والزّغاريد المكرّرة اليائسة الّتي فجّرنهَا أمام هذا القدرِ، والّتي بدورها تستطيع أن تغرسكَ في حالةٍ نفسيّة صعبةٍ معهنّ، لن يكون سببها هيّنًا، ولن يتمّ تقبّله بتلك السّهولة .. الأمر مؤلم فعلًا ..

« لقد تمّ إلقاء القبض على أحدِ شيوخ المنطقَة أختِي .. وبعد أن ظنّنا وأملنَا خروجه .. تمّ إعدامه فجر اليوم، لهذَا بقيت العمّات يبكِين عليه، لقد كان حقًّا يساعدنَا أختِي، كان دومّا يعلّمني ويوجّهني ويرشدنِي ويصحّح عثراتِي مع السّيد مأمون .. لكنّه الآن قد رحلَ ..»

قوّس ثغره قليلًا، ولم يكن منّي سوى التقافه لحضنِي مرّةً تليهَا أخرى ومكامعته والسّير به بتلك الطّريقة .. ماذا أقول ؟! ماذا تستطيعين يا جوان التّفوه به أمام هذا البريء وأنتِ أصلّا لا تفقهين هذا المكان الأشبه بغبراء من كوابيسٍ وأطياف ؟ تخبرينَه أنّ ذلك الشّيخ - رحمه اللّه - في مكانٍ أفضل مثلًا ؟ أم تستعملين نفس هذه الجمل المبتذلة المستخدمة من طرف العديد ؟ لا .. أيّ من هذا لن يفلح في التّخفيف عنه ولو بربع درجةٍ ..
.
.

.
حاولتُ تشكيل بضع أحرف، تركيبها، بعد ترتِيب معانيهَا وتأثيراتهَا، تحليلهَا، نشرها على أرضِي وتجريبهَا .. ولكنّي لم أستطع حتّى لمس خلده الرّهيف والطّبطبة عليهِ، وأنا أواجه نظراتهنّ المثبّتة عليّ .. بتلك الصّورة الحادّة الّتي أرغمتنِي على إطباق فمي ضامّةً أحمد إليّ أكثر، السّؤال المطروح الآن .. كيف وصلنا لهنا بهذه السّرعة ؟!

لبِثن يتفحّصنني جيّدًا، يرفعن أعينهنّ لمقدّمة رأسِي، ويسرن بهَا حتّى أخمص قدميّ .. أعلم أنّ ملابسِي تبدو غريبةً بالنّسبة لهنّ بعض الشّيء، لكن ليس لهذه الدًرجة الّتي تجعلهنّ يبدين هذه الشّرارات النّارية ويخرجنهَا للوسَط، قاذفين إيّاها نحوِي .. ورغم الدّموع المتجمّعة تحت تقاسيم بعضهنّ، إلّا أنّ أغلبهنّ انشغلن بالتّنقيب واِكتشاف نوع الكائن الحيّ المدعوّ بجوان !

ووقَفن .. منتشراتٍ على هذه الغبراءِ العسجديّة، متجاوزاتٍ الجثمان الواقف أمامهنّ، وكأنّه غير مرئيّ، وكأنّه لا يُرى بالعين المجرّدة .. وقبل أن أستوعب سبَب هذَا النّفور الواسع الّذي أتلقّاه من كلّ شبرٍ أضع فيه قدميّ، انتشل أحمد نفسهُ من مكامعتي الغريبة تلك وانتشلنِي من قفص أفكاري السّوداويّة أيضًا، جاذبًا إيّاي نحو خطواتهنّ .. لنتبعهنّ، دون النّطق ببنة شفَة ..
.
.
.

وكعادتِي .. لم أفق إلّا ونحن نلجُ إحدى البيُوت المتراميَة والّتي كانت تشبِه في طريقة بنائهَا الدّار الّتي استيقظتُ من حشائشهَا كاشفةً عن هذه الفاجعَة .. والآن لا زلتُ معتقدةّ وشبه مصدّقة أنّي في كابوسٍ لربّما سينجلي عاجلًا غير آجلٍ، لهذَا تقدّمتُ فقط ..

كان البيتُ أوسع وأحسن بقليلٍ، مرتّبًا بشكلٍ تقليديّ يأسِر العيون رغم بساطتهِ الشّديدة، مع غرفتَين ملتصقَتين ببعضهما البعضِ، وبضع أفرشة رغم رثاثتهَا إلّا أنها لم تخلُ من زخرفةٍ مختلفة الألوان والأشكال والمضلّعات أيضًا، ذكّرتني بدروس الخلايَا الّتي رغم سهولتها إلّا أنّ عقلِي يمشي بشكلٍ عسكيّ في حضرة امتحاناتهَا .. وغصتُ في جدران الدّار أكثر، أنبش الألم المخفيّ والمتشقّق وسط أعمدتها .. نعم .. وللمرّة الثّانية أحسّ أنّي داخل فيلم ثوريّ ..

صمتٌ مرعبٌ اِنطلق على أفواههنّ، رغم الصّقيع المخيّم على الغرفَة الّتي تجمعنّ فيهَا، يعدّلن في ثيابهنّ الّتي اتّخذت من تلك الزّرابي شكلّا وطابعًا وقالبًا لهَا ..

كان سكونهنّ عجيبًا، تفجّرت منه بضع شهقاتٍ اِنبثقت من ثغورهنّ بطريقةٍ تكمش القلوب .. والتففن هناكَ، ملقين على رؤوسهنّ شيئّا أثار طعم الحماسَة فِي حلقِي ! وألهب المقلتينِ السّوداوتين المتربّعتين على طول رموشِي، أجَل ! .. هو نفسه ذلك الأدهم المرفرف على أكفّهنّ .. نفسه الّذي وارَى بضع دموعٍ تشكّلت على حناجرهنّ، وغطّى بمستطيلِه الأمهق العريض وجوههنّ، كاشفّا عن أعينهنّ فقط .. والّتي عشّش فيها شبح الألَم !

تصنّمت ملامحِي، وأنا أستذكِر بضع حروفٍ عسجديّة .. وتبسّمتُ، شاردةً في أكفّ السّواد المتناغم الّذي أسر عيونِي قبل أثوابهنّ .. وثبتت أنظارِي نحو واحدةٍ منهنّ، لا تزال تعدّله بعد أن انكمشَ على ذراعيها بعنايةٍ فائقة .

« يقال .. أنّ الملاية قد تمّ اِرتداؤهَا حزنًا وحدادًا على زعيم بايلك الشّرق .. الحاجّ أحمد باي .. ذلك الكرغليّ الّذي أنطق ضعف فرنسَا وعبث بهِ، حتى آخر أنفاسٍ شهقها بين أحضان نوميديَا الجنوبيّة .. »
.
.
.
.
.
.
.
وكأنّ الزّمن توقّف عندهنّ، تيبّست أطرافهنّ عن تعديل تلك الملايَات البهيجَة الّتي زيّنت وعبّقت عبير الغرفة البَارد .. ولبثتُ بشوشةً، غير منتبهةٍ للسّيوف المتجذّرة في تقاسيمهنً، تطالعنِي بنهمٍ .. هناك فقط وُجهت سوداوتيّ للأرض، وغرقتُ .. داخل عشرات الذّكريات، ألملمهَا، وأزرع داخل كلّ واحدةٍ منها زهرةً .. ورفعتُ أوجِي، ببضع مليمتراتٍ .. حتّى أستطيع تحديد ردّة فعلهنّ بعد نطقِي لهذه الحروف الخافتة المسموعَة ..

« من أخبركِ بهذه المعلومة القيّمة ؟ »

تجلّى صوت إحداهنّ من الأفق، رزينًا يبثّ الاطمئنان في عمقِ المهج، ولم أحسّ إلّا وهي تتقدّم نحوي بمبسمٍ تخافتت عنه الدّموع اليائسة تدريجيًّا، تاركةً إيّاهنّ يحلّلن أحجياتٍ لعلّها نُقشت على وجهي وحركاتِي بدقّة، وحوّلتُ بصرِي لكحليّتيها المختلطتين بعذبٍ من ثَرى، بعدما غطّت أنفها بذلك الأمهق المستطيل .. وتنفّستُ الصّعداء، شاطفةً الهواء المتواجد في البقعة بأكملهَا ..

« شخصٌ .. يحمل من الثّقافة ما يكفِي ليجعلكَ تغوص بين آلاف التّواريخ .»

اتّسعت اللّوحة الفنيّة المرسومة حولهَا أكثر، دنت، ثمّ اِستقامت، وضعت كفّها المنقوش ببضع تجاعِيد تعدّ على أطراف الأصابع، وهمست لِي بخفّة متجاهلةً فضولهنّ الّذي ألهب الجوّ الخانق المحيط بِي وبهنّ، وأيقظ فتيل الرّاحة داخل خُلدي المضطرب ..

« إذن .. يبدو أنّه شخصٌ تقتدين به وبثقافته حقًّا »

انتزعَت راحتهَا اليمنَى، تراجعت، واِستدارت .. بعد أن تأكّدت أنّي أومأتُ لها بخفّة، وقبل أن تكمل سمفونية خطواتهَا الرًزينة، هتفت على بُعد بضع أمتارٍ بعد أن ضربت بملايتهَا الأرضيّة تعدّلها أكثر :

« صغيرتِي جوان، هل جهّزتِ نفسكِ للذّهاب ؟ سننطلق لتعزية عائلة الشّيخ الجليل - رحمه اللّه - المكان ليس ببعيدٍ البتّة »

« عذرًا أيّتها العمّة .. لكن لا أستطيع ذلك، يجب أن أبقى مع أحمد وأرتب بعض الأمور المتكدّسة، لهذا لن يكون بمقدورِي أخذه معي أيضًا أو تركه وحيدًا، آسفة حقًّا، بلّغوا لعائلته سلامِي وتعزيتي، وأسأل اللّه أن يلهمهم الصّبر والسّلوان ..»

هزّت رأسها بتفهّمٍ، وأشارت للنّسوة الباقيَات هناك بالذّهاب، وبدورِي قمتُ بمناداة أحمد الّذي غافلنِي عند شرودي مع تلك العمّة، واتّجه ليمارس بضع تجاربه الطّفولية وضجيجه المشاغبَ في الغرفة الثّانية .. وبعيدّا عن التًوبيخات، هذَا الطّفل شيءٌ فيه يشدّني، يجعلني أندمج معَه دون أن أشعر .. هذَا الطّفل .. أحسّ أنّه نسخة أخرى عن أخي محمّد، وكأنّ ذلك المشاكس الّذي يقطن فِي بيتي مع والديّ تمّ استنساخه ووضعه في مكانٍ موجعٍ كهذَا .. وعلى ذِكر عبيرهم الحنون، أتمنّى أن يكونوا بخيرٍ، وأن ينتهِي هذا الكابوس قريبًا دون قلقٍ يأسرهم ويعكّر راحتهم بسببِي ..

وحلّ سكونٌ رهيب، بعد مغادرة السّيدات، ضغطتُ على معصم أحمد برفقٍ وخفّةٍ وأنا أجرّه وسط اِعتراضاته عائدةً للبيت الرّث الّذي لعلّه سيأوينِي رفقته حتّى أجد حلًّا لهذه المغَارة الّتي رُميت فيها بسبب شارةٍ فضيّة صغيرة أستطيع طحنها في قبضتيّ هاتين ..

فعلًا لم أكن قادرةً على الذّهاب رفقتهنّ، واجبي الوحيد والأوحد هو إيجَاد ولو ربعِ تحليل، أو فتاتٍ صغيرٍ يريحني، مفسّرًا لي ما الغموض والرّعب الّذي يحدث هنَا ..

وبعدمَا تأكّدتُ أنّ أحمد وجد ما يشغل به باله، من أخشابٍ صغيرةٍ بليلةٍ اِستقرّت على العشبِ الأصفر المحيط بالبقعة والجدران .. جلستُ على عتباتٍ وصخرٍ بعد رجوعنا، فتلك الدّار الدّهماء لم تكن بعيدةً عن البيت الّذي أفقتُ منه .. لهذا كان من الأفضل العودَة، خصوصًا بعد معرفتي من أحمد أنّه المكان الوحيد المتبقّي لنا منذ زمنٍ ..

وتراميتُ، جاعلةً وجهِي يعتمد على كفّي الأيسر بدل الأيمن هذه المرّة، ورقشتُ هذا العقل .. داخل الكثير والكثير من الدّوامات .. ودون سابق إنذارٍ، دُبّجت في إحدى خلايَا ذهنِي صورة الرّسالة الّتي عثرتُ عليها وسط أكفّ هذه الدّار اليتيمة .. لهذَا مباشرةً ! ودون تفكيرٍ معمّق، انهلتُ على جيب معطفِي التّرابي أفتّش عنها، حتّى التقفتهَا بين أنامل شاحبةٍ تقافزت على جنبات مقلتيّ فداعبتها .. باعدتُ بين رؤوسهَا، واسترسلتُ ملتهمةً ناهمةً أحرفهَا الفرنسيّة الباهتة :

{ أوه ! أيّها الرّفيق .. أما زلتَ حيًّا ؟ نرجو ذلك لأنّ مغزى اللّعبة ومحلّها وحماسهَا واشتعالهَا أيضًا طفق توًّا ..

لعلّكَ تفاجأت من التّغير المرعب في البيئة الّتي أنتَ فيها الآن، لهذَا سنختصر عليكَ طريق التّساؤلات المتعب هذَا، بما أنّك منهك القوَى .. ونبلغكَ بأنّك قد انتقلتَ نحو زمنٍ آخر ليس بزمنكِ، وأهلٍ غرباء ليسوا بأهلكَ ..

ستتألّم، ستنتحب، ستحمل فقط أشواك عمركَ، وسيكون بحوزتكَ اسمكَ الأوّل وذاكرتكَ لا غير .. مهمّتك ستكون سهلة الفهم صعبة التّطبيق، ولعلّك لن تصمد خلالَ مراحلها الأولى .. لكن ..

تحدّانا أيّها الغريب ! قم بجمع أشلاء تلك الفضيّة الّتي كانت بين يديكَ، ورتّبها قطعةً قطعة، هناكَ سيشرق الأمل، قاشعًا عنكَ غيمة أوجاعكَ ومواجدكَ، مذهبًا أوهام الرّجاء الّذي كنتَ تحاول لمسها ذات يومٍ .. اُركض أيّها الغريب ..

لكن لا تنسَ وكتحذيرٍ اعتبره نصب عينيكَ الضّائعتين المرتجفتين تلك، شتات فضيّتنا .. لن تجده سوى فوق ترابٍ حاصدوه ومقلّبوه مصنوعون من كلّ أنواع الكرهِ والحقد الموجّهة نحوك ونحو جنانكَ الّذي يطالع ويرتجّ .. حذارِي !

وقم أيّها الغريب، فهذه لعبتكَ، ستبكي فيهَا، ستبزق دمًا، وتبعزق قلبًا .. ومهما حاولتَ الفرار، ستبقَى أنتَ الخاسر الوحيد والأوحد، كن رابحًا .. واِرفع علمكَ .

كن .. أهلًا للتحدّي .. ! }

وتكوّرت الورقة وسط قبضةٍ سئمت حقًّا من كلّ هذه المتاهات غير المفسّرة، حشرتُ ركبتيّ إليّ أكثر، متراميةً بين ضياعٍ ومعضلةٍ، وتمّ سفك أعصابِي الّتي أُتلفت وغزاهَا الغضب .. هذا الفهم القليل، أو إن صحّ القول .. الضّئيل لهذه الأحجيات الّتي لن تحتمل، تجعلنِي أَعلن جنونِي وأنقشع في إحدى أتربة وطنِي المطحون ..

استقمتُ بعدما تأكّدتُ أنّ الجلوس بهذه الطّريقة لن يجدي نفعّا ولن يخمدَ اللّظى المتأجّج بين دواخلِي، وولجتُ لنفس الأسقف المتراكمة الرّثة الّتي خرجتُ منها مذعورةً ذات لحظةٍ .. ولبثتُ هناك، لما يقارب النّصف ساعة، أحاكي نفسِي كمخبولةٍ، وأضع بضع نقاطٍ على حروفٍ منحورة ..

إذن .. أنا جوان ! الطّالبة الجزائريّة الّتي كانت ضحيٌة تلك الشّارة الحقُودة، رُميتُ هنا .. وسط أزمنةٍ لا رحمة تحتويهَا، أزمنةٍ لم تشفق على ثَرى وطنِي المسحوق أو ترجع له ما سُلب منه، ما كان ملكَه وله ولشعبهِ ورعيّته .. حتّى لو كان الأمر لا يصدّق، في الأخير لاحظتُ وأبصَرت .. ثمّ قرّرت .. يجب عليّ أن أتماشَى حتّى أجد مفتاحّا يفكّ هذه الطّامّة، ولا أنجرّ نحو أوهام الاستيقاظ أو الكوابيس المعتمة .. ولا أنسَى أنّي داخل ترابِ وطني، هنا ! .. هنا الجزائر ! الجزائر المذبوحة سابقًا ..

وحسب ما فهمتهُ من تلك الرّسالة بعد سلسلة الرّهاب والرّجفة الّتي قمتُ بتمثيلهَا وسط اِصفرارٍ وبأسٍ، وبين زخارفَ وضيقٍ .. كلُّ ما أشارت إليه هذه الأخيرة هو أنّي سافرتُ عبر الزّمن لحقبة الاستعمار الفرنسيّ حسب العام الّذي أبلغني به أحمد .. ويتوجّب عليّ جمع أشلَاء تلك الفضيّة، ولا شكّ أنّها تقصد شارة النّحس تلك، لكنّ الأمر المثير للرّيبة .. هذه الأخيرة قد كانت بيد ذلك المسؤول بعدما سلّمتها له .. كيف انتقَلت إلى هنا ؟ وكيف أصبحت عبارةً عن مجرّد شتاتٍ وأشلاء حسب ظنّي وكما تمّ الذّكر .. أنا لا أفهم حقًّا، ولا ننسى الجزء الأخير من الرّسالة، والّذي جعلنِي أحبِكُ جلّ ملامح البهُوت على وجهِي .. أيّ أبواب كرهٍ وحقدٍ يقصد ؟ ومن هؤلاء الصّانعون ؟ أحسّ أنّي كصربيّةٍ هاربةٍ في محطّة قطارٍ ملّاكها ألمانيّون !

ولا شَيء من هذه الانفجارَات الدّاخلية والصّور البيانيّة السّياسية تفيدنِي، لهذا مباشرةً تقدّمتُ نحو كومةٍ مكدٌسة مرتّبةٍ بعنايةٍ في إحدى زوايا الغرفة .. قرب البرمِيل الأزرق، وانهلتُ .. أنتقِي ثوبًا واحدّا ذو أبسط تشكيلةٍ، فمع ملابس الفضائيّين هذه وفي هذا الزّمن بالضّبط، لن أستطيع المكوث دقيقةّ واحدة، أو تضييع الوقتِ في الشّجار ومحاولة إمساك أعصابي المشتعلة ضدّ النّظرات القاتلة الّتي وُجّهت وستوجّه نحوي قريبًا أيضًا ..

ومشيتُ بصعوبةٍ، كفرخٍ أصفر أضاع أمّه، واضعةً عباءةً سوداء تشبه لون تلك البهيجة المتوّجة على رؤوسهنّ، وجدتهَا تزاحم تلك الفساتين بدهمتهَا الّتي نهشتهنّ، مستمتعةً غير آبهةٍ باستغاثاتٍ ودموع ..

لففتهَا حول رأسِي وجثمانِي الّذي ارتشف من صقيعِ الشٌتاء حتّى يَئس .. وحاكيتُ ضجّة السّنون الّتي عبثت بِي راميةً إيّاي هنا .. بلا أهلٍ .. وبلا رفيق ..

لكن طبعًا، فترات الاِضطراب المسالم لن تدوم طويلًا لدى الآنسة جوان، خصوصّا أنّي تعجّبتُ من الهدوء البسيط الّذي أقبل لمهجتي وأخيرًا منذ بضع لحظاتٍ، فبمجرّد أن تلاعبتُ بذلك الخيط البسيط المتلصِق بالباب .. تنصّتت أذني دون إرادتي مقتصّةً صدَى ضحكاتٍ، يسودها حماسٌ طفوليّ، مع بضع توبيخاتٍ يسيرةٍ صادرةٍ من صوتٍ أنثويّ حبست السّكون الّذي أقمتهُ وأيقظتُه بداخلِي ..

فتحتُ المتربّع على أوتار الخشبِ بحذرٍ، سمحتُ لجسدي بتذوّق طعم هذه الرّيح الشّتوية السّابقة لأوانها مرّة تليها أخرى، وبمجرّد أن جذبتُ صاحب اللّون التّرابيّ محاولةً إقفالَه .. نبرةٌ مسمومةٌ ! طعنت حلقي قَبل أذنيّ، وعبثت بقلبِي قبل الذّهن واللّسان الّذي أمتلكه :
.
.
.
.
.
.
.
.

« راز .. تعالِي هنا، ولا تجرّبي الاقتراب منه ! »

أشعر بشعورٍ سيّء .. تلك الأشواك الّتي انغرزت فِي خلدي لا أشكّ أن حدسها سيخفق، لذلك التفتتُ، مستعدًةً للصّفعات المأساوية الّتي وُجّهت لوجنتيّ مباشرةً، بعدما شهدتُ ما يحصل توًّا على بعد بضع أمتارٍ ..

موقفٌ لفّ وحلزن خيوط لسانِي حول بعضها البعض، وأعاد فتح البوّابة الّتي كانت شبه مغلقةٍ وسط مقلتيّ، وألهب جذور السّخط الّتي نوّمتها ويبّستها بصعوبةٍ !

« أحمد ! »

ندهتُ به دون تحكّمٍ أو وعيٌ منّي وأنا أتراكَض مسرعةً نحو ثلَاثتهم .. أحمد الّذي بقي مصدومّا جاعلًا نظراته تفتح على أقصى درجة، هذَا الطّفل الصّغير استدار باتّجاهي .. تلألأت عيناه بالدّموع، وكأنّه يستنجد بِي، يطالبني باحتضانه، بالتقافه بين أضلعِي، بدفنه فيهَا، بتخبئته عن كلّ هذا الجور والفسَاد الّذي لحق بغبراءٍ طاهرة، بطمأنته ومناداتهِ، وإخباره أنّ كل هذا مجرّد كابوسٍ مضَى، مثلما كنتُ أفعل ..

فتاتَان، ذواتا شعرٍ بنيّ فاتحٍ تمرّدت حوله خصيلات تشبه الفضّة تطالعانني، بشراراتٍ أسوء وأفظع وأظلم من أولئك النّسوة اللّواتي أعذرهنّ من ملابسي الفضائيّة تلك .. لم أنحني لتثبيت وتحليل ملامح أحمد أكثر، بل التقفته داخل عباءتِي حائلةً بيني وبينهما :

« عفوًا ؟ ما الّذي فعلتيه وقلتيهِ له توًّا ؟ بل ما الّذي شهدته منكِ الآن ؟! »

ظلّت تطالعنِي، بنظرةٍ مُزجت الصّدمة والخبث على إطارها بإتقانٍ عجيب، حطّت يدها البيضاويّة على قلبها بطريقةٍ دراميةٍ استفزّتني، ونطقَت بكلماتٍ سامّةٍ وهي تحشُر تلك الطّفلة لها بطريقةٍ أقوى من الّذي فعلتها مع أحمد :

= عفوًا ؟ بل ما الّذي أسمعه من إنسانةٍ مثلكِ ؟ هل أنتِ واعيةٌ على نفسكِ ؟ هل تدركِين مع من تتحدّثين الآن ؟

≠ ومن أنتِ أصلًا ؟ ملكة بريطانيَا ؟ أم إحدى بنات قياصِر روسيَا مثلًا ؟

= أكثر ممّا يمكن لعقلكِ الصّغير تخيّله .. فردٌ من الأهالي لا يجِب أن يقف بهذه الطّريقة أمام أسياده ..

وهنا أدركتُ قبل أن يتفجّر البركان العميق المخزّن بوجدانِي، أنّ هذه المرأة تعتبر مستوطنة، ومن طريقة حديثهَا وملابسها فهي يهوديّة أيضًا .. مع كلّ ذلك الجوّ الدّاكن المخيّم على حديقتهم غير المنتهية وبيتهم الشّاسع الّذي يساوي خمسًا من الدّار الّتي أقطن فيها أنا وأحمد، بل بإمكانه أصلًا إيواء قبيلةٍ بأكملها ..! كان مختلفًا، يتعدّى في تلك الإطلالة المخنوقة كلّ الديار المتراميَة المتقلصّة .. فيدمّرها ويطعنهَا !
.
.

.

.

« وارنِي .. »

همستُ بها بين شفتينِ مغتاظتَين بعد أن اِبتعدت المرأة عنّا هي وأختها بأمتار معدودة .. وفي نفس الوقت، أعلَى أحمد رأسه محلّلًا تلك الكلمة الّتي بدت مألوفةً له بعض الشًيء، لم تتوقّف هذه المستوطنة لهذا الحدّ، وكأنّها نسيت طريقة دفعهَا لطفلٍ صغيرٍ بتلك الصّورة المهينة، بل لربّما تغافلت عن طريقتها الأنانيّة في الدّفاع عن أختها رغم أنّه لم يضربها أو يقترب منها أصلًا، واثقةٌ بهذَا .. تخبر بريئًا لا زال يحاول أن يعي على هذَا العالم الموجع بإبعاد جسده المريض عن شقيقتها ؟ هل هي مجنونة ؟ بل أين وصل مستوَى الفرنسيين والمستوطنين هنا ؟

ووصلَ بها شكلها الحضاريّ لتعديل ملابس أختها ونفضهَا بقوّةٍ مردفةّ بصوتٍ جهوريّ مسموع، تعمّدت أن تجعله بلهجةٍ فرنسيّة حادّة، هل هي تحذّرني أم تختبر صبرِي عليها ؟ :

« حذارِي من الاقترابِ من أولئك ! لو أرادت أختي الصّغيرة اللّعب، سيهديها والدي كل ألعاب العالم بعد عودته .. فقط لا تفكّري في الحديث معهم، هم ليسوا فِي مرتبتنا ولن يصلوا إليها أصلًا، هم مجرّد أهالي متدنًيوا المستوى، يمشون تحت غُبار أقدامنَا .. »

وبلغ السّيل لأعلى القمم .. مع تكرارها لتلك الكلمات الّتي جعلت مفاصلِي تتقلّص وتتشقّق من بين العظم .. فتنشِأ حممًا تحرق رأسها الفضيّ ذاك ..

« من الأهالي يا هذه ؟ لا تنسي أيتها الآنسة أنكم تُركتم وسط بقايَا أوروبا ورُميتم كفائضٍ هنا في أرض نوميديَا المبجلة ..»

رغم صرخاتي معتدلة النّبرة .. إلّا أني أردتُ أن أخبرها بالكثير، أن أستخدم تلك الألفاظ الّتي أخبرنا بها نفس الشّخص الّذي حدّثنا عن الملايَة والعديد من الأشياء الّتي جعلتني أفخر بتاريخ وطنِي، أردتُ أن أخبرها أنكّم مجرّد فِتيتاتٍ .. أدنى طبقةٍ في مجتمع أوروبا الفيكتوريّ .. لا ترون من طرف فرنسَا، أو للفرنسيّين عامّة، هم لا يعتبرونَكم أصلًا منهم .. بل لو وجدُوا لأبادوكم أيضًا .. لهذَا لا تتعبي نفسكِ وتطحني كلماتكِ البائسة على رأسينَا !

لكن لم أفلح في ذلك .. بعد أن شدّ أحمد على ثوبِي، وكأنّه يترجّاني أن أقفل وأمسك فمِي وألتزم الصّمت رغم أنّي تجاوزتُ الحدّ فعلًا وفات الأوان .. أنا أدرك جيّدًا عواقب الأمر، بعدما سمعت ما قلتُه توًّا، واستدارت نحوِي بتعابير بركانيّة شرسة وراء سياج حديقتهم ..

دروس التّاريخ رغم أنّها تجذّرت وترعرعت في عمق أعصابِي، وعلّمتني أنّه بمجرّد نظرةٍ غامضةٍ غير مفسّرةٍ يتمّ توجيهها لهؤلاء المستوطنين، ستجعلكَ غارقًا وراء سبعين عمودًا حديديًّا، لا حياة تحتويك .. لربّما ستضمّك بضع جدرانٍ تزيد الصّقيع في ذاتكَ .. لكنّ نفسي لا تتحمّل كلّ هذا الذّل، كلّ هذا الهوان الّذي غاص فيه وطنِي، ولن أسمح لأيٍّ كان أن يلمس شعرةً منه، خصوصًا من قِبَل هؤلاء !

وأسرعت مندفعةً هاجمةً على التّراب الّذي كانت واقفةً فوقه أمامِي، تحاول بكلّ طاقتها سلب سخطِي منّي وإفراغه حول تلك العيون الزّرقاء الحاقدة .. أردتُ فقط إبعاد أحمد المختبأ في أضلعي يرتجف، وعدم جعله يتحمّل هذه الحروف الجارحة .. لكنّها حقًّا شرعت تلقِي قائمة تشمّتها ماسكةً إيّاي وكلّ الجزائريّين من تلك اليد الّتي بُترت عدّة مرّات :

« حسب العديد من القوانِين الّتي طبقّتها فرنسا أيّتها الآنسة، فمن الواجب عليكُم إظهار الطّاعة العميَاء لي ولكلّ اليهوديّين هنا .. تعرفين ما معنَى هذا يا صغيرة ؟ معناه لو أخبرتكِ أن ترمِي تلك الأكياس اللّابثة هناك، تذهبين بكلّ طواعيةٍ دون اعتراضٍ ورأسكِ يحاذي الأرض، ولو أخبرتكِ أن تلقِي نفسكِ في الهاوية وتغرسِي وجهكِ في سياج بيتنَا، تفعلين ذلك وأنتِ تضحكين ! أم هل تريدين أن أوضّح لكِ أكثر ؟ هذه العيون الغائرة لا يجب أن تحدّق بِي، وإلّا سيتمّ اِقتلاعهَا بموجب القانون .. أو سأقتلعها بيديّ هاتين، أنزلي أوجكِ واِعتذري لِي .. ولربّما سأفكّر في .. »

ودفعتهَا ! دون وعيٍ آخر منّي، ألصقتهَا فِي تراب وطنِي وعلى سيَاج بيتهَا الّتي ظلّت تفتخر به وتتبختَر وكأنّه شُيّد من عسجدٍ وألماسٍ روسيٍّ نادر .. ورغم هذَا .. لم أكن حاقدةً لهذه الدّرجة العميقة، ولم أدفعها بنيّة إسكاتها أو الاِنتقام منها .. بل كان ذهنِي مقيّدًا في بقعٍ أخرى بعيدًا عن ثرثرتهَا المجحفة تلكَ ..

لمعة ! لمعةٌ فضيّة خفيفةٌ كانت مستقرّةً وراء أرجلها بالضّبط .. تلك اللّمعة، ذات اللّون الرّمادي المختلط بأبيضٍ باهتٍ كملامح الصّدمة المنقوشة على وجهها .. وانهلتُ، أبعثر الثّرى، أقتصّها من بين قبضتيهِ، ألملم دموعهَا المزيّفة .. أنفثهَا غبارًا، وأستئصل الأعواد الصّفراء المتجمّعة تنهشهَا ..

غصتُ في عالمٍ لا يدركه غيرِي، وأنا أحتضن قطعةً من الشّارة بين راحتيّ، بعدما بقيتُ ممسكةً بمعصم أحمد، أستمدّ منه صلابتِي، بعد تلك الدّفعة الّتي متأكّدة أنّها ستكون عنوانًا لعاصفةٍ لن ترحم أوصالِي ..

« توقّفي ! »

صوتٌ، ضوضاء، لهجةٌ جزائريّة مرتعشةٌ لكنّها تحلّت بقوّة مخضرمَة، نهشَ العمر منها حتّى اِرتوى، تليها بضع خطواتٍ مسرعةٍ .. تجمّعت حولِي، تراكمت على عينيّ، جاعلةً منّي أرتفع بمقلتيّ الأدهمتين بعدما أخفيتُ قطعة الشّارة، وأدير ظهرِي نحو تلك المستوطنة الّتي غفلتُ ولم أستوعب بعد أنّها كانت على وشك إلصاق يدها على رأسِي، أو حتّى ركلي أو أيًّا كانت طريقتها في الانتقام من تصرّفي .. وحالت بيننَا .. قائدة سنونٍ، أكلتها التّجاعيد، حلّلها العمر، ربط جذورها، وربّع أكتافهَا ..

اندفعت نحوِي تساعدني على النّهوض، تكفكف عنّي غبارًا أكل ثوبِي الأبيض وحلّل رثاثة تلك العباءة أكثر، ولوّث غبراءه .. ولم تنفكّ أعينها النّارية عن مطالعة تلك المستوطنة الّتي ظلّت مندهشةً رغم وقوفهَا السّريع ومحاولتهَا صفعِي .. أحكمَت القبض على كفّيها، ولفحتنَا بنبرةٍ عُفّرت بكل روائح المكر والضٌغينة، تحت نظرات أختهَا وتقاسيمهَا الفارغَة من أيّ أثرٍ تستطيع من خلالِه تحديد مشاعرهَا :

« سترون .. لو لم أجعلكُم تبكون دمًا تحتَ أقدام الفرنسيّين لن أسمّى زيفَا أبدًا ! »

حمَلت أختها الصّغرى بين ذراعيها مبتعدةً عنّا، أقفلت سياج الحديقَة، تاركةً رياحّا شتويّة قاسيةً تعبث بشوكة رجائنَا، وما كان منّي سوى تأمّل هذه العجوز الصًنديدة، ولم أبصر في جفونهَا سوى تعابير القلقِ والمواساة .. هناك فقط تبسمتُ لها، أمسكتُ يدها، داعبتُ شيخوختهَا، ووضعتهَا بين كفيّ اللّذين بردَا توًّا بسبب الزّمهرير المستحكم على ترابِ الوطن !

= كوني حذرةً يا ابنتِي مستقبلّا، فهم لا يرحمون لا صغيرًا ولا كبيرًا، لا رجلًا ولا امرأةً .. وإذا احتجتِ شيئًا بابِي يقع على الجهة الأخرى تقريبًا بجانب بيتِ هذه المشؤومة، ولا تنسَي .. اُطرقيه متى شئتِ .

≠ شكرا لكِ يا عمّة، مجرّد قولكِ هذا يعني لي الكثير فعلًا، أدامكِ اللّه وأطال في عمركِ ..

ولبثتُ أشكرها من جذور الأسير العالق وسط أوردتِي، وأحذرّها أيضًا، فلعلّ ألاعيبهم لم تبدأ بعد .. وانطلقتُ ! طرتُ بأجنحتي شبه المقصوصة مع أحمد، الّذي لم تفارق يده يدِي منذ وقوع هذا الحدث المفجع، حلّقتُ به نحو البيت .. نحو بيتنَا، المأوى الوحيد الّذي بقي من أجلي وأجله، يأويني ويأوِي هذا البريء العالق معِي وسط هذه الأحجيّة الدّموية ..
.
.
.
.
.
.
.
وارنِي .. هذا القانون المجحِف، الّذي بُني في أقصى رتبةٍ من القسوة الشّيطانيّة والّتي لن تخطر على إبليس حتّى، كان يقضي بتفتِيت أراضِي الشّعب، وتفتيت أفئدتهم معهَا، تلك القلوبِ الباسلَة الّتي اِرتبطت ببقعةٍ ذرفُوا من أجلها الملايين، وأسقطوا لأجل تشييدِها آلاف القطيْرات، ولا زالُوا يفعلون ذلكَ .. حتّى يأتي فرنسيٌّ غاشم، يقوم بكسرِ سنبلة آمالهم، يدنّس قمحها، ويتحكّم فيهم ! يتلاعب بخلايَاهم، ويحشُر أذهانهُم .. وسط ملايير كالدّمى ..

يرمِي عليهم أشواكًا كُتبت فوق قممها أصفارٌ وضرائب، ويفرّقهم مقسّمًا أراضيهم كقطعٍ من كعكٍ ذبلت زهرةٌ من زهوره وفواكهه .. هذا الإجراء الّذي لم يوجد مثيلٌ لكميّة التّلاعب المأسورة بين حروفِه .. ووراء كواليس بيت تلك المستوطنة، كان ضحيّة إجراء وارنِي عائلة « حمدِي » المكوّنة من سبعة إخوةٍ تقريبًا، والّتي ذكرها لي أحمد حينما كنتُ أجاهد في تبسيط كلمة "وارني" له أثناء عودتنا، وعدم إدخاله فِي تفاصيل لا يعرفهَا ولا يجب أن يفتّش ويعشّش ذهنه فيهَا ..
.
.
.
.
.
.
.
وحلّ الغسق، مداعبّا تلال نوميديَا، مكفكفًا عنها دموعهَا الصّباحيّة، وموقظّا دموعًا أخرى، في قلب كلّ شيخٍ ورجلٍ وامرأةٍ وطفلٍ .. مجاهدًا في سدّ تلك الطّلقات الّتي أقبلت على مسامعنَا تطعننا، تذيقنَا دمًا وملايين الشّهقات، تجعلنا ممسكين برؤوسنَا، محاولين حذف السّيناريو الدّموي من أذهاننا، حالمين بمستقبلٍ أفضل يقبل علينَا يومّا ما بمشيئة الخالق، لكنّنا غُمسنا .. اُقتلعنَا في أوهامنا !

دثّرتُ أحمد جيّدًا، مداعبةً شعره الأحلك المحاكي للون عيني، مستغلّة هدوءه بتأمّل تقاسيمه الّتي شابهت الملامح المترعرعة على محيّاي بشكلٍ كبير ومرعبٍ، وململمةّ حزنه اليوم ببضع أغانِي لا زالت تقبل عليّ كشبح طفولةٍ، حتّى أتاه النّوم، واحتلّ أرضه أيضًا .. هناك حاولتُ بأقصى قدرتِي الولوج لأرضِ الأحلام كذلكَ، والتّنعم بهذا الهدوء الًذي سيمكث سيكون مؤقّتًا ..

وأمسكتُ تلك الشّارة، داسّةً إيّاها في عمق ثوبِي، ولافّة إيّاها بتلك الرّسالة البليلة، مكافحةً في إيجاد الاشتقاقات والاحتمالات والنّبش وسطها بين أركان مخيخي .. وغلبنِي النّعاس، وغصتُ ..
.
.
.
.
.
.
.
.
طرقة، طرقتان، تليها سمفونيّة أخرى عنيفة أيقظت خصلاتِ رأسِي وغيّرت لها مكانها .. انتفضتُ في نفس الثّانية الّتي تذمّر فيها أحمد، ولا ألومه .. فهذا الضّجيج بإمكانه إيقاظ قريةٍ بأكملها .. واستقمتُ، ململمةً إيّاه أكثر حول الغطَاء بعد أن اِشتدت برودة الجوّ، وما كان منه سوى الاستمتاع بهذا الدّفء المبسّط .. وتركِي أكمل مهمّتي متوجّهةً نحو الباب، بخطواتٍ مرتجفة، وأنفاس حارقةٍ مقطّعة، وعرقٍ متصبّب، مع عيونٍ سوداء مضطربةٍ عكّرت صفو الظّلام الحالك النائم هنا .. وحولِي أسوء السّيناريوهات الّتي تشكّلت في عقلِي كسرب من الغربان الجائعَة ..

نعم ! لربّما سيتمّ القبض على الآنسة جوان، جميعنَا يدرك أنّ تلك المستوطنة لن تسكت عن حقّها مهما طال الزّمان أو قصر .. لكن رغم هذا، خدّرتُ خوفي، وتقدّمتُ، بحذرٍ شديد، بأقدام حافيةٍ صامتة .. رافقتني رائحةٌ غريبة عكّرت صفو ومسرى التّنفس فِي أنفي، رائحةٌ أشعرتني وكأنّي متراميةٌ وملقاةٌ على جحيمٍ فوق الأرض ..
.
.
.
.
.
.
« جوان اِبنتي ! »

« العمّة ! »

طمأنني صوتهَا، لكنه بدا مرتعشًا أكثر ومذعورًا أكثر من اللّازم .. لهذا لم يكن منّي سوى اِقتلاع الباب وليس فتحه فقط، ابتسمتُ لها ودبّجتُ أجمل التّفاصيل على محيّاي الّذي ذابت ملامحه تمامّا أمام صرخاتها المستنجدة، ودموعها المنكسرة الحارقة الّتي فتّتت ملكية الزّمن الهادئ المستكين في ذاتي ..

« عمّتي .. ماذا حدث ؟! »

توقّف الزّمن، توقّف النّفس والارتعاش والدّمع، توقّف البصر، توقّف السّمع والضّحكة والضّجر .. اِنطلق اليأس، اِنطلق الانكسَار والبهوت والانهيَار والوجَع .. أمام كلمتين فقط لاحت بهمَا على قلبِي المذعور وصمتت .. مصمتةً النّبض المستقرّ على جانبي الأيسر ..

« الغابة تحترق ! »
.
.
.
.
.

.
.
يتبع ....

.

.

.

• الفقـــــرة التوضِيحيّـــــــة :

.
.
.
.
.
• الحاج أحمد باي ( 1786-1850 )

- الحاجّ أحمد باي : كرغليّ الأصل " أي من أم جزائرية وأبٍ عثماني " تولّى عدّة مناصب سياسيّة في بايلك الشّرق، حتّى تم تعيينه بايًّا على قسنطينة، وأثناء دخول الاستعمار الفرنسيّ، قام بقيادة مقاومةٍ ضدّه من قسنطينة، وعند سقوط هذه الأخيرة، اتجّه إلى جنوب الجزائر، ثمّ تم إلقاء القبض عليه في منطقةٍ تدعى " سيدي عقبَة " وتوفيّ سنة ١٨٥٠ تاركّا في عقول الفرنسيّين جزءًا من كابوسٍ لن يندثر عنهم ..

( لا ننسَى أن مقاومته تعتبر رسميّة، لأن له منصبًا في الدّولة، أيضًا قد بدأ كفاحه منذ سنة 1832 واِستمر حتى عام 1848 ..)
.
.
.
• الملايَـة ..

- ملاحظةٌ أيضًا لعلّها تهمّ البعض، بالنّسبة للملاية، فالمعلومة التّاريخيّة غير مؤكّدة، يعني تقبل الصّحة والخطأ .. الملاية هو لباسٌ تقليديّ جزائري، يتم ارتداؤه خصوصًا في شرق الجزائر وبخلاف الحايك، يمتلك لونًا أسودًا، ولعلّه يرمز للحزن والحداد على وفاة المقاوم وزعيم بايلك الشّرق أحمد باي .. هذا حسب ما تمّ ذكره في مصادر تاريخيّة ..
.
.
.

.
قانون وارنِي " 26 جويلية 1873 " ..

هو قانونٌ معقّد قليلًا، كان هدفه الأساسي تفتيت ملكية أراضي الجزائريين ومصادرتهَا .. قاموا عن طريقه بإلغاء قانون حقّ الشفعة، ( مثلًا فرد يمتلك أرضّا وبجانبه أخويه، عندما يريد بيع أرضه الأولوية لأخويه في شرائها، فرنسا قامت بإلغاء هذا الحق وجعلت المستوطن من له الحق في الشراء، وذلك عن طريق نزع قانون الأعراش أيضًا، والذي يقصد به تفويض فردٍ واحد فقط لملكية الأرض، لهذا قاموا بتفتيت هذه الأخيرة وتوزيعها على أفراد العرش، مع زيادة في الضرائب، وهذا ما يجعل الفرد مجبرًا على بيع الأرض حتّى لمستوطن، وتخيّلوا معي .. مستوطن يهودي أو مسيحي أو أيّا كانت ديانته، غير مسلم .. لن تستطيع تحمّل ما ينجرّ عنه ولن تستطيع حتّى عيش حياتك بطبيعيّة، خاصّة مع الإزعاج وكلّ الأفعال غير المحتملة، فستكون مجبرًا فوق قضية الضرائب أن تقوم ببيع أرضك، وحتى لو اعترضتَ عن هذا القانون وطالبت بحقك، فقد تمّ أيضًا إبعاد القضاة المسلمين في النظر في قضايا الملكية أيضًا، يعني بكل بساطة .. قطعوا كل الأجنحة .. )

- أتمنى أن تكون المعلومة قد وصلت لعقولكم بسلامٍ .. من لم يفهم يستطيع التّواصل معي على الأنستغرام للتّوضيح له أكثر .
.
.
.
.

************************

الآن حان دور آرائكم أعزائي ❤️🔥

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد طول انتظارٍ ومعاناة مع الدّراسة، استطعتُ استكمال الفصل الرّابع والحمد لله ..

أحداث جديدة، أمكنة جديدة، وزمن لم تنتمي له جوان قط، يا تُرى كيف كانت ردة فعلكم بعدما انقلبت موازين حياة بطلتنا رأسًا على عقب وبهذه الطريقة المفجعة ؟ هل ستستطيع التصرف برأيكم ؟ وهل ستمر حادثة الدفعة الأسطورية تلك بسلام ؟

لأترك لكم المساحة لتوقعاتكم، وأعرف أني كتبتُ كثيرًا، وثرثرتُ أيضًا، لكن من الواجب عليّ توظيف هذه المعلومات لتوضيح الصورة لكم ..

لن أطيل عليكم كثيرًا أعزائي، لا تنسوا إعطاء آراءكم وتوقعاتكم، السرد ؟ الوصف ؟ المشاعر ؟ الأحداث ؟ وغيرها .. دمتم برعاية الله وحفظه ..

كونوا بخيرٍ دومًا، لا تلتهوا عن عباداتكم، ولا تنسوا الصّلاة على النّبي صلى الله عليه وسلم ❤️✨

دمتم بودٍّ ..❤️✨

سلام 👋

Continue Reading

You'll Also Like

955 128 13
_هذه الرواية اهداء لكل نفس منجذبة للتاريخ والأشياء القديمة و الحضارات العابرة للزمن ... للملحمات العربية والشرقية ... وقصص تحبس الأرواح والغموض ... إ...
173K 9.2K 32
"كنت بمفردي طوال الوقت" "اهزم" "اتعثر" "اتألم" "دون ان ينتبه احد او يلاحض وكانت هاذه الوحده رغم وحشتها هي مصدر قوتي"
319K 11.3K 54
بنت يتيمة الاب وتعيش مع امها واختها لي بعمر15سنه وعندها عمام ثنين الجبير حنون ورباها هيه واختها والثاني رجل لٱ يعرف الرحمه مو زين سكرجي اغلب اوقاته ب...
7.6K 603 6
« أيها الغريب. بسكويت - قصة قصيرة.