2 | تحتَ التّراب .

1.9K 190 234
                                    

اللّهم بلّغنا رمضَان ونحن جميعًا بصحّةٍ وعافيةٍ وسترٍ وسعادةٍ وطمأنينةٍ وحياةٍ كريمة .. 🤍
.
.
.
أحضِر كوب قهوةٍ أو شايًّا ساخنًا، واِغرق وسط هذه الأحرف، ولا تنسَى كاتبتهَا الّتي تتمنّى لكَ قراءةً ممتعة ✨

.
.
.
.
.
.

أعينهُم عليّ، تترقّبني، تلتهمنِي هنيهةّ، وتضع سمّها علَى الأدهمِ القابع بين عينيّ هنيهةً أخرى، تداعب قلبِي بعنفٍ، ترجّ روحه، وتخترِق صمته الوحِيد ..

ولم أحسّ إلّا بواحدةٍ من هذا الحضُور تتقدّم ناحيتِي، تضَع يديها الاثنتين على خصرهَا، وتَجعل ظهرها يرتكزُ عليهما حتّى تستطيع إعلَاء رأسهَا المتَعجرف أكثر، وصلَت واقفةً أمامِي وهي تعلي نبرتهَا عند كلّ حرفٍ تنطقه، بقيت عيناها الزّرقاوتان تخترق وجهِي، تودّ إحراقه، نهشهُ أو ربّما إفراغ مشاكلها العائليّة بأكملهَا عليّ .. مخفيةّ وجه المسؤول الّذي لم تنفكّ مقلتاه عن مطالعتِي رافضةً التّدحرج من مكانيهمَا :

« لعلّي كنتُ سأحترمكِ وأقدّركِ حقّا، كنّا سنعطيكِ كلّ المحبّة على طبقٍ من ذهب، ولكن بعد تطاولكِ على وطنِي بهذا الشّكل، فلن أسكتَ مهمَا حصل .. أظنّكِ أتيتِ هنا عن طريقِ أفضال فرنسَا عليكِ، ولولاهَا لما تمّ قبولكِ، لهذا أطالبكِ الآن بسحبِ كلّ ما قل ... »

« هذَا يكفِي ! »

بمجرّد أن حاولتُ النّطق وإسكات آلة الحديث الّتي أمامِي هذه، ندهتِ المديرة بكلمتَين كاسرةً شوكة آمالٍ أخرى، طأطأت الأخرى رأسهَا متراجعةً، مطبّقة أمر مديرتها بكلّ حذافِيره .. ولم يكن بوسعي سوَى إطلاق ابتسامةٍ ساخرةٍ وأنفِي لم يفارق الهواء الملتفّ حول القاعة، شامخٌ لا يودّ الانحنَاء أمام أمثالهم قَط .. كلّ هذَا الضّغط جعل المديرة تحتنقُ وأنظارهَا تصرخُ بسخطٍ عليّ وكأنّها تتوعّدنِي بعقابٍ لا وجود لشبيهٍ له، وبدورِي لم أعطها أدنَى إشارةٍ أو علامةٍ تدلّ على خوفِي أو توتّري .. إذا انفجرتُ بكلّ تلك الكلمات أمامهم حتّى لو كَان بالخطأ، فيجب أن يدركوا أنّني أهلٌ لهَا، ولن أسحب حرفًا ممّا قلتُه ..

« تستطيعون المغادرَة نحو غرفِكم جميعًا »

أمرَت بذلك قاطعةً الحوار الممْلوء بعباراتٍ تشجيعيّةٍ غَزَت كلّ دواخلِي، تمنعهَا من المَيل ولو بسنتيمترٍ واحد .. انحنَت واِبتسمت بشكلٍ لبقٍ تجاهَ ذلك المسؤولُ الّذي لا يزَال يطالِع أمامه، مسترقًا بعضَ النّظرات الغامِضة نحوِي والّتي بدت غير مريحةٍ البتّة ..

رغم ذلكَ استجبتُ مكرهةً بعدما جذبتنِي عائشة من ذراعِي الأيسَر، تقُودني بعنفٍ نحو إحدَى الزّوايَا بعيدًا عنهُم وعن تلكَ الصّهباء الثّرثارة، وعن المديرة والمسؤُول .. وعَن كلّ هذه الفوضى الّتي وقعَت ..

طفِقت في إلقَاء سيلٍ من المحاضرَات المَألوفة بالنّسبة لِي، آكلةً نصف الأحرف وسط صرخاتهَا وتحرّكات ثغرها بشكلٍ سريعٍ وخارقٍ للعَادة :

الرّعَايَاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن