رُزقت الحلال

Oleh SaRaMohamedSeif

7.1K 220 2

إلى كل من رأى أن خطأه لا يغتفر وأنه ما عاد هناك طريق للعودة فلتعلم .. أنا أبواب التوبة دائماً مفتوحة على مصرع... Lebih Banyak

1
2
3
4
5
6
7
8
9
11
12
13
رواياتي

10

428 18 0
Oleh SaRaMohamedSeif



جلست بجوار حمزه في غرفتهما يتشاركان السعادة بما أنتهت إليه الأمور، فقد ذهبت ميّ برفقة والدتها على وعد بالزيارة والسؤال الدائم، والأكثر أهمية أن سمية ودعتها باسمة سعيدة لسعادتها يكفيها رؤيتها على فترات.
أسندت رأسها إلى كتفه متنهدة: أنا مش قادرة أصدق اللي حصل دا، خصوصاً لما قالت حنان أنها على طول كانت بتنادي ميّ بمي مي .. وماما سمية قالت أنها في الأول كانت بتناديها باسمها "ميّ" اللي كان مكتوب على السلسلة ما كانتش بترد
أومأ حمزه: ونجلاء بقت تناديها باسم الدلع مي مي .. وسبحان الله كانت بتستجيب للاسم دا كأنه الاسم اللي اتولدت بيه فبقينا كلنا نناديها بيه ونسينا اسمه الحقيقي
نظرت إليه: ولا لما من صدمتها إنها بعدت عن مامتها فمابقتش تتكلم ! .. الدكتور قالكوا إيه عن الحكاية دي صحيح ؟
- قال أحياناً لما تكون فيه صدمة أو حالة فوق احتمالنا .. بيبقى الجسم رد فعله مختلف .. فيه مثلاً حالات مرت باللي هي مرت بيه وتاهت من أهلها وأكتفوا بالعياط وممكن صريخ .. على شوية رهبة وخوف من الأغراب .. وقال تقريباً إنها كانت مدلعة أوي عند أهلها فبالنسبة لها اللي مرت بيه دا صدمة عمرها .. ودا كان رد فعل عقلها ورفض أنه يخليها تنطق لحد ما مرت بظرف كان لازم تتكلم فيه وإلا ممكن تفقد حياتها .. يعني غريزة البقاء حيه هي اللي رجعت لسانها يتحرك وتتكلم تاني
- سبحانك ربي .. لا إله إلا الله .. وربنا جمعهم بعد السنين دي كلها
شدها من خصرها إلى أحضانه متمتماً بعشق: بأقول إيه .. إحنا بقالنا فترة مالناش سيرة غيرهم إيه رأيك نتكلم عن نفسنا شوية ؟
رفعت رأسها إليه وقد أرتسمت إبتسامة صغيرة على زواية فمها: مالها نفسنا ؟
ضيق حدقتيه وقال بجدية: العفش وصل والشقة اترتبت وكله تمام .. يعني مش ناقص غير الفرح ونبدأ نكبر عشنا الصغير .. ناوية تحددي معاده إمتى ؟؟
أطرقت قليلاً: بس أنت شايف الظروف تسمح لفرح دلوقتي ؟
قطب جبينه: ليه مالها الظروف ؟
هزت كتفيها وأبتعدت عن نطاق ذراعيه لتستطيع رؤية ملامحه بوضوح: يعني نجلاء ومرضها .. مش نستنى لحد ما نشوف هيحصل معاها إيه ؟
- على فكرة بقى نجلاء أول واحدة سألتني معاد الفرح إمتى .. وبعدين المرض وشفاءها منه بإيد ربنا وحده .. وأكيد مش هنوقف حياتنا عليه .. إزاي بنطلب منها تعيش حياتها وتنسى مرضها وإحنا هنوقف حياتنا بسببه ؟
لوت شفتيها: إممم خلاص ماشي .. بس فيه كدا خطوط عريضة وشروط عايزاها وبعد كدا نشوف ..
غمزها جذلاً: أنت تؤمر يا قمر .. بس أقول شرطي أنا الأول ! .. هنعمل الفرح ف بيت والدك في سوهاج !
نظرت إليه غير مستوعبة ما قاله: بجد .. ليه ؟
وضع يديه على كتفيها: أولاً عشان إحنا أتجوزنا من غير ما أهلك يحضروا ويشوفوا فرحتهم بيكي .. ثانياً مافيش حد هنا يقربنا .. يدوب ماما وبابا ونجلاء وكام حد معرفة كدا وقرايب بعاد وصحاب .. وحنان وميّ هيبقوا يسافروا معانا مافيهاش مشكلة .. لكن الدور والباقي على العيلة وعيلة العيلة اللي عندكوا ف البلد .. تقريباً قرايبكوا أكتر من عدد الزرع اللي ف بلدكوا أصلاً هههه
شاركته ضحكته، بينما أضمر في نفسه السبب الرئيسي لقراره ذاك بعيداً عن الأعذار الواهية التي لفقها؛ فالسبب الأهم هو نظرة الناس لها، يجب أن تتزوج أمامهم حتى لا يبقى لمخلوق سبب يذكرها من خلاله بما يسئ أو يعيب .. فهي زوجته ويهمه ألا تُجرح من نظرة أو كلمة قد تمس كرامتها وتؤذي أنوثتها.
***
أغلقت الكتاب وتركته إلى جوارها ثم أعادت الغطاء ليخفي جسد صغيرتها بعيداً عن هبات الهواء الغادرة، تأملتها فيما تغط في سبات عميق والراحة تستكين فوق ملامحها.
لقد منَّ الله عليها أخيراً بأن تبيت فلذة كبدها بين أحضانها ولو كان الأمر عائداً عليها لأقتلعت أحشاءها ووضعتها مكانهم حتى تحميها وتبقى بقربها.
ظلت تعبث بجدائل ميّ حتى سمعت جدتها تدلف إليها وتسألها همساً: نامت؟
أومأت في صمت والإبتسامة لا تغادر شفتيها، اقتربت الجدة وجلست على طرف فراشها: مش هتقولي لخليل عنها ؟
اعتدلت في جلستها شاردة: مش عارفه
لامتها: لا يا بنتي .. أي نعم أنا مش بأطيقه ولا بأقبله بعد اللي حصل .. بس دي بنته ومن حقه يعرف برجوعها ..
لمعت عيونها شراراً: أه بنته .. بنته اللي راح جاب غيرها ونسيها .. اللي مابقاش يسأل حصل إيه ف قضية إختفاءها .. اللي بقت مراته وبنته التانية واخدين مكانها كله
أشارت لها حتى تهدأ: ولو يا بنتي .. إنتي بنت أصول وعارفه الأصول كويس .. كمان دا مش عشانه لوحده دا عشان بنتك كمان .. هي ليها أب ولازم تعرفه .. سبيهم يحددوا مع بعض التواصل بينهم هيكون إزاي .. أنا مش بأقولك إرجعيله .. أنا بأقولك عرفيه اللي جد
زفرت بحدة وأيدت رأي جدتها، ستخبره من باب الواجب ليس أكثر ولكن إن حاول أن يسحب ابنتها منها ستريه حقاً ما يمكن لمخالب المرأة أن تفعل دفاعاً عن صغارها.
***
لا يدري كيف استطاع الفكاك، يبدو أن عمراً أخر قد كُتب له وليست تلك هي النهاية، ركض حتى كاد قلبه يتوقف عن الخفقان وأوشكت مفاصله على الذوبان.
استراح في منزل مهجور يبدو أن أحداً لا يقطنه وأنه تعرض لزلزال، بعد إلتقاطه لأنفاسه عاد للهاث .. لهاث الإنتقام .. متذكراً وجه رئيسه الذي أثناء محاربته للاعبي كمال الأجسام ضغط على زر الإنارة بدون قصد فتجلت أمامه معالم وجهه ومنحنياته.
تمتم بصوت لم يسمعه سوى نفسه وشيطانه: لسه مش دي النهاية .. لما نشوف مين اللي هيكسب في الأخر يا باشا أنت ودراع الكلب بتاعك رامز .. وأوعي يا حياه تفتكريني نسيتك .. دا إنتي بداية حسابي معاكي
اتسع فمه الغليظ بإبتسامة زادته بشاعة .. حقاً .. الشر يضفي على صاحبه قبحاً وبشاعة بالإضافة إلى أنه يملؤه من الدخل بالكثير من الدناءة.
***
أغلقت الجدة الغرفة عليها وعلى ميّ التي انصرفت تلهو بألعابها في عالمها الملائكي، وقفت تسترق السمع إلى الحديث الدائر في الخارج إلا أنها أنتبهت لجلوس ميّ تنظر إليها ببراءة فأنبت نفسها وأتجهت تشاركها اللعب فأي مثال هي حتى تعلم حفيدة ابنتها هذه التصرفات التي لا تليق.
أطمئنت إلى إختفاء ميّ بالداخل، فجلست أمام خليل بعد أن قدمت له كوباً من العصير المفضل لديه، سألها مترقباً: طلبتي أجيلك ليه؟ .. هدى عملت حاجه ؟
هزت رأسها: لا أبداً، هدى ما شاء الله عليها شاطرة ومؤدبة .. ربنا يخليهالك
أومأ مرتشفاً من كوبه القليل: ربنا يخليكي .. أومال إيه الموضوع؟
تململت قليلاً ثم تنهدت: فاكر ساعة لما سألتك عن السلسلة اللي كنت عاملاها لميّ ؟
انتبه لحديثه وزاد تشوقه لمعرفة الآتي: أيوه ..
تابعت مبتلعة ريقها: أنا سألتك عشان شوفت بنت عمرها من عمر ميّ وكانت لابسه زيها بالظبط
أضافت بعدما لمحت دهشته واتساع عيونه: واسمها ميّ بردو
همهم بصوت بالكاد استطعت تفسير حروفه: وطلع مجرد تشابه ؟
هزت رأسها: لا طلعت هي نفسها ميّ بنتنا
شحب وجهه كأن أحدهم سحب الأكسجين من الهواء المحيط به، وبعد أن أفاق من صدمته استفسر عن القصة كاملة وكيف حدث ذلك .. أخبرته بما روته لها سمية وأحمد قبلاً بالإضافة إلى شكوكها واكتشافها الحقيقة.
تمتم أخيراً: عايز أشوفها
نهضت في صمت وغابت دقيقة عادت بعدها وفي يدها كف طفلة لطالما أشتاق لمرأها تكبر أمام عينه.
ضمها في شوق وظل يبثها لوعته وحبه دقائق بينما هي متسمرة بين ذراعيه لا تبادله أياً من عواطفه لكنه لم يأبه لذلك يكفيه أنها بين ذراعيه من جديد.
طفرت الدموع من عيون حنان وحمدت الله أن قلبها لم يطاوعها على إخفاء الحقيقة عنه وإلا لكانت تتلوى الآن على جمر من ندم.
***
طلبت نجلاء من زوجها أن يعرجا في أقرب فرصة على تلك السيدة الطيبة سحر، فقد استبد بها القلق عندما علمت من الممرضة أنه قد مرت عليها الجلسة الماضية دون أن تحضر.
وافق فادي على تحقيق رغبتها، توجهت إلى الممرضة من جديد تطلب منها عنوان سحر لأنها تحاول الإتصال بها لكن الهاتف مغلق وليس لديها طريقة أخرى لتحصل على العنوان، رفضت الممرضة أن تعطيها أي معلومات فهي مريضة وتلك من خصوصيات المرضى، لكن بعد إلحاح أخبرتها أن الطبيب سمح بذلك فستعطيها إياه عن طيبة خاطر.
ابتهجت وقررت أن تطلب من الطبيب وتلح عليه فهي بالفعل تشعر بالقلق على سحر، ولن تنكر لها جميلها وما فعلته منها بفطرتها السليمة.
***
هاتفت شقيقتها تخبرها بقرار حمزه أن يكون الزفاف في منزلهم، فرحت لذلك زهرة بشدة فقد استوحشتها وتريد رؤيتها في أقرب فرصة، انتهت المكالمة على أن تخبرها حياه بما ترغب وستقوم هي بالتنفيذ حتى تحضر خلال عدة أيام.
أسرعت تهاتف حنان وتخبرها بالجديد، ابتهجت لها حنان كأنها شقيقتها الصغرى وجعلتها تقطعت وعداً بطلب المساعدة في أي وقت تشاء.
كانت تشعر بفرحة لا مثيل لها، أخيراً ستبدأ حياة جديدة مع من دق له قلبها حقاً، في غمرة سعادتها لم تشعر بعودة حمزه من عمله ومتابعته لتحركاتها العصبية السعيدة وكلامها المرتبك.
اترسمت على ثغره بسمة صغيرة سعيدة، تذكر ما مرت به؛ هو حتى الآن لم ينسى من هربت من أجله وأخذ منها ما هو من حقه الآن، الغيرة تنهش أحشاءه لكنه يُخفف روع نفسه بترديد أنها معه هو الآن بكامل إرادتها وبهجتها دون إجبار من أحد بل والأهم بموافقة عائلتها وتأييدهم للرابط المقدس بينهما.
اقترب منها بعد إقتلاعه للظنون من منحنيات رأسه، ابتسم سائلاً: فاضلك كام واحد ما كلمتهوش ؟؟
أجابته ونظرها معلق على الدفتر المدون به أرقام الهواتف: لسه كتير
جلس إلى جوارها: طب إختارتي شكل الدعوات ولا لسه ؟؟ ..
رفعت إليه عيون تشع لؤماً: بكره هأروح مع نجلاء نختار ..
رفع ذقنها بطرف أصبعه: مش عارف ليه مش مطمنلك ...
وضعت يديها على كتفيه ونهضت تقف أمامه قائلة بجدية كأنه تحدث طفلاً يسألها لماذا لا نرى الهواء: بص يا حبيبي .. أنا كنت زي أي بنت في الدنيا بتحلم بزفة وكوشه وفرح والناس تيجي تباركلها ويفضلوا يهروها بوس لحد ما خدودها توجعها وبعدين صحباتها يوجوا يقرصوها ف ركبتها لحد ما تورم عشان "يحصلوها ف جمعتها" ..
أضافت على عجل: بس طبعاً يكون فرح مختلف .. ماحدش عمل زيه .. حب الإنفراد بالمناسبات بقى .. عُقد بنات بعيد عنك .. عشان كدا ناويه أعمل فرح إسبشيل .. ف كــل حاجه فيه .. من أصغر أصغر تفصيلة لأكبر أكبر حدث
جذبها من خصرها لتسقط جالسة على ركبتيه، همس لها بصوت عذب يحمل الكثير من الحنان: أصلاً هيبقى إسبشيل .. عشان إنتي العروسة .. لأنه مافيش عروسة ف جمالك ولا حلاوتك .. ولا فيه عريس هيحب عروسته قد ما أنا بأحبك
دق قلبها معلناً هيجانه على الكلمة التي سمعها للمرة الأولى من الشخص الذي يهمه، حدقت به صامتة لا تتحدث، أدرك ما فعلته بها تلك الكلمة لكنه أكتفى بشبح إبتسامة على زاوية فمه؛ مؤجلاً الحديث في هذا الأمر إلى وقتٍ لاحق.
***
وصل فادي إلى العنوان وركن سيارته على جانب الطريق، ترجلت نجلاء وانتظرت زوجها ليلحق بها ويصعدا سوياً.
أمام الباب الشقة المطابق رقمها للموجود في العنوان .. دقت نجلاء الباب وابتعد فادي قليلاً حتى لا يُفاجئ من يفتح الباب بوجوده خصوصاً وإن كانت امرأة.
فُتح الباب وظهرت المرأة التي كانت ترافق سحر إلى العيادة، ابتسمت نجلاء وسألتها: هي مدام سحر موجودة ؟
ظهر الأسى على ملامحها وقالت بهدوء رزين: مدام سحر أتوفت إمبارح الفجر
وقع الخبر على نجلاء كالصيحة التي أهلكت قوم ثمود، ارتعش جسدها وخارت قواها حتى كادت تقع أرضاً وتُصاب بالإغماء لو ركوض فادي إليها وقد أسندها وأجلسها على أقرب مقعد داخل الشقة.
ركضت المرأة تحضر كوباً من الماء كما أمرها، لم تشعر به وهو يمسح وجهها بالماء وينثر بعضه الأخر علها تفيق، فكرها كان مع ذكرياتها مع سحر؛ المرأة التي أنقذتها من إرتكاب خطيئة كبرى تحرمها الجنة وتجحمها النار.
عادت إلى رشدها ونظرت حولها لم يكن هناك إلا عدة نساء لا يكملن عشراً، سألت المرأة التي فتحت لها الباب بصوت واهن: أومال فين الناس اللي بتعزي ؟
لوت المرأة شفتيها: حضرتك نسيتي إنها ماكانتش عايشه هنا ؟ .. ومرضها خلاها مش قادرة تعمل صداقات مع الناس .. ودول يا دوب الستات اللي ساكنين في العمارة دي واللي قصادنا
شعرت أنها تائهة: طب وولادها ؟
أجابتها ساخرة: ولاد إيه يا مدام .. إحنا ف عصر عقوق الوالدين .. كل واحد ملهي ف شغله وحياته .. مافيش غير بنتها الصغيرة اللي سألت فيها وجت أول إمبارح .. قضت مع مامتها أخر ساعات ليها في الدنيا
سألها فادي هذه المرأة: أومال هي فين ؟
أجابته: دخلت تصلي المغرب وجايه .. هأروح أشوفهالكوا .. عن إذنكوا
كانت نجلاء قد استجمعت الباقي من قواها عندما اقتربت إليها فتاة في منتصف العشرينات وعلى شفتيها إبتسامة باهتة .. شعرت نجلاء أنها موجهة إلى زوجها أكثر مما هي موجهة إليها.
رحبت بهما: أهلاً، إزيك يا أستاذ فادي؟ .. أكيد حضرتك مدام نجلاء
كان تقريراً أكثر منه سؤالاً، تساءلت متعجبة: هو إنتي تعرفيه ؟
اتسعت إبتسامتها: طبعاً
وجهت نجلاء بصرها إلى زوجها حانقة متوعدة إلى حساب واعر، لكن إكمال الفتاة لحديثها أنقذه من أنياب ضابط الشرطة داخلها: أستاذ فادي هو السبب إني قضيت أخر ساعات لوالدتي في الدنيا معاها .. بجد مش عارفه أشكر حضرتك إزاي ؟
تحركت حدقتيها بينهم في عدم فهم، قضبت محتارة: إزاي ؟ .. مش فاهمة حاجه
أوضحت لها: أستاذ فادي كلمني أنا وأخواتي عشان نيجي نزور ماما –الله يرحمها- بس تذاكر الطيران كانت أغلى من قدرتنا .. فحضرته قالنا أنه هيتكفل بالمصاريف المهم نيجي وما نسبهاش لوحدها ..
زفرت بقوة متحسرة: بس هما ما رضيوش .. كل واحد قال شغلي وحياتي .. أنا ما قدرتش بصراحة لأنها كانت وحشاني أوي بس ماكنتش قادرة أجي عشان المصاريف وكدا .. خصوصاً إني لسه ما أشتغلتش .. ولاقيت عرض أستاذ فادي دا نجدة من السما .. والحمدلله أديني قضيت مع ماما أخر ساعاتها .. فرحتها إني لسه جنبها وما نستهاش
برقت عينيها حباً تجاه زوجها، لقد ظلمته رغم أنه فعل ذلك ليسعد المرأة التي تحبها ليس لسببٍ معين سوى تعلقها الشديد بالمرأة الطيبة.
أضافت الفتاة: أنا ماعرفتكيش بنفسي .. أنا ريمان .. معلش الاسم ممكن يكون غريب عليكي بس هو مشهور في اليمن
صافحتها نجلاء في حبور، فريمان تملك نفس ملامح والدتها وسماحة وجهها مما جعلها تشعر بالحب نحوها فوراً وتمنت أن تصبحا صديقتان.
سألتها نجلاء عن خططها في المستقبل بعد إنتهاء أيام العزاء، أجابتها بصراحة: ماما كان نفسها ترجع تستقر هنا على طول .. ولولا بابا –الله يرحمه- ما كانتش سافرت أصلاً، وبعد موته كان أخواتي أسسوا حياتهم هناك فما رضيتش أنها تسيبهم وترجع لوحدها ففضلت معانا هناك .. ولما عرفت بالمرض الدكاتره نصحوها تتعالج هنا أفضل .. خصوصاً إن الأطبه هناك مش متمكنين في الأمراض الصعبة اللي زي دي وكمان تكاليفهم عالية .. ولولا إني كنت مشغولة ف أبحاث وحاجات متعلقة بدراستي كنت جيت معاها ولما خلصتها كانت مصرة إني ما أجيش وللصراحة أنا ماكانش معايا فلوس تكفي .. بس لما جيت وشوفتها مبسوطة بالبيت دا قد إيه، قررت إني هأعيش فيه .. أنا ماليش ف اليمن حد غير أخواتي وكل واحد في دنيته ومش في باله حد تاني .. فالأحسن أسس حياتي هنا وأكمل أبحاثي هنا
سألها فادي: يعني مش هتسافري تاني؟
أجابته: لا هأسافر .. أجيب حاجاتي وأخلص ورقي هناك وأرجع أستقر هنا
تناولت نجلاء كفيّ ريمان وابتسمت مشجعة: ربنا يوفقك .. ولو أحتجتي أي حاجه ما تتأخريش .. أنا هأعتبرك ف مكانة أختي .. لو دا ما يزعلكيش طبعاً
شددت على يديها: لا طبعاً، دا يزدني شرف
جلسا حتى ما بعد أذان العشاء وعندما هما بالمغادرة وعلى عتبة الباب، أوقفتها الممرضة التي تبسمت في وجهها تطلعها: مدام سحر كانت بتحبك أوي .. كانت بتدعيلك ف كل وقت وكنت بأسمع دعاها ليكي
أومأت لها نجلاء وتبسمت بينما أخرج فادي مبلغاً ليس بالقليل وأعطاه للممرضة بعد عناء في إقناعها أن هذا عرفاناً بجميلها وعنايتها بالسيدة الطيبة.
***
مدت يديها من نافذة القطار لتتلقفها كفوف زوجها، تشبثت به مانعة الدموع أن تطفر من مآقيها، رسم شبح إبتسامة مشجعاً: والله لولا الشغل ماكنت سيبتك تسافري لوحدك
ضربته والدته على كتفه مؤنبة: أومال إحنا رحنا فين يا واد ؟؟
نظر إلى والدتها معتذراً: مش قصدي والله .. بس ..
أومأ له والده متفهماً: خلاص خلاص، أمك فاهمة بس بتحب تستعبط ساعات
قطبت سمية حاجبيها: إيه تستعبط دي يا أحمد ...
قهقه الجميع، هدأتها نجلاء: معلش يا ماما .. بابا بيهزر معاكي
ثم استدارت إلى حمزه: خلي بالك على فادي .. لولا بس إني عايزه أشوف أهل حياه وبلدها ماكنتش سيبته لوحده .. يخربيت الشغل اللي مانعكوا من السفر معانا دا
ألتقط فادي كفيها ضاحكاً ولثم كلاً منهما بقبلة مُلتاعة: هأخلص الشغل على طول وتلاقونا أنا وحمزه ناطين فوق دماغكوا .. يادوب بس هما خمس أيام ونحصلكوا
حمزه مستديرة إلى زوجته: أنا مضطرة أفضل هنا عشان الشغل .. لأن الخمس أيام قبل الفرح دول هنحتاجهم ف شهر العسل ..
سألته نجلاء بحماس: صحيح هتقضوا شهر العسل فين ؟؟
لم يزحزح نظراته عن حياه: المكان اللي تأمر بيه أميرتي ..
ابتسمت حياه بحنان: نأجله شوية .. كفايه مصاريف الشقة والفرح اللي ما رضتش حد يشاركك فيها ولا حتى بابا
أجابها بجدية وعبوس: الفرح معروف من زمان أنه ع العريس والشقة أنا كنت شايل فلوسها من زمان .. يعني كدا كدا عامل حسابي .. وإن ما صرفتهاش على بيتنا هأصرف على إيه ؟
أدارت كفه وقبلته بحب: ربنا يخليك ليا
أرتفعت صافرة القطار معلنة موعد الرحيل والتوجه إلى سوهاج، تحرك القطار ونجلاء تلوح مودعة زوجها بينما حمزه مازال متشبثاً بيدي حياه، يخطو مع حركة القطار من فوق الرصيف .. وهمس بصوت لم تلتقطه سوى أذن حياه: عارفه أحلى حاجه ف إني مش هأسافر معاكي إيه ؟
نظرت إليه بضيق: إيه ؟
ضحك لما رأى غيظها: إن مافيش حد هيقولي " التذاكر يا أستاذ " لما أعمل كدا ..
قفز قفزة صغيرة ولثم وجنتها قبل أن يفلت يديها ويحط فمه بكفيه صارخاً: لا إله إلا الله ..
أخذتها الدهشة مما فعل فلم تجد في نفسها قوة سوى لتهمس بصوت شديد الخفوت: محمد رسول الله .. في حفظ الله
ضحكت نجلاء وسمية كذلك أحمد على فعلة حمزه، سرحت حياه متخيلة شكل حياتها مع حمزه إذا ظل يعاملها بتلك الطريقة .. وإن تغير ستظل تتذكر تلك الأفعال الصيبيانية لتخفف من وطأة أخطاءه لديها لتسامحه فوراً.
***
هلل الجميع لعودة حياه، استقبل أهل حياه عائلة زوجها بترحاب لم يسبق له مثيل حتى أنهم ظنوا بأنهم من العائلة الملكية بالمملكة البريطانية ليتم استقبالهم بتلك الحفاوة.
شعر فاروق بالفخر والإعتزاز عندما لمس ذلك الإحساس لدى عائلة زوج ابنته فهذا مدعاة الفخر والعزة، فإكرام الضيف واجب مفروض.
انشغلت حياه مع شقيقتها ونجلاء وزوجة أخيها عائشة في ترتيب شئون العرس، فيما اعتذرت لها سلمى فقد انشغلت بزوجها وبعض المشاكل معه ولا تريد أن تعكر عليها صفو سعادتها بحزنها ولوعة قلبها.
حزنت حياه لعذاب صديقتها لكنها تيقنت من جلدها فما بعد العسر إلا أيسر اليسر.
***
دخلت حياه غرفة أنس لتحادث حمزه وتطمئن على أحواله؛ فهي حتى الآن أكثر غرف المنزل هدوء، وجدته يتحادث عبر الشات مع فتاة بما يتخطى أداب حديث بينه وبين فتاة أجنبية عنه.
انسحبت من الغرفة حانقة فقد يأست من الحديث معه؛ فما يدخل عبر أذنه اليمنى يخرج عبر اليسرى كأنه لم يكن .. وعبرت عن ذلك لحمزه عندما لمح في نبرة صوتها الضيق.
- إمممم .. قولتيلي .. خلاص ما تقلقيش أنا هأتصرف
- ما أقلقش إزاي بس يا حمزه ؟!
- يا ستي براحه شوية .. قولت أنا هأتصرف إهدي بقى .. ما تنشغليش بحاجه إلا فرحنا وبس .. إتفقنا ؟
- أوووف .. طيب
- المهم .. جبتي اللبس الشفتشي والمفتشي ؟
- إيه اللي أنت بتقوله دا ؟؟!
- إيه يا بت .. والله لولا إني بأكلمك في التليفون كنت جبتك من شعرك .. يا وليه أنا جوزك .. ما يغركيش الفرح اللي بعد كام يوم دا .. دا أنا عامله لعبة عشان عندي بدله مش لاقيلها مناسبة تتلبس فيها فقولت استغل الفرصة وأعمل فرح عشان ألبسها بدل ما تاكلها العتة !
- لا يا رااجل ؟؟
- لا يا بت .. يا مدامتي
- إيه مدامتي دي ؟؟
- يعني مراتي .. بس من باب التجديد خليتها مدامتي
- ههههههههه .. طب يا هاسبانضي
- إيه هاسبانضي دي كمان ؟
- يعني جوزي .. بس من باب التجديد خليتها هاسبانضي
- بصي يا بنت الحلال .. إنتي مش في بيت أبوكي دلوقتي ؟
- أيوه
- بس كدا .. الحمدلله .. خليكي فيه بقى وما أشوفش وشك تاني .. أنا قطعت علاقتي بيكي .. قال هاسبانضي قال .. اسمها هاسبندي يا جاهلة .. قتلتي الأنوثة منك لله
- يا نهااااااار .. بتدعي عليا يا حمزه ؟؟!
- هو أنا أقدر يا مدامتي ؟ .. إموووواه .. سلام بقى ورايا شغل .. هتقطعي عيشي
ودعته وأغلقت ضاحكة .. وقررت أن تسجد سجدة شُكر لله عقب صلاة المغرب؛ تحمده فيها على رزقها بزوج يعوضها عما عاشته.

-----------------------


في اليوم الذي يسبق العرس، وصل حمزه برفقة فادي إلى سوهاج واستقبلهم أخوة حياه بالترحاب والأحضان.
انفرد حمزه أخيراً بأنس بعد طول عناء، جلس معه في حديث لا يحدث إلا بين الرجال، بدأه بتنهيدة جعلها على قدر المستطاع تُظهر حسرة على ما كان، فسأله أنس في فضول عن سببها فأجاب: أصلي كنت بأحب واحدة قبل حياه .. لكن النصيب بقى نقول إيه
فزع أنس: نعم ؟؟ .. يعني أنت مابتحبش حياه ؟؟
نظر إليه حمزه دون أن يلحظ هو ذلك: دي بنت كنت بأكلمها ع النت .. بس ربنا فرقنا وبعدني عنها .. وأديني أهو بأتجوز غيرها ...
استفسر أنس حانقاً: وبعدت عنها وما أتجوزتهاش ليه ؟؟
- ما أنت عارف، أي حاجه بتبقى في معصية الله لا بتدوم ولا بتعيش .. وأقل نفخة فيها بتتهدد خصوصاً لما يكون الطرفين فيها قلب بنت وقلب ولد
تنهد بقوة متابعاً: هي كانت غريبة عني .. ما تحلليش .. وكنت عارف أنه كلامنا غلط بس بردو استمريت فيه .. وفي الأخر قلبي أنكسر لما قالتلي أنها مش هتقدر تكمل معايا وأنها هتشوف غيري يخاف عليها .. عشان لو كنت بأحبها بجد كنت حافظت عليها من نفسي قبل الناس .. وكنت بعدت الشيطان عننا
سأله يخالجه خوف من الإجابة: طب وليه ما راجعتش نفسك ورجعتوا لبعض ؟
لا يدري من أين أتت تلك الدمعة إلى عيونه لكنه شعر بقلبه يتمزق، لقد أتقن التمثيل حتى أنه نفسه تأثر به .. عقد النية على التواصل مع شركة اكتشاف الوجوه الجديدة ذات الموهبة في التمثيل لأنه سيكتسح بشدة الأجواء ويصبح نجماً لامعاً ينال العديد من الجوائز التقديرية .. أفاق على تكرر أنس لسؤاله فرد متظاهراً بالألم واليأس: الموت كان سبقني ليها
كاد أن يقع أرضاً من فرط الضحك عندما رأى دمعة تهرب من عيون أنس لكنه تماسك قدر الإمكان وتابع بأسى وقد أمسك إحدى كتفيه بقوة: بص يا صاحبي .. نصيحة من واحد أوعى منك ومر بتجربة قاسية جداً، لو حبيت ف مرة بنت .. أوعى تغلط غلطتي وتكلمها وتقرب منها .. غير ف الحلال .. وإلا ربنا هيحرمك منها للأبد .. أبعد عنها وأدعي ربنا يجمعك بيها في إطار الزواج .. دا أفضل ليكوا
بعد لحظات طرقت زهرة الباب ووجهت حديثها إلى حمزه: بابا عايزك ف مكتبه
نهض ليلحق بها وقبل أن يغادر الحجرة استدار إلى أنس بطريقة درامية يبدو عليه التأثر وقال: أوعاك يا صاحبي .. تعمل زيي
ثم خرج وأغلق الباب غير قادر على كتم ضحكاته أكثر، ابتسمت زهرة لحالة الضحك التي أنتابته دون أن تعي سببها، تركها ودخل إلى مكتب فاروق بعد أن رسم الجدية على وجهه محل الضحك.
ضربت كفاً بكف محوقلة وهي تدعو له بالهداية، انصرفت عائدة إلى شقيقتها لتُنهي معها ما تبقى من إعدادت ولمسات نهائية قبل مجئ الفتيات للإحتفال بليلة الحناء.
وقف حمزه أمام والد حياه الذي أمره بالجلوس ووجهه جامد كأن هناك ما يشغل باله ويقلقه، سأله مترقباً: خير يا عمي .. حضرتك طلبتني ليه ؟
انتبه له فاروق كأنه لم يشعر بدخوله ثم سأله مقطباً: أنت شوفت كروت الدعوة بتاعت الفرح ؟
نظر له حمزه لا يدري أين المشكلة: لا .. حياه قالت ما أقلقش وكفايه عليا الشغل والكام حاجه اللي كنت بأجهزهم ..
مد إليه فاروق بأحد الكروت وهز رأسه مشيراً له: طب اقرا كدا وقولي رأيك ..
تناول حمزه الكارت وقد ساوره القلق فلهجة حياه لم تطمئنه في حينه كذلك الآن معالم وجه عمه لا تنبأ بالخير .. اتسعت عينيه بشدة وتبادل النظرات مع عمه غير مصدقاً لما رأته أعينه.
***
اندمجت نجلاء بشدة مع الفتيات ذات البشرة القمحية نتجة شمس سوهاج الشديدة، كان أغلبهن قريبات إلى القلب يتملكهن الخجل بسهولة، أرتدى الجميع الجلباب الفلاحي كطقس من طقوس الحناء .. هكذا طلبت حياه من زهرة لتشيعه بينهن .. فلا تخجل فتاة لا تملك ثياباً تليق بالمناسبة من المجئ .. فرحت زهرة بشقيقتها وتفكيرها في مشاعر الأخرين ولبت طلبها عن طيب خاطر.
تفاوتت الألوان فيما تشابهت شكل الملابس، سعدت نجلاء بهذا الجلباب كثيراً فلأول مرة ترتدي مثله في حياتها .. كان باللون الأزرق تتناثر فيه زهرات صغيرة مختلفة الألوان وحجابها كان بلون واحدة من تلك الأزهار.
هتفت نجلاء بسعادة: حلو الفستان دا أووي
ضحكت عليها حياه وزهرة فيما تبسمت سمية وشاع الغمز واللمز بين بقية الفتيات، علقت حياه ضاحكة: اسمها جلابيه مش فستان .. أدي أخرت المدارس الأفرنجي
نظرت لها نجلاء بعدم فهم: يعني إيه أفرنجي دي يا حياه ؟
حدقت بها حياه غير مصدقة بينما اقتربت منها زهرة ووضحت بهدوء: يعني أجنبي
أومأت متفهمة وقد سعدت بالحياة الجديدة التي لم تراها سوى في الأفلام وعبر شاشات التلفاز.
بدأت إحدى الفتيات تغني بصوتها العذب والبقية يصفقن مندمجين مع الكلمات، حتى نهضت إحداهن وربطت إحدى الشالات حول خصرها وبدأت في الرقص فعلىَ ضجيج التشجيع.
***
أرتمى أنس على سريره حابساً دمعة حزن من النزول، لقد أنهى كل شئ مع من أحبها وتعلق بها، هو من أصلح علاقتها مع والدتها التي نصحته حياه بالإبتعاد عنها فهو أحد أسباب تأثر علاقتها مع أبناءها .. مما أشعره بالذنب وجعله يبحث عن أبناءها يتحدث إليهم ويوضح شدة حبها لهم وتعلقها بهم .. تأثرت ابنتها بحديثه فأعادت علاقتها مع والدتها بينما الأخرين استمعوا له ثم تجاهلوه .. لكن علاقته بتلك الفتاة توطدت حتى تحولت حباً لكن حديث حمزه أثر به وقرر أن يحافظ عليها فما بقي إلا عدة أيام على ظهور النتيجة من بعدها سيدخل في الثانوية العامة ليأتي بمجموع كبير يمكنه من دخول كلية الهندسة كما تمنى ثم وقتها يفكر في الإرتباط أو الزواج .. أما الآن فأي شئ يفعله لا يسمى إلا بـ "لعب عيال" كما يسميه البعض.
انقلب على جانبه الأيمن وغطى رأسه بالوسادة ليمنع ضجيج الطابق السفلي من الوصول إلى مسامعه حتى ذهب في سبات عميق، راضياً بقسمته مهما كانت.
***
أتى يوم العرس على الجميع بالنشاط والحركة، محمود وفادي يقفان ويتابعان وضع الطاولات والمقاعد كذلك المنصة المخصصة للعروسين فقد قررت حياه أن يكون العرس في المنزل، بينما سمية تشرف على الطعام وتجهيزه.
حياه مع زهرة ونجلاء يعدانها لليوم المنتظر فيما انشغلت عائشة بطفليها التؤام فكادت تفقد عقلها من بكائهما المتواصل دون توقف.
جلس حمزه يحلق له مُسعد ذقنه في حين يمازحه هو وأنس وكذلك عصام شقيق حياه الذي عاد فجراً من سفره بلا نية في العودة.
نظر حمزه من طرف عينه إلى مُسعد: المُنشد وصل ولا لسه ؟
سأل مُسعد مستفسراً: هي الساعة كام دلوقتي ؟
أجابه أنس بعد نظر في ساعة معصمه: الساعة واحده
فرد مُسعد على سؤال حمزه: يبقى لسه ماجاش .. هو قال جاي الساعة تلاته
انفعل حمزه بشدة: إزاي لسه ماجاش؟ .. هو مش عارف إننا هنبدأ الساعة خمسه ؟؟
نظر له عصام متعجباً: أنا أصلاً أول مرة أشوف ناس تتجوز ف النهار .. ماله الليل مش فاهم أنا
أجابه أنس: أصلهم حاجزين تذكرة في القطر الساعة تسعة .. عشان هيروحوا الأقصر وأسوان يقضوا شهر العسل ههههههه
اهتزت يد مُسعد وكاد يجرح حمزه الذي صرخ به: يا ابني ركز، هتشلفطني وأنا فرحي بعد كام ساعة !
مُسعد متأسفاً: معلش بس اتصدمت .. أقصر وأسوان إيه اللي هتروحها في الصيف دي يا باشمهندس ؟؟ .. أنت مستغني عن عمرك ولا إيه ؟؟ دا إحنا هنا ومفرهضين .. أومال هناك بقى ؟؟ ..
ضحك أنس معلقاً: هيبقوا زي اللي راحوا خط الاستواء الساعة 12 الضهر هههههههه
شاركه الجميع الضحك إلا حمزه الذي استبد به الغضب: أعملها إيه ؟ .. هي نفسها تروح هناك وتقضي شهر العسل فيها !
عصام مفكراً: يمكن عشان بابا وماما قضوا شهر عسلهم هناك .. بس دول راحوا ف الشتا مش ف عز الحر يا مجانين هههههه
دفع حمزه بيد مُسعد بعيداً: يا ابني فتح هتعورني .. روح شوف المُنشد دا جه ولا لسه .. أنا مش فاهم لزمته إيه أصلاً .. ما دام مش عايزه أغاني كنا شغلنا كام شريط وخلصنا لازم مُنشد يعني ؟؟
وضع مُسعد كفه على كتف صديقه مقهقهاً: ولا الدعوة .. يا خبرررر.. أنا ماصدقتش عيني لما قريت اللي فيها
لوى حمزه شفتيه: عشان كدا ما خلتنيش أشوفها وراحت وزعتها هي ونجلاء .. وأنا اللي كنت فاكرها دعوة زي الدعاوي بتاعت الأفراح .. إلا لازم تحط التاتش بتاعها
غمزه عصام عبر المرآة: بس ما تنكرش إنه تاتش جامد .. أنا لحد دلوقتي محتار إزاي أختارت الكلام وعرضته بالشكل دا .. ماحدش يقدر يمسك عليها غلطة
دفعهم العريس عن طريقه: طب أوعوا بقى خلوني أخد شاور عشان ألحق أجهز وأبص ع السريع على الحاجه .. واستقبل الناس
ضحك مُسعد وذكره مغيظاً: الله يرحم أيام ما كنت بتقعد أسبوعين من غير حموم ويوم ما تلاقي كوباية مايه كنت بتوفرها لتاني يوم تشربها لو المايه قطعت
قذفه حمزه بالحذاء ورفع أحد حاجبيه محذراً وهو يحرك سبابته في وجهه: اتجنبني يا مُسعد أنا مش ناقصك الساعة دي
غرق الجميع في الضحك لكنهم أبوا إثارته أكثر حتى لا يرتكب ما لا تُحمد عقباه في غمرة التوتر وإنشداد الأعصاب كأوتار العود.
***
وقف حمزه وسيماً ببذلته السوداء وربطة عنق أشد سواداً يستقبل المدعوين بإبتسامة سعيدة مرحبة، يقف إلى جواره صديقه وأشقة زوجته كل واحد فيهم يرتدي نفس شكل رابطة عنق العريس لكن بإختلاف الألوان ففادي يرتديها باللون الأخضر الفاتح .. مُسعد باللون السماوي .. أنس باللون الأحمر القاني .. عصام باللون الرمادي وأخيراً محمود نفس لون شقيقه عصام ولكن أشد حلكة.
لم تخلو التهنئات من التعليقات على الدعوات وما ورد فيها، منهم من أخذها بمزاح والبعض لامه على ما ورد فيها لكنه لم يهتم يكفيه فرحة حياه بفعلتها وفرحته هو بها .. فهي كل يوم تثبت له عن سابقه أنها نعم الزوجة ونعم رفيقة الدرب.
أخيراً أتت اللحظة التي وقف فيها حمزه أسفل درجات السلم داخل المنزل والناس تصطف على الجانبين فيما هو يراقب محبوبته تهبط الدرجات رويداً رويداً متأبطة ذراع والدها الفخور بها أشد الفخر .. على ضربات الدفوف وإنشاد المُنشد ومن معه.
كانت تخطو بهدوء وقد أحاطها قماش ثوبها الأبيض شديد الإتساع بأكمامه التي تتسع حتى تضيق عند معصمها على شكل إسوار مرصع باللآلئ والخرز، ينسدل فوق وجهها قماشة من القماش الشفاف والمطرزة في رقة بنفس تصميم المعصم .. ترى عبرها خطواتها المتمهلة.
وصلت لأخر سلمة حيث سلمها والدها إلى زوجها والدموع تكاد تطفر من عيونه، يوصيه بها ويشدد عليه أن يحرص عليها كما شدد عليها تحمل زوجها في كل أحواله وإمتصاص غضبه فهي أصبحت معلقة برقبته إلى يوم الدين.
انتقلت ذراعها لتتأبط ذراع زوجها بعد أن رفع الحجاب ليكشف عن وجه بالكاد لمسته مساحيق التجميل فقد اكتفت بالكثير من المسكات والأقنعة حتى تعطي وجهها بريقاً أفضل من ألف لمسة مكياچ .. وقد لفت الحجاب بطريقة تقليدية ليس بها تعقيد واكتفت بتاج صغير أحتل مقدمة رأسها مثبتاً جمالها الملائكي.
لثم جبينها وهمس في أذنها بصوت أبح: أخيراً جات اللحظة دي يا مدامتي ؟؟
اكتفت بإبتسامة خجلى وسار معاً في إتجاه منصتهما .. حيث جلسا يستقبلان التهاني والدعوات الطيبة بالخير ودوام السعادة والحب بينهما، مرت عينيها على جميع الحاضرين حتى تتأكدت مما بغت فاتسعت إبتسامتها معلنة شدة سعادتها.
دنى منها حمزه وهمس إليها بخبث: إيه؟ .. بتتأكدي من الدعوة وإنها عملت مفعولها ولا إيه؟
أخفت وجهها في حضن فاطمة والدة سلمى التي جاءت تبارك لها وتخبرها بإقتراب وصول صديقتها وتتأسف نيابة عنها عن التأخير.
تقبلت حياه ذلك ببشاشة فيكفيها أن ترى صديقتها في النهاية مهما طال غيابها، بعدما انسحبت فاطمة عاد حمزه يهمس لها بما ورد في الدعوة فقد ظل يقرأها طوال الليل حتى غلبه النعاس والإبتسامة لا تغادر شفتيه:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
ندعوكم نحن المهندس:- حمزه أحمد العربي وحرمه المصون:- حياه فاروق حسين إلى تشريفنا بحضوركم الكريم حفل زفافنا ولكن في هذه رسالة رجاء، ليست أمراً يُأمر فيُطاع.
لقد توجنا الرحمن
بفتح بيت ينضم إلى عائلات الإسلام .. إبتغاء منا مرضاة الله
لنُنشئ بيتنا أساسه رضا القدير وحجارته من مودة ورحمة كما أمرنا الرضوان
أثاثه الحب والتسامح يجعله يُشع نوراً ووئام
وننجب أبناءً ينفعون دين الإسلام ويرفعون رايته في عُلاه
ينشرون جمال الطاعة في رحاب المولى المتعالى
لكن كيف لنا إتمام ذلك إن بدأنا بمعصية الحافظ المُغني ؟!
فتكونون سبباً في هدم منزل حديث الإنشاء نازعين منه حجر الأساس.
تصبحون السبب إذا أتت آنساتكم وسيداتكم .. إن كن زوجات أو بنات بملابس
تخجل أن تقف بها بين يدي الله .. ورقصات يخجل أن يراها رسولنا الكريم وشفيعنا العظيم
هذا عدا .. أنغام تأتي على هوى الشيطان والجان .. فلو انكشف لنا الحجاب لرأينا منظر تنخلع بسببه القلوب وتتطير له العقول وقشعر منه الأبدان.
فإذا كرهتم لنا السعادة والرخاء .. البهجة في أسعد ليالي الحياة
وأن يطوقنا الرحمن من عُلاه بالرضا والحفظ وإحاطة الملائكة لنا في أجمل ليالي العمر
فلكم أن تفعلوا ما تحبون .. لكن أعذرونا إن رغبنا في حفظ زواجنا بعيداً عن غضب الكريم ونقمة الحميد ...
ولكم منا أبلغ التحية وأحر الأمنيات ..
بلغنا الله وإياكم أعالي الجنان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. "
ختم حمزه ذلك بتعليقه: عملتيها إزاي يا أروبه ؟؟ .. هو أي نعم فيه ناس ما عجبهاش وماجاتش وناس جايه كأنها مضروبة علقه وناس مبسوطة باللي عملتيه جداً .. بس جاتلك الفكرة دي منين؟ .. الكلام يخلي اللي يقراه مجبر ينفذه .. لأنه بدا بيثبت فعلاً حبه لينا ومشاركته فرحتنا
هزت كتفيها: مش عارفه .. أنا كنت عايزة أعمل فرح في نفس الوقت ما يحصلش فيه حاجات غلط ..
استفسر منها: طب ما كنتي عملتيه منفصل وخلاص ..
أجابته بهدوء: أولاً بيت بابا مش كبير للدرجة دي يعني .. الجنينة كبيرة عن جوا .. وخصوصاً أنه من جوا متقسم أوض ومش هيبقى لطيف .. كمان .. نجلاء أتحدتني إني لو عملت فرح فيه الرجاله والستات سوا مش هأقدر أعمل حدود وأمشي اللي ف دماغي ..
اتسعت إبتسامته وبحث بعينه عن شقيقته فوجدها جالسة برفقة زوجها يتسامران: يا بنت الإيه .. تصدقي إنتي وهي أسخم من بعض!
ثم عاد نظره إليها باسماً: بس بجد فخور بيكي .. قدرتي تعملي اللي ما حدش عمله، دا مافيش دراع واحد باين ! .. دا حتى اللي مش محجبات مدارين شعرهم بحجاب أي نعم شفاف ومبين كل حاجه بس أحسن من مافيش .. خصوصاً ف الحر دا هههههههه
نظرت له نظرة جانبية: طب لم عينك بقى .. وغض البصر
تنحنح في حرج مما جعل الإبتسامة تظهر على شفتيها، دخل رجل التنورة في فقرته وشد إنتباه الجميع .. وبعد إنتهاءه نهضت العروس برفقة عريسها يمرون على الطاولات يطمئنون إلى راحة الجميع وخصيصاً كبار السن.
أرتفع صدى أذان المغرب في الأنحاء، فأتجه إلى حيث يقف المُنشد واستعار منه الميكروفون هتف بصوت حماسي: يلا يا جماعة أدان المغرب .. وبما إننا لو روحنا بأعدادنا دي كلها المسجد ممكن يفتكرونا خارجين في مظاهرة فخلاص نتصرف .. الشباب يزيحوا الكراسي على جنب شوية ويسيبولنا مسافة نصلي .. والبنات يروحوا يجهزوا مكان الصلاة جوا البيت.
ثم إلتفت إلى فاروق وأضاف: وبما إننا في بيت حمايا العزيز .. فهو اللي هيأمنا
هز رأسه رافضاً وهتف به بصوت عالٍ: لا أنت، دا فرحك ودي فكرتك
أنصاع لأمره وانصرف الجميع يفعل ما أمر، وقف أحد النصارى يمسك الميكروفون أمام حمزه فلم يجد ما يثبته به مما اضطره إلى ذلك وكان الرجل المسيحي هو من عرض عليه المساعدة فوقف أعلى مقعد جانبي حتى لا يقف أمامه أثناء الصلاة يحمل الميكروفون ويمده بأقصى ذراعه.
اصطفت النساء حتى ملأن حجرتين كاملتين ووقفت حياه في أخر صف على أقصى اليمين وقد أفسحن لها ما استطعن من مكان بسبب اتساع ثوبها وليسهل عليها الحركة داخله.
رفع حمزه يديه أمام أذنيه وقال بصوت جهوري قوي: الله أكبر ..
كانت حياه تصلي ودموعها تنهمر .. لقد ظنت أنه عندما يأمها زوجها في منزلهما ستكون أسعد لحظات حياتها .. لم تكن تدري أن يأمها ويأم الشاهدين على إرتباطهما برباط أبدي هو أروع مما تصور خيالها .. كأن هذه الصلاة توقيعاً لهذه الإتفاقية.
بكت كما لم تبكِ قبلاً شعرت أن هذه آية من ربها تؤيدها وتخبرها أن هذا هو زوجك الذي كان ربك يبغيه لكي ليس من ظننتي قلبك دق لأجله فأصابك في مقتل .. أحست بمباركة الله لما فعلته في عرسها وسعادته بها كأمته المؤمنة .. التي أرادت أن تبدأ حياتها بعيداً عما يغضبه فرزقها بعمل قد يكون أهم وأول أسباب دخولها الجنة.
بعد التسليم من الصلاة، رأين عيونها محمرة من البكاء، أسرعت بها نجلاء إلى الغرفة تعيد عيونها قدر المستطاع إلى سابق عهدها وقليلاً من صفاءها بلا دموع.
بعدما أنتهت وعادت تخرج، كان الشباب قد أعادوا المقاعد والطاولات إلى مكانها، ألتقت عينيها بعيون زوجها وغرقا في لحظة من لحظات الإلتقاء الروحي .. علمت أنه شاركها البكاء إبتهاجاً .. لقد شعرت في أخر ركعة خلال الصلاة بصوته قد تهدج وكأنه يمنع بكاءه من الخروج عبر حلقه .. لم يكن يدري أن تلك البحة قد أعطت صوته مزيداً من العمق وجعل كل من يسمع تلاوته يكاد يرتفع عن الأرض ليحلق بهم بين الملائكة في ملكوت الله.
أنتهى العرس بإنتهاء مرورهم على الجميع، وزعت نجلاء وعائشة الحلوى والبونبون على الأطفال وكذلك البلالين في حين انصرفت زهرة تتأكد من جمع ما فاض من طعام توزعه على أهل البلدة ومن يحتاج كما جرى الإتفاق بينها وبين حمزه.
توجهت حياه تبدل ملابسها لملابس أكثر راحة تسهل عليها مشقة السفر.
***
دلفت إلى الغرفة في الظلام، تحسس موضع مفتاح الإنارة حتى وصل إليه، فغرت فمها عندما رأت ما أعده من مفاجأت لها .. لقد رسم على الفراش قلب من أوراق الورود البيضاء والحمراء وفاحت من الغرفة رائحة المسك والعنبر فزادت جو الغرفة نقاء .. كما انتشرت الشموع في أرجاء الغرفة فأسرع يشعلها ثم يعود إليها مطفئاً الضوء.
تناول يديها ونظر في عينيها نظرة أغارت قلبها بين أضلاعها وسألها: أنا عمري ما قولتلك بأحبك قبل كدا صح ؟
هزت رأسها: لا قولت
تذكر فقال: أيوه .. ساعة ما وقعت في الكلام قبل ما تسافري ؟
كررت هز رأسها: تؤ
- أومال ؟؟
حدقت به بحب: تصرفات كانت بتقولها .. عينيك كانت بتقولها .. دقات قلبك كانت بتقولها .. لما تاخدني ف حضنك وأنام كنت بأسمعها .. مش شرط لسانك ينطقها عشان تبقى قولتهالي .. فيه حاجات كتير أهم من الكلام تهمني تقولهالي بيها
أحتوى وجهها بين يديه: بس دا ما يمنعش إني أقولهالك كمان بلساني ..
رددها ببطئ ليتمتع بحلاوة نطقها لزوجته وتستمع إليها بروية متأثرة: بـحـبـك
تنهدت حالما أنتهى من قولها ورددتها من خلفه: بحبك
أسقط يديه عنها ووضع شريطاً في جهاز الكاسيت وبدأ تعلو في أرجاء الغرفة أنشودة شعرت أنها من أجمل ما تسمع بعد الكلمة التي قالها لها منذ لحظات.
تناول كفها وجذبها تشاركه الرقص عليها مستمتعاً بإحتواءه لها بين ذراعيه، يتمنى أن يخفيها داخل قلبه إلى الأبد.
حدثها: أنا مش عارف حبيتك إمتى .. كل اللي أعرفه إني كنت باسترخمك وبأحب أضايقك وأغيظك .. كنت عايز أستفزك بأي شكل .. ويوم ما طلبت منك نتجوز .. ما أعرفش قولتها ليه وإزاي ! .. وبعد الجواز فجأة لاقتني بأحلم بيكي وإنتي أم عيالي وسندي لما أكبر .. عندك تفسير يا ترى للي حصلي ؟
تبسمت: تعرف إني بردو استرخمتك أول مرة شوفتك فيها ؟ .. لما افتكرتني الخادمة .. نصيحة مني .. أوعى تطعن واحدة ف أنوثتها .. لأنها وقتها ممكن تقطعك حتت وترميك ف الزبالة
قهقه على حديثها العنيف وكأنها على وشك أن تفعل به ذلك: خلاص وعد مراتي الجايه هأبقى أخد بالي معاها
ضربتها على كتفه مغتاظة: دا أنا كنت كهربتك ودبحتك وصفيت دمك وبردو مش هتتجوزها
صدم جبينه بجبينها: دا على أساس أنه بقى فيا حاجه تتجوز أصلاً .. دا أنا بقيت شوية عضم إن ما دشتهوش ورمتيه على أرض بور عشان تنفع للزراعة هههههه
عادت إلى حديثها الأصلي: أضايقت منك وقتها بس فجأة لاقتني بأحبك .. وبأستنى رخامتك .. وكنت ساعات بأبين نفسي متغاظة عشان أشوفك ضحكتك
ابتسم في زاوية فمه: دا إنتي كنتي واقعة لشوشتك بقى
أومأت: جداً جداً، بس كنت واخده عهد بيني وبين ربنا إنه مهما حبيت عمري ما هأبين الحب دا إلا لجوزي ف الحلال ومش هأغلط غلطتي الأولى تاني .. وإنه ربنا لو رايدني أتجوز الشخص اللي بأحبه دا يرزقني بيه .. كنت بأفضل دايماً أتلمس أوقات إستجابة الدعاء وأدعي إنك تكون نصيبي وربنا يرزقني بيك الزوج الصالح اللي يهديني ويسامحني على أخطائي .. وفجأة لاقيت ربنا استجاب دعايا وطلبت مني الجواز .. بغض النظر عن الأسباب بس المهم النتيجة .. إني بقيت مراتك !
لثم خدها بخفة: مدامتي ..
قلدت صوته مستندة بجبينها على جبينه وهزت رأسها بمرح: أيوه مدامتك
تنحنح مُعيداً النبرة الجادة إلى صوته: إيه بقى اللي نفسك ف جوزك حبيبك اللي هو أنا يشاركك فيه ؟
تنهدت: أنا كان نفسي جوزي دا يبقى قدوتي .. مثلي الأعلى .. يشجعني أعمل خير أكتر وأقرب من ربنا معاه .. نعمل كل حاجه سوا .. شركا ف الحياة بكل معنى الكلمة
جلس على طرف الفراش وقال: ربنا يعيني وأقدر أسعدك .. وأكون زوج أحلامك
ابتسمت فيما جذبها بقوة لتسقط على الفراش بثقلها، اقترب من شفتيها هامساً: مش كفايه كلام إنهارده ولا إيه بقى ؟
دفعته بعيداً وهبت واقفة ثم قالت على عجل تخفي خوفها: إحنا لسه ما صليناش ولا نسيت ؟؟
نهض مضيقاً نظراته: ماشي .. بس بعدها مالكيش حجه تهربي بيها
هرولت مسرعة بعد أن تناولت ملابسها إلى الحمام، استحمت وتوضأت ثم عادت إلى الغرفة ليدخل هو يتوضأ .. ثم أمَّها في الصلاة كما كان قلبها يشتاق دائماً.
***
جلست على الفراش متوسدة قبضتها، تتأمل زوجها النائم، أتخذت قرارها بأن توقظه، همست باسمه فلم ينفع، قبلته قبلة سريعة أرتدت على أثره مخافة أن يحدث كالأفلام فيجذبها إلى أحضانها حتى تدوم القبلة إلى أبد الأبدين بلا جدوى.
صاحت به بصوت عالِ، فأنتفض مفزوعاً: إيه في إيه ؟؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها: فيه إنك مش ناوية تصحى وشكلك هتقضيها نوم
دعك عيونه متسائلاً عن الوقت، أجابته متأففة: الساعة إتناشر إلا تلت، قوم يلا فوق نفسك وأفطر عقبال ما أدان الضهر يدن عشان نصلي قبل ما نخرج
حك رأسه مدعياً عدم الفهم: ليه هو إحنا رايحين ف حته ؟؟
نظرت إليه شذراً: هو أنت ناوي تخليني محبوسة هنا طول اليوم ؟
جذبته من ذراعه ليقف وبدأت في دفعة إلى الحمام تحثه على الإسراع.
أمَّها في صلاة الظهر كما فعل في صلاة الفجر، أخذها ليريها أشهر معالم الأقصر قبل أن ينطلقا بعد يومين إلى أسوان.
وقف متظللاً بظل أحد البازارات، تناول ثلاثة أرباع زجاجة المياه وسكب البقية فوق رأسه علَّه يخفف بذلك من حرارة الشمس التي لفحت رأسه، طلب منها العودة إلى الفندق حتى تغيب الشمس لكنها عاندت: أنا مش جايه هنا عشان أقعد في الفندق يا حمزه .. وإلا كان بلاها شهر عسل بقى وكنا قعدنا ف بيتنا
هز رأسه موافقاً: والله كان هيبقى عين العقل، مش فاهم أنا إيه اللي عايزة تقضي شهر عسلها في الأقصر وأسوان ف الحر دا !
ضحكت مغيظة إياه: مش أنت سألتني نفسي أقضي شهر العسل فين؟ .. خلاص بقى تمشي وأنت ساكت
ثم أضافت حانقة: وبعدين عاملي فيها باشمهندس وبتشتغل هنا وهناك وف الصحرا وبتاع .. وأنت خرع كدا .. مهندسين إيه دول ياخواتي؟؟؟
نظر إليها يكاد يفتك بها: أيوه بنشتغل في الصحرا وف الحر وكل حاجه .. بس مش مجانين عشان نشتغل تحت الشمس ف ساعة زي دي .. لأنه مش بعيد حد من العمال أو المهندسين تجيله ضربة شمس ودا هيعطل الشغل لأنك عقبال ما توصلي لدكتور هتضطري تستني العيان يخف عشان يكمل أو الشركة تبعت غيره وحلني بقى .. ساعة زي دي يا ذكاوه هانم بنقضيها راحة ونعوضها ف ساعات الليل
هزت كتفيها وتابعت السير، سألها مستفسراً: يعني عايزه تقنعيني إنك مش حرانه ؟؟
نفت ذلك رغم تقذذها من شعورها باللزوجة والحرارة تطبق على أنفاسها، لمحت من بعيد فتاة أجنبية تحدق بحمزه وهي تغمز صديقتها وتلمزها، كانت شقراء شديدة الحسن، ملابسها تكشف الكثير من جسدها.
نظرت إلى زوجها لترى سبب إنجذابهما له إلى تلك الدرجة فرأت ثيابه تلتصق بجسده نتيجة الحر والمياه التي صبها فوق رأسه مبرزة جسده الرجولي، كما أضفت عليه حرارة الشمس لوناً برونزياً محبباً.
تطلعت إلى عيونه لتستشف إذا شعر بنظرات الفتيات له أم لا، وجدت عيونه معلقة على أحد البرديات في البزار الذي يقفون تحت ظله، باغتته قائلة: عايزه أرجع الفندق يا حمزه
نظر إليها رافعاً حاجبيه بشدة حتى كادا يلمسان شعره: مش كنتي لسه عايزه تلفي شوية ؟
غمزها مغيظاً: مش ناوية تعترفي إنك هتموتي من الحر بردو؟
هزت رأسها بسرعة تؤيد ظنه حلما رأت الفتاتين تريدان عبور الشارع إليهما، أمسكت يده وجذبته في الإتجاه المعاكس: أيوه .. اتحريت
ضحكاً منتصراً لكنها لم تهتم فيكفيها أنه لم يدرِ بنظرات الفتيات إليه وإلا نفش ريشه كطاووس يتعبد الجميع في محراب جماله.

Lanjutkan Membaca

Kamu Akan Menyukai Ini

1.1K 89 7
عٌنِدٍمًآ يَطِوٌلَ آلَحًزٍنِ.. عٌنِدٍمًآ تٌسِهّر آلَلَيَلَ وٌآلَدٍمًوٌعٌ تٌبًقُيَ رفُيَقُکْ.. عٌنِدٍمًآ تٌنِخِذِلَ وٌتٌجّرحً.. کْنِ عٌلَيَ يَقُيَن...
4.3K 170 15
يسألونك عن العشق فأجبهم بأنه شوق .. لهفه .. شغف .. وامتلاك روح لآخر رمق وأخبرهم بأنه تنهدات .. آهات .. بكاء .. وصراخ يصل إلى عويل . وصفه بأنه يجمع بي...
2.3K 104 4
يوجد الكثير من الأسرار في هذا العالم ما لا يصدقه عقل ولا منطق لكن مع مرور الايام ستتإكد ان لا يعيش الانسان بمفرده في هذا العالم فايوجد سكان اصليون...
517K 11.9K 40
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...