6

303 14 0
                                    



جلس مُسعد في الكرسي المقابل لصديقه أمام النيل .. طلبه حمزه قائلاً أنه بحاجه إليه فترك ما بيده وأتى إليه راكضاً فليس من عادته استخدام تلك الكلمة كما أن صوته لا يشي بالخير لكن منذ ذلك الحين وهما يجلسان أمام بعضهما.
زفر مُسعد: يا ابني أنت جايبني هنا عشان نلعب تماثيل إسكندرية ؟ .. ما تنطق في إيه ؟
لم يرد ومرت دقائق أخرى من الصمت فقد فيهم الأمل بأن يتلقى جواباً على سؤاله لكن حمزه تحدث قائلاً بشرود: مش عارف أخد قرار
ضرب ظهر يده بكفه الأخر ثم مسح على وجهه طالباً الصبر من الله: فهمت إيه أنا كدا بالصلاة ع النبي ؟؟
هم حمزه أن يفرغ ما في جعبته لكن قطعهما رنين الهاتف المتواصل .. لمح مُسعد بطرف عينه اسم المتصل بهتف مندهشاً: الشعنونه ؟؟
ظل حمزه ينظر إلى الهاتف متردداً في الإجابة، حثه مُسعد على الرد كاتماً ضحكته فمن تردد صديقه توقع أن تكون تلك الـ "شعنونه" هي سبب حيرته وشروده.
أول ما التقطته أذنه كان صوت نحيب مما أشعل القلق في قلبه، همس: حياه ؟
جاءته همهمت أحد يريد الحديث لكن الكلمات لا تطاوعه، أحباله الصوتية تلجم الكلمات وتمنعها من النفاذ عبر الحنجرة، سمع صرخة وشخص يتحدث بصوت عالي مهدداً، تساءل بعصبية: حياه !!
أته صوت طفلة يقول بحروف متقطعة: ألحـ قــ نا يا .. أبيــه حمزه .. في ناس .. اتنين رجاله .. ماسكين ميس .. حياه وبيضــ ربوها !
لم ينتظر حتى يسمع أكثر من هذا، أمسك مُسعد من ذراعه يُنهضه معه دون أن يفهم الأخر أي شيء كل ما فعله هو التشبث بمقعده المجاور لحمزه الذي يقود بسرعة جنونية تكاد ترسلهما إلى حتفهما.
***
حاولت الفكاك من بين قبضته لكنه صفعها حتى سمع صراخها قائلاً بتلذذ شيطاني: أيوه سمعيني صريخك .. إنتي لسه ما شوفتيش حاجه من اللي هأعمله فيكي !
سألته متحاملة على ألمها: أنت عايز مني إيه ؟؟ .. شادي أنا ما بلغتش عنك ولا قولت حاجه أنا عايزه أعيش حياتي وبس !
أمسك شعرها عبر حجابها صارخاً في وجهها: إنتي مالكيش حياة بعيد عني إنتي فاهمة ؟؟ حياتك معايا وبين إيدي أنا وبس
ردت بتحدي لا يتناسب مع وضعها: لا .. حياتي وحياتك ف إيد ربنا .. أنت ما بتخافش من ربنا ؟!
يبدو أن عقلها توقف عن العمل فكيف يهاب الله وهو يفعل ذلك في الفتيات ممزقاً أعراض النساء .. ليس من المعقول أن يكون قواداً وفي ذات الوقت يخشى سخط الله.
ضحك ضحكة أفزعتها: ربنا ؟؟ .. سبنالك إنتي الخوف منه يا ستنا الشيخة
لمح مرافقه الطفلة وهي تحاول الإختباء وفي ذات الوقت لا تحرك عينيها عن حياه فهي التي تهبها القوة والإحساس بالأمان.
أمسك بها وهي تصرخ محاولة التسلل من قبضته لكن هيهات أن يفلت الأرنب من براثن الذئاب.
أنفض الإشتباك بين الجيران وساد الهدوء العمارة؛ فقرر شادي الإسراع بالرحيل قبل أن يأتي ما يعطلهم من جديد، اقترب منها وهمس بوحشية: عارفه لو عملتي حاجه كدا ولا كدا تلفت الأنظار .. اقري على البت دي الفاتحة وإنتي اللي هتشيلي ذنبها .. لأنه إحنا خلاص من كتر اللي ماتوا تحت إيدينا مابقاش عندنا إحساس
تمتمت متوسلة: طب هتعمل بيها إيه ؟ .. سيبها وأنا هأمشي معاك لوحدي
بكت الطفلة بشدة: لا ما تسبينيش يا ميس حياه
هول الموقف منعها من التركيز على عودة قدرة مي مي على الكلام، قالت مهدئة مي مي: حبيبتي إنتي هتفضلي هنا لحد ما ماما وبابا يجوا ماشي ؟
ضغط على ذراعها لتنهض: إنتي تسكتي خالص .. هي هتيجي معانا عشان ما تصرخش وعشان جنابك ما تعمليش حركة جنان كدا ولا كدا
مسحت وجهها كما أمرها وطلبت من الفتاة إلتزام الصمت حتى لا يصيبها مكروه، هبطت معهم باستسلام صامت، في الوقت الذي احتاجت فيه أن تكون وحيدة حتى تستطيع التصرف فحياتها ملك لها وحدها وجدت من يتشبث بها ولا يرغب في الإبتعاد عنها على عكس الأوقات التي كانت تتمنى أن تجد من يتعلق بها ويثبت أهميتها في حياته ولم تجد .. إنها سخرية الحياة.
أمام باب السيارة وقبل أن يصعدوا إليها، وصل حمزه وكان يهم بالترجل من سيارته، لمحته مي مي فصرخت باكية تطلب منه المساعدة: أبيه حمزه !
رفعت حياه نظرها ولمحته لكن شادي ومرافقه كانا أسرع منهم فقد قذفوا بهما داخل السيارة وانطلق سائقها الذي كان بانتظارهم يقود بسرعة قبل أن يصل إليهم حمزه.
***
تذهب وتعود إياباً، لقد استبد بها القلق، لأول مرة تتأخر إلى هذه الساعة، أيضاً لا تجيب على هاتفها، هل أصابها مكروه أم ماذا ؟؟؟
حاولت الجدة أن تهدأها لكن كيف لها أن تنجح وهي نفسها تشعر بالتوتر قد تمكن من كل خلاياها، هناك شيء ما في قلبها ينبؤها بحدوث أمر سئ لتلك الفتاة منعها من العودة.
قررت أن تكرر الإتصال لعلها تصيب هذه المرة.
***
التوتر والبكاء يسود المنزل، سمية تبكي الصغيرة التي لا تعلم من أخذها وأين ذهبت، تواسيها نجلاء ودموعها تهبط على وجنتيها معلنة ألمها هي الأخرى.
أنهى أحمد حديثه مع ضابط الشرطة بعد أن طلبوه عند علمهم بما حدث وحادثة إختطاف الطفلة ومعلمتها ومُسعد يقف إلى جواره يدعمه كذلك فادي.
أما حمزه فمنذ فشل في تتبع أثرهما وهو صامت لا يتكلم رأسه تدور من هؤلاء وماذا يريدون .. لقد كانوا مهره إلى درجة قدرتهم على إضاعته بسهولة شديدة .. وكان من الغباء وقلة التركيز بأن فشل في اللحاق بهم.
بعد رحيل الضابط حل الصمت على المنزل، صمت يشوبه التفكير والتساؤلات لكن قطعهم إرتفاع رنين الهاتف الذي لم يكن يخص أياً منهم .. تبادلوا نظرات الاستفهام، كان حمزه أسرعهم فتتبع الصوت وأمسك بالهاتف مكتشفاً هوية صاحبه .. كان الهاتف يضئ باسم "حنان" .. أجاب خائفاً من فقدان الإتصال ليسمع الطرف الأخر يتنهد براحة نسبية: حرام عليكي يا حياه وقعتي قلبي فينك إنتي لحد دلوقتي كنت هأموت من القلق يا بنتي
لم يتفوه بكلمة فعاد القلق يسطو على نبرتها: حياه ؟؟
تنهد مجيباً بتماسك: حياه اتخطفت ..
أعطاها العنوان على وعد بالقدوم بأسرع وقت .. طمأنت جدتها وهبطت تتسابق مع نفسها لتصل في زمن قياسي، أخبر هو أهل المنزل بقدوم حنان التي تقطن برفقة حياه.
بعد أن حضرت وقصوا عليها ما حدث بالإضافة لقلقهم من هوية هؤلاء المجرمين، ترددت حنان في البداية لكنها أخبرتهم بقصة حياه حتى قابلتها لعل ذلك يكون بداية الخيط للوصول إلى الجاني.
أسرع أحمد يتحدث إلى ضابط الشرطة يخبره بالتطورات وحمزه في عالم أخر يفكر بأنها ليست ذلك الملاك الذي ظنه، لم تكن بريئة .. اتضح أنه أكثر براءة منها.
لفتت تلك النظرة التي لمعت في عيني حمزه إنتباه حنان فلحقت به إلى الشرفة حيث خرج يشتم بعض الهواء العليل، انضمت إليه تخبره أكثر منها تسأله: هتتخلى عنها بعد ما عرفت الحقيقة مش كدا ؟
راقبت لمعان النجوم وإختباء القمر خلف عدة سحابات متلونة بلون الليل مضيفة بتوسل: أتمنى إنه دا ما يمنعكش إنك تدور عليها وتلاقيها .. مش عشانها قد ما هو عشانك .. صدقني التعايش مع إحساس بالذنب دا أسوء أنواع العقاب والتعذيب النفسي .. وقتها هتتمنى تموت والإحساس دا يبعد عنك لإنه بيخليك تموت 100 مرة ف الدقيقة.
تركته يتخبط في أفكاره، أخلاقه كما دينه لن يسمحا له بفعل عكس ذلك معها رغم أنها كسرت بداخله شيئاً لا يتوقع إصلاحه في وقتٍ قريب .. ما جعله يدخل في تلك الحالة هو أنه قد استقر على طلبها للزواج فور فزعه وقلقه أن تكون ف خطر لكن المفاجأة التي سمعها من حنان الآن ألقت بأحلامه إلى البحر تلتهمها الأسماك دون الإبقاء على شيء منها.
***
ألقاها أرضاً بغرفتها التي خصصت لها منذ حضرت إلى هذا المكان في المرة الأولى، تشبثت بالطفلة لتحميها من بطش هذا الكائن الذي لا يرقى ليصبح إنساناً.
رفع سبابته في وجهها محذراً: فكري تهربي مرة تانية وقتها مش هيطلع عليكي صبح
ثم أضاف ناظراً للفتاة: ولا ع الأمورة يا حياه .. فاهمة ؟؟
تركها صافعاً الباب خلفه، ضمت مي مي إلى حضنها تبكي الحال الذي وصلت إليه كذلك جرت معها طفلة ليس ذنبها شيء إلا أنها تعلقت بها وأحبتها من كل قلبها.
رفعت مي مي كفها الصغير تكفكف دموع حياه قائلة: ما تعيطيش يا ميس حياه .. أبيه حمزه مش هيسبنا وهيخرجنا من هنا ويخلي عمو اللي برا دا يبعد عننا خالص
لأول مرة تنتبه حياه إلى أن مي مي لا تستخدم الإشارات لتوصل ما ترغبه بل تتحدث بلسانها دون أخطاء، سألتها مصدومة: إنتي بتتكلمي ؟؟
أومأت باسمة: أيوه، لما طلبت أبيه حمزه في التليفون الكلام طلع
أمسكت رأسها تجذبها إلى صدرها تبكي لكن هذه المرة دموع الفرحة: الحمدلله .. الحمدلله
ظلت تضمها حتى أتى سلطان النوم ليأخذها إلى عالمه بعيداً عن هذا العالم الذي بكل أسف هو الواقع .. أهذا هو الحب الذي طالما بحثت عنه .. تفتقده في حياتها فعاشته بين دفتي الكتب، تلتهم الروايات والحكايا علّها تجد فارسها بين السطور، لكنها اصطدمت بواقع الحياة فليس الحب في دنيانا كالحب بين صفحات الروايات، تمنت في كثير من المرات أن يخرج فارسها من بين دفتي إحدى الروايات ليكون زائر أحلامها الدائم ورفيق دربها الأبدي، لقد كان يجذبها إلى فارسها مظهره قبل ما بداخله، هنا بدأت غلطتها وهنا أنتهت أحلامها، فقد رزقها الله بالمظهر كما تمنت لتدرك أن هناك ما هو أهم منه ويفوقه حُلماً ألا وهي الأخلاق الحميدة والعقيدة المتينة، فلو كان شادي يملك ديناً قوياً متيناً ما ألت إليه نفسه إلى ما يفعله الآن، لأول مرة تمنت عدم معرفتها بالحب .. عند ذلك الحد تذكرت حمزه، لِمَا ذكرته في هذه اللحظة بالذات، لقد أنكرت كثيراً حبها له وتعلقها به ولكنها لم تعد تستطيع بعد الآن.
***
مر يومان على ما حدث حينما دخلت عليها نيفين متسللة حتى لا يعلم شادي بدخولها أو حديثها إلى حياه، اقتربت منها توقظها.
انتفضت مجفلة وتبادلت مع نيفين نظرات الإستغراب: في إيه ؟
استقامت نيفين في وقفتها: إيه مش عايزه تخرجي من هنا ولا إيه ؟
انتبهت جميع خلاياها منصتة فتابعت: جهزي نفسك بكره زي دلوقتي هتكوني بعيد عن هنا إنتي والبت اللي معاكي كمان
تركتها وغادرت دون أن توضح كيف ولماذا تفعل ذلك ؟؟؟
***
انشغل بالبحث عن الأماكن التي يمكن أن يلجأ إليها شخص كشادي ليخبأ مي مي وحياه، لم يتخلى عنه صديقه مُسعد .. قررا أخذ قسطاً من الراحة في إحدى الكافيهات يتشاوران في الخطوة التالية التي يجب عليهما أتخاذها.
دق هاتفه مُعلناً اتصالاً من رقم غريب، أجاب مسرعاً على أمل أن يكون الخاطف أو أحد أتباعه، فإذا خطفوا حياه فما ذنب الصغيرة؟
تفاجئ بصوت أنثوي ناعم يقول بدلال: حمزه .. إزيك ؟
لم ينسى صوتها الذي كان يسهر معه الليل، يسمعه يصب في أذنيه أبهى كلمات العشق والوله، لكن للغرابة أصبح يشعر الآن بأنه يشبه حفيف الأفعى عوضاً عن زقزقة العصافير.
أجابها بملل: عايزه إيه ؟
- أشوفك
- ليه؟
- لما أشوفك هتعرف
تنهد بقوة فاقداً صبره ثم أخبرها باسم الكافيه فعرفته، تعجب مُسعد من قبوله لرؤيتها لقد توقع أن تكون السبب في لوعة صاحبه من طريقة حديثه إليها .. لا يمكن أن يكون أصابه الضعف تجاهها عندما سمع صوتها حتى أن طريقة كلامه لا تشي بذلك.
- تحب أقوم أمشي عشان تاخدوا راحتكوا
- راحتنا إيه بس .. أنا عايز أشوفها عايزه إيه، عشان أخلص من زنها .. أنا لو ماكنتش وافقت أقابلها كانت كل دقيقتين تتصل بيا وتشتغل بقى عليَّا .. وأنا بصراحة مش ناقص وجع دماغ هي صفحة ولازم تتقفل بأي شكل
أطمئن مُسعد على صديقه، أتت بعد حوالي الربع ساعة بأبهى حلتها لكن لم تثر به أي شيء فمن اعتاد على رؤية الملابس الواسعة المحتشمة والوجه الخالي من الكيماويات لن يلقي بالاً إلى ما هو أقل شأناً .. فمن ترقى لا ينظر إلى ما هو أدنى.
انسحب مُسعد يجلس على طاولة مجاورة تاركاً لهما حرية الحديث، يجب على صديقه تمزيق صفحته معها ليستطيع البدأ من جديد.
فتحت الحديث: عامل إيه ؟
أجابها بجفاء: ما اعتقدش إنك اتصلتي بيا وطلبتي تقابليني عشان خاطر تسأليني السؤال دا
ابتسمت: معاك حق .. هأدخل في الموضوع على طول .. أنا قررت أطلق
- هو إنتي اتجوزتي كمان ؟؟ .. ما شاء الله .. أنا أخر مرة شوفتك كانت خطوبة بس
أضاف ببرود: وهتطلقي عشان لاقيتي واحد أغنى ولا عشان جوازك كان غلطة ؟
تجاهلت تلميحاته: عشان كان غلطة .. حمزه أنا كنت فاكره إن أهم حاجه ف الدنيا هي الفلوس، لكن بعد ما أتجوزته وعشت معاه في بيت واحد اكتشفت إن الفلوس لوحدها ما تنفعش .. أنا كرهت نفسي وحياتي معاه .. مش متخيل حياتي معاه جحيم إزاي !
- ما يخصنيش كل اللي بتقوليه عليه دا .. تتجوزيه تسيبيه إنتي حرة .. ما عادش يفرق معايا
أمسكت يده عبر الطاولة: بس أنا لسه بأحبك يا حمزه
سحب يده حانقاً من جرأتها: وأنا مش بأحبك يا هاجر .. وياريت ما تحاوليش تتواصلي معايا تاني لإن اللي بينا أنتهى .. أنتهى من ساعة ما سبتيني عشان تروحي للأغنى
نهض مشيراً لمُسعد حتى يلحق به بينما جلست والغيظ يفتك بأعصابها، لقد ظنته أحبها لدرجة أنها مهما دارت سيقبلها، بمجرد أشارة منها إليه سيأتي راكعاً ملبياً نداءها، لا تعلم أن الرجل ينسى الحب بمجرد تفكير الحبيبة في المساس بكرامة رجولته، هي لم تمسها فحسب بل داست عليها بكعب حذاءها .. فضلت عليه رجلاً أخر ليس لأنها أحبته بل لأنه يملك مالاً وأكثر استعداداً منه مادياً.
***
بقيت ساهرة في إنتظار نيفين كي تفي بوعدها، تأملت مي مي وهي نائمة لم ترد إقلاقها لشئ قد يكون مجرد وهم، سلمتها لسلطان النوم حتى تعلم موضع قدميها.
ترقبت قدوم نيفين على أمل في النجاة من جبروت شادي، تذكرت فتون التي نصحتها بألا تثق بنيفين فلقد استمعت لحديثها أمس من خلف الأبواب، قالت لها بقلق تسرب إلى قلبها لكن ليس بيدها حيلة: نيفين مش هتعمل كدا لله ف لله يا حياه، أكيد ليها مصلحة فدا
- وهي هتأذيني ليه؟ .. أنا عمري ما عملتلها حاجه
- ممكن يكون صح وهتهربك بجد .. أنا ما قولتش حاجه .. كل اللي بأقولهولك إنه أكيد ليها مصلحة ف كدا مش هتعملها شفقة وإحسان .. أما بقى تأذيكي ليه ف فيه ناس كتير م الظلم اللي بتشوفه ف حياتها بتحب تطلعه على غيرها مادام ف مصلحتها .. الأحسن لما تخرجي من هنا تقطعي علاقتك بيها نهائي .. حياه أبوس إيدك بلاش الثقة الزيادة دي .. العميان الشديد دا مش هينفع ف دنيتنا !
غيرت مجرى الحديث: طب وإنتي ؟ .. مش هتهربي معانا ؟
ابتسمت ساخرة: عشان تتأكدي إن ليها مصلحة بهروبك عشان كدا قالتلك إنتي بس وما جبتش سيرة قدامي مع إنها عارفه كويس أوي إني كرهت هنا وقرفه
بشفقة: طب ما تيجي معانا
ربتت على كتفها: لا بلاش، كل ما العدد قل كل ما كان أسهل وما نجذبش النظر
التقطت حياه قصاصة ورق وخطت عليها شيئاً ما ثم سلمته لفتون: دا عنوان حنان، واحدة طيبة أووي وساعدتني كتير لما تعرفي تخرجي من هنا روحيلها ولو ماكنتش معاها هي هتدلك على مكاني إتفقنا ؟؟
ابتسمت فتون فلا فائدة من نصحها، من تطبع بشئ صعب عليه تغيير طبعه، دعت لها بقلبها أن تحتفظ ببراءتها لا تعلم لما تشعر أن صفعات الحياة لحياه لن تتوقف عند ذلك الحد.
أفاقت من ذكرياتها على دخول نيفين مشيرة لها بالقدوم برفقتها، حملت مي مي مسرعة فلا وقت لإيقاظها كما أن نومها سيسهل مهمة هروبهم بشكل أسلم.
سارت خلف نيفين التي مشت أمامها بثقة فقد وضعت منوم في المياه المخصصة لرجال الحراسة وشادي لديه عمل ما غير معروف نوعه لكن ما هو أكيد أنه يخالف القانون، تبعت نيفين حتى وصلت إلى الطريق العام وكانت هناك سيارة في إنتظارهما، صعدت خلفها بعد أن أخبرتها أنه أحد الزبائن وقد أحبها مقرراً أخذها والإهتمام بها وليس ببعيد أن يتزوجها، قلبها يشعر بعدم الراحة لكنها تجاوزت حد التراجع، في النهاية ليس هناك ما هو أسوء من تواجدها في مكان يخص شادي.
وصلت لمنطقة يظهر فيها حركة الناس ليست مهجورة بل حية بتحركات السكان والمحلات المضاءة، إلتفتت إليها نيفين قائلة: أنا كدا عملت اللي عليا .. هتنزلي هنا بقى وتشوفي طريقك، شوفي إنتي عايزه تعملي إيه
مدت لها مبلغاً من المال مضيفة: دول يكفوكي تركبي تاكسي يوصلك مكان ما إنتي عايزه
ترجلت من السيارة وهي تودعها لقد فعلت لها الكثير ويكفي حتى هذا الحد، أوقفت إحدى سيارات الأجرة طلبت من سائقها أن يوصلها إلى العنوان الذي أملته عليه.
***
ارتفع رنين الباب، استيقظ جميع أهل الدار فزعاً من الزائر في هذه الساعة، لم تكن سمية نامت سوى ساعتين من الإجهاد النفسي بعد إلحاح أحمد عليها، وحمزه كان يحاول أخذ قسطاً من الراحة ليستطيع متابعة البحث في اليوم التالي.
فتح أحمد الباب مترقباً الطارق، قفزت مي مي من بين ذراعي حياه فقد استيقظت عند توقف سيارة الأجرة أمام المنزل، ضمتها سمية بشوق وانصرف أحمد يتأكد من سلامتها.
التقت نظراتها الخجلى بنظراته العاتبة، أبعد نظره فوراً لكن تلك اللمحة كانت كافيه لتعرف كيف أصبحت في نظره، لقد فقدت مكانتها لديه بالتأكيد عرف حقيقتها؛ لأن هذه النظرة ليست من فراغ.
طلب منه والده أن يذهب ليحضر كأساً من الحليب من أجل مي مي فوالدته منشغلة بالإطمئنان عليها وإشباع شوقها.
عاد حمزه يتلفت حوله لكنه وجدها انسحبت بهدوء، تذكر حالتها وملابسها يبدو أنها لم تغيرها منذ تم إختطافها .. أشفق على حالها لكنه أفاق على صوت والدته تدعوه أن يؤكد لها أن ما تعيشه الآن حقيقة وليس وهماً أو مجرد خيال.
***
قررت بعد أكثر من أسبوع قضته في التفكير، ستقبل بعرض والدة طالبة لديها في المدرسة، تسافر إلى إيطاليا تعمل في شركة زوجها .. تتعامل مع العملاء الطليان، تترجم له ما يقولونه فرغم قضاءه خمس سنوات هناك إلا أنه لا يجيد اللغة بشكل كافِ.
اعترضت حنان كثيراً لكنها كتمت اعتراضها، إذا بقيت هنا سيصل إليها شادي من جديد والله وحده يعلم كيف ستنجو منه هذه المرة، ليس لدى حياه من يُدافع عنها عائلتها اعتبرتها كأنها لم تكن، وحمزه تغيرت نظرته لها بعد علمه بقصتها كاملة .. الأفضل لها ترك البلاد وفتح صفحة جديدة في دفتر حياتها.
تساءلت الجدة بحيرة: بس مش غريبة إنه الزفت دا ما حاولش يدورعليها تاني؟ خصوصاً إنها ما غيرتش المكان ؟
تمتمت حياه بخجل: أسفة والله على كل اللي سببته من مشاكل وأنا أول ما أخلص ورقي هأسافر على طول
نهرتها حنان: إيه اللي بتقوليه دا يا حياه .. تيته مش قصدها كدا طبعاً
الجدة بحزن: والله يا بنتي أنا باسأل من خوفي عليكي مش أكتر، دا إن ما شالتكيش الأرض أشيلك فوق دماغي
حنان مؤيدة جدتها: فعلاً، غريبة إنه ما دورش عليكي .. ربنا يستر ويبعد عننا شره أو خيره حتى
***
أمسك حمزه الجريدة يتفحصها أثناء تناوله الإفطار برفقة عائلته، لفتت نظره صورة شخص يعتقد أنه رأه من قبل .. تذكر إنه من خطف حياه ومي مي .. إنه نفس الوجه.
أكمل قراءة الخبر، لقد أوضحت الجريدة أن الشرطة استلمت بلاغاً عن فيلا في إحدى المدن الجديدة يعمل صاحبها في الدعارة بإغواء الفتيات بكلامه المعسول ووعدهن بالزواج والعيشة الهانئة ثم إجبارهن على العمل لحسابه تحت حراسة مشددة، لقد وجدوا فتاة ميتة بداخلها بينما هرب هو لا أحد يعلم أين .. أنتهى الخبر برجاء أي أحد يراه أن يبلغ عنه مباشرة فهو يبيع أعراض الفتيات.
أطلع والديه على المنشور، أمسك أحمد الجريدة يقرأ الخبر على مهل معلقاً: ومين دي اللي ماتت؟ وهو قتلها يعني ؟؟
هز حمزه كتفيه: مش كاتبين تفاصيل .. يمكن لما يوصلوا لحاجه ينشروها
سمية بغيظ: يا ريت نقفل الموضوع دا .. إحنا لسه ف أول اليوم فبلاش تقفلوه من أولها
تساءلت مي مي ببراءة: هي ميس حياه مش هتيجي ؟؟
سمية بعصبية: لا مش هتيجي .. وما تجبيش اسمها هنا تاني .. أنسيها خالص فاهمة ؟؟
شرعت مي مي في البكاء معبرة عن شوقها لحياه وهي تتجه لغرفته مطأطأة الرأس، وجه أحمد حديثه لزوجته: مش كدا يا سمية
- مش عايزه اسمع اسم البنت دي تاني .. مفهوم ؟
أحمد مقترحاً: أنا ف رأيي نقدملها في المدرسة .. أهو الحمدلله بقت بتتكلم وتقدر تتفاعل هناك ومابقاش فيه مشكلة
أومأت مؤيدة: هأشوفلها مدرسة كويسة
اعتذر حمزه منهم لضرورة ذهابه إلى عمله، لا يتحمل أن تتحدث والدته بالسوء عنها، كذلك لا يملك الدفاع عنها .. نظرة الحزن والإنكسار التي رأها في عينيها أخر مرة تجرح قلبه بسكين بارد.
***
خرجت حنان من المدرسة تسلم على أهالي بعض الطلاب الذين تعرفهم، رأت حمزه يقف بعيداً ترددت لكنها حسمت أمرها .. توجهت إليه في حين اعتدل في وقفته عندما أدرك أنها مقبلة عليه.
ابتسمت حنان: مش بتيجي المدرسة
لم يرد فعادت تسأله: مش عايز تعرف السبب ؟
اكتفت بنظرة الإهتمام التي لمعت في عينيه مجيبة لسؤال لم يسأله: حياه هتسافر إيطاليا .. بتجهز نفسها للسفر
قاطعها رنين هاتفها المستمر كأنه يصر على تلقي الإجابة اعتذرت منه تجيب: أيوه يا تيته .. في إيه ؟؟ .. ليه مالها؟ .. هي إتجننت ولا إيه ؟ .. طيب طيب أنا جايه أهو
أغلقت الخط والتوتر يعلم ملامحها، سألها مخفياً قلقه: حصل حاجه ؟
أجابته بينما تعيد الهاتف إلى داخل حقيبة يدها: حياه بتجهز الشنطة مصره تروح لأهلها ف سوهاج .. وأخوها كان مهددها قبل كدا لو راحت هناك هيقتلها .. لكن هي راسها وألف سيف إنها تروح دلوقتي .. معلش أنا لازم أروح أشوف حكايتها إيه
لم يعرف لما قال ذلك ولكنه فعل: أنا جاي معاكي
أومأت موافقة فقد ينجح هو فيما قد تفشل فيه، كان مزيجاً من الغيظ والغيرة يأكل في قلب خليل وهو يراها تسير بصحبة حمزه، لقد كان دائماً على يقين أنه ترك بها أثراً وحباً لن تستطيع إعطاءهما لغيره، غروره الذكوري صور له أنها لن تستطيع متابعة حياتها مع سواه كما فعل هو، لقد أجلت حياتها فعلاً لكن لتهبها لطفلتها المفقودة فحسب.
جذبت طفلة يده تلفت إنتباهه إليها: مش هنروح يا بابا ؟
أومأ متمسكاً بأصابعها الصغيرة عائداً بها إلى المنزل حيث تنتظره زوجته الثانية. 

رُزقت الحلالWhere stories live. Discover now