10

391 17 0
                                    



جلست بجوار حمزه في غرفتهما يتشاركان السعادة بما أنتهت إليه الأمور، فقد ذهبت ميّ برفقة والدتها على وعد بالزيارة والسؤال الدائم، والأكثر أهمية أن سمية ودعتها باسمة سعيدة لسعادتها يكفيها رؤيتها على فترات.
أسندت رأسها إلى كتفه متنهدة: أنا مش قادرة أصدق اللي حصل دا، خصوصاً لما قالت حنان أنها على طول كانت بتنادي ميّ بمي مي .. وماما سمية قالت أنها في الأول كانت بتناديها باسمها "ميّ" اللي كان مكتوب على السلسلة ما كانتش بترد
أومأ حمزه: ونجلاء بقت تناديها باسم الدلع مي مي .. وسبحان الله كانت بتستجيب للاسم دا كأنه الاسم اللي اتولدت بيه فبقينا كلنا نناديها بيه ونسينا اسمه الحقيقي
نظرت إليه: ولا لما من صدمتها إنها بعدت عن مامتها فمابقتش تتكلم ! .. الدكتور قالكوا إيه عن الحكاية دي صحيح ؟
- قال أحياناً لما تكون فيه صدمة أو حالة فوق احتمالنا .. بيبقى الجسم رد فعله مختلف .. فيه مثلاً حالات مرت باللي هي مرت بيه وتاهت من أهلها وأكتفوا بالعياط وممكن صريخ .. على شوية رهبة وخوف من الأغراب .. وقال تقريباً إنها كانت مدلعة أوي عند أهلها فبالنسبة لها اللي مرت بيه دا صدمة عمرها .. ودا كان رد فعل عقلها ورفض أنه يخليها تنطق لحد ما مرت بظرف كان لازم تتكلم فيه وإلا ممكن تفقد حياتها .. يعني غريزة البقاء حيه هي اللي رجعت لسانها يتحرك وتتكلم تاني
- سبحانك ربي .. لا إله إلا الله .. وربنا جمعهم بعد السنين دي كلها
شدها من خصرها إلى أحضانه متمتماً بعشق: بأقول إيه .. إحنا بقالنا فترة مالناش سيرة غيرهم إيه رأيك نتكلم عن نفسنا شوية ؟
رفعت رأسها إليه وقد أرتسمت إبتسامة صغيرة على زواية فمها: مالها نفسنا ؟
ضيق حدقتيه وقال بجدية: العفش وصل والشقة اترتبت وكله تمام .. يعني مش ناقص غير الفرح ونبدأ نكبر عشنا الصغير .. ناوية تحددي معاده إمتى ؟؟
أطرقت قليلاً: بس أنت شايف الظروف تسمح لفرح دلوقتي ؟
قطب جبينه: ليه مالها الظروف ؟
هزت كتفيها وأبتعدت عن نطاق ذراعيه لتستطيع رؤية ملامحه بوضوح: يعني نجلاء ومرضها .. مش نستنى لحد ما نشوف هيحصل معاها إيه ؟
- على فكرة بقى نجلاء أول واحدة سألتني معاد الفرح إمتى .. وبعدين المرض وشفاءها منه بإيد ربنا وحده .. وأكيد مش هنوقف حياتنا عليه .. إزاي بنطلب منها تعيش حياتها وتنسى مرضها وإحنا هنوقف حياتنا بسببه ؟
لوت شفتيها: إممم خلاص ماشي .. بس فيه كدا خطوط عريضة وشروط عايزاها وبعد كدا نشوف ..
غمزها جذلاً: أنت تؤمر يا قمر .. بس أقول شرطي أنا الأول ! .. هنعمل الفرح ف بيت والدك في سوهاج !
نظرت إليه غير مستوعبة ما قاله: بجد .. ليه ؟
وضع يديه على كتفيها: أولاً عشان إحنا أتجوزنا من غير ما أهلك يحضروا ويشوفوا فرحتهم بيكي .. ثانياً مافيش حد هنا يقربنا .. يدوب ماما وبابا ونجلاء وكام حد معرفة كدا وقرايب بعاد وصحاب .. وحنان وميّ هيبقوا يسافروا معانا مافيهاش مشكلة .. لكن الدور والباقي على العيلة وعيلة العيلة اللي عندكوا ف البلد .. تقريباً قرايبكوا أكتر من عدد الزرع اللي ف بلدكوا أصلاً هههه
شاركته ضحكته، بينما أضمر في نفسه السبب الرئيسي لقراره ذاك بعيداً عن الأعذار الواهية التي لفقها؛ فالسبب الأهم هو نظرة الناس لها، يجب أن تتزوج أمامهم حتى لا يبقى لمخلوق سبب يذكرها من خلاله بما يسئ أو يعيب .. فهي زوجته ويهمه ألا تُجرح من نظرة أو كلمة قد تمس كرامتها وتؤذي أنوثتها.
***
أغلقت الكتاب وتركته إلى جوارها ثم أعادت الغطاء ليخفي جسد صغيرتها بعيداً عن هبات الهواء الغادرة، تأملتها فيما تغط في سبات عميق والراحة تستكين فوق ملامحها.
لقد منَّ الله عليها أخيراً بأن تبيت فلذة كبدها بين أحضانها ولو كان الأمر عائداً عليها لأقتلعت أحشاءها ووضعتها مكانهم حتى تحميها وتبقى بقربها.
ظلت تعبث بجدائل ميّ حتى سمعت جدتها تدلف إليها وتسألها همساً: نامت؟
أومأت في صمت والإبتسامة لا تغادر شفتيها، اقتربت الجدة وجلست على طرف فراشها: مش هتقولي لخليل عنها ؟
اعتدلت في جلستها شاردة: مش عارفه
لامتها: لا يا بنتي .. أي نعم أنا مش بأطيقه ولا بأقبله بعد اللي حصل .. بس دي بنته ومن حقه يعرف برجوعها ..
لمعت عيونها شراراً: أه بنته .. بنته اللي راح جاب غيرها ونسيها .. اللي مابقاش يسأل حصل إيه ف قضية إختفاءها .. اللي بقت مراته وبنته التانية واخدين مكانها كله
أشارت لها حتى تهدأ: ولو يا بنتي .. إنتي بنت أصول وعارفه الأصول كويس .. كمان دا مش عشانه لوحده دا عشان بنتك كمان .. هي ليها أب ولازم تعرفه .. سبيهم يحددوا مع بعض التواصل بينهم هيكون إزاي .. أنا مش بأقولك إرجعيله .. أنا بأقولك عرفيه اللي جد
زفرت بحدة وأيدت رأي جدتها، ستخبره من باب الواجب ليس أكثر ولكن إن حاول أن يسحب ابنتها منها ستريه حقاً ما يمكن لمخالب المرأة أن تفعل دفاعاً عن صغارها.
***
لا يدري كيف استطاع الفكاك، يبدو أن عمراً أخر قد كُتب له وليست تلك هي النهاية، ركض حتى كاد قلبه يتوقف عن الخفقان وأوشكت مفاصله على الذوبان.
استراح في منزل مهجور يبدو أن أحداً لا يقطنه وأنه تعرض لزلزال، بعد إلتقاطه لأنفاسه عاد للهاث .. لهاث الإنتقام .. متذكراً وجه رئيسه الذي أثناء محاربته للاعبي كمال الأجسام ضغط على زر الإنارة بدون قصد فتجلت أمامه معالم وجهه ومنحنياته.
تمتم بصوت لم يسمعه سوى نفسه وشيطانه: لسه مش دي النهاية .. لما نشوف مين اللي هيكسب في الأخر يا باشا أنت ودراع الكلب بتاعك رامز .. وأوعي يا حياه تفتكريني نسيتك .. دا إنتي بداية حسابي معاكي
اتسع فمه الغليظ بإبتسامة زادته بشاعة .. حقاً .. الشر يضفي على صاحبه قبحاً وبشاعة بالإضافة إلى أنه يملؤه من الدخل بالكثير من الدناءة.
***
أغلقت الجدة الغرفة عليها وعلى ميّ التي انصرفت تلهو بألعابها في عالمها الملائكي، وقفت تسترق السمع إلى الحديث الدائر في الخارج إلا أنها أنتبهت لجلوس ميّ تنظر إليها ببراءة فأنبت نفسها وأتجهت تشاركها اللعب فأي مثال هي حتى تعلم حفيدة ابنتها هذه التصرفات التي لا تليق.
أطمئنت إلى إختفاء ميّ بالداخل، فجلست أمام خليل بعد أن قدمت له كوباً من العصير المفضل لديه، سألها مترقباً: طلبتي أجيلك ليه؟ .. هدى عملت حاجه ؟
هزت رأسها: لا أبداً، هدى ما شاء الله عليها شاطرة ومؤدبة .. ربنا يخليهالك
أومأ مرتشفاً من كوبه القليل: ربنا يخليكي .. أومال إيه الموضوع؟
تململت قليلاً ثم تنهدت: فاكر ساعة لما سألتك عن السلسلة اللي كنت عاملاها لميّ ؟
انتبه لحديثه وزاد تشوقه لمعرفة الآتي: أيوه ..
تابعت مبتلعة ريقها: أنا سألتك عشان شوفت بنت عمرها من عمر ميّ وكانت لابسه زيها بالظبط
أضافت بعدما لمحت دهشته واتساع عيونه: واسمها ميّ بردو
همهم بصوت بالكاد استطعت تفسير حروفه: وطلع مجرد تشابه ؟
هزت رأسها: لا طلعت هي نفسها ميّ بنتنا
شحب وجهه كأن أحدهم سحب الأكسجين من الهواء المحيط به، وبعد أن أفاق من صدمته استفسر عن القصة كاملة وكيف حدث ذلك .. أخبرته بما روته لها سمية وأحمد قبلاً بالإضافة إلى شكوكها واكتشافها الحقيقة.
تمتم أخيراً: عايز أشوفها
نهضت في صمت وغابت دقيقة عادت بعدها وفي يدها كف طفلة لطالما أشتاق لمرأها تكبر أمام عينه.
ضمها في شوق وظل يبثها لوعته وحبه دقائق بينما هي متسمرة بين ذراعيه لا تبادله أياً من عواطفه لكنه لم يأبه لذلك يكفيه أنها بين ذراعيه من جديد.
طفرت الدموع من عيون حنان وحمدت الله أن قلبها لم يطاوعها على إخفاء الحقيقة عنه وإلا لكانت تتلوى الآن على جمر من ندم.
***
طلبت نجلاء من زوجها أن يعرجا في أقرب فرصة على تلك السيدة الطيبة سحر، فقد استبد بها القلق عندما علمت من الممرضة أنه قد مرت عليها الجلسة الماضية دون أن تحضر.
وافق فادي على تحقيق رغبتها، توجهت إلى الممرضة من جديد تطلب منها عنوان سحر لأنها تحاول الإتصال بها لكن الهاتف مغلق وليس لديها طريقة أخرى لتحصل على العنوان، رفضت الممرضة أن تعطيها أي معلومات فهي مريضة وتلك من خصوصيات المرضى، لكن بعد إلحاح أخبرتها أن الطبيب سمح بذلك فستعطيها إياه عن طيبة خاطر.
ابتهجت وقررت أن تطلب من الطبيب وتلح عليه فهي بالفعل تشعر بالقلق على سحر، ولن تنكر لها جميلها وما فعلته منها بفطرتها السليمة.
***
هاتفت شقيقتها تخبرها بقرار حمزه أن يكون الزفاف في منزلهم، فرحت لذلك زهرة بشدة فقد استوحشتها وتريد رؤيتها في أقرب فرصة، انتهت المكالمة على أن تخبرها حياه بما ترغب وستقوم هي بالتنفيذ حتى تحضر خلال عدة أيام.
أسرعت تهاتف حنان وتخبرها بالجديد، ابتهجت لها حنان كأنها شقيقتها الصغرى وجعلتها تقطعت وعداً بطلب المساعدة في أي وقت تشاء.
كانت تشعر بفرحة لا مثيل لها، أخيراً ستبدأ حياة جديدة مع من دق له قلبها حقاً، في غمرة سعادتها لم تشعر بعودة حمزه من عمله ومتابعته لتحركاتها العصبية السعيدة وكلامها المرتبك.
اترسمت على ثغره بسمة صغيرة سعيدة، تذكر ما مرت به؛ هو حتى الآن لم ينسى من هربت من أجله وأخذ منها ما هو من حقه الآن، الغيرة تنهش أحشاءه لكنه يُخفف روع نفسه بترديد أنها معه هو الآن بكامل إرادتها وبهجتها دون إجبار من أحد بل والأهم بموافقة عائلتها وتأييدهم للرابط المقدس بينهما.
اقترب منها بعد إقتلاعه للظنون من منحنيات رأسه، ابتسم سائلاً: فاضلك كام واحد ما كلمتهوش ؟؟
أجابته ونظرها معلق على الدفتر المدون به أرقام الهواتف: لسه كتير
جلس إلى جوارها: طب إختارتي شكل الدعوات ولا لسه ؟؟ ..
رفعت إليه عيون تشع لؤماً: بكره هأروح مع نجلاء نختار ..
رفع ذقنها بطرف أصبعه: مش عارف ليه مش مطمنلك ...
وضعت يديها على كتفيه ونهضت تقف أمامه قائلة بجدية كأنه تحدث طفلاً يسألها لماذا لا نرى الهواء: بص يا حبيبي .. أنا كنت زي أي بنت في الدنيا بتحلم بزفة وكوشه وفرح والناس تيجي تباركلها ويفضلوا يهروها بوس لحد ما خدودها توجعها وبعدين صحباتها يوجوا يقرصوها ف ركبتها لحد ما تورم عشان "يحصلوها ف جمعتها" ..
أضافت على عجل: بس طبعاً يكون فرح مختلف .. ماحدش عمل زيه .. حب الإنفراد بالمناسبات بقى .. عُقد بنات بعيد عنك .. عشان كدا ناويه أعمل فرح إسبشيل .. ف كــل حاجه فيه .. من أصغر أصغر تفصيلة لأكبر أكبر حدث
جذبها من خصرها لتسقط جالسة على ركبتيه، همس لها بصوت عذب يحمل الكثير من الحنان: أصلاً هيبقى إسبشيل .. عشان إنتي العروسة .. لأنه مافيش عروسة ف جمالك ولا حلاوتك .. ولا فيه عريس هيحب عروسته قد ما أنا بأحبك
دق قلبها معلناً هيجانه على الكلمة التي سمعها للمرة الأولى من الشخص الذي يهمه، حدقت به صامتة لا تتحدث، أدرك ما فعلته بها تلك الكلمة لكنه أكتفى بشبح إبتسامة على زاوية فمه؛ مؤجلاً الحديث في هذا الأمر إلى وقتٍ لاحق.
***
وصل فادي إلى العنوان وركن سيارته على جانب الطريق، ترجلت نجلاء وانتظرت زوجها ليلحق بها ويصعدا سوياً.
أمام الباب الشقة المطابق رقمها للموجود في العنوان .. دقت نجلاء الباب وابتعد فادي قليلاً حتى لا يُفاجئ من يفتح الباب بوجوده خصوصاً وإن كانت امرأة.
فُتح الباب وظهرت المرأة التي كانت ترافق سحر إلى العيادة، ابتسمت نجلاء وسألتها: هي مدام سحر موجودة ؟
ظهر الأسى على ملامحها وقالت بهدوء رزين: مدام سحر أتوفت إمبارح الفجر
وقع الخبر على نجلاء كالصيحة التي أهلكت قوم ثمود، ارتعش جسدها وخارت قواها حتى كادت تقع أرضاً وتُصاب بالإغماء لو ركوض فادي إليها وقد أسندها وأجلسها على أقرب مقعد داخل الشقة.
ركضت المرأة تحضر كوباً من الماء كما أمرها، لم تشعر به وهو يمسح وجهها بالماء وينثر بعضه الأخر علها تفيق، فكرها كان مع ذكرياتها مع سحر؛ المرأة التي أنقذتها من إرتكاب خطيئة كبرى تحرمها الجنة وتجحمها النار.
عادت إلى رشدها ونظرت حولها لم يكن هناك إلا عدة نساء لا يكملن عشراً، سألت المرأة التي فتحت لها الباب بصوت واهن: أومال فين الناس اللي بتعزي ؟
لوت المرأة شفتيها: حضرتك نسيتي إنها ماكانتش عايشه هنا ؟ .. ومرضها خلاها مش قادرة تعمل صداقات مع الناس .. ودول يا دوب الستات اللي ساكنين في العمارة دي واللي قصادنا
شعرت أنها تائهة: طب وولادها ؟
أجابتها ساخرة: ولاد إيه يا مدام .. إحنا ف عصر عقوق الوالدين .. كل واحد ملهي ف شغله وحياته .. مافيش غير بنتها الصغيرة اللي سألت فيها وجت أول إمبارح .. قضت مع مامتها أخر ساعات ليها في الدنيا
سألها فادي هذه المرأة: أومال هي فين ؟
أجابته: دخلت تصلي المغرب وجايه .. هأروح أشوفهالكوا .. عن إذنكوا
كانت نجلاء قد استجمعت الباقي من قواها عندما اقتربت إليها فتاة في منتصف العشرينات وعلى شفتيها إبتسامة باهتة .. شعرت نجلاء أنها موجهة إلى زوجها أكثر مما هي موجهة إليها.
رحبت بهما: أهلاً، إزيك يا أستاذ فادي؟ .. أكيد حضرتك مدام نجلاء
كان تقريراً أكثر منه سؤالاً، تساءلت متعجبة: هو إنتي تعرفيه ؟
اتسعت إبتسامتها: طبعاً
وجهت نجلاء بصرها إلى زوجها حانقة متوعدة إلى حساب واعر، لكن إكمال الفتاة لحديثها أنقذه من أنياب ضابط الشرطة داخلها: أستاذ فادي هو السبب إني قضيت أخر ساعات لوالدتي في الدنيا معاها .. بجد مش عارفه أشكر حضرتك إزاي ؟
تحركت حدقتيها بينهم في عدم فهم، قضبت محتارة: إزاي ؟ .. مش فاهمة حاجه
أوضحت لها: أستاذ فادي كلمني أنا وأخواتي عشان نيجي نزور ماما –الله يرحمها- بس تذاكر الطيران كانت أغلى من قدرتنا .. فحضرته قالنا أنه هيتكفل بالمصاريف المهم نيجي وما نسبهاش لوحدها ..
زفرت بقوة متحسرة: بس هما ما رضيوش .. كل واحد قال شغلي وحياتي .. أنا ما قدرتش بصراحة لأنها كانت وحشاني أوي بس ماكنتش قادرة أجي عشان المصاريف وكدا .. خصوصاً إني لسه ما أشتغلتش .. ولاقيت عرض أستاذ فادي دا نجدة من السما .. والحمدلله أديني قضيت مع ماما أخر ساعاتها .. فرحتها إني لسه جنبها وما نستهاش
برقت عينيها حباً تجاه زوجها، لقد ظلمته رغم أنه فعل ذلك ليسعد المرأة التي تحبها ليس لسببٍ معين سوى تعلقها الشديد بالمرأة الطيبة.
أضافت الفتاة: أنا ماعرفتكيش بنفسي .. أنا ريمان .. معلش الاسم ممكن يكون غريب عليكي بس هو مشهور في اليمن
صافحتها نجلاء في حبور، فريمان تملك نفس ملامح والدتها وسماحة وجهها مما جعلها تشعر بالحب نحوها فوراً وتمنت أن تصبحا صديقتان.
سألتها نجلاء عن خططها في المستقبل بعد إنتهاء أيام العزاء، أجابتها بصراحة: ماما كان نفسها ترجع تستقر هنا على طول .. ولولا بابا –الله يرحمه- ما كانتش سافرت أصلاً، وبعد موته كان أخواتي أسسوا حياتهم هناك فما رضيتش أنها تسيبهم وترجع لوحدها ففضلت معانا هناك .. ولما عرفت بالمرض الدكاتره نصحوها تتعالج هنا أفضل .. خصوصاً إن الأطبه هناك مش متمكنين في الأمراض الصعبة اللي زي دي وكمان تكاليفهم عالية .. ولولا إني كنت مشغولة ف أبحاث وحاجات متعلقة بدراستي كنت جيت معاها ولما خلصتها كانت مصرة إني ما أجيش وللصراحة أنا ماكانش معايا فلوس تكفي .. بس لما جيت وشوفتها مبسوطة بالبيت دا قد إيه، قررت إني هأعيش فيه .. أنا ماليش ف اليمن حد غير أخواتي وكل واحد في دنيته ومش في باله حد تاني .. فالأحسن أسس حياتي هنا وأكمل أبحاثي هنا
سألها فادي: يعني مش هتسافري تاني؟
أجابته: لا هأسافر .. أجيب حاجاتي وأخلص ورقي هناك وأرجع أستقر هنا
تناولت نجلاء كفيّ ريمان وابتسمت مشجعة: ربنا يوفقك .. ولو أحتجتي أي حاجه ما تتأخريش .. أنا هأعتبرك ف مكانة أختي .. لو دا ما يزعلكيش طبعاً
شددت على يديها: لا طبعاً، دا يزدني شرف
جلسا حتى ما بعد أذان العشاء وعندما هما بالمغادرة وعلى عتبة الباب، أوقفتها الممرضة التي تبسمت في وجهها تطلعها: مدام سحر كانت بتحبك أوي .. كانت بتدعيلك ف كل وقت وكنت بأسمع دعاها ليكي
أومأت لها نجلاء وتبسمت بينما أخرج فادي مبلغاً ليس بالقليل وأعطاه للممرضة بعد عناء في إقناعها أن هذا عرفاناً بجميلها وعنايتها بالسيدة الطيبة.
***
مدت يديها من نافذة القطار لتتلقفها كفوف زوجها، تشبثت به مانعة الدموع أن تطفر من مآقيها، رسم شبح إبتسامة مشجعاً: والله لولا الشغل ماكنت سيبتك تسافري لوحدك
ضربته والدته على كتفه مؤنبة: أومال إحنا رحنا فين يا واد ؟؟
نظر إلى والدتها معتذراً: مش قصدي والله .. بس ..
أومأ له والده متفهماً: خلاص خلاص، أمك فاهمة بس بتحب تستعبط ساعات
قطبت سمية حاجبيها: إيه تستعبط دي يا أحمد ...
قهقه الجميع، هدأتها نجلاء: معلش يا ماما .. بابا بيهزر معاكي
ثم استدارت إلى حمزه: خلي بالك على فادي .. لولا بس إني عايزه أشوف أهل حياه وبلدها ماكنتش سيبته لوحده .. يخربيت الشغل اللي مانعكوا من السفر معانا دا
ألتقط فادي كفيها ضاحكاً ولثم كلاً منهما بقبلة مُلتاعة: هأخلص الشغل على طول وتلاقونا أنا وحمزه ناطين فوق دماغكوا .. يادوب بس هما خمس أيام ونحصلكوا
حمزه مستديرة إلى زوجته: أنا مضطرة أفضل هنا عشان الشغل .. لأن الخمس أيام قبل الفرح دول هنحتاجهم ف شهر العسل ..
سألته نجلاء بحماس: صحيح هتقضوا شهر العسل فين ؟؟
لم يزحزح نظراته عن حياه: المكان اللي تأمر بيه أميرتي ..
ابتسمت حياه بحنان: نأجله شوية .. كفايه مصاريف الشقة والفرح اللي ما رضتش حد يشاركك فيها ولا حتى بابا
أجابها بجدية وعبوس: الفرح معروف من زمان أنه ع العريس والشقة أنا كنت شايل فلوسها من زمان .. يعني كدا كدا عامل حسابي .. وإن ما صرفتهاش على بيتنا هأصرف على إيه ؟
أدارت كفه وقبلته بحب: ربنا يخليك ليا
أرتفعت صافرة القطار معلنة موعد الرحيل والتوجه إلى سوهاج، تحرك القطار ونجلاء تلوح مودعة زوجها بينما حمزه مازال متشبثاً بيدي حياه، يخطو مع حركة القطار من فوق الرصيف .. وهمس بصوت لم تلتقطه سوى أذن حياه: عارفه أحلى حاجه ف إني مش هأسافر معاكي إيه ؟
نظرت إليه بضيق: إيه ؟
ضحك لما رأى غيظها: إن مافيش حد هيقولي " التذاكر يا أستاذ " لما أعمل كدا ..
قفز قفزة صغيرة ولثم وجنتها قبل أن يفلت يديها ويحط فمه بكفيه صارخاً: لا إله إلا الله ..
أخذتها الدهشة مما فعل فلم تجد في نفسها قوة سوى لتهمس بصوت شديد الخفوت: محمد رسول الله .. في حفظ الله
ضحكت نجلاء وسمية كذلك أحمد على فعلة حمزه، سرحت حياه متخيلة شكل حياتها مع حمزه إذا ظل يعاملها بتلك الطريقة .. وإن تغير ستظل تتذكر تلك الأفعال الصيبيانية لتخفف من وطأة أخطاءه لديها لتسامحه فوراً.
***
هلل الجميع لعودة حياه، استقبل أهل حياه عائلة زوجها بترحاب لم يسبق له مثيل حتى أنهم ظنوا بأنهم من العائلة الملكية بالمملكة البريطانية ليتم استقبالهم بتلك الحفاوة.
شعر فاروق بالفخر والإعتزاز عندما لمس ذلك الإحساس لدى عائلة زوج ابنته فهذا مدعاة الفخر والعزة، فإكرام الضيف واجب مفروض.
انشغلت حياه مع شقيقتها ونجلاء وزوجة أخيها عائشة في ترتيب شئون العرس، فيما اعتذرت لها سلمى فقد انشغلت بزوجها وبعض المشاكل معه ولا تريد أن تعكر عليها صفو سعادتها بحزنها ولوعة قلبها.
حزنت حياه لعذاب صديقتها لكنها تيقنت من جلدها فما بعد العسر إلا أيسر اليسر.
***
دخلت حياه غرفة أنس لتحادث حمزه وتطمئن على أحواله؛ فهي حتى الآن أكثر غرف المنزل هدوء، وجدته يتحادث عبر الشات مع فتاة بما يتخطى أداب حديث بينه وبين فتاة أجنبية عنه.
انسحبت من الغرفة حانقة فقد يأست من الحديث معه؛ فما يدخل عبر أذنه اليمنى يخرج عبر اليسرى كأنه لم يكن .. وعبرت عن ذلك لحمزه عندما لمح في نبرة صوتها الضيق.
- إمممم .. قولتيلي .. خلاص ما تقلقيش أنا هأتصرف
- ما أقلقش إزاي بس يا حمزه ؟!
- يا ستي براحه شوية .. قولت أنا هأتصرف إهدي بقى .. ما تنشغليش بحاجه إلا فرحنا وبس .. إتفقنا ؟
- أوووف .. طيب
- المهم .. جبتي اللبس الشفتشي والمفتشي ؟
- إيه اللي أنت بتقوله دا ؟؟!
- إيه يا بت .. والله لولا إني بأكلمك في التليفون كنت جبتك من شعرك .. يا وليه أنا جوزك .. ما يغركيش الفرح اللي بعد كام يوم دا .. دا أنا عامله لعبة عشان عندي بدله مش لاقيلها مناسبة تتلبس فيها فقولت استغل الفرصة وأعمل فرح عشان ألبسها بدل ما تاكلها العتة !
- لا يا رااجل ؟؟
- لا يا بت .. يا مدامتي
- إيه مدامتي دي ؟؟
- يعني مراتي .. بس من باب التجديد خليتها مدامتي
- ههههههههه .. طب يا هاسبانضي
- إيه هاسبانضي دي كمان ؟
- يعني جوزي .. بس من باب التجديد خليتها هاسبانضي
- بصي يا بنت الحلال .. إنتي مش في بيت أبوكي دلوقتي ؟
- أيوه
- بس كدا .. الحمدلله .. خليكي فيه بقى وما أشوفش وشك تاني .. أنا قطعت علاقتي بيكي .. قال هاسبانضي قال .. اسمها هاسبندي يا جاهلة .. قتلتي الأنوثة منك لله
- يا نهااااااار .. بتدعي عليا يا حمزه ؟؟!
- هو أنا أقدر يا مدامتي ؟ .. إموووواه .. سلام بقى ورايا شغل .. هتقطعي عيشي
ودعته وأغلقت ضاحكة .. وقررت أن تسجد سجدة شُكر لله عقب صلاة المغرب؛ تحمده فيها على رزقها بزوج يعوضها عما عاشته.

رُزقت الحلالWhere stories live. Discover now