أربعة في واحد

By EsFaLtim

3.7M 316K 110K

أربعة شباب في السنة الآخيرة من كلية الهندسة مُهددون بالرسوب لأن هناك أستاذ يترصد بهم، وفي محاولة منهم لمنع ذل... More

مقدمة
1- نكون أو لا نكون
2- كيف تعاكس
3- ثلاثة أغبياء ووغد
4- كابتن ميخا
5- فتيان مهذبون
6- الوداع يا سامية
7- عايم في بحر الغدر
8- خبير العلاقات الإجتماعية
9- بنون الجماعة
10- شركاء في الجريمة
11- عسل أسود
12- سعادة غير مكتملة
13- تلاتاشر
14- جميلة ومختلة
حاجة مهمة
15- طفل وثلاثة آباء
16- ستاشر
17- إنسان جديد
18- نتفلكس
19- مسيلمة الكذاب
20- ليلى والذئب
21- خطة جديدة
22- خطوبة بالإجبار
24- لأجل سونيا
25- خمسة وعشرون
26- أمثالنا لا يتغيرون
27- الحقيقة لا تختبئ طويلًا
معرض القاهرة الدولي للكتاب ٢٠٢٣
28- يومٌ طويل
29- استفاقة
30- عودة
31- واحد وثلاثون
32- تَغيُرات
33- بداية العد العكسي
حوار
34- مهما يكن، استمع لأحمد
35- ثنائيات
36- بداية النهاية
37- غباء ممنهج
38- ثمانية وثلاثون
39- البعض ينتقم
40- أربعين
41- لا شيء يبقى على حاله
42- أطفالٌ تائهون
43- مصائب قوم عند قوم فوائد
44- الفرح٢
45- خمسة وأربعون
46- ستة وأربعون
47- سبعة وأربعون
48- معًا نحو الداهية
49- من له ظهر أحيانًا سيُضرب على قفاه
50- خمسين
51- ليس الآخير
52- إلى اللقاء
معرض الكتاب

23- الفرح

70.1K 5.4K 2.6K
By EsFaLtim

هذا البارت كُتب بالحب ❤️🥰

عشان تعرفوا إني ما بتأخرش طول الوقت 😂🤷

__________________________________

"بسم الله الرحمن الرحيم وهنبدأ الليلة .. آه آه، وعريسنا الزين كحيل العين وعروسته حلوة وجميلة .." بدأت الزفة المعتادة التي استقبلت العروسان فور ترجلهم من باب الفندق الذي يُقام فيه العُرس

توردت وجنتي ليلى التي ترتدي نفس الفستان الذي اختارته حماتها، وهي ورغم استياءها من تدخل السيدة ألا أن ذوقها كان رائعًا؛ فالفستان كان كفستان الأميرات

ضحك قيس وعدل من بذلته السوداء الرسمية عندما بدأوا يلقون بالورود الحمراء عليهم، نظر نحو ليلى سعيدًا بما يحدث الآن ثم تركها وترجل نحو والده يقبل رأسه؛ فهو قد نفذ له ما يريد ووقف أمام والدته التي بالكاد تحرك يديها وتصفق.

كان الجميع في هذا الفرح سُعداء، إلا ثلاثة، هشام، والدة قيس، وأخت قيس التي حاولت التصرف بطريقة متعالية مع هشام عندما كانوا يجلبون العروس من مركز التجميل فزجرها هشام وأعطاها نظرة حادة جعلتها تخاف وتصمت

كانت رحمة بفستانها الأحمر الضيق وحجابها المماثل في اللون متوسعة الابتسامة تقف خلف صديقتها تعدل لها الفستان تارة وتصفق تارة، ثم نظرت لهشام فوجدته مكلوم الوجه، نكزته وضحكت "افرد وشك شوية!"

فعدل من نظارته وزجرها هي الأخرى "مالكيش دعوة يا بت أنتِ، وبعدين إيه الفستان الأحمر الملعلط اللي أنتِ لابساه ده!"

ضحكت وتمسكت بفستانها تفرده وتقول باستفزاز "حلو صح؟" فغضب وزمجر "ضيق، وإيه التلطيخ اللي في وشك ده؟ هو مولد النبي؟"

سقطت ابتسامتها وزمت شفتيها بغيظ ثم تهكمت "مش أحسن ما أكون إتمة وغلسة ومكلضمة وشي في فرح؟"

توسعت عينيه وحدجها بنظرة مهددة فخافت وابتلعت لعابها ثم هرعت خلف الزفة في حين وقف هو يبحث بعينيه يمينًا ويسارًا عن أدهم وأحمد اللذان لم يظهرا بعد، يفترض أن يكونا هنا! لكنه على كل حال تحرك للداخل بسرعة لأنه أقسم بجعل هذا الفرح أسود فوق رأس قيس، لن يتركه ينعم ويفلت بفعلته.

في عمارة أدهم كان قد ارتدى بذلته السوداء ووقف أمام باب منزل داليا ينتظرها تخرج؛ فلقد وجدها فرصة جيدة ليحثها على الخروج وترك منزلها، لم تكن تريد لكنه ألح وألح وألح، وذهب ليستأذن والدتها وتوسل لها وأخيرًا قد وافقت

خرجت الأخرى بعد قليل بفستان ستان أسود ذو أكمام طويلة، واسع عند الوسط، وعقد فضي توسط رقبتها الظاهرة بوضوح، شعره دا مسترسلًا خلف ظهرها، وطلاء شفاه باللون النبيذي على فمها فقط

حمحم ورفع يده يهذب لحيته في حركة تلقائية ثم ابتسم "شكلك حلو، بس يلا عشان ما نتأخرش."

ابتسمت وتحركت خلفه وهي تتذمر من الكعب العالي الذي ترتديه لكنه طمأنها "معايا عربية جدي، مش هنمشي." فأومأت وتحركت خلفه بحذر.

راقبتهما أمها من الشرفة بابتسامة آملة حتى دخلت إلى سيارته وكان سيتحرك ليدخل هو الآخر لكنها نادت عليه من فوق "خلي بالك منها يا أدهم." فابتسم ورفع رأسه بابتسامة مطمئنة جعلتها تهدأ وتومئ له.

في قاعة الفرح جلس قيس بجانب ليلى التي كانت بجهد تلقي عليه نظرة أو نظرتين، لكنه أمال عليها وتكلم "إيه القمر ده .."

وقبل أن يكمل جملته وجد هشام فوق رأسه يسحبه بعيدًا عنها وهو يزمجر "ابعد كده بس عشان ما أعملهاش معاك."

قطب جبينه ورفع رأسه له بدون أن يتكلم ثم صك على فكيه يمنع غضبه بكل صعوبة، لكنه نهض له يزمجر هو الآخر لكن بابتسامة مزيفة لكي لا يلفت انتباه أحد المعازيم "هشام، خلي الليلة تعدي يا صاحبي وبلاش مشاكل."

فاقترب الآخر منه بتحدي وابتسامة صفراء "خطبت أختي غصبًا عني فاستحمل بقى يا حلو.".

وصل أدهم برفقة داليا التي توترت فور دخولها إلى ذلك المكان المزدحم بالناس، وودت لو تهرول بعيدًا عن تلك الضوضاء، بينما تعلقت أعين أدهم على الإثنان اللذان يتهاوشان على المنصة أمام الناس! هو يعرف تلك النظرات، سيضربان بعضهما ..

نظر لداليا وقال بقلق "داليا، أنا هروح أشوف الإتنين المجانين دول شكلهم هيضربوا بعض، اقعدي على أي ترابيزة، أنا جايلك." ثم هرول دون أن ينتظر ردها ليتركها واقفةً تبحث بعينيها يمينًا ويسارًا بتوتر.

ابتلعت لعابها ووقعت عينيها على الباب الذي يؤدي للسور الحديدي الذي يفصل بين القاعة والنيل وتوجهت نحوه.

وصل أحمد الذي ظهر بجانبه أخيه مراد الذي جاء منذ يومين من ألمانيا لقضاء بعض الوقت مع عائلته بعد أن توسلت له أمه كثيرًا كي يعود، لكنه كان يعرف ما سبب هذا الإصرار على القدوم؛ فقد كانت والدته تحادثه بشأن الزواج مؤخرًا قائلةً بأنه سيتمم الخامسة والثلاثون قريبًا ويجب عليه أن يختار زوجة وإلا سيفوته قطار الزواج، وليكن صريحًا هو بالفعل مقتنعًا بكلامها، فالوقت يمر ولم يعد فيه بقية ليقضيها وحده.

كان يمتلك بشرة قمحاوية وقامة متوسطة الطول مع بنية نحيفة قليلًا وشعرًا أسودًا يتخلله بعض الشعيرات البيضاء الغير مرئية وملامح تشبه ملامح شقيقه الأصغر عدا عن عينيه الزرقاء التي كانت مختلفة عن أعين أحمد البنية المُحاطة برموشٍ طويلة

"بص، أنت تنقيلك عروسة بقى من هنا، ماما موصياني نشوفلك عروسة كويسة،" تكلم أحمد في حين ابتسم شقيقه بهدوء وهو ينظر حوله ثم أجاب "مش شايف إنها طريقة رديئة عشان أنقي عروسة؟"

رفع أحمد كتفيه وسخر "هو أنت يعني كنت جيت قولتلنا بحب واحدة وقولنالك لا؟ أنت سنجل من أيام الهكسوس، فخلاص بقى نعملك إيه؟ أشقطلك أنا واحدة يعني؟"

حك مراد ذقنه المشذبة جيدًا وتذمر "ما أنا طول عمري معكوك في الشغل من ساعة حادثة بابا! ماكنتش فاضي لأي حاجة، مصاريف البيت كلها فوق دماغي .."

أومأ أحمد بتفهم وربت على كتفيه ونكزه "بص، هتخرج وهسافر معاك وهتبقى على دماغنا إحنا الإتنين ماتقلقش."

أعطاه مراد إيماءة بسيطة ودار برأسه متفحصًا الأوجه أمامه في حين بدأ الآخر يتفحص البنات أيضًا ويدقق فيهم واحدة واحدة ليحدد من ستقع في شباكه اليوم.

خرج هشام من القاعة بوجهٍ أحمر مشتعل غيظًا وهو يسب بأبشع الألفاظ من تحت أنفاسه، وقف أمام السور المطل على النيل وضرب بقدمه وهو يصيح "ميتين ده فرح."

انتبه للتي تقف بجانبه وتوافقه "سخيف صح؟"

أومأ وسخر "أنا أصلًا بكره الأفراح، نفسي أطربق الفرح ده فوق دماغهم."

"وأنا كمان مابحبش الأفراح .." قالت وهي ترفع كتفيها فحرك رأسه وصوب نظراته المتفحصة عليها ثم استوعب من هي وأردف بدون تفكير

"مش أنتِ البت اللي أحمد بيحاول يشقطها؟"

زمت شفتيها ونظرت له بطرف عينيها فأدرك ما قد قال وحمحم وهو يوسع ربطة عنقه "مش قصدي، أنا آسف .."

فوجئ بها تضحك وتنفي برأسها "لا، آسف على إيه؟ ما أنا فعلًا البت اللي أحمد بيحاول يشقطها!"

ابتسم وحك ذقنه بإحراج ثم ثبت عينيه على النيل أمامه ولم يلبث أن تحدث مجددًا "أنا هموت وأقتل العريس."

"آه ما أنا واخدة بالي، بس ليه؟"

"عيل حيوان ومالقاش إلا أختي المحترمة يتجوزها!" أجاب بغيظ وضرب بكفه على السور

"ما يمكن يتغير .." تمتمت فنفى برأسه "لا، مفيش حد بيتغير، الزبالة بيفضل طول عمره زبالة والمحترم بيفضل محترم."

"أنت مقتنع باللي أنت بتقوله ده؟ مع احترامي لوجهة نظرك بس إسلوبك مش عقلاني ولا منطقي، يعني إيه مافيش حد بيتغير؟ ده ربنا بنفسه بيقول (الله يهدي من يشاء)! ثم إن منين حكمت إن المحترم بيفضل محترم؟ ما يمكن ربنا يبتليه باختبار ويفشل فيه ويتحول من شخص عابد لشخص عاصي؟ وعلم النفس كمان بيقول إن فيه صدمات الإنسان بيتعرضلها ممكن تغيره مية وتمانين درجة!"

عقد حاجبيه وطالعها بحيرة ولم يكن يمتلك ردًا حقًا على ذلك الكلام فابتلع لعابه وصمت لكنه لم يلبث أن ابتسم ابتسامة جانبية وتمتم

"أنا كنت ناوي أقولك ابعدي عن أحمد كنصيحة لوجه الله بس دلوقتي ... لا، أنتِ تقربي منه أكتر وتعلمي عليه، حاولي كمان تسببيله صدمة نفسية يمكن يعقل."

ضحكت بخفة وهزت رأسها بلا ثم أجابت بهدوء "أنا عمري ما هختار أكون سبب في إني أسبب لأي إنسان -مهما كان- صدمة نفسية، إحنا كلنا ماشيين من الدنيا دي، مش الأفضل نمشي من غير ما نجرح حد؟"

"بس الناس بيجرحوا! لازم ناخد حقنا منهم!" اعترض بعد أن استدار لها بكامل جسده وشبك ذراعيه أمام صدره

كان يتوقع أن تعترض أو تجادل لكنها لم تفعل، بل أومأت ونظرت بعيدًا وهي تجيبه "عندك حق."

أعطاها إيماءة بسيطة وحمحم ثم استأذن منها وتوجه للداخل من جديد.

كان قيس يجلس غاضبًا على كرسيه عندما جاء أحمد ليبارك له فأمسك به وشده ثم همس في أذنه "ابعد عني هشام، أنا ماسك نفسي بالعافية عشان البت الغلبانة اللي قاعدة جنبي، إنما أنا قسمًا بالله عندي استعداد أقوم أضربه قدام أهله كلهم."

قطب أحمد جبينه ثم أومأ وربت على كتفه بمعنى حسنًا، وهذا طمأنه قليلًا؛ فأحمد دبلوماسي ماهر وسيكون أفضل من أدهم في إبقاء هشام بعيدًا.

كان أدهم يبحث بعينيه عن داليا ولا يجدها، لكنه وجد بدلًا عنها إيناس .. صديقة سارة التي جائت له مبتسمة وهي تمد يدها تصافحه "أنت أدهم صح؟ مش فاكرني؟"

جف حلقه وابتلع لعابه ثم رسم ابتسامة مزيفة وصافحها "لا، فاكرك طبعًا .. مش أنتِ صاحبة سارة؟"

أومأت وضيقت عينيها ثم بدأت باستجوابه عن ما إذا كان من أهل العريس أم أهل العروس وعن إن كانت سارة تعرف بأنه هنا أم لا فأخبرها بأنه من أهل العريس وبأن سارة تعرف، ثم أستأذن منها وابتعد بضيق وهو لا يدري ماذا يفعل؟ إن داليا هنا معه وهو يخاف أن تراه إيناس فتذهب لتخبر سارة، ولا يستطيع ترك داليا بمفردها، لقد قطع وعدًا لها بالبقاء قريبًا منها! لكنه على كل حال لا يجدها، وظن أنها خرجت لحديقة الفندق فهرول للخارج يبحث عنها.

كان أحمد يقف بجانب قيس مطمئنًا حتى ظهر هشام بملامح شريرة فشده وابتعد قليلًا ووقف ينهره عن تصرفاته الطفولية، بل هدده بالذهاب وإخبار والده، ثم بدأ يقنعه بأن يترك الليلة تمر بسلام لأجل شقيقته التي ستتدمر فرحتها فقط، كان يستمع على مضض لكنه أومأ مرغمًا مما جعل أحمد يعطي نظرة لها معنى إلى قيس الذي أخد نفسًا براحة ونظر لليلى مبتسمًا

"حلو الفستان، أنا ماكنتش أعرف إنك حلوة كده، الخمار مكبرك شوية .." قال فأردفت بخجل "شكرًا يا قيس."

لكن عينيها توسعت عندما وجدت يده تلمس يدها الموضوعة بجانبها فسحبت يدها بعيدًا بتوتر مما جعله يضحك ويبلل شفتيه بحركة سريعة من لسانه، خجولة كثيرًا .. التلاعب بها بات يعجبه.

دخلت داليا للقاعة مرة أخرى واستندت إلى ركن بعيد، تراقب الجميع بحثًا عن أدهم الذي لم تجده ثم سبت نفسها على سماعها لكلامه؛ فها هو يتركها بمفردها بالكامل ولا تعرف أين ذهب حتى! لكنها غفلت عن سماع صوت هاتفها الذي يرن منذ مدة ولا تسمعه من صوت الموسيقى العالية.

عاد أحمد لمراد ووضع ذراعه على كتفيه قائلًا بمكر "ها؟ مافيش واحدة عجبتك؟"

دار مراد برأسه من جديد حتى علق عينيه على تلك التي تقف في زاوية بعيدة وهي تنظر للجميع بضجر وتتأفف من فستانها وتلقي بنظراتٍ ساخطة على المجموعة التي ترقص في المنتصف

نكز مراد أحمد وأشار له على تلك الفتاة سائلًا إن كان يعرفها أم لا فأدار أحمد رأسه ليرى من تلك التي أستحوذت على اهتمام أخيه فأصطدمت عيناه بداليا، ما الذي جلبها هنا وماذا تفعل ولماذا هي؟

"تعرفها دي؟ شكلها لطيفة .." أردف مراد فابتلع أحمد لعابه وأومأ ثم سخر "لا يا اسطا معلش، دي بالذات تخصني."

قلب مراد عينيه وتذمر "أنا حاسس إن كل البنات في الفرح يخصوك، ما أنا عارفك! بص أنت تشاورلي على اللي تخصك من دلوقتي كده عشان نبقى على نور."

ضحك أحمد وحك ذقنه وهو يجيب "هي دي بس، والبت أم فستان أحمر هناك دي احتمال في المستقبل تخصني، أصل أنا بعز الفساتين الحمرا."

ضحك مراد ودفعه بعيدًا وهو يتهكم "طول عمرك ... مش عايز أشتم بس أنت عارف اللي في نيتي."

"بص، البت أخت قيس اللي مش متجوزة دي حلوة، لسه شايفها من شوية بس للأسف مش هينفع عشان صاحبي وكده وهي أكبر مني أصلًا فأنا متبرعلك بيها بما إنك ناوي على جواز."

"طب ما تتبرعلي باللي واقفة مش طايقة نفسها اللي هناك دي؟" قال مراد بغية استفزازه فقط وهو قد نجح فوجد وجه أحمد يشتعل غضبًا ويحدق فيه بنظرة قاتلة "لا، دي لا، وبعدين مش نوعك، دي بتشرب سجاير وشخص منطوي كئيب."

توسعت أعين مراد وحدجها بطريقة غير مصدقة وهو يتمتم "مع إن مايبانش عليها، باين عليها هادية!"

أومأ له أحمد "الهدوء ده برود مش هدوء، هي باردة أصلها."

ضحك مراد ورمقه بطرف عيناه "وأنت مالك بيها بقى مادام فيها العبر كده؟" ليجد أخيه يضيق عيناه وينظر لها بمكر وهو يجيب بابتسامة جانبية "ما هي محتاجة حد يسيح الجليد اللي على قلبها ده، وأنا هعمل كده."

"ماشي يا عم الميكروويف،" سخر مراد في حين ربت أحمد على كتفه وأشار لبلقيس شقيقة قيس وغمز نحوه "أهي هي دي، حلوة ما تنكرش."

هذب مراد ذقنه وتفحصها من أعلى لأسفل، فستانها مبالغ فيه، رغم كونه ليس بالعاري جدًا لكنه لم يكن جيدًا بالنسبة لعقليته الشرقية

"بقولك إيه، شوفلي واحدة محجبة!" تذمر مراد فعقد أحمد حاجبيه "طب ما داليا مش محجبة وكانت عاجباك!"

"داليا لابسة فستان مقفول، أنت منقيلي واحدة لابسة فستان عريان!"

تأفف أحمد ودار ببصره على الفتيات ثم عاد ببصره لمراد "ما تنقي أنت يا أخي! هو أنا اللي هتجوز!"

تذمر وترك شقيقه ثم تحرك نحو داليا بابتسامة جانبية ماكرة "ده إيه القمر ده؟ هتصدقي لو قولتلك إنك أحلى من العروسة؟"

قلبت داليا عينيها وابتسمت بهدوء ولم تعلق عليه فاستند على الجدار بجانبها وتساءل "أنتِ تقربي للعروسة ولا حاجة؟"

نفت برأسها ورفعت كتفيها "أدهم طلب مني اجي معاه، بس راح يهدي هشام عشان كان هيروح يضرب قيس."

"ده أنتِ عرفتِ الشلة كلها كده!"

أومأت وشبكت يديها أمام صدرها فطالعها من أعلى لأسفل وغازلها من جديد "جامد الفستان، وشعرك حلو أوي بالتسريحة دي، أنتِ كده مش مدياني فرصة غير إني أعاكسك."

"ما أنت بتعاكس أهو!" سخرت فقضم شفته السفلى وهمس لها "لسه ماعاكستش، ده أنا همشي وراكِ أعاكسك النهاردة لحد ما الفرح يخلص."

خجلت ونظرت بعيدًا فضحك بخفة ووقف أمامها باستعراض "ماقولتيش، إيه رأيك في البدلة؟"

حركت رأسها له وضحكت "حلوة البدلة." فغمز لها وتمتم "وبالنسبة للي جوا البدلة؟"

"وحلو اللي جوا البدلة،" قالت وهي تكتم ضحكتها فرفع يده لينفض عن كتفيه تراب وهمي ويضيف بغرور "لعلمك لسه واحدة معاكساني بس قولتلها أنا محجوز للعسل اللي واقف لوحده ده."

"ماتفكك من البؤين دول وتقولي البوفيه فين؟" سخرت فسقطت ابتسامته وعض على شفتيه واستفهم "البوفيه؟ أنتِ كل اللي هامك البوفيه؟!"

"آه، أدهم قالي إن البوفيه هيكون حلو فجيت!"

"هو أنتِ أدهم بيستدرجك بالأكل؟ يديلك شوكولاتة تتكلمي معاه، يجيبلك بيتزا تصاحبيه، يقولك فيه بوفيه حلو تخرجي معاه؟"

توسعت عينيها وزمت شفتيها وبدأت تعيد التفكير في كلامه لتجد أنه محق! أدهم يستدرجها بالأكل!

"رغم إن اهتماماتنا مختلفة، وإني مهتم بيكِ وأنتِ مهتمة بالأكل بس ممكن نلاقي أرض مشتركة، تعالي هوديكِ البوفيه وبعدها هديلك سيجارة، حلو كده؟"

ابتسمت باتساع وأومأت فمد يده ليمسك بيدها وشبك ذراعها في ذراعه لكنها سحبتها مما جعله يتذمر "عادي مش هخطفك يعني! ده فرح وماحدش مركز مين ماسك إيد مين!"

أعادت ذراعها له بتردد فقبض عليها ومازحها "أي حد هيشوفنا كده هيفتكرنا مرتبطين."

ليجدها تسحب ذارعها وتلكمه على كتفه فضحك وشد ذراعها من جديد "بهزر، لعلمك أنا مستحيل أرتبط بيكِ."

رمقته بطرف عينيها وسخرت "والله؟ ده هشام لسه قايلي إنك بتحاول تشقطني."

"ماشي يا هشام الكلب،" همس من تحت أنفاسه وهي قد سمعته فضحكت وهزت رأسها بدون تصديق فأدار رأسه ناحيتها ورفع كتفيه

"الواد هشام ده على فكرة غير موثوق في كلامه، أنا مابحاولش أشقطك، أنا بحاول أرتبط بيكِ وممكن الموضوع يدخل في خطوبة وجواز ودوم تتاتاكتاك دوم تاكتاك وكده، أصل واضح إن فيه بينا كيميا وأنا بصراحة بتخيلنا أنا وأنتِ وأحنا قاعدين في بلكونة بيتنا بنشرب سجاير سوا وبنغلس على بعض .. الموضوع أمتع من إني أسبلك بعينيا فتقومي تمثلي إنك مكسوفة وكده."

ضحكت وهزت رأسها يمينًا ويسارًا بدون تصديق ثم تبعته بصمت.

عاد أدهم للداخل وتحرك ليقف بجانب هشام الحانق ثم سخر "خلاص بقى، وحد الله يا عم بَخْ."

في حين كانت إيناس قد التقطت صورة له بهاتفها وبعثت بها إلى صديقتها مع رسالة تخبرها فيها بأن أدهم في نفس الزفاف، ولم تلبث سارة أن اتصلت به تخبره بأنه يبدو وسيمًا كثيرًا بتلك البذلة، وحينها فقط عرف أنه مُرَاقَب في ذلك الزفاف فعلًا، لكنه عرف أن داليا مع أحمد فارتاح وقلق في نفس الوقت، داليا ليست بمفردها، لكنها مع أحمد!

جلبت والدة قيس الشبكة ليلبسها لليلى، كانت عبارة عن خاتم من السوليتير وهذا جعل ليلى تنظر له بدون فهم ثم أمالت على قيس وتساءلت "هو ده خاتم فضة؟"

فضحك وهز رأسه مخبرًا إياها بأنه سوليتير وأنه باهظ الثمن أكثر من الذهب بكثير، ثم هم ليلبسه لها لكنه فوجئ بها تلتقطه من العلبة وترتديه بمفردها، ابتسم بإحراج وفعل المثل مع دبلته الفضية، لقد وضعها في إصبعه بمفرده .. لكنه لم يفهم ما سبب فعلتها تلك ولماذا لم تدعه يلبسها الخاتم؟ وأبقى عينيه المتسائلة عليها لفترة حتى قال رجل الدي جي بأن رقصة السلو ستبدأ وطلب من الثنائيات أن يتقدموا للرقص

ابتسم قيس وكان سينهض لكنه فوجئ بهشام فوق رأسه مهددًا "مافيش رقص، ماعندناش بنات بترقص إحنا."

قطب جبينه بغضب وزمجر "أنا خطيبها وده فرحنا!"

"لما تبقى جوزها ابقى ارقص معاها، بس قسمًا عظمًا لو إيدك لمستها لهكون عاملك مشكلة ومبوظ الفرح فوق دماغك."

حدجه قيس بنظرة مليئة بالشر ثم حول رأسه لليلى وزمجر "شايفة أخوكِ؟"

حمحمت ليلى ورفعت كتفيها "ما هو معاه حق، ماينفعش نرقص وأحنا مش متجوزين."

صك قيس على فكيه وعلق عينيه على الثنائيات يتقدمون للرقص فبدأ يهز ساقه باضطراب وهو ينظر لهشام بحقدٍ دفين.

كان هشام يقف على مقربة من رحمة التي سمعها تضحك وتقول لليلى "طب أنا عايزة أرقص."

فاستدار لها وصاح عليها "بت، لمي نفسك أنتِ كمان وروحي اتلقحي على الترابيزة بتاعتك جنب أمك، لو لمحتك بترقصي هنفضك، فاهمة ولا لا؟"

"أنت مالك بيا أصلًا؟" رفعت إحدى حاجبيها بابتسامة مستفزة فأعطاها نظرة قاتلة جعلتها تخاف وتبتلع لعابها وتتحرك بعيدًا وهي تبرطم "حسبي الله ونعم الوكيل."

راقبها من ظهرها حتى جلست بضيق على الطاولة ووضعت يدها أسفل خدها بحزن، فحول رأسه عنها ليركز على قيس ليتأكد بأنه لن يقترب من شقيقته، لكنه لم يلبث خمسة دقائق حتى فوجئ برحمة ترقص أمامه مع شخصٍ ما لم يستطع تبين من هو لأن ظهره كان يقابله،

شعر بالدماء تغلي في عروقه وهرول ناحيتها ليشدها بعيدًا عن ذلك الشخص الذي أكتشف أنه أبيها ...

جف حلقه وهربت الدماء من وجهه وهو يحول نظراته بينها وبين أبيها ثم حارب ليخرج صوتًا مبحوحًا "إحم .. عمو .. إيه رأيك في الفرح؟".

كان مراد قد وقف بجانب بلقيس مغلوبًا على أمره وطلب منها الرقص، وافقت وتحركت معه لكنها لم تتوقف طوال الوقت عن السخرية من العروس بطريقة جعلت الآخر يشمئز منها ويستأذن منها لإجراء مكالمة هامة؛ فلو كانت ملكة جمال هو لن يرتبط بفتاة تملك كل ذلك الحقد في قلبها بدون سبب، خرج إلى الحديقة فوجد أدهم فقط بالخارج

جلس بجانبه على ذلك المقعد، ولم يلبث أن سأل "أنت إيه اللي مقعدك هنا؟" فأجابه

"أصلي متراقب، صاحبة حبيبتي هنا وبتصورني وتبعتلها، مش عارف أتحرك أي خطوة."

ضحك مراد ونظر حوله بحثًا عن تلك الفتاة ثم قال "هي فين؟"

غمز أدهم بعينيه إلى الفتاة بالفستان الوردي الطويل التي تقف على بعدٍ منهما وهمس "هي دي اللي واقفة بعيد، بتراقبني وفاكراني مش شايفها."

ضحك مراد من جديد والتفت لإيناس التي حركت عينيها بسرعة لتمثل بأنها لم تكن تنظر ناحيتهما ثم عاد برأسه لأدهم وأكمل قهقهته فنكزه "ما تبصلهاش بقى لأحسن تعرف إني عارف إنها بتراقبني."

لكن مراد عاد بعينيه لها من جديد، تبدو لطيفة جدا لكنها في الثانية والعشرون، أصغر منه بكثير .. وهذا جعله يحزن ويبتلع غصة في حلقه ثم نظر بعيدًا بضيق، لكنه لم يلبث أن وجدها تنظر نحوه، ظنها تنظر لأدهم لتكمل مراقبته لكنه فوجئ بها تخجل وتسرع للداخل عندما اصطدمت بزرقاوتيه.

"ارقصي معايا،" قال أحمد وهو يمد يده كالسيد النبيل لداليا التي تستند على الحائط بملل فنظرت ليده ثم له ولم تلبث أن قلبت عينيها وأجابت "لا."

اعتدل في وقفته وسحب يده ثم أعطاها نظرة متضايقة "ليه؟"

"مابعرفش أرقص، وأنت عارف إني مابعرفش."

"يعني هما كل دول مولودين في حلبة رقص؟ بعدين دي رقصة سلو عادي! انجزي ما تبقيش رخمة!" ألح عليها ولكي تنتهي من إصراره هذا أخذت نفسًا عميقًا وتحركت معه، فابتسم باتساع وقادها إلى حيث يرقص الثنائيات

لاحظ أنها توترت كثيرًا وبدت وكأنها تسب نفسها على قرارها هذا لكنه لم يعطها فرصة للتراجع وأمسك بيدها اليمنى ثم لف يده الأخرى حول خصرها وقربها منه، رأى تنفسها يعلو بصورة غريبة ليشعر بأنها غير مرتاحة لذلك الوضع وتتلفت حولها باستمرار فابتعد قليلًا وأبعد يده عنها بحيث أصبح يلمسها بشكل طفيف.

كان قيس ما زال يجلس بدون راحة في مكانه، تارة ينظر نحو الساحة التي يتجمع فيها الثنائيات يرقصون وتارة ينظر لليلى التي بجانبه بضيق ثم أمال عليها وسخر "أنتِ أكيد ماخليتينيش ألبسك الخاتم عشان ما ألمسش أيدك طبعًا!"

أومأت فقلب عينيه وضحك ضحكة غير مصدقة ثم نظر بعيدًا وتمتم لنفسه "باينها خطوبة سودة فعلًا.".

علق أحمد عينيه على داليا ليجدها ما زالت على نفس حالتها فهمس لها "اهدي، مافيش حاجة كبيرة، دي مجرد رقصة .."

"مابحبش حد يلمسني،" أجابت بصوتٍ مبحوح فابتسم وأمال عليها ليهمس في أذنها "تعرفي إن اللمس نوع من أنواع التعبير عن المشاعر؟"

انحبست أنفاسها وأخفضت رأسها وهي تجيب "مش دايمًا، الضرب نوع من أنواع اللمس، تفتكر ده تعبير عن المشاعر؟"

"أيوة، تعبير عن مشاعر الحقد والكراهية، بس فيه نوع تاني من اللمس، بيعبر عن الحب، والود واللطف .."

صمتت ولم تنتبه لكونها وضعت رأسها أمام كتفه فابتسم وأكمل رقصتهما بهدوء وهو يحاول السيطرة على قلبه الذي يضرب بشدة بداخل جسده، رفعت عينيها فجأة لتنظر لعينيه، ابتسمت ونظرت بعيدًا فأمال عليها وهمس "عيني حلوة أنا عارف."

"أنت بتستخدم إيه لرموشك؟" باغتته بذلك السؤال الذي جعله يضحك عاليًا ويجيب مازحًا "كريم فاتيكا، خبير شعرك في علبة."

ضحكت وقلبت عينيها وهي تتذمر "رموشك طويلة مش لايقة لولد! المفروض نبدل!"

"لا معلش، كله إلا رموشي، ممكن أديكِ قلبي بس رموشي لا."

ضحكت وحدقت في عينيه في حين ثبت هو عينيه عليها بابتسامة خافتة، لكنه رأى الفرحة في عينيها تتبدل وتتلاشى ابتسامتها شيئًا فشيئًا ثم ابتلعت لعابها بصعوبة ولاحظ رجفة سريعة تمر على يدها القابعة في يده، أخفضت رأسها وهي تغمض عينيها ولم تلبث أن ابتعدت عنه فجأة وهي تقول

"أنا عايزة أمشي، أنا مابحبش الأفراح."

ولم تعطِه فرصة ليتحدث حتى ووجدها تهرول للخارج فهرول خلفها وهو يصيح "طب استني، هوصلك .. اصبري ماينفعش تمشي لوحدك دلوقتي."

استدارت له عندما خرجا من تلك القاعة وأصبحا بمفرديهما وصُدم من الدموع في عينيها وهي تصيح عليه "ابعد عني، مالكش دعوة بيا، ماشي؟"

تقدم منها ووقف أمامها، حدق في عينيها ثم أردف "لا، مش ماشي.".

جاء هشام وجلس بجانب أدهم ومراد وهو يتذمر "أنا زهقت، هو فين الواد أحمد؟"

ليجيبه مراد ساخرًا "تلاقيه بيشقط البنت أم فستان أحمر."

توسعت أعين الآخر وحرك رأسه له مستفهمًا "إيه؟ البت أم فستان أحمر؟!"

أومأ مراد وأكمل "آه، قال إنها عاجباه."

نهض هشام وكأن الصاعقة أصابته ثم هرول للداخل من جديد وهو يبحث عن رحمة كالمجنون، لكنه لم يجدها، بدأ يلف حول نفسها ويتحرك هنا وهناك باحثًا عنها في كل مكان حتى وجدها في ركن الطعام تمسك بطبق وتنتقي أصناف كثيرة لتضعهم فوق بعضهم في طبقها

هدأ والتقط أنفاسه وهو يسب أحمد في عقله ثم سخر "ده أكل لعيلتك كلها ده أكيد صح؟"

رمقته بطرف عينيها ثم أكملت وضع الطعام دون الرد عليه فاقترب ضاحكًا "كفاية، البوفيه هيخلص!"

أكملت تجاهله لأنها غاضبة منه، وظنت أنه سيبتعد عندما تفعل هذا لكنه كان يتبعها كالطفل الذي يتبع أمه وأكمل مضايقتها "طب يعني أنتِ عايزة تقنعيني إنك هتآكلي ورك الفرخة وحتة اللحمة والجلاش والكبيبة والمحشي وكتف الديك الرومي لوحدك يعني؟"

جلست على طاولة ووضعت الطبق فسحب كرسي وجلس بجانبها وهو ينظر حوله بحثًا عن أحمد ثم عاد برأسه لها

"أنت إيه اللي مقعدك معايا؟" تذمرت فابتلع لعابه وتمتم "عادي، قاعد معاكِ احتياطي لأحسن تفطسي من كتر الأكل اللي هتآكليه ده!"

قطبت جبينها أكثر وهمت بقضم قطعة لحم وهي تلقي عليه بنظرة مغتاظة في حين نظر هو حوله بحثًا عن أحمد من جديد ليتأكد بأنه ليس في الجوار.

ولم يكن أحمد في القاعة بل كان يقف بجانب داليا أمام النيل، مد يده لها بسيجارة، أخذتها بهدوء ورفع قداحته ليشعلها لها ثم أشعل سيجارته وأخذ نفسًا منها ثم نفخه ببطء وهو يعلق عينيه عليها، ينتظرها أن تتكلم وتفصح عما بها، لم يكن ليتركها اليوم دون أن يعرف ما الذي يجري معها، ليس بعد أن رآها تنتحب بمفردها فجرًا وتخبره بأنها لم تنم لثلاثة أيام وليس بعد أن حاولت الهرب منه منذ قليل.

ابتلعت لعابها وأخفضت يدها بالسيجارة "أنا كنت مخطوبة ومكتوب كتابي، كان المفروض اليومين دول أكون بجهز لفرحي برضه، ماكنتش عايزة آجي الفرح عشان مش عايزة افتكر بس أدهم الله يسامحه قعد يزن عليا وعلى ماما،" بدأت كلامها بابتسامة ساخرة

عقد حاجبيه ودقق للمرة للمئة في يدها ولم يكن هناك دبلة مما جعله يستفهم "وحصل إيه؟"

رفعت يدها بالسيجارة وأخذت نفسًا ثم أخرجته بضيق للأسفل وهي تستند بيديها على ذلك السور الحديدي وضحكت "خاني، واحدة صاحبتي شافته قاعد مع واحدة وماسكين إيد بعض وبيضحكوا والجو شاعري على الآخر."

"قعد يعطيلي ويتأسف ويعتذرلي ويقولي إنها كانت غلطة وإنه عمل كده عشان أنا ماكنتش مهتمة بيه في الفترة دي، تخيل كان بيحاول يقلب عليا الترابيزة ويطلعني أنا غلطانة؟"

"صممت على الطلاق وهو بطل يعتذر وبطل يرد على مكالمات أهلي عشان ييجي يطلقني وبقى بيتهرب منهم لما يروحوا يقابلوه ... وبعدين عمل حاجة أقبح وأسوأ من إنه يخوني."

ارتعشت يدها وابتسمت ابتسامة مقهورة ونظرت للأسفل متفادية أعين أحمد وأكملت

"في يوم أستنى لحد ما أنا كنت لوحدي في البيت وأول ما ماما نزلت السوق مع دايمون يشتروا حاجة هو طلع، فكرتها هي ونسيت حاجة فمابصيتش من العين السحرية .. فتحت لقيته هو، زقني ودخل و .... " ابتلعت لعابها وحاولت السيطرة على ارتجافة يدها وحبس الدموع التي غلفت عينيها

"كان جاي ي .. يعتدي عليا .. كان بيقولي: أنتِ اللي خليتيني أعمل كده بتصميمك على الطلاق، وإن كل الرجالة عادي بتخون وإني مكبرة الموضوع،" ضحكت ورفعت يدها تمسح عينيها وأكملت بغصة في حلقها

"أنا ضعيفة جدًا جسمانيًا، حاولت أقاومه بكل قوتي بس مانجحتش لأن هو ضخم جسديًا .. ضربني و ..." توقفت الكلمات في فمها وسقطت دمعة من عينها في حين كانت الدماء محبوسة في وجه أحمد الذي يستمع لكل شيء بأنفاسٍ هائجة، الآن يفهم، الآن يفهم نظرة البؤس في عينيها

"عملتله محضر في القسم إنه اعتدى عليا، بس جالهم بقسيمة جوازنا وقالهم إنه جوزي، وفي القانون المصري مافيش حاجة اسمها اعتداء جنسي من زوج على زوجته لأن ده حقه الشرعي ... وخرج،" رفعت كتفيها وأكملت ضحكاتها المقهورة ورفعت يدها تمسح الدموع عن عينيها بسرعة

"كان عارف إني لو رفعت عليه قضية خلع بعد الحادثة دي هخلعه بسهولة، وعشان كده طلقني، وأنت عارف بقى المجتمع الشرقي العظيم بقى بيبصلي إزاي، الجيران بدأوا يقولوا إنه خد اللي عايزه مني ورماني .. وعشان كده ماما سابت العمارة بتاعتنا ودلوقتي قاعدين مع جدي، عشان ماحدش يضايقني بحاجة."

أخفض عينيه أرضًا وعقله تجمد تمامًا وكأن كل كلمات المواساة التي في جميع اللغات تبخرت من لسانه فشُل تمامًا ولم يملك سوى مد يده ليمسك بيدها المرتجفة ثم رفع عينيه إليها ورفع يده الأخرى يمسح الدموع عن وجنتيها

"كان اسمه أحمد، صح؟ هي البلاوي دي مابتجيش إلا من الأحمدات أنا عارف،" تساءل فلم تتمالك نفسها وضحكت من بين بكاءها ثم تذمرت "ماتضحكنيش!"

"أنا عايز أحضنك مش عشاني .. عشانك، بس لو حضنتك هتضربيني في مكان حساس وتقطعيلي الخلف طبعًا،" أكمل فلكمته في كتفه وهي تمسح دموعها عن عينيها بابتسامة بائسة وتذمرت من جديد

"هو أنت ربنا باعتك عشان تضحكني وتبوظلي مود الحزن اللي أنا فيه؟"

ربت على يدها وأمسك بيدها المرتعشة ثم رفعها ليطبع قبلة على باطنها وهو يمسح بيده الأخرى بقايا الدموع عن وجنتها، إنها لا تستحق، لا تستحق أي شيء مما حدث معها، لقد تدمرت حياتها وسمعتها وتدمر قلبها .. لم تكن تستحق ما فعله هذا الوغد بها، ولا تستحق ما سيفعله هو بها.

كان مراد قد دخل يبحث عن شقيقه عندما أصطدم بإيناس تتحرك للخارج، كادت تسقط فأمسك بها بخوف واعتذر "أنا آسف."

ابتسمت ولملمت شعرها خلف أذنيها وهي تجيب بإحراج "ولا يهمك .." ثم كانت ستتحرك لكنها توقفت وضيقت عينيها ثم تساءلت "أنت صاحب أدهم؟"

نفى برأسه وأخبرها بأنه شقيق صديق أدهم، كانت فرصة أمامه ليتحدث إليها، لكنه وبخ نفسه وابتعد عنها فورًا؛ فهو لن يفعل تلك الفعلة بالزواج من فتاة تصغره بثلاثة عشرة سنة .. هو يريد فتاة قد تعدت الخامسة والعشرون على الأقل.

في حين وقفت الأخرى تنظر لظهره بابتسامة بلهاء وهرولت للخارج لتخرج هاتفها وتتصل بسارة تقول بحماس "لسه شايفة حتة مز بعنين زرقا، قمر يخربيته، كبير شوية في السن بس دادي في نفسه كده، أنا أول مرة أبقى في فرح كل اللي فيه مزز كده، بس كله كوم وأبو عنين زرقا وشعريتين بيض ده كوم تاني خالص، ياريتك كنتِ هنا عشان تشوفي المز ده."

لكنها فوجئت بأدهم يقول من خلفها "عاجبك؟ أجيبلك رقمه؟"

تجمعت الدماء في وجهها واستدارت له ببطء وبملامح باكية وهي تحمحم لتنظف حلقها "لا ما هو .. احم .." ولم تلبث أن أطلقت قدميها للرياح وهرولت من أمامه فاصطدمت بمراد مرة أخرى وهذه المرة سقطت على وجهها.

حك قيس يديه وبدا وكأن الحساسية قد أصابته فجأة وبدأ يفرك في مكانه ثم نظر لليلى وسخر "يعني دبلة ومالبسناش، رقص ومارقصناش .. طب مش كنتِ تقوليلي كنا وفرنا حق القاعة؟"

ثم نظر حوله وأكمل "ده حتى فقرة التورتة ما اتعملتش! أنا قايملهم أطربق الفرح فوق دماغهم، لازم أشوف فقرة التورتة ما اتعملتش ليه؟ أنا مش قليل في مصر عشان فقرة التورتة ماتتعملش."

كان سينهض لكن ترجته ليلى بألا يفعتل مشكلة فاحتبست الدماء في وجهه وبدأ يهز قدمه بدون راحة ولم يلبث أن نهض وتركها، صاحت عليه تسأله أين سيذهب فصاح بالمقابل "رايح أرقص مع أصحابي، أنا زهقت."

ثم هرول متجهًا نحو الشباب الذين يرقصون وخلع معطف بذلته وبدأ بالرقص معهم بكامل حماسه على أغنية شعبية.

بينما اتصل أدهم بسارة وبدأ شجار معها "يعني إيه يعني قاعدين تتكلموا عن الرجالة؟ .. والله؟ أنتِ بتستهبلي؟ أنا ماقربتش ناحية أي واحدة، ما أنتِ مخلية صاحبتك تراقبني! ... آه بتراقبني! ماتعرفيش؟ يا سلام! أنتِ مفكرة نفسك بتكلمي عيل صغير وهتقوليله بحبك عشان تنهي الخناقة؟"

صمت لمدة وابتلع لعابه ثم ابتسم وهمس لها "وأنا كمان بحبك.".

كانت رحمة ما زالت تأكل من طبقها والآخر بجانبها يراقبها "إيه يا حاجة؟ هتخلصي امتى في ليلتك دي؟ الفرح قرب يخلص وأنتِ لسه بتآكلي! مش خايفة طيب يطلعلك كرش من كتر الأكل ده؟"

"وأنت مالك يطلعلي كرش ولا لا؟ كنت هتتجوزني؟" قالت بضيق فسخر وهو يشبك يديه أمام صدره "والله باين كده هألبس فيكِ، بس لو طلعلك كرش مستحيل!"

توقفت عن مضغ الطعام ونظرت له بأعين متوسعة، ما الذي قاله للتو؟ سيتزوجها؟

وضعت قطعة الكفتة من يدها بأدب والتقطت منديلًا تمسح به فمها وأردفت برقة مصطنعة "لا خلاص أنا شبعت أصلًا."

ضحك ونظر بعيدًا وهو يحك ذقنه، لكنه انتبه لنظراتها الفضولية نحوه، بالتأكيد تريد أن تعرف ما إن كان ما قاله حقيقي أم لا .. لكن هذا ليس الوقت المناسب لذلك الأمر.

جلست إيناس أمام مراد وأخذت زجاجة المياه من يده لتتجرع البعض ف حين راقبها هو باهتمام "ها؟ كويسة؟"

أومأت وهي تخفض الزجاجة عن فمها فضيق زرقاوتيه وتساءل "بالمناسبة كنتِ بتجري ليه؟" وهذا جعلها تسعل بقوة فمد يده لها بالزجاجة من جديد.

عاد أحمد لداليا بطبق كبير من الحلوى وعبوتان من البيبسي، ثم جلسا أرضًا في ركنٍ بعيد بعد أن خلعت حذائها وتربعت أمامه وأمسكت بشوكتها، وأخذت قطعة كعك ثم وضعتها في فمها بتلذذ

انتبهت لكونه لا يأكل فأجابها بأنه قد نسي جلب شوكة له، نظرت لشوكتها بتردد ثم له، ولم تلبث أن مدت يدها بها نحو فمه وهي تقول "أنا عمومًا بقرف آكل مكان حد بس .." قبل أن تكمل وجدته يأخذ قطعة الكعك بفمه بهدوء

كان الحديث بينهما قليل بعد ما أخبرته بكل شيء عنها، فقط يجلسان يتبادلان أخذ نفس الشوكة ويأكلان بصمت، لكنه كان صمتًا محببًا لها، عكسه .. لم يكن صمتًا جيدًا، كان في دوامة من أفكاره، لا يعرف ما الذي يفعله مع تلك الفتاة؟

يشعر بشيءٍ مميز نحوها وهناك تلك المشاعر التي تخالجه معها دومًا، لكنه يعرف نفسه، هو ليس جيدًا لها، وبالتأكيد سيحطم قلبها، ولم يكن ليهتم بتحطيم قلبها لو لم يعرف بأن قلبها مُهشم بالفعل، هي لا تحتاج وغدًا آخر في حياتها ليقضي على الجزء الذي تبقى حيًا منها، لكنه في نفس الوقت لا يريد الابتعاد عنها، وجهها الحزين يؤلم قلبه ويجعله راغبًا بالبقاء ورسم ابتسامة على شفتيها كما يفعل دومًا .. لقد تشوش عقله وقلبه ولأول مرة هو ليس لديه أدنى فكرة عن ما هي خطوته التالية؟

"بتفكر في إيه؟" باغتته بسؤالها المازح فرفع عينيه وهمس بنبرة دافئة "فيكِ.".

انتهى يوم الخطبة ورحلت داليا مع أدهم ورحل أحمد برفقة أخيه الذي أخذ رقم إيناس بعد تبادلهما لبعض الأحاديث

وركبت ليلى سيارة قيس الذي كان مبتسمًا بعد أن أجهد نفسه بالرقص مع أصدقاءه حتى أصبح فقط يريد الذهاب لمنزله والنوم

لكنه فوجئ بالأخرى تحرك رأسها له وتقول بنبرة غاضبة "أنت سيبتني لوحدي طول الفرح!"

"عايزاني أعمل إيه يعني؟ زهقت من القعدة."

"بس ما كانش يصح تسيبني طول الوقت كده!"

قلب عينيه وسخر "آه، هنبدأ النكد بقى ..!"

كانت ستفتح فمها وتتحدث لكنه قاطعها بنبرته الصارمة "بلاش تنكدي عليا عشان ما أنكدش عليكِ، أنا أصلًا مش طايق أخوكِ ولميت الليلة عشان خاطرك، فياريت تسكتي لحد ما أوصلك بيتك وخلي اليوم يعدي."

توسعت عينيها ونظرت له بصدمة، لماذا يحادثها هكذا؟ هو لم يكن هكذا! لقد كان لطيف من قبل! ماذا حدث الآن؟

"طب ما أنت خاطبني وعارف صاحبك! أنا ماضحكتش عليك!" قالت بنبرة باكية وحققت تنبوءه فعلًا ودمعت عيناها "وبتشخط فيا ليه! عشان ما رقصتش معاك؟ ماهو حرام."

قلب عينيه وتذمر "يلا، نختمها بعياط كمان، ما هو هي دي الحتة الناقصة."

فوجئ بها تهمس من بين بكاءها "نزلني هنا، وقف العربية ونزلني هنا، مش هروح معاك."

قطب جبينه وتهكم "أنزلك فين! أنتِ راكبة ميكروباص رايح السبتية؟ والله لو ما سكتِ لهكون ماسك إيدك، وأنتِ عارفة يعني إيه مسك إيد بالنسبالك، روحي اعمليلي محضر تحرش بقى، قوليلهم مسك إيدي."

ضحكت رغمًا عنها وأشاحت بوجهها بعيدًا وهي تمسح عينيها ثم هددته بطريقة طفولية "هقول لهشام."

حرك عينيه من الطريق إليها وضحك "طب قسمًا بالله هشام ده خد مني بوكس قبل كده كومه على الأرض ربع ساعة، أنا بس سايبه عشان خاطرك، بس أول ما نتجوز وعد هبوسك قدامه، عايز بس أشوف ردة فعله."

تصبغت وجنتيها بحمرة طفيفة وتذمرت "أنت قليل الأدب!"

لكنه ضحك ولم يجيب، ثم حمد الله بداخله بأنهما لم يكملا تلك المشاجرة

صمتا لمدة وركز على القيادة حتى همست له "قيس .."

قضم شفتيه مانعًا ابتسامة من الظهور بسبب نبرة صوتها الرقيقة تلك وهي تهمس باسمه، ظنها ستقول شيئًا رومانسيًا تعوضه به عما حدث اليوم لكنه أصطدم بها تكمل

"أنا مش عيوطة، أنت أكيد هتفكرني عيوطة عشان بعيط، بس أنا مش عيوطة."

ضحك ورمقها بطرف عينيه "أومال اللي بيعيط بيسموه إيه؟"

ابتلعت لعابها وهمست "عيوطة .."

"ماشي يا عيوطة.".

___________________________________

تفتكروا أحمد هيعمل إيه مع داليا؟

قيس هيتحمل فرق التفكير بينه وبين ليلى؟

أدهم بيحب سارة فعلًا ولا هو مش عارف أصلًا هو بيهبب إيه؟

مراد، الكاركتر ظهر فجأة ❤️😂

هشام ناوي يتجوز رحمة فعلًا؟

أخيرًا، حابة أقولكم صاحبوا صاحبة زي إيناس، جدعة وبتراقب حبيب صاحبتها وهي مش موجودة عشان تتأكد إنه مابيخونهاش 😂

Continue Reading

You'll Also Like

1.4M 89.1K 35
حلقات خاصة من رواية تَعَافَيْتُ بك في كل مناسبة و كل جمعة و كل عيد و مناسبة حتى عيد العمال
13.9M 260K 53
جميع الحقوق محفوظه للكاتبه آية يونس ... ممنوع النشر او الاقتباس الا بإذن الكاتبة آية يونس ... رواية بالعامية المصرية ... عندما يصبح الإنتقام والتحدي...
1.4M 119K 25
كانت الزهرة بين تسعة من النخيل الشاهق، ذلك النخيل الذي وقف في وجه العواصف مانعًا إياها من الوصول للزهرة، لكن وبسبب زيادة تلك العواصف شراسة، اضطروا لا...
3.4M 119K 48
قصة رومانسية اجتماعية اكثر + تاتش كوميدى هنضحك اه .... وهنعيش رومانسية من نوع مختلف اكيد .... بس في نفس الوقت هنناقش مشكلة من مشاكل الادمان الموجود...