أنتِ لي لمنى المرشود

By eimilya

103K 2.3K 109

رواية للكاتبة منى المرشود ، جميع الحقوق محفوظة للكاتبة الأصلية من أروع ما قرأت رواية " أنت لي " لمنى المرشود... More

الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الحلقة الاربعون
الحلقة الأربعون (تتمة)
الفصل الواحد والأربعون
الفصل الواحد والأربعون (تتمة)
الفصل الثاني والأربعون
الفصل 43
الفصل 44
الفصل 44 (تتمة)
الفصل 45
الفصل 45 (تتمة)
الفصل 46
الفصل 47
الفصل 48
الفصل 48 تكملة
الفصل 49
الفصل 50
الفصل 51
الفصل 52
الفصل 53
الفصل 54
الفصل 55

تكملة الفصل 47

959 25 0
By eimilya

تتمة الحلقة 47 من الرواية------ انت لي----

الخيار المستحيل
استقبلنان العم إلياس استقبالا حميما جدا... مليئا بالعناق والقبل... فقد كان غيابنا طويلا وبقي العجوز وحيدا بعيدا عن أخته وابنتها اللتين لم يسبق له فراقهما...
كانت خطتي المبدئية هي أن نأتي جميعا إلى المزرعة فقد تساعد الأجواء هناك على تحسين الأوضاع النفسية لنا...
وإن رفضت رغد البقاء هناك, وهذا ما أتوقعه, كنت سأخذها إلى بيت خالتها وأقضي في المزرعة بضعة أيام...
مخاوفي الأولى كانت في ردود فعل عائلة أم حسام تجاه إصابة رغد, والتي لم تذكر لهم شيئا حتى الآن...
بضع أيام في المزرعة هي كافية لتجديد نشاطي وطرد هموم صدري...
أزور أثناءها شقيقي سامر وأقنعه بالمجيء للعمل معي في المصنع, ونعود نحن الثلاثة إلى منزلنا الكبير...
كان هذا ما أتمنى حصوله وأجهل ما الذي ستؤدي إليه الأقدار مستقبلا...
أروى غاية في البهجة وتكاد تقّبل حتى الأشجار من شدة الشوق والحنين, والخالة لا تقل عنها فرحا...
أما الفتاة الواقفة خلفي فهي تسير بعكازها خطوة للأمام وخطوة للخلف, رافضة دخول المزرعة...
انطلقت أروى تعدو بين الأشجار كالفراشة... ونشرت الخالة بساطا قماشيا على العشب بجانب مدخل المنزل... وجلست عليه ومددت رجليها باسترخاء...
وذهب العم إلياس يقطف بعض ثمار العنب ثم غسلها وجلبها إلى البساط وأشار إلينا:
"تعالوا... تذوقوا".
الوقت كان ليلا... والنسيم كان عليل جدا والهواء غني بالأوكسجين النقي الذي يبث الحيوية والانتعاش في البدن... وكم نحن بحاجة إليها...
"تعال يا وليد... إنه لذيذ جدا... تفضلي يا آنسة رغد".
دعانا العم إلياس بسرور إلى وجبة العنب الطازجة...
التفت إلى رغد التي تقف خلفي مترددة وقلت:
"تعالي رغد".
الإنارة كانت خفيفة منبعثة رئسيا من المصباح المعلق عند مدخل باب المنزل...
لكنها سمحت لي برؤية الاعتراض على وجه رغد.
خاطبتها:
"رغد... ما الأمر؟"
أفصحت:
"
تعرف... لا أريد المبيت هنا".
اقتربت منها أكثر حتى أخفض صوتي وأضمن عدم وصوله لمسامع الآخرين...
"أرجوك يا رغد... لا تحرجيني مع العائلة... تحملي قليلا من أجلي".
قالت:
"لكن..."
ولم تتم فقلت:
"بالله عليك... على الأقل لهذه الليلة... نرتاح من عناء السفر ونقابل كرم المضيفين بحسن الذوق...
لا يمكننا أن نخرج هكذا فجأة دون اعتبار للأدب واللياقة... أنا أرجوك بشدة يا رغد".
واستجابت رغد لرجائي الملح... وسارت معي حتى حتى جلست على طرف البساط ببعض المشقة... وأقتربت أنا من سلة العنب وأخذت لي ولها شيئا منه...
وكان بالفعل لذيذ جدا...
تبادلت والعم إلياس أحاديث خفيفة متنوعة وشعرت بارتياح شديد قلما أشعر به مع شخص غيره...
والعم كان من الأدب بحيث إنه لم يسأل عن تفاصيل ما أصاب رغد حين رآها بالعكاز بل اكتفى بحمد الله على سلامتها...
قضينا نحو الساعة جالسين على البساط نتناول العنب حتى أتينا على آخره...
سمعت بعد ذلك رغد تهمس لي:
"لا أستطيع الجلوس هكذا طويلا... أصاب الإعياء رجلي".
قلت:
"حسنا... هل تودين الذهاب إلى الداخل؟"
سألتني:
"ماذا عنك؟"
أجبت:
"أود البقاء هنا فالجو رائع جدا... وقد أبيت الليلة على هذا البساط!"
وابتسمت للتعجب الذي ظهر على وجه الصغيرة ثم نهضت ونهضت هي معي, واستأذنا للدخول إلى المنزل...
ساعدت رغد على صعود العتبات ورافقتها إلى غرفتها ثم توليت حمل الحقائب إلى الداخل وتأكدت من أن كل شيءمهيأ لها, وتركتها لتسترخي...
عدت إلى الخارج واستلقيت على البساط وبدأت أملأ رئتي من الهواء النقي...
أغمضت عيني في استرخاء تام... وكنت أسمع أحاديث العم والخالة المرحة...
وربما من شدة استرخائي غفوة لفترة من الزمن...
صحوت بعد ذلك على أصوات أشخاص يتحدثون,وحين فتحت عيني رأيت العم والخالة وأروى جالسين على مقربة مني وملتفين حول صينية الشواء... ورائحة المشويات تملأ المكان.
قال العم:
"ها قد نهض وليد... نوم العافية... تعال وشاركنا".
جلست ونظرت إلى الجمر المتقد وقلت:
"آه... أما زال لديكم طاقة بعد السفر!"
رد العم:
"وهل ستنامون دون عشاء؟ اقترب بني".
وجلست معهم أملأ أنفي بالرائحة الطيبة...
أروى كانت تتولى تقليب المشاوي بهمة... وكانت قد أطلقت شعرها الطويل لنسمات الهواء...
وعندما هب نسيم قوي حمل خصلة منه نحو الجمر فحركت يدي بسرعة لإبعاده وأنا أقول:
"انتبهي".
لا أعرف إن كان العم لا حظ وجود شحنة بيني وبينها أم لا...
والخالة سرعان ماتدخلت وأعدت الطبق المنشود وبنفسها حملته إلى غرفة رغد, غير أنها عادت به بعد قليل وأخبرتنا أن الفتاة نائمة.

بعد وجبة غنية كهذه قمت أتمشى في المزرعة وأحرك عضلاتي... غبت طويلا ولما عدت صوب المنزل لم أر غير أروى مضطجعة على ذات البساط الذي كنت نائما فوقه... تراقب النجوم...
حينما أحست باقترابي جلست وأخذت تلملم شعرها الذي تعبث به الريح...
اقتربت منها ثم ناديتها وقلت:
"أروى...يجب أن نضع حدا لكل هذا".
وقفت أروى وهمت بالمغادرة وهي تقول:
"نعم... سنضع حدا".

*****************

نهضت باكرة جدا... على زقزقة العصافير القوية المتسللة عبر النافذة إلى الغرفة.
فيما بعد فتحت النافذة فتدفقت تيارات باردة من الهواء النقي إلى الداخل... وأطللت من النافذة فرأيت الخضرة تغطي المنظر وتأسر الأعين...
لم أستطع مقاومة هذه الجاذبية... ارتديت عباءتي وسرت بعكازي بحذر... وخرجت من المنزل.
كان صباح رائعا... والشمس بالكاد أرسلت الجيش الأول من أشعتها الذهبية لتغزو السماء.
على مقربة من المنزل وجدت السيدة ليندا تحمل سلة كبيرة وتجمع فيها ما تقطفه من العنب.
حييتها فردت مبتسمة وسألتني عن أحوال فطمأنتها إلى أنني بخير...
ووجدتها فرصة عفوية لأشكرها على وقوفها معي وعنايتها بي أيام أصابتي.
" لا داعي للشكر يابنيتي... نحن عائلة واحدة وجميعنا في خدمة بعضنا البعض".
كان ردها كريما مثل طبعها... وأشعرني بالخجل من مواقفي السابقة منها بالرغم من أن ندي الحقيقي هو أروى...
" إنك طيبة القلب جدا وأنا لا أعرف كيف أشكرك أو أعتذر منكِ على أي إزعاج تسببت به لك".
قلت بصدق وعرفان فكررت:
"لا ننتظر الشكر من أبنائنا على رعايتهم".
عجيب! إنها نفس الجملة التي قالها وليد لي مؤخرا!
ولدى تذكري الجملة تذكرت كيف حملني وليد بالكرسي وصعد بي الدرج ثم نزل دون أن تظهر عليه أي إمارة تعب!
وكذلك تذكرت (لوحاتي) والموقف الأخير بيننا...
آه أنتم تعرفون مسبقا... كم هو طويل وعريض وضخم وقوي ابن عمي الحبيب هذا!
الشيء الذي لا تعرفونه والذي اكتشفته مؤخرا.. هو أن صدره واسع جدا جدا...
يكفي لأن أغوص فيه وأسبح دون أن أصل إلى بر أرسي عنده!
ابتسمت ابتسامة عريضة وأنا أتخيل وليد... ربما اعتقدت السيدة ليندا أنني ابتسم لها مسرورة بجملتها الأخيرة...!
خطوة مبتعدة عنها ومتغلغلة في عمق المزرعة بسرور...
ملأت صدري من الهواء المنعش الذي شعرت به يسري حتى في أطرافي... وكان عابقا بمزيج من رائحة الخضرة والزهور... كم كان هذا رائعا خلابا...
بعد فترة من الزمن.. ظهرت الشقراء أمامي فجأة..
كانت ترتدي ملابس بيتية وتطلق شعرها الطويل للهواء الطلق.. وتسير على العشب حافية القدمين..
اصطدمت نظراتنا ببعضها وتنافرت بسرعة! هممت بالانسحاب بعيدا عنها لكنها فجأة نادتني:
"انتظري".
ماذا؟! أنا أنتظر؟ ومعكِ أنتِ؟
ألقيت عليها نظرة لا مبالية وهممت بالمغادرة غير أنها اعترضت طريقي...
"ماذا تريدين؟"
سألتها بحنق فأجابت:
"ألا يمكننا التحدث ولو للمرة الأخيرة... كشخصين ناضجين؟"
لم أستسغ مقدمتها هذه وفي الواقع أنا لا أستسيغ منها أي شيء...
قلت بحدة:
"أي حديث بعد؟! بعد الذي فعلته!"
أروى قالت مدافعة:
"أنا لم أفعل شيئا يا رغد... وكلانا يدرك أنه كان حادثا عفويا... ولو كنت أعلم مسبقا بأنك ستتضررين هكذا ما كنت اعترضت طريقك".
عقبت باستهجان:
"وها أنتِ تعترضين طريقي ثانية...وقد ينزلق العكاز مني وأقع وأصاب من جديد... فهل ستقولين عنه إنه حادث عفوي؟"
ابتعدت أروى عن طريقي فحثثت الخطى قدر الإمكان... مولية عنها...
سمعتها تقول من خلفي:
"لكننا سنضع حدا لكل هذا يا رغد... والحال لن تستمر على هذا النحو".
لم ألتفت إليها.. فتابعت:
"من الأفضل أن نناقش الأمر بيننا نحن قبل أن نضعه على عاتق وليد".
توقفت... فاسم وليد هز وجداني.. لكنني لم أستدر إليها.. وسمعتها تتابع:
"وليد لن يتحمل وجودنا معا... ولا يستحق هذا العناء... المكان لا يتسع لكلينا...
وعلى واحدة منا الانسحاب طوعا".
أثارتني عبارتها الأخيرة أيمّا إثارة... وأرغمتني على الالتفات إليها وأنا أحبس أنفاسي من الذهول...
تابعت هي:
"أجل يا رغد... على إحدانا الانسحاب من دائرة وليد... وتركه يعيش بسلام مع الأخرى".
ازداد اتساع حدقتي عيني وتجمع الهواء الفاسد في رئتي فاضطررت إلى زفره بقوة...
أروى سارت مقتربة مني... حتى صارت أمامي وهي محملقة في وجهي...
قالت:
"إحدانا يجب أن تضحي من أجل راحة وليد..."
لازلت متسمرة على وضعي... لا أكاد أصدق ما أسمع...
تغيرت نبرة أروى إلى الحزن.. وتابعت:
"رغد.. هل تفهمين ما أعنيه؟"
أطرقت برأسي كلا... كلا لا أريد ان أفهم.. كلا لا أريد أن أسمع المزيد.. لكن أروى قالت:
"بل تفهمين... البارحة وليد لم ينم مطلقا... راقبته قبل نومي ورأيته يحوم في المزرعة بتشتت... وعندما نهضت فجرا وجدته لا يزال في الخارج شاردا لحد الغيبوبة...
إنه لا ينام منذ أيام... أوضاعنا تشغل باله لأبعد الحدود... إنه مهموم جدا ويعاني الأمرين بسببنا...
وأنا أريد أن نضع نهاية لهذا... هل فهمت؟"
كان صوت أروى يخترق أذني بعنف... وقلبي يتقطع وأنا أسمع منها كلاما كهذا لأول مرة...
قالت:
"أعتقد... أن أمر وليد يهمك كما يهمني.. أليس كذلك؟"
لم أجب فكررت السؤال:
"أليس كذلك يا رغد؟"
قلت أخيرا:
"بلى.. قطعا".
أروى قالت بنبرة أشد حزنا:
"يجب أن تضحي إحدانا من أجل راحته... إنه يستحق التضحية".
نظرت إليها بعمق لم يسبق لي أن نظرت إليها بمثله... بجدية لم يسبق أن علت نظراتي إليها... وباهتمام لم يسبق أن أوليتها لها من قبل...
وكانت تبادلني النظرات...
ولم أشعر إلا بدمعة تتجمع في مقلتي ثم تسيل حارقة على خدي...
خرجت الجملة من حنجرتي واهية مذعورة:
"تقصدينني أنا؟؟"
لم تتكلم أروى.. فقلت وأنا أحرك رأسي رفضا:
"مستحيل..."
فإذا بها تقول:
"صدقيني... لقد وصلنا إلى مرحلة لا يمكن أن نستمر نحن الثلاثة معا.. مطلقا"
أخذت شهيقا باكية وقلت:
"لكن... لكنه الوصي علي... لا يمكنني الاستغناء عنه.. إنه كافلي".
قالت:
"وهو زوجي أيضا".
وخزتني جملتها وقرصت قلبي... فقلت رافضة:
"أنت تعبثين بي... تتلاعبين بمشاعري".
أروى قالت:
"إنها الحقيقة يا رغد وأنت تدركينها.. لكنك تخدعين نفسك... انظري إلى حال وليد بيننا ... هل يعجبك؟ هل يرضيك أن يعاني كل هذا التشتت؟ هل ترضين له.. هذه المرارة".
وتخيلت صورة وليد وهو يتشاجر معي ليلة حفلة العشاء... ويقول لي إنه تعب من تقلبات مزاجي.. ويطلب مني تركه يستريح قليلا... وشعرت بسكين قوية تمزق قلبي...
طأطأت رأسي إلى الأرض فهوت دموعي مبللة العشب...
آه يا وليد... هل أنت تعاني بسببي أنا؟ هل أنا سبب تعكير مزاجك؟؟ هل وجودي معك هو خطأ كبير علي تصحيحه؟
لكن.. ماذا عني أنا؟؟
أنا لا أستطيع العيش بدونك.. إنك الهواء الذي أتنفسه وإن انقطعت عني.. فسأموت فورا..
"رغد".
خاطبتني الشقراء فرفعت بصري إليها ولم أرها من غزارة الدموع...
"رغد.. يجب أن نناقش الأمر.. يجب ألا نستمر في هذه الدوامة التي ستقضي على وليد أولا.. إن كنا نكترث لأمره بالفعل..فيجب أن نتصرف بإثار.. لا بأنانية.. على إحدانا أن تخلي الساحة.."
عصرت عيني لأزيح الدموع عنها ثم قلت بصوت حزين:
"لماذا لا تكون ...أنت؟"
أروى تنهدت ثم قالت:
"أنا.. مستعدة لأن أفعل ذلك من أجل وليد.. أحبه كثيرا وسأضحي بمشاعري لإراحته.. صدقيني أنا أعني ما أقول.. لكن.."
قلت:
"لكن ماذا؟"
أروى نظرت إلى الأشجار من حولها.. ثم إلى السماء.. ثم عادت إلي..
"وليد.. متعلق جدا بعمله.. لقد.. كان حلم حياته أن يدير شركة أو مصنعا, كما كان والده رحمه الله..
تعرفين أن وليد متخرج من السجن.. ولا يحمل شهادة دراسية غير الثانوية...
لم يرحب أحد به للعمل عنده.. وبالكاد وجد عملا كفلاح بسيط في مزرعتنا لقاء المأوى والطعام.. وليد عانى كثيرا وعاش فترة بائسة جدا العام الماضي..
ربما لم تشعروا بها كما شعرت بها أنا... وأنا, وأنت كذلك.. كلانا لانريد له أن يعود لذلك البؤس من جديد.. أليس كذلك؟؟"
هززت رأسي ثم هتفت:
"كفى"
واستدرت أريد الهروب بعيدا عن صورة أوروى وكلامها... لكنها تابعت وهي تعلي صوتها:
"إذا كنت تحبين وليد فعلا فابتعدي عنه... لا تعيديه إلى البؤس يا رغد".
تابعت طريقي بأسرع ما أمكنني... ولحقتني عبارتها:
"فكري في الأمر مليا... من أجل وليد".
كفى... كفى... كفى...
كنت أسير وأحرك رأسي محاولة نفضه عن كل ما علق به من كلام أروى...
عندما وصلت إلى غرفتي اندفعت بسرعة أكبر نحو سريري فتعثرت ووقعت قبل أن أصله...
وعلى الأرض رميت برأسي ونثرت دموعي وأنا أكرر:
"كلا... كلا... كلا..."
وعبثا حاولت طرد كلامها من رأسي... غدا كالسم... يسري في عروقي كلها ويشل تفكيري وحركتي ويعميني عن رؤية غير السواد...

**********************
لم أكن نشيطا هذا اليوم... فقد استيقضت عند الظهيرة بعد نوم سطحي ساعات النهار...
تفقدت الآخرين فوجدت العم إلياس في الساحة الأمامية للمنزل مشغولا بتنظيف الصناديق الخشبية المستخدمة في جمع الثمار مما علق بها من بقايا ثمار وأتربة.
هذا الرجل لا يكف عن العمل! ورغم أننا وظفنا مجموعة من العمال للعناية بالمزرعة لساعات معينة من النهار, غير أنه ما فتىء يستخدم ساعديه وبهمة كما في السابق.
بعد حوار بسيط ساعدته على تنظيف الصناديق ثم ترتيبها فوق بعضها البعض, لعل النشاط يدب في بدني النهك..
وحالما فرغنا من الأمر فاجأني العم بهذه الجملة...
"بني... أريد أن نتحدث بشأنك أنت وأروى".
أدركت من خلال النظر إلى عينيه أنه صار على علم بما حصل مؤخرا... التزمت جانب الصمت
فقال مستدرجا:
"أريد أن أسمع منك ما حكاية عمار عاطف؟"
شعرت باستياء.. فقد وصل الموضوع الآن إلى العم.. وصار موقفي محرجا جدا..
تبا لك يا عمار.. قتلتك منذ 9 سنين وحتى الآن لم أتخلص منكَ؟؟
أجبت أخيرا:
"هل أخبرتك أروى؟"
قال:
"إنهما لا تخفيان عني شيئا يا وليد".
وظهر شيء من القلق على ملامح العجوز.. مم أنت قلق يا عمّي؟؟ وهل اهتزت ثقتك بي أنت أيضا؟؟ أنا لا أتحمل خسارة الإنسان الأول الذي قدم لي الاحترام والثقة والمعوتة وفتح لي باب قلبه وبيته بينما كل الأبواب موصدة في وجهي.. بعد خروجي من السجن..
قلت مدافعا:
"عمّاه.. أرجوك صدقني.. أنا لم أقصد أن أخفي عليكم حقيقة أنني قاتل ابن أخ نديم رحمه الله".
وبدا الاهتمام الشديد على وجه العم, وأصغى بكل جوارحه...
فتابعت:
"حتى نديم ذاته لم يعرف هذه الحقيقة. لقد كان صديقا وأبا لي في السجن وأحببته كثيرا...
وحضوري إليكم وارتباطي بكم كان بدافع الوفاء له.. لم أجد منلسبة لكشف هذا ولم أعتقد أن الأمر سيسبب كل هذا التعقيد"؟
العم أظهر تعبيرات التفهم التي أراحتني بعض الشيء ثم قال:
"حسنا.. ربما لم تكن هناك مناسبة لذكره مسبقا, أما الآن وقد ذكر.. فاعذر فضولنا لنعرف لماذا قتلته أو على الأقل.. لماذا لا تريد أن تفصح عن السبب".
رمقت العم بنظرة رجاء... اعفني يا عم من من هذا... أتوسل إليك... لكن نظراته كانت تنم عن الإصرار.. أشحت بوجهي بعيدا عن عينيه.. وقلت:
"لا أسطيع".
العم رفع يديه إلى كتفي وقال:
"وليد.. انظر إلي".
بتردد أعددت عيني إلى عينيه.. وحملقنا في بعضنا البعض لفترة..
بعدها أبعد العم يديه وقال:
"كما تشاء".
ثم ابتعد عني... ناديته برجاء:
"عمّاه.."
وحين نظر إلي قلت:
"أرجوك.. لاتتخذ مني موقفا بسبب هذا.."
العم ابتسم وقال:
"لا عليك يا بني".
جملته طمأنتني فقلت:
"أسبابى قهرية".
قال:
"عرفت ذلك. إنك أنبل من أن تقتل شخصا لأسباب أصغر".
تنهدت باطمئنان وقلت:
"آه.. أشكرك ياعمي... أرحتني".
العم إلياس ابتسم وقال:
"الأهم أن نريح الفتاة التي تراقبك من النافذة خلسة!"
وعندما التفت إلى ناحية المنزل لمحت أروى تقف عند النافذة وتنظر إلي...
ذهبنا بعد ذلك أنا والعم لتأدية الصلاة وعندما عدنا كانت مائدة الطعام معدة لي وللعم في غرفة الطعام, وللسيدات في المطبخ كما جرت العادة. أطللت على المطبخ برهة وكما هو متوقع لم أجد رغد. سألت عنها فأخبرتني الخالة أنها دعتها للمائدة غير أنها اعتذرت عن المشاركة.
أردت أن أتفقد الصغيرة بنفسي.. ولم أكن قد رأيتها منذ البارحة.. وأنا أعرف أنها منزعجة من النزول في المزرعة...
طرقت باب غرفتها فأذنت لي بالدخول.. سألتها عن أحوالها فطمأنتني إلى أنها بخير.. ولكنني أنا وليد أعرف متى تكون صغيرتي بخير!
"ما بك يا رغد؟"
سألتها بقلق فردت مباشرة:
"لا شيء"
قلت مشككا:
"متأكدة؟"
أجابت:
"طبعا!"
نظرت إلى عينيها غير مقتنع وقلت:
"لا تخفي عني شيئا يا رغد".
وما كدت أنهي جملتي حتى فاضت دموع حارة كانت مختبئة في عينيها...
"رغد!"
بسرعة مسحت رغد دموعها وتظاهرت بالتماسك وادعت:
"أنا بخير".
قلت محتجا:
" وهذه الدموع؟"
قالت زاعمة:
"فقط.. مشتاقة إلى خالتي".
لا يمكنك خداعي يا رغد... هناك ما تخفينه ولا ترغبين بالبوح به...
اقتربت منها وقلت:
"تعرفين أنني سآخذك إليها اليوم.. فلماذا الدموع؟"
رغد غيرت تعبيرات وجهها محاولة إظهار المرح وابتسمت وقالت:
" متى نذهب؟"
أجبت مجاريا:
"الخامسة ننطلق بعون الله".
فقالت:
"بعون الله".
ثم ابعدت عينيها عني لئلا أقرأ المزيد... لم أشأ إزعاجها فتجاهلت دموعها وقلت:
"حسنا.. سأطلب من الخالة جلب وجبتك".
وهممت بالانصراف غير أنها قالت:
"كلا شكرا. لا أشعر بالجوع الآن".
قلت:
"هل تناولت شيئا في الصباح".
ولم ترد.
قلت مستاءً:
"لم تأكلي شيئا مذ غادرنا المنزل؟"
قالت:
"بلى.. عنقود العنب".
قلت مستاءً:
"كلا... رجاء لاتتهاوني في ذلك.. أم أنك لم تتعظي مما حصل تلك الجمعة؟ لا يتحمل جسمك النحيل الجوع".
فرددت رغد مبررة:
"لكني لا أحس بالجوع الآن".
قلت مقاطعا:
"حتى وإن.. لن أثق بإحساسك بعد الذي حصل. سأجلب غذاءك بنفسي".
قالت معترضة:
قلت لك لا أشتهي شيئا وليد أرجوك! أنا لست طفلة".
أحقا!
أتظنين نفسك لست طفلة؟؟
أو تعتقدين أن الأعوام التسعة التي أضيفت إلى عمر طفولتك التي فارقتك عليها... زادتك في نظري كبرا ونضوجا؟؟
بل أنتِ طفلتي التي مهما دارت بها رحى السنين ستظل في عيني صغيرة لا بد لي من العناية بها..
لم أشأ وقتها أن أضغط عليها أو أحرجها.. خصوصا وأنا أشعر بأن هناك ما يضايقها..
فقلت:
"حسنا.. لكن يجب أن تأكلي شيئا قبل موعد المغادرة..اتفقنا؟"
فأجابت بملل:
"حاضر".
أخفضت صوتي وجعلته أقرب إلى الهمس العطوف وأضفت:
"وإذا كان هناك أي شي يضايقك.. وأحسست بالحاجة لإخباري.. فلا تترددي.."
نظرت إلي رغد نظرة مطولة ثم قالت:
"بالتأكيد".
وبالتأكيد هذه خرجت من صدرها متشحة بحزن عميق ضاعف مخاوفي..
استأذنتها بالانصراف.. وحالما بلغت الباب سمعتها تقول فجأة:
"وليد.. سامحني!"
أي تأثير تتوقعون أن جملتها هذه أوقعت على نفسي؟؟
ماذا جد عليك اليوم يا رغد؟؟
صحيح أنني اعتدت على تقلباتها... وانفعالاتها المتفاوتة... كونها تغضب وترضى وتفرح وتحزن بسرعة... ولا يتوقع المرء موقفها التالي, غير أن حالتها هذه الساعة جعلت قلبي ينقبض ويتوقع أزمة مقبلة..
لطفك يا رب..

****************
كل الساعات الماضية وأنا أفكر فيما قالته الشقراء... وأشعر بقلبي ينعصر.
لا شك أنها محقة فيما قالت وأن وليد بسبب وجودي في حياته وتوليه مسؤوليتي العظمى.. مع وجود الخلافات المستمرة بيني وبين الشقراء... لا شك أنه يضغط على نفسه كثيرا ويعاني..
طوال الوقت وأنا أتصرف بأنانية ولم أفكر به.. بما يشعر وبما يثقل صدره ويرهق كاهله.. جعلته يغير ظروف حياته لتناسبني أنا.. وحملته الكثير.. الكثير..
هذه الساعة أنا أشعر بالذنب وبالخجل من نفسي.. والغضب عليها.. آه يا وليد قلبي... هل ستسامحني؟؟
فكرت في أنني يجب أن أختفي من حياته وأخلي طرفه من المسؤولية علي.. حتى يرتاح.. ويهنأ بحياته.. لكن الفكرة ما أن ولدت في رأسي حتى وأدها قلبي بقسوة.. وأرسل رفاتها إلى الجحيم..
أنا أبتعد عن وليد؟؟
مستحيل! مستحيل... لا أستطيع.. إنه الروح التي تحركني والأرض التي تحملني والدنيا التي تحويني..
أحبه وأريد أن أبقى ولو اسما منقوشا على جدار يمر به كل يوم..
أحبه أكثر من أن أستطيع التخلي عنه.. أو حتى تخيل العيش بدونه..
عند الخامسة أتى وليد لحمل حقيبة سفري.. وتبعته إلى الخارج.. كان يسير وأسير على ظله الطويل.. شاعرة برغبة مجنونة بأن أرتمي عليه..
وصلنا إلى السيارة وأدخل وليد الحقيبة فيها.. وفتحت أنا الباب الخلفي لكي أجلس وأسلمه العكاز ليضعه مع الحقيبة..
وليد قال وهو يفتح باب المقعد الأمامي المجاور لمقعد السائق:
"اركبي هنا يا رغد".
نظرت إليه مستغربة.. فقد اعتدت أن أجلس خلفه... وهذا الموضع صار من نصيب الشقراء الدخيلة...
قال وليد معللا:
" فالمكان أوسع وأكثر إراحة لرجلك".
وكانت هذه السيارة أهداها سامر لوليد قبل أشهر والتي اصطدمنا فيها بعمود الإنارة في ذلك اليوم الممطر.. وهي أصغر حجما من سيارة وليد الجديدة التي يستخدمها في المدينة الساحلية..
أذعنت للأمر ولما جلست تناول هو عكازي ووضعه على القاعد الخلفية, ثم أقبل وجلس خلف المقود وأدخل يده في جيبه وأخرج هاتفه ووضعه على المسند, وتفقد جيبه الآخر ثم التفت إلي وقال:
"انتظريني رغد... نسيت شيئا.. سأعود حالا".
وغادر السيارة عائدا أدراجه إلى المنزل...

*****************

انتبهت إلى أنني لم أحمل محفظتي معي.. وكنت قد تركتها على المنضدة في غرفتي منذ البارحة.. وقد حملت فيه مبلغا ماليا لأعطيه لرغد لتنفق منه أثناء إقامتها في بيت خالتها...
تركت رغد في السيارة وذهبت لإحضار المحفظة.. وفيما أنا في الغرفة أتتني أروى..
كانت تتحاشاني نهائيا منذ قدومنا.. عدا عن خصامها لي منذ أيام..
وكانت أخر مرة تحدثنا فيها ولو قليلا هي ليلة حفلة عشاء رغد.. والتي لم تدع لي المجال لأي حديث معها بعدها... وبدوري لم أتعمد ملاحقتها أو الضغط عليها.. أردت أن نأخذ هدنة ليومين أو ثلاثة.. نتنفس الصعداء ونسترخي في المزرعة.. ثم نعود لمناقشة أمورنا من جديد...
عندما رأيتها وقفت برهة ولم أتكلم..
"إذن.. ذاهبان الآن؟"
بادرت هي بالسؤال فأجبت:
"نعم".
ظهر عليها التوتر ثم قالت:
"وهل ستمكث هناك؟"
أجبت:
"سأبقى لبعض الوقت, ثم أذهب إلى شقيقي.."
سألت:
"ومتى ستعود؟"
أجبت:
"غدا مساء على الأرجح.. أريد قضاء بعض الوقت مع شقيقي فنحن لم نلتق منذ فترة".
ظهر مزيد من التوتر على وجه أروى..
سألتها:
"أهناك شيء؟"
سارت أروى نحوي حتى صارت أمامي..
قالت:
"وليد أنا... أنا..."
ولم تتم إنها مترددة.
"ما الأمر؟"
تشجعت قليلا وقالت:
"أنا.. أعتقد أنك لا يمكن أن تقتل شخصا دون سبب قوي جدا.."
وصمتت..
أدهشني كلامها بادئ ذي بدء... فأنا لم أتوقع أن يبدأ الحديث بيننا بهذا الموضوع بالذات بين كل المواضيع العالقة, والأكثر أهمية.. لكن الواضح أنه أول ما يشغل تفكير أروى..
تابعت:
"أخبرني خالي.. بأن أبي رحمه الله.. كان يقول عن عمار إنه شخصا سيئا..
وأن عمي عاطف رحمه الله قد أخفق في تربيته.. وأنه أي أبي.. كان يشعر بالعر منه".
حبست نفسي لئلا أتفوه بسيل منجرف من الشتائم..سئ فقط؟ أنت لا تعرفين من كان ابن عمك الذي تتحرقين شوقا لمعرفة سبب قتلي إياه.. وكأنه ضحية بريئة..
تابعت:
"حسنا.. أنا لن أسألك عن السبب ثانية.. واخف عني ما تريد إخفاءه بالنسبة لموضوع عمار... لكننا يجب أن نتناقش بموضوع رغد".
أثارني ذكر رغد.. فقلت بلهفة:
"رغد؟"
أروى أكدت:
"نعم رغد... الوقت غير مناسب الآن.."
أقلقتني جملتها في وقت كنت أنا فيه قلق ما يكفي ويزيد... خصوصا مع حالة رغد الجديدة اليوم.. وخطر ببالي أنهما - أي رغد وأروى- ربما تشاجرتا معا من جديد..
فعدت أسأل:
"ماذا عن رغد؟"
ألقت علي أروى نظرة قوية التعبير ثم أجابت:
"الحديث يطول.. وأنت على وشك المغادرة".
فنظرت إلى ساعة يدي ثم قلت مستسلما:
"حسنا.. عندما أعود غدا.. نتحدث".
وفي رأسي فكرة تقليص فترة الهدنة, بما أن أروى قد بادرت بالحديث معي..
أروى أخذت تحرك رأسها اعتراضا ثم إذا بها تقول:
"أرجوك أن.. تبقى مع شقيقك بضعة أيام".
فوجئت بطلبها.. الذي جاء عكس استنتاجاتي.. ولما رأت تعبيرات الدهشة على وجهي قالت مبررة:
"أريد ألا نتقابل لبعض الوقت.. لا تسئ فهمي.. من الأفضل أن نرخي أعصابنا حتى نفكر بهدوء.."
أصابني طلبها بجرح.. ولكني تظاهرت بعدم التأثر وقلت:
"فهمت.."
وتذكرت آنذاك أنني كنت قد وعدت عمي بمرافقته في مشوار مهم يوم الغد بشأن المزرعة..
"إذن سأعتذر لخالك عن العودة.. وأحمل بعض الحاجيات".
وذهبت للبحث عنه ووجدته في المطبخ يساعد الخالة ليندا في تنظيف السمك..
أخبرته بأنني سأقضي بضعة أيام مع شقيقي واعتذرت عن مرافقته.. وودعته هو والخالة بوجه مبتسم..
عدت بعدها إلى غرفتي وحملت حقيبتي الصغيرة التي أتيت بها إلى الجنوب وفيها بعض ملابسي وحاجياتي... وأعدت الأشياء التي كنت قد استخرجتها منها.. وبينما أنا مشغول بها سمعت صوت أروى تناديني..
"وليد".
عندما التفت إليها رأيتها واقفة عند الباب ووجهها يبدو حزينا وممتقعا.. ولمحت دمعة تنساب من عينها..
سألت بقلق:
"ما بك الآن؟؟"
وكان جوابها بأن أقبلت نحوي.. ووضعت رأسها في حضني وطوقتني بذراعيها بحرارة..

**********************

تأخر وليد!
قال إنه نسي شيئا وسيعود في الحال.. وتركني جالسة في السيارة والتي لم يشغل محركها ولا مكيفها!
شعرت بالحر والاختناق ففتحت باب السيارة أتنفس الهواء الطلق.. وبعد دقائق داهمني الشعور بالقلق.. لماذا تأخر وليد؟؟
خرجت من السيارة واستخرجت عكازي منها وذهبت كي أتفقده..
ذهبت مباشرة نحو غرفته ورأيت الباب مفتوحا.. ولم يكن علي إلا أن ألقي نظرة عن بعد عبر فتحه حتى أرى حبيب قلبي يعانق أكثر فتاة كرهتها في حياتي.. على الإطلاق..
الصورة أعشت عيني.. وخدرت أصابعي.. ومزقت بقية أربطة مفاصلي فتفككت وانفصمت مفصلا مفصلا..
انسحبت أجر أطرافي جرا وأتخبط في سيري حتى بلغت الباب الرئيسي وخرجت إلى الشمس دون أن أرى شيئا..
شعرت بالعتمة تلون كل ما حولي.. وبمفاصلي المنفصمة تخر هاوية..
أمسكت بالباب أنشد دعمه لكنه أرجحني معه.. وحتى عكازي.. خانني في آخر لحظة وسلمني أسيرة الوقوع أرضا..
ربما رق الحجر لحالي؟ لم أشعر بأي ألم.. أو ربما البنج الذي سببته الصدمة لي أتلفت أعصابي الحسية.. فما عدت أشعر بأي شيء.. أي شيء..
ثوان وإذا بالباب يتحرك ومن خلفه يطل الرجل الطويل.. العملاق الذي أحبه..
والذي رغم كل السواد.. والظلام والعتمة.. استطعت رؤيته.. والذي فور رؤيتي له تدفق النزيف من قلبي مجتاحا كل المشاعر..
كان يتكلم.. لكنني لم أسمعه.. ثم رأيته يجلس على العتبة قربي ويمد يده إلى عكازي.. ويقربه مني..
ماذا يقول هذا الرجل؟؟ ماذا يطلب مني؟؟ هل يريد أن أقف؟ ألا يرى مفاصلي مفككة؟؟ ألا يرى عضلاتي مشلولة؟؟ ألا يرى الدماء تغرق جسدي؟؟ ألا ترى كل ذلك يا وليد؟؟ ألا ترى كل ذلك؟؟
أسنتدت رأسي إلى الجدار.. وأغمضت عيني.. وتمنيت ألا أفتحهما بعد الآن أبدا..

Continue Reading

You'll Also Like

33.2M 1.9M 47
اثناء دوراني حول نفسي بالغرفة بحيرة انفتحت عليه الباب، اللتفتت اشوف منو واذا اللگه زلم ثنين طوال لابسين اسود من فوك ليجوه وينظرولي بأبتسامة ماكرة خبي...
864K 16.7K 57
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
243K 8.4K 39
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...
289K 24K 53
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...