الفصل 53

1K 23 0
                                    

الحلقة 53 من الرواية------ انت لي----

"ماذا تقولين!!"
ارتسمت الدهشة على وجهي حين
أخبرتني نهلة بأن حسام ذهب شخصيا إلى وليد عصرا وفتح موضوع زواجنا أمامه.. وأن وليد رفض الموضوع ولكم حسام بعنف على وجهه..
قالت:
"هذا ما أخبرني به.. وهناك كدمة مريعة على وجهه وتورم فظيع!"
قلت:
"يا إلهي! ما الذي دفعه إلى هذا الجنون؟ يذهب إليه بنفسه وبمفرده وفي هذه الفترة؟؟ هل فقد صوابه؟؟"
قالت نهلة:
"يحبك يا رغد ولا يطيق صبرا.. وأراد أغتنام فرصة تواجد ابن عمك في المنطقة... ولو لم يكن سامر خطيبك السابق لكان طلب الأمر منه... والآن وصيك الرسمي يهدده بألا يعود لطرح الأمر ثانية وإلا محاه من الوجود... تهديد صريح بالقتل وأمام أحد الشهود".
قلت حانقة ومهاجمة:
"ماذا تعنين؟؟"
فقالت نهلة:
"أنت أدرى".
فازداد غضبي وخاطبتها بحدة:
"لا أسمح لك... ابن عمي ليس سفاحا... وإذا كان قد ارتكب جريمة في السابق فإنه..."
وانتبهت لكلامي وأخرست فمي...
فقالت نهلة متحدية:
"فإنه ماذا؟؟"
ولم أجرؤ على الإجابة... فنظرت إلي نهلة بجدية وقالت:
"فإنه قد يفعلها ثانية".
زمجرت:
"توقفي... أنت لا تعرفين شيئا... كلكم ظالمون.... اتركوا وليد وشأنه وإياكم وإهانته ثانية... لأنتم تهينونني أنا وتجرحونني أنا... ألا تحسون بذلك؟؟"
وتراجعت نهلة عن موقفها لما رأت عصبيتي.... وقالت:
"حسنا يا رغد... ولكن اهدئي".
فواصلت:
"كيف أهدأ وأنتم كلما جيء بذكر وليد نعتموه بألفاظ قاسية؟ رأفة به وبي... هذا كثير... كثير..."
وفيما أنا في غمرة انفعالي طرق الباب ودخلت سارة تقول مخاطبة إياي:
"ابن عمك هنا ويريدك".
قفزت واقفة وقفز قلبي معي... ودارت بي الأفكار وأرسلتني إلى البعيد... فقلت بهلع:
"وليد؟؟"
فردت سارة وهي تحرك رأسها حركة طفولية:
"لا! بل سامر".
وسرعان ما أصبت بخيبة أمل... إلى أين ذهبت أفكارك يا رغد؟؟ يا لك من مسكينة واهمة! طبعا سيكون سامر... ألا زلت تعتقدين بأن وليد سيعود إليك ذات يوم...؟؟
كان الوقت ليلا... وليس من عادة سامر زيارتي في الليل ودون سابق موعد... إلا لأمور طارئة أة ضرورية...
ارتديت حجابي وعباءتي وذهبت لملاقاته في غرفة المجلس كالعادة... وهناك من أول نظرة ألقيتها عليه لاحظت أن هناك ما يقلقه... وعرفت أن للزيارة سبب قاهرا...
بعد التحية والسؤال عن الأحوال... سألته:
"ماذا هناك؟؟"
وفاجأني عندما قال:
"وليد يريد أن ترافقيني الآن إلى الشقة.. إنه هناك وينتظرنا.."
هل سمعتم؟؟ يقول... إن وليد يريد مقابلتي... هل هذا ما قاله؟؟ هل هذا ما يفهم من كلامه؟؟
تسمرت في مكاني مأخوذة بالمفاجأة ونظرت من حولي أتأكد من أنني لا أتخيل!
وليد يريد مقابلتي... أخيرا؟؟
قطع علي حبل شرودي صوت سامر وهو يقول بنبرة قلقة:
"لا يبدو بمزاج جيد... لا أعرف ما الطارىء الذي يشغل باله لكنه طلب أن آخذك إلى الشقة في هذا الوقت..."
عرفت... لقد فهمت... موضوع حسام... لا محالة...
لم أحرك ساكنا... من شدة القلق... إلى أن قال سامر يحثني على الاستعجال:
"هيا يا رغد فالوقت ليس من صالحنا..."
وصلنا إلى الشقة أخيرا... ومع وصولنا وصلت ضربات قلبي إلى أقصى سرعة...
وبدأت أحس بالنبضات في شرايين عنقي... وفيما سامر يستخرج مفتاح الشقة عند الباب حدثني بصوت خافت قائلا:
"أنبهك يا رغد... يبدو أن شياطين رأسه تسيطر عليه.."
أرعبتني جملته فبلعت ريقي وقلت:
"هل.. هو غاضب جدا؟؟"
فأجاب وهو يخفض صوته:
"يشتعل بركانا.. حاولت أن أعرف ما القصة فلم يخبرني ورفضت إحضارك فهددني بأنه إن ذهب بنفسه إلى منزل خالتك فسوف يحرقه بمن فيه.. لا أستبعد هذا... فوجهه ينذر بالشر..."
وضعت يدي اليسرى على عنقي فزعا... ورددت رأسي إلى الوراء... فقال سامر محاولا بعد كل هذا طمأنتي:
"سأكون معك.."
وفتح الباب... لملمت شظايا قوتي وذكرت اسم الله... ودخلت الشقة...
في الداخل وقعت عيناي مباشرة على العينين الملتهبتين.. القادحتين بالشرر... اللتين لم أحظ برؤيتهما منذ أيام... ولم أحظ برعايتهما... منذ أسابيع...
كان وجهه كتلة من الحمم البركانية المتوهجة... عابس التعبيرات... قاطب الحاجبين وأحمر العينين... تلك الحمرة التي تكسو وجه وليد وعينيه عندما يشتط غضبا... وكان يتنفس عبر فمه... وتكاد ألهبة من النار المتأججة تخرج مع زفيره... وكان يقف وسط الشقة وعلى أهبة الهجوم...
يا لطيف...!
أردت أن أبدأ بالتحية... غير أنه لم يكن لها مجال هنا... مع وجه مرعب يقدح شررا... وعندما أغلق سامر الباب خلفه تكلم وليد فجأة:
"من فضلك يا سامر ابق في الخارج قليلا".
تبادلت النظر مع سامر.. الذي رأى اضطرابي وقرأ توسلاتي.. فقال:
"هل الموضوع سري لهذا الحد؟؟"
فقال وليد بصبر نافذ:
"رجاء ابق في الخارج إلى أن أستدعيك.."
فنظر إلي سامر مجددا ثم قال:
"يمكنني دخول غرفة النوم".
فزمجر وليد بحدة:
"قلت في الخارج... لو سمحت".
فلم يتحرك سامر بل أصر:
"سأدخل إلى الغرفة يا وليد".
هنا هتف وليد بغضب:
"سامر... رجاءً أخرج الآن ولا تضيع الوقت..."
قال سامر:
"يبدو عليك الغضب الشديد يا وليد.. لماذا لا تسترخي قليلا ثم تتحاوران؟؟"
صرخ وليد:
"أنا لست غاضبا..."
واضح جدا! ماذا تريد أكثر من هذا!!؟؟
قال سامر:
"لكن يا أخي..."
فقاطعه وليد بفظاظة:
"انصرف يا سامر أرجوك ولا تغضبني بالفعل.."
ولم يملك سامر من الأمر شيئا... فنظر إلي نظرة عطف وإشفاق... ثم فتح باب الشقة... وقال محذرا:
"إياك أن تقسو عليها... أحذرك..."
وألقى علي نظرة أخيرة وخرج...
بقينا أنا والمذنب المتوهج وليد بمفردنا في الشقة...هو ينفث الأنفاس الغاضبة الحارقة.. وأنا أرتجف هلعا...
وبعد أن التهم عدة أنفاس... قال أخيرا:
"اجلسي يا رغد".
رفعت بصري إليه ولم أتحرك... كنت مضطربة وقلبي تركض نبضاته بسرعة...
ولا أقوى على السير من فرط توتري... ولما رآني متصلبة في مكاني قال بصوت حاد:
"اجلسي يا رغد هيا".
فزعت وارتددت للوراء... وحين لاحظ ذلك قال:
"ما بك تنظرين إلي بهذا الذعر؟؟ هل أبدو كالغول المفترس؟؟ أم هل تظنين أنني سألكمك أنت أيضا؟"
خفت.. وأومأت رأسي بـــ (لا).. فأشار إلى المقعد.. فسرت مذعنة... أعرج في خطواتي... إلى أن جلست على طرف المقعد... ووضعت حقيبتي إلى جانبي...
وليد كان مرعبا لحد كبير.. وكنت أسمع صوت الهواء يصطدم بفمه كالإعصار.. وكلما أطلق نفسا قويا جذب نفسا أقوى.. حتى أوشك الهواء على النفاذ من الشقة...
فجأة اقترب خطوة مني فأرجعت ظهري إلى الوراء تلقائيا.. خشية أن تحرقني أنفاسه أو تلسعني نظراته.. توقف وليد على بعد خطوتين مني ثم قال:
"أظنك تعرفين لم أنت هنا".
رفعت رأسي وأومأت بـــ(لا).. فهتف بسرعة:
"بل تعرفين".
أفزعني صوته.. فغيرت موقفي وأومأت بــــ(نعم).. وأنا متوقعة أن يكون الموضوع هو موضوع حسام...
قال:
"تعرفين أن ابن خالتك العزيزة... قد أتى إلي خصيصا هذا اليوم ليطلب موافقتي على خطبتكما".
تصاعدت دفعة من الدماء إلى وجهي... وهويت بأنظاري نحو الأرض حرجا.. ولم أقل شيئا.. فتابع هو:
"أتى بمفرده وبكل شجاعة... بل بكل وقاحة.. بعد الإهانات الفظيعة التي رموني بها في منزلهم.. وبدون اعتبار للظروف التي نمر بها في المزرعة... بلا احترام لي ولا لعائلتي... أتى إلي مطالبا بتحويل مشروع زواجكما المزعوم إلى واقع... بكل بساطة".
وأيضا لم أقل شيئا... بل لم أجرؤ حتى على التنفس...
قال:
"وحجته.. أنكما متفقان.. ومستعدان للارتباط.. ومنذ زمن.. وأنه يريد أن يريح مشاعره وقلبه!".
فطأطأت برأسي نحو الأسفل أكثر... أكاد أكسر عنقي من حدة الطأطأة... وأفجر عروق وجهي من غزارة الدماء المتدفقة فيها...
فتابع وليد:
"وربما مشاعرك وقلبك أنت أيضا".
ذهلت, ورفعت بصري إليه بطرفة عين, ثم غضضته من جديد في حرج شديد...
ولم أرفعه ثانية إلى أن سمعت صوت اصطفاق كفي وليد ببعضهما البعض.. نظرت إليه فشاهدت حشدا من ألسنة النار تغادر عينيه مقبلة إلي...
قال:
"ماهو رأيك؟"
ولم أتكلم فردد السؤال بغلظة:
"ما هو رأيك؟ أجيبيني؟؟"
فأطلقت لساني بتلعثم:
"في ماذا؟"
فقال بعصبية:
"في هذا الأمر قطعا".
فلم أجبه لكنني حملقت فيه... فاقترب مني أكثر وسأل بعصبية وجفاف بالغين:
"لا تحملقي بي هكذا بل أخبريني ما هو رأيك الآن يا رغد؟؟ تكلمي".
فقلت مفزوعة من صوته:
"لا أعرف".
فقال:
"لا تعرفين؟؟ كيف لا تعرفين؟؟ أخبريني ماهو رأيك الصريح؟"
أجبت في خوف:
"كما ترى أنت".
قطب حاجبيه أقصاهما وقال:
"كما أرى أنا؟؟"
فكررت:
"كما تريد أنت... أنت ولي أمري وما تطلبه سأنفذه".
وليد فجأة ضرب مسند المقعد المجاور ورأيت سحابة من الغبار تطير مفزوعة منه...
ثم قال:
"قولي يا رغد.. ما هو رأيك أنت؟؟ وهل اتفقت معه على أن يأتي لتقديم عرضه في المزرعة؟"
فرددت نافية:
"لا.. كلا لم أتفق معه.. لقد أتاك من تلقاء نفسه.. لم أعرف إلا من نهلة قبل حضوري إلى هنا مباشرة".
ونظر إلي بتشكك فأكدت:
"لم أتفق معه على أي شيء صدقني".
فسأل:
"ولا على الزواج؟"
فصمت.. وكرر هو سؤاله بحدة:
"ولا على الزواج يا رغد؟؟ هل سبق وأن اتفقتما على ذلك؟؟ أجيبي..؟؟"
في الواقع.. كان هذا ما حصل قبل شهور.. قبل انتقالي للعيش في المنزل الكبير.. والتحاقي بالجامعة...
قلت معترفة:
"أجل"
وما كدت أنطق بالكلمة إلا ويدا وليد تطبقان فجأة على كتفي وتهزاني.. وإذا به يصرخ في وجهي:
"كيف تجرئين على فعل ذلك؟؟ من سمح لك باتخاذ قرار في موضوع كبير كهذا دون إذني أنا؟؟ كيف تتفقين معه على الزواج دون علمي؟"
فقلت مدافعة ومفزوعة في آن واحد:
"أنت تعلم بذلك.. لقد عرضت عليك خالتي الموضوع من قبل.. تعرف كل شيء".
فقال وهو يهزني:
"وأنتتعرفين أنني رفضت الموضوع مسبقا.. وحذرتك من إعادة طرحه أو التفكير به مجددا.. ألن أحذرك يا رغد؟؟ ألم أحذرك؟؟"
أجبت:
"بلى.. لكن..."
فهتف:
"لكن ماذا؟؟ أكملي".
ابتلعت ريقي وأرغمني الخوف من صوته على النطق فقلت:
"لكنك.. أنت لم ترفض الموضوع بل رفضت توقيته.. وحسام... حسام هو الذي أعاد فتحه الآن.. هو من رغب في تعجيله".
صرخ وليد:
"وأنت متفقة معه أليس كذلك؟؟"
قلت مدافعة:
"ليس كذلك.. قلت لك إنني لم أعلم عن زيارته لك إلا من نهلة قبل حضوري".
فضغط وليد على كتفي وقال:
"لكنك موافقة ألست كذلك؟؟"
وشعرت بالألم من قوة قبضته.. والفزع من نظراته المهددة...
قلت:
"سأفعل ما تطلبه مني أنت".
فزاد ضغطه على كتفي وهتف:
"موافقة على ذلك؟ أجيبيني؟؟ أترغبين بالزواج من ابن خالتك المخبول هذا؟؟ أجيبيني؟؟"
أطلقت صيحة ألم وقلت والدموع تقفز من عيني فجأة:
"آه.. أنت تؤلمني.."
وليد دفع بكتفي نحو المسند فجأة وابتعد سائرا نحو الباب..
أنا أخفيت وجهي خلف يدي المصابة وأخذت أذرف شحنة الدموع المخزنة في عيني.. وتأوهت من قسوة وليد.. قسوة لم أعهدها ولم أكن أنتظرها منه.. بعد كل ذلك العطف والحنان اللذين غمرني بهما طوال سنين... وبعد كل الفراق والجفاء والمقاطعة التي فرضها علي منذ أسابيع...
عندما أفرغت كل دموعي أزحت يدي عن عيني... وشاهدته يدور حول نفسه تارة ويسير يمينا وشمالا تارة أخرى... وهالة من اللهيب الأحمر تحيط به...
وحين رآني أنظر إليه صرخ فجأة:
"ألم أحذرك من مغبة فتح هذا الموضوع يا رغد؟؟ ألم أفعل؟؟"
ولم يمنحني فرصة للرد بل تابع مزلزلا:
"لكنكم تستخفون بي.. وترونني مجرما حقيرا خريج سجون... لست أهلا لتولي الوصاية على فتاة يتيمة.. ولا أؤتمن عليها..."
أردت أن أنطق (كلا) لكن وليد لم يعطني المجال وواصل:
"سأريكم.. ما الذي يستطيع المجرمون فعله.. سترون أن كلمتي أنا.. هي النافذة.. وأنه ما من قوة في الأرض سترغمني على الموافقة على هذا الزواج مهما كانت.."
واقترب مني مجددا... ورمقني بنظرات التهديد الشديدة.. وقال:
"ستحققين أمنيتك بالزواج منه فقط بعدما أموت يا رغد.. هل تفهمين؟؟"
وعندما لم ير مني أي ردة فعل تصور أنني لم أفهمه أو لم أعر كلامه اهتماما...
فأطبق على كتفي كالصقر المنقض على فريسته... بمنتهى الخشونة وراح يصرخ:
"أكلمك يا رغد... أصغي إلي جيدا.. واحفظي كلامي بالحرف الواحد... أنا المسئول عنك هنا.. وأنا من يقرر كل شيء يتعلق بك... صغيرا كان أم كبيرا... شئت أم أبيت... تركك أبي تحت عهدتي أنا.. وليس تحت عهدة خالتك وعائلتها.. وإن أبقيتك هناك كل هذا الوقت فهذا لأنني أنا أريد إبقائك.. وليس لتتصرفي كما يحلو لك.. أنت وابن خالتك المراهق الأبله... ومتى ما شئت أنا...سآتي وآخذك.. وخالتك.. وزوجها.. وأبناؤها.. كلهم لا يملكون الحق في تسير أمورك.. وحسام بالذات.. وبالذات حسام.. واسمعيني جيدا.. هذا الفتى بالذات.. سيكون آخر آخر آخر شخص على وجه الأرض.. سأسمح له بالاقتراب منك.. ولن يكون ذلك إلا بعد موتي.. أفهمت ذلك يا رغد؟؟ أفهمت ذلك؟؟"
كل هذا الصواريخ في وجهي.. والضغط العنيف على كتفي.. والأعاصير النارية المنطلقة من عينيك وتريد مني ألا أفهم؟
صحت بخوف وأنا أحاول استعطافه والنجاة من بطش يديه:
"نعم... فهمت.."
فضغط على كتفي بخشونة أشد وقال:
"فهمت جيدا؟؟ أنا لن أعيد كلامي في المرة المقبلة إن تكرر الأمر.. ولن أكتفي بلكم وجهه.. بل سأهشم عظامه كلها.. وأطحن رأسه... أوعيت هذا؟؟"
قلت:
"فهممت.. فهمت.. أرجوك... يكفي".
وواصل عصر كتفي بقبضتيه وهو يجبرني على النظر في عينيه ويخترقني بنظرته الثاقبة النهددة ويقول:
"لا تضطريني لتصرف لا تحمد عقباه يا رغد... أحذرك... أحذرك... ما أنا فيه يكفيني... التزمي بكلامي وإلا.."
أطلقت إجابتي مع زفرة ألم:
"حاضر... فهمت... سأفعل ما تأمرني به... هذا موجع... أرجوك أتركني..."
وانخرطت في البكاء من الألم... فأطلق سراح كتفي وابتعد...
جعلت أمسد كتفي الأيمن بيدي اليسرى لأخفف الألم... ولم أرفع رأسي مجددا... حل سكون مخيف بضع دقائق.. ثم سمعت صوت باب الشقة ينفتح فرفعت رأسي ونظرت إلى وليد فشاهدته يغادر...
وقفت بسرعة وسألت:
"إلى أين تذهب؟؟"
لكنه أغلق الباب ولم يجبني... أسرعت أسير بعكازي إلى الباب وأردت فتحه فإذا بي أسمع صوت قفله يدار..
ضربت الباب وهتفت بفزع:
"وليد إلى أين تذهب؟ افتح الباب".
فسمعته يقول من خلف الباب:
"سأرسل إليك سامر".
فقلت:
"لا تتركني وحدي.. أرجوك افتح".
ولكنه لم يفتح ولم أعد أسمع صوته...
بقيت واقفة عند الباب في انتظار عودة وليد أو سامر.. ومرت بضع دقائق ولم يظهر أي منهما..
انتابني الذعر.. وعدت إلى المقعد واستخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بوليد فلم يجبني.. واتصلت بسامر فوجدت الخط مشغولا..
انتظرت دقيقة ثم أعدت الاتصال بسامر فرد علي وأخبرني بأنه في صالون الحلاقة أسفل المبنى وسيصعد بعد عشر دقائق...
"لكنني وحدي في الشقة... ذهب وليد وتركني أرجوك تعال الآن".
قال سامر:
"لم يذهب. أخبرته أن يبقى وينتظرني. سيأتيك الآن".
وأنهيت المكالمة ونظرت نحو الباب في انتظار عودة وليد... ولكنه لم يعد. أخذ القلق والخوف يتفاقمان في صدري... وإن هي إلا دقائق حتى عاودت الاتصال بسامر وأخبرته بأن وليد لم يعد ورجوته أن يوافيني في الحال.
فقال إنه قادم... وأقبلت نحو الباب في انتظاره... وعندما اقتربت نمه خيل إلي أنني سمعت صوتا من خلفه ففزعت... أصغيت بسكون... فتكرر الصوت وأجفل قلبي...
"سامر؟؟"
ناديت بحنجرة مخنوقة... ولم أسمع ردا... لكنني أحسست بحركة ما... وكأن أحدهم يقف خلف الباب مباشرة أو يستند إليه... سألت:
"وليد؟"
فسمعت صوته يرد:
"نعم هنا".
لقد كان وليد قلبي يقف خلف الباب... مستندا إليه...
عندما سمعت صوته حلت الطمأنينة في قلبي... فألقيت بثقل جسمي على الباب... وخيل إلي... أنني أحسست بالحرارة تتخلله منبعثة من جسم وليد...
يفصل بيني وبينه باب خشبي... وعشرات المشاكل ومئات الشحنات... والمشاعر المتضاربة والمواقف الملاطمة... والكلمات القاسية... والمعاملة الجافة... التي أثخن قلبي وجسدي بخدوشها قبل قليل...
تلمست كتفي... فألفيت الألم قد انقشع... وتلمست الباب فوجدته دافئا وحنونا... وألصقت أذني به... فتوهمت أنني أسمع نبضات قلب وليد... تناديني...
أفقت من أوهامي على صوت خشن زاجر... أصدره وليد...
"أقول لك انتظرني ها هنا فتذهب إلى الحلاق؟؟"
ثم أتى رد بصوت سامر:
"لم أتوقع أن تنهيا الحوار بهذه السرعة كما وأنني لم أشأ الوقوف هكذا كالبواب".
فقال وليد متضايقا:
"قلت لك إنني لن أطيل الكلام وكما ترى فالوقت ليل ولا يزال أمامك مشوار إعادتها... تعرف أن التجول محظور آخر الليل هناك.."
ثم سمعت صوت المفتاح يدخل في ثقبه فابتعدت بسرعة...
كان سامر هو من فتح الباب فدخل ولم أر أحدا من خلفه... استدار للوراء ثم التفت إلي وأغلق الباب من بعده وسألني:
"هل أنت بخير؟؟"
أجبته:
"نعم".
فاقترب وهو يحملق في عيني ويرى أثر الدموع ثم سأل:
"ماذا قال لك؟؟"
فطأطأت برأسي ولم أجبه. فألح علي بالسؤال غير أنني اعتذرت عن الإجابة....
قال:
"إذن الموضوع سري بينكما؟"
ألقيت نظرت سريعة عليه ثم نظرت إلى الأرض لأبعد عيني عن عينيه... خشية أن يكتشف شيئا...
سأل برجاء:
"ألن تخبريني؟"
فلم أرد...
كيف أخبرك وبم؟؟! سيضرب هذا على وترك الحساس المؤلم... أأقول إن حسام عرض على وليد الزواج مني...؟؟
احترم سامر موقفي وقال متراجعا:
"كما تشائين. إنما أردت المؤلزرة. فإذا ما أساء إليك أخي بأي شكل فأخبريني حتى أوقفه عند حده".
فشددت على قبضتي ولم أتفوه بشيء...
بعد ذلك... أعادني سامر إلى منزل خالتي... ولأن المسافة بين المدينتين التجارية والصناعية طويلة نسبيا, فقد وصلنا في ساعة متأخرة من الليل...
أما وليد فكان قد اختفى فور ظهور سامر عند باب الشقة... ولا أعرف إن كان قد عاد إلى مزرعة الشقراء أم أنه بات في شقة أخيه تلك الليلة...
وجدت خالتي ونهلة في انتظاري وعيونهما ملأى بالتساؤلات... أخبرتهما بأنه لا شيء يستحق القلق وذهبت إلى غرفتي فتبعتنب نهلة... والتي سهرت في انتظار عودتي على نار هادئة لتعرف ما حصل...
"لا شيء".
تعجبت من قولي وسألت:
"لا شيء؟؟ كل هذا الوقت وتقولين لا شيء؟؟"
أجبت:
"تعرفين... الوقت ضاع في قطع المسافة من هنا إلى شقة سامر... ذهابا وإيابا".
سألتني بصبر نافذ:
"المهم ماذا حدث وفيم تكلمتما؟ وهل تصالح معك..؟؟"
أجبت بإعياء:
"أسكتي يا نهلة أنا متعبة ولا طاقة لي بالحديث".
وألقيت بثقل جسمي على السرير... ومددت أطرافي... لكن نهلة لم تعتقني:
"أرجوك يا رغد أخبريني بما حصل الفضول يخنقني؟؟"
قلت أخيرا وأنا أنظر إلى السقف وأتنفس الصعداء باسترخاء بعد كل ذلك التوتر...:
"تشاجر معي.. فجر صواريخ فتاكة في وجهي.. وهددني بأن.."
قالت نهلة بلهفة:
"بأن ماذا...؟ أكملي!؟"
فوجهت بصري نحوها وقلت:
"بأن يهشم عظام حسام إن عاود طرح موضوع الزواج ثانية..."
حملقت بي نهلة بدهشة... ثم قالت مستنتجة:
"هكذا إذن.."
ثم أضافت:
"تهديد صريح آخر..."
حينها قلت بجدية وصراحة:
"إنه ينوي شرا.. أخبري حسام بأن يبتعد عني وأن يلغي الفكرة نهائيا من رأسه لينجو بنفسه..."
غضبت نهلة من كلامي الصريح الجارح.. وقالت وهي تستدير مغادرة:
"أخبريه أنت بذلك.. أنا لن أجرح أخي بهذه القسوة.. أنت عديمة الإحساس".

أنتِ لي لمنى المرشودWhere stories live. Discover now