٦-البيت وقمة الصخرة ......

86 3 0
                                    

لم تنس دومني أبدا لحظة وقع بصرها على أنديلوس, التي كانا في طريقهما اليها في مركب بول , مع بحار شاب من سكان الجزيرة يمسك بدفة القيادة , وآخر يقوم على خدمتهما .
ظهرت الجزيرة فجأة وسط البحر الأيوني الأزرق , واضحة تماما وسط أضواء بلاد اليونان الصاخبة , وأمسكت دومني السور بيديها حيث وقفت , كانت أنديلوس محتلة في الماضي من الأيطاليون والرومان.
وكان اليونانيان يتحركان بسرعة لتنفيذ أوامر بول , ولا شك أن كل سكان الجزيرة يحترمونه , بل ويحبونه لأنه بنى لهم مستشفى , ومدرسة لأبنلئهم فيها حمام سباحة وملعب ومكتبة , ولم يكن بول هو الذي أخبرها بذلك لكن أنجليكا وميرها كانتا مصدر هذه المعلومات.
ووقف بول بجانبها متكئا على السور , قميصه الأبيض مفتوح , ونظارة الشمس تخفي عينيه ,وشعره الأسود أزدادت تجعداته بتأثير هواء البحر , لكن دومني كانت تشعر بهزة في أعصابها فما تزال تحت تأثير ما حدث منذ ثلاث ليال , فأثناء تلك الأيام في البحر , أحتاجت لكل شجاعتها لتتعامل معه بصورة طبيعية.
وقال بول:
"أننا نقترب من الجزيرة , هل أنت مشتاقة لرؤية بيتك الجديد؟".
كان يعرف جيدا ما في قلبها , أنه الشوق للحرية شوق طيور البحر وهي تنطلق مع الرياح.
وأجابت:
" أتخيل بيتك فوق قمة( صخرة النسر) بيتا ذا شأن , هل عاشت فيه أسرتك منذ سنين عديدة؟".
ونفث بول دخان سيكاره وقال:
" بناه جدي , هو وأخوه لوكاس مؤسسا شركة خطوط ستيفانوس للملاحة , وأثناء حركة التمرد تعرض العمل لهزات خطيرة , شأن كل شيء في اليونان , لكننا بمرور الوقت تغلبنا على العقبات , وسارت الأمور على ما يرام".
وظل صامتا دقيقة أو أكثر , وبطرف عينيها لمحته يتطلع نحو الجزيرة المقتربة عابسا , ثم أستطرد:
" البيت الذي سآخذك اليه ,ليست له جذور عميقة في الماضي مثل فردان ,ولكن يمكنك أن تقولي عنه أنه الرمز الشامخ للأنتصار على الطبيعة الوعرة , أن أراض اليونان غالبا ما تكون قاحلة , والحياة صعبة بالنسبة للكثيرين من أبناء وطني".
قالت لمجرد الثرثرة:
" ولكن عشيرة ستيفانوس حققت النصر".
وأحست بنظرته الفولاذية وهو يقول:
" حققناه بالعمل الجاد , لم يحدث أن تورط أحدنا في السرقة".
وبنغمة ذات مغزى قالت وهي تشعر بشيء من الزهو لقدرتها على أن تلقي سهامها مثله:
" لا أحد أبدا يا بول؟".
وتأملت أمواج المحيط المتلاطمة بلا نهاية , تحت أشعة الشمس الذهبية كأنها الألم والفرح ترتفع ثم تهوي لتبدأ من جديد.
ومس زوجها بجانبها:
" البحر يحوي كل شيء , الحياة نفسها , تجمع الصخب والحيوية والسلام".
قالت معقبة:
" البحر قاس , أنه يأخذ مثلما يعطي".
وألقى ببقايا السيكار في البحر وقال :
" القسوة موجودة في كل شيء , حتى في الفرح , وعلينا أن نتقبل ذلك".
وعاد يقول:
" أعرف أنه من العسير عليك يا أسيرتي الحالمة أن تواجهي حقيقة أن الساعات التي أمضيتها معي تلك الليلة لم تكن بغيضة تماما".
حاولت التخلص منه وهي تقول:
" دعنا لا نتكلم في هذا الأمر".
لكنه تمسك بأسرها وقال وهو يهزها:
" أنا ألح في سماع ردك".
ورفعت رأسها وواجهته بعينين تشعان بريقا أزرق وقالت:
" هذه الساعات , كانت كما أردتها أنت , أجل يا بول, ولكن قلبي ملكي".
قال وعيناه في عينيها:
" لعلك تعتقدين أن زواجنا علاقة مستبدة , حسنا , دعيني أخبرك يا دومني أنك أذا عشت مع رجل تحبينه , فستكتشفين أن هناك وقتا للصراع , ووقتا للتقارب ووقتا للتباعد , الحب والكراهية ليسا غريبين أحدهما عن الآخر , أن البسالة وكبح الجماح لا وجود لهما ألا في الكتب الخيالية".
قالت:
"أنا أتوقع البسالة يا بول , أنه خيال المراهقة بعينيها , لقد لقيت منك كل ما توقعت ندما أقسمت على طاعتك".
قال بلهجة تحذير:
" وتذكري أن الشرف كان ضمن ما أقسمت عليه".
قالت والرياح تداعب خصلات شعرها , وقد أمتلأت عيناها بزرقة سماء اليونان ومحيطها:
" من المؤسف أنك أنت لم تتذكر ذلك يا بول".
وأهتز ركن فم بول بعصبية وهو يحدق فيها , وتحركت عيناه فوق بلوزتها المطرزة المستورد من جزيرة كريت والتي كانت الرياح تداعبها وكان شعرها المتطاير يحيط بوجهها , ويضفي على وجنتيها ضياء ورديا .
وقال بول بتهكم:
" أهل أنديلوس سيظنون أنني أسعد رجل على الأرض".
قالت بسرعة:
" أتمنى لو كنت أمرأة عادية".
وأطلق ضحكة عميقة وقال:
" تتمنين ذلك حقا؟ سواء عادية أو جميلة كنت ستظلين دومني".
وكانت تسمعه , ولكن أهتمامها كله كان مركزا على الحركة التي لاحظتها بجانب المركب , وقالت مشيرة نحو حركة المياه:
" هل يوجد سمك القرش في مياه اليونان؟".
وأنحنى ليتابع الحركات التي كانت تموج ثم تدور وتقفز وذراعه ملتف حول خصرها:
" أنه درفيل".
للمرة الأولى ترى درفيلا , أبهجها ذلك , وأستدارت وأبتسمت لبول في أشراق.
قال بول:
" أسماك الدرفيل تأتي الى ساحلنا وستنعمين بمتعة مراقبتها أثناء أقامتك في البيت القائم على ربوة النسر".
وضحكت لمنظر تحركات الدرفيل في البحر , ثم سألت:
" ألن نقيم بأستمرار هناك؟".
" ليس دائما".
" أعتقد أن الأعمال تحتم عليك السفر".
" أجل , سأقوم برحلة بعد شهور قليلة".
وكان أهتمامها كله موجها الى الدرفيل لكن شيئا ما في لهجته جعلها تنظر اليه , ولم يكن من المستطاع قراءة عينيه , لأنهما كانتا خلف نظارة الشمس لكنها تساءلت أذا كان يعتبرها مجرد نزوة, وفي الوقت المناسب سيتركها تذهب وأحست بشيء ما يغوص في قلبها , هل هي ملكه فقط طالما أن ذلك يروق له , تماما كما كان يمسك بها في تلك اللحظة بذراع قوية وأصابع صلبة تقيد معصمها , وأجتاز مركبهما ميناء أنديلوس , لأنهما كانا متجهين الى المرفأ الخاص داخل ممتلكات بول لكن دومني أستطاعت أن ترى في الميناء مراكب الصيد الملونة والمنازل البيضاء ووصل الى مسامعها صوت صياد يغني , وظل صوته يلاحقهما حتى أبتعدا.... وفي أهتمام سألت:
" ماذا تعني كلمات هذه الأغنية؟".
ورد بول ورنة سرور في صوته:
" أنه يغني لحبيبته التي يتمنى أن يتزوجها عندما تستقر أخواته .... ليست أغنية عاطفية على النحو الذي توقعته , أليس كذلك؟ ولكن هذا هو التقليد في اليونان , أذا كان الأبن هو العائل الأساسي للأسرة فيب أن يساعدها حتى تتزوج أخواته".
وهمست دومني :
" كم هو صعب على الشاب المسكين , لا غرابة أن صوته يبدو حزينا".
قال بول بجفاء:
" آه , لكن فتاته تحبه, وهو يعرف أنها ستنتظره , وأن قلبها سيختزن الحب"

🔥شهر عسل مر 🔥فيوليت ونسيبر Where stories live. Discover now