٣-الهدية المرفوضه.......

106 4 0
                                    

3- الهدية المرفوضة

عندما استيقظت دومني ، كانت أشعة الشمس تسللت من خلال ستائر
حجرة النوم لكن خلال لحظات ظلت غير قادرة على معرفة مكان وجودها .
وتجولت ببصرها في أرجاء الحجرة ، ثم وقع نظرها على صينية
الشاي الموضوعة على مائدة بجانب سريرها ، وحدقت في أثار
على الوسادة المجاورة ، وفي لمحة عادت إليها ذاكرتها ..
لقد تزوجت بول ستيفانوس ، اليوناني الوسيم الغامض .
الذي يملك خطوطاً للملاحة البحرية ، والذي سرق منها ابن عمها دوغلاس
مبلغاً كبيراً .
وكانت يداها ما زالتا تشعران بملمس كتفي بول العريضتين الصلبتين ،
وعقلها ما زال واعيا للكلمات اليونانية الغريبة التي همس بها محموماً في الليلة الماضية .
وتذكرت أنها استغرقت في النوم قربة .
وجلست وسكبت لنفسها فنجان شاي .
ورشفت منه بابتسامة على شفتيها . ورنت باسترخاء الى يدها اليسرى
حيث خاتم الزواج ، مشيراً لها بمستقبل لا تجسر على التفكير فيه .
واخذت حماماً ثم ارتدت بنطلونا وبلوزة بيضاء من الحرير .
وبعدها مشطت شعرها ، عقصته الى الخلف بمشبك ، ولمحت
في المرأة النظرة الجديدة في عينيها ، نظرة المعرفة العميقة الغامضة .
وارتسمت على فمها ابتسامة وهي تتأمل عنقها الطويل ..
الا أن امتلاكة اياها في الليلة السابقة لم يفزعها .
ولمحت احتقانا ينساب الى وجنتيها ، واستدارت بسرعة لتهرب من عينيها .
وعندما دخلت غرفة الطعام ، كان بول أمام المائدة يقرأ صحيفة الصباح
ورفع رأسة وابتسم قائلاً :
( صباح الخير يا سيدة ستيفانوس ) .
ووقفت في حياء بعدها ردت التحية ، ثم جلست بدورها ولاحظت الشمس
تلقي بأشعتها على شعر بول الداكن .
واطمأنت الى أن عاصفة الأمس انتهت على خير ، وأصبح الجو صافياً ،
وأبدت هذه الملحوظة لبول الذي سألها :
( هل نذهب الى لوو في السيارة ، أم تفضلين السير ؟)
( دعنا نسير )
( حسنا )
وصب لها القهوة ، وتلامست أصابعهما وهو يقدم لها الفنجان .
والتقت عيناهما وسمعته يقول :
( تلاشت الظلال من عينيك هذا الصباح يا دومني ) .
وخيل اليها أن هذه الظلال القاتمة استقرت في عينيه ،
لكنها ما لبثت أن تبينت وهم أفكارها عندما رأته يبتسم في مرح طفولي ،
ثم يطلق ضحكة قائلاً :
( يسرني أن حادثة الأمس لم تصبك بأذى )
( أنني بخير )
ولم تنظر اليه لكنها أحست فجأة بالدماء تتصاعد الى وجنتيها ، وسألت :
( هل أنت بخير ؟)
( بكل تأكيد يا زوجتي العزيزة )
وفتح ذراعيه مثل قط قوي سريع الحركة ، ولاحظت على السترة
التي يرتديها علامة بيت أزياء مشهور في اسكتلندا ، فسألته عما اذا كان
قد زارها ، فأجاب :
( لقد سافرت الى أماكن عديدة ، ولكني أشعر دائما باللهفة للعودة الى أنديلوس .
الشمس هناك حارة يادومني ،وعليك أن تأخذي حذرك حتى لا يحترق جلدك الأنكليزي الرقيق.
وشعرت بخفقان عصبي في قلبها لاشارته الى الجزيرة حيث ينتظرها مستقبل مجهول ، وقالت :
( بل سأتعرض للشمس قدر الأمكان ، لأكتسب سمرتك نفسها ).
وأسند ذقنة الى يديه ، وأظهرت ابتسامتة مدى جاذبية فمه ، وقال مازحاً :
(هل تجرؤين على أفساد هذه البشرة البديعة ؟
أنك ملكي الآن يا سيدة ستيفانوس ، ببشرتك البيضاء وكل شيء فيك ).
علقت ساخرة :
(بالطبع ،أختطفتني كأسيرة ،أليس كذلك ؟)
وأختلج صوته وهو يسألها :
(هل أنت نادمة يا دومني على ليلة أمس ؟
كنت جميلة للغاية ورائعه ، لم أستطع أن أتركك ، أعرف أنني لست رجلاً يسهل
اكتشافه والتعامل معه لكني أعتقد أنه يمكنني أن أسعدك ، أذا سمحت لي بذلك).
والتقت عيناها بعينيه ، وتذكرت من جديد السعادة المتبادلة غير المتوقعه التي غمرتها ليلة الزفاف .
والتي كانت نهاية غريبة ليوم عصيب . وتركته يحتضن يدها ، ويلمس خاتم الزواج الذهبي في إصبعها .
ثم قالت :
( حدثني أكثر عن الجزيرة ).
ولم تسأله من قبل مطلقاُ عن وطنه وأهله بمثل هذه اللهفه .
والآن عرفت أن أخاً يصغرة مات منذ ثمانية عشر شهراً ،
وله أيضاً أخت غير شقيقه تعيش مع همته صوفيولا وأبنها نيكوس ،
في بيت قرب ميناء اندبلوس ، وعمته تزوجت من ضابط بحري .
فالبحار و السفن في دماء كل أفراد أسرة ستيفانوس ،
ونيكوس كان يستعد ليصبح شريكاً في خطوط بول البحرية
عندما يبلغ الواحدة والعشرين من عمره .
وسألته عن أسم أخته التي لم تكن تعرف بوجودها ، وأخذت
تتأمله ، مدركة أنها لا تعرف عنه إلا القليل ، وابتسم قائلاً :
(اسمها كارا وهي في السادسة عشر من عمرها وكمثيرة الحركة
عفريته ولكن لطيفه ومرحه كالغزال البري ) .
( لا أعرف إلا القليل عنك وعن أهلك يا بول ) .
واستقرت عيناها على الندبة ، واستأنفت قائلة :
( مثلاً ، كيف جرحت ؟)
(آه ، هذه قصة طويلة ، ربما حكيتها لك ذات يوم، ولكن ليس هذا الصباح).
وابتسم وظلت عيناه جامدتين . وبدافع خفي نهضت دومني ،
ودارت حول المائدة لتقف بجانبه .
وأمسك بها في صمت . ثم جذبها وتأمل وجهها بعينيه ، هذا هو بول :
رددت ذلك لنفسها ، ودخل يانيس بعدها طرق الباب ،
وانتظر لحظة واحتقن وجه دومني وهمت بأن تفلت لكنه تمسك بها بدون حرج ،
بينما كان يانيس يسأل إذا كانا يرغبان استعمال الأقدام حتى مدينة لوو،
وسيتناولان غداءهما هناك.
وانحنى يانيس ، لكنه لم يستطع أن يحتفظ بجديته المعتاده عندما
وقع بصره على دومني بين ذراعي سيده ، وقد احتقنت وجنتاه بشدة .
واستطرد يانيس يقول :
( أمر آخر يا سيدي ، لم أستطع تنظيف الأريكة ، فمياة البحر والرمال أتلفت حريرها الرقيق ).
وابتسم بول وهو ينهض واقفاً وقال :
(لا تقلق يا نيس ، ربما تستطيع لينا تدبير غطاء مؤقت للأريكة .
وسأعوض أصحاب الفيلا تعويضاً مناسباً ، ثم أننا لن نبقى هنا أسبوعاً .
لقد أتصلت تليفونيا بالمسؤولين لتغيير موعد الحجز في الطائرة .
ستظهر إلى أثينا صباح غد ).
وكان لنظرة الدهشة في عيني يانيس صداها في عيني دومني عندما حدقت
في وجه بول وسألت :
( لماذا التغيير )؟
( لنقل أنه الحنين إلى وطني وبيتي - لا أستطيع الأنتظار طويلاً يازوجتي الصغيرة
قبل أن أريك جزيرة أنديلوس).
وربما كان صادقاً ، لكن دومني بدأت تعرف أنه عندما يكون
شارد التعابير ، فأما أنه قلق ، أو أنه يضيق بشيء ما .
وأحست هذه المرة بأنه قلق ولهذا الأمر صلة بها .
وبعد نصف ساعة بدأت مسيرتها إلى لوو .
كان يوماً شاقاً من أيام الربيع ، وأحست دومني وهي الشغوفه دائماً
بالحياة في الهواء الطلق ، بالتجاوب مع الجو ، ومع المنظر الطبيعية ،
وأيضاً مع الرجل الذي كان يسير بجانبها .
شعرت أنها عروس في ذلك اليوم ، وغمرتهما نظرات
أعجاب كثيرة وهما يدخلان المدينة ، ويتجهان إلى المصرف ،
كانا في طريقهما إلى استرداد الشيكات المزورة ،
وفكرت في الليلة السابقة ، محاولة العثور على هذه الشيكات
وإتلافها ، حتى تكون حرة في الهرب من ذلك الزواج .
وأختلست نحوه نظرة . كانت أشعة الشمس تنعكس فوق شعره الأسود المجعد.
وكان يضع نظارة شمس قاتمة على عينيه ، إذ كانت عيناه - كما أخبرها - لا ترتاحان
إلا في الضوء الخافت ، وكان يعاني صداعاً إذا لم يحجبهما عن الشمس
من وراء النظارة ظهر ذلك الغريب الغامض الذي اقتحم حياتها ،
وأرغمها على الزواج . ذلك الرباط الذي لن ينفصم إلا بمو أحدهما .
وبينما ذهب هو إلى المصرف ، تفرجت دومني على واجهة
محل لبيع التحف ، وبدافع خفي دخلت ، وسألت عن نقالة ورق صغيرة من النحاس
على شكل حيوان أشبه بحصان له قرن ..
أرادت أن تقدمه لبول ، لسبب أنثوي غريب !
وأقبل بول من المصرف ، في الوقت الذي خرجت هي من المحل .
وهرعت إليه ، وشعرها العسلي الكثيف يتطاير .
ومدت يدها إليه بالهدية قائلة :
( أنظر ، هل تروق لك ؟)
وابتسم قائلاً :
( هل كنت تبحثين لنفسك عن لعبة ؟ كم ثمنها ؟ سأدفعه ).
( لا يمكن ، هذه هدية مني ، سيبدو النحاس لامعاً جميلاً كعملة جديدة بعد أن أفكه ). أحقاً تقدمينها لي ؟) .
سكتت . ثم استطردت قائلة :
( أعتبرها هدية الزواج ، لا يمكنني أن أقدم شيئاً أغلى منها ).
همس بول :
( أنها هدية غالية لأنها منك).
وأعاد النظارة فوق عينيه ، فلم تستطع أن تقرأ فيها الأثر ،
ولكنها أحست من نبرات صوته أنه أحب هديتها الصغيرة .
وتراقصت ابتسامة على شفتيه وقال وهو يمد يده إليها :
( ها هي الشيكات يا دومني ، لكن أخشى ألا أستطيع أحراقها وسط الطريق ).
( إذن ننتظر حتى نعود للفيلا ).
وخفق قلبها بعنف ، كانت تريد أتلاف الشيكات بعيداً عن حياتها إلى الأبد .
لكنها أحست أن من واجبها أن تظهر لبول أنها نثق به).
وصاح هو :
( كلا ... يجب أن ننتهي من أمرها ).
وتلفت حوله ، ورأى سلة المهملات قريبة ، وبسرعة مزق الشيكات قطعاً صغيرة ،
وتطاير بعضها ، ولمحت خط دوغلاس عليها ، ولمحت أيضاً أسم بول .
وتناولا طعام الغداء في مطعم قديم ، ثم وجدا مكاناً منعزلا
على الشاطى الرملي ، تمددت دومني ، وتوسدت ذراع بول ،
وهي تنصت إلى هدير الموج ، ونبضات قلب زوجها الغامضة .
وأحست بالدفء يسري في كيانها . وأيضاً بالراحة ،
وهي في رفقة الرجل ، الذي تساءلت إذا كانت ستحقد عليه .
لأنه انتزعها من فردان ... ومن حياتها الوديعه .
وداعب شعرها وقال :
( دومني ، سأطلب منك أن تعطيني وعداً ، وسأتوقع منك الألتزام به ).
وحدقت في وجهه الذي بدا عابساً ، وأحست أنه ما زال غريباُ عنها . وسألت :
( ما نوع الوعد الذي تريده مني ؟)
( أن تبقي معي ، مهما يحدث بين اليوم والغد . عندما نترك
انكلترا لنذهب إلى اليونان ).
وانتفضت جالسة .. وازاحت شعرها إلى الوراء بعيداً عن عينيها وتنهدت وسألته في قلق :
( ما الذي يمكن أن يحدث يا بول ؟)
( ربما عدت إلى كراهيتي ثانية ).
وأمسكت بذراعة ثانية :
( أنك تخيفني يا بول ، لقد كنا سعيدين اليوم .. هذه السعادة يمكن أن تستمر ).
( من يمكن أن يتنبأ بالمستقبل ؟)
والتقط نقالة الورق الصغيرة الصغيرة وأخذ ينظفها من الرمال التي
علقت بها ، ثم عاد إلى القول :
( هل تعرفين إلى أي شيء يرمز هذا الحيوان الذي يشبة الحصان ).؟
وهزت رأسها بالنفي ، ولمحته عابساً شارداً فشعرت بأصابع باردة
تعتصر قلبها بمزاجه المفاجئ من دقائق كان يعانقها فوق الرمال ، والآن تعكر مزاجه وبدا مكتئباً ، وأعاد النظارة
القاتمة إلى عينيه ، وقال :
( هذا الحيوان يرمز إلى أكثر الأمور مراوغه في العالم ،
السعادة الحقيقية ، أنه مخلوق وهمي ، خيالي ، وكذلك شأن السعادة ،
مجرد وهم بالنسبة إلى البعض قد يمزقها الألم والكوارث ،
ولكن ذلك في الحقيقة لا يقضي عليها تماماً ،
وبالنسبة إلى البعض الأخر يوجد شق في الأساس منذ البداية ،
ولذا قد تتداعى أمام أول عقبة . وأساس علاقتنا به شق يا دومني
وكلانا يعرف ذلك .
وارتجفت لسماع كلماته ، بينما استطرد هو يقول واضعاً يده فوق يدها :
( يجب أن أخذ منك وعداً بأنك ستستمرين معي مهما حدث ).
وبدا كلامة غامضاً ، وشعرت أنه يئن تحت وطأة الشعور بالذنب ،
وذاب قلبها ونظراتها تستقر على الندبة التي لم يشأ أن يحدثها عنها وقالت:
( أنت زوجي في السراء والضراء . أننا لا نستطيع أن نحطم رابطة الزواج.
وأن كنا نستطيع أن نحطم أشياء أخرى .
( إذن فهذا وعد ؟)
( أنه وعد يا بول ).
وتنفس الصعداء - ثم أشعل سيكارة وكان لا يزال شارد ،
إذ ظل عود الثقاب بيده حتى أحرق أصابعه .
وأستمر دومني تراقبة ، وسرت عندما بدت عليه علامات الأرتياح
بعد قليل ، فجأة سألته :
( أنت لست يونانياُ تماماً ، أليس كذلك يا بول ؟)
واستدار في دهشة !
( كيف عرفت)؟
( من عينيك عندما أستطيع رؤيتها ، وأيضاً من تكوينك).
( جدتي أنكليزية ، ولكن ما دخل تكويني في كوني لست يونانيا مائة في المائة ؟
ألم يكن قدماء الأغريق طوال القامة ؟)
وابتسمت .. واقتربت منه بوجهها قائلة :
( وهل اخترت أن تتزوج انكليزية من أجل جدتك؟)
( ليس تماماً لكن في أية حال ، للانكليزيات سحر غامض ).
( تعني أننا لا نعرض بضاعتنا كلها في واجهة المحل )؟
وضحكت ووجدت أصابعها وأصابعة وسط الرمال ، وقال هو يلتهمها بعينيه :
( تمااً ، الرجل دائماً يتوقع منهن غير المتوقع ).
( هل عرفت كثيرات من بنات وطني يا بول )؟
( تراني أثرت بعض غيرتك )؟
( كلا )
وأطلقت ضحكة عصبية ، بينما كان هو يعتصر أصابعها بين أصابعة .
واقتربت من صدره ، وخبأت فيه وجهها خجلاً من الأحاسيس التي أستبدت بها
انبهار برجولته وتمتمت :
( يالك من متوحش )!
وضمها في قوه وقال :
( أن من يوصفون بالمذنبة ليسوا كذلك تماماً يا أسيرتي ،
لكن أمازلت أخيفك ؟ أما زلت في نظرك الرجل الجامد القاسي ؟
لم تكوني بالأمس خائفة عندما ضممتك ، وامتزجت نبضات قلبينا ).
همست في حياء :
( لا أستطيع لا أستطيع أن أتكلم عن ذلك ).
وألقى سيكارته فاستبدت بها أحاسيس عنيفه ، وفي
الوقت نفسه مخيفه وأحست أنها لا تستطيع أن تفهمه أبداً ،
أو أن تعرف القوى الخفيه التي تحركة ، وتجعله يتقلب بين الرقه والعنف .
ما الذي كان يريده منها ؟ الحب ؟ ولكن كيف كان لها أن تخبره بأنها تحبه ،
وهي نفسها لا تعرف حقيقة مشاعرها نحوه ؟
وعادا إلى الفيلا مع غروب الشمس ، وعند دخولهما الصالة ،
وقت بصرهما على مظروف أصفر بجانب الهاتف ،
كانت برقية يأسم دومني ، وفتحت المظروف بأصابع مرتجفه ،
وراقبها بول وهي تقرأها ، وعلى وجهه قناع غامض ، وعندما رفعت عينيها
أخيراً ، نظرت إليه من رأسه إلى قدميه ، وأحست كما لو كانت قد أمضت
الثماني عشر ساعة الأخيرة نائمة تحلم والآن استيقظت من جديد واستيقظت على الكراهية التي لم تقاومها إلا لفترة
محدودة .
وكان بول هو الذي بدأ الكلام ، قال :
( هذه البرقية من عمك طبعاً ).
وناولته أياها بدون أن تنطق . وقرأ :
( عرفت بأمر الشيكات من دوغلاس - اتصلت ببول هاتفياً ليلة أمس .
عودي يا عزيزتي ) .
وبصوت بارد قالت دومني :
( إذن اتصل بك عمي ليلة أمس ) ؟
( رغم علمك بأن دوغلاس أخبر والده بالأمر كله ، ورغم ذلك
جئت إلي و .. و ..
( لم أتعمد ذلك يا دومني ، وأعتقد أنه لا يجوز أن يصبح أحدنا
في وجه الأخر في الصالة .. أمام يا نيس وزوجته .
وأمسك بذراعها ورافقها نحو غرفة الجلوس وأغلق الباب ثم
أسنده بظهره وقال بهدوء :
( جئت إليك ليلة الأمس لأنك صرخت أثناء نومك ،
وكنت قلقاً عليك .. ولكن .. لو أنك رفضت وجودي لعدت إلى غرفتي .
أنك لم تصديني ولذلك . ولا يمكنك أن تنكري أنك نسيت كراهيتك لي ليلة الأمس ،
وأنك كنت لطيفة معي طوال هذا اليوم .
وأطلقت دومني ضحكة متوترة ، وتأملته أذ فقد سحره في عينيها وقالت :
( أردت أن تتمتع بلعبتك الجديدة ، بملكيتك ، وكان لك ما أردت . أنت قلت ذلك في هذه الغرفة ليلة أمس
وكان علي أن أفي بالتزاماتي الزوجيه سواء رغبت في ذلك
أم لم أرغب ).
ولا بد أنك مسرور لأنك نلت ما تريد بدون مقاومة .
( كلا يا دومني ، كلا ).
( لا تلمسني ، لا تلمسني و وإلا أصابني الغثيان من مشاعري
الحمقاء ، ومن أعتقادي لفترة أنني يمكن أن أتعلق بك ،
لا بد أنك طوال اليوم كنت تسخر مني !
عندما مزقت الشيكات ، عندما تركتك تقبلني فوق الرمال حسناً ،
إذا كان جسمي هو ما أردت ، أذن فلك ما أشتريت ، ولكنك بكل مال
الدنيا لا يمكن أن تشتري ثقتي أو حبي وزوجة بدونهما لا تعني شيئاً
يا بول ).
وتجمدت تعابير وجهه ، وبدا كما لو كان تمثالاً من حجر .
وقال :
( أحتفظي بحبك لنفسك هل طالبتك به مره؟)
( كلا ، ليس بالكلمات ، ولكن لا أعتقد أنك لست أنساناً حتى
تستمتع طويلاً بصحبة زوجة تكرهك . كيف تجرؤ يا بول على
حرماني من حرية الأختيار بين فردان وانديلوس )؟
( اليوناني وحده يستطيع أن يتحدى الأقدار ، ولو أني تركتك
ليلة أمس تتحدثين مع عمك ، لهربت إلى فردان ، إلى عمك ،
هل هذا كل ما تطمعين به في الحياة ؟ أن تظلي فتاة تقوم بكل الأعمال
في بيت ليس بيتها ، بيت مرهون حتى أخر جزء فيه )!.
( فردان بيتي ، ووطني ، أحب كل حجر فيه ، لا أستطيع أن
أشعر بذلك بالنسبة إلى بيتك ).
( ولكنك ستعيشين هناك معي ).
( لأنني أعطيتك وعداً ، ولن أنكث بوعدي ).
( شكراً ، يا دومني ) .
وتجمدت نظراتها وهي تقول :
( لا تشكرني يا بول ، لأنك ستندم فيما بعد على أنك جئت إلى
فردان والتقيت بي ).
وفتحت الباب ، واتجهت إلى السلم . كانت تنتفض انفعالا
وشعرت بالضعف وهي تصعد الدرجات ، واضطرت أن تستند
على سياجها ، وتنفست الصعداء ، عندما وصلت إلى حجرتها ، واستلقت فوق سريرها
ودفنت وجهها في الوساده ولم تستطع البكاء تجمدت الدموع في عينيها .
وشعرت بثقل خاتم الزواج في إصبعها أشبة بالقيد الذي يربطها برجل بلا قلب .
رجل أرغمها على زواج لا حب فيه تحدث عن الشق الموجود في
نسيج علاقتهما وقال أن أول عقبة يمكن أن تحطم هذه العلاقة ...
كان يعرف أنها لن تغفر له خداعه وسخريته من تقتها به ليلة الأمس .
وسرت رجفة في أعماقها وهي تتذكر الكلمات التي همس له بها :
( أترك ذراعيك حولي يا بول .. ودعني أنام هكذا ).


انتهى الفصل الثالث

🔥شهر عسل مر 🔥فيوليت ونسيبر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن