٢-اي حب........

118 6 0
                                    

- أي حب؟

بهذه الكلمات أطفأ بول بريق الأمل في قلب دومني التي وقفت في مواجهته بدون أن تحس الغضب في ضغط يديه فوق كتفيها , كان يجب أن تدرك أنه ما كان ليترك أمامها منفذا للهرب – لقد دفع فيها ثمنا غاليا ولم ينل بعد المقابل.
ووقفت بدون حراك , بينما أخذ هو ينقل بصره متأملا الدموع التي أنسابت على وجنتيها الشاحبتين ,وشعرها العسلي الغزير الذي تجعدت أطرافه بتأثير الحمام , وتهدلت خضلاته فوق كتفيها العاريتين , فبدا في أنسجام آسر مع البشرة البيضاء الضافية.
ولاحظت دومني رجفة على ركن فم بول , ثم أسدلت جفنيها وهو يرفعها بقوة , ويحملها الى غرفتها ولم يتركها في الحال , بل وقف يتأملها ثم همس :
" أن نظرة البساطة يمكن أن تخفي متاهات معقدة".
وعاد يتفحصها , ثم قال:
"لا بد أنك تكرهيني للغاية يا صغيرتي حتى تثيري غضبي ببعثرة حاجياتي في أرجاء الحجرة , أنك تستحقين صفعة على ذلك".
" سأعيد ترتيب كل شيء".
" بل سترتدين الآن ثيابك".
وسمعته يطلق ضحكة هادئة وهو يتركها تقف على قدميها ويقول:
" دومني... لا تحاولي الهرب مني أبدا سوف أمسك بك دائما , وسأحتفظ بك طالما أن ذلك يسرني".
واحست بالتهديد يسري من أطراف أصابعه الممسكة بها الى أعمق أعماقها , ثم أنصرف الى حجرته وأغلق حلفه الباب بهدوء.
ذهب ليعيد ترتيب أوراقه وحاجياته التي ألقتها على الأرض لكن بعد ما نجح في أن يشعرها بالخجل من تصرفها , فأضاف بذلك وقودا الى النار التي كانت تحس بها وهي تبدأ في أرتداء ملابسها.
وأختارت الثوب الأزرق المغطى بالأورغانزا البيضاء , وكان هدية من صديقة تدير محل أزياء في الوست أند في لندن , كان طرازا رائعا , وكانت دومني تعرف أن الخوف من بول هو الذي دفعها الى أختياره لعشاء العرس معه , أن بعثرتها غرفته أغضبه بشدة ,وشعرت أنها بظهورها في هذا الثوب الذي يمتزج فيه الأزرق مع الأبيض , تستطيع أن تحمي نفسها من هذا الغضب الذي يجعل منه عاشقا مرعبا!
وكان القرط المحلى باللؤلؤ والياقوت ما زال في العلبة على مائدة الزينة , لكنها عندما عثرت على المشبك بجانب ركن السرير , أكتشفت أنها لا تستطيع أرتداءه هذه الليلة بالذات , وأرتدت بدلا منه العقد اللؤلؤي الذي ظهرت ظهرت به مع ثوب الزفاف والذي كان ملكا لأمها , وشعرت بشيء من الراحة ,والشجاعة أيضا.
وأختارت عطرا فرنسيا , ثم تأملت نفسها في المرآة طويلا , رأت عينين حزينتين لأمرأة تزوجت , لتنقذ كبرياء أسرتها,لن تحظى في هذا الزواج بالتقارب والتفاهم , لن تستمتع ببهجة أو بمودة.
وبأعصاب مرتجفة كجذور منزوعة من أرضها غادرت غرفتها في طريقها الى عشاء عرس كئيب , ولمحها بول عندما ظهرت على قمة السلم , وألقت نحوه نظرة جانبية لتعرف هل ما زال حانقا عليها , وطمأنتها أبتسامته التي سخرت من مخاوفها , وصعد اليها , وشعرت بخفقة في قلبها وهو يقول لها:
" تبدين كملاك في هذا الثوب .... وأشعر أنك ستتلاشين فجأة وراء سحابة , وتتركينني وحدي".
ورمقته بفضول وهما يدخلان حجرة الطعام , ولأول مرة تساءلت أذا كان تزوجها رغبة في رفقتها وليس لجمالها فحسب .
وفي بدلة السهرة , كان خلابا أكثر من أي وقت مضى , شعرت به عملاقا أغريقيا في قميصه الحريري وسترته السوداء ,ولم تكن هي ضئيلة لكن طوله الفارع جعلها تعاني ذلك الأحساس.
وفجأة داهمها الشعور بأنه يقاسي الوحدة , أنه غني , ووسيم , وجذاب الى حد الروعة , لكن هذا الرجل كان وحيدا وغامضا , وهي أصبحت زوجته!
ولم تكن دومن ذاقت طعاما طوال اليوم , وشعرت فجأة بالجوع ويانيس يضع أمامها طبقا من المحارات الشهية , وهمست:
" يبدو لذيذا".
ومنحت يانيس أبتسامتها الحلوة , أبتسامة لم تمنحها الى بول قط , الذي لم تتنبه الى أنه كان ينظر اليها وهو يفتح الزجاجة ,وفرقع غطاء الزجاجة , وفار السائل الذهبي , وأنسكب على جوانب الزجاجة , وغمس بول أصبعه ومسح بها خلف أذن دومني , وقال مازحا في شيء من السخرية وهو يملأ كأسها:
" هذا يجلب لك الحظ يا دومني".
وجلس أمامها , وملأ كأسه هو الآخر , ثم رفعها مرددا نخبا باليونانية , فسألته دومني دون أن ترفع رأسها عن الطعام:
" هل يمكن أن أعرف معنى ما قلت؟".
" قلت أن في كل كعكة زواج , الأمل هو أحلى ثمرة".
وحينئذ رفعت بصرها , ولمحت ضوء الشموع يسكب ظلاله عل صدغيه وجبهته ذات الندبة , وسمعته يقول:
" مما يدعو للأسف أن أحدنا لم يعرف الآخر بما فيه الكفاية , فلو كانت الفرصة أتيحت لنا للرقص والنزهة لساعدك ذلك على أن تكوني أقل خجلا معي , لكن لا حيلة لنا في الأمر , كانت لدي أعمال هامة هنا في انكلترا أستغرق معظم وقتي ,وهذه الأعمال هي التي أتت بي على غير ما توقعت".
وشعرت برجفة تسري ف كيانها , لأن وصوله غير المتوقع الى أنكلترا , كان أول خيط في نسيج الورطة , التي تعيش الآن دوامتها , فلم يكن هناك وقت لدى دوغلاس ليغطي وعجزت هي عن أن ترى أبن عمها الضعيف الجذاب , محكوما عليه بالسجن لحماقته.... تمنت فقط أن يستوعب الدرس ... ولو على حسابها !
وأنتهيا من تناول الطعام , وأقبلت زوجة يانيس تقدم القهوة , كانت سمراء متحفظة , تجري في عروقها الدماء الرومانية , وقدمت لدومني هدية صغيرة , فرحت بها , حتى أنها نسيت برهة أنها ليست عروسا عن حب- كما كانت لينا وزوجها يظنان – وكانت الهدية عبارة عن سلة صغيرة من المعدن والزجاج مليئة بالتفاح المسكر . وأبتسمت دومني قائلة:
" أنها جميلة للغاية وغير عادية كم هو لطيف منكما!".

🔥شهر عسل مر 🔥فيوليت ونسيبر Where stories live. Discover now