فطائر على الرصيف

13 2 0
                                    

#فطائر_على_الرصيف 🌾

في زاوية منعزلة على ذاك الرصيف المقابل للشارع الذي يعج بالمارة، اتخذت حليمة مكانها الذي كان ملجأ لها من غدر الزمن، تصارع فيه الغروب حتى تعود غانمة وإن لم تكن تسلم وهي بين أحضانه من لسعة البرد وحرارة الشمس... فما كان لها سقف سوى السماء ترفع عينيها إليها كلما ضاق بها الحال....ببريق رغبة يائسة تعرض سلعتها التي صنعتها بيديها.... لتملأ أفواها جائعة مقابل دريهمات تقيها الحاجة والسؤال....سلعتها تلك لم تكن سوى فطائرها الشهية وهي تعدها بكل حب وسخاء...

هي حليمة الأرملة متوسطة العمر أخذت الأيام من جمال ملامحها كما سلبتها أحلامها بموت سندها...تعودت أن تقوم في ساعة مبكرة والكل نيام... والليل مازال لم يعلن انساحبه بالمرة ويزيح ستاره المظلم على الحياة....على رؤوس أصابعها تمشي باتجاه المطبخ خوفا أن توقظ ابنها وابنتها من أحلامهما الجميلة التي قد يحيونها هناك في عالمهما البريء....

تخبز فطائرها رفقة هدوئها، وضوء خافت تعمدت أن تجعله كذلك، حتى لا تصدم بمبلغ يُنْتَزَعُ منها في آخر الشهر بعد محاولة بكل السبل توفيره وادخاره ليوم أسود...كل حركة كانت تقوم بها وهي تعجن أو تخبز فطائرها الشهية تهدي معها حبها... وقد شعرت بلذة وهي تعمل دون ملل أو كلل مما زاد في بركة ما تصنعه من فطائر....

هذه هي حليمة ما أن تنتهي من عملها حتى تأخذ فطائرها تلك إلى ذاك المكان على الرصيف... حيث تظل جالسة لساعات طويلة..... قد تصادفها أحيانا سحابة سوداء حاملة معها رياح عاصفية وزخات مطر.... تجعلها ترتعش كريشة... ودون أن تأبه لنفسها تعمد إلى لف فطائرها بقطعة بلاستيك تحتفظ بها لهذا الظرف من الزمان..حتى لا تتبلل فطائرها الشهية وتفسد...تظل على ذلك الحال إلى أن يقترب موعد العشاء...ثم تعود مسرعة ومعها ما يكفيها لابنها وابنتها....

لم تكن تظن أن حياتها سوف تنقلب بالمرة لتجد نفسها تقف لها بالمرصاد .... فهي لن تنسى ما حدث لها يومها... فما كادت تأخذ مكانها على رصيفها كالمعتاد حتى طلبوا منها أن تفرغه وتحمل فطائرها معها...لقد منع البيع على الأرصفة. ... ماعاد مكان للبائع الفقير بين التجار الكبار...كاد أن يغمى عليها لولا أن شدت على يدها صديقتها فاطمة قائلة :

- لا تحزني فسيفتح الله لنا بابا آخر نسترزق منه...

اجبتها:

_كيف ذلك أختي؟ ونحن لا نملك سوى تلك الصنعة ...

فاطمة: الأفضل أن تخبزي وتبيعينها في بيتك....تأكدي أن زبائنك سيسألون عنك ويأتون عندك ليطلبوا فطائرك.

عادت إلى بيتها تجر أذيال خيبة هذا المساء بتفاصيله الحزينة وأحداثه التي اصطدمت بها فجأة.... كيف لهم أن يشرعوا قوانين تقضي المنع دون إيجاد البديل ؟...تلك الليلة نامت ، ودمعتها أبت أن تنزل بعد أن تحجرت... وكأن الصدمة جعلتها أصلب أكثر، لتواجه مصيرها...فحليمة لن تيأس مادامت تعرف كيف تحول حبة قمح إلى فطيرة شهية تتهافت عليها أفواه...

#سميا_دكالي

خواطر (تابع)Where stories live. Discover now