3- WHATEVER IT TAKES

1.2K 86 41
                                    

الخميس:


نيويورك سيتي، نيويورك
مبنى 26 فيدرال بلازا، الطابق الثالث والعشرين
قسم المخابرات الفيدرالية




-"هذا.. هذا رائع!"
تكلم السيد كارل بحماس طفولي مناقض لرتبته كمساعد مدير فيدرالي وهو يحدق بالصور التي بين يديه، سرعان ما أكمل بابتسامة وهو يحدق بالرجل الجالس بجانبه "كما هو متوقع من ابنتك آندي، هذا الشبل من ذاك الأسد"

-"انها لبؤة، لا تشبهها بالذكور لأنها أقوى من مئة واحد" سرعان ما رد آندي، والدي، بانزعاج وعفوية جعلتني ابتسم باتساع بينما ارتاح بجلستي أكثر واضعة ساقاً فوق الأخرى، كارل على الجهة الأخرى رمقه بسخرية لأنه هكذا لا يهين أحداً سوى نفسه.

بالرغم من ذكاء والدي الشديد، إلا أنه يمكن أن يكون غبي جداً في بعض الأحيان.

حالياً كنت أنا، والدي وصديقه كارل جيسي جالسين في مكتب مدير الاستخبارات الفيدرالية (والذي يكون والدي، آندي). كان الاثنان يلقيان نظرة على الصور التي التقطتها خلال هذا الأسبوع لأحد أصحاب الياقات البيضاء الفاسدين. الرجل بالصورة الأولى كان واضحاً انه يقوم بعملية رشوة، بالصورة الأخرى كان يشتري المخدرات والاخيرة كان فيها يتكلم مع عضو من الكونغرس... لماذا؟ بالتأكيد لتغطية أعماله القذرة مقابل المال.

هؤلاء كانوا أكثر نوع من الأشخاص الذين أحب تصويرهم بعدستي..

بالنسبة لوالدي فإن هذه الصور تعتبر دليل لا يقدر بثمن لإثبات تهم الفساد تجاه المجرمين الذين يتحرى بأمرهم، ولو اكتشفوا أنني من التقطت الصور حينها سيفعلون أي شيء للتخلص مني، كانت تلك مهمة انتحارية لم يطلبها مني احد لكن انا فتاة تعيش في الخطر وحرفياً إذا لم أجد المشاكل فإني اخرج باحثة عنها. وبما أنني احب التصوير فلا مانع عندي من مساعدة العدالة بمهاراتي الخاصة.


-"كيارا، يجب أن تعملي لدينا، فكري بهذا ملياً" تكلم كارل وهو يستقيم واقفاً بينما عيناه تحدقان بي وكأنه يتوسلني للعمل لديه، ابتسمت له بدون أن ارد عليه بينما والدي استرخى بمقعده وأشعل لنفسه سيجارة بينما يده الأخرى كانت تشير بحركة كسولة لكارل حتى يخرج من المكتب.

عم الصمت لثلاث ثواني بعد خروج كارل كنت خلالها اتفحص صور الكاميرا التي بين يدي ووالدي يراقبني بهدوء بينما يدخن، لم احتج لرفع رأسي حتى أعلم بماذا يفكر أو بم سيقوله تالياً

-"متى ستتوقفين عن أخذ هذه الصور، كيارا؟"

رفعت رأسي وحدقت بملامحه الباردة التي تخفي قلقاً كان واضحاً بالنسبة لي، حدقت به بابتسامة مستمتعة محاولة عدم الضحك "إلى أن يمسك بي زعيم مافيا سادي ويطعمني لكلابه حية، لكن مع ذلك سأحرص وقتها على ألا أموت تماماً الا عندما ابعث كل تفاصيل وفاتي على شكل صور عالية الجودة حتى تستطيع اعتقاله"

للحظة حدق بي والدي ببرود قبل أن يتنهد بيأس ويشعل لنفسه سيجارة أخرى وهو يدمدم بلعنات من بين شفتيه وهذا جعلني اضحك بصوت عالي مستمتع.

والدي كان عائلتي الوحيدة، بعد وفاة والدتي بسبب ورم خبيث كان هو الوحيد الذي اعتنى بي كأم وأب بنفس الوقت، من دون أن يمنعه ذلك من أن يرتقي بعمله ليصبح مديراً للاستخبارات الفيدرالية هنا في نيويورك، ومن دون أن يمنعه ذلك من أن يسبب لي عقدة نفسية بسبب طريقة تربيته لي، وعندما أصف علاقتي مع أبي،، حسناً،، أظن أننا أقرب لصديقان يتشاركان كل شيء ويتفاهمان جيداً، كان متقبلاً لكل شيء حرفيا...

عدا تهوري.

هو لم يقل ذلك صراحة لكني أعلم ذلك من تصرفاته، كما أنه عائلتي فإنني أيضاً عائلته الوحيدة وهو لا يريد خسارتي بسبب تصرفاتي المتهورة، لكن هذا صعب كوني ورثت جيناته العزيزة، لقد كان والدي متهوراً اكثر مني عندما يتعلق الأمر بجرائم أمن الدولة.

-"إذاً..." أطفأ والدي سيجارته بعد لحظات واعتدل بجلسته،  وضعت بدوري الكاميرا على سطح الطاولة وأعرته انتباهي عندما أكمل هو بحاجب مرفوع "ماذا حصل لرحلتك إلى فيجي؟ اليوم موعد ذهابك صحيح؟"  كلامه جعلني أقطب حاجباي بتساؤل

رحلة؟

أوه تباً...


اتسعت عيناي تدريجياً بذعر وعندما استوعبت ما يحصل تماماً استقمت واقفة بسرعة، نظرت ناحية ساعتي وصرخت بذعر لاارادياً قبل ان ألعن أمريكا بصوت مرتفع جعل والدي يرمي ناحيتي ختمه الرسمي الثقيل بكل قوته.

-"لا تخبريني أنك نسيت أمر رحلتك؟" تكلم والدي بملل وعاد يرمقني بسخرية

-"لا.." وضعت حزام الكاميرا حول عنقي باستعجال وأغلقت سحاب سترتي الرياضية "كل ما في الأمر أنني كنت ذاهبة للمطار هذا الصباح وتوقفت عندما شاهدت هذا الرجل الثري الأحمق يشتري مخدرات في أحد الزقاق و.." توقفت للحظة عن الكلام لأرتدي حقيبتي، أمام مكتب والدي كان هناك علبة دونات مفتوحة توجهت إليها ووضعت واحدة في فمي تحت نظرات والدي التي على وشك خنقي

-"كنت على وشك تفويت موعد طائرتك بسبب التقاط صورة؟ حقاً كي.." توقف عندما انحنيت مقبلة وجنته قبله سريعة -مع الدونات بين شفتي- قبل أن استدير وأغادر مسرعة مع ابتسامة عريضة

-"هذه اللبؤة من ذاك الأسد! وداعاً وأراك بعد عطلة الاسبوع.." أغلقت الباب بدون أن استمع رده وأسرعت خطواتي ناحية المصعد، توقف بعض الموظفين ليحدقو بالشيء الذي يركض كالمجانين مع شعر مجعد طائر وفم محشو، اظن أنني بدوت تلك اللحظة أشبه بجون سينا أو أحد المصارعين الثائرين

لكن هذا لم يهمني تلك اللحظة لأنني كنت منشغلة بشيء آخر..

جزيرة فيجي.. أنا قادمة!


※※※※※※※※※※※※



إيطاليا، روما
فندق روم كافالييري وولدورف

في جناح الفندق، ارتكز فيشوت باسترخاء مزيف على الجدار المقابل لباب المكتب وبدأ يدخن سيجارته بهدوء بينما يتناهى لمسامعه أصوات تحطيم مرعبة تنبعث من داخل مكتب زعيمه وصديقه: داريوس أمانيتي. رجل عاقل في مكانه كان سيعرف خطورة الأمر ويذهب لكنه ليس عاقلاً طبعاً ولهذا بقي واقفاً أمام الباب، لقد أصبح منذ زمن معتاداً على نوبات غضب داريوس ولو انها هذه المرة كانت شديدة أكثر.

-"بوقوفك هنا فأنت في عداد الموتى، هل لا زلت تريد التكلم معه؟"

التفت فيشوت وحدق بصديقه الثاني، ماركوس، والذي كان يحدق به ببرود وهو يكتف يديه إلى صدره، ابتسم له فيشوت بمرح وأومأ برأسه ثم عاد يحدق بالمكتب الذي توقفت فيه الأصوات عن الخروج ليعم بعدها صمت مريب

-"إما أنه مات أو أن جميع الأثاث قد تحطم" تكلم ماركوس ببرود وهو يرتكز بجانب فيشوت ويحدق أمامه بضجر، ضحك فيشوت بمرح وهو يمد له سيجارة بدون أن يرفع نظره عن الباب.

-"لكنه ليس بخير صحيح؟" قالها بملامح جدية وقد اختفت ابتسامته لتظهر أخيراً ملامحه القلقة، تنهد ماركوس بعمق لكنه لم يجيب، لقد كان ماركوس يعرف داريوس منذ الطفولة وبالنظر لتطور حالته من سنة لأخرى فهو يستطيع القول بأنه ليس بخير أبداً هذه الأيام. لكن لا، على من يكذب، هو لم يكن بخير منذ حادثة إطلاق النار تلك...

قوطعت أفكاره فجأة عندما فتح باب المكتب بعنف ليظهر خلفه رجل بوجه ذو قسمات حادة وتعابير لامبالية، عينان ايطاليتان داكنتان، ولو أنهما لم تعكسا دفء إيطاليا، كان جالساً على كرسي متحرك بالرغم من مظهره الشاب مما يخبر بقصة طويلة مخبأة خلف الستار.

-"لا تتكلم الآن فيشـ..." همس ماركوس بحذر عندما شاهد تعابير داريوس المميتة وهو يحدق بهما لكن فيشوت وكونه فيشوت فقد ابتسم بمرح لداريوس متجاهلاً ماركوس وتقدم منه بخطوات صغيرة

-"مرحبا داريوسي هل فكرت بشأن ذهابك للجزيرة.... كنت أمزح!" صرخ فيشوت بذعر ورفع كلتا يديه بالهواء بعدما شاهد داريوس يخرج سلاحه لكن الاخير لم يعره أدنى اهتمام وبدأ يحرك عجلات كرسيه باتجاه الخارج بينما يداه تتفحصان السلاح الذي بين يديه، تبعه ماركوس ومشى بجانبه بينما فيشوت لعن نفسه ماسحاً وجهه، كل ما كان يريده هو أن يذهب داريوس لمكان هادئ لتنقية عقله من كل هذا العالم المسموم، وبالصدفة أخبرته حبيبته عن جزيرة تقع في إقليم نيوزلندا وأستراليا تدعى فيجي وهنا قرر فيشوت تجربة حظه مع داريوس عله يستمع له، وماذا كانت النتيجة؟ لعن نفسه مرة أخرى ولحقهما أخيراً بخطوات مسرعة حتى أصبح يسير بمحاذاتهما، رمقه داريوس بطرف عينه بسخرية ثم تحدث بملل موجهاً كلامه لماركوس

-"صفقة الأسلحة القادمة، أخبر هؤلاء الروس أننا لن نعقدها في إيطاليا.."

رمق ماركوس فيشوت بطرف عينه ليجده يحدق به هو الآخر بنفس نظراته المتسائلة قبل أن ينقل الاثنان نظرهما ناحية داريوس بتساؤل

-"ليس في إيطاليا؟"  ابتسم داريوس باستمتاع وقد تغير مزاجه كلياً، ربما يفوز بجائزة اكثر شخص متقلب مزاج في العالم لكن هذا كان يجعله مرعباً اكثر من وجهة نظر أصدقائه اللذان كانا يحدقان به بترقب، أوقف داريوس كرسيه المتحرك فجأة، استرخى بجلسته ورفع رأسه للأعلى محدقاً بهما بابتسامة مستمتعة بينما عيناه كانتا تلمعان بذاك الغموض المخيف

-"ستكون في فيجي..."



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الجمعة:


-"جزيرة فيجي هي جزيرة استوائية ذات مناخ رطب تقريباً تقع ناحية أستراليا وتتكون من تشكيلة سكانية.....هذا ممل"

رميت النشرة التعريفية في أحد زوايا الغرفة واتجهت ناحية خزانة ملابسي بخطوات سريعة مخرجة ملابس سباحة وردية قمت بارتدائها على عجل، يجب أن احرص على أن احصل على اسمرار من هذه الرحلة لأني سئمت من بشرتي البيضاء الشاحبة هذه، هذا أهم ثاني سبب جئت لأجله بعد كل شيء.

السبب الأول كان عائلة والدتي، أنا نشأت في بروكلين مع أمي وأبي لكنني لم أعرف عائلة والدتي يوماً، كل ما عرفته انهم كانوا من منطقة ساحلية لكنهم أبداً لم يحاولو التواصل معنا والتحدث إلينا، ولا نحن أيضاً... ومع أن كلا والداي قاما بنفي الأمر إلا أنني اعتقدت أن أمي تزوجت والدي بدون ارادة أهلها، وإلا لماذا لن يرغبو بالتواصل معها او مع عائلتها الجديدة؟؟

حسناً هذا على الأقل ما كنت مقتنعة به حتى اكتشفت الحقيقة وهي أن عائلة والدتي لم تكن تريد أن يتم توريطها بقضايا كون والدي ذا منصب مرموق بالشرطة الفيدرالية، وهذا من حقهم لأنني لن أنفي حقيقة أننا قد نتورط بسبب عائلات المجرمين وحلفائهم وقد يموت أشخاص عزيزون على قلبنا، اجل كان ذلك عملاً مخيفاً لكنه جميل مع ذلك، لست نادمة أن والدي مدير مخابرات.. ولا بمقدار ذرة. 

منذ أسبوعين قامت جدتي بمراسلتي وأخبرتني أنها ترغب بمقابلتي ودعتني لقضاء نهاية الأسبوع هنا في مسقط رأسها (جزيرة فيجي) وأنا كنت متشوقة للقائها لدرجة أنني لم اكترث فيم لو كانت تريد مقابلتي لأنها على فراش الموت أو غيرها من الأسباب.

حدقت بنفسي بالمرآة بعد انتهائي من ارتداء البكيني، كان اللون الوردي الغامق ملائماً مع بشرتي البيضاء الشاحبة والتي سأحرص على جعلها برونزية مهما كلف الأمر، تركت شعري البني الفاتح المجعد منسدلاً وربطت منديلاً حريرياً ابيضاً حول خصري، ارتديت حقيبة صغيرة تحتوي على مستحضرات سأحتاجها على الشاطئ وأخيراً ارتديت حزام الكاميرا حول رقبتي، في لحظات كهذه شعرت بندم شديد لأنني لم أحضر صديقتي معي، ليس لأنني سأشتاق لها لكن لأنه لا يوجد أحد ليلتقط لي الصور.. مع ذلك سأحاول ان التقط صوراً لنفسي فأنا خبيرة بذلك بعد كل شيء.


خرجت من الفندق مع نظارات كبيرة وقبعة على رأسي، مثير للسخرية أنني ارتدي البكيني حتى أحصل على سمرة من الشمس بينما ارتدي قبعة حتى أحمي نفسي من الشمس...

أجل، والدي ليس الوحيد الذي يمكن أن يكون غبياً في بعض الأحيان

فور أن شعرت أنني فوق الرمال قمت بخلع حذائي واتجهت راكضة ناحية الشاطئ مع الكاميرا التي بدأت تلتقط صوراً لكل شيء، لقد قمت حتى بتصوير نملة كانت تمشي على تلك الرمال.

لم التقط صوراً كثيرة لنفسي، أردت التقاطها عند الغروب لأن الأشعة وانعكاسات الألوان في السماء ستشكلان عندها منظراً رائعاً وخلفية مميزة لي، لذا قمت بوضع الكاميرا جانباً و تمددت تحت أشعة الشمس، ربما من الآن حتى موعد الغروب سأكون قد التقطت بعض الاسمرار الذي أحلم به، ربما سأصبح أخيراً مثل جينيفر لوبيز أو بيونسيه بتلك الأجسام البرونزية المثيرة... وبهذه الأفكار قمت بإغلاق عيني مع ابتسامة خفيفة تحت أشعة الشمس الاستوائية.



※※※※※※※※※※※※



لتلتقط لنفسك صورة يجب أولاً أن تبحث عن مكان هادئ، جميل، مؤثر، وأخيراً منعزل. ولهذا كنت الآن أدور حول الجزيرة في محاولة لإيجاد بقعة فارغة، بدون أن أنسى التقاط بعض الصور للأماكن التي أمر بها.

-"سأذهب لرؤية جدتي غداً واقضي بقية الأيام هنا.." همست لنفسي وانا احدق بجسدي الذي لا زال كما هو، توقعت مع نهاية اليوم أن اكون مثل جينيفر لوبيز لكن يبدو أن احلام اليقظة هذه يجب أن تتوقف لدي لأن هذا يحتاج سنة كاملة تحت الشمس وليس ثلاث ساعات.


تباطئت خطواتي أخيراً عندما استدرت جانباً لأجد أخيراً منطقة خالية، في نفس الوقت كانت الشمس مقابلة لي تماماً وقد أصبح أكثر من نصفها مختفياً في البحر بينما أشعتها متعددة الألوان كانت تنير الجو، للحظة فقط توقفت أحدق في هذا المنظر، كان هذا مهيباً، مسالماً، وعميقاً. في تلك اللحظة تمنيت لو أن والدي معي، هو وأمي يقفان بجانبي ليشهدا هذا المنظر، والأهم ليصنعا معي ذكرى جميلة أرغب بها بقوة.

رفعت أصابع يدي ومسحت بضعة دموع كانت قد سقطت على حين غفلة، لقد ماتت أمي في وقت كنت في أمس الحاجة فيه لأم، لم أكن تلك الفتاة التي تبكي، شاهدت حوادث وفاة أمامي ولم أبك مع ذلك، لكن كل ما في الأمر هو أنه بتلك اللحظة تدافعت ذكريات كثيرة لرأسي، خيبات كثيرة وانكسارات كثيرة، في تلك اللحظة فقط أردت البكاء، أو بالأحرى شعرت أنه يمكنني أخيراً فعلها في هذا المكان المسالم.

رفعت الكاميرا وقمت بتعديل وضعيتي لالتقط الصورة المثالية للغروب من وجهة نظري قبل أن اتوقف مجدداً للمرة الثانية، أبعدت الكاميرا بلطف وحدقت أمامي بصمت، على بعد أقدام بجانب الشاطئ تماماً كان هناك رجلان واقفان بملابس شاطئ عادية، بينهما رجل ثالث يجلس على كرسي متحرك، لم أر ملامحهم لأنهم كانو يواجهون البحر، لكن من تلك الوقفة الصامتة فكرت بأنه ربما يشعرون الآن بما شعرت به قبل لحظات.. ابتسمت بخفة ورفعت الكاميرا ملتقطة لهم صورة، لقد كانت وضيعتهم تستحق ذلك، حدقت بالصورة التي التقطتها ورفعت رأسي مجدداً لأجدهم قد بدأو بالتحرك متجهين ناحية تلك الغابة الاستوائية المقابلة، تمكنت من إلقاء نظرة على ملامحهم أخيراً، حتى بالرغم من بعدهم عني إلا أنني أستطيع أن أقول بوضوح بأنها ملامح موتى.

رفعت الكاميرا والتقطت صورة أخرى لهم، لربما سيبتسمون لو قمت بعرض صوري عليهم، ابتسمت لنفسي على هذه الفكرة قبل أن اقفز بمكاني بحماس، أحب فعل هذه الأشياء التي تجعل الآخرين يبتسمون، كنت افكر دائماً بأنني حتى ولو كنت مجروحة فإن هذا لا يعني أن اقوم بجرح الآخرين أو اعتياد رؤيتهم هكذا.


رفعت يدي لأوقفهم لكن أحداً لم يلتفت لي، وهنا قررت أن اتبعهم لداخل الغابة وذلك لسبب آخر وهو أنني أريد أن التقط لنفسي بعض الصور أيضاً بداخل الغابة مع أشجار النخيل تلك.


توقفت في منتصف الطريق عندما شعرت بالمنديل حول خصري يسقط، رفعته وربطته بقوة مرة أخرى، عدلت حقيبتي ثم تابعت المشي لداخل الغابة بخطوات أسرع بعدما انتبهت إلى أنهم اختفوا عن نظري، توقفت مرة أخرى عندما انتبهت إلى أنني لم ارتدي حذائي لكنني هززت رأسي مرة أخرى وتابعت للأمام، كان الجو قد بدأ يصبح مظلماً أكثر فأكثر، ومع تلك الأشجار فقد كان الظلام يحل بصورة أسرع بداخل الغابة، كان هذا مخيفاً لكن معرفتي بوجود رجال آخرين جعلتني مطمئنة بعض الشيء.


أجل أجل يجب أن أكون خائفة لأنهم ثلاث رجال والظلام بدأ يحل وأنا فتاه جميلة لا ترتدي سوى البكيني، لكن نقطة ضعفي لم تكن هم، أنا أجيد الكاراتيه بالفعل واستطيع التغلب عليهم بسهولة. إنما كانت نقطة ضعفي الحيوانات: كنت خائفة من أن تخرج لي حشرة سامة أو قرد ما بأية لحظة. هذا كل ما كنت خائفة منـ...

-"سيرجي، مر وقت ها؟"

-"أمانيتي، مسرور لرؤيتك"

توقفت عن السير والتفكير عندما تناهت لمسامعي تلك الأصوات الرخيمة، بحذر قمت بالالتفات ناحية الأصوات قبل أن أبدأ بالسير بخطوات حذرة باتجاههم، لا أريد أن يصابوا بالذعر لو ركضت ناحيتهم فجأة لذا قمت بالتزام الهدوء في سيري، حتى تلك اللحظة التي تكلمو بها جاعلين  إياي أتوقف مجدداً

-"آر بي جي عدد ثلاثة؟ بندقية إم كيه 11؟ بماذا تفكر يا رجل؟" بدأ أحدهم والذي أظن أنه سيرجي بالتكلم، قطبت حاجباي بخفة، آر بي جي.. أليس هذا سلاح قوات الجيش؟ بندقية إم كيه.. أليست هذه بندقية قنص؟

مهلاً... لحظة...

أسلحة؟

اتسعت عيناي عندما بظرف ثوان فهمت ما يحصل، هل هذه صفقة أسلحة؟ أسرعت خطواتي ناحية مصدر الصوت مستخدمة تدريبات والدي لي في التسلل حتى لا أثير أي انتباه، توقفت خلف شجرة وأرجعت شعري خلف اذني حتى أتمكن من الرؤية بوضوح، يداي تشدان بكل قوة حول الكاميرا بين يدي.

-"أنت قم بتسليم البضاعة سيرجي، ولا تهتم طالما الأمر لا شأن له بروسيا أو بعائلتك.."

تلك النظرة التي اختلستها ناحية الرجل الذي كان يتكلم جعلتني اتجمد بمكاني... فقط.. مستحيل..

الرجل المشلول؟!
أعني.. بحق يسوع والقديسين!


لعدة ثوان وقفت فقط أحدق به هو ورفاقه الواقفين بجانبه قبل أن أصر أسناني بقوة، هل التقطت صورة له؟ لواحد مجرم؟ هل كنت أريد رسم الابتسامة على وجه مختل سيكوباتي؟ عضضت شفتي بقوة وجسدي بدأ يرتجف، ملامحه ميتة.. لقد عرفت ذلك فور رؤيته، لكنني لم أعلم انها ميتة لأنه قاتل بدم بارد،، وليس بسبب إصابته.

قام الرجل الاسمر الواقف بجانبه بفتح حقيبة مليئة بالدولارات فئة المئة على ما أظن، والرجل بالطرف الآخر قام بالإشارة لجانبه حيث أتى رجل أسود يجر معه صندوق ضخم استنتجت أنه يحتوي على الأسلحة.


بنظرة سريعة قمت بعدّهم ثم عدت لاختبئ كلياً خلف الشجرة

-"تنفسي كيارا، تنفسي.." همست لنفسي بهدوء، لقد كانو أربعة رجال، وواحد مشلول يجعلهم خمسة، وأنا أستطيع هزيمة سبعة رجال بالكاراتيه التي تعلمتها منذ صغري، رمقتهم بنظرة جانبية وتنفست بعمق مرة أخرى، أجل.. أستطيع فعلها.

ببطء رفعت الكاميرا حتى أصبحت بمواجهتهم وبدون تفكير ثاني التقطت صورة، صورة ثانية، ثالثة ورابعة. بعدها عدت اختبئ خلف الشجرة وأغلقت عيناي بقوة قبل أن ابتسم باتساع لنفسي، لقد فعلتها!

كما أفعل بالعادة بعد التقاط الصور فقد قمت بتفقد الصور التي التقطتها بتركيز، الأولى كانت ممتازة ولو كنت أعرف أنها بهذه الجودة لم أكن سالتقط صوراً أخرى، تفقدت الصور الأخرى بشكل سريع لكن جسدي تشنج عندما وصلت للصورة الرابعة

عينان داكنتان كانتا تنظران ناحية العدسة مباشرة، كانت صورة لكني شعرت وكأنه كان ينظر لي، تلك الملامح الميتة والعينان الفارغتان، ابتلعت ريقي ببطء، الدماء بعروقي أشعر بها على وشك الانفجار من جسدي من شدة الضغط، الادرينالين بدأ ينتشر بجسدي بسرعة مميتة بينما عقلي لم يكن يفكر سوى بجملة واحدة:

لقد رآني...

ذاك المشلول... لقد رآني

بدون أن افكر كثيراً التفتت وبدأت اخطو للجهة المعاكسة، كنت أريد الركض بأقصى قوتي، كنت أريد مكالمة والدي، لكنني لم أخطُ سوى خطوة واحدة قبل أن اصطدم بأحد رجاله، توقفت وحدقت به بحذر، لقد كان يبتسم لي بمرح مخيف جعلني أتراجع لااراديا خطوة للخلف، حركاتي القتالية والكاراتيه؟ كلها تم محوها من ذاكرتي تلك اللحظة، لم يكن لدي تلك اللحظة سوى طريقة واحدة لتشتيت انتباهه

-"آ... هل انت ضائع بيبي بوي/حبيبي؟"
قلدت جملة من أحد الأفلام الرخيصة التي شاهدتها مع صديقتي ولدهشتي نجح ذلك لأنه حدق بي بحيرة لثانية قبل أن يبدأ بالضحك بعمق، ثوان معدودة  لكن ذلك كان أكثر من كافي بالنسبة لي، قمت بوضع يداي على جانبي وأخذت نفساً عميقاً متحضرة لقتاله واعطائه ركلة حنونة من ركلاتي لكن ذلك كله توقف عندما شعرت بشخص من خلفي يمسك كلتا يداي بحركة سريعة ويضعهما بقبضة واحدة مؤلمة

-"أظن أنها كانت فتاتي الحبيبة(بيبي جيرل) وليس فتاي الحبيب (بيبي بوي)، بالنظر لفيلم رخيص مثله، من كان يظن أنك شاهدته بالفعل"
همس بأذني مع ضحكة خفيفة وكان ذلك آخر ما سمعته، لأنه في اللحظة التالية كنت العب مع تينكي وينكي ولالا في أرض التيلتابيز. 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



فتحت عيناي بصعوبة وحدقت بسقف الغرفة بصمت، أشعر  بصدغي على وشك الانفجار وألم غريب بمؤخرة رأسي،  للحظة ظننت أنني في غرفتي لذا قمت بالتمدد بكسل في فراشي وجلست بعدها مخللة أصابع يدي في شعري، يدي الأخرى امتدت لتمسح اللعاب الذي نزل على وجهي أثناء نومي. تثائبت وانا لا أزال مغمضة عيناي قبل أن افركهما وافتحهما أخيراً

ويا ليتني لم أفتحهما

الآن انتبهت أنني جالسة على اريكة ضخمة، كنت في غرفة جلوس وليس في غرفة نومي، لكن الأهم هو المنظر المقابل لي: ثلاثة رجال جالسين على الاريكة المقابلة يحدقون بي بتمعن، أقسم بكل القديسين أنهم يريدون الضحك بهستيرية علي. حدقت بهم لعدة لحظات قبل أن أبدأ أخيراً بتذكر كل شيء حصل معي هذا اليوم، مع كل ذكرى وجهي كان يشحب أكثر لأنني أخيراً أدركت ما يحصل ومن هؤلاء الوسيمون الجالسون مقابلاً لي.

هل تم خطفي؟

-"صباح الخير كارا، أقصد مساء الخير" تكلم الرجل الجالس في المنتصف، لم يحتج الأمر لعبقري ليعرف أنه عبث بطاقاتي الشخصية وعرف اسمي بالفعل بينما كنت فاقدة لوعيي. حدقت به بحاجبين مقطبين، لقد كان الرجل المشلول... كان يرتدي قميصاً ابيضاً الآن وبنطالاً أسود، رفاقه كذلك كانوا يرتدون ملابس رسمية بعض الشيء.

لكن ليس هذا السبب الذي قطبت حاجباي لأجله

-"لست كارا، إنه كيارا" تكلمت بحدة ناحية الرجل الأوسط قبل أن استقيم واقفة، قبل أن اتحرك أي حركة تكلم هو نفسه بنبرة هادئة ورفع يده بحركة مهدئة

-"كوني مطيعة واجلسي"

مطيعة؟ اجلس؟ أنا؟

مضحك

لقد قام اللعناء باختطافي! بدون أن انظر ناحيته قمت بالالتفات بسرعة وبدأت أمشي، عندها سقطت أرضاً بكل قوتي وعندها أدركت أن اقدامي كانت مربوطة بواسطة اصفاد

فقط رائع..

من مكاني على الأرض التفتت لجانبي لأجد أحدهم يضحك كالضبع والآخر يقلب عينيه بينما المشلول كان يحدق بي بابتسامة متسلية جعلتني أصر أسناني بقوة

-"لو تظن أنك مخيف انسى الموضوع، ولو تظن أنني خائفة فأحلامك وردية"

أجل، لم أكن خائفة الآن، هذا شيء علمني إياه والدي منذ صغري، يقولون أن أفكار الطفولة هي التي تبقى عالقة معك للأبد وقد كان ذلك صحيحاً، لم أكن أخاف من المجرمين، لقد كانو أقذر من أن أخاف منهم، أشخاص مثيرون للشفقة يقومون بفعل كل شيء من وراء الستار.. لا أحد منهم يمتلك الشجاعة ليقوم بجريمته علناً

لماذا أخاف منهم؟

-"الكرة في ملعبي كما تلاحظين، لا اكترث لو كنت خائفة أم لا، لكنك ستستمعين لكلامي، هذا ما اكترث له.. "  متجاهلاً لنظراتي المميتة قام بالالتفات ناحية أحد الرجلين وأشار له بحركة، بعدها تقدم الرجل مع مفتاح بيده وانحنى ناحية قدمي ليفك الاصفاد تحت نظراتي الباردة، فقط لو يعلم ماذا سأفعل عندما ينتهي هذا ال...

-"لو فكرت بركل وجهه ستكونين بمشكلة جدية كارا" تكلم المشلول مجدداً" لدي سبب بالفعل لقتلك، لا تتهوري أكثر"

اسمي كيارا، ما مشكلته؟ هل هو مشلول دماغياً أيضاً؟

لم أركل الرجل بالرغم من رغبتي القوية، بدلاً من ذلك اعتدلت بجلستي واستقمت واقفة قبل أن اكتف يداي إلى صدري محدقة بثلاثتهم بصمت، وهو فقط من كان يبادلني النظر بتمعن

-"ادعى داريوس أمانيتي" تكلم فجأة بنبرة هادئة وأشار لي لأجلس حيث كنت مقابلاً له قبل قليل، للحظة بقيت واقفة بمكاني، لكن عدة تساؤلات خطرت لي جعلتني أصبح أكثر حذراً مع الوقت: هو يمتلك الكاميرا والصور، لماذا لم يتخلص مني للآن؟ هل يريد شيئاً آخر؟

شيئاً آخر...

ابتلعت ريقي برعب، هل يريدون الانتفاع مني جنسياً قبل التخلص مني؟ ربما لهذا السبب انتظروني حتى استيقظ، حتى يحظوا بالمتعة الكاملة، أو ربما فعلوا ذلك بالفعل أثناء فقداني للوعي، أجل، حتماً فعلوا، فبعد كل شيء.. ألقيت نظرة خاطفة على جسدي لأجد أنني فقط بملابس السباحة الوردية، فتاة بالبكيني في بيت ثلاثة رجال لوحدها.. هذا فقط...


-"لستِ النوع المفضل لأي أحد هنا" قاطع المدعو داريوس أفكاري وهو يحدق بي بملل "هلا جلستِ الآن؟"
حدقت به بحذر وبدون أن أرد عليه بشيء توجهت ناحية الاريكة وجلست عليها مواجهة لثلاثتهم وكتفت يداي إلى صدري

-"هل أنا مختطفة؟" سألت مقاطعة قبل أن يفتح داريوس فمه ليتكلم، شاهدته يبتسم باتساع قبل أن يغطي فمه بكف يده، ومن نظرات رفاقه الحذرة عرفت أنه غاضب من تصرفي

لا بأس هو يستحق

-"هل أنا مختطفة؟"  كررت بنبرة أقل صبراً

-"إذا كان هذا ما يبدو لك..." تمتم داريوس امانيتي وهو يحدق بعيناي بثبات وشفتاه مبتسمتان بتسلية "هل تعرفين ماذا فعلتِ؟"


-"التقطت صوراً لمجرمين قذرين يتاجرون بأسلحة جيش محرمة للاستخدام خارج نطاقهم" تكلمت بحاجب مرفوع وهو رفع حاجباً بتحذير لي ولطريقتي بالكلام، جعدت جبيني وتكلمت مجدداً محاولة أن أكون أكثر جدية

-"اسمع يا صاح، لديك الكاميرا صحيح؟ احذف الصور ودعني أغادر وانتهينا"

هنا عم الصمت لعدة ثوان، بعدها بدأ الثلاثة يضحكون بعمق بنفس الوقت على كلامي وكأنني مهرج، يجب أن أعود إلى نيويورك بأقصى سرعة، كرامتي تتلاشى هنا وهيبتي تذوب مع هؤلاء القتلة.

-"إذاً تريدين المغادرة.." تكلم داريوس بنبرة هادئة بعدما توقف عن الضحك، فقط ابتسامة غامضة على شفتيه جعلتني اعتدل بجلستي وأراقبه بحذر "أنتِ في بلاد العجائب الآن كارا، وكما تعلمين، في بلاد العجائب الخروج ليس سهلاً كالدخول.."

الآن عرفت الأمر، ابتسامته تلك، كانت مريبة، تشبه ابتسامة ذاك القط في بلاد العجائب، ابتسامة غامضة ولا تعرفين نواياها الحقيقية، كان ذاك تشبيهاً رائعاً بحق، لكن الأهم الآن هو ما يريده مني هذا المختل، أعني لو كنت مجرمة وشاهدت أحداً يلتقط صوراً لي سأحطم الكاميرا برأسه واقتله وانتهينا، لماذا إذاً أنا هنا؟

-"حسناً كارا، بينما كنت اتفقد الصور اللطيفة هذه وجدت شيئاً مميزاً، عل تعلمين ما هو، كارا؟"
تكلم داريوس مجيباً على اسئلتي الذهنية، رفعت بصري محدقة بعيناه اللتان كانتا لا تزالان تراقباني واعطيته ملامح متسائلة ليكمل

-"صور تبادل الأسلحة ليست الوحيدة التي التقطتيها لنا، لقد كنت تلتقطين الصور لنا قبل ذلك.." قال ببطء مشيراً لتلك الصور التي اخذتها لهم بينما كانو على الشاطئ، عندما كنت أظن انهم مجرد حفنة مساكين ظلمتهم الحياة

أنا الوحيدة المظلومة هنا على ما يبدو

-".. التقاطك لتلك الصور، هذا يعني شيئان: إما أنك جاسوسة، أو أنك جاسوسة، كا-را"

-"أنا مصورة يا عبقري" تكلمت ببرود لكنه طبعاً لم يقتنع، بل حدق بي باستخفاف، أرجعت خصلات شعري خلف أذني وشعرت تلك اللحظة بأنه لا شيء مهم، لا أعلم لماذا، أعني بالتأكيد هناك الكثير من الأشياء التي أرغب بفعلها قبل أن أموت، لكن تلك اللحظة تحديداً شعرت بالسئم لذا وبكل برود ووقاحة استرخيت بجلستي، رفعت اقدامي ووضعتهم على الطاولة أمامي وحدقت بأمانيتي بضجر

-"لقد التقطت الصورة لك لأنني ظننت أنك مشلول بائس تريد الموت.." توقفت عن الكلام عندما شاهدت وجهه يشحب بعض الشيء ولم أعرف فيم لو ما قلته كان جيداً أم لا، لكنني عرفت أنني بورطة عندما شاهدت الرجل الذي بجانبه يسحب سلاحه متأهباً، هل توقفت؟ سبق وأن قلت أنني سئمت لذا أكملت كلامي مع داريوس

-".. و كنتيجة لم اتوقع أن مشلول مثلك هو مجرم.. لا، بل زعيمهم، أعني واو يا رجل" تكلمت بسخرية، للحظة فقط تبادلنا النظرات، هناك شيء مخيف التمع بعيناه، يريد قتلي هذا واضح جداً

-"سببان، كارا، أصبح الآن هناك سببان لقتلك، وأنا لم أكن يوماً ذاك الصبور.." تحدث بهدوء مخيف، هناك هالة خطر مرعبة تحيط به، فكه المتصلب وعيناه المظلمتان، كان هذا مرعباً بحق

لكن ليس بالنسبة لي

لقد شاهدت سلسلة ذا رينغ لوحدي بقاعة السينما في منتصف الليل، لذا أجل، لا شيء ليخيفني

استرخيت أكثر بجلستي ورفعت له حاجباً، تسائلت بسري مع ذلك لماذا لم يقتلني للآن؟ كان وجهه جامداً وهو يحدق بي بينما أخذت خصلة من شعري لأعبث بها مستمرة بالتحديق به بضجر

-"انظر، أنا ابنة مدير المخابرات الفيدرالية، آندي كولين، منذ صغري وأنا أسعى خلف المجرمين أمثالك وبعد أن جعلني أحد أصدقائي أقع بحب التصوير بدأت اقوم بتصوير كل أولاد العاهرة الذين يتظاهرون بالبراءة والرقي بينما هم أقذر من الحثالة، وهكذا وصل الأمر إليك، وإذا عاد الزمن؟ طبعاً سأفعل نفس الشيء، أعني..."

-"اغلقي فمك للحظة.." تكلم داريوس رافعاً كفه بينما كان يحدق بي بتقطيبة، رفاقه كانوا يحدقون بي بتفاجؤ بالمقابل، قبل أن اسأل لماذا أكمل داريوس بحاجب مرفوع ولأول مرة رأيت فضولاً بعيناه

-"والدك مدير مخابرات فيدرالي؟"

لم اجبه لأنه قد سمع ذلك بالفعل، حدق بي بتركيز لعدة لحظات قبل أن تتشكل ابتسامة غريبة على شفتيه، ومجدداً، لم أجد سوى ذاك القط لأفكر به، مريب...


-"يا جميلة، أخبريني، هل سمعتِ يوماً بسفاح يدعى بلاك مارس؟"
بدأ داريوس موجهاً حديثه نحوي، حدقت به بعدم فهم لجزء من الثانية قبل أن تتسع عيناي بعدما تذكرت بنفس اللحظة هذا الاسم، أذكر أن والدي كان يعمل على هذه القضية منذ سنوات، بلاك مارس أو إله الحرب الأسود، كان لقباً لسفاح مريب كان يقتل أشخاصاً مرموقين وذوي نفوذ بدون أن يعلم أحد دافعه أو الرابط بين تلك الجرائم، أظن انهم لم يقبضو عليه للآن حسب ذاكرتي. لكن معرفة هذا الرجل ببلاك مارس، هل يعقل أنه هو؟ حدقت بابتسامته المتسعة وعيناه المظلمتان بوجه شاحب، هنا ابتلعت ريقي واعتدلت بجلستي أخيراً مستشعر جدية الموقف

-"لا تخبرني بأنك.." بدأت بنبرة جافة لكنه قاطعني بنبرة هادئة

-"كارا، هلّا عقدنا صفقة؟"

فقط.. تباً لكل شيء.

لست خائفة.. أو أنني كذلك؟ أنا جالسة في حضرة سفاح خبيث يقتل الأشخاص بدون أي ذرة ندم، مستشعرة للخطر المحيط بي أخيراً تململت بجلستي مرة أخرى وحدقت به بجدية مبتلعة ريقي ببطء

-"صفقة؟"

-"سأقوم بجعلك تذهبين، مع الصور اللازمة لإدانتي" تحدث داريوس بدون مقدمات وبدون ارادتي فتحت فمي بدهشة وصدمة، للحظة ظننت أنه يمزح، لا، هو بكل تأكيد يمزح، عاودت التحديق به بسخرية

-"أليس هذا كثيراً بالنسبة لمجرم؟ لكن بالتفكير بالأمر.. ما المقابل الذي تريده؟ حزام متفجرات حول خصري؟ عدة افلام إباحية من بطولتي؟ تجربة نوع قوي من المخدرات يجعلني اموت من أول استنشاقة؟ ما المقابل الملائم؟ ها؟"

-"ثلاثة.."

-"ها؟"

-"ثلاثة اسباب لقتلك" تكلم ببرود جعلني ابتسم له ببراءة وقد أدركت الآن أنني تجاوزت حدودي بالوقاحة، بدون أن ينتظر رداً مني أكمل بملامح جدية جداً

-"غداً، أريد أن تحضري حفلة معي، ستلتقطين أي صورة تريدينها، لن أمنعك، وبعد انتهاء الحفل سأجعلك تذهبين"

ها؟

رفعت حاجباي بدهشة ناحيته، كان يبدو حقاً جاداً جداً، لكن فقط حضور حفلة مقابل إطلاق سراحي.. أليس ذلك مريباً؟ بدون أن اقطع نظراتنا تحدثت بنبرة جدية وهادئة لأول مرة منذ بداية الحديث

-"لماذا سأصدق مجرماً مثلك؟"  ابتلعت ريقي للمرة الألف هذه الليلة وحدقت بدون تعابير بابتسامه الفارغة تلك

-"لأنني مجرم.."

هذا كان رده الوحيد وأنا فقط حدقت به بصمت بينما العن بداخلي أستراليا وفيجي وجدتي التي لم تطلب رؤيتي إلا في وقت لعين كهذا...



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




ليلة السبت:

إيطاليا، روما
فيلا سباليتي ترافيلي


شربت آخر ما تبقى من كأس الشامبانيا بينما احدق حولي بتمعن وترقّب، مع أنني نشأت في نيويورك إلا أنني كنت احدق باعجاب بهذا المكان، كان هذا المكان من أحد أكثر الأماكن الراقية التي رأيتها بحياتي، الأنتيكات الفخمة المحيطة تجعلك تظن أنك ببيت شخص ثري وليس فندق ما، هذا الجو كان رائعاً وحميمياً بحق، يدي كانت تدغدغني حرفياً لأخرج الكاميرا والتقط الصور لكنني تمالكت نفسي عندما التقت عيناي مع عينا داريوس الجالس بجانبي، ابتسمت له ببراءة ما جعله يقلب عيناه


من كان يظن أن الحفلة التي يتكلم عنها ستكون في إيطاليا؟ الجانب الآخر من الكرة الأرضية؟ فور معرفتي أردت دفن نفسي لكنني تحاملت على نفسي، اتصلت على جدتي مخبرة إياها باعتذار سخيف عن أنني لن أستطيع رؤيتها، ولم اتكلم مع أبي لأنه سيعرف مباشرة أنني كاذبة وعندها سيرسل قوات الاف بي أي بطائرة حربية و... أنا حقاً لا أريد تخيل ذاك السيناريو السخيف.


حدقت بحسرة بثوبي الأسود الملتصق بجسدي بمثالية، أريد ان اصور نفسي بقوة لكن هذا الملعون بجانبي لا أعلم بماذا يفكر، التفتت ناحيته لأراه يشرب من كأسه الثاني بينما يحدق حوله بدون تعابير، عيناه مع ذلك كانتا حذرتان ومترقبتان وهو يحدق حوله، أردت أنا أيضاً شرب كأس أخرى لكن لا لا، لن أثمل هذه الليلة، أنا بحاجة لكل ذرة وعي امتلكها

-"إذاً.." بدأت الكلام وارتكزت على حافة كرسيه "لماذا نحن هنا؟"

في وقت مبكر من هذه الليلة خطرت لبالي فكرة مرعبة لم أستطع التخلص منها للآن، بما أنني أمتلك زمرة دم o ومعامل ريزيسي سالب فأنا بذلك أمتلك أحد فصائل الدم النادرة في هذا العالم، ربما هذا الجالس بجانبي يريد أن يحصل على اعضائي لكنه مقابل ذلك سيجعلني اموت بسعادة بأخذي لفندق فخم كهذا، ومهما فكرت بالأمر لا أستطيع التخلص منه، خصوصاً اذا قمت بالتفكير بعقل مجرم مثله، لذا قمت بحشو سكين فواكه بالفعل داخل حقيبتي الصغيرة

فقط للاحتياط

-"لديك فضول أليس، كارا" رد داريوس بهدوء ورفع بصره أخيراً محدقاً بي، عيناه كانتا تحويان ظلاً جميلاً ابرزته بذلته الرسمية الداكنة التي كان يرتديها، كان يبدو الليلة وسيماً جداً لأكون صادقة، عندما رفع لي حاجباً انتبهت إلى أنني كنت أحدق به بدون أن أرد على سؤاله، بسرعة ابتلعت ريقي وبدأت احدق حولي بلامبالاة مخفية اضطرابي

-"وأنت لديك غموض القط، من المؤسف أنك مجرم.." رمقته بطرف عيني لاجده يحدق بي بصمت ولم امنع نفسي من سؤاله "لماذا أنت مجرم؟"

-"أنت تعلمين أننا لا ندعو أنفسنا هكذا" رد فوراً لدهشتي، لم يزح نظره عني وهو يتكلم، رمقته بطرف عيني بينما أكمل هو "أمثالي لديهم فلسفة خاصة بالحياة، نحن فقط لا نتشابه بفلسفتنا مع قوانين الدولة ولهذا يتم دعوتنا بالمجرمين، لكنني أفضل كلمة (مختلفين)"

مختلفين...


-"تعني قتل الآخرين بهدف المتعة؟أجل مختلف جداً.." رددت بسخرية وشاهدت طرف شفته يتشكل بابتسامة جانبية قبل أن يشيح بوجهه محدقاً حوله، كانت ابتسامة هادئة مع ذلك، وعميقاً بداخلي.. كنت أراها ابتسامة جميلة

-"كارا، لا يوجد شخص يقتل بدون سبب، ولهذا أنا هنا هذه الليلة، كجواب على سؤالك سابقاً عن لماذا نحن هنا"

حدقت به بحاجبين مقطبين بتساؤل، لم أفهم ما قاله لذا مددت أطراف اصابعي برفق ناحية ذقنه وجعلته يلتفت ناحيتي ليحدق بوجهي ذو الحاجب المرفوع

-"ما علاقة القتل بالليلة؟"  سألته بحذر وهو فقط ابتسم واشاح بوجهه محدقاً بزاوية ما، تتبعت نظراته ببطء لأجد رجلاً خمسينياً ذو قوام ممشوق يتحدث مع بعض الأشخاص بينما يشرب شامبانيا، أعدت نظراتي ناحية داريوس لأجده ينظر لي بصمت، ملامحه قد اختلفت، أصبحت مظلمة بعض الشيء وهذا جعلني اعتدل بوقفتي مطلقة دفاعاتي تجاهه، تابع داريوس وقد بدا غير مهتم بحركاتي الحذرة، بدا وقد دخل بعالمه الخاص


-"لقد قام هذا الشخص مع مجموعة من الرجال الآخرين ذوي النفوذ باستئجار عدة قناصين لاغتيالي.." راقبت كيف شد قبضتيه بقوة وكيف تصلب فكه بغضب، قطبت حاجباي بقلق ورفعت رأسي محدقة بعيناه لاجده يبتسم بسخرية "في المرة الأولى كان صديقي من تم قتله، وفي المرة الثانية كان يجب أن يتم قتلي وأنا جالس، لكنني وقفت بآخر لحظة.."

اتسعت عيناي بصدمة من كلامه ولاارادياً نقلت نظري ناحية ساقيه، هل تم إطلاق النار على اقدامه؟ هل لهذا هو مصاب بالشلل؟ عاودت النظر بعيناه لأجد ملامحه قد تغيرت وعادت لامبالية، هذا الرجل متقلب المزاج بدرجة خطيرة... ولكن بالعودة لما قاله، ضحايا بلاك مارس كانوا جميعاً رجالاً ذوي نفوذ بدون روابط ذات صله بينهم، والآن بناء على ما قاله داريوس، ابتلعت ريقي وحدقت به بعدم تصديق


-"وأنت.. أنت قمت بقتلهم.. هؤلاء ذوي النفوذ.. قمت.."

-"أجل، قتلتهم للانتقام لنفسي، ليس هناك أسوء من أن تعيش عاجزاً، ليس هناك أسوء من أن يحدق بهم أحدهم بحزن أو شفقة، وليس هناك أسوء من ابتسامة عدوك الهازئة... ولهذا أنا هنا، لأنهي كل شيء أخيراً بعد سنوات من القرف"

كلامه كان جاداً، ملامحه واجمة وعيناه باردتان، عينا رجل قتل الكثير من الأشخاص وليس آسفاً على ذلك، لكن ليس هذا ما جعلني ارتجف بالرغم من ذلك، بل حقيقة مرعبة أخرى

هو هنا الليلة ليقتل شخصاً

سيقتل شخصاً، وأنا أعلم بذلك، وهذا كان مخيفاً أكثر من سرقة اعضائي بالنسبة لي: أنا لا يمكنني أن ادع أحداً يموت. هذا شيء آخر علمني إياه والدي أيضاً، جميعنا نستحق فرصة للحياة، وحتى لو وقفت جانباً وراقبت بصمت أحداً يموت، أنت هكذا لا تختلف عن القاتل بشيء، بل ربما أنت أسوء بتلك الحالة.

-"لن... لن تفعلها داريوس" نطقت بشفتين مرتجفتين وبدون أن أشعر وجدت نفسي أبتعد عنه خطوتين، لا يمكنني أن أقف مكتوفة الأيدي واراقب شخصاً يموت أمامي!

بينما كل ما فعله هو كان أن حدق بي بابتسامته الغريبة المعتادة، بنفس الوقت شعرت بشيء صلب بارد على ظهري العاري وبدون أن التفت عرفت أنه ماركوس صديقه الذي افقدني الوعي البارحة

-"التزمي بجانبك من الاتفاق كيارا حتى نلتزم بجانبنا.." همس بأذني بنبرة باردة بينما عيناي كانتا تحدقان بعدم تصديق بداريوس الذي لا يزال يبتسم بوجهي.. ذاك الحقير!

ابتعد ماركوس بهدوء وخفة كما ظهر ووقف بجانب داريوس وإلى جانبهم وقف فيشوت صديقهم الآخر، حدقت بهم بكره وبدون إرادتي نقلت بصري محدقة بالرجل الذي لا يزال واقفاً، يتحدث مع الآخرين بابتسامة

هل يستحق الموت؟

-"لنر:  أنت يا كارا تم إطلاق النار على أقدامك وتركك مشلولة من قبل تلك الفتاة التي لا تطيقينها، ماذا ستفعلين في تلك اللحظة؟ هل ستزجين بها في السجن؟ ام ستقتلينها؟" تكلم داريوس بنبرة مستمتعة وهو يحدق بي محيباً مرة أخرى على تساؤلاتي الداخلية التي لا أعلم كيف يشعر بها، حدقت به بوجه شاحب بينما اقوم باستيعاب سؤاله وكلماته الأخرى "كم عدد الحيوات التي نعيشها، كيارا؟"


كم عدد الحيوات التي نعيشها؟

في الواقع دارت برأسي العديد من السيناريوهات بتلك اللحظة تجاه ردة فعلي على الشخص الذي يريد ايذائي، لكن أياً منها لم يتضمن القتل، لا أستطيع تصور الأمر مهما حاولت النظر للأمر، أعني أستطيع تصور نفسي ميتة او مقتولة، لكنني لا أستطيع تصور نفسي اقتل شخصاً... نقلت نظري من على الرجل وحدقت مجدداً بداريوس وأصدقائه الذين كانو يتكلمون مع أنفسهم بإشارات مشفّرة لم استوعبها.

التزمي بجانبك من الاتفاق...

حمقى!

ابتسمت ابتسامة شقية لنفسي، أنا فتاة تعيش في الخطر، وإذا لم أجده سأبحث عنه!

بدون أي تفكير آخر قمت بإخراج الكاميرا الرقمية من حقيبتي، ابتعدت عنهم وبدأت التقط الصور، العديد من الصور، سأصور كل شيء يخص هذا الرجل البارد وأصدقائه، سأحرص على صنع دليل مثالي لا ذرة غبار عليه، حتى أحدق بهم بالسجن مع نظرة منتصرة مليئة بالكبرياء

بقلب ينبض بعنف ويد ترتجف أخذت الصور اللازمة لموقع الجريمة محاولة ألا ألفت الانتباه ولو أن ذلك كان صعباً كون معظم الرجال كانوا ينظرون لي ولجسدي بتفحص. ومع ذلك فإنني لم اكتف بهذا، ألقيت نظرة سريعة على داريوس لأجده يكتف يديه  إلى صدره بينما بدا مسترخياً جداً وهو يحدق بي بنظرة ثابتة جعلتني اقشعر رغماً عني، لماذا كل هذه الثقة؟ هل يظن حقاً أنه سينجح؟

كم أرغب بطمس ملامحه الوسيمة هذه لأصنع خريطة أمريكا بوجهه

بدون تفكير آخر وجدت نفسي التفت واتجه ناحية ذاك الرجل الذي يريدون قتله، فليذهب اتفاقنا للجحيم، قال أشاهد ما يحصل بدون حراك قال، هل يمزحون معي؟ بالنسبة لي أن أموت الليلة أفضل من اعيش لسنوات ملاحقة من قبل شبح ذاك الرجل الذي لم أتمكن من انقاذه مع أنه كان يمكنني فعل ذلك

-"مرحبا يا سيد" تكلمت فور وصولي بنبرة حاولت جعلها هادئة ولو أن ذلك كان فاشلاً بعض الشيء نظراً لأنني كنت الهث، بطرف عيني نظرت ناحية داريوس لأجده يبتسم باتساع ناحيتي، ابتسامة خاصة بهؤلاء المجانين الذين كنت ازورهم مع والدي في مصحة الأمراض العقلية، ذلك الـ.. صررت اسناني وعاودت النظر بسرعة ناحية الرجل الذي كان يحدق بي بابتسامة خفيفة هادئة

-"أهلا يا آنسة، اتمنى أنك قد حظيت بمتعتك في الحفل" قال ومد ناحيتي كأس نبيذ أخذه من الساقي الذي مر بجانبنا، أخذت الكأس على عجل وانا أشعر بمعدتي تتقلب بعنف مؤلم، لم يكن معي الكثير من الوقت، هذا الرجل سيموت بأي لحظة والأحمق يريد شرب النبيذ!


-"في الواقع.. أنا على وشك أن احظى بمتعتي" تحدثت بنبرة خافتة وقبل أن يمتلك الرجل الوقت ليسأل قمت بتقريب نفسي منه ورفعت وجهي مقبلة اياه على شفتيه بقوة، عيناي مع ذلك كانتا تتابعان داريوس الذي ولدهشتي بدأ يضحك بقوة مع رفاقه.

اصابعي بدأت ترتجف بقوة وغضب، اعدت انتباهي ناحية الرجل الذي أصبح ثملاً من قبلتي ومددت يدي له بدون تأخير ليقبلها بكل صدر رحب، بعدها بدأت بالتحرك مسرعة خارجة من القاعة وهو يتبعني بخطوات مستعجلة، فور أن أصبحنا خارج جناح الحفل قمت بالتوقف جانباً وحدقت حولي بتوجس لكن لم يكن هناك ما يدل على وجود خطر.

-"آنسة؟" همس الرجل بانفاس لاهثة وهو يحدق بي بشهوة، في أوضاع أخرى كنت سأشعر بالقرف من كل هذا لكن الآن عقلي لم يكن يمتلك الوقت لمعالجة كل تلك الترهات، بدون أن انظر له وضعت بين يديه حقيبتي وامسكت سكين الفواكه التي خبأتها في وقت مبكر من الليلة، رفعت فستاني وبدأت أقطع أطرافه بقوة، لقد كان يعيقني عن الركض ولكن الآن بعدما قطعته وأصبح يصل لمنتصف فخدي أظن أن الركض لن يكون مشكلة، تنهدت براحة والتفت بسرعة ناحية الرجل محدقة به بجدية

-"اسمعني يا سيد، يجب أن تتبعني للخارج وبسرعة، لا نمتلك الوقت، حياتك في خطر!" أمسكت يده مجدداً وبدون أن انتظر ثانية أخرى قمت بالركض للخارج وهو معي يحدق بي ببلاهة

-"مهدد بالخطر؟ لماذ.."

-"سأشرح لك كل شيء فور خروجنا" رددت بسرعة مستمرة بالركض على درجات الفندق للأسفل حتى وصلت للباب الرئيسي، ومع ذلك لم ارتح كلياً إلا عندما أصبحت بباحة الفندق الخارجية.


-"يا إلهي... حمداً لله!"
ابتسمت لنفسي باتساع وتركت نفسي أفلت يد الرجل أخيراً، ركعت واضعة يداي على ركبتاي وبدأت الهث بصوت مسموع، قلبي ينبض بعنف شديد، الادرينالين يضخ بجسدي بكميات كبيرة لا أستطيع تحملها، ووجهي يتصبب عرقاً، لكنني كنت سعيدة مع ذلك، رفعت رأسي وحدقت بالرجل الواقف أمامي يحدق بي بعدم فهم... لقد أنقذت حياته!

-"هل تمانعين تفسير الأمر، آنسة؟" تكلم الرجل مجدداً بفضول بعدما شاهد ملامحي تهدأ بعض الشيء، استقمت بوقفتي وامسكت الكاميرا لالتقاط الصور من الخارج  وتحدثت بجدية

-"داريوس أمانيتي، لقد كان يحاول قتلك، لكن لا بأس الآن" نظر لي الرجل بذعر لعدة ثوان قبل أن يقطب حاجبيه بعدما انتبه لأمر ما "من هو داريوس؟"

توقفت عن التقاط الصور المحيطة بي لموقع الجريمة والتفت ناحيته بسرعة رافعة له حاجباً، هل هو مصاب بالألزهايمر؟

-"لقد قمت بالتعاون مع عدة رجال لاستئجار قناص لاغتياله، هل نسيته؟" تحدثت بحاجب مرفوع وراقبت ملامح الرجل الفارغة وهو يحدق بي، بدا وكأنني اتلو عليه صلوات لاتينية لا يفقه بها شيئاً وعندها بدأ قلبي يدق بعنف مرة أخرى، أنزلت الكاميرا من يدي واستدرت كلياً مواجهة إياه محدقة به بحذر

-"أنت لا تعرف داريوس.. مهلاً... من أنت؟ ما هي وظيفتك؟"  سألت بتوجس وحذر، شعور لعين بالقلق ضرب صدري بقوة وانا اراقب الرجل الذي يبدو أنه لا علاقة له بأي شيء

-"أنا محاسب في بنك روما المركزي، لقد تمت دعوتي اليوم من قبل رئيسي في..." بدأ الرجل يتكلم بكل براءة وأنا وجهي شحب كلياً.. إنه مجرد موظف بريء عادي لا يعرف أين موقعه من الإعراب، لا علاقة له بالعالم المظلم نهائياً، أستطيع الجزم بهذا من النظر لملامحه البلهاء تلك...

وهذا يعني..

قبل أن أمتلك الوقت لتحليل ما يحصل داخل عقلي دوى صوت صراخ عالي من داخل الفندق جعلني اتجمد بمكاني برعب، رفعت بصري ناحية الفندق في نفس الوقت الذي دوت فيه عدة أصوات مخيفة في المكان، لم تكن هذه المرة أصوات صراخ.. لقد كانت انفجارات صامة للآذان

للحظة فقط وقفت بمكاني متجمدة أحدق بنوافذ الفندق العريقة التي بدأت تنفجر بايقاع واحد، تتبعها نيران ضخمة قامت بالتهام كل شيء، ومع كل ذلك امتزجت تلك الأصوات العالية لأناس يحترقون طالبين للنجدة، شعرت بضغط دمي ينخفض بصورة مخيفة، اطرافي بدأت ترتجف ورأسي يدور، شعرت بأنني سأفقد وعيي بأية لحظة لكنني حاولت التماسك مع ذلك، لكنني لم أكن بالقوة الكافية حتى ابقى واقفة لذا تركت نفسي أسقط على العشب الذي كنت واقفة عليه، حدقت أمامي برعب غير عارفة ماذا حصل، عقلي لا يزال يحاول استيعاب الأمر

لقد خدعني

ذاك المجرم خدعني وكذب علي!

راقبت الناس يخرجون راكضين بشكل هستيري مصطدمين ببعضهم البعض، الرجل الذي كان واقفاً بجانبي لم يعد له أثر، داريوس لم يكن يريد قتله منذ البداية، بل خدعني وجعلني اعتقد انه يريد قتله... حتى اخرج ويقتلهم..

لقد قتلهم.. جميعاً

ارتجفت شفتاي بقوة ولم أستطع أبداً أن أوقف ذلك، مشاعر الخوف، الغضب، الكراهية، كلها انفجرت بداخلي بشكل لم أستطع التحكم به، كل ما عرفته تالياً هو أنني كنت أركض بقوة ناحية الفندق المحترق، الكاميرا لا تزال بيدي تلتقط كل شيء تقع عيناي عليه، تابعت ركضي للداخل برغم صراخ الآخرين علي بأني مجنونة وأنني يجب أن أخرج، بعضهم اعتقد أنني عاشقة أضاعت حبيبها في الداخل لكنني لم أكن سوى امرأة مخدوعة تريد الثأر لنفسها

فقط كان الأمر عندما وصلت لمدخل الجناح ورأيت كل تلك الجثث المحترقة، لم أعلم كيف تماسكت والتقطت تلك الصور، التقطت صوراً كثيرة حتى توقفت عند كرسي متحرك يحتوي جثة متفحمة، بالقرب منه تستلقي عدة جثث أخرى، توقفت وسط تلك النيران وحدقت بالمنظر بصمت، لم أعد اسمع شيئاً أو أعي شيئاً، فقط رفعت الكاميرا بقوة غريبة، التقطت كل تلك الصور، ثم ابتسمت لنفسي وشعرت بعدها بقواي تخور تدريجياً، لم أعرف هل كان ذلك بسبب ثاني أكسيد الكربون المنتشر بالجو او بسبب أن كل هذا كان يفوق طاقتي، لم أعلم سوى أنني أردت تلك اللحظة أن آخذ قسطاً من الراحة

وقد فعلت...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الأحد:

نيويورك سيتي، نيويورك
مكتب المخابرات الفيدرالية
العاشرة صباحاً

-"لقد قمت بتوريط نفسك مجدداً كيارا! أنا فقط لا أصدق!!" صرخ والدي بكل قوته "ماذا كان سيحدث لو لم يسعفك فريق الإطفاء؟ ها؟! هل انت مجنونة؟ ها؟!"

متجاهلة لتعليق والدي المذعور قمت برفع كوب القهوة العاشر لهذا الصباح وبدأت أشربه على دفعات كبيرة، بعدما حدث الليلة الماضية أظن أنني أصبت بمتلازمة ما بعد الصدمة بالرغم من مشاهدتي للعديد من الحوادث سابقاً، لكن ما شاهدته البارحة كان من نطاق آخر حرفياً.. أنا فقط لا زلت غير قادرة على تصديق الأمر، لقد فجّر ذاك المجنون المكان! ولم يكتف بذلك بل أنه فجر نفسه أيضاً!

لكن لماذا؟!

هناك شيء غريب يخزني في صدري ويجعلني غير مرتاحة نهائياً بسبب ما حصل، هناك العديد من الحلقات المفقودة في هذه القصة وهذا سبب وجودي في مكتب والدي هذا الصباح، أمامي على الطاولة هناك العديد من الصور التي التقطتها البارحة لموقع الحادث، حدقت بكل صورة بتمعن بدءاً من المحيط الخارجي وصولاً للداخل حيث كان موقع الانفجار، بالرغم من محاولات العديد من الأشخاص لإيقافي من العودة الى الداخل إلا أنني لم أكترث لأي منهم وعملت على الدخول بنجاح، ويا ليتني لم أفعل، كل تلك الجثث المتفحمة التي استقبلتني جعلت قشعريرة تسري على طول جسدي فقط لمجرد تذكر الأمر..

لكن والأهم من هذا كانت تلك الجثة المتفحمة الجالسة على كرسي متحرك وحولها جثتان أخريان، لم أصدق تلك اللحظة ما رأته عيناي، ولكن الآن بينما أنظر لتلك الصور مجددا، لقد كانت كلها حقيقية، وبالرغم من عقلي الذي لا يريد تصديق الأمر بأي شكل من الأشكال ألا أن عدسة الكاميرا لا تكذب، والأهم من ذلك..

-"ظهرت تحليلات الحمض النووي، لقد قمنا بأخذها من اصبع قدمه الكبير كونه الجزء الوحيد الذي لم يحترق كلياً.."
رفعت رأسي محدقة بكارل الذي كان يحمل تقريراً بين يديه وملامحه جدية جداً، بادلته النظرات الجدية تلك وأشرت له بالتكلم ليكمل محدقاً بي ثم بوالدي الذي كان يراقب ما يحدث بصمت بينما يقف جانباً

-"آندي، إنها تخص داريوس أمانيتي، أحد أفراد جماعة الجريمة المنظمة الإيطالية المطلوبين لحكومتنا"

هكذا حسم الأمر، الحمض النووي لا يخطئ أبداً، تركت الصور تنسل من بين يدي وعيناي لم تفارقا كارل بينما والدي كان يراقبني بصمت، ذلك كان جنونياً.. لماذا قتل نفسه؟ هل يعقل أنه ليس المسؤول عن التفجير؟ أم أنه كان يخطط لأخذ انتقامه الأخير معه للقبر؟؟

عادت لي كلماته تلك عن الشفقة وشماتة الآخرين به.. هل كان كل ذلك يؤذيه من الداخل لدرجة لم يحتمل بها الأمر؟

هناك شيء مريب، لا أعرف ما هو

-"لقد كان ذاك المدعو بإله الحرب الأسود، السفاح الذي كنتم تبحثون عنه" تكلمت بذلك فور تذكري للأمر لكنني لم أتوقع أن يحدق بي والدي وكارل باستفهام

-"ما الذي تتحدثين عنه كيارا؟ بلاك مارس قمنا بإلقاء القبض عليه منذ عدة أشهر، وهو الآن في سجن فلوريدا" تكلم كارل بدهشة وهو يحدق بي باستغراب، رمشت عدة مرات محدقة به، بلاك مارس تم إلقاء القبض عليه بالفعل؟؟

-"لقد انفصلت عن حبيبك بذلك اليوم كيارا، أظن أنني انشغلت بتغيير مزاجك لدرجة نسيت فيها إخبارك عنه" تكلم والدي مكملاً وابتسم لي باعتذار لكنني لم أكن مركزة جداً معه، لقد كنت مشوشة من تداخل الأمور علي، داريوس ليس بلاك مارس؟

لكن بالعودة للوراء، داريوس لم يثبت أبداً حقيقة كونه بلاك مارس... هو فقط ابتسم لي وأنا بنيت الاستنتاجات لوحدي

قمة بالذكاء،، كيارا

-"داريوس ليس بلاك مارس كيارا" تحدث كارل مقاطعاً أفكاري "إنه مجرم ذكي وماكر، يقولون أنه ماهر بالتلاعب النفسي مع ضحاياه، وبعضهم يقولون أنه ماهر بالتنويم المغناطيسي وهذا ما يجعله خطيراً من الدرجة الأولى، لأنه لو توقف الأمر على مهاراته الجسدية فهو ليس كما السابق نظراً لقدماه المشلولتان..."


مجرم ماكر.. متلاعب نفسي من الدرجة الأولى..

ترائت لي فجأة تلك الابتسامة الغامضة الخاصة به، ذاك القط الغامض في بلاد العجائب، وعندها أغلقت عيناي محاولة ترتيب الأفكار بهدوء داخل رأسي..

داريوس أمانيتي، لقد امتنع عن قتلي فقط مقابل أن أحضر معه حفلة ما، بل أنه عرض علي أن أقوم بتصوير الأدلة، وهذا لا يعني أنه تاب عن كونه مجرماً، لا ، ذاك كان يعني أن وجودي كان جزءاً من خطته، لقد كان يريدني هناك، ابنة مدير مخابرات، أرادني لألتقط صوراً للحادثة، أرادني لأشهد على ذاك التفجير، أرادني...

مهلاً...

أشهد؟

فتحت عيناي بسرعة وحدقت بأعين متسعة أمامي بعدما فهمت الأمر تماماً، هكذا كان الأمر إذاً! لقد كان يريدني ليس لشيء سوى أن أشهد على وفاته، لم يكن يخطط منذ البداية لقتل ذاك الرجل بل لشيء آخر أكبر من ذلك بكثير.. رفعت رأسي وحدقت بانفعال بوجه كارل

-"أخبرني كارل، هل هناك جثث مفقودة؟ أعني بعد حادثة الانفجار تلك؟"

صحيح أن الانفجار لم يحدث بالولايات المتحدة، لكن بسبب تورطي ووجود داريوس المطلوب من قبل حكومة أمريكا فقد تمكن والدي وكارل من الحصول على آخر مستجدات القضية، راقبت كارل يحك أسفل ذقنه بتفكير قبل أن يحدق بالأعلى بحاجبين مقطبين

-"حسب  ما أذكر لقد كان هناك خمس جثث مفقودة ولم يتم العثور عليها للآن، لكن لماذا؟"
بدون أن أرد عليه قمت بإعادة النظر ناحية الصور، ابتسامة كبيرة ظهرت على شفتي، هذا يفسر كل شيء، تلك الخيوط أخيراً استطعت ربطها!

لقد كان يريد فتاة مثلي منذ البداية، ولو لم أكن موجودة كان بالتأكيد سيحصل على شاهد آخر، كل ما كان يريده فعلاً هو أشخاص يشهدون على حادثة الانفجار تلك، أو بالأحرى على حادثة موته، لقد قام ببساطة باستبدال تلك الجثث المفقودة لتظهر على أساس أنها جثته هو ورفاقه، تزوير الحمض النووي ليس بالشيء الكبير خصوصاً وأن الولايات المتحدة لا تملك عينات له، لقد تم الفحص في مختبرات إيطاليا وتزوير تلك الفحوصات هناك سيكون أكثر سهولة لهم، وكنتيجة سيظهر بنظر العامة على أساس انه ميت!

ضحكت بخفة

يا له من ماكر، ذلك الداريوس..

ويا له من قذر،فكرت بذلك بعد تذكري لكل تلك الجثث المحترقة من حفل البارحة، لا أصدق بأنه امتلك تلك الجرأة لقتل كل من في الحفل في سبيل تزوير وفاته

قمة الحقارة..

توقفت أفكاري فجأة عندما رن الهاتف بجيبي منبهاً بوصول رسالة، أخرجته بسرعة وحدقت بالرقم المجهول قبل أن أبدأ بقراءة الرسالة، مع كل حرف كان قلبي ينبض بعنف أكثر فأكثر:

لديك فضول أليس
ولكن لدي غموض القط
يا ترى، كم عدد الحيوات التي نعيشها، كارا؟

تلك الكلمات...

بدون أن أشعر وجدت يداي ترتجفان، لكن لم يكن ذلك خوفاً، كنت مثارة، مثارة لأقصى درجة. اتسعت ابتسامتي عندما وجدت الرقم المفتاحي للوس انجلوس في بداية رقم هاتفه ما يدل بوضوح على مكانه، استقمت واقفة بنفس الابتسامة المجنونة تلك تحت نظرات والدي وكارل اللذان كانا يحدقان بي بريبة

-"سأذهب إلى لوس أنجلوس، بابا هل تستطيع حجز تذكرة لي ريثما أقوم بتحضير أغراضي؟" تكلمت بدون أن أنظر له أو انتظر رده وارتديت حزام الكاميرا حول عنقي قبل أن اضع جميع تلك الصور في حقيبتي، بعدها التفتت واتجهت بخطوات مسرعة ناحية الباب

-"لوس انجلوس، ماذا ستفعلين بمدينة الملائكة كيارا؟"
توقفت عند الباب للحظة قصيرة والتفتت ناحية والدي معطية إياه ابتسامة مرحة ومع ذلك كانت غامضة بالنسبة له

-"هناك قطة بسبع أرواح، إنها ضائعة، وسأفعل أي شيء لإيجادها.." وبهذه الكلمات قمت بمغادرة المكتب للخارج بينما الأدرينالين كان يضخ بجسمي  بقوة، ابتسامتي لم تتوقف عن الظهور وحماسي بدا وكأنه لا يريد التوقف أبداً

داريوس أمانيتي، فقط انتظرني!

مهما كلف الأمر، سأمسك بك!


※※※※※※※※※※※※
النهاية

SWARM OF THOUGHTS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن