"مُتعجرف"

1.4K 58 3
                                    


إنتظر "أحمد" "قدر" بـ السيارة لـ حين أن تنتهي .. يحاول أن يستعد .. يتدرب على مُقدمة مُناسبة لـ فتح الموضوع معها .. أو إيجاد حُجه مناسبة لـ ذلك .. كيف يبدأ الحديث!!.. لكن بـ التأكيد لن يُضيع هذه الفرصة من يديه .. سـ يسألها عنها ويعرف كل ما يريده عن مُعذبت فؤاده .. مر عشر دقائق ووصلت قدر لـ السيارة فتحت الباب وجلست بجانبه .. ابتسمت له قائلة
_ تشكر على التوصيلة مقدماً
أجابها "أحمد" ضاحكاً
_ لا ما أنا مبعملش حاجة لله كده
استنكرت إجابته لكنها تجاهلتها .. بـ الطبع يمزح .. فـ هو "أحمد" ولن يتغير .. المرح طبعه .. وكم تعشق مرحه هذا على عكس أخيه .. الصامت والبارد .. والمُتعجرف .. قطع سبها الداخلي لـ "يوسف" "أحمد" قائلاً باهتمام
_ بس مقولتيش يا قدر مين اللي كنتي قاعده عندها دي
ردت "قدر" قائلة
_ واحدة صاحبتي .. وبعدين قولتلك علي فكرة امبارح في العربية!
رد "أحمد" قائلاً بتسأل مُتجاهلاً إقرارها الأخير بأنها أخبرته
_ و عرفتيها ازاي!!
انتابتها الدهشة من اهتمامه الملحوظ وإصراره فـ معرفة معلومات عن صديقتها .. لكن قررت داخلها أن تُجيبه لـ تُشبع فضولها هي ليس هو ..
_ طب إسمع ياسيدي بقا انت اللي طلبت
رفرف قلبه .. وكم يود أن يسمع ويتلهف لـ أخبارها ..
فـ أكملت "قدر" قائلة
_ أسمها هدى .. صاحبتى من الكلية .. اتعرفت عليها فـ سنة أولى .. حسيتها شبهي اجتماعيه بس مبتكلمش حد .. كانت فـ نفس دفعتي ونفس القسم بتاعي .. أول مرة اتكلمت معاها كنت راحه الكافتيريا بتاعت الكلية ولقيتها قاعدة لوحدها كـ العادة بتذاكر فـ روحت قاعدت قدمها على الكرسي واتعرفنا من هنا .. وقربنا جداً وبقينا اخوات مش اصحاب
رد "أحمد" قائلاً بـ اندهاش ونبرة مندفعة
_ ازاي قدك وهي فـ الكلية لـ دلوقتي!! ..
نعم .. وكيف عرف بـ شئ كهذا!!.. شعرت باستغراب كبير .. نظرت له باستنكار .. فـ لعن لسانه المُندفع الذي تفوه بـ كلمات حمقاء كاشفاً عن سره ..
ردت "قدر" بنبرة مُندهشة .. مُستنكرة قائلة
_ وانت عرفت ازاي إنها لسه فـ الكلية!! ..
لم تجد رداً .. فـ نادته قائلة
_ أحمد .. خليك صريح معايا .. وانا هبقى معاك .. وبعدين أنا بنت عمك وذي أختك يعني سرك .. إحكيلي
وكأن تلك الكلمات كانت كافية لـ يطمئن فؤاده فـ أقر قائلاً
_ بحبها
يحبها كيف!!.. هدى!!.. وأحمد!!.. كادت أن تسأله لكنه سبقها قائلاً
_ هحكيلك كل حاجه بس ام تقوليلي الأولي هي ازاي لسه فـ الكلية .. سقطت سنة يعني؟
ضحكت "قدر" بشدة ثم أجابته
_ هدى تسقط .. هدى ممتازه جداً علي فكرة كانت بترتب عندنا فـ الدفعة
رد باستغراب قائلاً
_ طيب ايه حصل؟
تنهدت "قدر" قائلة بـ نبرة باتت حزينة
_ عشان حصلت لها ظروف فـ سنة تانية .. باباها ومامتها عملوا حادثة واتوفوا .. وهي كانت البنت الوحيدة ليهم .. العربية عملت بيهم حادثة وهما جاين من المنوفية بلدهم .. بس متعرفش بقى هدى كان حظها حلو ولا وحش لم مرحتش معاهم .. بس الأكيد إن حلو بالنسبالي لاني مكنتش هستحمل فراقها ..
صمت .. صمت آخر دام لعدة دقائق لم يخلو من بضع دمعات تسربت من عين "قدر" قبل أن تردف مُكمله
_ بس يا سيدي والسنة ضاعت عليها بسبب كده .. عشان كده هي فـ آخر سنة السنادى
لم يرد لم يتحدث قط .. يُفكر فى تلك المسكينة قبل أن يسأل قدر مُستفهماً
_ طيب هي قاعدة لوحدها ليه .. أقصد يعني مرحتش تقعد مع حد قريبها ليه
ردت قائلة بابتسامة رغم قلبها المُعتصر ألماً على رفيقت دربها
_ عشان هي مكنتش عايزة تسيب ريحت بباها ومامتها .. وكمان هدى مبتحبش تبقي تقيله على حد .. خصوصاً إن بابها سايبلها معاش بيكفيها ويفيض كمان .. هو كان موظف حكومة على فكرة مش أي حد يعني
ضحك "أحمد" ضحكة خافته على جملتها الساخره الأخيرة .. رغم شعور الحزن المُتسرب داخله على ما مرت به محبوبته
ثم سألها بـ سؤال ظل يتردد داخله ليالي .. سؤال أذهب النوم من عينه  ليالي .. نطق وقلبه يخفق بشدة مُتلهفاً لسماع جواب يرضي قلبه .. قائلاً
_ طيب هو في حد فـ حياتها .. أقصد بتحب حد يعني
ردت "قدر" مُصتنعة الحزن ..
_ للأسف فيه
نظر "أحمد" لها بـ نظرات مُندهشة ثم ما لبثت تحولت للغضب .. ثم للارتياح عقب كلمتها الأخيرة التي ألقتها فـ وجهه
_ أنا
تفوهت بها "قدر" ثم ضحكت بـ شدة من نظرات ذلك الـ "أحمد" ثم سألته بنبرة يشوبها الضحك
_ خفت صح
توقفت السيارة ثم أخبارها قائلاً بثغر مُبتسم
_ انزلي .. وصلتي
حدقت بـ مبنى الشركة .. ثم التفتت له قائلة بوجه ضاحك
_ مش هقولك شكراً عشان قولتها فـ الأول .. اه وعلى فكرة التوصيله قليلة أوي على معلومات هدى اللي عرفتها .. خصوصاً السؤال الأخير .. وهعرف برضو حبتها ازاى ومنك ..
ثم غمزت له مُبتسمة وترجلت من السيارة لـ مبنى الشركة .. ابتسمت شفتيه وقلبه أيضاً تبسم .. فـ ها قد عرف أكثر مما كان يتمنى .. هدى .. اهتدى قلبي برؤيتك .. فـ متى يستكين قلبك بين أضلعى!!..

                      ********************

وصل الشركة .. يكاد عقله ينفجر من كثرة التفكير .. وقلبه من كثرة النيران .. تعمل بشركة كرم وتغاضي عن ذلك لـ حين  قراره النهائي .. لكن أخيه يطلب أن يأخذها في طريقه!!.. هذا ما جعل صدره يكاد ينفجر من تلك النيران القابعة به .. صاح داخله لما لم تأخذها أنت!!.. صاح عقله لن أفعلها .. لن أغفر خطأها .. صاح القلب تباً ستغفر .. لا لن أغفر .. صراع داخله بين قلبه وعقله .. مرت ساعتين يحاول العمل بهم .. مراجعة الملفات .. وإمضاء عقود .. يشغل عقله لكن هيهات يحاول إشغال عقله وقلبه ذاته معها ..
             
                  ************************

وصل "أحمد" للشركة .. مُبتسم .. مُشرق على غير العادة .. قرر أن يقوم بتغير عادته .. لأن اليوم مميز .. سيصعد بـ المصعد .. تغيير لا أكثر .. كاد أن يدخل للمصعد .. لتلحق به "مريم" بأنفاس مُتصاعدة .. مُتقطعة ..
ردت "أحمد " قائلاً
_ مالك يـا أنسة مريم برحتك
ردت قائلة بتنهد
_ أسفه يـ استاذ أحمد بس اتأخرت على أستاذ يوسف .. وكان مستني العقود النهاردة
رد "أحمد" قائلاً بلهجة مُطمئنة
_ تمام خدي نفسك بس كده .. واستاذ يوسف مش بيعض ولو عض انا هحوش انا طلعله معاكي
ابتسمت قائلة
_ شكراً
توقف المصعد فـ الطابق المنشود .. وصلا كلاً من "أحمد" و "مريم" لـ غرفة الإجتماعات حيث "يوسف" ينتظرهم لبدء الإجتماع
 
                      ********************

يوم مُعتاد .. ملفات .. أوراق .. إجتماعات .. تسليمات .. مر اليوم .. أخبارها أنها سـ تذهب معهم غداً لموقع البناء .. هي و "يوسف" و "كرم" وذلك .. أنهت عملها فـ الميعاد المُعتاد .. أرادت أن تذهب لـ زيارة هدى لديها ما تريد البوح به لها .. هاتفت "أحمد" لـ تخبره أنها ستذهب وتطلب منه أن يخبر "يوسف" فـ أعتذر مُتحججاً بـ أعماله وطلب منها أن تخبره هي تحججت بأنها لا تعرف رقم هاتفه فـ أبطل حِجتها وأعطاها رقم الهاتف .. ظلت مُترددت أ تهاتفه أم لا!!.. لكنها تريد رؤية "هدى " سـ تهاتفه ..
رنين الهاتف .. خمس ثواني .. ست ثواني .. أجابها قائلاً
_ ألو
ردت "قدر" مُتلعثمة
_ انا قدر يا يوسف
اه يوسف .. تفوهت بإسمك .. كم أحب إسمه فى هذا التوقيت .. تخيل شفتيها تنطق حروف إسمه فتنهد ..
أجابها قائلاً ببرود
_ نعم
ردت قائلة بتوتر
_ أنا هروح لـ هدى صاحبتي بعد الشغل فـ حبيت أعرفك
رد قائلاً ببرود ونبرة آمره
_ تمام بس متتأخريش
كادت أن تخبره أنها لن تتأخر لكن المكالمة فصلت .. سبته داخلها .. بارد .. مُتعجرف ..

                    ********************

قبرك بين صمام قلبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن